بسم الله الر حمان الرحيم ..
السلام عليكم ورحمة الله ..
الحمد لله هادي العباد ، نحمده سبحانه حمد عبد خافه ورجاه ، و نشكره سبحانه و الشكر واجب على العبد لمولاه ، و اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و لا ند له في جلاله و عُلاه ، و أشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أفضل صلواتي وسلامه عليه و على آله و صحبه و من تبع هداه ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات ، و إنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله و رسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " ..
أما بــعد :
هجرنا مصدر عزنا ، جوهر كرامتنا ، حياتنا و منهجنا ، استقامتنا و نجاتنا ، الم يحن الأوان لكي نتدبر القرآن ؟ يسأل كثير من الناس ما السبيل للخلاص من الفتن التي نعيش فيها ، كيف نخرج من المآزق التي نمر بها ، ما سبيل عزة هذه الأمة ؟ و الناس في حيرة من أمرهم ، وقد يلجأ البعض إلى قوم لا يفقهون في الدين شيئا ربما ، ولو قرانا القرآن بتأمل لعلمنا ما الحبل الذي يجب علينا أن نتمسك به لعزة هذه الأمة و ما طريق خلاصها من الأزمات التي تتخبط فيها ..
أنزل الله القرآن نورا لا تًطفأ مصابيحه ، وسراجا لا يخبو توقده ، و منهاجا لا يظل نهجه ، وعزا لا يُهزم انصاره ..
جعله الله ربيعا للفقهاء ، وينبوعا للعلماء و دواء ليس بعده داء ، هو حبل الله المتين من تمسك لن تهزه رياح الفتن بإذن الرحمان الرحيم .. فيه نبأ من قبلنا وخبر من بعدنا و فصل ما بيننا ،، هو الحق ليس يالهزل ، قال عز من قائل : { وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ } .. من عمل به أُجر ، و من حكم به عدل .. و يوم القيامة يأتي شفيعا لأصحابه ، قال المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم : ( من قال حرفا من كتاب الله تعالى فله حسنة و الحسنة بعشر أمثالها ، لا اقول آلــم حرف و لكن الف حرف و لام حرف و ميم حرف ) - رواه الترمذي - ..
إن كتاب الله عز وجل بمثابة الروح للإنسان و الماء للضمآن و الطعام للجوعان ، فمن لم يقرأه ويعمل به فما هو بحي ، بل هو ميت إن تكلم أو تنفس ، ومن لم يِؤِمن به ضل و ما اهتدى ، إن طار في السماء أو غاص في الماء ، قال سبحانه : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ، إن الإنسان بلا قرآن ، كالحياة من دون عنوان ، بل إن كل الأمراض التي تصيب المؤمن دواءها في الفرقان : { وَنُنَزّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظّالِمِينَ إَلاّ خَسَارً } ، و قال تعالى : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ }شفاء للقلوب من أمراضها و دواء للأبدان من ألامها و أوجاعها ، أنيس التائه في مسلك الحياة بحلوها و مُرها ، بأفراحها و أقراحها ، فالصاد عنه افتقد النور عند الظلمة و الرائد عند الحيرة ..
لو تأملنا في قرآننا بكافة جوارحنا لوجدنا القرآن خير جليس لا يمل حديثه و لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وبه تنضبط النفس و ترتاح ، وتنجو من المهالك و لربما ضاقت بالمرء المضائق ، فلا يجد البلسم إلا في آيات مُحكم التنزيل .. الم نحس بالسكينة عند قراءة القرآن بعد الخوف و انعدام الطمأنينة .. فالمتأمل في كتاب الله لا تزيده المحن الأزمات إلا شدة و حزما ، فهو يعلم أن هذا كان قدرا مقدورا ، قال الله في كتابه العزيز : { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } و بذلك تتبخر وساوس السوء ، و يا أسفا لمن لا يعرف ربه إلى عند المضائق و الضراء و ينساه عند الفسحة والسراء ، قال عز من قائل : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } ..
اتخذ الناس هذا القرآن مهجورا إلا من رحم ربي ، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير ، صحف و مجلات ، حكايات و روايات ، { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } ، و ما يتبع أكثرهم إلا ظنا :: ( وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ) ،، إن المرء المسلم لا يعجب من مواقف كثير من الناس أمام كتاب الله تعالى وقد أحاط بهم الظلام من كل جانب فتخبطوا كتخبط السكران ، فالعجب كل العجب كيف أن النور موجود بين أيديهم و قد تولوا عنه إدبارا ، ثم هم يتبعون الأمم الكافرة في كل منهج و مسلك ،، ألم يعلموا بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( نحن قوم اعزنا الله بالاسلام فان ابتغينا العزة بغيره اذلنا الله ) .. و الواقع يا إخوتي أن أهل الكفر و الإلحاد شغلوا المسلمين عن نورهم و أبعدوهم عن مصدر عزهم و أشغلوهم بأمور دنياهم قبل دينهم ، فهذا لا يهتم سوى بالتطاول في البنيان و تشييد العمارات ، و آخر ليس همه سوى جمع المال و الدينارات ، و لكن إلى متى ؟ و هل سينفعنا كل ما جمعنا و ما شيدنا ؟
حتى أن بعض المسلمين ليختم القرآن ، فيخرج منه كما دخل فيه ، ما فهم في معانيه شيئا ، ما تدبر في آياته حينا ، ما تأمل في معجزاته ساعة .. و لقد قَصٌَر جمع من المسلمين مع القرآن و نحن منهم حتى قَصٌَرُوا بـِرٌٌََهم به ، و تُفتَح به المجالس و تُغلق ، و يُرَدٌَد في المآتم ، و يُعلٌَق تميمة على الرقاب ، و يُسال به المال و الجاه ، قال الفاروق رضي الله عنه : ( أيها الناس، إنه أتى عليَّ حينٌ وأنا أحسب أنه من قرأ القرآن إنما يريد به الله وما عنده، ألا وقد قيل لي: إن أقوامًا يقرأون القرآن يريدون به ما عند الناس! ألا فأَرِيدُوا الله بقراءتكم، وأريدوه بأعمالكم ) ..
المفضلات