مشاهدة نتيجة التصويت: اختر الحكاية الأفضَل برأيِك ؟

المصوتون
6. لا يمكنك التصويت في هذا التصويت
  • خارج من الظلمة...لعنة زرقاء اليمامة

    4 66.67%
  • مجنُون القبّعَة!

    2 33.33%
مشاهدة النتائج 1 الى 12 من 12
  1. #1

    غمزه تحدٍّ " Seto_Ken VS şᴏƲĻ ɷ "

    attachment




    السّلام عليُكم ورحمة الله وبركَاتُه
    كيَف حالُكم جميعاً embarrassed ؟!






    هذا المُوضوع مُشارَكة فِي [ فعاليّة التحدّيات القصصيّة ] ، بيِني وبين الآنسة seto_ken embarrassed ،
    حيثُ ينصّ التحدي على كتابة [ قصة قصيرة تحتوي على العناصر الآتية .. خدعة ، قناع ، شخصيّة أسطورية ]
    وحسبَ شرُوط المسابَقة هنا ، تم افتتاح موضوع تصويت مدّته شَهر تنتخبُون فيه إحدى القصّتين برأيكم rambo


    مع ضُرورة الإلتزام بالشرط التالِي عند التصويت :



    ( يجب على العضو المصوِّت كتابة رد يوضح سبب اختياره دون تجريح و باحترام تام حتى يقبل تصويته )


    والآن لنبدأ بطرِح الحكايتين .. لذا يُرجَى عدَم الرّد beard







    ملاحَظة:

    * الفواصل من موضوع التحدي smoker knockedout


    يتبع ..

    attachment
    اخر تعديل كان بواسطة » şᴏƲĻ ɷ في يوم » 03-08-2016 عند الساعة » 17:30

    attachment

    Not Fading is living passiontately



  2. ...

  3. #2

    خارج من الظلمة ...لعنة زرقاء اليمامة




    1. خارج من الظلمة...لعنة زرقاء اليمامة


    - أمّي، ألن أخرج هذا اليوم أيضا؟،

    قالها ببأس، بينما تجاهلت أمّه الملتاعة سؤله و أغلقت باب القبو عليه، حتّى ما عاد يشعّ نور في ظلمته غير عينين دامعتين لم يتجاوز
    صاحبهما الخامسة من عمره بعد، يدعى زرياب، و يكنّى باللّعين و جرمه الوحيد أنّه يملك عينين كتلكما اللّتين امتلكتهما زرقاء اليمامة
    يوما قبل اقتلاعهما، الفرق بينهما أنّه لعين بينما الزّرقاء أسطورة أحبّت وطنها و دافعت عنه حتى إذا لم يصدّقها أهلها، غزاهم العدوّ
    فأطلقت لعنتها على سود العيون، فيأخذهم الموت كلّما رأوا عينا من نسلها، هكذا أخبر المقنّع أهل البلدة قبل أن يختفي.


    *****


    و هكذا أصبح حال المدينة بعد اختفائه، لا تلد امرأة إلاّ و عندها رجل يحمل رمحا، و مع سماع صرخة الحياة، تفتح عين الرّضيع بحذر، فإذا كانت
    زرقاء فقأت و اخترق الرّمح قلبه و إذا كانت سوداء أعطي حقّ الحياة.

    و قد جابه كثير من شيوخ البلدة، أهلها السذّج و زعيمها الجبان و لكن عبثا، قالوا إنّ زرقاء اليمامة كانت كاهنة عذراء و لم يعرف عنها حقد و
    لا رغبة في انتقام و لكنّ العقول المشبعة بحبّ الأساطير و المرعوبة من لعناتها، لم تقتنع و اعتبرت مشائخها متمرّدين على الزّرقاء حيث
    استندوا في حكمهم عليهم على عدم تصديقهم لما رأت حين أخبرتهم ذات يوم أنّ الشّجر يسير فكانت كارثة الغزو فاقتلاع عينيها انتهاء
    بإطلاق لعنتها. لم يكتفوا بذلك بل رأوا أنّهم، أي مشائخهم، كانوا سببا في اللّعنة التّي قضت تقريبا على نسلهم فرفعوا السّيوف عليهم
    فدقّوا رقابهم و أنهوا بذلك جيلا قديما بينما لا يزالون يقتّلون يوما بعد آخر جيلا طفلا لا ذنب له سوى أنّه ولد في بلدة تؤمن بالخرافات.


    *****


    -إذا، هل اقترب الموعد يا زرياب

    -أجل، أستطيع رؤيتهم يقتّلون أنفسهم، فلنهجم عليهم و هم في غفلة عنّا

    -خطّة ذكيّة

    -بل عرب جاهليّة


    وقف قائد جيش الرّوم و رفع سيفه صارخا بجنده "نحو اليمامة" و كانوا على بعد ثلاثة أيّام منها.

    كان زرياب، واقفا إلى جانب الزعيم، يخبره عن كلّ تحرّك مشبوه في اليمامة فيعدّ الخطط لغزوها دون أن يكلّفه ذلك تضحية كبيرة.

    -سنغزو أخيرا بلاد العرب، صمت ثمّ أردف، لكنّي لا أفهم إلى الآن لماذا اشترطت عليّ غزو اليمامة أوّلا على ضعفها؟

    نظر إليه و هو يضع قناعه الأسود الذّي يشفّ عمّا أمامه على عينيه و ابتسم بمكر

    -لأنّها الأخطر يا سيّدي

    - كيف و أنت تخبرني أنّهم يقتّلون أبناءهم كلّ يوم، لا شكّ أنّهم ضعاف و لا يملكون جندا، حبّذا لو بدأنا بعاصمة العرب

    - عليك أن تخاف العرب


    صمت القائد و صمت زرياب و لم يصمت صوت الطّفل في داخله و هو يتوسّل أمّه أن تخرجه من جبّ رمته فيه مذ كان رضيعا.


    *****


    -أمّي ألن أخرج اليوم أيضا

    -ليس اليوم يا زرياب، ربّما غدا


    فيفرح " غدا سأخرج، غدا سأخرج "، و يأتي الغد و لا تأتي أمّه...
    كان يجلس القرفصاء في ظلمة القبو و كان هذا كلّ ما يستطيع فعله وسط كلّ ذلك الخراب حوله.
    و بينما هو على حاله، يائس من مجيء أمّه، إذ سمع وقع خطواتها ففرح حيث أنّ الصّوت الوحيد الذّي يعرفه في هذا العالم هو صوت خفّ
    أمّه المهترء، و لكن هذه المرّة سمع صوتا آخر غير معهود، إنّه بكاء... و تلته أصوات أخرى كثيرة

    -لماذا تبكين يا صفيّة، لقد كفانا الربّ لعنة الزرقاء

    -عن أيّ لعنة تتحدّثين يا بنت خويلد، عن أيّ لعنة

    -لو كبر فعلم أنّ أمّه الزرقاء ماتت بسبب خطأ آبائنا لقتلنا قتلة لا يتمنّاها عدوّ لعدوّه

