ـ هيرو !
نهضوا على الفور برعب لدرجة انهم قد اسقطوا الكراسي الذّي يجلسون عليهافيلفتوا انظار المتواجدين،
وعلى الفور اقترب كلّ من شيزون وايراكو منه وهو ينحني بجسده واضعاً يده على فمه مستمراً بالسعال بطريقة مرعبة
تُنبؤ بحالته الصحية التّي تتدهور من سيء إلى أسوأ.. فالمرض أخذ يحاول فتكه من جديد..
كان ذلك كافياً لتسرب القلق والخوف إليهم بلا استثناء...
ـ هيرو.. هل أنت بخير؟
ـ ما الذّي أصابك؟
النّطق كان صعباً فهو لا يستطيع التّنفس حتّى، يشعر بنغزات قويّة في قلبه، وتزداد حدّتها كلّما نبض قلبه مرة تلو أخرى،
وكلّ نفس يأخذه يوخز قلبه بقسوة، يشعر بانقباض شديد وكأن يداً تعتصر قلبه بلا رحمة.. سيختنق..
لم يعد قادراً على التّنفس..
شعر بنبضة قوّية جحظت لها عيناه حينما اجتاح كيانه وشهق بقوّة كبيرة شعر على إثرها بقحط
أصاب مسرى الهواء لرئتيه وقد أثار فزعهم جميعاً بشهقته المرعبة،
اسند يده على الطاولة أمامه وهو يقبض يده على الجهة اليسرى من صدره ويشعر به يعلو ويهبط بجنون،
كان يتنفّس بصعوبة يحاول إدخال هواء إلى رئتيه كي ينعشهما
وعيناه مغمضتان بألم بينما قطرات العرق تنساب جانبي وجهه مبيناً صراعاً قوياً يحدث في داخله..
اقترب منه الجميع فوراً والقلق يعتليهم ليقول نيتا: لا تبدو بخير.. إن وجهك شاحب
بصعوبة رسم شبه ابتسامة على محّياه وهو يتعّرق، نطق بصوت متعب: إنني.. شاحب دائماً
رغم جملته غير المفهومة لم يكن لدى احدٍ وقت ليفكّر فيها بل جلّ تفكيرهم في حالته الحرجة هذه،
استأنف هيرو وهو ينظر إليهم بعينه الشّبه مفتوحة: سـ.. ـأذهب.. إلى دورة.. المياه..
أخذ يسير ببطء مترنحاً يهوي جسده يمنة ويسرة بسبب عدم استطاعته على التركيز فكل شيء مشوش،
هرع إليه كلّ من ايراكو وشيزون لمساعدته ورافقاه إلى هناك بعدما طلبا من الآخرين الانتظار فظلّوا في المكان..
كانت المغاسل في جهة والحمامات في جهةٍ أخرى، دخل هيرو إلى احداها مغلقاً الباب بينما انتظر ايراكو وشيزون عند المدخل،
كان بإمكانهما سماع صوت سعاله بسبب خلو المكان من أحد،
رغم قلقهما عليه إلا انهما لم يتجرآ على سؤاله مجدداً فهما معتادان على كرهه لكثرة الأسئلة ولو عن حاله !
تنفس الصعداء حينما تركه اعراض المرض المميت وأسند ظهره بالباب لاهثاً
وهو يسمع صوت حديث شيزون وايراكو اللذان كانا بانتظاره، ويبدو انهما لاحظا انه قد توقف عن السعال
فقال شيزون: سننتظرك في المطعم.. عد وانت سالم
وأخذ صوته المرح ذاك يبتعد مع وقع خطواتهما ليبين له انهما قد خرجا من هنا،
كاد يخرج لولا انه لم ينسى امر الأستاذ هارانو.
فكّر في خطّة للهرب منهما، فحتّى لو خرج من دورة المياه يلزم عليه ان يمرّ بالمطعم للخروج من المكان كلياً،
والاثنان سيتبعانه بالتأكيد، نظر للخلف حيث النّافذة الصغيرة لكن يبدو انها لن تسعه،
فهي اصغر من ان يستطيع الخروج من خلالها،
اخفض رأسه متنهداً لكن وقع نظره على سترته السّوداء التّي يرتديها ومن داخلها لون مغاير وهو الأبيض..
ـ "أجل إنها هي"
***********
كانوا متجمّعين حول الطاولة ولم تخفى عليهم اهتمامه بأمر هيرو وقلقهم عليه، وكلّ منهم يتساءل عنه
حيث قال ايراكو متسائلاً: ما به؟
ـ لستُ اعلم.. لقد تأخّر
قالها شيزون وهو ينظر إلى جهة دورات المياه في المطعم، فردّ عليه ايراكو منزعجاً: لست اقصد ذلك..
ما اسأل عنه هو سبب سعاله هكذا ؟
شدّ انتباهه هذا السّؤال فنظر إليه ليرى ملامحه التّي غلبت عليها علامات الخوف، ليهتف: لو كنتُ أعلم لما اخفيت عنك..
ـ ما هذه المزحة الغبية؟.. لم ترضى بأن تخبرني بما تعرفه عن هيرو وتقول لو كنت تعلم لما اخفيت عني..
هزّ كتفيه بلا مبالاة قائلاً: لابد انه يخفي شيئاً آخر لا احد منّا يعرفه..
ـ على الأرجح..
لم ينتبهوا للآخرين الذين حدّقوا بهما بغباء ولم يفهموا شيئاً من حديثهما،
فقد كانا يحدّثان بعضهما عن أشياء يجهلها الآخرين، نظرا إلى تلك الملامح المتسائلة ليضحكا بخفوت،
أثار انتباه ايراكو ذاك الشّخص الذّي مرّ قريباً منهم متجهاً إلى البوابة الخارجية مرتديا سترة بيضاء
ويضع قبّعتها على رأسه لخفي عيناه خلفها،
نظره إلى تلك الجهة أثار ريبة نيتا الذّي نظر إليه أيضاً وحملقا به حتّى خرج فالتفت شيزون إليه في آخر لحظة
بعدما استغرب من ايراكو ونيتا اللذان كانا يحدقان هناك، إلا انّه لم يتمكّن من ملاحظته ولم يره جيداً لأنه خرج سريعاً،
سأله بفضول: ما الخطب؟
قطّب حاجبيه بـ ريبة وشكّ لكن سرعان ما ارخاهما ليقول: لا شيء.. ظننت فقط انني اعرفه من قبل..
ـ فهمت..
صمتا لوهلة فسمعا نيتا يقول: ألم يتأخر كثيرا ؟
فاردف اروهي باضطراب: أرجو ألا يكون مكروهاً قد أصابه.. لمَ لا نذهب؟..
ـ حسناً لنذهب ونتأكد
قالها اودا وهو يقوم عن كرسيه كما فعل الآخرين ودخلوا الى دورة المياه،
وقفوا أمام الحمام الذّي كان قد دخله هيرو ثم طرق ايراكو الباب قائلاً: هيرو..
انتظر لبرهة لكن لم يجبه أحد، فأكمل شيزون عوضاً عنه: ما الخطب؟ أتنوي البقاء في الداخل لبقية حياتك؟
بعفوية ضحك ايراكو على جملته ليقول بعدها وهو يطرق مجدداً على الباب: أأنت بخير؟ اجب على الأقل..
لكن لا جواب، تقدّم اودا وهو يضرب الباب بعنفٍ قائلاً بشكّ: أأنت في الدّاخل؟
النتيجة لم تتغير فلا أحد يجيبهم، ساورهم الشّك حينها
فتبادلوا نظرات قلق وأخذ شيزون يضرب الباب بقوة أكبر: يوكا.. ما بك؟.. ما الذّي أصابك؟
ـ أجب يا هيرو.. هل أنت بخير؟
لكن لا جواب لندائهما، بادلا نظرات قلقة إلا أن شيزون قطّب حاجبيه بضِيق،
ثمّ نظر إلى أعلى الباب حيث المسافة التّي تفصل بينه وبين السقف، قفز للأعلى واضعاً يده على حافة الباب
ليطلّ إلى الداخل لكن يا للمفاجأة..
لم يكن هنالك أي أحد !
المفضلات