الجزء التاسع و الثلاثون والأخير (39)
•*´¨`*•.¸¸.•*´¨`*•.¸¸.•*´¨`*•.¸¸.•*
متى تُمنَحُ البشريةُ دروعاً ضدّ صدمات الحياة ؟
متى نستطيع التحكّم بقوّة هذه الصدمات قبلَ الارتطام؟
ماذا لو نجحنا بوضعها في قوارير زجاجيّة .. كي نعتادَ على رؤيتها من خلفِ الزجاج ..
قبل أن تسقطَ هذه القارورةُ وتنكسر .. وتتناثر الأشلاء من حولنا .. تمزّقنا بحوافّها الحادّة؟
أتُرى لو كنّا قادرين على أن نقسّطها قبل أن تحتكَّ بنا ثمّ تنفجر.. أكُنّا سنخسرُ شيئاً ؟
كيفَ السبيلُ إلى طريق الثبات وسطَ ضوضاءهِا ؟ والضّحكِ أمامَ إشتباكِها ؟
أمِن أرضٍ نحفرُها .. نرمي بها نوازلنا .. ندفنُها عبر رحلة ذهاب بلا إياب مدى الحياة!
[ في مديـنة المــلاهـــي ]
عمّ الصمتُ في البقعة الصغيرة، حيث كان الأصدقاء مجتمعون، وحينَ أدلى كلّ من رائد ومها بدلوهِ
في بحرِ سامر الهائج بالأصل .. الذي لا يحتاج أن يكونَ هناك ما يُهيّجه .. لم يعرف أحد ماذا يقول،
فسامر صاحب المسألة ، الغائص وسْطَ المعمعة التزمَ الصّمت حرفيًّا..
واكتفى الآخرون بالنّظر .. وبالشعور بعميق الحزن وبالغِ الأسى .. إن كانَ الأمرُ حقيقيًّا .. !
لم يعيشوا ضعفَ سامر وهو يرى شبيه جهاد بل ويحسبه أحدُ أشباههِ الأربعين!
لم يعيشوا ضعفَ سامر بينما يقلّب الحقائق المزَيّفة بعقله دون كلل .. ويحاربُ قلبَهُ دون ملل!
لم يعيشوا ضعفَ سامر والبصيص الصغيرِ من الأملِ .. الذي يتسلّل إلى فراشِهِ كلّ ليلة .. ليحجُبَ عنه النّوم..
لقد عاشَ ضعفُ سامر أكثرَ من سامر نفسُهُ ..
ليخوضَ اختبار الأخوّة ثمّ يفشل عند السؤال الأوّل ..
هل كان الأستاذ فريد .. ذلكَ القريبُ البعيدُ منه .. شقيقهُ بعدَ كلّ شيء ؟
شقيقه في نهاية المطاف .. !!
هكذا!!
يتساءل في عقله عن خيارات الجواب لهذا السؤال ..
هل كانَ وجه فريد هو العقبة فقط ..؟
أو أقوالُ هذا الفريد وتصريحاتُه فقط..؟
أم إبعاده عنه كلّما وصَلَه فقط؟
أم جميعُ ما سبق .. !
أي جوابٍ هو الصحيح .. ؟
يخوضُ الآنَ معركة مع نفسهِ، لم يعلم أحدُ من الأصدقاء من هو المنتصر ؟ كلّ سامر أم بعضه ؟
مدّ عمر يدهُ بتردّد كبير نحوَ كتِفِ سامر، قال بقلق يهزّهُ: سامر!
رفَعَ سامر رأسه بسرعة كالملدوغ والتفتَ نحوَ عمر وهو يحاول أن يستوعب أنّه لا يعيشُ في الواقع بل في حُلُم..
لا يدري هل بالإمكان إطلاق كابوس عليه بعدُ؟ أيّ نوعٍ من الأحلامِ هذا ؟ ما تصنيفُهُ ؟
رفَعَ ذراعهُ المرتجفة أمامه ..
قرّب كفَهُ لفمه بهدوء..
والجميع يتأمّلُ حركاتِهِ..
لا يتوقّعون شيئاً..
