مشاهدة النتائج 1 الى 8 من 8

المواضيع: عبراتٌ من خُزامى

  1. #1

    عبراتٌ من خُزامى

    عبراتٌ من خُزامى



    تحلق هي بخيالها في سماء فؤاده ، تجذبه بدفء المشاعر التي تبثها ناعمة كرذاذ غيثٍ عابر ، يداعب وجنتيه بلطف أزلي ، ويبعث السرور إلى ملامح طالما أرهقتها عُسرة الأحداث ، ترسم بنور طلعتها في عينيه صورةً لا أحب إلى قلبه منها ، تتمثل في ناظريه كبجعة بيضاء نقية ترفرف بأجنحتها معانقة فضاء الكون وهي تقاوم خيوط الجاذبية الخفية ، منطلقةً إلى الأفق البعيد ، منطلقة إلى حيث النور يتلألأ ؛ إلى حيثُ الشعاع الناعم يذوب في صُفيحات الماء الرقيقة ، إلى حيث الأمل يغني ، ويُنشد أمنيات الشباب في ربيع الأزهار.

    عيناها ، عيناها كما أخفيتا من أسرار ، عيناها الدافئتان ، وما عيناها ، كم تدفقت منهما مياه الحياة ، وكم هما غزيرتان ، كنبعٍ صافٍ لا قعر له ، إكسيرٌ للحياة هما ، بهجةٌ للروح ، ونبعٌ للعطاء ، كم من حوار قد شاركتاه فيه ، عندما عجز اللسان ، وحار البيان ، عندما هيمن الصمت على المكان ، انطلقتا تحكيان عن حكايات الزمان ، عن أساطير الأرض ، عن أحاديث الإنسان ، عن مخلوق كان وكان ، عن السرور ، عن الرضا ، عن القناعة التي حققت لأصحابها منىً لا تُران ، لترتسم بهجةٌ على محياه ، وينبعث شعاعُ دفءٍ إلى قلبه الوحيد ، ولتطفق عيناه تتبادلان حديث الروح مع تلك اللؤلؤتين المكنونتين في نبع الروح العميق ذاك.

    صوتها العذب ينساب إلى مسامعه كلحن صافٍ ، كأرجوزةٍ هادئةٍ تلامس وتر أشجانهِ ، فتزيل ما كدرها من همومٍ ، وتخفف ما اعتراها من آلام ، كترانيم ألحانٍ حزينة ، ينطلق ذلك الطيف اللامرئي ، حاملاً في طياته من كل نواحي الحياة ألواناً ، من كل بساتين المحبة ينتخب زهرة فضفاضة ؛ من الصدق ، من الود ، من الحنان ، ساعةَ ينطق ذلك النسيم العليل ، والذي قليلاً ما يتحدث ، ساعتها يود لو أن الحال تطول به وتبقيه مكانه ، مشدوهاً إلى عالمها ، والذي كم يود أن يلجه ويكشف عن أسراره ، منجذباً إلى سحرها ، غارقاً في عبق وحيها ، كم تمنى أن يبقى هنالك ، وأنَ الدنيا والوقت يتوقفان ، ويتركاهما في حاليهما ، ولكن ، شأن الأمور كلها ، لا تشعر بالوقت عندما تكون مصطبغاً بألوان الفرح ونشوة الأحلام.

    بقدر ما أنه لا يستطيع إزاحة صورتها عن مخيلته ، ولو للحظة واحدة ، يجد الصعوبة ذاتها في تذكر التفاصيل الدقيقة ، والأحداث التي قادته ، تدلها أيادي القدر ، إلى لُقياها ، كل ما يتذكره ، كل ما تسعفه ذاكرته به ، هو أن اليوم الذي دفعه إلى ذلك المكان الذي لم تطأه رجلاه من قبل ، كان يوماً مشمساً من أيام فصل الربيع ، كانت الشمس فيه مستوليةً على مرج السماء وحدها ، فسحب الشتاء كانت قد تقهقرت ، والأمطار كانت قد توقفت ، والخُضرة قد لفحت المكان ، كان نسيم الهواء منعشاً ، يعطي الجسد نشاطاً غريبا ، لكن ما أسر تفكيره من هموم منعه من أن يستمتع ببهجة اليوم وإشراقته ، كان للتو عائداً من الجامعة ، يجر أذيال الخيبة وراءه ، وينعل خُفين قيل أن حُنيناً كان يملكهما يوماً ، لم يكن اسمه موجوداً ، لم تكن قائمة المقبولين تضم اسمه ، تراه ما كان ليفعل ، أتراه أخطأ عندما اختار هذه الجامعة من بين كل الجامعات ، ما لجهوده الجدية في الاستذكار والتحضير لم تجدِ وتمنحه لقب الطالب فيها ، أيكون قاصراً بحق ، أيكون مستواه لم يرق لمثلها من جامعات ، أم أن الحظ عانده ، بأي طريقةً كانت ، فلم يكن ليجهد نفسه في التفكير في الطرق التي يتخذها القدر في معاندة المساكين ، كان يمشي الهوينا ، وهو يفكر في الطريقة التي سيذيع خبر البؤس ذاك على أسماع والديه ، اللذان ما عهداه يوماً إلا مجداً ، ومحققاً لكل ما أراد...

    "ما فائدة الندم الآن ، أنت فشلت ، وسقطت كما يسقط النسر من أعالي السماء!"

    تمتم بتلك الكلمات ، وهو يواصل دربه الذي لم يختره هو بإرادته ، بل رجلاه هما اللتان سلكتاه ، وقبل أن يعي وجد نفسه في ركنٍ من أركان منتزه المدينة ، الذي قليلاً ما يحضر إليه ، أو حتى يمر به ، لم يكن المنتزه مزدحماً في مثل هذا الوقت من الصباح ، فالناس إما نيام ، أو مغيبون في الأبنية والمصانع والحقول في أعمالهم ، مضى يشق طريقه بين الشجيرات الصغيرة التي تزين المنتزه ، ويتوه بين أشجاره وأزهاره ، كأنه للتو دخل عالماُ من الخيال لم يعهد له على الأرض وجوداً ، وقد يكون قد استرق بعينيه نظرة إلى محيط السماء الأزرق ، عله يجد نسره هنالك ما يزال يسبح في الفضاء الفسيح ، باحثاً لنفسه عن درب يسلكه ، لا يعلم كم من الوقت مكث وهو يتخبط بين أحلامه والواقع في ذلك المكان المبتدع ، قبل أن يجد نفسه جالساُ على أحد مقاعد الحديقة ، وقد خارت قواه ، لا من الجهد الجسدي وإنما من اختلاج الأسى في صدره ، تمنى لو استطاع التصريح عما يدور بداخله ببكاءٍ ، بل بنحيب ، لكن كبرياءه ، والطريقة التي رُبي عليها ، منعتاه من أن تسيل ولو دمعةٌ واحدة على خدوده التي لم ترتوي يوماً....

    "تبكي... إنها تبكي..."

    بضعُ كلمات خُيل له أن لسانه أطلقها ، أو أن صوتاً رخيماً بداخله غاص بها إلى إدراكه الذي تهاوي إلى السحيق ، لكن عقله رفض كِلا الاحتمالين ، فهو وإن كان في حالٍ يرثى لها ، مازال مسيطراً على أحاسيسه ، لذا استيقظ من تأمله ، وأدار برأسه جانباً ليشاهده ، ليست الكلمات فحسب ، بل مصدرها ، تلك الزهرة العَبِقة التي تجاوره والتي لا يدري كيف جاء إليها أو جاءت هي إليه ، لم يدري أكانت تخاطبه أم لنفسها كانت مخاطبةً ، غير معترفةً له بوجود ، فلم تكن تنظر إليه وإنما كان نظرها متجهاً إلى الأمام ، ورأسها منحنٍ إلى الأسفل قليلاً ، كم عجب لهدوء قامتها ، وسكون محيطها ، لكنه عجب أكثر للصوت الذي انبثق بعد ذلك ، مطلقاً سؤالاً لم يتوقع أن يُطلق.

    "من التي تبكي؟"

    لم يكن الصوت سوى صوته ، لم تكن تلك الحروف سوى حروفه ، ساسها في كلماتٍ وأطلقها تسبح في الهواء ، ويالبلاهته ، فقد أفسد الجو الهاديء والسكون الذي كان يحلق حول المكان ، توقع صفعةً يستحقها بجدارة ، أو كلمة توبيخٍ حادة تمرق صوبه ، ولكنها... لم تفعل ، لم تطلق يدها للريح لتهز جسده ، ولم ترفع صوتها كأنها لم ترد أن تفسد الجو اللطيف الذي عاد ليملك المكان بعد أن تلاشت موجات صوته وتشتت ذراتها في الهواء ، أو لعلها لم تجد فيه أهليةً تستحق مثل ذلك ، هكذا فكر ، لكنها... أيضاً ، لم تكن كذلك ، فبعد ثوانٍ معدودات ، مرت كقرون طوال أمامه ، استدارت قليلاً برأسها برفق وعفوية ، لتكشف عن حوراء يكاد يقسم أن الأمهات لم يلدن مثلها ، وقابلته تلك الابتسامة الوديعة ، والتي ما تكاد تلامس ملامحها ، والتي انتقلت لترسم على وجهه ابتسامة خجل ، ولتسري حمرةٌ داكنة على وجنتيه ، قبل أن يأتي ذلك الصوت الحاني ، ليمتع مسامعه بصوت دافيءٍ لكنه في نفس الوقت منخفض ، مما يزيده جمالاً على جمال ، ولترد على سؤاله.

    "الأزهار" قالت وهي تحرك مقلتيها قليلاً صوب الجهة التي كانت تنظر إليها سابقاً ، لكنها لم تنزع عينيها عنه احتراماً "الأزهار تبكي"

    لم يجد في نفسه استطاعةً إلا أن يتابع معها "ولم تبكي الأزهار؟ فأنا أراها ترقص على هبات الرياح."

    "إنها.." وأغمضت عينيها ، كأنما ذهبت بخيالها بعيداً أو أضحت تصغي للغةٍ لم يستطع هو سماعها ، لغةٌ مجهولةٌ تتواثب كلماتها مع كل رقصة لتلك الأزهار المنتشرة حول الحديقة، والتي للتو بات يدرك كم كانت جميلة "إنها تبكي ، لأنها قد تزينت بأجمل أثوابها ، وأتت للطبيعة تنشر سناها ، لكن أحداً لم يأتي لأجلها ، ولم يأتي أحدٌ ليدلل مقامها ، فهي كجوهرةٍ تحت حجر ، لا يعيرها المارون اهتماماً"

    وكأنه قد نسي الإعجاب الذي أوحته طلعتها ، أمام إعجابه بمنطقها الذي لم يعرف مثله في شخص يعرفه من قبل ، هكذا تحوم الذكرى في مخيلته عن لقائهما الأول ، ذكرى قد لا تكون بالدقة التي رغب لها أن تكون بها ، لكن المهم في الأمر أنها استطاعت ، ما يعتقد أن ليس يستطيعه أحد آخر ، ولا حتى نفسه ، أن يفعله ، أن تنقل عينيه من إسوداد الدنيا إلى تفتحها ، من كيد الهموم إلى واحة الخيال ، إلى عالمِ مُبدَعاتٍ يبتعد كثيراً عن عالم الموجودات الصارم.

    لم تكن تلك الزيارة الأخيرة ، بل امتدت إلى زياراتٍ وجلساتٍ ، لم يُحصي لها عدداً ، فكان يوما الاثنين والجمعة أجمل أيامه ، حين تحمله رجلاه إلى المكان نفسه ، ليجدها ، دائماً هنالك ، متأملة ، دائماً هنالك قبله ، فكر أن يسألها متى تأتي إلى المكان ، لكنه لم يجد الشجاعة أبداًُ لذلك ، في بعض الأحيان كانت تأتي ببعض الشطائر التي صنعتها يداها الرقيقتان ، أو تأتي بكتاب ليتناقشا حوله ، فيها وجد مستودع أسرارٍ يبوح له بكل ما يؤرقه أو يضايقه ، لم يجد في نفسه غضاضةً أن يمنحها ثقته كاملةً ، وكانت كالدواء لجروحه ، تساعده ليبني لنفسه طريقاً بعد أن انهارت كل طرقه ، تضمد جراح جناحي النسر لكي يطير عالياً في السماء ، ويشمخ بهامته نحو الفضاء اللامتناهي...
    attachment

    كم للأخلاق الحسنة تأثير في رفع قيمة الإنسان عند الله تعالى وعند الناس .

    وكم لها تأثير في جلب القلوب ، وغرس بذور المحبة فيها .

    وكم تبقى آثارها في بعض النفوس ما دامت الحياة .
    0


  2. ...

  3. #2
    يذكر مرةً من المرات أنها حدثته عن هندباءٍ بريةٍ جميلة وجدتها في ناحية من نواحي الحديقة ، تلك الحديقة التي باتت عالمها ، جنتهما ، بيتهما بعيداً عن بيتيهما الحقيقين ، ثم أخذته ليراها ، وقد أُعجب حقاً بها ، ولكن تراودت لخاطره فكرة ، حَولت نفسها إلى جملة تكونت على طرف لسانه قبل أن تكون لعقله فرصةُ التفكير في مغزاها.

    "لماذا لا تقطيفينها ، وتحتفظي بها عندك لتتمتعي بهذا الجمال الخلاب دائماً"

    ابتسمت له ، وقالت "لا... دعها لينعم الناس جميعاً بها ، فليس الجمال حِكراً على أحد ، فالكل لديه الحق بأن يُمتع ناظريه بها ، تماماً كما نُمتع ناظرينا بها الآن"

    حينها ، خُيل له كأنما العالم الصارم في الخارج غزى عالمها ، أو عالمه هو فقط وهو يجيب "أخشى أن تأتي في يومٍ من الأيام ، لتجدين أن يداً قد سبقت يدك واقتطفتها ، بأن نفساً أبت إلا أن تستأثر دون البشر بهكذا رونقٍ رائع"

    في الجُمعة التي تلت ، أتى إلى المكان ليجدها تبكي ، ليجد عبراتها ، كأنها قطرات الخُزامى تسيل على خديها ، ليجد عينيها اللتين طالما بثتا في نفسه الطمأنينة تذرفان ماء الحياة بكل حرارة ، عندما سألها مالخطب بعد أن زالت اللوعة التي اعترت نفسه ، أجابته بأن هل تتذكر تلك الهندباء البرية التي وجدناها في ناحية الحديقة ، فأجابها بأنه يتذكر ، لتجيبه بصوت متوازنٍ نسبياً ، بأنها ذهبت اليوم لتنهل من عطرها وتتمتع بمنظرها ، لكنها لم تجدها هناك ، لم تحتج لتكمل الفكرة ، فمخاوفه قد تحققت ، جاء من أعجبته تلك النبتة الغراء فقطفها غير مبالٍ بأحدٍ غيره ، لا يدري إذا ما كان ليلوم نفسه لأنه ذكر ذلك الاحتمال قِبَلاً ، لكنه كان يدرك في قرارة نفسه ، بأن عدم ذكر ذلك لم يكن ليمنع القدر من الحصول ، فليس الكل حريصاً على أن يكون الجمال بين الجميع مشتركاً ، فالإنسان تواقٌ لتملك كل ما برقت عيناه له ، والفرصة إن لم تُنتهز قد لا تعود أبدا.

    لم تعكر تلك الحادثة صفو مجلسهما كثيراً ، فما إن أعلمها بخبر قبوله في جامعةٍ أخرى ، أقل مستوى من الأولى نعم ، لكنها لا تزال بمستوىً عالٍ ، وتناسب ميوله أكثر ، حتى تشققت أساريرها فرحاً ، لتكشف عن جمال فائق أكثر مما رآه من قبل.

    بعد قبوله في الجامعة وانتظامه في الدراسة ازدادت مسئولياته وبالتالي قل وقت فراغه ، وانحصر لقائهما في يوم الجمعة فقط ، لكنهما لم يفقدا أيةً من الأواصر التي كانت تجمعهما أبداً ، لم يفقد المكان السحر الذي يتمتع به ، بل صار ذلك دافعاً له أكثر في اجتياز صعاب الأسبوع ليصل إلى يوم الجمعة ، ليصل إلى يوم اللقاء.

    ولكن.... ككل شيءٍ في الحياة ، ككل حلمٍ خلاب يرفرف بآماله فوق المخيلة ، لا بد من نهايةً تختلف باختلاف الأحداث ، وإن لم تجرِ هذا النهاية حسب ما اشتهى هنا ، فقد جاء ذلك اليوم الذي وطأت رجلاه زاوية الحديقة ، لكن عينيه لم تجدا ما اعتادتا رؤيته ، من هول الصدمة أول مرة ، جلس ينتظر من الصباح حتى أفول الشمس عند المساء ، علها تأتي ، وجعل يدقق في التفاصيل ، لعله أخطأ اليوم والساعة أو المكان لكن دفتر مواعيده وساعته كانا يؤكدان له بأن المواعيد كانت دقيقة ، ثم غار في كنانة نفسه يبحث ، لعله قال ما يغضبها أو ما يحط من قدرها ، لكنه لم يجد شيئاً من ذاك ، فقد علمته حادثة الهندباء أن يزن كلامه وزناً قبل أن يطلقه ، بل عكس ذلك تماماً كان من المفروض أن يكون اليوم مميزاً ، فقد وعدته بأن تجلب شيئاً جميلاً لتريه له ، وفكر هو أن يهديها شيئاً آخر بدوره ، لماذا إذاً لم تأت؟ لماذا؟

    انطلق يفتش في أنحاء المكان عساه يجدها في ناحيةٍ ما ، لربما ذهبت لتبحث عن زهور جميلة ونسيت نفسها وسط الجنة التي دخلت إليها ، أيمكن أن تكون قد مرضت اليوم ولم تأتِ... أيمكن أن.... أيمكن أن... ولكن كل آماله ومخاوفه لم تكن واقعية... أو أقلاً لم يكن لديه ما يؤكدها أو ينفيها.

    مضى أسبوعٌ ، وأسبوعان ، وثلاثة ، خمسة.... حتى فقد العد ،أدرك خلالها مدى جهله بهذه الفتاة التي اختفت من حياته بنفس الغموض الذي دخلت به إليها ، لولا الذكريات الزاهية التي يحملها عن هذا المكان وعنها ، لقرر أن الأمر لم يعدُ أن يكون مجرد حلم سرابي مر به ، أو هلوسة أختلقها عقله ليُلهي نفسه عما ألم به من مُصاب ، لكن لا ، هو يتذكر جيداُ ، كانا هنا ، مفعمين بالحياة ، يتجاذبان أطراف الحديث ، من خلال الصمت والتأمل تارةً ، ومن خلال لغة الأنام تارةً أخرى ، نعم ، كان لهما وجود ، لم يكونا نكرتين في مجرة الحياة ، كان لهما دور ، وإن لم يتضح بصورة واضحة لكنهما كان لهما دور ، كانت هنا ، وستبقى هنا بذكرياتها ، ستبقى ما شاء الزمان أن تبقى...

    في إحدى أمسيات شهر سبتمبر قرر التوقف عن ارتياد ذلك المكان ، قرر للذكريات المختزنة هناك أن تظل جميلة ، لا يريد أن يطردها بكثرة وقوف عند مكان حدوثها ، كأنما قررت نفسه أن تذعن للحقيقة أخيراً ، وأن تساير ما اختاره القدر لها ، فالذكرى ستظل له جميلة ، سيظل يتذكر كيف أن ذلك القرار الغير معتاد الذي اتخذته رجلاه بالدخول إلى الحديقة ، قد قاده إلى عالم كان يحتاج إليه حينها ، عالمٌ من البهجة والخيال كان يحتاج إليه ليواجه الظُلمة داخله ، ليقهر الخوف الذي تَمَلَكه ، يخيل إليه أحياناً بأنها... زهرته الفريدة ، كأنها لم تكن هنالك إلا لتلك المهمة ، التي ما إن أنجزت حتى غادرت المكان مسرعةً دون وداع فالوداع يثير في النفس أشجاناً قد لا تستطيع النفس تحملها ، ولكن... كم ودَ لو أنه قد تعرف عليها أكثر من ذلك.

    كان يلقي نظرته الأخيرة على المكان تلك الأمسية ، يتودع منه كأنه مسافرٌ يتزود لسفره بالعدة ، بالذكريات الجميلة التي قد لا تعود ، لكنها تظل جميلةً ، تنير ظلمة الأيام إذا احتجبت شمس الحياة خلف غمام المصائب ، تظل جميلة كصاحبتها ، رَسَم على شفتيه ابتسامة خفيفةً ، ومضى يمشي مغادراً المكان ، غير نادمٍ على شيء.

    بينما هو يسير، خطرت بباله فكرة ، أو بالأحرى مرت به ذكرى ، كأن المكان قد قرر ، في لحظة الوداع الأخيرة ، أن يبث في كيانه سيلاً دافئاً من المشاعر وهو يستعيد ، فرِحاً ، تلك الذكرى المميزة...

    قد لا يكون قد سألها أي شيءٍ عن نفسها ، لكنها قالت له ، قالت له شيئاً مهماً كيف له أن يسمح لنفسه بأن تنساه ، لعل وقع المفاجأة جعله لا يميز بأن المعلومة قد وصلت له ، فدُفنت فترةً في أعماق الذكريات قبل أن تعود ، قالت له بأنها تًدعى (ريمان)... ريمان ، أيُ اسمٍ جميل هذا ، سيبقى يداعب مخيلته ما امتدت أيامه.
    0

  4. #3
    أخي العزيز جو^______^

    ماهذا الابداع ...

    القصة مدهشة حقاً والأسلوب رائع جداً ...
    ومشاعر الكاتب " البطل " تصل للقارىء بمنتهى الشفافية ...

    لديك موهبة حقيقية في كتابة القصص استغرب كيف استطعت أن تخفيها حتى هذا الوقت ..

    فعلاً لا أعرف ما أقول فالصمت أبلغ من الكلام أحياناً "..
    اخر تعديل كان بواسطة » ليديا لانكاستر في يوم » 06-01-2005 عند الساعة » 10:48
    0

  5. #4
    0

  6. #5
    السلام عليكم

    ماشاء الله عليك

    رائعة جـــدا القصة ماشاء الله اسلوبك في الكتابة رائع وراقي واعجبني استخدامك للتشبيهات ^^

    رائعة النهاية والقصة فيها قليلاً من الغموض ^ـ^

    شكـــــرا جزيــــلا وأتمنى لك مستقبل زاهر في التأليف asian gooood
    ......................................
    0

  7. #6
    ما شاء الله عليك أخوي قصة معبرة مليئة بالعبارات المميزة الجميلة و الاسلوب الممتع ,,
    و انا ابدي إعجابي بما قدمت لان الادب الذي اقدمت عليه صعب الوغول لما يتطلب من مهارات لغوية و سعة في الطلاع يجب ان تتوفر في كاتبها,,
    و انا في الحقيقة لست جيدا في نقد او ابراز اي اخطاء في مثل هذا النوع من النصوص الادبية ,,


    تقبل تحياتي ,,,
    0

  8. #7
    مرحباًrubyclcut119sa


    ليديا لانكاستر
    شكراً لكِ أختي العزيزة ليديا على كلامك اللطيف ، وأنا سعيد جداً لأن أسلوب يابوكي المتواضع قد حاز على رضا أختي العزيزة asian

    rubymoon071500126sg

    ساحرة القلوب(R)
    العفو أختي الكريمة وشكراً على المرور smile

    rubymoon071500126sg

    Chucky

    السلام عليكم
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    ماشاء الله عليك

    رائعة جـــدا القصة ماشاء الله اسلوبك في الكتابة رائع وراقي واعجبني استخدامك للتشبيهات ^^
    هذا من ذوقك الرائع أختي الكريمة ، وأنا مسرور لسماع هذا الكلام الجميل من جنية المنتدى ^^

    شكـــــرا جزيــــلا وأتمنى لك مستقبل زاهر في التأليف asian gooood
    العفو أختي الكريمة ، وشكراً جزيلاً على المرور الحلو asian

    rubymoon071500126sg

    SUPER MIND
    أهلاً بك أخي الكريم ، الحقيقة أنا سعيد جداً لمرورك على هذه القصة المتواضعة ، وأعتبر كلامك وسام كبير يعلق على صدري.

    وتقبل كل الاحترام والتقدير من أخوك يابوكي جو smile

    rubymoon071500126sg

    شكراً لكم جميعاً rubyclcut119sa
    مع تحيات بطل جسر الدموع يابوكي جو
    0

  9. #8
    0

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter