قصتي لكم ~
من دون مقدمات ..
حفلة تنكرية .. وقناع ~
صاع شعره البني الداكن بلون الحمرة بين هفوات الأضواء الخافته ، كما لو كان يبرق ويرعد بانسياب بكل حركة يقوم بها ، وما كانت حركاته سوى ملل وضجر للوضع حوله ، استقامت جسده تؤكد مثقال ثقته ورجوح فكره ، تراءت له صورة وجهه المنعكسة في الكوب الزجاجي الذي تتملكه يداه ..
الصورة متمايلة بعض الشيء لحركة السائل المتراقصة فيه ، لكن يمكنه أن يرى بوضوح قناعه الأسود المخملي الذي يغطي نصف ملامحه محتلا الجزء العلوى من وجهه ، رفع رأسه نحو الحشود الغفيرة التي امتلأت القاعة ...
الكل يعيش كما لو كان العالم ملكه ، "بطل" هناك يقهقه وهو يمسك معدته مدعيا البطولة في فلم سينمائي صنعه لنفسه ، " غالية " من جهة أخرى تتفاخر بحذائها الفاخر الذي اشترته من باريس ..
داعبته ابتسامة شقية في زاوية فمه اجبرته أن يطلق نفسا ضاحكا زلزل تلك الخصل الحريرية فوق رأسه ..
فسمع صوتا قويا فريدا من نوعه ذا بحة ثقيلة : لما تضحك يا "صافي" ، هل تذكرت نكتة التقطتها من الهواء ؟ أم ان الملل أصابك بتخريف الجنون ؟
أجاب صافي : انظر يا "فاخر" ، أنا أشاهد أمامي مسلسلا فكاهيا من أكثر المسلسلات مبيعا في الولايات المتحدة الأمريكية .. ليس هذا فقط بل هو مزود بشاشة ثلاثية الابعاد .. لا قل تشاهده أمامك وجها لوجهه
ارتشف فاخر رشفة من العصير الذي بيده واقترب من زميله مسندا ظهره الى الطاولة ، فحومة شعره بلون الليل من دون قمر كانت تلفت الأنظار بشدة ، رغم قصر قامته كان يمتلك ذلك الظهور المبهر ..
قال بتراخي : ظننت لوهلة أنك تقوم بتسويق منتج .. - صمت - لا يعجبك الا العجب يا صديقي ، وأشك ان كان العجب يعجبك في الأساس ..
وضع صافي كوبه على الطاولة خلفه بعد ان شرب جزء منه قائلا : سأذهب لأشم بعض الهواء النقي فرئتي بدأت تتضايق من هذا الهواء الملوث ..
لم ينتظر رد زميله بل أسرع الى الخارج كأن الأمر أرقه فعلا .. اشتدت خطواته سرعة حتى وصل الى الباب الخارجي وأوصده بقوة .. كما لو كان احدا يلاحقه ، اختفت الأصوات المزعجة من حوله الا القليل الذي استطاع ان يتسلل من خلف الباب ..
اسند ظهره براحة على بنية المنزل وهو ينظر الى القمر الذي توسط كبد السماء وأخذ يراقب صغار المخلوقات بنوره الساحر ..
أخرج علبة سجائر من جيبه ، وبدأ يحاول اشعالها بولاعة سوداء ذات طراز ارجواني ، عاود النظر الى القمر مرة اخرى ..
قال أخيرا بعد لحظات من الصمت : أتعلم سيد قمر .. أكرهه الحفلات التنكرية بشدة ، لا أطيق حتى رائحتها أو حروف مصطلحاتها ، جئت من أجل فاخر لا اكثر من هذا ، كل واحد منهم يغطي وجهه بقناع يمنعك من معرفة هويته .. يتبجج بالزينة والبذلات الملفتة للانظار والأحداث المفتعلة المركبة بالخيال ..
نظر الى عود السيجارة الذي بيده ، فقد بدأ بالاشتعال تدريجيا وكأنه يموت بيده ، فرماه على الأرض وداس عليه برجله ، صمت قليلا ثم ضحك بجمود : أتعلم ما سبب كرهي لهذه الحفلات التنكريهه السخيفة ، انها طبق الأصل من الواقع الذي نعيشه .. هه هذا يرتدي زي زورو مدعيا الشجاعة والقوة وكأنه لم يفر هاربا من كلب أعور ، وتلك ترتدي زي سندرلا متصنعة العفة والرقة وكأني لم أرها تركض خلف شاب في أحد المجمعات التجارية ، وآخرون فضلوا ارتداء زي الفرسان الثلاثة مدعيين النبل كأن ما حدث قبل اسبوع من حادث سرقة وتخريب لم يكن بسبب طيشهم ..
الكل يرتدي قناعا كما لو انه واجب عليه وسيعاقب أشد أنواع العقاب اذ لم يفعل ..
نزع قناعه بقوة ورماه على الأرض ، لتتلألأ زرقة عينيه وتنسجم مع ضوء القمر .. قال بيأس : حتى أنا .. أرتدي قناع ..
غضب وانفعل وشد على قبضته بعنف وصرخ بحدة : لا تضحك علي !!! حتى أنت يا قمر .. تتصنع الجمال وما أنت سوى كتلة مليئة بالأحافير ..
هدأ قليلا وقال بأسى : هكذا أصبحنا وهكذا كنا ، مدينة مليئة بالأقنعة ، حفلة تنكرية زائفة باسم النفاق ..
ضحك ساخرا واكمل : يبدو أن لا مكان " للصفاء " فيها يا صافي ..
المفضلات