أطبقَ بأسنانِهِ عليها بقوّة .. غرسَ أنيابهِ يعضّ نفسه..
وبؤبؤيهِ يرتجفان في محجرهما ..
فلو كانَ حلماً لن يشعر بالألمِ أبدًا .. بالتأكيد هذا حلم..
سيعضّ نفسه لأنّ القرصة لا شيء تُذكر..
يبدو أنّه لشدّة ما أرادَ أن يكونَ فريد هو شقيقه جهاد..
باتَ يحلمُ بالأمرِ الآن ... نعم .. كلّ ما عاشه حُلُم ..
اندفعَ رائد يحاولُ سحبَ ذراع سامر الذي لم يزل يغرسُ أنيابَهُ بقوّة في يدهِ .. وكذا فعلَ عمر..
شهقت مها بخوف وغطّت فمها بيدها، لم تقصد أن تخبرهُ بهذه الطريقة، لا تعرفُ كيف ستخبره،
ولم تجد فرصة أفضل من هذه .. ! ومن هي حتى تعرف اقتناص الفرص .. ؟
لقد نسيت ما قدّمت له من قبل ..
ما قدّمت سوى الألم ..
كلّ ما في الأمر أنّ رسالة والدها الخائف والمبطّنة بنوع من الوعيد أرعبتها..
وزيارة ذلك الأستاذ فريد البارحة لمنزلها أشغلتها ..
بل الغموض الذي يحيط أمجد والألغاز المتبادلة بينه وبين والدها أقلقتها ..
خافت كثيرًا من ردّة فعل سامر، هل جُنّ ؟
قالت بخوف: سامر .. أنا .. لم أقصـد..
قاطعها رائد بصوته المرتفع وهو يهزّ ذراع سامر بقوّة: هييييه سامر .. أيّها الأحمق .. عمر ماذا تفعل عندك؟
قال عمر بقلّة حيلة وهو يمسك ذراع سامر الأخرى: إنّه ... لا يتركها يا رائد ..
خاف عمر وتساءل: هل فقد عقله ؟!
ثمّ زمجر: دع يدكَ أيّها الأحمق !
بعدَ صراع دامَ دقيقتين بينَ رائد وذراع سامر التي تركها مرغمًا بعدَ أن طَبعت أنيابُه ختمًا للذكرى عليها،
وتلوّنت بدمٍ خفيف ..
ابتسم سامر ابتسامة باهتة وسط دهشة الجميع، قال بخفوت: لم أشعر بالألم ..حمدًا لله.. أنا أحلُم..
حرّك عمر رأسه نفيًا، لا يمكن .. لقد فقد عقله ..
تنفّسَ الصعداء، شدّ قبضة يده بقوّة ثمّ سدّدَ لكمةً قويّة على خدّ سامر أسقطته أرضًا وهو يصرخ باستنكار:
أنتَ لا تحلم أيها الأخرق.. أنت فقدت الإحساس فقط !
رفعه من ياقته مجددًا وسدّد لكمة أخرى لخده.. بيدَ أنّ يد جواد امتدّت توقفه بهلع: اهدأ أنتَ الآخر ..
انتفخت أوداج عمر من الخوف على ابن عمّه، ليس غاضبًا منه ، بل غاضبًا عليهِ .. نعم .. يخافُ عليهِ كثيرًا..
ويا لحظِّ سامر السيّء.. من أن تكون طريقة خوف عمر عليهِ هكذا .. !
ارتفعَ صدرُ عمر مرارًا وهبط .. قال بنبرة تهديد: هل آلمتكَ لكمتي؟ هل تشعرُ بالألم الآن..هل عاد إحساسك ؟
أسندَ حسام سامر إليه ليقف، قال بجديّة: لستُ أفهم شيئًا .. لقد شعرتُ أنّ هنالك شيئ متشابه بينكما،
لكن لم يخطُر ببالي أبدًا .. أنّكما إخوة.. ولا أدري هل أنا ببرنامج الكاميرا الخفيّة وأنتم تتعاونون ضدّي الآن؟
نظر حسام للجميع بشك .. وكادَ رائد يقتلعُ عينيه .
