تحقيق- علا الشافعي
في البدايات كانت السينما مرادفا للحلم, وبعد فترة صارت السينما فن الحياة والواقع, ترصد, تتأمل, تحلل, وفي أحيان أخري تتنبأ, ومن الأفلام السياسية المهمة التي قدمتها السينما العربية ومثلت علامات مهمة في تاريخها الأيام الطويلة, وصراع الأبطال, والمتمردون لتوفيق صالح,, والغول, والبرئ لوحيد حامد, والجوع وأهل القمة لعلي بدرخان, وهي أفلام اتسمت بالمستوي الفني الراقي والعمق الفكري.
لكن مع بداية موجة الكوميديا وتحديدا منذ فيلم صعيدي في الجامعة الأمريكية ظهرت موضة الأفلام الكوميدية التي تحمل مسحة سياسية مشهد أو مشهدين لمظاهرة, أو حرق العلم الإسرائيلي, وتزامن ذلك مع تصاعد أحداث الانتفاضة في فلسطين المحتلة, وقتها تعالت أصوات السينمائيين والمتابعين من النقاد والصحفيين ضد هذه الموضة, ووصفوا هذه الأفلام بالمباشرة والسطحية واستغلال المشاعر الوطنية, الوحيد الذي ظل بعيدا عن هذه الهوجة الفنان عادل إمام, وفي هذا الموسم فاجأنا بفيلمه السفارة في العمارة, الذي يعيد طرح التساؤل: لماذا في هذا التوقيت يعاد فتح ملف التطبيع في فيلم سينمائي؟ وهل الفيلم تناول القضية بسذاجة درامية بعيدا عن العمق والتحليق؟ وهل ذلك يؤثر سلبا علي قضايانا السياسية المهمة؟
الأهرام العربي في هذا التحقيق تجيب عن هذه التساؤلات..
لا يخفي علي أحد أن فنان بجماهيرية عادل إمام وذكائه تعمد صناعة فيلم مختلف بعيدا عن صراع الإيرادات في موسم الصيف, والذي أكد أنه لا يعنيه كثيرا, فالمهم مضمون العمل, كأنه بهذا الفيلم يوجه رسالة فكرية لجمهور السينما وروادها من جيل الشباب, الذين أصبحوا يجهلون الكثير عن قضية الوطن والانتماء والأرض الفلسطينية المحتلة, وضرورة التعايش السلمي بعيدا عن لغة العنف, والدليل علي ذلك أن عادل إمام لم يفارق يوسف معاطي أثناء كتابة السيناريو, وكان يفكر كثيرا في مورال الفيلم والقضية التي يطرحها, لذلك فالبعض يعتبر فيلمه بمثابة شهادة تاريخية, لكن علي طريقة عادل إمام, ومبالغاته الكوميدية.
علي الرغم من مشاهد المظاهرات والهتاف ضد التطبيع في بداية الفيلم, والتي تحولت في مشهد النهاية إلي هتافات ضد العنف وقتل الأطفال, وأيضا مشهد قيامه بطرد السفير الإسرائيلي وضيوفه من شقته, وهو المشهد الذي قدم بحرفية سينمائية عالية وجاء مليئا بالمشاعر الانفعالية التي تشحن الجماهير, إلا أن الفيلم لا يقول لا للتطبيع كما قد يظن البعض, بل علي العكس تماما, طبقا لوجهة نظر الناقد السينمائي طارق الشناوي, فالفيلم من أذكي الأفلام التي تم نسجها بحرفية عالية لخدمة الهدف السياسي, لذلك فهو يتماشي مع الخطاب الرسمي للدولة, والفيلم مع التطبيع سياسيا شرط أن يكف الإسرائيليون عن قتل الأطفال والعنف, وتلك أهمية الفيلم سياسيا في هذا التوقيت.
الكثير من المتابعين لحال السينما قد يرون أ ن الفيلم تعامل بخفة شديدة مع قضية مهمة وهي التطبيع مع إسرائيل, ليس ذلك فقط, بل قدم اليسار بشكل كاريكاتوري, ورغم تلك الهنات إلا أن المنتج وكاتب السيناريو فايز غالي, يري أن الفيلم قياسا علي الأفلام الأخري التي كان لا هم لها سوي استغلال القضايا الوطنية الكبري بشكل سطحي فج, فالفيلم جيد سينمائيا ويحمل فكرة لجيل من الشباب تربي ذوقه علي سينما الكوميدينات المليئة بالتفاهات والسطحية.
المفضلات