لطالما تمنّيت أن أجد برهاناً أسوقه لصحة كلامي أو دليلاً دامغاً أقطع به الطريق لكل مشكِّكٍ أو جاهل ، فأنتصر في كل حواراتي وجدالي البيزنطي الغير منتهي ، فإن بعض النظريات المثبتة تقصم زيف المنتحلين وكذب الزائفين ، وبمجرد أن تضعها بين يديه إلا وتسطع شمس الحقيقة وتنجلي غياهب الظلمات ، فللحُجج قيمة لا تُعبّر بالذهب أو بالعملات النقدية لأنها ببساطة أثمن من الماديّات والسلع العينية ...!!
تزداد الرغبة وبشكل مطّرد لأن يمتلِكْ الكاتب والمفكّر لحقيبة كاملة وشاملة ومتنوعة من الأدلة والبراهين ، (( أبي دؤاد )) حاول بقوته ودهائه وبما أستحدث من ترف العلم الإغريقي وبالدعم من بلاط الخليفة ، أن يؤسس لمقولته ويُنشأ مذهباً تتسلسل تداعياته من تلك الفكرة – فكرة خلق القرآن – ولأن أحمد بن حنبل رضي الله عنه .. أستطاع أن يبرهن دجله وزيف إدعائه ، قتل الفكرة في مهدها وقَبرَ المذهب قبل أن يولد ، كانت أدلة بن حنبل متنوعة ومنها صبره وقوة تمسكه مع ضعفه وقلة حيلته ، وهذا لا يتسنّى لأهل الباطل حيازته ، فهم يدورون في حلقات الشهرة والمال والمنصب ، ومتى ما خفتت في طريق أيدلوجياتهم بدّلوا هذا الطريق ...!!
فرويد العالم النفسي .. عاش بين نساء الطبقة الأرستقراطية وعايش مشاكلهم ومحنهم ، ولذا تجده أسّس لفرضياته عن (( الوجدان والعقل الباطن )) لتصوّره عن واقعه المتأزِّم في خيانة المرأة المتزوجة والتي تبحث عن عشيق في إشباع لعاطفتها وغريزتها المتأجّجة والمفقودة تماماً في منزلها وعلى فراش الزوجية ، ذلك الواقع أنتّج (( برهان زائف )) لازال يتداول حتى وقتنا الحاضر على أنه مسلّمة لا يمكن النقاش فيها ، وحتى (( جان بول )) مؤسس نظرية (( الوجودية )) قد فسّر من منظور غربي كافر القلق الروحي والظلمة والتعاسة والكآبة الداخلية في حياة الفرد ، فأوجدوا (( المثابرة بالعمل )) والتطلّع للمستقبل فقط ، والغريب في الوجوديين التفافهم للمشكلة وعدم علاج الروح الإنسانية بشكل ماكر ، وإيجاد (( حلّ مؤقت )) للسعادة ... عُدّ ذلك من أعظم المدارس لفهم البشر وبرهاناً قاطعاً ، ولا شكّ أن من صفّق وسوّق للأمم نظرية (( دارون )) في أصل الخلق ... قد تلاعب وحطّم قيمة البراهين والأدلة القطعية ، وأوجد (( الأدلة الزائفة )) ...!!
هذا العبث في إخراج نظريات لواقع صغير وتعميمه للواقع بشكل عام ، والمستقى من شريحة وتطبيقه لكل الشرائح ... قاد العالم لتخبّطات فكرية ومزالق عقلية قد أولَم الشيطان عليها ورقص ، فأصبحنا ندور في دوائر لا نهائية من النظريات والبراهين ، والخطير في الأمر أن هذا التلاعب واستخدام البراهين الزائفة دخل حتى في كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وأصبح (( الراقصون )) يفتّتوا كل جدار في الحكم الإلهي والحقائق الربانيّة التي نظّمت ونسّقت الحياة للفرد ، وجعلت العرش الشيطاني يتربّع في وجدان وعقل المجتمعات المسلمة ، هؤلاء المفكرين الأبالسة أستعبدهم الشيطان في تحقيق مخططاته لتغيير القانون والسنن الإلهية وإحلال بدلاً منها قوانين وسنن وضعية ، تدمّر الروح والأسرة ليعمّ الظلام في المجتمعات ، ومهما حاول (( المستبصر )) أن يُضيء طريقه ... فإنه لا يجد شمعة في وسط الركام المعرفي والنفايات الفكرية ...!!
سيداتي سادتي ... (( ابن رشد )) يقول : [ إنا معشر المسلمين، نعلم على القطع، انه لا يؤدي النظر البرهاني إلىمخالفة ما ورد به الشرع، فإن الحق لا يضاد الحق، بل يوافقه ويشهد له.. والحكمة هي صاحبة الشريعة، والأخت الرضيعة.. وهما المصطحبتان بالطبع،والمتحابتان بالجوهر والغريزة ] ... فإذا تضاربت (( نظريتان )) فأعلم أن أحدها خاطئ لا محالة ... (( ابن تيمية )) يقول : [ إذا كان العقل صحيحاً والنقل صريحاً ] ... شرطان للحكم على زيف البرهان أو الحكم بصحته ... فهل يتأتّى ذلك للجميع ...!!
ولذلك أحبتي في الله ... يبقى المُنقِذ الحقيقي والمعين الذي لا يشوبه كدر ، (( الفطرة السليمة )) فكل مولودٍ يولدُ على الفطرة ... فتجتاله الشياطين عن فطرته ، و (( قوة الحق )) فالإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطّلع عليه الناس ... فللحق ملاك وللباطل شيطان يمتلكان فؤادك ، و (( الهداية الربانيّة )) وهديناه النجدين ... فلا يستقيم سبيل الغيّ والصراط المستقيم ولا تستوي الظلمات والنور ... فربنا عزّ وجلّ سلّحك (( بالفطرة السليمة ؛ وقوة الحق ؛ وهداية النجدين )) ... فأكشف بها زيف البراهين ونظّف نفايات الأبالسة وأحرق على الراقصين متعتهم ... لتعيش نقيّاً صافياً وطاهراً بريئاً ...!!
***
المفضلات