مشاهدة النتائج 1 الى 3 من 3
  1. #1

    نقاش الحب في مذكرة - للكاتبة بتول مصطفى

    أقدم لكم الرواية الجديدة للكاتبة بتول مصطفى...


    سأضع القليل منها وأن حسيت بتفاعلكم سأضع التكملة...



    الاهداء
    إلى أبطال الرواية الذين أسرو قلبي فأبحرت معهم في أفراحهم وأحزانهم، وأدخل أجواء القصة كراوية لأحداثها وكأنني مجرد طيف ينقل الأحداث و أستلهم منهم القصة بشتى أحداثها ...
    إلى ماريا وفراس ذلك الخليط المتناقض من حب ...
    إلى تيم الصديق الرائع...
    إلى كل شخصيات الرواية بلا استثناء...
    إلى أهلي وأصدقائي....





    بتول مصطفى















    أنا وأنت عالمان مختلفان...
    بحثت عنك لأجدك...
    نلتقي لنضحك ونفترق لنبكي...
    فنلتقي ونبتسم...
    فاستلهم منك روعة الحب
    فراس الفارس

    أجل أنت الحب وحلاوته...
    الجنة ونعيمها...
    بحثت عنك لأجدك مازلت في عالمي وتعيش في خيالي...
    فأنهل منك كل شي...
    ماريا أكرم