    -لقد قتل الأجداد أمّه و يقتّل الأبناء أحفادها، بئس ما نحن فيه

    -كأنّك تقولين ليمت كلّ العرب من أجل واحد

    -و ما هذا الواحد الذّي تتحدّثين عنه، قتلتم كلّ طفل في عينيه زرقة اليمامة، و تدّعون حبّ اليمامة، نحن اللّعنة و ليست اليمامة، نحن اللّعنة

    - قد أصابك مسّ أو جنون يا صفيّة، ما عهدتك هكذا، انظري إلى ابنك و احمدي الآلهة أن نجّاك من وجع الفقد، أما رأيت ما حلّ ببنت القائد إذ
    أنجبت طفلة فخبّأتها بعد أن قتلت قابلتها، ألا إنّ طفلتها الملعونة هي من قتل القابلة و ليس هي، حتّى أنّها طعنت زوجها و هربت خارج
    البلدة، تلك المجنونة، لو تركته ليقتلها لما حلّت بنا لعنة ابنتها

    -بوركت من امرأة، ألا إنّها خير من قائد

    -قد جننت يا صفيّة، أو حلّت بك لعنة الطّفلة

    -بل خائفة على مصير اليمامة و العرب، أما سمعت، قد انتشرت خرافتنا في أرجاء الجزيرة و كثر المصدّقون بها، ويل لنا من عرب

    -تلك أمور لا شأن لنا نحن النسوة بها، سأتركك الآن علّك تراجعين قولك، و ضمّي ابنك شهم إليك فإنّ الموت كثر فينا بسبب الطفلة الناجية

    -سأفعل


    و خرجت صديقتها من عندها، بينما مسحت هي على رأس ابنها و عانقته لتذرف ما تبقّى من دمع في عينيها.

    كانت محادثة طويلة كشفت لابن العاشرة المنسيّ في القبو أشياء قد تفسّر سبب بقائه منعزلا، لم يتمالك نفسه و بدأ يضرب الباب بقوّة يريد
    كسره، هناك ما يريد التحقق منه.
    ضاقت عينا أمّه و هي تسمع صراخ ابنها الثّاني بينما استغرب الأوّل مصدره

    -أمّي، أهو لصّ؟

    لم تجبه و أسرعت نحو القبو و قد علمت أنّ سرّ ابنها قد كشف لأخيه و فتحته لينطلق منه زرياب كصاعقة لا تعلم أين حلّت.
    وقف مشدوها مثله مثل أخيه مثل أمّهما

    -لعين يشبهني

    -بنيّ

    - أهذا هو العالم، وكان في غرفة لا شيء فيها غير بضعة جلود و أوعية من طين


    و يتذكّر لما تمرّد فيجري نحو مرآة معلّقة، كانت أمّه قد أخبرته عنها، تفاجأ، صمت، تماسك و التفت نحو أمّه

    - أنا لعين...

    فتجري نحوه تقبّله، و تطلب المغفرة أنّها أخفت عنه حقيقته

    -سامحني بنيّ، أردت إخبارك حين تكبر أكثر، طفل مثلك أنّا له أن يحتمل

    - قد احتملت ظلمة القبر يا أمّاه

    -كانوا سيقتلوك يا زرياب، أنا ابنة أخت اليمامة و في دمي شيء من زرقة عينيها، لو علمت لقتلت نفسي قبل أن أنجبك و لكن هكذا قدّر، هكذا
    حدث، يوم شعرت بألم الولادة، لم أستدع قابلة، و جثوت يعتصرني الألم و أبوك بجانبي يواسي وحدتي، و ولدت، أنجبت شهما أوّلا ثمّ أنجبتك و
    كان والدك ممن حضر موت اليمامة فعلم أنّ ما حلّ بنا إنّما كذبة يراد بها خداع العرب و إلهاؤهم عن حماية البلد، فقرّرنا اخفاءك و لكنّ والدك
    قتل بعد أن عارض سادة اليمامة.


    قالتها بألم و ندم بينما تركها و عاد إلى قبوه و شقيقه التوأم يرمقه بأسف بعد أن علم حقيقة اللّعنة من أمّه.


    *****


    تمرّ الأيّام و يألف زرياب وضعه، أصبح مسموحا له بالخروج و الجلوس مع أمّه و أخيه في البيت فقط حيث لا يقدر أن يخرج أكثر من ذلك. طلب
    منهما أن يفتحا له منفذا في الجدار فيرا منه العالم الخارجي ففعلا فأصبح يخبرهما عمّا يحدث على بعد قدّروه بمسافة ثلاثة أيّام تماما كما كانت
    تحدّث زرقاء اليمامة.

    مضت أيّام أخر و لم يعد زرياب ينظر خارجا و عاد إلى قبوه، فقد علم أنّ كلّ امرئ رآه قد مات أو في طريقه إلى الموت.
    ذات يوم، دخلت بنت خويلد و صفيّة بالبيت و في جعبتها خبر

    -ويل لنا، ويل لنا، قد تكالب علينا القوم و المرض

    -أيّ قوم؟

    -ضربنا بنو نجد فقتلوا منّا و أصابوا

    - و أيّ مرض؟

    -الطّاعون يا صفيّة، الطّاعون

    -ويل للعرب، الطّاعون و نجد

    -ألم أقل لك أنّ تلك الطّفلة ستفعل فينا الأفاعيل

    - وما فعلت

    -أخذتها أمّها حين هربت إلى بلد العدوّ، فاستقبلوها و آووها عندهم و لم تخبرهم عن لعنتها و كانت تلفّ عينيها بقماشة شفافة سوداء، أي
    لونها أسود و لكنّ تشفّ لها عن العالم الخارجي و لا تشف عن عينيها - كالحرير-، و تخبرهم أنّها عمياء فصدّقوها

    -ثمّ أرادت الطفلة أن ترى العالم جيّدا فكشفت عن عينيها

    -تماما، كأنّك حاضرة يوم فعلت، سترتك الآلهة، لقد أصاب المرض نجدا أوّلا فلمّا قتلوا الطّفلة و أمّها، قادوا جيوشهم نحونا فقتلوا منّا و أصابوا
    و نقلوا لنا العدوى و أظنّهم يستقرّون عندنا اللّيلة

    -ما أظنّهم يأتون، فالمرض فينا قد انتشر، أما رأيت كيف يموت الناس يوما بعد آخر

    -أرجو ذلك، عليها اللّعنة ستقتلنا كلّنا، و انصرفت

    و انتشر الطّاعون فعلا و لم تقرب نجد اليمامة و انسحب جندها.


    *****



    كانت ليلة ماطرة، يوم دخل شهم و قد فقئت عيناه، قال أنه فقدهما في معركة و هكذا أصبح بطل اليمامة، كما سموه، أعمى و انتشر خبره
    في البلاد. و لم تمض أيّام إلاّ و قد مات و لم يعلم أحد بموته لأنّ شهما آخر قد حلّ محلّه، يضع عصبة شفافة و سوداء على عينيه.
    كان يكتشف العالم لأوّل مرة عن قرب و لم يعد يهتمّ إن مات أحد بحضوره فالجميع يموت على كلّ حال.

