مشاهدة النتائج 1 الى 2 من 2
  1. #1

    العرب هم السباقون في الادب الجنسي...مهم..

    عندما يقوم مستشرقٌ فرنسي يجيد العربية والفارسية بترجمة مختاراتٍ من كتابات بورنوغرافية للايراني ميرزا حبيب اصفهاني والحلبي محمد ابن منصور الحلّي، لا يملك القارىء العربي إلا أن يتساءل عن أسباب هذا الخيار ودوافع اتخاذ دار "رتيكال" التابعة لـ "سوي" قرار نشرها، كونها لا تمثل قيمة أدبية عالية في ذاتها. إلا أن الحيرة لا تطول، إذ يسلّم السبب الأساسي نفسه منذ الصفحات الأولى لمقدمة المترجم المسهبة، اذ يقول إن كتاباتٍ من هذا النوع "تظهر الوجه الآخر للإرث المشرقي وتعطي صورة مختلفة عن الاسلام، صورة تثبت أن ثقافته ليست متماثلة ولا مقموعة الى الحد الذي يريدنا البعض ان نعتقده"، وهذا ما يؤكده الناشر بدوره في عرضه للعمل الصادر خلال الربع الأخير من عام 2004.

    "كتاب القضيب"هو عنوان العمل المستقى من عنوان أحد دواوين ميرزا حبيب أصفهاني، مؤلفٌ من ثلاثة أجزاء، أوّلها مقدمة المترجم، فالمختارات من اعمال الكاتبين الايراني والسوري. وبذل المستشرق الشاب ماتياس اينار جهدا واضحا ولافتا في التقديم والترجمة على السواء. فمن حيث الترجمة، حافظ على موسيقى الأبيات واعتمد لعبة القوافي والسجع باللغة الفرنسية، ناجحا بذلك في تجسيد روح الخطاب الأصلي ونبراته، رغم بعض علامات "المقاومة" القابلة للرصد التي أبداها النص لدى انتقاله من لغته الى الفرنسية. أما من حيث التقديم، فقام اينار بدراسة واسعة ومتقنة التوثيق لهذا النوع من النصوص في تاريخ الأدبين العربي والفارسي، وأدخلنا صميم الجدال الذي كان دائرا على مر القرون حول امكان استخدام الفاظ نابية ومبتذلة في الكتابة الأدبية، وخاصة حول مسألة تجديد اللغة العربية في أشكالها ومضامينها كي لا تكون لغة المراوحة والتقليد والإغراق في التراثية والماضوية. وذكر عددا من الشعراء الجديين والكبار الذين لجأوا الى كتابة الهزليات والخمريات للهزء بالزعماء ورجال الدين وسلوكيات المجتمع والممارسات الجنسية، ومنهم على سبيل المثال بشار بن برد من القرن الثامن وابو نواس من القرن التاسع. أظهر اينار أيضا كيف تطورت الذهنيات عبر العصور، منذ مرحلة توزيع النصوص خفية وكتابتها بأسماء مستعارة، وصولا الى مرحلة التساهل ازاء كتابتها ونشرها في أواخر القرن التاسع عشر. وعرض في شكل مقتضب الخلفية التاريخية للقرن التاسع عشر ولاسيما الربع الأخير منه، حين ساهم عدد من الأدباء واللغويين، اللبنانيين بخاصة، في الحفاظ على اللغة العربية ومنعها من الاندثار في وجه محاولات التتريك آنذاك. كما ألقى الضوء على دور اوروبا في التعتيم على هذه النصوص العربية والفارسية المفرطة الجرأة، بسبب تجاهل المستشرقين الغربيين لها اذ كانوا يعتبرون هذا النوع من الشعر المنتمي الى الهجاء البورنوغرافي مهينا ومخزياً. ناهيك بأن حركة الترجمة كانت تقع في معظمها على عاتق علماء لا تهمهم متعة النص الأدبي في ذاته.

    يقع "كتاب القضيب" في المكان النقيض للصورة المطبوعة في مخيلة الغرب عن إروتيكية الشرق المحجوبة والتي يُحلم بها والقائمة في المقام الأول على الايحاءات. هنا نلمس فجاجة الواقع ونقرأ اوصافا ووضعيات بذيئة تغالي في استغلال الممنوعات والاحتفاء بالرذائل من كل نوع ولون. ليس الماركيز دو ساد بعيداً عن روح هذه الكتابات، وإن يكن الهدف منها مغايرا. يستشهد اينار في بداية العمل بجملة لهنري ميشونيك: "الشعر هو المكان الأكثر هشاشة والأكثر تعبيرا عما يمكن مجتمعا أن يفعله بالفرد". وتأثيرات هذا المجتمع هي ما نراه فعلا في القصائد المختارة، المشرّعة على آفاق المشرقية العربية ذات التراث الحضاري المتحرر، والتي تنقض عددا كبيراً من الكليشيهات الراهنة حول الاسلام، وتبيّن أن حقيقته متنوعة كتنوع البلدان التي تحتضنه، على غرار الفرق بين اندونيسيا وايران، أو بين تركيا والعالم العربي مثلا. المسلمون أنداد للغربيين في الانتهاك والنقد الذاتي والكفر والهدم والاستفزاز والزندقة، كأني بإينار يقول، ويجب عدم تأطيرهم في حدود دينهم لأنه ليس المفتاح الوحيد الى قراءتهم وقراءة فكرهم، مثلما تتوهّم فئات كبيرة من المجتمعات الغربية اليوم. فـ "الممنوعات موجودة لكي تُكسر عندهم أيضا، والاختلافات الثقافية الجذرية بين الشرق والغرب ليست جذرية الى هذا الحد وقد تكون محض تخيلات واوهام"، بحسب إينار.

    لكن من هما ميرزا حبيب أصفهاني، صاحب "كتاب القضيب"، ومحمد ابن منصور الحلي صاحب "المقامات"؟ أما ميرزا حبيب (1835- 1897) فهو مفكر ايراني "ليبرالي" من جوار اصفهان اضطر الى أن ينفي نفسه الى اسطنبول عام 1866 بسبب مشاكله مع السلطة، وهناك علّم العربية والايرانية حتى وفاته. إنه مثقف كبير ومشهور ببحوثه في قواعد اللغة وترجماته وكتاباته الشعرية، وهو من المعجبين بموليير، وساهم في تثوير الادب الايراني وتلقيح اللغة الفارسية بدماء الادب الاوروبي بفضل ترجماته المتقنة عن اللغة الفرنسية. مؤلفه "كتاب القضيب" كان يوزع سرا باليد في اسطنبول عام 1885، وكذلك كتابه الثاني "فصول الفرج الأربعة"، ويكشف لنا ميرزا حبيب فيهما وجهاً خفياً من وجوه الادب الايراني في القرن التاسع عشر، مطعّما بالفحش المسلي أو البذاءة المضحكة، خاصة في العمل الأول الذي يروي لنا فيه انجازات "ذي العين الواحدة"، كما يلقّبه. إلا أن كتابته لا يمكن ان توصف بالبورنوغرافية البحتة، لأنها تدرك درجات من المبالغة تصير فيها مثيرة للضحك، وبهذا الضحك تحديداً يخرّب ميرزا حبيب النظام الاجتماعي والديني والسياسي القائم ويخدش الحشمة على نحو فضائحي.

    اما محمد الحلي (1841- 1888، فولد وعاش في حلب وكتب بالعربية والفارسية على السواء. كان ينتمي الى البورجوازية الحلبية ونخبتها الثقافية والسياسية، ويميل الى الكلاسيكية في ذوقه الأدبي، الى حد انه لم يعر أهمية لبوادر النهضة التي كانت يومذاك تبدأ في البروز حوله. إلا أنه رغم كلاسيكيته شُغف بالسخرية والهزء، وشنّ حملات شرسة على عادات ذلك الزمن وتقاليده معتمدا هو الآخر على استخدام الالفاظ الفجة والصور المتطرفة غير القابلة للتصديق، لذلك فإن بورنوغرافيته بدورها لا تنتمي الى اطار الكتابات الإروتيكية، ولا تثير الشهوة بل القهقهة. يلجأ الحلي في مقاماته الى استخدام كاريكاتوري للاعضاء والممارسات الجنسية بغية كسر التابو وتجاوز المحرمات، وان يكن التجاوز يتم حصرا بواسطة "القول" لا الفعل، أي أن الفانتاسمات المذكورة ليست محرِّرة بل محض "فشة خلق". وهو يمارس المعارضة او المحاكاة، محرّفا مقاطع من نصوص جدية معروفة على نحو يخدم الهدف ويصدم القارىء.

    وكنّا تعرّفنا الى المترجم والكاتب ماتياس اينار، المقيم في برشلونة، خلال معرض الكتاب الفرنسي هذه السنة في بيروت، الذي جاءه لتوقيع روايته الأولى "كمال الطلقة" الصادرة لدى "اكت سود"، وحيث شارك كذلك في مناقشة مع الروائي الياس خوري. وعاش ماتياس اينار فترة طويلة في لبنان، وتدور روايته تلك حول قصّة قناص في مدينة تمزقها حرب أهلية، وهو مستوحى من شهادات لأشخاص عاشوا حرب لبنان وحرب العراق وايران. وجدير بالذكر أن اينار نال لـ"كمال الطلقة" جائزة Interallié وجائزة الفرنكوفونية للقارات الخمس لعام 2004.

    يضع "كتاب القضيب" نفسه تحت سماء الحرية المطلقة، متمرداً على القوقعة والممنوعات، وسوف يكتشف القارىء الفرنسي في هذه الكتابات المنتهِكة من القرن التاسع عشر وجه إروس المتطرف و"السوقي" في الأدب العربي. وفي زمن تحوّل فيه مقص الرقيب العربي قاعدةً بدلاً من ان يكون استثناء، وصارت فيه الاحكام المسبقة الانعكاس الوحيد عن هذه الحضارة او تلك، لا بد من تحية عميقة الى يد فرنسا التي تنبش في آدابنا ما يكسر المقص وينقض الكليشيهات، ومثلها تحية دائمة الى حركة الترجمة كإطار انساني وثقافي وحضاري ولغوي للتفاعل بين الشعوب والثقافات، وللاغتناء بالآخر المختلف والبحث عن آفاق لا تُحدّ ولا تنغلق.

    تحياتي لكم... غريب فلسطيني..


  2. ...

  3. #2
    مشكووووووووور إخوي على الموضوع الرائع
    وأتمنى كتابة مواضيع أخرى من إبداعك
    ولا تنسانا يا رفيق بالردود ...........

    محبتكم أسيرة الذكريات

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter