بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل جنات الفردوس لعباده المؤمنين نزلا, ويسرهم للأعمال الصالحة الموصلة إليها , فلم يتخذوا سواها شغلا , وسهل لهم طريقها , فسلكوا السبيل الموصلة إليها ذللا , خلقها لهم قبل أن يخلقهم , وأسكنهم إيها قبل أن يوجدهم , وحجبها بالمكاره , وأخرجهم إلى دار الامتحان , ليبلوهم أيهم أحسن عملا , وجعل ميعاد دخولها يوم القدوم عليه , وضرب مدة الحياة الفانية دونه أجلا , وأودعها ما لا عين رأت , ولا أذن سمعت , ولا خطر على قلب بشر , وجلاها لهم حتى عاينوها بعين البصيرة التي هي أنفذُ من عين البصر , وبشرهم بما أعد لهم فيها على لسان رسوله , فهي خيرُ البُشَر , على لسان خير البشر , وكمل لهم البشرى بكونها
( خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) (١٠٨)
و الحمد لله فاطر السماوات والأرض , جاعل الملائكة رُسلاً , وباعث الرسل مبشرين ومنذرين , لئلا يكون للناس على الله حجةٌ بعد الرسل , إذ لم يخلقهم عبثاً , ولم يتركهم سُدًى , ولم يغفلهم هملا , بل خلقهم لأمر عظيم , وهيأهم لخطب جسيم , وعمر لهم دارين , فهذه لمن أجاب الداعي , ولم يبغ سوى ربه الكريم بدلا , وهذه لمن لم يجب دعوته , ولم يرفع بها رأسا , ولم يعلق بها أملاً.
والعجب كل العجب من غفلة من لحظاته معدودة عليه , وكل نفس من أنفاسه لا قيمة له , وإذا ذهب لم يرجع إليه , فمطايا الليل والنهار تسرع به , ولا يتفكر إلى أين يحمل , ويسار به أعظم من سير البريد ,ولا يدري إلى أي الدارين ينقل , فإذا نزل به الموت اشتد قلقه لخراب ذاته, وذهاب لذاته , لا لما سبق من جناياته , وسلف من تفريطه , حيث قدم لحياته . فإن خطرت له خطرةٌ عارضةٌ لما خُلِقَ له , دفعها باعتماده على العفو , وقال : قد أُنبئنا أنه هم الغفور الرحيم , وكأنه لم يُنبأ أن عذابه هو العذاب الأليم.
والصلاة والسلام على خير خلق الله , خير من صلى وصام , وطاف بـ البيت الحرام , ووحد العلام ,
وطئطئ جبينه للعز والاقتدار حتى اته اليقين صلوات ربٍ وسلامه على النبي الامين محمد عليه وعلى اله أفضل الصلاة واتم التسليم .
ما دام أن الله وفقك وأعانك وأكرمك باعظم كرامة
"التوبة والاستقامة والالتزام "
فلماذا لا ترى الله من نفسك خيرا ؟
لماذا إلى الآن
تقصير في الصلوات
تفريط في كتاب الله
تضييع لحق الوالدين
ما زالت العين تزيغ وتنظر للحرام
ما زالت الأذن تحن لسماع ما يسخط الله
ما زالت سريرتك وخلواتك مليئة بما لا يرضي الله
ما زلت مقصرا في طاعات الخلوات بينك وبين الله
ما زلت مقصرا في السنن الرواتب
الوتر - الضحى - أيام البيض - الصف الاول ؟؟!!
متى تكون ممن يقوم الليل بالجزء والجزءين ؟
متى تكون ممن يتلو كتاب الله ولا يفتر آناء الليل والنهار ؟
متى تكون من المحافضين على تكبيرة الإحرام ؟
متى تكون من البكاءين من خشية الله؟
متى تكون ممن يدعو إلى الله بهديه وسمته قبل كلامه ؟
متى ؟
متى ؟
نداء لكل من أقبل على الله ...
نداء لكل من أعلن توبته لله ...
نداء لكل من عاهد الله ...
نداء لكل من أراد الله والدار الآخرة..
نداء لكل من أراد الفردوس الأعلى...
هل أعلنت ذلك كله لله ؟؟
أم أن في النية دخن وسوء وشيء لا يرضي الله ؟؟
إن كان ذلك لله ..
فلم التقاعس والتراجع و النكوص على العقب ؟!
لم الانهزامية أمام الآخرين بمجرد همز أو لمز أو سخرية
أو استهزاء !؟
لم التقهقر و الاهتزاز وعدم الثبات بمجرد عرضت عليك
فتنة أو شهوة ؟!
أخي الغالي , أختي الغالية
يامن سلكت هذا الطريق ...
اعلم أنك سلكت طريقا يرضي الله
اعلم أنك سلكت طريقا سيوصلك لجنة عرضها السموات و الأرض
اعلم أنك سلكت طريقا سيجني لك الخير في الدنيا و الآخرة ...
لا تفتر ولا تتوقف و لا تجزع و لا تتحطم أمام فتنه أو شهوة
قد تكسبك لذة وقتية ..
لكنها ستجني عليك حسرات و حسرات
أخي الحبيب , أختي
احمد الله كثيرا على هذه المنه والعطية والمنحة
" الهداية و الاستقامة "
واسأله دائما الثبات عليها ...
أخي العزيز , أختي العزيزة
إذا عرضتك فتنة أو شهوة
فتذكر يوم تزل الاقدام
تذكر يوم تتطاير الصحف
تذكر يوم المرور على الصراط
تذكر يوم العرض الأكبر على الله
إذا أتاك الشيطان موسوسا لك بمعصية و خطيئة...
فتذكر نظر الله إليك
(أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)(14)
تذكر أن من أكرمك بالهداية قادر على أن يسلبها منك في لحظة..
أخي الغالي
هذا الطريق " الهداية و الاستقامة "
مشى عليه الأنبياء و الصالحون من قبلنا
ابتلاهم الله وامتحنهم واختبرهم لكنهم صبروا وصابروا
ورابطوا وجاهدوا...فأكرمهم الله بعطايا ومنح لا تخطر
على بال..
نحن يا أيها الغالي و أنت يا أيتها الغالية
سائرون ماضون ذاهبون إلى الله
فبأي حال تريد أن تلقاه ؟؟
هل تريد أن تلقاه وأنت حافظ لكتابه
هل تريد أن تلقاه وأنت من الذاكرين الشاكرين المصلين
القانتين العابدين ؟؟؟
أم أنك تريد أن تلقاه وأنت مكبل بالذنوب والخطايا؟؟
بحجة الفتن والشهوات والابتلاءات؟؟
أختم كلامي بوصية
"من صدق مع الله صدقه الله"
"أصدق الله يصدقك"
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (119)
حتى ولو أذنبت مرة ومرتين وثلاث وعشر ومئة...
أقبل على ربك بصدق
وقل يا رب إني أقبلت عليك إلا قبلتني
يا رب أن أستغفرك فاغفرلي
يارب إني تائب منيب فلا تردني
هل سيردك ؟
هل سيطردك ؟
هل سيمنعك رحمته ؟
هل سيفضحك بعد أن سترك ؟
حاشاه حاشاه
من ذا الذي أمله وما أعطاه ؟؟
من ذا الذي استعاذ به فخيبه ؟؟
من ذا الذي أناب إليه وطرده ؟؟
من ذا الذي دعاه فلم يجبه ؟؟
لقد كتب على نفسه الرحمة...
أفلا نرجوه ؟
لقد سمى نفسه الرحيم..
أفلا نسترحمه ؟
لقد سمى نفسه الغفور ...
تأملو في هذه الأوسمه الربانية التي تقلدها موسى عليه
السلام من رب العزة والجلال...
(وَأَنَا اخْتَرْتُكَ)(13)
(وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)(39)
(وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي)(41) طه
كلها في سورة طه
الله أكبر
منن ربانية
ومنح إلهية
من الرب المتعال لموسى عليه السلام
العجب أحبتي
أن موسى على الرغم من كل هذه المنح والمنن والعطايا
والأوسمة الرانية...
إلا أنه كان من أشد الأنبياء بلاء..
لقد لاقى من فرعون تكذيبا ونكرانا وكفرا عظيما...
ثم لاقى من قومه استكبارا وتعنتا وتخرصا...
حتى قال الله عنه
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى)(69)
وقال
(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي)(5)
وقال له قومه
(فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)(24)
وغير ذلك من البلاءات التي وجدها موسى في طريق دعوته..
وهذا يدل دلالة واضحة, ويعطينا درسا عظيما...ألا وهو :
أن الطريق إلى الله ليس مفروشا بالورود..
وأن السير إلى الله يحتاج لصبر ومجاهدة وثبات ويقين
وإيمان بالله عظيم..
وما ذاك إلا ليمحص الله الذين آمنوا من غيرهم..
فمن صدق فهو الناجي والرابح
ومن كذب فلا يلومن إلا نفسه , وسيسقط مع أول فتنة تواجهه..
(فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)(3)
وفقكم الله و أعانكم الله
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وجنبهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، اللهم جنبهم الضلالات والبدع والخرافات يا رب العالمين
اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم ردهم إليك رداً جميلاً، اللهم أصلح نساءهم يا رب العالمين، اللهم مُنَّ علينا بما تحب وترضى، وبالعودة الصادقة إلى دينك القويم يا رب العالمين
و الى لقاء قريب باذن الله
المفضلات