    بعد أسبوع، بدأ الجميع في الهجرة خوفا من الموت فالوضع أصبح لا يطاق. و هاجر زرياب الذّي أصبح يدعى شهما برفقة أمّه.
    و في المهجر، استمرّت طقوس أهل اليمامة و ممارساتهم الهمجيّة و على مرءا من عينيه بل عيّنوه، لعماه، قاتل الرضّع حتّى يخفّفوا عن
    أنفسهم كوابيس اللّيل التي تظهر فيها أشباح الصغار فتحرمهم النّوم و الرّاحة.


    *****


    انتهى الطّاعون أخيرا بعد أن أنهى حياة المئات و عاد أهل اليمامة إلى أرضهم و لكن شهما لم يعد، اختفى بعد أن ماتت أمّه حزنا على أخيه.


    *****


    و في اليمامة، حيث يستمرّ القتل، عاد المقنّع فجأة و طلب من كبار القوم مرافقته إلى القبو، أين كان زرياب سجينا و هو طفل، و هناك أخبرهم
    عن العدوّ الذّي يترصّدهم فارتعبوا و نكسوا و مضت دقائق يتناقشون أمرهم حتّى أخبرهم أنّ الأيّام التالية ستنهي عصرا من الظّلام.

    -كيف و نحن سنموت، جندنا قلّة و حالنا كما ترى

    -أليس بسبب لعنة اليمامة؟

    -بلى، و نحن منذ أخبرتنا، لا نستقبل في ذرّيتنا غير سود العيون خشية لعنتها


    استقام و نظر إليهم باشمئزاز يغلّفه الأمل ثمّ صرخ

    -حان الوقت لننهي اللّعنة و نعيد لليمامة عينيها



    *****


    -سيّدي صاحب القناع الحديدي، إنّهم هنا

    -حسنا، أخلوا البلدة و فروّا إلى الهضاب و شدّوا على أقواسكم فالمعركة ستبدأ
    و تمتم

    -أليس كذلك يا زرياب


    و كان زرياب وسط اليمامة مستغربا خلوّها من النّاس

    -أين النّاس أيّها العربيّ، أما كنت تقول أنّهم هنا يقومون بشؤونهم كعادتهم

    -بلى، هكذا كان الوضع قبل ثانية، كيف أخطأت عيناي؟

    -ألا تخدعني يا ترى؟


    ارتبك و لكن استدرك ذلك

    -و هل خدعتك حتّى الآن، هناك أمر لا أفهمه، و لكنّي أعدك أنّي سأجدهم، أولئك القتلة

    -أظنّك لعين فعلا


    سرّها في نفسه و انصرف يرقب المكان علّه يرى شبح أحدهم
    و كانت اليمامة في وسط هضاب عالية من الصّخر، و كان الجميع يبحث حين تهاوت عليهم صخور من الأعلى فهرب من هرب و مات من مات

    -زرياب، صرخ القائد، أما رأيتهم فوقنا، ما أظنّ إلاّ خدعتني و ما أظنّ إلاّ أغويت جواسيسي إلى اليمامة بمالك

    -ما أغويت أحدا منهم و لك أن تسألهم، قد رأوا هنا ما رأيت على بعد ثلاثة أيّام، و كنت حاضرا حين عادوا و كنت حاضرا حين شهدوا، فشهدت لي
    أنّي أملك بصر زرقاء اليمامة

    -لأفصلنّ رأسك عن عنقك أيّها الخائن

    -لا تفعلنّ و أنا هنا


    و ظهر أمامهم المقنّع و قد أمر جنده برشقهم بالسّهام

    -زرياب عد إلى قبوك

    تفاجأ أنّه يعلم سرّه الذّي لا يعلمه في العالم غيره و عائلته المنتهية و لكنّه ذهب فرارا من القائد دخل و قد اطمأنّ قلبه إلى أنّ القائد
    قد غافلته جند المقنّع بسيوفها من تحت الأرض و فهم حينها أين اختفى أهل اليمامة حين كان منشغلا بإعطاء نصحه للروم.
    و كان داخل القبو فجوة عميقة مشى فيها حتّى وصل قمّة الهضبة أين المقنّع و هناك شدّ على سيفه و استعدّ

    - أعترف أنّك هزمتني و لكن أتنقذني و قد حطّمت حياتي منذ بدأت؟

    و حين التفت إليه المقنّع، استغرب زرياب أنّ القناع يغطّي عينيه كذلك

    -كيف ترى و قناعك لا يشف؟

    -أنا أعمى

    -أعمى، و تذكّر أخاه الذّي فقد عينيه بسبب بربريّة العرب فزاد غضبه

    -قد مات لي أخ أعمى بسببك أيّها اللّعين، لم خدعت العرب؟

    - و لكن أخاك لم يمت يا زرياب

    - ماذا؟


    و نزع قناعه

    -أخوك أراد لك أن تعيش حياة عاديّة و لكن يبدوا أنّه أخطأ

    -أنت؟ مستحيل

    -لقد تعمّدت أن يفقأ العدوّ عينيّ فيصدّق القوم أنّك أنا حين أمثّل الموت

    -كنت قادرا على فعلها دون أن تفقأ عينيك أو تمثّل الموت، تختفي في القبو و أظهر أنا بعصبة على عينيّ، و تظهر أنت بالعصبة نفسها و
    أختفي أنا، لماذا قهرت أمّنا حتّى ماتت حزنا عليك؟

    -ما كان العرب ليدعونا وشأننا لو فعلنا، أما تذكر الطفلة، ما عاد العرب يدعون أعمى بعصبة أو بدونها حتّى يتأكّدوا من لون عينيه، ثمّ لا تخف،
    أمّنا ما ماتت حزنا عليّ فهي كانت تعلم بأمري و ساعدتني في خطّتي، أوليس بفضلها صرت أنت أنا حينها؟


    أخفض عينيه كأنّه يقول بلى و استمرّ في سماع أخيه

    -لقد ماتت المسكينة قهرا عليك، بعدما رأت ما حلّ بك من توريطك في قتل أطفال لولا أمّنا لكنت واحدا منهم

    صمت قليلا و أضاف

    -يالها من قسوة و لهذا قررت و أنا في ذاك القبو، أن أعود لحياتي العاديّة، فتركت الموت و عدت للحياة و صمّمت على إنهاء لعنة اليمامة بأيّ
    طريقة، حتّى سمعت غرباء يتحدّثون عن أزرق اليمامة فعلمت أنّه أنت و خمّنت من ثيابهم أنّهم من الرّوم و قد أصبت


    تغيّرت لهجة كلامه بعد أن كان هادئا و صرخ بأخيه

    -هل وصلت بك الرّغبة في الإنتقام لأن تخون وطنك يا زرياب؟

    صمت زرياب قليلا و تنهّد قائلا

    -كيف لأعمى أن يرى طفل عمره ثانية أو أقلّ يموت و لا ذنب له غير أنّه ولد في بلدة بائسة

