إقتباس:
الفصل السابع..~
.
.
"ما المعنى من ذلك يا أبي؟"
هذا ما دار في ذهنها خلال تلك اللحظات التي كانت ترى بها والدها، الرجل الرزين و الصارم، يُظهر تعابير الوحدة و الانكسار بعد سماعه للكلمات التي قالتها أنابيل قبل انصرافها..
أرادت أن تسأله مباشرة لكنها لم تستطع مواجهته و هو على تلك الحالة، ففضلت البقاء ساكنة في مكانها إلى أن يدخل هو إلى غرفته التي كان متوجها إليها..
و بدأت باسترجاع ذكرياتها إلى اليوم الذي جاءت فيه أنابيل للعيش مع والدتها في منزل عائلة إدوارديز.. إلى إحدى عشرة سنة مضت..
كانت فتاة مرحة، مليئة بالحيوية و ذكية أيضا.. استطاعت بعفويتها و مصداقيتها أن تحظى بإعجاب السيدة إدوارديز، والدة روزماري، فكانت تأتمنها على جميع ممتلكاتها الشخصية..
و لأن الأخيرة كانت تعاني من مرض عضال أنهكها، فقد فضلت أن تقوم أنابيل بالاعتناء بـ ابنتها الوحيدة روزماري دون البقية ممن عمل لديهم..
فكانت الفتاتان تلعبان معا، تجلسان معا، تتناولان طعامهما معا، و حين يحين موعد النوم، كانت أنابيل لا تبرح جانبها إلا عندما تتأكد بأن الآنسة الصغيرة قد غطت في نوم عميق..
بينما كانت السيدة إدوارديز تلازم السرير و لا ترى ابنتها إلى قليلا من الوقت.. و بالرغم من ذلك، لم تنسَ روزماري أبدا مقدار الحب الذي استشعرته من حضن والدتها المرتخي، و كيف كانت ابتسامتها الواهنة مليئة بالحنان..
أما السيد سولومون، والدها الذي اعتادت رؤية الجمود في تقاسيم وجهه آنذاك، لم يكن متواجدا بكثرة بسبب انشغاله بأعمال العائلة، لكنه بدأ بقضاء المزيد من الوقت مع ابنته بعد أن توفيت والدتها بعدة أشهر..
تعود روزماري إلى الواقع مخاطبة نفسها..
" بالتفكير في الأمر، أجد بأنه قد تغير فجأة.. كنت أراه يبتسم على غير عادته، و خصوصا حين يتجاذب أطراف الحديث مع أنابيل، يحادثها بنبرة صوتٍ لم أسمعها قبلا..! كيف لم ألحظ ذلك حتى الآن؟ كيف غاب عن ذهني تفسير نظراتهما لبعضهما من ذاك المنظور؟! كيف لم تساورني الشكوك من قبل حين كان يعود من سفرات أعماله محملا بالعديد من الهدايا لي و لها أيضا؟ و حين كانت وجنتاها تحمران و نظراتها ترتبك كلما رأته؟! "
استمرت بالنظر إلى الأعلى بينما تردف في نفسها:
" منذ متى يا أبي؟ أ يعقل بأنك كنت معجبا بها من قبل أن تموت والدتي..؟ أ يعقل بأنها غادرت هذا المنزل قبل سبع سنوات بسبب ذلك..؟
لا.. لابد بأن هناك سببا آخر لرحيلها، سبب يدعو والدتها لمعاملتها بجفاء..
ربما هي من أغوت والدي في البداية.. و لم تخرج بإرادتها بل قامت صوفي بطردها من منزلنا.. ثم أعلنت خبر خطبتها لتثير غيرة والدي..
ربما هي تكذب و ذلك الشخص ليس خاطبا لها..
هل يعقل بأني قد خدعت بها؟!
لا..
هذا مستحيل، فهي ليست كـ شخص لعوب، و طيبتها لا يمكن أن تكون تمثيلا.. أم أنها كذلك؟؟ "
.
.
اختلجت تلك الأفكار في ذهنها..
لم تستطع إنكارها و لم تستطع اليقين بها أيضا..
فقد اختل المنطق لديها.. و لم تعد قادرة على التفكير بعقلانية..
طغى عليها الغضب و الانزعاج، فأسرعت بالتوجه نحو الغرفة الزجاجية، التي يفترض أن تكون أنابيل قد عادت إليها، و هي محملة بغيرة الابنة المدللة التي تأبى أن تشاركها أخرى بوالدها..
فتحت باب الغرفة باندفاع ثم توجهت نحو الداخل بخطوات متسارعة موجهة أنظارها نحو أنابيل التي وقفت فور رؤيتها..
و قبل أن تنطق الأخيرة بشيئ قالت لها روزماري بنبرة جادة بعد أن توقفت أمامها مباشرة: أرغب بمحادثتك بأمر ما.
ثم التفتت نحو كل من كاترين و ميشيل و أردفت: اخرجا من الغرفة حالا.
أومأت كاترين برأسها إيجابا و خرجت من الغرفة، بينما أبدى ميشيل اعتراضه على ما أمرته الآنسة إدوارديز بفعله..
كانت تقف مغلقة كلتا قبضتيها بشدة مما جعل أنابيل تستشعر مدى جدية الموقف فقالت بحدة لـ ميشيل الذي كان عناده مزعجا وقتها: ميشيل، اخرج من الغرفة قليلا.