خوذة الكوابيس
الفصل الأول
في ليلة شديدة المطر , و في إحدى الشوارع التي تقع بين الأزقة و التي اغرقتها مياه الأمطار , كان هناك ظل لشخص يركض بسرعة كبيرة , كان رجلا في الثلاثين من العمر , و كان يلهث بشكل كبير , التفت الرجل يمينا و يسارا ليتأكد من أنه لا يوجد شخص يتبعه , قال الرجل في نفسه : على الإبتعاد عن هذه البلدة بأسرعة ما يمكنني , ففرص نجاتي ستكون أكبر حينها , و إلا لوقعت في أيديهم و حدث مالا يحمد عقباه.
خرج الرجل من بين البيوت و هو يختبئ تحت معطفه المطري و أخذ يعبر الشارع بخطوات سريعه أشبه ما تكون بالركض , في تلك اللحظة مر على ورقة معلقة على أحد الجدران فتوقف و أخذ يقراها و قد كتب فيها الآتي
" إلى كل من يعارض السياسة , و كل من لا يطيع أوامر أي ضابط و جندي مهما كانت اسبابه , سيوضع في زنزانه خاصة في السجن المركزي لعشرة أيام , و هذا من رحمة الكولونيل فريدريش بكم , و إذا قام أحدهم بالتعدي على أي شخص من الجيش فسوف يتم تعذيبه بأي وسيلة يراها الكولونيل مناسبة له , و..... "
لم يكمل ذلك الرجل قراءة الورقة , إنما أكمل مشيه السريع تحت الأمطار المنهمرة و دوى الرعد , آملا أن يجد مكانا يستطيع أن يقضي فيه ساعات قليلة ليستريح فيها , دخل ذلك الرجل إلى احد الحانات المحطمة و اختبئ خلف طاولة الساقي و ألقى نظرة على الساعة الوحيدة التي بقيت سليمة في المحل و قد كانت تشير إلى الثالثة إلا ربع بعد منتصف الليل , أما التاريخ فقد كان الموافق 25 \ 8 \ 1942م.
أغمض الرجل عينيه في محاولة يائسة للنوم , و بقي على هذه الحال حتى الساعة الثالثة و الثلث , سمع الرجل صوت أقدام ثقيلة تتحرك في الحانه فانكمش على نفسه بقوة و كتم انفاسه حتى لا يستطيع أحد سماعه , انطلق صوت أحدهم يقول بصرامة و برود : هيا أيها الجنود , ابحثو عن ذلك الرجل جيدا , لابد انه في مكان قريب من هنا فلا يمكن ان يكون قد ابتعد كثيرا.
بدأ الجنود بالبحث و أقدامهم تدك المكان بسبب احذيتهم الثقيلة , انكمش الرجل اكثر في مكانه , فهو يعرف انه المقصود بكلامهم و أنهم لن يهدوا حتى يعثرو عليه , فجأة توقفت قدمان بقرب الطاولة التي كان يختبئ تحتها , توقف قلب الرجل من شدة الرعب و هو يرى ذلك الحذاء الذي عليه شعار الصليب المعقوف و الذي اشتهر في فترة الحرب.........شعار النازية.
كاد قلب الرجل يتوقف من سرعة خفقانه , فقد كان الرجل يعلم أن الجندي إذا نظر إلى موقع قدميه سيراه مباشرة و لن يكون هناك طريق واحد للهرب , لكنه ارتجف عندما قال الجندي الذي كان واقفا قربه باللغة الألمانية : المكان خال يا كولونيل
قال الكولونيل بصرامة جافة : لنذهب إذا و نكمل البحث , فقد اخبرنا أحد اصحابه بعد التعذيب أنه قد يحاول الخروج من باريس.
خرج الجميع من الحانة بخطوات سريعة كان لها وقع الرشاش في قلب الرجل , ما إن إختفت الأصوات حتى خرج الرجل من مكانه ليتاكد من رجال الجيش قد خرجوا , نظر الرجل إلى خارج الحانة فلم يلمح احدا فزفر بكل قوته , استدار الرجل عائدا إلى الداخل , لكن قلبه وقع بين قدميه و لم يستطع الحراك ساكنا عندما رأى احد الجنود و هو يقول بابتسامة كبيرة : إذا فأنت هنا يا هر كارل , لقد أتعبتنا كثيرا بالبحث عنك بعد أن هربت من المعمل قبل يومين.
حاول الرجل الإستدارة و الهرب , لكنه ما إن اكمل إستدارته حتى تلقى ضربة قوية من كعب البندقية التي كان يحملها الجندي فسقط فاقد الوعي , رفع الجندي جهاز اللاسلكي و قال : هنا 103 , لقد تم القبض على الفريسة الهاربة , أرسلوا أحدا لأخذه.....انتهى.
رأى كارل نفسه في مكان ذا حدود لا نهائية , اخذ يلتفت يمينا و يسارا و هو لا يستطيع ان يميز شيئا , سمع كارل صوتا من خلفه فالتف إليه , اتسعت عينا كارل من شدة الرعب و هو يصرخ بكل قوته : لا....لااااااا....ابتعد....ابتعد عني.
في تلك اللحظة شعر بمياه بارد جدا ترتطم بوجهه , فانتفض و استيقظ من حلمه , نظر كارل حوله فرأى أنه في غرفة خالية من الأثاث إلا من طاولة وضعت عليها بعض المشارط الصدئه و السكاكين الحادة الملطخة بالدماء , في تلك اللحظة دخل احدهم من الباب الوحيد الذي يقع في منتصف الجدار الذي يقابله , ارتجف كارل في شده و عينه تقع على الكولونيل فريدريش هولديشتاين رئيس المخابرات الألمانيه و هو يقول : مرحبا يا هر كارل , أرى ان النوم ليوم كامل قد انعش قواك من جديد.
التفت كارل حوله و قال بتوتر شديد و قلق قاتل : أين انا , ما هذا المكان ؟
أشعل فريدريش سيجارا كبيرا و قال بهدوء و هو يتفرس ملامح كارل : أنت في بيت الثعالب , مقر الجستابو بالعاصمة باريس
انتفض كارل بقوة شديد حتى كاد أن يقع مع الكرسي لولا أن أمسك به فريدريش من ياقة قميصه المبللة , لوح فريدريش و قال لكارل بابتسامة ماكره : ما بك يا كارل , لم ترتجف هكذا ؟
قال كارل و أسنانه تصطك من شدة الخوف : لا شيء يا سيدي , إنه بسبب الماء البارد.
المفضلات