    -بل رأيت، رأيتك أنت تموت كلّ لحظة


    أسكته ردّ أخيه فعجز عن البوح أكثر و استسلم لعتابه و كانت المعركة محتدمة، حيث هبّت جند القبائل المجاورة لنجدة أهل اليمامة
    اتّجه نحو أخيه و ربّت على كتفه

    -لم أرد إلاّ أن أنهي أمر أهلها القتلة، لا ينبغي لهم أن يبقوا أحياء أبدا

    -إذا دخلت الروم بلدا فلن تترك جيرانه في سلام أبدا

    -أعلم أنّ العرب أقوياء و يستطعون ردعهم و قد حضّرت لذلك خطّة، كنت سأنظمّ لبني جلدتي حين ينتهي أمر اليمامة فأكشف لهم خطط الرّوم

    -نستطيع ربح اليمامة أيضا

    -كيف؟

    -أتذكر المقنّع الذّي نشر نار الفتنة و فتيل اللّعنة؟

    -الذّي ظننتك هو؟

    -إنّه ذلك القائد الذّي أراد قتلك

    -ماذا، ذلك اللّعين، كان يعلم و مع ذلك... سأفقؤ عينيه

    -لا تدع الغضب يعمي عينيك، نحن بحاجة لعينيه لإطفاء لهيب الفتنة

    -أسمعني

    -نتبادل الأقنعة فآخذك إليه كرهينة فتنهي حياته و تنزع عينيه

    -و لم تبادل الأقنعة و أنت قادر على فعلها؟

    -لأنّي أعمى، قالها مبتسما ممّا أوجس الريبة في أخيه




    *****


    كان القائد على فرسه يردع الجند عنه حين ظهر زرياب، و هو شهم، و قد حمل إليه المقنّع رهينة

    -أمازلت تريد قتلي؟ قد أحظرت لك قائدهم فتقطع رأسه

    -زرياب، اغفر لي زلّة لساني فقد كنت غاضبا

    -لا بأس عليك، أنه أمره


    و نزل من على فرسه و نادى في الخصم أن قد أمسكنا قائدكم فتوقّف القتال لبرهة و نزع عنه خوذته و لوّح بسيفه و لكن سيف المقنّع سبق
    فاستقرّ في قلبه ثمّ أكمل ما تفاهما عليه فنزع عيني القائد الزرقاوتين و صاح في الناس منتصرا

    -اليوم انتهت لعنة زرقاء اليمامة، اليوم تحرّرت اليمامة من لعنتها، فلترقدي في سلام فلترقدي في سلام...

    و نزع عنه القناع فتكشّف عن عينين زرقاوتين لم يعد النّاس يهابهما و ذهب حيث قبر اليمامة فحفر فيه و ردم عيني القائد و انطلقت الزغاريد
    نصرا و تحرّرا و خرج من بعض البيوت أطفال زرق الأعين خبأتهنّ أمّهاتهنّ ليوم كهذا.


    *****


    و بينما النّاس سعداء بنصرهم، عاد زرياب إلى أخيه فرحا فما وجده فجعل يصرخ في النّاس حتّى وجدوه فأرشدوه إليه
    كان في بركة دمائه غارقا بعد أن استهدفه سهم من عربيّ رآه يفرّ

    -قتلتم أخي، قتلتم أخي، و جعل يكرّرها حتّى عمت عيناه...


    *****



    رأى في ظلمة عماه، نصرا تضفر به العرب، فاستقرّ في قبوه يدعوا أن ترى عيناه على عماهما، تلك البشائر.



    تمّت!.

    ملاحظة : حدثت قصّتنا قبل الميلاد






    يتبع ..

  4. #3

    مجنون القبّعة



    2. مجنُون القبّعة






    خطُواته تتباطئُ حيَناً ثم تتسارعُ متى ما سنَحت لهُ الفرصُة وسَط هذَا الإزِدحام الشّديد لأفواجِ تعاقبَت وتبِع بعضُها البعضَ صُوب [ مَدخل سيركِ كايْم ] ، كان السّياجُ الحديدُ الموضوع
    حديثاً يحيطُ بـ مدينةِ الألعاب البسيطِة وبضعِ متاجِر شعبيةٍ مؤقّتةٍ من خشب مصبُوغٍ بمُختلف الألوان الصارخة الجميلة إلى جانِب خيمات السيرِك العمدُودة وأكبرُها خيمةٌ ذات قبّةٍ مرتفعةٍ
    ترابطَت عليها أسلاُك ذات مصابيح صفراء زاهية هادئِة اللّون واتصلت بكل خيمة صغيرة من الخِيام الأربعةِ المحيطةِ بها . يُمكن أيضاً للمتّجول بين الخيمتين الثالثِة والرابعة أن يلمَح شاحنات وعرباتٍ كبيرةٍ يجرِي نقلُ وإدخال حيوانات السيرك منها ، شَغل الممثلّون ولاعِبُو الخفّة وأعضاءُ الفرقة الغنائيّة الخيِمة الثالِثة إذ كانت أكبَر قليلاً من البقية لتكُون حجرة استراحةٍ ومقرّ استعدادٍ خاصّ بِهم .


    تأمّل الشابُ المختبئُ خلف المعطِف داكِن اللوّن هذا المكان الذّي يحّول ليلة الشّتاء هذه إلى [ لوحةٍ مبهجةٍ تشبُه ليالِي الصيف الصاخبة القصيرة ] .. كان يرى مُعظم الحاضرِين
    يدخُلون من بواباتين رئيسيتينِ تقُودان الجَمع الغفير إلى مقاعدِهم على مدرّجات صفراء اللون تم تنظيفُها عقب فترة العرضِ السابقة حديثاً ، لكن هناك عدداً كبيراً كذلك اختار أن يستمتع
    بالألعاب الترفيهية مثل آخرين اختارُوا الاستمتاع بالطعام وبعض ألعاب الدكاكِين الصغيرة علّهم يفُوزون بتذكرة دخول لعرضِ منتصِف الليل عوضاً عن دفع سعر التذكرةِ الباهِض أو حتى
    الجائَزة الكبرُى .. تلك السيارة الحديثة في وسط منطقِة التسوق والألعاب !

    أطلَق الشاب تنهيدةً وهو يفرُك يديه ببعضهما متذّكراً بندِم نسيانُه لقفازاتِه في المنزل في ليلةٍ لا يهدأُ هوائِها القارِص ، وتمنّى أن يتحّرك الطابُور الذي يقِفُ فِيه أسرَع علّه يصِلُ إلى
    مقعدِه وينَعم برؤيةِ العرضِ الذي انتظرُه طويلاً ..

    مرّ الوقت ، تجاوز وقوفهم العشرُون دقيقةً .. بدأ البعضُ بالتنّهد بملل ، أطلَق آخرُون زفراتٍ حادّة تنّم عن الضّجر ! ولم يتوانى عددٌ من الغاضبِين من تجويه اعتراضاتهم إلى حارِس الأمن
    والمشرِف على قطع التذاكِر والتأكد من صلاحيتها إذ توقّف الموظفون عن العمل قليلاً فيمَ ينم عن حَدثً طرأ وقد يؤّخر العرضَ بسبب الإزدحام غير المتوقع فقد باع أحد موّظفي التذاكر خطأ
    عدداً أكبر من المقاعد الموجودةِ بالداخل ..

    لم يكَد يصدّق الحاضرُون ما حدّث ، غضِب البعضُ وأندفَع آخرُون نحو الموظف مطالبِينه بإعادة أموالِهم وقد تعالت عباراتُ عديدة ..


    " آه يا إلهِي .. قطعُت كل هذه المسافة بلا فائِدة .. " " هيا .. هيا لنعُد إلى المنزل .. "
    " لا جدوى من الوقوف " " الجو باردُ فعلاً " " ماهذا .. ؟! "




    أغمضَ الفتى عينيه ثم فتحُهما كاشفاً عن زرقةٍ داكنةٍ وحاول أن يمدّد يديِه وقدمِيه ويحرّك كتفيه المثقلان من حملِ حقيبة الظهر الصغيرة على ظهرهِ ، نمّ شحُوب وجهه عن برُودة الرياح التي
    اخترقت وشاحه الأحَمر فحاول تعديله قليلاً وإحكامه حُول رقبتِه .. تلفّت الوجُه النحيلُ الأبيضُ في كل اتجاه بملل ، ثم غادرَ الطابُور فوراً بعد أن لمَح موظّفين من المسؤولِينَ عازماً على ا
    لتحدثُ إلِيهما .. حاول اللحاق بالرجليْن بالملابِس الرسمية واللّذين انعطفا إلى الخلف ، فقطع نفس مسافة في مسارٍ نصف دائرِي يقُود إلى مؤّخرة الخيمةِ الرئيسيةِ !

    لكنه فقدُهما !


    التفت من حُوله بحثاً عنهما ثم رأى عبارةً طُبعة فوق بوابة صغير [ للموّظفين فقط ] !
    علِمَ أنهما دخلا وبالتالِي استحال معه الدخُول وكان لزاماً عليه العودة إلى ذلِك الطّابُور اللـعين!.

    كاد أن يستديرَ عائِداً من حيثُ أتى بخيبةٍ .. لكنه توقف فجأة .. ارتَخت ملامحُ البؤس وغادرَت تقطيبةُ الغضِب حاجبيِه السوْداويْنِ ثم التفت من جديد صُوب البوابة ..


    " منذُ متى وهو يعبأُ بالقوانين ؟! "

    استدَرك عزَمه وهو يتذّكر .. حُزمة الهيرُوين المخبأة بعنايةٍ في حقيبته ، لقد جاء لتسلِيم البضاعة لـ ذلك المدّعو بـ [ إل . كي ] ولن يخرُج قبل أن يتمّ مهمّته هذه فحفنُة المالِ
    المنتُظرِ تستحق القليل من المخاطرَة .. ابتسَم وهو يدفُع بوابة الموظفّين ويدُخل المكان !





    ***




    رفَع حاجبِيه دهشةً .. حدّث نفسه :


    " لا بدّ من أنني أهذِي !!! "


    فرَك عينيِه .. أغمضهُما بشدّة ثم فتحهما ثم فعل ذلك من جديد !!


    " أنا متأكد من أنني لم أتناول أي شيءٍ اليوم !! "



    ترى هل استنشَق شيْئاً من البضائعِ المكومة في شقّته عن طريق الخطأ ؟! .. مستحيل ، كيف قاد إلى هنا ووصل بثبات أيضاً ؟!
    ثم أنه لو كان منتشياً للاحَظ أحدٌ من رجال الأمن عليهِ ذلك .. !! لا لا إنها غلطةٌ غبية ، إنها لا يخطأُ لم يخطئِ أثناء أداءِه لعملِه من قبل !!


    صُوت خطوات .. لا مهلاً ليس خطواتٍ بالضّبط ..
    إنه صُوت مثل ..


    " صُوت حوافِر حصان !! "


    - لا بدّ من أنني جُننت .. حسناً .. حسناً كلاد لقد جُننِتَ رسمياً!



    تحدث إلى ذاته بصوت مرتفع وهو يلتفتُ من حُوله وجسدُه يسيرُ بضع خطوات متررددة في كل اتجاه ! .. إنه لا يصدّق ما يجرِي .. كان بداخل متاهة ! وليست متاهة حقيقةً حتى ، أو لا تبدو
    كذلِك فعلاً .. إنها ملونة متمواجة بوابةٌ وجدرانٌ صارخة الألوان كأنه بداخل لعبة [ بيت المرايا ] التي كرهها دائِماً ، هذا كابوسٌ حقيقّي بالنسبة له !! ..

    بعضُ الأبواب خشبية وبعضُها الآخر مثل جدران زجاجية مطلية بمختلف الألوان بعض الألوان كانت تشكل دوائر وأشكال متماوجة متداخلة متحرّكة ، تصيبُ من يطيلُ النظر فِيها بالدوار أما
    السقفُ فكان مثل بساط من نجوم متلألأة وكأنه انعكاسُ لسماء غابةٍ ابتعدَت عن أضواءِ المدينة وسكَنتها النجوم الفضية دُون أن يعّكر صفُوها شيءْ!
    سار بضع خطوات متجاوزاً الأرضَ المبلّطة برخام ناصع البياض وعليِها تناثَرت لعبٌ وصناديقُ خفّةٍ مختلفة ..


    حاول تهدئَة أنفاسِه المتسارعة ..


    " حسناً .. عليّ أن أعود من حيثُ أتيت فهذا المكان لا .. "



    التفت صُوب المدخل الذي أتى منِه !!


    " مهلاً .. أيَن الباب ؟ّ! "


    رنّ السؤال المجنون بداخله .. هو ذاته لم يصدّق سؤاله هذا لكن الباب فعلاً ، كان قد .. قد اختفَى ! ارتَجفت يده التي امتد لتصطِدم بجدار متماوج الألوان كاد ليقُسم أنه مكان باب الموظفين


    - تباً ! أنا لم أبتعد كثيراً عن الباب .. كنُت واثقاً .. أنه .. أنه !


    شدّ شعرُه الأسود بكلتا يديه في غيض ، وقد سكنه الخوف ، عاد للسّير بضع خطوات للأمام بعيداً عن ذلك الجدار المريب وهو يصرُخ :


    - آآآخ تباً ، يالِي من غبّي .. يالِي من غبي ، غبي ، غـ .. !




    كان يصرُخ بجنُون وهو يسير جيئة وذهاباً ، غير قادرٍ على تهدئةِ إضطرابه وخوفه .. لكنه قَطع سيل كلماته بشهقةِ فزعٍ انفلتت من أعماقه وقد عاد ذلِك الصوت من جديد .. ومعه هذه المرة
    لمح ظلاً لشيءٍ اختبأ خلف أحد جدرانِ هذه المتاهة ..



    " صُوت حوافِر الحصان " !!



    كان الظل الذي لمحُه ضخماً .. مما زاد اضطرابه ، لكنه توقف ورَكن إلى الصمت ثم استجَمع قواه وصرخ لكن صُوته خرج مُرتجِفاً مثل قطةٍ خائِفة :


    - مـ من هــنـــاك ؟!




    لم يتلّقى رداً ، أثار ذلك غضبُه .. أتراهُ يكون مهلوِساً ؟! هل هذا جزءُ من هلوسته هذه أيضاً ؟!
    أثارت هذه الفكرةُ غضبُه أكثر فعاد للصراخ :


    - قلُت مـن هنااك ؟! .. أظِهر نفسك !!



    فقد صبرُه واندفَع خلف الجدارِ الذي اخبتأ صاحبُ الظل الضخم وراءُه ثم صرَخ وهو يتكئُ على إطارِه البني السميك ويطلُ بنصف جسِده إلى الخلف :


    - قُلت أظـهِـ...!



    انقطَعت كلماته فقد قاطده الجدارُ إلى ممرٍ آخر لكنه ضيقُ يتجاور بهِ جدران بنفس الألوان المتماوجة .. ولم يجد أحداً في المكان فخمّن أن صاحب الظل قد سار في هذا الممر القصير ، و
    قرر أن يتبعهُ .. أو أن يتبَع هذه الهلوسة إلى نهايتها !


    مشَى ثم انعطفَ عند الجدارِ الذي أجبرُه على الذهاب نحو اليسار في ممر أضيق من سابقهِ بجدارِين آخرِين ثم تابع خطواته ، وهكذَا سَلك درُبه في هذه المتاهة مفكّراً متأملاً ..


    كانت الألوان الصارخة تؤلِم عينيه لم يلمَس شيْئاً فالمكانُ مخيفُ بما فيه الكفاية .. تجاهل وجود الصنادِيق والألعاب و الدمى المريبة على الأرِض ، لكنه ميّز دمَية [ ألِيس الشقراء ] و
    [ صانِع القباعات المجنون ] في أحد زوايا المكان وتجاهل كل ذلك وهو يبتلعُ رِيقه بصعوبة مدركاً أنه على حافة الجنون ..


    حتى انتهى .. انتهى ذلك الدربُ وكشِفت المتاهة عن قاعة دائرية صغيرةٍ ، يبدُو أن المكان المخيفَ أصغر مما توقعه بكثير فهاقَد وصَل إلى نهايتِه بسلام ..
    القاعة ذات جدران بيضاء انعكَست عليها إضاءُة السقف ذات اللون البنفسجّي الهادِئ فيَم كانت الأضُ بلون كحلّي متلامِع .. وعلى عكِس أرضِ المتاهة الممتلئةِ بالأشياء الغريبة ، كان
    المكانُ خالياً تماماً ..



    توقّف كلاد بذُهول ، ناظراً إلى ما حَولَه .. عليهِ أن يخرُجَ من هنا ، وقعتْ عيناهُ على بابٍ صغير جانبيّ .. كاد أن يبكِي لفرطِ سعادِته باستعادة تُوازن المنِطق أخيراً .. فقد فكّر محللّاً ما مرّ به :

    " يبدو أن المكان السابق كان جزءاً من مسرِح الخيمَة .. "



    فكرّ بأن هذا المكان والمتاهة جزءاً من المسرح الأساسي لأداءِ الخُدع السحريّة ، لابّد أنه دَخله خطأً وهذا يفّسر كل شيء ..
    الممرّات الملونة والألعاب والمتاهَة .. و ..


    " مهلاً .. مالذّي يفسر صُوت حوافِر الحصان وذلِك الظل الغريب ؟! "



    أتاهُ الجوابُ سريعاً ليهوي به في عالم الجنون من جديدٍ حين اندفَع البابُ الخشبيّ الصغيرُ وخرَج منه ذلِك المخلُوق الغريبُ الذي يراهُ لأول مرةٍ في حياته .. اتسعت عيناهُ دهشَة ، وسكَنه
    الصمت وقد عقدُته صَدمة الموقف عن الحديث بل وحبَست أنفاسهُ لبضعِ لحظاتٍ فيم تجمّد جسُده في مكانه ..


    لقد .. لقد كان ذلك نصف رجلٍ بجسدٍ قوي البنية .. نصف رجل ونصِف حصان رمادّي اللون مثل تلك التماثيل الحجرية الإغريقية العتيقة ، لكن هذا الجسَد القوي الذي ركضَ بسرعة ثم وقف
    على بعُد عدة خطواتٍ منه كان حقيقاً ينبضُ بالحياة .. لم يكُن وهماً ، هذا بالذات ليس وهماً أبداً ذراعه وجسدُه الذي لوحته الشّمسُ و الشعر الأشقُر الكثيفُ المتماوج ، و ذلك الوجه المختبئُ
    خلف قناع أبيَض اللون بابتسامةٍ مريبةٍ سوداء و شكلِين متجاورين يمثّلان مكان العينين باللون ذاته ..


    [ نصف بشري ونصف حصان ووجه يختبئُ خلف قناع .. حتى أنه يلبسُ قبعّة طويلة بشريط أزرَق ]


    " إنّه قنطُور * مُقنّع "



    هكذا سمّاه كلاد وهو يتراجُع إلى الوراء مستدركاً عِظم المشكلة التي أوقَع ذاته فِيها وقد تدافعَت دماءُه بحرارةِ تعرّق معها شعرُه الأسُود فلم يعد يستشعرُ أياً من برُودة هذا الشّتاء! .. أدرَك
    كلاد أنه إما [ جزءٌ من قصة خياليّة أو .. أنه مجنُونٌ تماماً ]



    - أرَى أنّك وجّدت هذا المكان أخيراً ،أو أنه فضُولك الذي قادك إلِيه !



    انطَلق الصوت من خلف القناع بشرياً تماماً .. حقيقياً تماماً ..

    لم يمِلك كلاد إلا أن يقوم بحركَة اعتاد منذُ سنوات عمرِه الأولى على فعلها حين يريدُ الخرُوج من كابوسٍ أو حلمٍ مّا فقرَص ذراعه بقوة وكم كان الألُم والإحساس حقيقاً ..

    - لسَت مجُنوناً



    لقد لاحظُه إذِن !
    شعرَ كلاد بالغباءِ بعد أن اكتشَف المخلُوق الغريبُ حرَكتُه الطفوليّة تلك .. لكن الصوت انتشلَه من حرِجه حين أكمل عبارته السابقة :


    - ليس بعُد على الأقل !


    - مَـ مالذّي يجرِي هنا ؟!



