بـريــد الأهــرام
44777السنة 133-العدد2009يوليو1118 من رجب 1430 هـالسبت
الجنة الزائفة !
إلي من يصدقون أقوال بعض, من يرددون شعارات الديمقراطية والحريات.. إلي من يعتبرون أن حرياتنا مكوبتة, وأنهم دعاة الحرية والتقدم.. إلي من يتهموننا بالجهل والرجعية والإرهاب أقول: إن حالنا إن لم يكن أحسن من حالهم, فهو مثله, وهم يحاولون بحرفية بالغة تصوير الحرية التي يتشدقون بها في مسلسلاتهم وحياتهم فنصدق أنهم يعيشون في الجنة, وأننا قوم متخلفون, لكنهم انكشفوا علي حقيقتهم بحادث قتل الشهيدة الدكتورة مروة الشربيني,
فلقد ذكرني ما حدث لها بما تعرضت له في تجربة مماثلة لي بألمانيا أيضا, لكنها لم تصل إلي حد القتل, حيث كان زوجي يدرس هناك بمنحة أوروبية, وتزوجني خلال إحدي إجازاته السنوية, وسافرت معه وأنا أكاد أطير من السعادة والفرح, وتصورت أنني محظوظة لأنني لن أري الجنة فقط, وإنما سأعيش فيها, ورحت أرسمها في خيالي, وكيف أنني سأكون وسط أنماط غير عاديين من البشر يعيشون في حرية تامة خالية من أي قيود.
وركبت الطائرة وأنا أتطلع إلي اللحظة الأولي التي ستطأ فيها قدماي أرض المطار, ويالها من لحظة قاسية سببت لي صدمة كبري حيث تم احتجاز كل من هو عربي في صالة بعيدة عن الركاب, وتم تفتيشهم ذاتيا, وطلب مني أحد الضباط أن أخلع حجابي فعرضت عليه أن تقوم بتفتيشي سيدة, لكنه رفض وأصر علي تفتيشي بنفسه, ثم أدخلوني غرفة أخري للاستجواب وسألوني عن سبب مجيئي إلي بلادهم, وهل لنا أصدقاء أو أقارب يعيشون فيها, وظللت قرابة الساعتين أحسست خلالهما بالذل والإهانة, وعندما خرجنا من المطار سألت زوجي عما حدث فأجابني مقتضبا بأنه إجراء روتيني يتعرض له في كل مرة يسافر فيها.
وقطعنا الطريق إلي شقتنا وأنا أفكر فيما وقع لي, وأملي زوجي علي بعض الإرشادات الواجب اتباعها, أولها ألا أغادر المنزل إلا يوم الجمعة فقط من كل أسبوع, حيث يجتمع أعضاء الجالية العربية في مسجد بعيد عن منزلنا, وأنه غير مسموح لي بالنظر من النافذة, أو الخروج لشراء أي شيء إلا إذا خلعت حجابي! ولما استغربت الأمر حاول تهدئتي قائلا لي: إنه يتمني لو استطعت الخروج والتنزه بحريتي التي أعرفها في بلادي والتي لا تعرفها البلاد التي تتشدق بها ليل نهار لكن ما باليد حيلة.
ومر أسبوع كامل وجاء يوم الجمعة فذهبت إلي المسجد وهناك سمعت من المغتربات العربيات ما تشيب له الرأس مما يتعرضن له من مضايقات, فالجامعات ترفض تماما دخول أي فتاة ترتدي الحجاب, وممنوع علي الفتاة أن تؤدي الصلاة علي الملأ, علاوة علي المضايقات العديدة, والمشاحنات التي لا حصر لها عند الخروج إلي التسوق والتنزه.
المدهش أيضا أن السيدات الألمانيات المسلمات يواجهن المتاعب نفسها, ومرت الأيام وعايشت قضية شهيرة تعرضت لها سيدة ألمانية مسلمة اسمها فيرشتا لودين في ولاية بادون فور تمبيرج, عندما منعتها إدارة المدرسة من الدخول من الباب لارتدائها الحجاب, وجاء حكم المحكمة في غير مصلحتها.. تصوروا!
لقد وجدتني أمام ما رأيت وما سمعت أعيش في جنة زائفة ظاهرها الحرية وباطنها التطرف, ثم بعد ذلك يصفوننا بالإرهابيين! قل لي ياسيدي: ما ذنب مروة الشربيني التي قتلها متطرف وهي تدافع عن حقها أمام القضاة؟ فكل ما فعلته هو أنها طالبت بحقها في بلد يدعي الحرية, فكان أن تلقت ثماني عشرة طعنة.. غدرا وظلما وإرهابا, ولم يحرك كل هذا الإجرام ساكنا, بل لم يتعاطف معها ممن كانوا جالسين في قاعة المحكمة.. لماذا؟ لأنها مسلمة, وعندما حاول زوجها الدفاع عنها وسط بلادة الجميع اندفع رجال الأمن بعد فوات الأوان وأطلقوا الرصاص عليه لمجرد أنه طرف غير ألماني في مواجهة واحد من بلادهم.. أليست هذه هي العنصرية بذاتها؟!
{{ نعم ياسيدتي هي العنصرية التي يحاولون إخفاءها تحت شعارات براقة, ومن خلال وسائل إعلام مضللة, وما حدث في ألمانيا لمروة الشربيني يحدث لأخريات في بلاد الغرب كل يوم, لكننا لانعرف عنه شيئا, لأنهم لا يهتمون بشئوننا ويحاولون النيل من الإسلام بكل الصور والأشكال.
وإنني أسأل مفكري الغرب: بماذا تسمون مافعله هذا المتطرف الألماني؟ ولو حدث ما وقع لمروة الشربيني لأي فرد لديكم هل كنتم ستسكتون عليه مثلما تفعلون الآن؟
إن علينا جانبا مهما من هذه القضية هو أننا دائما لا نتحرك إلا بسياسة رد الفعل حيث نثور عندما تقع حادثة ما, ثم لا تلبث الأمور أن تهدأ ويعود كل شيء كما كان, وتبقي الصورة القاتمة للمسلمين هي الأكثر وضوحا في دول الغرب والعالم, إننا تنقصنا فلسفة واضحة لتوضيح الصورة الحقيقية عن الإسلام, وملاحقة هؤلاء المجرمين في ساحات القضاء ووسائل الإعلام وكل المحافل الدولية, وإلا فإن حادثة مروة الشربيني سوف تتكرر وربما بصورة أكثر بشاعة.
ويجب ألا يغيب عنا أن هناك حالة تربص بالمسلمين في كل مكان, ولن يتراجع هؤلاء الإرهابيون إلا إذا أحسوا بسماحة الإسلام وقوة المسلمين, وكم نادينا بضرورة أن يكون للأزهر دور في هذه القضية, لكن ما يقوم به حتي الآن هو دور محدود لا يستند إلي منهج محدد.
أعيدوا إلي الأزهر كيانه ليكون منارة الإسلام في كل مكان, لكي يدرك الغرب أن أبناءه مخطئون في حق المسلمين والمسلمات, وأنهم يجهلون حقيقة الدين الذي يسمونه بالإرهاب بينما هم الإرهابيون والمتطرفون الذين لا يعرفون من الحرية غير اسمها.
المفضلات