الفصل الحادي عشر
سقطت (هانا)بشدة على أرض الرصيف ..وجاءت سقطتها فوق ذراعها وركبتها..
أحست أنها غير قادرة على أن تتنفس!
وانفجر الالم هائلا في كل جسدها..
ماذا حدث؟
ماهذا الشئ الذي صدمني؟
وهي تجاهد لكي تسترد أنفاسها..رفعت رأسها في الوقت المناسب ،لترى مستر(هاردر)يمر بها.كان يصيح بكل مايمتلك من قوة..يطلب من الاولادأن يتوقفوا..وببطء..جذبت(هانا)نفسها لتقف على قدميها..كان(هاردر)شديد الغضب فعلا!وقفت منتصبة..ركبتاها يؤلمانها..وقلبها يدق بشدة..
وهي تتابع صاحب محل الايس كريم بنظراتها.فكرت:ألم يكن من الواجب أن يعتذر لي على الصدمة التي أوقعتني أرضا!
انحنت على الضوء الصادر من المحل ..لتفحص ركبتيها ..هل أصيبتابجرح؟لا..مجرد خدش صغير.نظفت ملابسها ،
ورأت مستر(هاردر) يعود مسرعا إلى محله..كان رجلا قصيرا ..سمينا رأسه مشتعل بالشعر الابيض المجعد..وجهه وردي ..يرتدي مريلة بيضاء تتطايركلما تحرك ..وقبضتاه مضمومتان إلى جواره..
وأسرعت(هانا)تختفي وراء شجرة ضخمة..
بعد ثوان ..وصل إلى سمعها غضب (هاردر)وهو يشكو بصوت مرتفع إلى زوجته:ماالذي حدث لهؤلاء الاولاد؟!اخذوا الايس كريم ولم يدفعوا ثمنه ؟أليس لهم أباء؟ أليس لديهم أحد يعلمهم الصواب والخطأ!
ولم تسمع (هانا)إجابة زوجته ..كانت تحاول تهدئته..
تركت (هانا)مستر(هاردر)وصيحاته الغاضبة،وتسللت من وراء الشجرة..أسرعت إلى الاتجاه الذي جرى إليه الاولاد !
كان صوت مستر(هاردر) الغاضب ،مايزال يصل إليها ،فأسرعت تجري هربا.
قفز إلى ذهنها شكل (داني)وقد ظهر عليه الرعب وهو يهرب..وصورة(ألان)و(فريد)وراءه،وصوت أحذيتهم وهي تقرع الارض في محاولتهم الفرار .والآن..هاهي تجري،دون أن تعرف لماذا ؟!حتى بعدت عن الميدان .وكانت ركبتها اليسرى تؤلمها ،وهي تعدو وسط الحدائق والمنازل المظلمة..
وتحولت عند الناصية ..
توقفت قليلا عندما رأت الاولاد الثلاثة ،يقفون وراء حائط مرتفع يشبه السور..
قالت بصوت هامس:هيه..ياأولاد!ثم أسرعت بالجري في أتجاههم ..وعندما اقتربت ..رأتهم يضجون بالضحك ويستمتعون بأكل الايس كريم!
لم يرها أحد منهم فقد كانت تمشي بين ظلال الاشجار في الجانب الاخر من الطريق ..وتسللت لتقترب أكثر ..محتمية بالظلام ..حتى إذا وصلت إلى نقطة في مواجهتهم عبر الطريق..أختفت وراء مجموعة قصيرة منالاشجار المتشابكة!
كان (فريد )و(ألان)..يدفعان بعضيهما بمرح.إنهما يحتفلان بانتصارها على صاحب المحل .بينما وقف (داني)وراءهمامعتمدا على السور .يلعق الآيس كريم صامتا..
قال ألان بصوت عال:كانت لدى (هاردر)مناسبة خاصة اليوم..الايس كريم مجانا !
ضحك(فريد)عاليا..وضرب (ألان)على ظهره!
تحول(ألان)إلى (داني)وقال:لقد كنت خائفا حقيقة..أليس كذلك..تصورت أن قلبك سيسقط منالخوف!
قالت(هانا) لنفسها :إن (داني) يتظاهر بالعنف بقصد أن يكون مثلهما !
قال(داني) وهو يرمي ماتبقى منالايس كريم وراء السور:كان شيئا مثيرا مافعلناه..ولكن علينا أن نكون حريصين..ونبتعد عن التجول هناك لبعض الوقت!
صاح (ألان) :لماذا هل سرقنا بنكا..إنها مجرد قطع من الايس كريم!
وبدأوا مرة أخرى يتضاحكون ويلعبون بصوت مرتفع!
وفكرت (هانا) :لا ..لايااولاد ..أخفضوا أصواتكم !
وازدادت ضحكاتهم وهم يقترحون العودة إلى المحل ..والحصول على المزيد من الايسكريم ..
وفجأة غمرت الاضواء الشارع..
استدارت (هانا)..رأت اثنين من كشافات الضوء الابيض الساطع تتجه إلى الاولاد.إنها أضواء سيارة!
وفكرت(هانا)..إنها الشرطة!
الفصل الثاني عشر
توقفت السيارة!
ودفعت(هانا)برأسها من وراء الشجيرات.
نادى السائق على الأولاد :هيه..ياشباب..
وأخرج السائق رأسه من نافذة السيارة!
وأدركت (هانا)أنها ليست سيارة الشرطة..وأطلقت تنهيدة ارتياح.بينما تجمد الأولاد بجوار السور..وعلى ضوء عامود الإنارة..رأت(هانا)السائق..إنه رجل عجوز..ذو شعر أبيض..ويرتدي نظارة!
قال(فريد) :إننا لانفعل شيئا..نحن نتحدث مع بعضنا فقط!
سألهم الرجل:هل يعرف أحدكم كيف أصل إلى شارع 112؟
ضحك (ألان)و(فريد)..ضحكات الراحة!بينما أستمر (داني) ينظر إلى الرجل خائفا!
قال(ألان) :الطريق الرئيسي يوصلك إلى شارع112 ..استمر في طريقك..ثم بعد بنايتين استدر إلى اليمين !
شكرهم الرجل ..وواصل سيره!
فجأة قال(ألان)في دهشة:هيه..هل تعرفون أين نحن الآن؟!
ومن مخبئها ..تابعت (هانا)نظراتهم إلى نهاية السور..حيث رأت صندوقا خشبيا للبريد،معلقا على سارية،وقد ظهرت رأسا بجعة محفورة فوق الصندوق،بينما جنااها يحتضناه من الجهتين..صاح (ألان)وهو يتجه إلى صندوق البريد: إنه منزل (تشيسني)..
ومد يديه..وأمسك جناحي البجعة الخشبية،وقال:هل تصدقون أن هذا صندوق بريد؟
قال (فريد) ساخرا:لقد صنعها (تشيسني)بنفسه..إنه فنان؟ها!
أضاف (آلان) في احتقار:وهذا مصدر سعادته وفخره!
وجذب باب الصندوق..كان خاليا!
قال(داني)محاولا أن يبدو عنيفا مثلهما:ومن الذي سيرسل إليه خطابا؟!
وقف (فريد)وراء(داني)،وبدأيدفعه تجاه الصندوق وهو يقول:خطرت لي فكرة!!اعترض (داني)ولكن (فريد)دفعه إلى الصندوق قائلا:دعنا نرى مقدار قوتك؟
تساءلت (هانا) :ماذا سيفعلون هذه المرة!
وسمعت (ألان)يأمر(داني) :هات صندوق البريد!
نريد أن نرى شجاعتك..لقد أخبرتنا أنك لا تخاف من أي شئ!إننا نتحداك!
تردد(داني) :حسنا..إنني..
عاود(هانا)هذا الشعور بالخوف والتوجس وراحت تراقب (داني)وهو يقترب من صندوق البريد الذي صنعه (تشيسني)بيده..وتوقعت حدوث شئ رهيب..قالت لنفسها:يجب أن أوقفهم..تنفست بعمق.وخطت خطوة إلى خارج الاشجار ..وفي اللحظة التي استعدت فيها للنداء عليهم..تحول كل شئ إلى سسواد..
صرخت بصوت عال:هيه..
ماذا حدث؟
كان أول ماخطر على بالها.أن نور عامود الإضاءة قد انطفأ..
ولكنها شاهدت دائرتي الجمر الحمراوين ،تلمعان أمامها
عيون اللهب يحوطها الظلام..
الظل الغامض يرتفع أمامها ويكاد يصل أن يصل إليها..
حاولت أن تصرخ..لكن الظلام التام كتم صوتها!
حاولت أن تجري..لكنه أغلق الطريق أمامها ..
وتركزت العينان الحمراوان عليها،وهما تقتربان منها ..وعندئذ،أدركت(هانا)أنها وقعت في قبضة الظل الغامض!!
الفصل الثالث عشر
إنه يهمس : (ها...نا)...(ها...نا)
وهو يقترب منها،لدرجة أنها تشم رائحة سخونة أنفاسه،أخذ همسه .يشبه صوت تساقط ورق الشجر الذابل:
(هانا)..(هانا)
كانت عيناه كقطعتي ياقوت تشتعلان بالنار ،حين شعرت بظله الاسود يلفها بقوة.
توسلت إليه:من فضلك.
ولاحقها الهمس: (هانا)
عاد الضوء..فتحت عينيها ثم أغمضتهما..وحاولت أن تتنفس..
مازالت الرائحة تملأ رئتيها..لكن الطريق يلمع بالضوء الآن..
وغمرتها أضواء سيارة عابرة..
عندئذ اختفى الظل الغامض ،لقد تلاشى عندما أضاءت السيارة المكان .. ولكن ..هل سيعود؟!
عندما مرت السيارة..جلست(هانا)وراء الشجيرات..تحاول استرداد أنفاسها..وعندما رفعت رأسها لتبصر المكان..كان الاولاد مازالوا متجمعين أمام سور مستر(تشيسني)!
قال(داني) :هيا بنا من هنا!
وقف (ألان)أمامه ليمنعه من الانصراف قائلا:مستحيل..ليس الآن..هل نسيت التحدي؟!
ودفع (فريد)(داني) إلى الصندوق!وقال:أتحداك أن تحضره..لقد قلت أنك لا ترفض التحدي أبدا..هل تذكر؟
ضحك (ألان)وقال:عندما يخرج (تشيسني) غدا سيتصورأن بجعته قد طارت!
اعترض (داني) :انتظرا ..إنها فكرة سيئة!
أصر (ألان) :لا..إنها فكرة رائعة..(تشيسني)رجل كريه..مكروه من كل الناس!
هيا..هيا..احضر الصندوق!
ضحك (فريد)وقال:إنه جبان..كتكوت..
صرخ(داني)بغضب:إنني لست كتكوتا!
(ألان) :حسنا.. اثبت ذلك!
وجذب يدي(داني)ودفعهما إلى جناحي البجعة!
همست(هانا)لنفسها:لاتفعل ذلك يا(داني)..أرجوك..لاتفعل!
وعلى ضوء عمود الإنارة..رأت (هانا)(داني)وهويقفز ويمسك بالجناحين.
وزمجر بصوت عال..وهو يجذب..ويجذب!لكن البجعة لاتتحرك!
أمسكها من أسفل الصندوق..وأخذ يجذب مرة أخرى!
قال لصديقيه:إنها ملتصقة جدا..لاأعرف إذا كنت قادرا على خلعها أم لا!
شجعه(ألان) :حاول مرة أخرى!
وضع (فريد) يديه على يدي (داني)وقال:سنساعدك!
وقال(ألان)مشجعا هيا نجذب جميعا..
وصاح صوت خشن..غاضب:لن أفعل ذلك لو كنت مكانكم!
نظروا خلفهم..
كان مستر(تشيسني) يحملق فيهم وهو يقف عند بداية الممر ..وقد عقد جبينه على نظرة غضب وحشية!
المفضلات