    كان صيغةُ سؤالهِ مرتبكة متردّدة لكنه أراد وبشدّة اختبار صوته لعلّه فعلاً جزءٌ من حلُم .. علّه يستيقظُ وينتهي من هذا الكابُوس أخيراً !!


    - لَا شيءَ أبعَد من لقاءٍ عابَر حسبَما أظن .. عبَرت البوابَة فانفَتح عالُمك وانكشَفت حقيقته


    لامسَت يدُ القنُطور المقنّع القبعَة الجميلة فُوق رأسِها ، أمسَكها بعناية ثم صاح :


    - ألا تذُكر ؟! إنها لَك



    انتقلَت القبَعةُ من يسارِه إلى يمينه بحرِص و اتجاهُ وجهه يشيرُ إلى أن العينين خلف القناع تتأملانها بهدوُء :


    - يبدُو بأنني مضطّرُّ لاستخدامها .. من جديد !



    كان صُوته مُنخفِض النبرة ، حالِماً كأنه يغُوص في ذكرىً بعيدةٍ حتى ظن .. غرَق كلاد في بحرٍ من الهدُوء المفاجِئ
    كأنه يغُوص في بركةٍ ساكنة ..

    - ماذا ؟!


    ردد وهو يحاولُ حثّ المخلُوق العجيب على تكرار عبارته الأخيرة فبالكاد سمَع شيْئاً منها . لكن صوت ذلك المخلُوق صاح فجأة :


    - ليس لديّ الكثير من الوقت ، عليّ أن أذهب


    قرّب القبعة إلى مستوى جسدِه ، لفّ يدُه قليلاً ثم أطلقَها في الأرضِ الفاصلةِ بينهما فدارات بشكلٍ متسارعٍ دُون أتسقُط فُوق البساطِ الجميلِ ومعها انبثَقت موجة ضوءٍ أبيضَ اندفَع الحصَانُ نحوها فتراجَع كلاد في ذعرٍ حين ظنّ أن القنطُور يندفَع نحوه لكن الأخيرَ كان قد غاص في ذلك الضوء الذي ابتلعهُ بداخل القبعة ..


    سكَنت حركةُ الأخيرة وأنطفأ الشّعاعُ ومعهُ اختفَى وعيُ الفتى النحيلِ الذي استلسم لإغماءةٍ ابتلعُته في عالمِ الأحلام هذه المرة تاركةً [ قبعة يتيمةً ] ارتمَت ذراعاهُ بقربِها لتكُون لهُ ذكرىً من
    هذه الليلة المجنُونة .





    ***




    شيْئاً فشيْئاً كان يفتَح عينيه فتتضّح له الرؤيَة .. من حُوله سريرٌ في زاوية غرفة فحصٍ صغيرَة ، بأغطية بيضاء وجدران ذات إضاءةِ خافتة كئيبَةِ رفَع جسدُه وهو يتنّهد ..
    لكنه التفت بإنزعاج صُوب القيدِ حُول يديِه وأخيراً إلى الباب الذي انفتح ودَخل معه هذه المرة شيْئاً أكثر إخافة من ذلك القنطُور المقنّع فقد كانا رجلين ضخمين من رجال الشرطة ..


    إذن فقد انتهت مغامرته المجنونة !


    أدرَك ذلِك مع علّو صوت أحد الرجلين :


    - كلاد هايِل !



    كان رجلاً متأهباً لـ السخرية ولـ ليلةٍ طويلةٍ من الاستجواب .. رغماً عن ساعةٍ تشيرُ إلى الواحدة صباحاً حول معصمِه القوي :


    - أخيراً أمسَكنا بِك! ...



    سَحب الرجل مقعداً صغيراً وقربه نحو السرير ثم تساءَل بمرَح :


    - هلا أخبرَتنا عن [ إل . كي ] و الكليوجرامِين اللطيفين من الهيروين في حقيبتك ؟



    بعيداً عن هذه الورَطة التي تنتظرُ كلاد مع رجال الشرطة ، وَ هذا الاستجواب الذي سيطُول وسيقوده في رحلةٍ طويلة من المشفى إلى مقر الشرطة .. بعيداً عن تفاصيل هذه الرحلة التي تنتظِرُ
    [ شخصاً مثلُه ] .. استرَعى انتباه كلاد ما وُجِد على الطاولة الصغيرة قرب السرير ..


    التقطَ بكلتا يديِه القبّعة بحرِص ، تأمّلها .. وهَمس كأنه يهذِي :


    - لقد كان حقيقياً! ، كل شيءٍ إذَن !


    لكن قاع القبعَة القماشي لا زال يحملُ مئةَ سؤالٍ وسؤالٍ حول حقيقة الخدَعة التي جَعلت ذلك المخلُوق يختفِي إلى عالمٍ من الأضواءِ الساطعة!






    تمت.!


    ملاحظة : القنطُور أو Centaur مخلوق أسطوري في الميثولوجيا الإغريقية له جسد حصان وجذع ورأس إنسان.






    بانتِظار ردودكم و أراءِكم ^^
    * يمنع نقل كلا القصتين .


    اخر تعديل كان بواسطة » şᴏƲĻ ɷ في يوم » 03-08-2016 عند الساعة » 17:25

  5. #4
    حجز تبدو مشوقة كثيرا ولكنها طويلة ^^
    لازم مشروب

  6. #5

    لعيونكم ثبتنا التحدي الرابع بعد biggrin
    نزل تحديكم مع الثالث بنفس اليوم e106

  7. #6

  8. #7
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    كيف الحال؟ ان شاء الله تمام

    القصتين ماشاءالله أروع قصص التحديات قرأتهما في حياتي

    صوت لهذه القصة: خارج من الظلمة...لعنة زرقاء اليمامة لأنها فريدة من نوعها، زمن العرب القديم مع الأشياء الخيالية وشعرت أن المحادثة... لا أدري كيف أصف... تماما مثل الزمن القديم
    (أعتقد أنها لـseto_ken أليس كذلك؟)

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  9. #8
    السلام عليكم ورحمه الله وبركاته


    رائعة! حقاً حقاً رائعة
    أُعجبتُ بعنصر الغموض والمغامرة في القصة الثانية
    إضافة للوصف المتقن وتسلسل الأحداث بالتدريج
    بينما راقت لي الأولى لكونها مؤثرة أكثر
    كما أن أحداثها مُميزة فعلاً، الزمن الذي كُتبت فيه القصة مثير للفضول
    وصاحبته استطاعت كتابة قصة تجذب القارئ فلا يستطيع التوقف عن القراءة
    عن نفسي، أحببتُ الأولى أكثر
    ولذلك قمتُ بالتصويت لها
    لكن هذا لا يعني أن الثانية لم تُعجبني
    بل على العكس

    وفقكما الله!
    أختكما: يومي~

    في أمان الله

  10. #9
    Never Mind vF7v7e
    الصورة الرمزية الخاصة بـ الصوت الحالم









    مقالات المدونة
    2

    أفضل وصف - مسابقة مداد أفضل وصف - مسابقة مداد
    نجم القصص والروايات 2016 نجم القصص والروايات 2016
    مسابقة من المتحدث؟ مسابقة من المتحدث؟
    مشاهدة البقية
    صدقاً أبدعتما gooood

    احترتُ كثيراً
    em_1f636
    و لذا استخدمت أسلوب التقييم
    الوصف في الثانية كان أدق و أشمل
    و لكن الفكرة في الأولى كانت أكثر تميزا
    ربما لأنها تناولت الجانب العربي في حقبة تاريخية
    و هذا ليس متداولا بكثرة خصوصا في مكسات

    صوتي لـ لعنة زرقاء اليمامة بفارق نقطة عن مجنون القبعة
    e056

    كثرة الأصوات لا تنم عن جودة أحدى القصتين على الأخرى
    إنما هي مسألة تذوق
    أتمنى لكما التوفيق
    أول إصدار لي في جرير وفيرجن
    attachment

  11. #10
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة *طيار الكاندام* مشاهدة المشاركة

    نقرأ biggrin

    أبدعتما بحق!
    لم أعهد قصّة تاريخية كالأولى، ولا خيالًا خصب كالثانية!
    الوصف كانَ سيّد المزايا في [ مجنون القبعة ]، ممتعة ، ملوّنة ومبهرجة ، أحببتها !
    محاكاة أسلوب العرب قديمًا في [ زرقاء اليمامة ] كان ممتازًا، حتى أنني شعرتُ أنني أقرأ في حقبة تاريخية من كتاب قديم.
    أسلوبُكُما مميّز جدًا ، لقد احترتُ في التصويت biggrin
    وهما عندي بالكفّة نفسها ، لكن إن لزمَ اختيار واحدة فالسببُ :
    و لكن الفكرة في الأولى كانت أكثر تميزا


    سعدتُ بقراءة القصتين ، أكرر إعجابي بهما .
    بوركتما



  12. #11
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة نــــونــــآ مشاهدة المشاركة
    حجز تبدو مشوقة كثيرا ولكنها طويلة ^^
    لازم مشروب
    بانتِظاركِ ^^
    وبالعافية مقدماً biggrin



    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة سكون ~ مشاهدة المشاركة

    لعيونكم ثبتنا التحدي الرابع بعد biggrin
    نزل تحديكم مع الثالث بنفس اليوم e106
    تسلم عيونك biggrin
    شكراً للتثبيت embarrassed


    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة sang bleu ange مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    كيف الحال؟ ان شاء الله تمام

    القصتين ماشاءالله أروع قصص التحديات قرأتهما في حياتي

    صوت لهذه القصة: خارج من الظلمة...لعنة زرقاء اليمامة لأنها فريدة من نوعها، زمن العرب القديم مع الأشياء الخيالية وشعرت أن المحادثة... لا أدري كيف أصف... تماما مثل الزمن القديم
    (أعتقد أنها لـseto_ken أليس كذلك؟)

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    بخير حال عسى أن تكوني أنتِ أيضاً كذلِك ^^؟

    شكراً لكِ ولتصويتكِ ورأيكِ عزيزتي
    أسعدنا حضُوركِ وردكِ ، نأمل أن نراكِ في مواضيعنا القادمة
    إن شاء الله

    وفقكِ الله ^^

  13. #12
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة Yumiberry مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم ورحمه الله وبركاته


    رائعة! حقاً حقاً رائعة
    أُعجبتُ بعنصر الغموض والمغامرة في القصة الثانية
    إضافة للوصف المتقن وتسلسل الأحداث بالتدريج
    بينما راقت لي الأولى لكونها مؤثرة أكثر
    كما أن أحداثها مُميزة فعلاً، الزمن الذي كُتبت فيه القصة مثير للفضول
    وصاحبته استطاعت كتابة قصة تجذب القارئ فلا يستطيع التوقف عن القراءة
    عن نفسي، أحببتُ الأولى أكثر
    ولذلك قمتُ بالتصويت لها
    لكن هذا لا يعني أن الثانية لم تُعجبني
    بل على العكس

    وفقكما الله!
    أختكما: يومي~

    في أمان الله
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    أهلاً بكِ وبردكِ الجميل embarrassed

    شكراً لكِ ولثناءكِ على القصتين ،
    أسعدني حضُوركِ ورقة مديحكِ وتحليلكِ اللطيف
    للحكايتين ، شكراً كذلك على المشاركة في التصويت
    وفقكِ الله وأسعدكِ

    أنيري حكاياتنا ومواضيعنا دوماً عزيزتي


    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة الصوت الحالم مشاهدة المشاركة
    صدقاً أبدعتما gooood

    احترتُ كثيراً
    em_1f636
    و لذا استخدمت أسلوب التقييم
    الوصف في الثانية كان أدق و أشمل
    و لكن الفكرة في الأولى كانت أكثر تميزا
    ربما لأنها تناولت الجانب العربي في حقبة تاريخية
    و هذا ليس متداولا بكثرة خصوصا في مكسات

    صوتي لـ لعنة زرقاء اليمامة بفارق نقطة عن مجنون القبعة
    e056

    كثرة الأصوات لا تنم عن جودة أحدى القصتين على الأخرى
    إنما هي مسألة تذوق
    أتمنى لكما التوفيق
    أهلاً بكِ وبحضُوركِ وردكِ
    الجميل كما اعتدنا منكِ دوماً صُوت embarrassed

    أسعدنِي أن أرى اسمكِ بين الحضُور
    وأسعدني ثناءكِ وتحليلكِ للقصّتين ، شكراً للمشاركة بالتصويت
    كذلك .. لقد سعدت بقراءة كلماتك الجميلة التي
    لا يسعني شكركِ عليها بالقدر الكافي

    وفقكِ الله
    لا تحرمينا إطلالة اسمكِ

    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة *طيار الكاندام* مشاهدة المشاركة


    أبدعتما بحق!
    لم أعهد قصّة تاريخية كالأولى، ولا خيالًا خصب كالثانية!
    الوصف كانَ سيّد المزايا في [ مجنون القبعة ]، ممتعة ، ملوّنة ومبهرجة ، أحببتها !
    محاكاة أسلوب العرب قديمًا في [ زرقاء اليمامة ] كان ممتازًا، حتى أنني شعرتُ أنني أقرأ في حقبة تاريخية من كتاب قديم.
    أسلوبُكُما مميّز جدًا ، لقد احترتُ في التصويت biggrin
    وهما عندي بالكفّة نفسها ، لكن إن لزمَ اختيار واحدة فالسببُ :


    سعدتُ بقراءة القصتين ، أكرر إعجابي بهما .
    بوركتما


    أهلاً بعودتك سيد طيار asian
    شكراً لك ولثناءك وحضُورك الأنيق أسعدني
    كلامك ونشكر لك إعجابك بالحكايتين والتصويت كذلك
    حقاً كلنا امتنان لحضُورك

    لا تحرمنا رؤية اسمِك بين ثنايا مواضيعنا
    وفقك الله

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter