بسم الله الرحمن الرحيم
في بلاد بعيدة جدا تحدها شمالا جبال القوقاز وجنوبا بالقنال الإنكليزي ،بلاد ضرب المثل فيها : أنه لو كان للمحتضر أمنيتان لتمنى أن يذهب إليها ثم يصلي فيها آخر ركعتين في حياته بعد أن يحضر مجلسا من مجالسها، هي الجمهورية الوحيدة التي قامت على الديموقراطية الحقيقية ، ولو أننا نسمي حاكمها ملك .. اشتهرت هذه الجمهورية بشيء أكثر من الخضار والشرطة السرية ..
بمجلس فسيح وسيع ، ذو قدر عالي ومقدرة كبيرة على استيعاب الطوائف والأديان ، مجلس علم ودين و نميمة وثرثرة ، يجتمع فيه كل أسبوع أولي العلم والجهل الحكماء والعقلاء والشعراء والنحويين والجماعات العنصرية المتطرفة وعصابات المافيا والرد نكس ولاعبو لوس انجيلوس ليكرز ودور الطباعة والنشر ومصوري الباباراتزي
يبدأ بعد أنأفتتح فيه خطبتي الشرفية : لا تلمسوا أي شيء يلمع، ولا تتزحلقو على الدرج ولا تشربوا مياه الحوض كما أنه لا يوجد باب للطوارئ ..
--الحلقة الأولى --
فبينما كنت ذات يوم مقبلا على النوم .. ، إذ طلع علي من تحت الأرض نديم يقول لي متأوها : ألا حسبنا الله ونعم الوكيل ، ضاعت الأمة !
قلت له : ومن ضيعها غير أمثالك ؟ ، قال : لقد هبت هبوب الفتن متئدة من الغرب بموت الملك ، قلت : كثر الله منهم ، فرعون أم جون آدامز ؟ قال : لا هذا ولا ذاك ، إنما مات ميكيائيل جاكسون ؟ قلت ومن ذاك ؟ : قال شيء ولا كل الأشياء ،قلت له مستغربا: وأي دولة يحكمها ! قال : إنه ملك البوب ، يرقص كمئة جارية .. عندها علا الغضب وجهي ، واحمرت أوداجي وانشقت أشداقي ، حينها وألقيت بعروستي الصغيرة والشيء الآخر الذي كان في يدي وقلت : لساني قطع !
ثم قلت له : قبح الله امرؤ القيس ( مغن مشهور في بلانا بالفسق والتغزل الفاحش ) ! أصاب الناس بالجنون بوسامته وقصة شعره وسكسوكته المحفوفة بالليزر ، والله لولا أن ابن ملكنا المراهق عاشق مهووس بهذا النجم لكنت صلبته على بوابة الرحلات المغادرة !
همني الملل بسرعة من تشاؤم الجميع فصرخت في الحضور : هل من أخبار تحملونها غير جوعكم ورجولتكم ؟ قال لي قرموط من الشرق الأوسط : لقد تم إعدام شاذين في إيران ولم يعجب الناس ذلك . قلت : أي ناس ؟ قال : ناس اليوتيوب .. قلت : إنك هناك تجد الشواذ يدخلون مقاطع المستقيمين والبريطاني يدخل مقاطع العيد الوطني الأمريكي أوتريد أن يحب الناس كل ما يرون ، ازرق وجهي من الاكتئاب ..
فقال لي رجل من الغرب : ألقى الرئيس الأمريكي خطابا عن الديانات في القاهرة . قلت : هل سمعه الأمريكان ؟ قال : لا فقلت له : اغرب عن وجهي ! نحن أولى بالمواطنة منهم .. قال لي مسؤول صحي في الأمم المتحدة : لقد قتلت انفلونزا الخنازير الكثير من العباد وزهدت الناس في زيارة المكسيك ، فسألته : ومن سماها إنفلونزا الخنازير؟ . قال : منظمة الصحة العالمية . قلت : كذبت ، إنما سماها رئيس تحرير نيويورك تايمز لأنكم لا تصبرون أن يترك الناس الجري وراءكم بشغف . قال لي صحفي أمريكي : لكن يا سيدي ، إن كنا فعلا نريد نلفت انتباه الناس لنشرنا صور النساء الكاسيات العاريات على كل الأغلفة ! قلت : رأيت الناس قد ذهبوا إلى من عنده ذهب ومن ما عنده ذهب فإن الناس قد ذهبوا ، والنساء الكاسيات لسن بذهبوا و لا تجذب المسلمين الرهبان ولا الأحبار ولا الشواذ!
فظهر صوت مصلح ديني شاب لاحظ اكتئابي فقال : لقد فسد الناس .. قال له منافق وطني :أنت وحدك فسدت ، إنما لم يفسد أحد .. فالخير عندنا كثير ، قلت : عدا النفط والقطن لا تسأل .. حتى القرصنة تدر علينا بالخير .. ثم ظهر رجل أربعيني في مثل سني مثلي اسمه جبران يقال له الإمام الشافعي ، لأنه الوحيد على مستوى العقد الأخير الذي نجح في امتحان لغة البرمجيات المتقدمة بدرجة كاملة مستخدما ملكة الحفظ فقط ، كما أنه وقور رزين لا يحضر مجالس الفسق والسلاطين ولا يصوت لأحد في الانتخابات البلدية .
قال : الخير موجود في الأمة أجل .. لكن خير يا طير ؟
عندما سمع مصور أسترالي لقناة ناشيونال جيوغرافيك كلمة طير طلب الإذن بالحديث : دعوني أحكي لكم قصة معروفة في بلادنا: في الزمن البعيد جدا جدا جدا جدا كان يعيش نوع من البشر عديمي العقل كانوا يبيضون لا يلدون وكانوا يعيشون على الجزر الأسترالية .. كانت الطيور والزواحف والبلاتيبس ( البطة ذيل القندس ) يتشمتون بهم ويضحكون عليهم .. ذات يوم اجتمعوا و قرروا ألا يرقدوا على بيوضهم ، وأن يتركوها تفقس ذاتيا.
فجمع كبيرهم كل بيضة على وجه أوقيانوسيا ، ووضعها في خندق كبير جدا . مضى الوقت وكل يوم تقوم إناث هؤلاء البشر بنفس الأمر . مشى الأمر على ما يرام إلا انهم على المدى البعيد اكتشفوا أنهم يتناقصون ، لم تعد المعادلة متزنة ، وأصبح النقص يدب أكثر فأكثر.
فأحضروا الدعاة والمصلحين والمنافقين والاجتماعيين ورجال الأمن والمخابرات والعلماء الفلكيين ليقرؤوا على البشر البيوضين علهم تقوم من المس، يأمورهم بالنهوض ينهرونهم عن السبات ، ينشطوهم بالمحاضرات التحفيزية ، وظل رهبانهم يدعون الله ليل نهار أن يوقف النقصان.
وهكذا ظلوا على نحوهم هذه حتى بات يقول أحدهم للآخر : ويحكم تحركوا إننا نهلك ؟ فيرد عليه أخوه : لا تقل ذلك ! إننا بألف خير ! وظلوا مع السنين ليس بالطوال يتناقصون حتى لم يبق إلا فرد أخير وجده مكتشف بريطاني كان يتجول في البلاد . مات هذا المكتشف من الحسرة حين علم أن الفرد الأخير من الذين يبيضون هو ذكر ..
بعد أن شرب الإمام الشافعي كوب الاسبريسو البارد وهم بأن يسألهم (والآن هل فهمتم مغزى القصة)
خرج علينا عامي متفيهق من البشر قال : كان يجب أن يضعوا جدولا زمنيا على المدى البعيد يترك على الأقل أنثى ناجية وذكر ناج ..
أشرت على الحرس أن يسحبوا جواز سفره قلت له : والله ما أنقذ رقبتك إلا صلاحياتي المحدودة ! قال لي متحديا بخبث : سيدي الوزير ، إني لا أملك جوازا من الأساس .. قلت له فورا : إنك أمريكي . قال : ويحك ! كيف عرفت ؟ قلت : أما إنكم والله أكثر الناس حبا للتفيهق والتنيهق واللقافة لا يزيد عليكم إلا تلامذتكم من المنافقين المتأسلمين ، عدا أن ثمانية أتساع شعبكم لا يرى الجواز إلا في ncis .. ضعوه في كهف بالقوقاز و سأحضر لكم القنوات التي تريدونها ، اطلبوا فدية كبيرة من السلطات الأمريكية وإياكم أن تقولوا أنني أنا صاحب الفكرة ..
بعدها صفقت بيدي صفقتين فظهرت لي جارية ومغني ، همست لمنظم مجلسي : قبح الله الكفر ! لقد غيرت السستم منذ مدة ! عندما أصفق فأظهر للجميع بيوتهم ! قال لي : عفوك أيها الرحيم ، نسيت أن أعمل أبلود لأوامرك الأخيرة ! قلت له : ذكرني أن أنسىاك لاحقا ..
><><><>
-
المفضلات