    الفصل الأول
    داهمت تلك الساعات المتأخرة من إحدى الليالي الباردة وحدتها، تؤنسها الدموع الدفينة على وجنتيها المحمرتين من البكاء، وهمسة صوت مبحوحة هاجت مهدمة كل سحب السعادة وتفرض ذلك الغيم الملبد بلغة الحزن. تدفن في يديها فراءا أبيض اللون وتغمره بطاقة تمتزج بها رونق ألألم المصحوب وأخرى تحوم بها الذكريات تؤرق جفونها دمعا بصراع كلمات صامتة، ويتخللها رجفة مضطربة رسخت على شفتيها الورديتين الصغيرتين تقبلان ذلك الفراء الصامت والراحل بين عالمين يعاصرهما الألم ذاته... تلك الدموع المجفلة تؤجج من بكائها فيعلو صوتها الرقيق والمشبع بطعم الحزن تارة، وتارة أخرى يرحل بها بين خيالات متلاطمة بأمواج نهشت ما بداخل صدفة ملونة؛ لتسرق البريق الملامس حلاوة اللؤلؤة البيضاء... الدموع تلتهب عباسة وحسرة تنظم خليطا متداخل بين وجنتيها والفراء، فتغرقه بسخاء كبير... تفتح يديها بهدوء مختلسة النظر، ولكن لحظة الألم تعاود الصراع وتفرض جبروتها المحتم فتستسلم إليه؛ لتضمها إلى صدرها وتفيض عليها حنانا وشغفا ويشاطرها ألمها ودموعها المتفصد والراحلة مع ذكريات الزمن القديم... حاولت مرارا وتكرارا سرقة نظرة واحدة على ما بين يديها فيحتدم الصراع بين عيونها وقلبها لينتصر القلب فيضمه إليه، فتكتفي بمواجهة الأمر حتى تذرف الدموع منكسرة تحت بلاط القلب وكأن الذي تخفيه كنزا مندثرا... تحيط به يديها في عالم خاص انهار تحت جدار اليأس وتمسك برمقه الأخير... الوقت يرسل ذكريات يولدها حزنا سحيقا، ظن في لحظتها بقدرته على السيطرة عليها، فاستجمعت كامل قوتها الخائرة وهمت بالنهوض وقررت عتقه أخيرا؛ لتفرش وشاحها الأحمر على المنضدة وتضعه عليه، ثم اتجهت إلى دولابها وأخرجت سترة بيضاء فتلبسها على ملابسها النوم الزرقاء وتربط شعرها البني الطويل ثم تطوي الدموع التي أرقت عينيها العسليتين البراقتين وأضاف التورم جاذبية وبانت بشدة على وجنتيها وأنفها الطويل والمتناسق مع وجها الداكن... تتجه إليه بقلب خائف ومقر على خطيئته، ثم تنظر محاولة فرض قوتها على حزنها فتحمله بين يديها... كانت قطة بيضاء اللون صغيرة، قد فارقت الحياة في مقتبل عمرها، تقبلها بدموع اغرورقت عيناها وتجمهرت بين نبضات قلبها المتألمة من لوعة الفراق... ضمتها إلى صدرها... قبلتها بهدوء ولفت الوشاح عليها ثم وضعتها في سلة برداء ابيض مزينة بشريط من الصوف... قررت أخيرا اتخاذ حلا لإخماد النار المتقدة والمتنقلة بين نفسها وقلبها فتتجه إلى خارج غرفتها المحاطة بأجواء مبعثرة الأحزان... تسير في ممر خشبي بهدوء وضحت بدموعها وصوتها، وتلازم ذلك الألم في فؤادها المحروق ثم تخرج فتلفحها نسمة هواء باردة؛ تغمض عينيها بسرعة وتخفض رأسها شاعرة بخلخلة البرد داخل جسدها فهرولت خارجة من حديقة ذلك البناء المغطى بالثلج لا تعلم أي الطرق تسلك وكأنها متشابهة في الهيئة إلى طريق مثلج وذكريات تعصرها وتتلاعب تلك الأعاصير في محصلة أفكارها؛ فتشتت ما تبقى منها مع برودة الطقس المصاحبة لوجنتيها المحمرتين وفمها المدخن ويديها المرتجفتين... قررت اتخاذ التفرع اليمين طريقا لها فتسير متجاوزة النوع الكامن من البرد القارص، لم تكن قادرة على مسابقة الطقس، فملابسها لن تمنحها الدفء في هواء تتراقص به ذرات الثلج ... تضم السلة إلى صدرها بحنان يتزاحم بين الحب وذكريات وخطيئة... تحدث نفسها بخطيئتها الفادحة...
    لم أهتم بك جيدا... جريمتي المدانة... أهملتك في الآونة الأخيرة... المسرح كل ما يربط حياتي... تجاهلتك لساعات طويلة دون علم بأنك كنت تفضلين البقاء معي على كرة الصوف والألعاب التي وضعتها لك... كنت أظن من الوهلة الأولى بأنها ستدفع عنك الملل القاتل الذي صاحبك طيلة تلك الأيام، فلم تعودي لتتناولي طعامك كعادتك وعزلت نفسك عني وجردت حياتك من طعم السعادة وتذوقت الوحدة قهرا، ولم انتبه إلى ما يحدث في جعبتك... تجاهلتك بعنجهية وقلة خبرة، سيطرة علي شغف حياة المشاهير في ذلك المسرح المكتظ بخليط من الجمهور الهاتف بحرارة التصفيق والسعادة التي سلبتها وامتصصت طاقتها من حزنك وأسرجت لغة الناس عليك، وحينما انتهى عملي المسرحي المتعب والمتقن والسعادة تغمرني، لم أشاركك سعادتي فتملصتها لنفسي... رجعت منهكة لم أع بأنك كنت تحتضرين فتسلل ذلك النوم إلى مقلتي وسمعت مواءك الهادئ... لم اهتم وتداخلت تلك السنفونية الصغيرة التي تصدر من موائك المضطرب والحزن ضجر يغيض المتعب، فأجبتك بلا اهتمام... سأنام وسأكون معك في الغد اعذريني يا سوزن لا تكوني لحوحة ومملة... بعد مرور الساعات الخمس من جريمتي النكراء، جلست من النوم لم أجدك بقربي، فنهضت متجهة إلى فراشك فوجدتك تغطين بين أحلام وحياة أخرى لن توقظك... حدثتك بلطف وكأنه سيعيد الماضي ويعفيني من موتك... ألا زلت غاضبة مني يا صغيرتي؟، تتداخل ابتسامة صغيرة ونظرة لطيفة ولكن ما أن وضعت يدي على فرائك شعرت ببرودة جسدك الهزيل، فحملتك وقد خالجني شعور بالقلق الشديد، فعرفت بأنك فضلت الرحيل مع عالم أفضل على البقاء وحيدة دون مؤنس، وتحملين أمتعتك وثقلك المضجر من عالمي ... اعتذر فلن أكن أفهم تلك الخدشات الموجودة على باب غرفتي عند عودتي، فأؤنبك أحيانا على فعلتك وأبدو غاضبة ساخطة ناقمة على نفسي... وأحدثها بكلمات مزعجة... من الحمق الاعتناء بحيوانات بليدة الفهم؛ لأخرجك فترة من الزمن من غرفتي لتشعري بالذنب الذي أقدمت عليه وبعدها أعيدك بسرور وكأنني لم أقترف الخطيئة الأولى، فأضعك على فراشك المريح، وحبك المؤجج إلى قلبك الصغير يطرق بابا فتتسللين لتنامي بقربي، فأجلس على موائك فأتبسم تارة وتارة أخرى يغيضني تصرفك الأهوج ، ولكن سرعان ما أشعر بك وبرغبتك في تسليتي وشدي إلى ذلك النوع من السعادة المتخفية تحت فراء أبيض أظنه لا يعي ما حوله ولكن ما الذي أقدمت عليه؟؟؟... الإهمال الشنيع الذي دفعك للموت بدلا من التمتع في هذه الحياة المسلوبة بأنانيتي الخرقاء. تصمت للبرهة وتتوقف؛ لتنظر إلى السلة بهدوء ودموعها تأبه السقوط مؤرقة مقلتيها المحمرتين وتأسرهما بمزيج مؤلم ومترسب بين حنايا قلبها وذكرياتها المذنبة.. تمشي بخطى بطيئة بلا مبالاة وأطبقت عليها ساعة الحزن وقررت الحياة سلب كل ما قدمته لها بعربون الموت هادم اللذات... في هدوء تعبر الشارع دون انتباه لضوء إشارة المرور الخضراء كادت تصطدم من قبل سيارة سوداء اللون من أحدث الموديلات ،إلا أن السيارة تتوقف في الوقت المناسب؛ فيخرج صاحبها الأنيق و الخائف ليتجه نحوها ثم يحدثها بشيء من الغضب المرتسم على وجهه القمحي اللون الجذاب وقد انحنى إليها، فوضع يده على ظهرها؛ مسيطرا على غضبه المتوهج بين عينيه وخفقات قلبه الموجسة خيفة من الموقف:
    _ هل أنت بخير أيتها الآنسة؟
    أومأت برأسها على أنها بخير ثم نهضت و سارت دون حديث ويديها تضم السلة إلى صدرها...
    يرمقها الشاب الذي لم يتجاوز من العمر الخامسة والعشرين عاما بشيء من الاستغراب، فتكلم بهدوء وهو يعود أدراجه نحو سيارته:
    من الأدب أن تعتذر على عبورها الشارع دون انتباه، والأكثر عدم اكتراثها للحديث معي. صمت قليلا، والتفت إليها وهي تسير بمحاذاة المقبرة، فركب سيارته، ثم أوقفها بالقرب من الرصيف، فخرج سائرا نحوها متسائلا عما تفعله في هذا الوقت المظلم الشديد البرودة بملابس نومها، وفي مثل هذا المكان؟... هناك ما يدفعها إلى عدم الاهتمام، وما يثير الريبة تلك السلة التي تحملها... هل أقدمت على شيء ما وتريد إخفاءه في تلك المقبرة؟؛ فلهذا تبدو خائفة ومضطربة محاولة الفرار قبل اكتشاف سرها المخيف، دعني اختلس النظر لأعرف ما تريد أن تفعله هناك وأقلق راحتها المضطربة كثيرة وأتجافى معها، لا ضير من استراق النظر إلى مثل هذه الأمور المريبة والمدعاة للشكوك. يصمت لبرهة ويصاحب صمته ابتسامة عريضة تفيض بالخبث ارتسمت على وجهه الوسيم التقاطيع من عينين سوداوين براقتين، وشعر أسود مدفوع إلى الوراء يحيط بجزء من وجهه ورقبته لفافة سوداء اللون ومعطف اسود اللون يغطي جسده العريض، يسير وراءها بخطوات هادئة متجنبا إثارة ضجة تصاحبه، فتوقف وحدق بها وهي تدخل المقبرة ثم تحدث بكلمات قليلة وابتسامة ماكرة تنبعث من مكر عينيه واعوجاج فيه ... يبدو بأنها تحاول أن تخفي شيئا هناك، جريمة بين القبور، وفتاة بريعان الشباب بين القضبان ... توقف أمام سور المقبرة ثم نظر إلى داخلها لعله يشاهدها لم يجدها بين القبور وإنما وجدها قرب من شجرة كبيرة توجد في الطرف اليمين والبعيدة قليلا عن رهبة المكان، فاختلس النظر، بينما كانت تجلس قرب من جدع شجرة ويداها بين ذرات الثلج تستخدمها إلى الحفر تارة، وتارة أخرى تقربها من فيها محاولة تدفئتها لم تكن تأبه إلى رعب المكان أو ما يعج به من قبور وموتى والقصص التي تدور حول دخول المقبرة في تلك الليالي المظلة والباردة... والمس الملعون من قبل ضحية استهدفت سابقا، وقررت الانتقام بروحها التي تمثل على هيئة بشر فتحركها كما تريد، وتعبث في مخيلة الناس وتنتقم ممن سلب منها طعم ولذة الحياة وأضفى على قلبها لوعة النار الكاوية إلى روحها المعذبة والمحاصرة والمعلقة خارج نطاق عالم البرزخ... كل تلك القصص لم تستول على جعبتها ولم تحرك بها ساكنا، بينما أبحر عقله بين خيالات القصص المرعبة... كان هدفها الوحيد دفن صغيرتها الوحيدة في مكان يعج بالناس كما كانت تحب قضاء وقتها معهم فقررت اتخاذ ذلك المكان؛ كي تسعد قطتها مع العالم الراحلة إليه... كانت تتحدث بهدوء وتراقصت الكلمات حزنا مع خطيئتها...
    _سامحيني يا قطتي، لا أجد في جعبتي من الكلمات التي تفي لاعتذر عما سببته لك... سامحيني.
    كان الشاب يستمع إلى تلك الكلمات فشعر من الحمق أن يتبعها فستدار للوراء راجعا إلى سيارته يحدث نفسه بقليل من السخرية والأسى على الفتاة... أعتقد بأنها بحاجة لطبيب نفسي يعالجها، تتحدث وكأن القطة شيء عزيز عليها فقدتها... أنها مجرد قطة، وأن ماتت ما الذي سيحدث؟، هل سينتهي العالم؟، من البلاهة رؤية أولئك العاطفين الذين يجدون العاطفة تستحوذ على مشاعرهم المنسية خلف قضبان الماضي وينجرفون نحو مستقبل مزهر يسبقه حطاما مريعا، حتى على الحيوانات يشعرون بالحزن والألم في حالة موتها... أضحكتني كلماتها... سامحيني... فتاة حمقاء ومازالت تعيش طفولتها المتأخرة، تخيلت أنها ستخفي طفلها المولود بلا أب... صمت قليلا وتوقف عن السير ونظر خلفه إلى المقبرة وأكمل ....هاهي المشاعر تسيرني وتسللت إلى قلبه شيء من الضيقة غير المفهومة، وتزاحمت مع تلك المشاعر الخفية... يحدث نفسه بقلق وقليل من الغضب الذي أجهم وجهه قليلا ويشوبه مشاعر متذبذبة... لا يجب تركها في هذا الوقت في الطقس القارص، فقد تحتاج لمن يقلها، حينما تخرج من تلك المقبرة فهي لا ترتدي غير ملابس النوم وسترة لا تفي بتدفئتها...تنفس الصعداء وأكمل ...تبا لتلك المشاعر، التي تسيرنا قليلا ... حينما وصل اختلس النظر إليها ثم أسند ظهره إلى سور المقبرة وانتظر خروجها، وأما الفتاة كانت تشارف على نهاية دفن قطتها، والدموع حوصرت عينيها المتعبين والشاعرتين ببرودة الطقس... أصرت على ألا تستسلم إليه، وإنما حاولت إكمال واجبها على أكمل وجه، تحدث نفسها بكلمات كئيبة تحاول السيطرة على الحزن الذي غلفها وأرسلها نحو فهوة الظلام... يجب أن يليق بك، و خطيئتي لن تغتفر إذا تهاونت بواجبي اتجاهك... وهي تلقي بكميات الثلج على تلك الحفرة حاصرتها أعاصير من الحزن والألم تصدر من عينيها الباكيتين، حينما أنهت مهمتها نهضت مثقلة واهنة وقد تجمد جسدها من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها مكلمة كلماتها بتعب وإعياء... أرجو أن ترقدي بسلام... وداعا... أنني أتذكر هذا الشتاء وهذه الليالي جيدا... أتذكرها جيدا... سارت متعثرة الخطى والدموع تنهمر وتجمدت على وجنتيها؛ ففركت يديها ثم قبضتهما معا وقربتهما إلى فمها لتدفئتهما قليلا، وماهي إلا ثواني معدودة حتى سقطت على تلك الرمال البيضاء الباردة وهي تقول بشيء من الحزن والألم... هل هذه هي نهايتي؟... أنني متعبة... وراودتها أطياف لأرواح بشرية فأكملت كلماتها بهدوء وتعب... أمي أهذه أنت؟ ابتسمت ابتسامة صغيرة وبعدها تسلل النوم إلى جفونها المغطاة بذرات الثلج، لترحل نحو عالما جديدا.
    أما الشاب نظر إلى ساعته وحدث نفسه بملل رتيب... يبدو بأنها ستقيم هذه الليلة هنا وقد صاحبني الممل من الانتظار بلا فائدة.. نزع معطفه الأسود ثم اتجه داخل المقبرة فتوقف لبرهة مشدوها لرؤيتها ملقية على الأرض فأسرع باتجاهها ثم رفع رأسها ووضعه على فخذه وتحدث بقلق وخوف وهو يضرب وجنتها محاولا إيقاظها ولكن دون فائدة:
    _استفيقي أيتها الفتاة... ترفرف بعينيها محاولة النظر... وضع المعطف عليها ثم حملها وأسرع بها إلى سيارته و تجمهر شعور الخوف عليه وكسا جعبته، وما أن قاد سيارته حتى أمسك هاتفه المحمول وطلب رقما... مرحبا جوان ... اطلبي من أحدى الخادمات تجهيز غرفة الضيوف واستدعاء الطبيب في أسرع وقت.
    _كما تشاء يا سيد فراس.
