بسم الله الرحمان الرحيم ..
حياكم الله ..
يتجدد لقائنا في حلقة جديدة من حلقات سلسلة السبيل إلى الجنة .. هذه الجنة التي أترك لهاته الأبيات وصفها بالرغم أنها لم توفي حق بيانها ..
يا خاطب الحـور الحسان وطالبا *** لوصـالهن بجنـة الحيـوان
لو كنت تدري من خطبت ومن طلبـت *** بذلت ما تحوي من الأثمان
أو كنت تدري أين مسكنها جعلـت *** السعي منك لها على الأجفان
ولقد وصفت طريق مسكنها فان*** رمت الوصال فلا تكن بالواني
أسرع وحدث السير جهدك انما *** مسراك هذا ساعة لزمان
فاعشق وحدّث بالوصال النفس وابـ***ـذل مهرها ما دمت ذا امكان
واجعل صيامك قبل لقياها ويو***م الوصل يوم الفطر من رمضان
واجعل نعوت جمالها الحادي وسر*** تلقي المخاوف وهي ذات أمان
تحت عنوان التوبة و الاستغفار .. إنها التوبة لربما قد كثرت المواضيع التي تناولتها في القسم .. فهذا الجهد ليس سوى تذكير من باب " فذكر ان الذكرى تنفع المؤمنين" .. قد أمرنا الله جميعا دون استثناء بالرجوع إليه .. فلا يظنن أحد أنه لا يحتاج إلى التوبة لخالقه و أنه في غنى عن استغفاره .. إذ ربما يقول البعض : أنا لم أعصي فلما أتوب .. أنا لم أذنب فلما أستغفر .. فيكون الجواب ليس مني بل من خالقنا في كتابه العزيز : ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) .. و هذا أفضل الخلق عليه الصلاة و السلام كان يستغفر ربه في اليوم أكثر من 70 مرة ..
***
أتى رجل خائف ، وجل ، فزع إلى النبي قال : يا رسول الله ، يا رسول الله .. فقال : ماذا تريد ؟ ، قال : أتيت امرأة في حائط وفعلت معها كل شيء إلا الزنا ! ( و ما جاء بهذه الصورة إلا وهو نادم وعازم ألا يعود إليها مقلعا عنها ) ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أصليت معنا العصر ! ، قال : نعم ، قال : اذهب ، فإن الحسنات يذهبن السيئات .. ( وأقم الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) .. و هذا شيخ كبير من كبره يمشي على عصا و قد سقط حاجباه على عيناه قال : يا محمد إن لي ذنوبا كثيرة لو وزعت على أهل الأرض لأهلكتهم ، فهل لي من توبة ؟ ، فقال : تشهد أن لا إله إلى الله و أن محمدا رسول الله ، قال : نعم ، قال : إذن تفعل الخيرات و تترك السيئات يبدلها الله لك حسنات ، فقال الرجل : وغدراتي و فجراتي ( سيئاتي و ذنوبي ) ، قال : يبدلها الله لك حسنات ، قال : و غدراتي و فجراتي ، قال : يبدلها الله لك حسنات .. فذهب الرجل و وهو يقول : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر .. ( إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً ) ..
***
لعل الكثير من الناس يتمنى و يحلم بصفحة جديدة في حياته ... لكن هيهات و هيهات ..
يريد المرء أن يؤتى منــــاه .. و يأبى الله إلا مــــــــــــــا أراد ..
يقول العبد فائدتي و مالي .. و تقوى الله أفضل ما استفاد ..
و يوجد في التوبة أعظم ممن تمنى الإنسان .. حياة جديدة و في صحبته رصيد من الحسنات .. بل و اعلم يا عبد الله أنك مهما فعلت و مهما صنعت .. و الذي نفسي بيده لو فعلت الذنوب كلها ثم استغفرت الله لغفر لك .. فعن أنس رضي الله قال : سمعت رسول الله يقول : " قال الله تعالى : يا ابن آدم إنك ما دعوتني و ورجوتني غفرت لك على ما كان منك و لا أبالي ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة " .. الله أكبر ..
اعلم يا عبد الله أن رحمة الله عز وجل أوسع مما تتصور .. فكم من إنسان عصى الله سرا و علا نية .. ليلا و نهار .. ارتكب الفواحش بجيمع أصنافها و كل ما يخطر بالبال .. هل يناديه الله يا فاجر ! .. لا وربي .. بل يناديه الرحمان الرحيم : يا عبدي .. الله أكبر .. ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) .. فالله أرحم بعباده من رحمةالأم بولدها .. قال جل وعلا : ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) ..
***
خرج موسى عليه السلام يستسقي ربه ومعه 70 ألفا من بني إسرائيل ، أكثرهم عباد زهاد و صالحون يطلبون ربهم السقاية و نزول الغيث .. فدعا موسى ربه فما نزل المطر و ما أغاثهم ، فتعجب موسى و إذ بالرب يكلمه : يا موسى ، يا موسى إن فيكم رجلا يعصيني منذ أربعين عاما ( يبارزني بالمعاصي ) بسببه منعتم القطر من السماء ، فيا موسى مره فليخرج من بينكم حتى أسقيكم ، فقال موسى : يا رب كيف أخرجه من بين سبعين الفا فقال الرب : عليك النداء و علينا البلاغ .. فنادى موسى : أيها الناس إن فيكم رجلا يبارز ربه بالمعصية منذ أربعين عاما فليخرج من بيننا ، فبه منعنا المطر من السماء .. فإذا بالرجل ينظر يمنة و يسرى ، ما خرج أحد ، فعلم انه المقصود ، فوضع رأسه داخل رداءه و أخذ يبكي و يتضرع إلى الله جل وعلا : ربي لا تفضحني ، لا تخزني يا رب ، تبت إليك .. فإذا بالمطر ينزل من السماء . فتعجب موسى قائلا : يا رب لم يخرج أحد فكيف نزل المطر .. فقال الله : يا موسى بتويته و استغفاره ( أي ذاك الرجل ) ، قال موسى أرني إياه ( يعني الرجل ) .. قفال الرب : يا موسى ، يا موسى لم افضحه و هو يعصيني أأفضحه و هو يعبدني و يطيعني .. و الله يريد أن يتوب عليكم .. فالله يحب كل من تاب إليه و استغره و أناب إليه و اعترف بذنبه و خطيئته .. فاعلم يا عبد الله علم اليقين المبين أنك مهما عصيت الله في النهار فإنه يبسط يده في الليل ليتوب مسيء النهار .. و لو عصيت الله في الليل فإنه يبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل ..
إذا خلــوت بريبــــــة في ظلــمة ,,,, والنفس داعية إلى الطغيان ..
فاستحي من نظر الإله وقل لها ,,,, إن الذي خلق الظلام يراني ..
***
بل و يبقى باب التوبة مفتوحا حتى تطلع الشمس من مغربها كما أخبرنا النبي : " من تاب قبل طلوع الشمس من مغربها تاب الله عليه " ( 1) .. يا عبد الله عجل في التوبة و لا تسوف و لا تؤخر قبل أن ياتي الضيف الذي لا يستأذن ( الموت قاهر اللذات ) .. قال : " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " .. (2) .
اعلم يا عبد الله أن الإستغفار مقترن بالتوبة ، وذلك لقول الله جل علا : افلا يتوبون إلى الله و يستغفرونه فمن فضائل الاستغفار يبينها أحد الشيوخ بقوله : (( ثناء الله على المستغفر ( وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ) ، كما بين الرب جل وعلا على أنه لن يعذب المستغفرين فقال : ( وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) . كما أن الاستغفار من أسباب نزول المطر ( قصة خروج موسى وقومه لطلب الاستسقاء ) ، وزيادة القوة وكثرة البنين ، ونزول الخيرات و الأرزاق قال تعالى : ( قُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ) ، وقال تعالى : ( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ ) ، قال العلامة القرطبي : في هاتين الآيتين دليل على أن الاستغفار يستنزل به الرزق و الأمطار )) – انتهى - ..
- و للتوبة النصوح شروط لخصها أحد الشيوخ في نقاط بيانها كالآتي :
1- الإقلاع عن المعصية لقوله عز وجل : ( وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) ، يقول الحافظ بن حجر العسقلاني رحمة الله: فيه إشارة إلى أن من شروط قبول الاستغفار أن يقلع المستغفر عن الذنب ، و إلا فالاستغفار باللسان مع التلبس بالذنب كالتلاعب و إذا كانت التوبة متعلقة بحق الله يكفي فيها الترك ، و أداء الكفارة أو القضاء إن وجدتا .
2- الإخلاص بترك الذنب لله عز وجل ، لأن ترك الذنب خشية أن يعيره الناس أو لغيره ، لا يكون تائبا اتفاقا ، و الحجة في ذلك ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) ، والحديث المشهور " إنما الأعمال بالنيات " .
3- أن يبرأ من حق صاحبها ، إذا كانت المعصية تتعلق بحقوق العباد ، وذلك لقوله : " من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فيتحلله منه اليوم ، قل أن لا يكون دينار و لا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه " .
4- أن يندم على فعل المعصية ، ويعزم على لا يعود إليها ابدا ، قال الله تعالى : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ) ، قال قتادة : ( و التوبة النصوح الصادقة ) ، وقال الكلبي : ( التوبة النصوح الندم بالقلب و الاستغفار باللسان ، و الإقرع عن الذنب ، و الاطمئنان على أن لا يعود .
5- (1) .
6- (2) .
***
- من صيغ الاستغفار التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يلي :
أ / عن بلال بن ياسر بن زيد رضي الله عنه قال : حدثني أبي عن جدي أنه سمع النبي يقول : " من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم و أتوب إليه غفر الله ، و إن فر من الزحف " .
ب/ عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله يكثر ان يقول قل ان يموت " سبحانك الله و بحمده ، أستغفرك و أتوب إليك " .
جـ / عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كنا نعد لرسول الله في المجلس الواحد مائة مرة : " رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم " .
***
و إلى هنا ينتهي اللقاء ليتجدد في حلقة جديدة إن شاء الله .. أسأل الله أن يغفر لي ولكم ، إنه ولي ذلك و القادر عليه ، و صل اللهم وسلم على سيدنا محمد و على أله و صحبه أجمعين .. و السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ..
دمتم في حفظ الله ..
المفضلات