.
.
Back ~
بعد مدة, تسللت أنا من الشقة دون أن يلحظني أحد و توجهت مباشرة إلى الرواق المقابل لشقتنا الأرضيّه .
و هناك , و كما توقعت .. وجدت كيفن يتطلع إلى السماء بسكون .
قد يبدو كيفن للجميع كشخص حاد الطباع, عصبي, و لديه أعصاب مشدودة طول الوقت, وقد يكون في مزاج لا يسمح لك بالاقتراب منه, وهو لا يبدو ودودا علي الطلاق, لكنه حقا شخص لطيف إذا تمكنت من اختراق دفاعات شخصيّته الطفوليّة !
رفيقي كيفن لا يعطي ثقته لأحد, و أحيانا, قد لا تحصل عليها إلا بعد معاشرته لمدة طويلة , و أعني مدة قد تصل إلى أكثر من عشر سنوات!
نعم, انه حقا شخص صعب المنال, و من الصعب النيل منه أيضا!
أعلم أن الحوار مع كيفن سيء في بعض الأحيان...
حسنا, في معظم الأحيان...
فقد أصبح حاد المزاج بسبب طبيعة عمله المقلقة , والمشاكل التي تواجهه مؤخراً .
لكن .. و في النهاية , لازلت اعتبره رفيق عمري الذي لن استغني عنه أبدا , ولطالما ارتبطت صورته في ذهني بذكريات مشتركه سعيدة .
اقتربت منه ببطء و سمحت لنفسي بالجلوس إلى جانبه :
" مرحباً .. يا كيفن ."
لم يقل شيئا في البداية, ظل يحدق بالسماء ثم تنهد, و بعدها التفت ناحيتي :
"ما الأمر ؟ "
هززت رأسي بالنفي و أبقيت على ابتسامتي :
"لا شيء , لكنك تبدو مُرهقاً اليوم."
زفر و عاد ليحدق بالسماء :
"أنا بخير..."
كان صوته منخفضاً, لم تكن هناك تلك البحة المعتادة, هل بدا لي صوته كالمستسلم ؟
قلتُ و أنا أرمقه بهدوء :
"أنت لا تبدو بخير .."
زفر ثم التفت ليحدق في وجهي منزعجاً :
"ما الذي تريده يا مايكي؟ "
ملتُ بجسدي نحوه, ثم قلت له بنبرة حزينة مصطنعة :
" أليس لدي الحق بالاستفسار عن حال رفيقي العزيز"
لكزني بخفه لأبتعد عنه قائلاً بملل :
"قُلِ الحقيقة بسرعة يا مايكي..و إن كنت قد جئت لتزعجني , بجديّة أنصحك بالابتعاد وإلا ستبيتُ الليلة في حاوية القمامة الموجودة في هذا الرواق !"
قالها وهو يشير إلى الممر المظلم خلفنا .
ابتلعت ريقي و ضحكت بقلق :
"لا لا .. لم آت لذلك.."
و التفتنا للأعلى ناحية القمر, لقد كنا في بداية الشهر , لذا لم يظهر من القمر سوى شكل الموزة, و بصراحة, بدا لي كموزه هزيلة للغاية ..
ظللنا على تلك الحال لعدة دقائق.
و بينما أجول بناظري في السماء و أنا أتابع النجوم, محاولا أن أتعرف عليها .
"أتعلم؟"
قالها كيفن بصوت هادئ و منخفض.
ابتسمت و لم أتكلم, كنت أعرف أنه لن يمضي الكثير من الوقت قبل أن يهدأ و يخبرني بالذي يدور في خاطره .
"من الصعب أن تكون شرطياً عمله في أقذر وأدنس أحياء المدينة..."
"أتفضل أن تكون شرطياً يعمل في منطقة سياحية مثلاً ؟ "
قالها وهو يبتسم ثم نظر إلي :
"مايكي .. لو كان لك الخيار.. أين كنت تفضل أن تعيش؟"
ضحكت قليلا قبل أن أعلّق :
"أتعلم, إن كنت تنوي الذهاب في رحلة, أو شيء من هذا القبيل.. سمعت في النشرة الجوية إن جزر هاواي رائعة في هذا الفصل من السنة! "
قهقه للحظات وبعدها نظر إلي قائلاً:
"لا بأس.. لكن على أن تكون الرحلة مدفوعة التكاليف من قبلك أو قبل شقيقك المتبجح الثري .. تعرف بأننا لم نستغله منذ فتره .. و أنا لن أدفع سنتاً واحدا!"
مططت شفتي :
"هذا غير عادل ! أنت تعرف بأنني مفلس دائماً! و كريس دفع لي تكاليف هدية عيد ميلاد إريك منذ فتره .. لا أستطيع أن أطلب منه شيء حالياً َ"
"ليست مشكلتي انك تنفق كل مصروفك على النوادي والأكل يا مايكي.. اعتقد بجديّة بأن عقلك يقطن في معدتك!"
ضحك على سخريّته مني بأريحيّه كالعادة , ثم لف ذراعه حول ظهري مكملاً :
"و بصراحة.. يجب عليك التحكم في شهيتك ! لقد أزداد وزنك كثيرا هذه الأيام !"
.
.
حسنا يا جمهوري العزيز في المرآة, أكره أن احبطكم لكن لم يحدث شيء يذكر تلك الليلة .
فقط تحدثت مع كيفن عن أشياء كثيرة, عن الفتيات والطعام و السفر حول العالم, ومع أنه لم يكن مهتما بالذي كنت أقوله, إلا أنه لم يقاطعني بلكنته الساخرة المعتادة.
طبعا استمريت أنا بالحديث إلى أن جاء إريك , و أخبرنا بأنه يفكر في بعض الآيسكريم في تلك الأمسيه .
قد يبدو الأمر مملا بالنسبة إليكم , لكن أعتقد بإنك لن تفهموا شعوري .
لقد أخبرني كيفن عن كل ما يزعجه..
وحكا لي بالتفصيل عن حوادث مؤلمه شاهدها مباشرة أو سمع بها من محيط عمله .
و كان قد فقد مؤخراً ثلاثة من زملائه في الشرطة في حادث تبادل نيران مع إحدى عصابات الأسلحة بكل بساطة , وهو لم يحصل على فرصة حماية ظهورهم .
كان يلوم نفسه على كونه عديمَ النفع , و يحمّل نفسه مسؤولية كل شخص لم ينجح في إنقاذه أو حمايته .
كان الإجهاد يقتله ونحن كرفاقه لم نلاحظ هذا حتى , كان يحتاج احدنا ليخففف عنه و ليمنحه بعض القوه والثقة من جديد , لكن الجميع انشغل في حياته الخاصة .
حسناً ..أنا لم اعلّق .. و بقيت لأسمعه فقط ..
و أعرف أن هذا يعني له الكثير ..
بعدها راقبني كيفن بامتنان صامت , وبدت لي تلك النظرة في عيونه الرماديه مختلفة هذه المرة .
و أنا بدأت أشعر بالذنب لأنني فضلت تركه ولم أبالي بمزاجه الغاضب في البداية ..
لكني الآن سعيد للغاية لأنني كنت لطيفاً و مشفقاً عليه ,-بالرغم أنه يكره هذا -لكنني أعتقد الآن بأن هذا كان كلّ ما تمنى.
ابتسم لي ومرّغ شعري وقد عادت له ذاته القديمة المحببة إلى نفسي , وسار في الأمام بخفه وقوه مجدداً .
ربما أنتم يا جمهوري العزيز لا تفهمون شعور من يحميكم .
و يكون متواجداً دائماً من أجلكم, يخاطر , يتألم نفسيا و جسديا عندما كل تكون سلامتكم مرهونة به, وفي النهاية , يفشل في أن ينقذكم من قدركم .
قد يكون رفيقي كيفن صلباً و قوياً للغاية , ولكن هذا لا يعني بأنه لا يشعر مثلكم و يرغب في من يحتويه أيضا !
حقا... من الصعب أن تكون شرطي جرائم في قلب مدينة نيويورك...
إلا طبعاً إن كنت تعرف البطل الأسطوري مايكل لآري! )
النهاية
اتمنى تروق لكم , و المقطع الأخير في مذكرات مايكل يشرح قصّة فكرة القصة بكل اريحيّة و بساطة ~ =)
اتمنى تساعد هالقصّة في أنكم تهتمون في كل شخص غالي عندكم , و أنه مهما كان الشخص متماسك و يسويّ فيها قويّ و ما يتأثر , فهو يحتاج لكم ولو بمجرد الإستماع له ~
و تذكروا أن تعليقاتكم و نقدكم للقصص يهمني كثير ~
تيك كير ~
وسبرس .
المفضلات