سأل جواد: لنقل أنّه شقيقه، لماذا لم يعرفه سامر ... ؟ أم هل هو أخوكَ غيرُ الشقيق وقد اكتشفتَ ذلك توًّا..
ثمّ أردف بحيره: أعني ما بالُ ردّة فعلك هكذا .. لا أرى داعيًا لكل هذه الدراما !
حكَّ رائد رأسه وبقليل من التردّد: بالأمسِ .. " التفتَ الجميعُ له " فتوتّر: لا تنظروا إليّ جميعًا سأخاف!
سحق جواد قدمه فصاح: أيها المزعج قدمي .. بالكاد شُفيت ..
تنهّدت مها وزفَرَ عمر: هيّا يا رائد ماذا حدث بالأمس ؟
ابتلعَ رائد ريقه: بالأمسِ أخبرني أبي أنّ وجه الأستاذ فريد احترق، واضطَرّ أن يجري جراحة تجميليّة لوجهه ..
أغمَضَ سامر عينيه بألم .. صدقًا .. هذا ما كان يحتاجُه ..
جرعة العلاج الأخيرة التي كانت تنقصه في مسيرة الشفاء.. مسيرةُ شفاءِ عقلهِ .. فقط وجه فريد كان أعظم رادعٍ له ..
غطّى وجهه بكفّه ثمّ مسحَ بها شعره، ظنّ لبرهة أن ضغطَ دمه سينخفض بسبب الخبر السّاقط عاموديًّا على رأسِهِ..
مرتبك وقلق ومتوتر .. بل هو ضالّ الطريق .. ماذا سيفعل .. لاشيء .. فالعصابة هنا .. وفريد الذي هو جهاد هنا ..
وهو هنا .. والجميع هنا أيضاً .. ماذا تغيّر ؟
قال بداخله بعدَ أن استوعب قليلاً الوضع الحاليّ:
" لقد خرج الأستاذ فريد من هذا العالم ودخل إحدى البوّابات ولا أدري أيّة واحدة؟"
لم تبتعد عينا عمر عنه، قال بجديّة: سامر ..
بينما سامر لم يعره انتباهه لأنه يحاول جمعَ تركيزه المتشتت وشعور التيهِ الذي في داخله،
فقد تأكّد أن الواقع لم يكن حلمًا، لذا عليه أن يتدبّره..
متّكىءٌ على حسام الذي لازالَ يُسنِدُه، ويراقبُ المكان من حوله، أينَ كان قبلَ قليل ؟
" آه .. أجل .. كنتُ أبتاعُ العصير .. "
أدار وجهه إلى حيث كان يجلس الرجلين ثمّ نظَرَ إلى الطريقين الذين ذهبا إليهما ..
قطّب حاجبيه بانتباه وهو يحدّث نفسَه: " في النهاية .. كان أخوكَ يا سامر .. تبًّا لكَ .. لم تشعر به .. ! "
ابتلعَ ريقه بحسرة: "لماذا لم يخبرني ..؟ ما المانع ؟
كنت قربه طوال الوقت، ألم تكن هنالك لحظة مناسبة للإفصاح؟"
فكّر سامر عن سبب امتناع شقيقه بالإفصاح عن هويّته ، حتى مع التصاقه به ،
والاستمرار بسؤاله ، وسؤال النّاسِ عنه .. لقد سبقَ القلبُ العقلَ هذه المرّة! سبقَ قلبي عقلي يا فريد !!
ليته ما تَعِبَ بالتفكير .. الأمرُ في النهاية كان بسيطًا .. أجرى جراحة .. وتغيّر ..
لكن كيفَ صار أستاذًا وهو لم ينهِ الجامعةَ حتى .. ؟
نظَرَ لوجه عمر ثم قال ببطء: عمر ..
أجابه عمر: ماذا ؟
تردّد سامر ثمّ قال بخفوت: هل صحيحٌ أنّ الأستاذ فريد أخرجكَ من المدرسة بعد أن أخبرهم أنّكَ ابنُ عمّه ؟
لازال غير مصدق تقريبًا، يودّ التأكّد أكثر .. فالأمر عظيم ..
حكّ عمر شعره وبعثره بضجر: تبًّا .. لم ننتبه كثيرًا البارحة .. ظننته زوّرَ شيئًا أو هدّد الموظّف ..
صمتَ برهة ثمّ أجاب: نعم، صحيح .. لقد أخرجَ بطاقته أيضًا ..
ضحكَ سامر ضحكة قصيرة باستخفاف: هه! وهو الذي أخبرني ألّا أصدّق كلّ ما يقال !!
لمعت عيناهُ بحزن وقال بصوت منخفض: ليتني لم أصدقك يا جهاد ! أيها المخادع ..
ابتسم بألم وراحت الذاكرة به إلى يوم الحريق.
.
.
.
[ فـــي مـــنــــزل الرّقـــيـــب جـــاســـر ]
الوقتُ من ذهب !
لأوّل مرّة يقدّر خالد الوقت هكذا، خاصّة وأنّ هنالك فوهة مسدس تحفرُ رقبتَه،
يراجع شريط حياته المليء بالتقاعس والعجز والكسل.. الخالي من الإنجازات تقريبًا ..
ابتلعَ ريقه وهو يقول بجدية: أبي لماذا لا ترد على الهاتف؟
ردّ عليه الرجل الذي بدا زعيمهم بينما ينهض من كرسيّه: لو سمحت، هل طلبتَ إذني؟
ابتسم خالد بارتباك: يا إلهي! أعذرني لم أقابل لصًّا يطلب مني السماح من قبل ..
صرخَ بوجهه: إخرس!!
التفتَ لأتباعه وهو يحرّك مسدّسه بعشوائيّة بالهواء وفاتن تتابع فوهة المسدّس إلى أينَ تُصَوَّبُ ..
قال بنبرة خبيثة: أيها القوم ! ضحيّتنا تعتقد أننا لصوص .. هل تصدّقون ؟
ضحكوا معاً باستخفاف، فقال زعيمهم: آسف لتخييبِ ظنّك، نحنُ محترفون أكثر من كوننا لصوصًا !
ردّ عليه خالد بلا مبالاة: هه وكأنّ تغيّر الأسماء يغيّر من حقيقة أنّكم لصوص وقد اقتحمتم منــ..
قاطعته رصاصة مرّت بمحاذاته، لو تحرّك قليلاً لانتهى!
خفقَ قلبُ خالد بشدّة، حتى لو حاول إخفاء خوفه، أو التغلّب عليه سيبقى هذا المسدّس عائقًا..
ابتسم الزعيم: كلمة أخرى منك وسأفرغ الرصاصات المتبقية برأسكَ الفارغ..
أشار بسلاحه وحرّكه عشوائيًّا: أنا لا أخطِىء الهدف ..
ارتجفت فاتن وأصيبت بنوبة من الذعر، صرخت بوجه خالد: إخرس يا خالد .. " غطّت وجهها بكفّيها "
واهتزّ كتفيها بشدّة من أثرِ البكاء المستمر ، شهقت بقوّة وهي تمسح دموعها التي لم تتوقّف: إخرس أرجوك..
حرّكت رأسها نفيًا: لا أريدُكَ أن تموت .. أرجوك ..
ابتسم الرّقيب جاسر بصعوبة، الغضبُ قد سيطرَ عليه، لكن ما عساهُ يفعل وهو محبوسٌ هنا،
وليته كانَ وحده لكان الأمرُ أسهلَ بالنسبةِ إليهِ حتى لو اضطرَّ أن يضحّيَ بحياتهِ،
لكنّ المشكلة الأعظم هنا هو أبناؤه الذين بإمكاننا إطلاق
كلمة " رهائن " عليهم.. ولا ذنبَ لهم ليتورّطوا، حاولَ كبح جماحِ غضبِه فهو يريدُ الرّدَّ على الهاتف،
ولعلّه أحد أفراد الشرطة، ربّما يستطيع أن يلمّحَ لهم بطريقة ما..
قال بصوته الجهوري الواثق: إذًا ألا يمكنني الرّدُّ على الهاتف؟
رفعَ زعيمهم مسدّسه باتجاه الرّقيب: أخبرني من المتّصل أوّلاً؟
-إنه ابني أمجد ..
-إذًا لا تنسى وضعَ السمّاعة على المكبّر، والأهم تصرّف بشكل طبيعي ..
زجرّه بقوله : أسرع بالرّد دون إثارة شكوك..
حرّكَ رأسَهُ لأتباعه ففهموا الوضع، واقتربوا من الرّقيب، صوّبوا مسدّساتهم عليه دفعةً واحدة..
لم تستطع فاتن إلّا البكاء على الوضع المأساوي، فقال خالد بهمس:
يكفي يا فتاة، لقد استنزفتِ دموعكِ قبل موتي، أبقي لموتي دموعًا..
صرخت بوجهه: للمرّة الثالثة إخرس يا خالد.. هل هذا وقت كلامك التافه؟
ابتسم خالد بارتباك واضح وهمس لها: أنظري لعنق التافه جيّدًا فثمّة مسدّس مغروس فيه ولازالتُ أتأمّلُ أن ننجو.
عضّت فاتن شفتها السفلى بحسرة وتقول في نفسها: " لماذا يجب أن يحدث هذا لنǿ ما علاقتنǿ"
زمّ الرّقيب شفتيه ورفعَ الهاتف، وضعه على المكبّر ثم أجاب بــ"نعم" ليفاجَأ بصوتِ أمجد الذي يصرخ بقلق: أبي!
لقد تأخّرت في الإجابة علي كثيرًا، أقسم أنني قلقت، خفتُ أنّكَ في خطر ..
اقتربَ الزعيم وهو يشير بيديه على الصامت أنّه " ما باليد حيلة " فكلام أمجد صحيح ..
أخفضَ جسده ليجلسَ أمام فاتن المرعوبة والتي أدارت وجهها بسرعة بمجرّد ما لمحته يقترب،
همسَ لها: فقط لأذكّركِ بأن لا تزعجينا بصراخك.. لو انكشفنا بالمكالمة..
"أشار بيده بشكل أفقي أمام رقبته" ستموتون جميعًا ..
ثمّ أردف بابتسامة خبيثة: أشكريني فأنا قد أتفاوض معكم وأبقيكم أحياء ..
غمزَ بعينه وقال: قلتُ .. قد !
ثمّ رفعَ رأسه للرّقيب يحثّه على الكلام والمتابعة..
يريد السيّد جاسر إيصال رسالة ما مع أمجد،
لا يدري هل سيفهمه أمجد بسرعة أم سيستغرق وقتاً سيدفعُ ثمنه أبناؤه.
قطعَ الصمت صوت أمجد مجددًا: أبي؟ أينَ أنتَ الآن ؟
ردّ عليه والده مازحًا: تحت الأرضِ يا بُنيّ.
-كفّ عن المزاح، أنا متوتر، نحنُ في وضعٍ حرج يا أبي.
ضحكَ الرّقيب: أعرف يا بني، ولذلك أمزح.
-حسنًا، أين أنتَ؟
أجابه باستهزاء مصطنع: باللهِ عليكَ أينَ سأكونُ .. عند رأس جسر أو في جيب مثلاً.. أو ربما نقلتُ إلى الجبهة..
إنني في المنزل بالطبع..
ردّ عليه أمجد بانزعاج: قل هكذا من البداية..
-بالمناسبة أمجد كنتَ تريدُ أن تسألني عن حبر كلوريك كوبلت المائي في تجربتك..
-أي كلو..
قاطعه والده: تعرفُ أنّ بخار اليود سيكون نافعًا تمامًا له، وبالطبع الجميع في السابق يستخدمه..
-لحظة لحظة أي بخار...
ابتلعَ الرّقيب جاسر ريقه: بُخار تجربتكَ في الجامعة يا فالح..
راح أمجد يتذكّر، هل لديه تجربة حقًا ؟
أمّا الرقيب فإذا أطال المكالمة وكان هو المتحدّث فقط سيجعله شُبهةً لهم، عليه إيجاد حلّ ما بسرعة،
خطرت بباله فكرة، سيقتل أمجد بنفسه لو لم يفهم هذه المرّة..
سأله والده وتظاهر بعدم تمتمات أمجد مع نفسِه: عزيزي أتقولُ بطاقة؟
-بطاقة ماذا ...
ضحكَ بصوت مرتفع باصطناع ليغطي على صوت أمجد المستنكر: فهمت فهمت.
ثمّ أردف:ركّز معي يا أمجد، هل تعرف الرقم السرّي لبطاقتي البنكية؟ لا أريدُكَ أن تقفلها بسبب ذاكرتك،
أموالي فيها لا تضيّعها.
لم يفهم أمجد شيئًا، فوالده لم يقل شيئًا واضحًا طوال المكالمة،
يجدُ كلامَ والده غريبًا اليوم، هل والده متوتر مثله؟
ردّ أمجد بجديّة: أجل إنه 4820
ابتسمَ والده: لا بل 0284
-لا يا أبي إنه ليس رقمك أنا متأكّد مما قلت !
-وهل تشكّ بذاكرتي؟
-لا ولكن أخبرك أنه ليس رقمك.
-حالة الرقم الآن هي 0284
قال بهمس: حــ..ــالــة الــ..ــرقــ..ــم.. ؟
قلق أمجد، فهم الآن أنّ والده يخفي شيئًا ما، هل هو في خطر ؟ عليه أن يراجع المكالمة مجددًا..
قاطعه والده بضحكة، وكذا فعلَ أمجد، إلّا أنّ ضحكة أمجد كانت مرتبكة قليلاً..
فاتن لم تفهم شيئًا.. لكن على العكس ربما خالد فهمَ شيئًا ..
في المقابل .. الزعيمُ شكّ قليلاً-لقلّة خبرته في الميدان الذي تحدّث عنه الرّقيب-لكن ضحكة أمجد ردّت شكوكه ..
ابتسم الرّقيب: إنني بخير يا عزيزي شكراً لسؤالك.
-أبي أنت لست على ما يرام ، أليس كذلك؟
-بلى يا عزيزي، أتعبتني يا بني، في النهاية سلّم لي على مؤيّد و فراس و عامر.
أشارَ الزعيم على هاتف الرّقيب واختطفه،
أغلقه بسرعة ثمّ رماه على الحائط ليتحطّمَ وهو يصوّبُ السلاح بشكل سريع على جبين السيّد جاسر،
قال بنبرة حادّة: من هؤلاء ؟
نطقَ خالد بسرعة متداركًا: إنهم أخوالي..
رفع الرقيب حاجبيه بصدمة والتفتَ على خالد الذي ارتبكَ ثمّ قال سريعًا: كما قلتُ لك..
هزّ الرّقيب جاسر رأسه إيجابًا وقال بجديّة مصطنعة: إخوة زوجتي .. "نظر لخالد" بالفعل.. هم كذلك..
حدَّقَ به الزعيم مطوّلاً ثمّ قال: لو اكتشفتُ أنّكَ كذبتَ يا رقيب .. سأمزّقك ..
حدّ عينيه وقال: مع الأسف غفلنا أن نبحث عن عائلة زوجتك !
ابتسم الرقيب ثمّ هزّ كتفيه قائلاً بثقة مصطنعة: وما مصلحتنا من الكذب، تعرف أنّ الوضع ليس لصالحنا أبدًا..
حدّ حاجبيه وبنبرة حازمة: فنحنُ محاطون بالموتِ من كلّ جانب !
نهضَ الزعيم وابتسامة فخورة تعلو شفتيه يتّصل على أحد ما من هاتفه: هل عثرتم على التافه فريد؟
زمجر بحدّة: أغبياء، كان عليّ إبقاء آخرينَ معكما! لقد خدعكما ..
تفاءل السيّد جاسر، فيبدو من الحوار أنّهم لم يعثروا على فريد حتى الآن، لكنه لازالَ قلقًا على الأطفال،
فهم بنفس مكان الحدث.. سيدعو الله ألّا ينخرطوا بشكل من الأشكال داخل القضيّة..
.
.
.
المفضلات