www.islamselect.com
من أحكام الجهاد في الإسلام
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
تقسيم الجهاد:
من حيث تقسيم الجهاد، فالعلماء قسموا جهاد الكفّار إلى قسمين:
جهاد دفع، وجهاد طلب. ويُتسامح في الأول لدفع العدو الصائل ما لا يُتسامح في الثاني.
فجهاد الدفع يتعيّن على أهل ذلك البلد الذي دهمه العدو، ولو بغير إمام كما سيأتي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
فأما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين فإنه يصير دفعه واجبا على المقصودين كلهم، وعلى غير المقصودين لإعانتهم - إلى أن قال -
كما كان المسلمون لما قصدهم العدو عام الخندق لم يأذن الله في تركه لأحد، كما أذن في ترك الجهاد ابتداء لطلب العدو الذي قسمهم فيه إلى قاعد وخارج. بل ذم الذين يستأذنون النبي - صلى الله عليه وسلم -: (يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً) (الأحزاب: من الآية13) فهذا دفع عن الدين والحرمة والأنفس، وهو قتال اضطرار. وذلك قتال اختيار للزيادة في الدين وإعلائه ولإرهاب العدو كغزاة تبوك ونحوها. ا.هـ .
وقال المرداوي في الإنصاف:
تنبيه: مفهوم قوله أو حضر العدو بلده. أنه لا يلزم البعيد، وهو الصحيح إلا أن تدعو حاجة إلى حضوره. كعدم كفاية الحاضرين للعدو، فيتعّين أيضا على البعيد. ا.هـ.
أما جهاد الطلب، فامتثالا لقوله - تعالى -: (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ).
وغيرها من الآيات، والأحاديث الدالة على وجوب الجهاد ومُضيِّه مع كل برّ وفاجر إلى يوم القيامة.
حُـكـم الجهـاد:
من حيث حُكم الجهاد، فقد جرى فيه الخلاف، فجمهور العلماء على أنه فرض كفاية، وذهب بعض العلماء أنه فرض عين. منهم سعيد بن المسيب.
والصحيح أنه فرض كفاية على الأمة، للأدلة التي سوف أذكرها فيما بعد.
ولا يعني كونه فرض كفاية التقليل من أهميته، إذ أن الجهاد من أفضل القربات وقد سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الناس أفضل؟ فقال: رجل يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه. متفق عليه من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -.
ولما سألت عائشة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: لا، لكن أفضل الجهاد حـج مبرور. رواه البخاري، وفي رواية لـه قال: جهادكن الحج.
ولذا قرر غير واحد من أهل العلم أن الحج في حق النساء أفضل من الجهاد، فلا يجب الجهاد على النساء بلا نزاع. يُنظر الإنصاف ومجموع الفتاوى.
وفي المسألة خلاف.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: استيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلا ونهاراً، أفضل من الجهاد الذي لم تذهب فيه نفسه وماله. ا.هـ.
يُشير بذلك إلى حديث البخاري عنه - عليه الصلاة والسلام -: ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه. قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد؛ إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء.
والأحاديث في فضل الجهاد كثيرة معلومة.
قال الإمام أحمد - رحمه الله -: لا أعلم شيئا من العمل بعد الفرائض أفضل من الجهاد.
ولما ذُكِر له الجهاد جعل يبكي ويقول: ما من أعمال البر أفضل منه.
كما أنه لا يعني القول بالفرضية الكفائية أنه لا يجب على الأمة، بل الفروض الكفائية إذا لم يَقم بها من يكفي أثم الجميع. كما هو مقرر عند أهل العلم.
قال المرداوي في الإنصاف: فرض الكفاية واجب على الجميع. نص عليه في الجهاد. وإذا قام به من يكفي، سقط الوجوب عن الباقين، لكن يكون سُنّة في حقهم. ا.هـ.
ولو قيل بفرضية الجهاد على الأعيان لتعطلت الفروض الأخرى، ولم يكن ثمة من يقوم بها.
ولو كان الجهاد فرض عين على جميع أفراد الأمة لما مشى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأسواق، ولما وضع الصحابة سيوفهم عن عواتقهم، ولما قال عمر - رضي الله عنه -: ألهاني الصفق في الأسواق، ولما قال ابن عوف - رضي الله عنه -: دلوني على السوق، ولما أذِن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعثمان في تخلّفه لتمريض زوجته، ولما بقي في المدينة من تدعو الحاجة إلى بقائه، ونحو ذلك.
ولما قال - عليه الصلاة والسلام -: لولا أن أشق على أمتي ما تخلفت عن سرية، ولكن لا أجد حمولة، ولا أجد ما أحملهم عليه، ويشق علي أن يتخلفوا عني. متفق عليه.
وقد نص العلماء على: يُشترط لمن أراد الجهاد وجود زاد ونفقة عياله مدة غيبته
ويُنظر لذلك - على سبيل المثال - المقنع والشرح الكبير والإنصاف.
ولو كان يجب على كل أحد ما عُذِر من كان على مثل هذه الحال.
كما أنه لا يجب على النساء كما تقدّم، ولا يجب على العبيد في أصح قولي العلماء، ولا يجب على أولي الضرر، ولا على أهل الأعذار.
ولو كان يجب وجوبا عينيا على كل أحد لما عُذر هؤلاء.
قال - سبحانه -: (لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ).
فهؤلاء الضعفاء والمرضى والفقراء الذين لا يجدون ما يُنفقون ولا يجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يحملهم عليه من الدواب قد عذرهم الله في محكم كتابه.
وقال - سبحانه -: (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا).
المفضلات