    أغلق الهاتف وتأملها بقليل من الحزن، محدثا نفسه بقلق رهيب وهو يضع يده على جبينها... أرجو أن تكون بخير، كم من الحمق الخروج في مثل هذا الوقت وبملابس كهذه، هل تريد الموت مع قطتها؟... صمت لبرهة ثم اعتدل في جلوسه وعاد يحدث نفسه بعدما تحاشى النظر لها... كم أكره هذا النوع من النساء اللاتي تسيرهن عاطفتهن ولا يتوخين العواقب المترتبة على أفعالهن العشوائية؛ معتقدات أن محور الحياة يتوقف على هذا الشيء أو تكون نهاية إلى حياتهن، فهن يبحرن فيما يعيق مجرى الحياة، أن كان الحب صديق الموت، فحذري من الوقوع فيه مادمت تتصرفين بلا وعي... صمت قليلا ثم نظر إليها وبدأ تنفسها يعلو رويدا رويدا. فقرب يده إلى جبينها وأكمل حديثه مع نفسه القلقة... الحمى قد أصابتها فحرارتها مرتفعة وتحتاج إلى العلاج، وإلا ستصاب بنوبة برد وتضطر إلى الجلوس في المنزل عدة الأيام... في تلك الغفوة الصغيرة، كانت الفتاة تغط مع ذكرى حلم أرقها قليلا، وجعلها تتفوه بكلمات تبدو من الوهلة الأولى واعية، ولكنها تتعايش مع حلم مزعج... لا تتركيني يا أمي... أرجوك لا تتركيني وحدي... لا ترحلي... نظر إليها فراس مقطب الحاجبين وحدث نفسه... كم من المؤسف أن تعاني من شيء ما في مثل هذه اللحظات، والقطة كانت أنيس وحدتها في الأيام الماضية وفقدانها، أعادها إلى ذكريات مؤلمة ومحزنة، فهي لا تزال صغيرة على مثل هذه الأحزان الموقنة بجبروتها هادم درجات السعادة وسارق معنى الحياة... دخل إلى تلك الحديقة الكبيرة المغطاة بكرات الثلج البيضاء التي أضافت لمسة جمالية غطت بها الأشجار، ونافورة القصر ذي الطفل المجنح الإغريقي، حامل المزمار... خرج من سيارته ثم حملها واتجه بسرعة ليفتح الباب؛ فظهرت له خادمتين بلباسين أسودين يصلان إلى الركبة، فتتحدث أحداهما بجد واحترام:
    _سيدي... غرفة الضيوف قد أعدت، والدكتور ينتظرك هناك. بينما الثانية اتجهت ونزعت المعطف من الفتاة... ثم لحقتا بسيدهما إلى الغرفة.
    دخل السيد فراس الغرفة، فوضعها على السرير برفق، فلمح عينيها التي فتحهما برهة من الزمن،وسرعان ما أغلقتهما. وجهها المحمر من الحمى وشفتيها الورديتين الناعمتين كانت جميلة وهادئة حدق بها ثوان معدودة، ورحل إلى العمق السحيق وألهبت مشاعره نبضا... وما أن وضعها ... تنحى قليلا حتى اتجه لها الطبيب ذي السابعة الأربعين عاما يرتدي سماعة الفحص على إذنيه وبدأ بتفحصها ثم وضع مقياس الحرارة في فمها وانتظر عدة ثواني وبعدها نزعه فتكلم وهو يتجه لحقيبته:
    _ أيتها الممرضة... أعدي حمام من الماء تبلغ درجة حرارته أربعين درجة مئوية.
    اتجهت أحدى الخادمات مع الممرضة إلى دورة الماء الخاصة بغرفة الضيوف...
    تكلم السيد فراس وهو يهم بالانصراف:
    _ سأكون في غرفتي... أبلغني بما سيستجد عليها.
    هناك في مكان بعيد... أبعد من مجرة الزمن...
    وابعد من أن يكون للانسان وجود...
    عاشقان تداعبهما موجات الهواء الغير مكتلمة...
    ينموان معا وهما متعانقان... يفكران ان يعيشا روحا قبل أن يكونا اثنين...
    ومعهما تبدأ الحكاية وبنهايتهما تنتهي الحكاية...


  2. ...

  3. #2
    أهلًا يا فتاة embarrassed

    تسجيل مُتابعة للرواية
    سأُكمل قراءة وأعود بإذن الله ^^
    اللهم ارحم أبي رحمة واسعة وأحسن إليه واغفر له يا رحمن يا رحيم


    ماأضيعَ الصبرَ فِي جُرحٍ أدَاريهِ.. أريد أَنْسَى الذي لا شيء يُنسيهِ *



  4. #3

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter