دخلت للمرة الأولى في مركز المخيم الصيفي الصغير نظرت إلى جهة فيها الكثير من الفتيات لم أشأ التحدث إليهن فيكفيني ما املك من الصديقات الكثيرات وعندما استقام وجهي نحو الأمام رأيت إحداهن تجلس وحيدة بعيدة عنهن وقد أمسكت زهرة صغيرة تنام في كفيها الحنونتين لفتت انتباهي تلك الفتاة فكل بنات المخيم يجلسن مع بعضهن ويلعبن بألعاب الأطفال مع أنهن ليسوا أطفالا إلا أنهن مستمتعات يلهون ويلعبن ببهجة بالأراجيح المختلفة أما هذه الفتاة تجلس منفردة بتلك الزهرة اقتربت منها بخطوات بطيئة دون أن تنتبه لي رددت عليها التحية فوجدتها تنظر إلي نظرة تحمل الكثير من أسئلة وكلمات مبهمة إلا أنها وقفت بسرعة وابتسمت قائلة: أهلا ومدت يدها تريد مصافحتي ابتسمت لها وضمت يدي يدها بحرارة
بعد ذلك جلسنا ولم تكلمني أو اكلمها أبدا إلا سؤالا كنت قد طرحته عليها قلت:ما اسمك
ردت: آسيا, رددت: اسم جميل. و لم تطرح علي السؤال نفسه كما هو المعتاد بالتعارف فقلت اسمي متجاهلة عدم سؤالها ردت بسرعة قائلة معنى الاسم نظرت إليها بدهشة أول مرة أعرب عن اسمي لأحد فيرد علي بمعناه مع أنها تبدو في السن صغيرة إلا أنها تعرف معنى الاسم يبدو عليها الذكاء, فقط هذا ما دار بيننا يومها ولكن لم يكن الحوار هكذا قد انتهى
مر يومان على التحاقي في ذلك المخيم حتى سمعت إحدى الفتيات تقول: يال المسكينة سجن والدها وعمرها تسعة اشهر, حينها دارت في عقلي فكرة مضحكة قلت محدثة نفسي لابد أن هذا مسلسل جديد نزل على شاشات التلفاز وهذه المسكينة دور لإحدى الممثلات تركت وقت الاستراحة وبادرت لدخول الغرفة التي وضعت بها حقيبتي التي تحمل قنينة الماء دخلت فوجدت آسيا تجلس وحيدة شربت الماء وكدت اخرج ولكني تراجعت وقلت لها إن أردت شرب الماء فلا تترددي هزت برأسها يمينا ويسارا تعبر على عدم رغبتها رجعت و جلست قريبة منها وقلت لها : ما بك ، قالت : لا شئ قلت لها ولا اعرف لما سألتها ذلك السؤال وكيف خطر على ذهني هل ستأتين بالغد؟ نظرت إلي نظرة ملؤها الغرابة ثم قالت لما تسألين ؟ قلت لها : وهل أزعجك سؤالي؟ قالت : سأجيبك على السؤالين التي طرحتهما علي بالمقلوب
أولا: أنا لم انزعج من سؤالك
ثانيا:أنا غدا لست قادمة، كنت سأنطق بسؤالي الثالث ولكنها لم تدعني انطقه عندما قالت: ارجوكي لا تطرحي سؤالك الثالث سأجيبك عليه دون اتعابك . لم أتكلم أصغيت إليها أريد معرفة السبب بشوق واهتمام بدأت تتكلم آسيا والحزن بدا يخرج مع كلماتها البطيئة قالت:سأذهب لزيارة أبي الأسير في سجنه في بئر السبع
وأكملت:اذهب لزيارته في يوم الخميس أسبوعا بعد أسبوع فالخميس الذي فات لم أره, قلت إذا رايته الخميس الذي قبله, قالت: لا الخميس الذي قبله كانت المعابر والحدود مغلقة والخميس الذي بعده لم تكن الزيارة مقررة لنا وغدا سأراه. صمتت ثم أشرعت بالحديث وقد تغلغلت عينيها بالدموع قائلة: أنا اصغر أفراد عائلتي سنا لي أخت متزوجة وأخ متزوج وأخ شاب في الثانوية سجن والدي وعمري تسعة اشهر, عندها دارت في عقلي بضع كلمات: تسعة اشهر الفتاة كانت تتكلم عن آسيا وليس عن بطلة مسلسل يال غبائي الشديد أكملت حديثها قائلة: ولطالما حلمت أن استيقظ صباحا وأراه يضع الإفطار ثم يعطني مصروفي اليومي ويقبلني أو يحضنني كما يفعل أخي مع أبنائه, قلت: قبلة!! قالت: آه كم حلمت أن يقبلني أبي وان يحضنني في صدره الكبير كم حلمت أن أنام وفي قلبي ذرات أمان كم حلمت أن امسك يده وان امشي معه بشوارع القرية وأقول للناس انظروا أنا امشي مع والدي تنهدت تنهدة طويلة وجفت الدموع من عينيها ثم قالت:انتظر الخميس بعد الخميس لكي أكحل عيني بمرآه ولكني اصبحت اكره تلك الزيارة. سألتها وكادت دموعي أن تفضحني وان تؤذيها لماذا؟ قالت أفتش مائة مرة وأهان ألف مرة استيقظ لصلاة الفجر ثم ارتدي أجمل ما عندي واضع شالتي على رأسي واخرج أنا وأمي نسير سيرا طويلا حتى نصل موقف الحافلة ننتظرها نصف ساعة على الأقل ثم تقلنا إلى معبر ايريز ومن بعدها تقلنا حافلة أخرى إلى بئر السبع حيث سجن أبي هناك ننتظر طويلا نفتش مائة مرة وأنا استغبيهم الم يملوا من هذا كل مرة يفتشونني ولا يجدون شيئا لما يتعبوننا ؟هذا ما يريدونه يريدون اتعابنا قلت لها : كيف يفتشونك ؟ قالت: نقف على شئ لا اعرف ما اسمه ومن فوقنا يقف يهوديا يوجه لنا أوامره كاستديري وارفعي منديلك والى أخره وعندما اصل إلى والدي أخيرا اكلمه من خلال سماعة هاتف بعد حديثه مع أمي اكلمه بضع كلمات ككيف حالك وما أخبارك كما أخاطب بها احد جيراننا بدأت الدموع تطرد على خديها وصوتها اختلط بالنحيب وضعت يدي على كتفها وقلت كفى أرجوك, أكملت: وبنصف حديثي معه تنتهي موعد الزيارة وتنقطع حرارة الهاتف دون أن أقول له الى اللقاء تنقطع وكأن شيئا قطع مني ثم انطلق لرؤيته, حينها ابتسمت أنا وكأني أفرجتها بكلماتي الساذجة قائلة: إذا حينها يقبلك ويحضنك نظرت إليها فوجدتها تضحك ضحكة سخرية مني ومن سذاجتي وقالت لي: لا, فيفصل بيني وبينه زجاج قاس بقسوة الحديد القي عليه بضع نظرات وابتسم له ابتسامة حزينة يرد الابتسامة لي ولامي وينظر نظرات الوداع الأخيرة ثم يذهب إلى البعيد حيث سجنه الحقير. مسحت آسيا دموعها بسرعة وخرجت من الغرفة وأخذت تركض في وسط الساحة مثل العصفور الحر تنظر إلى السماء نظرات لم افهمها هل هذه النظرات نظرات يأس؟ أم نظرات حزن وكآبة؟ أم نظرات تفاؤل وأمل؟
وباليوم التالي جاءت آسيا ولم تتغيب قلت لها دون صباح الخير: لماذا؟؟ قالت المعابر والحدود مغلقة ثم ضحكت وقالت الم تسمعي بعملية نتانيا يالها من عملية رائعة
قلت لها بحزن: لكنها السبب. قالت لي: لا تحزني فزيارة أبي عادية وقد اعتدت الصدمات واعلم ما سيدور بيننا من حديث, لم أصدقها وقلت لها : أتضحكين على نفسك ألا يكفي رؤياه قالت بجدية قاسية سأراه يوما عاجلا أم أجلا في الدنيا أو في الآخرة فلا تقلقي .
عندها ملأت كلماتها الجادة قلبي بالفرح الحزين وبالأمل العجيب وبالاطمئنان الكبير, ابتسمت لها ونظرت إلى عينيها منبهرة ومعجبة بها ووضعت يدي على رأسي وشعرت بصغر عقلي أمام عقلها حتى خجلت من نفسي وابتعدت عنها وأصبح قلبي ينبض نبضات سريعة واتجهت إلى المغاسل اغسل وجهي بالماء البارد وكأن الماء ستمحى آسيا من دماغي وذاكرتي لكن عبسا أحاول لم ولن أنساك يا آسيا ....
اتمنى من كل قلبي ان تعجبكم وارجو ان ارى تعليقاتكم لانها مهمة بالنسبة لي
المفضلات