مشاهدة نتيجة التصويت: اي هذه الروايات تحب رؤيتها اولا على ملفات وورد ؟؟

المصوتون
29. لا يمكنك التصويت في هذا التصويت
  • معا فوق النجوم

    5 17.24%
  • العاشق المنتقم

    8 27.59%
  • حب غير متوقع

    8 27.59%
  • غرباء على الطريق

    8 27.59%
الصفحة رقم 527 من 569 البدايةالبداية ... 27427477517525526527528529537 ... الأخيرةالأخيرة
مشاهدة النتائج 10,521 الى 10,540 من 11376
  1. #10521
    صبايا رح أبدأ اليوم بتنزيل
    أول فصل من الرواية اللي عم بكتبها
    بتمنى تعجبكم
    وقبلك ِ .....
    ما كان للبحر اسم ... ولاكان للشمس اسم...

    ولا كان للورد اسم ...sigpic573266_1 لو أنّي لستُ أحبّك ِ أنت ِ..فماذا أُ حب؟؟؟
    0


  2. ...

  3. #10522
    مطلوب زوجة وأم ....


    مطلوب زوجة وأم
    بربارة ماكماهون
    الملخص : عزيزتي الآنسة إيفا نز .
    لقد أكد لي محامي عمتي بأن أفضل حل للمشكلة التي تواجهنا هي أن نتزوج...........
    كان نيكولاس سيلفرمان بحاجة إلى أم لإبنة أخيه اليتيمة , و كارولين بحاجة إلى المال للإنفاق على علاج جدتها في المستشفى , لم يكن هذا زواجاً عادياً بطبيعة الحال و لكن كان عليه أن ينجح ....لأجل الطفلة أماندا .و لكن بينما كانت كارولين الفتاة القادمة من تكساس تعرف الكثير عن مزارع الماشية فما كانت تعرفه عن راعي البقر الجذاب القادم من المناطق النائية في استراليا كان قليلاً جداً . ولكنها في طريقها إلى المعرفة .
    تمهيد
    عزيزتي الآنسة آرثر ,
    لا شك أن محامي عمتي قد أحاطك علماً بموضوع هذه الرسالة , فهو قد أكد لي بأن أفضل حل للمشكلة التي تواجهنا هي أن نتزوج . لم يسبق لي أن علمت بالشروط التي تحتويها وصية عمتي كاثرين و لكن محاميها أوضح لي بأن تلك الشروط هي قانونية تماماً . إن ربط اشتراكنا بالميراث بأن يتزوج أحدنا من الآخر خلال سنة , هو شيء أقل ما يوصف به هو أنه مريع . وبالنسبة إلى نفوري شخصياً من فكرة الزواج , فأن أكثر اشمئزازاً من هذا القيد مما لابد أن تكوني أنت و قد اقترح محاميها علينا أن ننظر إلى هذا الزواج في حالة قبولنا بشروط الوصية تلك , ننظر إليه بمثل الجد و الدقة التي ننظر فيها إلى أي إجراء عملي آخر . وقد استحثنا أن نبدأ بالخطوات الضرورية لإتمام هذه القضية .
    إنني أعلم أنه تحدث إليك في الأمر . وأنا هنا أكتب إليك لكي أتأكد ,- في حالة قبولك هذا الاقتراح -, من أن محامي عمتي لم يضللك فإن مزرعة راوستين للمواشي هي مزرعة نائية في أعماق استراليا , وأعمالنا ناجحة تماماً , و المزرعة تحتوي على كل أسباب الراحة . و على كل حال فإن أقرب مدينة إلينا لا تبعد عنا أكثر من ساعة بالسيارة . لقد كانت عمتي تكثر من ذكر جدتك , صديقتها العزيزة , في رسائلها , وقد أخبرتنا كيف أن مزارع المواشي في مناطق تكساس المجدبة هي مماثلة لمزارعنا , مما لا بد يجعل لديك فكرة عن الحال هنا .
    لقد توفي أخي و زوجته منذ ستة أشهر . وقد أخذت طفلته سارة للعناية بها منذ ذلك الحين , وهي تبلغ لم الثانية بعد . وجداها يطالبان بحضانتها . ولكنني أريد أن تنشأ الطفلة هنا في المزرعة , وأنا على استعداد للقيام بكل ما يجعلها سعيدة في حياتها معي . وإذا كان امتلاك نصف ميراث العمة كاثرين شيئاً مجدياً , فإن ما يهمني أكثر هو أن أحصل على زوجة و على أم لسارة .
    بالنسبة لترتيب عملي لهذا , الحب ليس مطلوباً و لكنني أصر على الحب لسارة . فهي في أشد الحاجة إلى عناية امرأة . ومقابل ولائك لأسرتي أتكفل لك بمنزل مستقر طيلة حياتك .
    اكتبي إليّ إذا كنت موافقة على كل هذه الترتيبات فالوقت ضيق . إذا كان جوابك بالموافقة , فسأقوم بالترتيبات اللازمة

    الفصل الأول
    أخذت ستيفاني تفكر بذعر , و قلبها يخفق , أنها مازالت غير مستعدة . كانت تنزل من الطائرة الصغيرة ذات المروحتين ليستقبلها نهار استرالي متألق . أخذت تجيل بصرها في الأرض و الفضاء التي تحيط بالمطار الصغير بينما ترامت وراءها مدينة صغيرة . وبللت شفتيها بلسانها و هي تشعر بخفقات قلبها تتعالى . ما الذي تفعله هنا في مدينة أديلايد في المنطقة الشمالية ؟ هل فقدت عقلها ؟ و لكن , أترى فات الأوان لتغير رأيها ؟
    ورفعت يدها تسوي من شعرها الأشقر العسلي و الذي ينحدر إلى كتفيها , وقد اتسعت عيناها الزرقاوان , كما أدهشها أن تشعر بأصابعها ترتجف . فأخذت تتنفس بعنف و هي تعود فتنظر حولها مرة أخرى و كأنما تلتمس مهرباً في هذه المناظر المجدبة . ما كان لها أن تستجيب لذلك . و في الواقع , ما هو الخيار الذي كان أمامها ؟ إن شيئاً لم يتغير . كان عليها طبعاً أن تستجيب , فهذا مجرد إجراء عملي محض و غاية في البساطة , وهي في أشد الحاجة إلى المال لأجل جدتها .
    و مشت إلى حيث يقوم مركز التوصيل الكهربائي تنشد شيئاً من الظل يقيها من أشعة الشمس , مجتازة رجلاً كان يستند إلى جدار المركز , دون أن تلقي عليه نظرة , فقد كانت أفكارها تبعد عنه آلاف الأميال . و تساءلت مت سيأتي أحد ما لأخذها . وإلى متى بإمكانها أن تحتفظ بهدوء أعصابها .
    و جاءها صوت قوي من خلف كتفها اليمنى يسأل :" ستيفاني آرثر "
    استدارت لتجد ذلك الرجل الطويل القامة المتين البنية الذي كان مستنداً إلى الجدار القديم , لتجده يمعن النظر فيها من تحت حافة قبعته العريضة . فأخذت تتأمل كتفيه العريضتين , وعنقه البارز من خلال فتحة قميصه الأزرق . ونظرت إلى ذراعيه المفتولتين المعقودتين فوق صدره , و قد رفع كميّ قميصه , وساقيه الطويلتين في البنطال الذي علاه التراب , ثم عادت فرفعت بصرها لتلتقيا بعينيه , و من ثم شعرت بالدوار يتملكها .
    سألها :" هل أنت ستيفاني آرثر ؟"
    أجابت و هي تتقدم فتقف أمامه :" نعم , أنا ستيفاني آرثر ." سعرت بالسرور لارتدائها ذلك البنطال الكحلي اللون و القميص الأبيض ذا الكشاكش , ما أسبغ على مظهرها لمسة أنثوية , و بالسرور لتسريح شعرها قبل نزولها من الطائرة .....فانسدل في تجعدات طبيعية حول كتفيها .
    فقال بلهجة متكاسلة :" إنني ألبرت دوغلاس . لم أكن واثقاً من حضورك ."
    فنظرت ستيفاني في عينيه الرماديتين الصافيتين , و لون بشرته الذي لوحته شمس استراليا فأصبح برونزياً . لقد فتنها للتو تألق عينيه و سمرة وجهه و سواد شعره , وكان صوته عميقاً قوياً رائعاً بلهجته الاسترالية .
    وتساءلت ستيفاني , للحظة قصيرة , عما إذا كان فاتها شيء لك تلحظه . و هزت رأسها تدفع بذلك , الاضطراب الذي اعتراها . هل هذا هو ألبت دوغلاس ؟ هذا الرجل الصلب الحازم الواثق من نفسه الذي يقف أمامها , و الذي ينضح قوة و جاذبية ؟ لم يكن كما تصورته قط . لقد كانت عمته على صواب و هي تخبرها أنه حسن المظهر ......لقد كان رائعاً حقاً .
    فقالت تجيبه بذهن مشتت :" و لكنني سبق أن قلت بأنني سأحضر ." مدّ يده إليها ليصافحها , فترددت لحظة قبل أن تمسك يده القوية . وكانت أصابعه متينة صلبة دافئة . تدافعت خفقات قلبها , وتراجعت خطوة إلى الوراء بعصبية . وكادت تجذب يدها من يده و تفر هاربة من تلك المغناطيسية المنبثقة من عينيه , وتلك الجاذبية التي لم تتوقعها , حتى مع مايكل , لم تكن تشعر بنفسها أنثى , كما أنها لم يسبق أن تأثرت بوسامة رجل من قبل . لا يمكن أن تتزوج هذا الرجل , فهو سيسيطر عليها في غضون ساعة واحدة.
    مع أنها كانت طويلة القامة , فقد كان ألبرت دوغلاس يزيدها طولاً بكثير . لقد كان طوله فوق الستة أقدام , و لم يكن عرض كتفيه ليقلل من طوله هذا . و كانت قبعته القش تكاد تغطي نصف وجهه تظلله من أشعة الشمس .
    و لكن كان بإمكانها أن ترى عينيه , تتأملانها بإمعان , ما أرسل في كيانها رجفة غريبة .
    لقد داخلها الخوف عندما التقت عيناها بعينيه , و ساورها الاضطراب . و أخذ هو يمعن النظر فيها بعينين ضيقتين فتمنت لو كانت مرتدية ثوباً و ليس بنطالاً . و أنها أحسنت زينة وجهها هذا الصباح.
    قال لها بينما كان يتأملها باهتمام : "إنك لست كما توقعت ."ودون أن تظهر عليه أي إشارة إلى نوع تفكيره , استقام في وقفته , و استدار متجهاً نحو الطائرة بخطوات متراخية متعجرفة و كأنه يملك المنطقة بأكملها , و هو يقول : " سنأخذ أمتعتك ثم نتناول بعض الطعام . مازال أمامنا ساعة أخرى قبل أن نصل إلى البيت ."
    تبعته ستيفاني و هي تتمنى لو كانت وضعت نظارات شمسية تظلل عينيها من أشعة الشمس القوية, كما تحميها نوعاً ما من نظرات هذا الرجل النفاذة . و أسرعت في خطواتها لكي تلحق به .
    وجدت نفسها تسأله :" و ما الذي كنت تتوقعه ؟"
    أتراه أصيب بخيبة أمل ؟ و أنه سيغير رأيه و يبطل اتفاقهما ؟ أم مازال مهتماً بمتابعة الأمر ؟
    أتراها حماقة منهما أن يعقدا زواجاً يقوم على المصلحة المادية في عصر كهذا ؟ و هل يتوقع منها أحد أن تستمر في الطريق ؟ ولكنها , مع ذلك , لم تشأ له أن يغير رأيه .
    فهز كتفيه وهو يسحب من خلف الطائرة حقائبها , ثم يجيبها عابساً :" لم أتوقع أن أجدك بهذا الجمال ."
    فتملكتها الدهشة و لم يبد ِ عليه أنه لاحظ انعقاد لسانها كفتاة صغيرة و هو يتجه بها نحو شاحنة صدئة مغبرة . أكان هذا مديحاً لها ؟ لم يكن يبدو أن هذه الحقيقة أعجبته . ولاحظ ترددها و هو يشير نحو العربة , فقال :" لسوء الحظ من الصعب المحافظة على نظافة أي شيء عندما تهب عواصف الغبار لهذا أستعمل هذه في أنحاء المزرعة و على الطرقات . و لهذا تبدو لك في أسوأ مظاهرها , ولكنه نظيفة في الداخل ."
    فأومأت موافقة و هي تنظر إليه يلقي بحقائبها بكل سهولة , في الخلف من الشاحنة , متسائلة عما إذا كان يسأل نفسه الآن عما جعله يرسل إلى آخر العالم طالباً عروساً لم يسبق له أن رآها قط . ذلك أنها , حسب ما رأت منه , قد أدركت أن بإمكانه الحصول على زوجة بكل سهولة . بل إن الصعوبة هي أن يتمكن من إبعاد النساء عنه .
    كان شكله مليئاً بالحيوية , و تصرفاته واثقة حازمة , ربما سيغير رأيه بعد أن رآها . و تمنت بكل لهفة أن لا يحدث هذا , إنما لم يكن لحصتها في الميراث أثر في هذه اللهفة . و ساعدها على الصعود إلى الشاحنة , وعندما صعد هو إلى مقعده , استدار يتفرس فيها , فبادلتها نظراته برصانة كي لا يلحظ الحرارة التي سرت في كيانها أو تسارع خفقات قلبها , وقال لها :" هنالك مكان صغير لطيف في المدينة يقدم الطعام . سنتناول الغداء فيه بينما نتحدث عن أمورنا قبل أن نتوجه إلى المزرعة ."
    فقالت :" هذا جميل يا .......ألبرت ." و سرّها الطريقة العفوية التي نطقت فيه باسمه , وأنّ صوتها لم يتهدج فيفضح توترها . كانت خائفة من أن تتحطم آمالها . لم تكن تريده أن يدرك مقدار ما تشعر به من ارتباك , ولا عدم الثقة بالنفس المفاجئ الذي تملكها ,وكل ما يعتمل في نفسها .
    التوت شفتاه بنصف ابتسامة و هو يتحرك بالسيارة . لقد أدرك ما يعتمل في نفسها .
    أخذت تنظر حولها بلهفة و السيارة تمر بهما في شوارع المدينة , مستمتعة بكل ما تراه . كان هنالك شارع واحد رئيسي ذو رصيفين , ولكن التراب كان من الكثافة بحيث بدا كطريق قذر . و كان يحد الشارع عدة محلات و متاجر , كما كان هناك بناية بأكملها . و لمحت عدة بيوت إلى جانبي الشارع أضفت عليه الحدائق التي تحيط بها ألواناً بهيجة و بالإجمال , كانت أديلايد مجرد مدينة صغيرة عادية .
    أوقف ألبت العربة أمام مقهى صغير يدعى شتراوس , و كان ممتلئاً تقريباً بالزبائن , ما عدا مائدة أو اثنتين , فاتجه بها إلى واحدة منهما في مؤخرة المكان حيث يمكنهما أن يكونا على انفراد نوعاً ما . وكان أثناء مروره يحني رأسه للبعض , ويرد تحية البعض الآخر دون أن يتوقف ليتكلم معهم أو يقدمهما إليهم .
    وعندما استقر بهما المقام , أخذت ستيفاني تتفحص المكان حولها , وقد انسدل شعرها الأشقر على وجنتيها يبعد عنها نظرات ألبت التي كانت تحدث فيها تأثيراً لم تحدثه نظرات رجل آخر من قبل . كانت تريد أن تجد فرصة تتنفس فيها .
    و جاء النادل ليسجل طلباتهما حيث أخذ ألبرت يثرثر معه بعض الوقت , كما أنه لم يقدمها إليه ما قوى من اعتقاد ستيفاني بأنه غيّر رأيه بالنسبة إليها , ذلك أن الناس لن تثرثر فيما لو أعادها إلى بلدها دون أن يعرفها أحد أو يعرف سبب مجيئها .
    و نظرت إليه و هو يبلغ النادل ما يريدان , وهي تتساءل عما إذا كان قد أخبر الناس بأمرهما , أترى يعلم الجميع أنه أرسل إلى أميركا يطلب عروساً لم يسبق أن عرفها من قبل ؟
    وكان هو , في هذه الأثناء , يطلب من النادل أن يحضر لهما فطائر باللحم و بطاطا مقلية , وذلك دون أن يأخذ رأيها في ما تريد أن تأكل. فرمقته بنظرة حادة و هي تتساءل عما إذا كان يتصرف دوماً بمثل هذه الثقة بالنفس و بالآخرين . إذا كان الأمر كذلك فما الذي جعله يقبل بمثل هذا الزواج المدبر , حتى و لو كان زواج مصلحة ؟ إنه لا يبدو من أولئك الرجال الذين يجعلهم الآخرون يقومون بشيء لا يريدونه هم . و عاد النادل بأطباق الطعام بسرعة , وكانت هي تشعر بالسرور للصمت الذي ساد بينهما , فصممت على أن لا تكون البادئة باختراقه .
    0

  4. #10523
    وعندما أخذا في تناول الطعام , سألها ألبرت :" هل كانت رحلتك مريحة ؟ "
    فرفعت نظراتها إليه , شاعرة بتأثير شخصيته الطاغية لم يؤثر عليها رجل من قبل بمثل هذه القوة . وسحبت نفساً عميقاً في محاولة لامتلاك أعصابها . لقد اختارت بنفسها هذا الوضع و ستستمر فيه و لو كان في ذلك هلاكها .
    وأجابته قائلة :" نعم , شكراً . وشكراً لك لإرسالك لي تذكرة السفر " و اعتدلت في جلستها و هي تنظر إليه مفكرة و قد سرها أن وجدت صوتها هادئاً قوياً . فأومأ برأسه و هو يحدق فيها قائلاً و قد ضاقت عيناه : " إن الوضع محرج , أليس كذلك ؟"
    فاحمرت وجنتاها و لكنها لم تشأ أن تتظاهر بعدم الفهم , فأجابت :" نعم...إنني غير واثقة ...."
    فقاطعها قائلاً :" إنني أنا أيضاً لست واثقاً تماماً في الواقع . كنت أظن أن الأميركيين يتصفون بشخصية بالغة الاستقلال , ومع هذا أراك مستعدة للزواج من رجل حال اللقاء به ."
    فأدارت بصرها حولها , لا تعرف بماذا تجيب , فهي لم تتوقع مثل هذا الكلام الصريح , فقد كانت ترجو أن يأتي على ذكر هذا بشيء من الكياسة . وأخيراً , عادت تنظر إليه , ثم قالت :" إنني بحاجة إلى المال الذي سأحصل عليه بالزواج منك . كما أن فكرة كوني أماً لفتاة صغيرة بحاجة إليّ كانت فكرة مغرية تماماً و قد وضعت في حسابي أنني قد أصادف أشياء غاية في السوء
    فقال :" آه إذن , فأنت ترين بأنني لست أفضل من الموت بكثير ."
    لم تكن تقصد إهانته , فقالت متلعثمة :" أنا ......إنني أريد أن أشعر بأن ثمة حاجة إليّ ."
    فأومأ برأسه و كأنه فهم ما تعنيه ,وقال :" إنني و سارة بحاجة إليك فعلاً . إذن فليست القضية قضية مال فقط ؟" وتضمن سؤاله هنا شيئاً من عدم التصديق .
    فقالت :" كلا . رغم أن رفض ذلك المبلغ من المال هو , بصراحة شيء صعب على أي إنسان ."
    وابتسمت بعصبية فبدت على إحدى وجنتيها غمازة جذابة ثم عادت إلى رصانتها مرة أخرى لتقول :" إن المال ضروري بالنسبة إليّ لكي أتابع علاج جدتي . وأعتقد أنني كتبت إليك عن مرضها الشديد ."
    فقال :" هذا يفسر العجلة في امتلاك المال . ما هو رأيها في قدومك إلى هنا ؟ "
    فأجابت :" إنها مسرورة لأجلي , فقد كانت هي و عمتك كاثرين صديقتين حميمتين مدة طويلة , فهي تشعر أنها تعرفك , كما أنها أحبت فكرة أن أكون أماً للطفلة . وقد طلبت مني إرسال صورة لها ."
    كانت تتحدث شاعرة بالشوق إلى جدتها , ذلك أنها الوحيدة التي عرفت عندها الاستقرار , بعد حياة طويلة حافلة بالتنقل من مكان إلى آخر .
    قال لها :" أظن أن علي أن أزيدك معرفة بالوضع ." ومال إلى الخلف و هو يحدق فيها , بينما كان يقول :" إن جدي يعيش معي في المنزل . وعندما مات أخي إدي وزوجته كلير , جاءت ابنتهما الصغيرة سارة لتعيش معنا , وجداها الآخران , والدا كلير يطالبان الآن بحضانتها . وكان إدي قد طلب مني أن أكون حاضناً لها , وأنا أريد أن أربي ابنته و لكن الطفلة بحاجة إلى أم . فالمحكمة تطلب لها بيتاً حقيقياً مستقراً , فإذا لم أستطع توفيره لها , فستسلم حضانتها إلى والدي كلير ."
    فأومأت برأسها متفهمة . إن لدى ألبرت أسباباً للزواج أكثر من مجرد الحصول على نصف الإرث , فقد كان مستقبل الطفلة في خطر . وهذا يجعل زواجهما أقل مادية و بروداً . و عاد هو يقول :" ولكنني لا أريد حلاً مؤقتاً . فإذا كنت مصممة على الزواج لكي تحصلي على إرثك , ثم تبتعدي , فانسي هذا الأمر . فأنا أريد من يعتني بسارة إلى أن تكبر على الأقل . إنني أريد حلاً دائماً " أومأت ستيفاني برأسها وقد اتسعت عيناها فهي لم تبتعد بأفكاره كثيراً إلى ما بعد الزواج , فهو طبعاً يريد علاقة ثابتة مستقرة لأجل الطفلة , وهي لا تريد أن تعرض الطفلة سارة إلى نفس الحياة القلقة الممزقة التي مرت هي نفسها بها من قبل , وسحبت نفساً عميقاً و هي ترى نفسها تلتزم بهذا الأمر لعشرين سنة على الأقل . وشعرت بنفسها مغلوبة على أمرها , ولكن لم تجد أمامها أي حل آخر تتبعه .
    قالت تجيبه :" إنني لم أوافق على القدوم إلى هنا لأتزوج لعدة أيام فقط , ثم أرحل . فقد وضعت كل ما أملكه في الشحن إلى هنا و حقائبي هذه ما هي إلا جزء منها , فأنا لست هنا لأمضي مدة قصيرة فقط ." كانت تتحدث بحزم و ثبات , و قد بان التصميم في عينيها الزرقاوين , ذلك أنها قد كرست مستقبلها في سبيل أن تعين جدتها على الشفاء . وهي ستلتزم بما صممت عليه.
    أخذ هو يتفرس فيها لحظة طويلة , كانت نظراته أثناءها تخترق أعماقها , ثم قال:" عندما تزوج إدي من كلير , لم أكن أنا أريد الزواج , فقد فكرت في أنهما سيتكفلان بإنجاب أولاد يرثون الأملاك , ولكن رأيي هذا تغير بعد الحادثة . إن سارة بحاجة إلى امرأة إلى أم , ة لأجلها سأحضر أماً "
    فأضافت :" ولأجل المال أيضاً "
    فأجاب متهكماً :" طبعاً فهو مبلغ أكبر من أن يرده أحد."
    فأومأت برأسها ذلك أنها عرفت ذلك قبل مجيئها . ليس بالنسبة لجده الذي يعيش معهم , وإنما بالنسبة للبقية , وقالت :" سأحاول جهدي بأن أكون أماً صالحة ."
    فتابع و هو ينظر في عينيها مباشرة :" وعليك أن تعلمي , منذ الآن أنني لا أثق بالحب فهو من خيالات الشعراء التافهة . لهذا لا أرى من العدل أن أتزوج امرأة ربما تهتم بي أكثر مما أهتم أنا بها , إذ تتصور نفسها غارقة في الحب معي , أو أن تتخيل قضاء أمسيات شاعرية معي . إن زواجنا سيكون زواج مصلحة فقط لا غير ."
    فعادت تومئ برأسها و هي لا تتمالك نفسها من سؤاله , إذ كانت ما تزال حائرة من ذلك الإرث الذي تركته عمته كاثرين له و لها بشرط أن يتزوجا . سألته قائلة :" هل تعرف سبب وضع عمتك لمثل تلك الوصية ؟ "
    فأجاب :" لقد كانت عمتي كاثرين تحب دائماً أن تتوسط في الزواج , حتى في كاليفورنيا . وهكذا كانت زكتك لي إلى درجة بالغة ." وابتسم بشيء من السخرية ثم تابع يقول :" إنني أعلم أنك تحبين الحياة الهادئة , وتعرفين شيئاً عن المواشي بحكم عملك كمحاسبة في مؤسسة لتربية المواشي في كاليفورنيا , وأنك لا تحبين التبذير و الإسراف, و أنك طاهية ماهرة و ربة منزل قادرة وسكت و قد بدا على وجه ستيفاني . كانت تحملق فيه قائلة :" و لكنني لم أتلق تزكية عنك ,و أظن من الأفضل أن تذكر صفاتك الجيدة قبل أن نذهب بعيداً في هذا الأمر ."
    فقال بصراحة :" اسمعي . دعينا نتحدث بوضوح . ما كنا لنتزوج لولا رغبة عمتي كاثرين . أليس كذلك ؟ و هذه الوصية ستحقق شيئاً يرغبه كل منا , نحن الاثنين . فأنت ستحصلين على المال الذي سيساعد في علاج جدتك , وأنا سأحصل على أم لسارة , وطالما نتذكر ذلك , فسنتمكن من إتمام هذه الاتفاقية , وكل شيء بعد ذلك سيسير في طريق النجاح."
    فقالت بحدة :" يبدو لي أن بذكر دوام الأمر تريد أكثر من مجرد إتمام هذه الاتفاقية . فقد سبق و تحدث عن حل دائم."
    فانحنى فوق المائدة , وقال :" إن أسرتي لم تتعود زواجاً دائماً بين أفرادها . فجدتي توفيت شابة , وأمي هجرت أبي عندما كان إدي رضيعاً , وكلير تركت إدي قبل أن يقتلا معاً بذلك الحادث . و أنا الآن أريد أن أخالف هذا الاتجاه , فأنا أريد لزواجنا هذا أن يموت أحدنا بعد انتهاء عمره , هل هذا مفهوم؟"
    أجابت :" تماماً " و لكن قشعريرة سرت في كيانها . كانت تريد أن تبقى و لكن ماذا لو كانت مثل أمها ينقصها الثبات في العلاقات ؟ و تابعت تقول :" إني لن أجعل لك عذراً لإنهاء هذه العلاقة , فهل بإمكانك التعهد بنفس الشيء ؟ "
    قال :" وأنا بالمثل , لن أجعل لك عذراً لذلك ."
    قالت بصوت بدا عذباً رقيقاً بالنسبة إلى لهجته الاسترالية الجافة :" أظن في اجتيازي كل تلك المسافة من كاليفورنيا ما يشكل التزاماً كاملاً مني بهذا الاتفاق ." كانت تريده أن يثق بأنها متمسكة بالناحية العملية من اتفاقهما . قال :" هذا عظيم , لقد قمت أنا بإجراءات الزواج , و يمكننا أن نتزوج عصر هذا اليوم ."
    تساءلت عما إذا كان تسارع خفقات قلبها قد أصبح عادة مزمنة عندها , ذلك أنها عدت تتسارع الآن بعد سماعها كلمات ألبرت صحيح أنها قد تعهدت بالزواج منه و أنه لم يعد ثمة موجب للتأخير , و لكنها كانت قد فكرت بأن لا بد أن يسبق ذلك بضعة أيام تتعرف فيها إليه أولاً , ولكن , ما هي نتيجة ذلك ؟ إنها كانت مصممة في الواقع على أن لا تتزوج مطلقاً , ولكن ما كان لها أن تغفل هذه الفرصة التي سنحت لها للمساعدة في علاج جدتها , و التي كانت من الأهمية بمكان , ولكنها لم تتوقع مطلقاً أن يكون زواجها حال نزولها من الطائرة , لقد كان يتحدث عن إتمام الزواج بعد دقائق , فلماذا هذه السرعة الفائقة ؟ و كأنما لاحظ ترددها و تباطؤها , فرفع حاجبيه متسائلاً :" هل هناك مشكلة ؟ "
    أتراه قرأ أفكارها ؟ و هزت رأسها محاولة التظاهر بالهدوء و الثقة بالنفس و هي تقول :" ليس ثمة مشكلة , إنها الدهشة فقط لرغبتك في الزواج هذا اليوم . هل استلمت الأوراق التي كنت قد أرسلتها إليك ؟ " و كان في حقيبتها نسخة من المستند الرسمي
    فأومأ قائلاً :" إن الطريق إلى المزرعة طويل و قد مضى معظم النهار الآن , ولن أتمكن من العودة إلى المدينة قبل فترة " كان يتكلم و هو يتفرس في وجهها بعينيه الرماديتين .
    و تمنت لو أنه لا ينظر إليها بهذا الشكل , فقد شعرت بنفسها ضعيفة عاجزة تحت وطأة نظراته الثاقبة . و في كل مرة كان ينظر فيها إليها , كانت تشعر و كأنها على وشك أن تفقد توازنها .
    و أخيراً قالت و هي تدفع عنها الشعور بخيبة الأمل إذ تراه لا يريد أن يضحي بيوم عمل في المزرعة يجيء فيه إلى المدينة لأجل العرس , عرسه هو , وقالت :" هذا سبب عملي جيد للزواج هذا اليوم " و ألقت نظرة على ثياب السفر التي كانت ترتديها ثم على ثياب العمل التي يرتديها هو . كانت تتوقع أن يكون عرسها كبقية الأعراس . و فكرت في ثوب الزفاف الأبيض الذي اشترته و أحضرته معها , هل عليها أن تذكر ذلك له ؟ ربما من الأفضل أن لا تفعل , إذ سيتبادر إلى ذهنه أنها تسعى إلى أن يكون العرس شاعرياً , بينما كان سبق و صارحها باحتقاره لهذه المشاعر .
    قال :" إن لدي في المنزل سيارة يمكنك استعمالها متى شئت , يا ستيفاني , فلن تكوني مرتبطة بالمنزل على الدوام , إذا كان هذا ما يقلقك . و لكن ليس لدي وقت يسمح لي بالسفر على الدوام ذهاباً و إياباً إلى هنا , فأنا أدير المزرعة و لا يمكنني الابتعاد عنها مدة طويلة ."
    فأجابت :" و أنا لم أتوقع حياة ليلية هنا , فإنّ هذه الاتفاقية بينما ستستغرق كل وقتي و اهتمامي , فلا تقلق لذلك . و أنت كنت صريحاً في رسالتك عما سأتوقعه هنا , وأنا على كل حال لم أتعود على الأضواء و السهرات ."
    قال :" إنك لن تجدي ذلك هنا . لقد كانت كلير تزعج إدي بإلحاحها على الدوام لكي ينتقل إلى ملبورن , شاكية من أن ّ الحياة في المزرعة نائية تبعث على الملل ."
    أتراه يقارنها بكلير ؟ و قالت له :" ما كان لك أن تتوقع هذا مني ."
    فأجاب :" كلا . ولكن كلير نشأت في ملبورن ما جعلها تفضل الحياة فيها على الحياة في مزرعة المواشي هنا . هل لديك سؤال آخر قبل أن نذهب ؟ " و كان قد أنهى طعامه و تناول قبعته .
    كان لدى ستيفاني ألف سؤال , ولكنها ستجد أجوبتها جميعاً بمرور الوقت . وليس بينها ما ينبغي أن يكون جوابه قبل الزواج ... الزواج ؟ و سحبت نفساً عميقاً و هي تشعر بفطيرة اللحم كالحجر في معدتها . لقد التزمت بوضعها هذا قبل أن تترك كاليفورنيا . و قد فات الآن أوان العودة عن قرارها ذاك .
    وقالت :" ليس لدي أسئلة أخرى إنني مستعدة ."
    0

  5. #10524
    بعد ذلك بساعة , كانت ستيفاني تجلس بجانب عريسها الذي اتجه بشاحنته شرقاً في الطريق المزدوج الاتجاه . كان الاحتفال بالزواج قصيراً مختصراً . و ألقت نظرة على خاتم الزواج الذهبي الذي يتألق في إصبعها شاعرة بالدهشة لشرائه لها مسبقاً , وكانت دهشتها أكبر أن وجدت قياسه مناسباً لأصبعها . كيف أمكنه أن يعرف ؟
    لم يكن ذلك الاحتفال ليماثل حفلة الزفاف الفخمة التي كانا , هي ومايكل , قد خططا لها , ولكنها كانت مناسبة لتلك الاتفاقية العملية التي أبرمت بينها وبين ألبرت . و مع أنها لم تتوقع أن يكون الزواج بهذه البساطة و هذه السرعة , إلا أنها أقسمت يمين الزوجية بكل إخلاص , مصممة على أن تكون له زوجة صالحة . لم يكن الزواج هو مبتغاها , لو كان لديها الخيار , ولكنها ستريه أن بالإمكان الركون إليها والاعتماد عليها . لقد ساورها شعور ضئيل بأنها عروس للبيع .......ولكن تفكيرها بأن جدتها ستحصل من وراء هذا الزواج على أفضل علاج , جعل الأمر يستحق كل ذلك , وكان عليها أن تشعر بالسرور لحصول هذه الفرصة لها التي ستيسّر لجدتها سبيل الشفاء . فقد كانت ستيفاني تدين لجدتها بالكثير , وهي سعيدة الآن إذ أصبح بإمكانها أن تسدد بعض فضل جدتها عليها .
    وانتقلت عيناها من الخاتم , لتتفرس في الرجل الجالس بجانبها ....زوجها . لقد بدا تماماً كما رأته لأول مرة منذ ساعات قليلة .. واثقاً من نفسه إلى شيء من الغطرسة . لم يكن يبدو عليه , مثلها هي , وكأن عالمه مال فجأة على محوره . طبعاً لم يحدث هذا بالنسبة إلى ألبرت , ذلك أن حياته لن تستمر كما كانت قبلاً , فقد أصبح عنده الآن من يستلم مسؤولية سارة و المنزل ليبقى هو حراً في تكريس حياته لإدارة المزرعة .
    عالمها وحده هو الذي مال . كل شيء فيه قد تغيّر . وأخذت تتساءل عما أصابت في قرارها هذا . فقد هجرت كل ما ألفته لكي تبدأ حياة جديدة في استراليا مع رجل غريب . فهل ستتمكن من النجاح معه , أم أنها ستندم على هذا اليوم؟

    0

  6. #10525
    قراءة ممتعة
    وكل يوم رح نزل فصل
    تصبحو وتمسو على ألف خير
    0

  7. #10526
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة *cute_girl* مشاهدة المشاركة
    مونــــــــــي و ايمان
    كيف الاحوال والاخبار؟؟
    ان شاء الله بالف خير يا عسولاااااات
    اشتقتلكم كتير

    يــــــــا هلا والله وأهلين ومرحبتين
    وينك من زمان وحشتينا ياوحشة !!!
    كيف الأمتحانات ؟؟ أهم شي حليتي !!!
    الله يوفقك ياشيخة وتجيبين الأولى آمين يارب .. المهم لا تقطعين ها ..
    ومشكوره حبيبتي على سؤالك smilesmilesmile
    الله يحييك من جديد ....
    تحياتي
    مونـــــــــــي
    0

  8. #10527
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة نسمة عطر مشاهدة المشاركة
    موني يسلمو على روايتك
    حبيتها كتير وألف مبروك لإيمان وعقبال
    عندك نفرح فيكِ
    مرحبا نسومه أخبارك ياقلبي
    أهم شي الروايه أعجبتك !!! خلاص
    يلا ننتظرك تكملي روايتك شكلها حلوه قريت بدايتها
    تحياتي لك
    مونــــــــــــي
    0

  9. #10528
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    أنا قرأة القصة زمان... لكن بتقطيع متكامل dead أظن حتى النهاية ما كانت واضحة !!

    شكرا لكِ عزيزتي لكتابتها و منتظرة الفصل الثاني

    * ان شاء الله بعد ما تخلصيها أضيفها للقائمة gooood
    sigpic448022_2
    0

  10. #10529

    الفصل الثاني

    نقلت بصرها نحو المساحات الشاسعة من الأراضي , شاعرة بالغضب لحماقتها . الزمن وحده هو الذي سيثبت ما إذا كان لاتفاقهما هذا أن يدوم , ولكنها ستبذل كل ما في وسعها للمحافظة على عهدها , والتخلص من كل الأحلام و الأوهام التي لم تتضمنها الاتفاقية وعندما كانت تحدق في تلك السهول المترامية بذهن شارد , استحضرت إلى ذهنها ذلك الموقف حين تم عقد القِران . لقد تلاقت نظراته النارية بنظراتها . و توهج وجهها شاعرة بالأحاسيس تغمر كيانها , ولكن أليس هذا هو الوضع الذي اختارته لحياتها ؟
    " إلى أيّ حد تختلف هذه المناظر عن كاليفورنيا ؟"
    أجفلت إذ سمعته يتكلم فجأة بعد طول صمت , فأدارت عينيها إليه تسأله :" عفواً ؟ "
    فأجاب ببطء و كأنه يتحدث إلى شخص لا يحسن الإنكليزية :" إنني سألتك عن الفرق بين كاليفورنيا و ما ترينه هنا ."
    فابتدأت تنتبه ببطء إلى الأدغال ذات اللون الأخضر المغبر التي يمران بها , و أشجار المناطق الحارة المنتشرة هنا وهناك . و كان العشب قصيراً جافاً مغبراً . أجابت باسمة :" إنني أشعر كأنني في موطني , تقريباً . إنني لم أميز أنواع الأشجار , ولكن الأدغال مماثلة لما هو عندنا و كذلك الأعشاب هي نفسها ."
    قال :" أظنك ستشعرين و كأنك في موطنك , إذن ؟"
    فأجابت :" إنه مشابه جداً له . و هذا سيحملني على الاستقرار , فلا أتطلع إلى السكن في المدن مهما كانت الظروف ." أليس هذا ما كان يريد أن يعرفه ؟
    و عندما اجتازا عموداً حجرياً كان يفصل أميالاً طويلة من الأسلاك الشائكة , قال:" هذا يشير إلى حدود مزرعة راوستين ." فسألته :" كم تبلغ مساحتها ؟" لقد بدت لها الأرض هنا مشابهة لتلك التي تحيط بالمدينة رغم تلك التلال المنخفضة التي كانت تبدو لها عن بعد . كيف بإمكان أحد أن يفصل بين أملاك و أملاك ؟
    و أجاب ببساطة :" إنّ لدينا حوالي المئة ألف كيلو متر مربع ."
    فاستدارت إليه قائلة بدهشة :" مئة ألف كيلو متر مربع؟ إنّ هذه مساحة هائلة ." و أخذت تحاول أن تحسب هذه المساحة بالفدادين , ثم تقارنها بمزارع المواشي التي تعرفها في كاليفورنيا . و لكن ذلك أعيا ذهنها .
    قال :" إنّ الجفاف هنا لا يسمح بإرواء نفس العدد من المواشي في الفدان الذي يوجد في مزارع منطقة تومليس , و لهذا فنحن بحاجة إلى أراض ٍ أكثر بكثير لتربية الماشية ."
    فسألته :" هل كل الأرض بمثل جفافها هنا ؟ "
    أجاب :" نعم , إنما في فصل الجفاف . ولدينا آبار ارتوازية حول الأراضي لتمدنا بالمياه أثناء فصل الجفاف الطويل . و عندنا المطر في فصل الشتاء , كما أنّ لدينا سدوداً تحفظ المياه قدر المستطاع ."
    فعادت تسأله :" كم يوجد من الرجال في المزرعة ؟"
    فأجاب :" في المنزل يوجد جدّي و أنا , بالإضافة إلى اثني عشر من متعهدي الماشية . أربعة منهم ذوو عائلات . و لدينا أيضاً مكانان أصغر حجماً إلى الجنوب من هنا يقيم فيهما مدراء للمراقبة . إنّ جدّي لا يقوم حالياً بكثير من العمل ولكنه يحاول أنّ يصدر الأوامر إلى الرجال من المنزل و قد سلمني إدارة الأعمال اليومية منذ عدة سنوات , رغبة منه في أن يتقاعد مبكراً كما يقول إنه فقط عذر لكي يتفرغ لهوايته في إصلاح آلياته رغم عدم درايته بذلك , دون أن يشغله عن ذلك الاهتمام بالماشية ."
    سألته :" وماذا عن والديك ؟"
    فألقى عليها نظرة و قد بان الجمود على وجهه , و قال :" إنني لم أرَ أمي منذ ثلاثين سنة عندما هجرتنا . وأبي يعيش في ملبورن حيث يعمل في شحن السفن ."
    فقالت بسرعة تغير الموضوع بعد أن لاحظت التوتر الذي بدا عليه لدى جوابه الأخير , قالت تسأله :" هل يتوجب عليّ أن أطبخ لكل رجال المزرعة ؟" كانت فكرة إعداد الطعام لأكثر من ستة عشر رجلاً كل يوم , هي شيء لا يطاق .
    أجاب :" كلا . فالعائلات يأكلون معاً . أما الرجال العازبون فلديهم طاه خاص في سكنهم بعيداً عن منزلنا ."
    سألت :" و من كان يعتني بسارة منذ وفاة والديها ؟ "
    أجاب :" جدّي وواحدة من زوجات رجالنا و اسمها جودي كمب . ولكن سارة أصبحت تمشي الآن ما يستلزم رعاية حقيقية , بينما لجودي منزلها الذي يشغلها بالمناسبة , هل تعلمين الكثير عن تربية الأطفال ؟" فهزت رأسها قائلة :" كلا , ولكن بإمكاني أن أتعلم , و قد أحضرت معي بعض الكتب لذلك ."
    و انطلقت منه شتيمة خافتة و هو يعود إلى النظر إلى الطريق , ثم قال :" كنت أظن أنّ النساء يعرفن تلقائياً , كل شيء عن تربية الأطفال ."
    فأجابت :" لا يعرفن إلا إذا كان لديهنّ أطفال . أما أنا فلم يكن لديّ فرصة لأتعلم ذلك . ولكن لا تقلق , فسأتعلم ذلك بسرعة ."
    قال :" الأفضل أن تتعلمي لأن ّ هذا هو السبب الرئيسي لزواجي بك "
    شعرت بالغضب يغلي في داخلها للهجته هذه التي ذكرتها بأن زواجهما كان خارجاً عن رغبتهما , هما الاثنين , ولكنها قالت بصوت عذب :" ظننتك تزوجتني فقط لأجل ميراث عمتك ."
    فقال :" إنّ الميراث مفيد طبعاً , رغم أن ّ المزرعة كافية لنا تماماً . ولكن السبب الرئيسي هو سارة ."
    فقالت :" وهي أيضاً أحد أسباب قبولي الزواج ."
    قال :" مع أنّك ِ بحاجة إلى المال ."
    قالت :" هذا صحيح . ولكن جدتي لن إلى الأبد , حتى و لو تغلبت على مرضها ذاك . بينما سيدوم زواجنا , أنا و أنت , حتى و لو انتهت حاجتنا المباشرة إلى المال . فلا تقلق , فأنا سأكون أماً حانية لسارة ."
    كان ألبرت الآن قد دخل الطريق المؤدي إلى المنزل , و ابتدأت أعصاب ستيفاني في التوتر . هذا إضافة إلى الإرهاق الذي كانت تشعر به . وتاقت إلى الإنفراد بنفسها , فقد اجتازت أحداثاً كثيرة و بسرعة , وسيحل الليل قبل أن تجد وقتاً تهتم فيه بنفسها . إنها ستتعرف أولاً إلى بقية أسرة ألبرت , وهذا سيستغرق لحظات قليلة تنخرط بعدها في دورها كزوجة لألبرت . وازدردت ريقها بصعوبة , محاولة تمالك أعصابها . إنها زوجة ألبرت , وعليها أن تعتاد هذا .
    وعندما لاح لهما المنزل , أخذت تتأمله بنهم و هما يقتربان منه , ثم سألته :" إنّ المنزل أكبر مما كنت أتوقع . هل تسكنونه أنتم الثلاثة فقط؟"
    فأجاب :" إنّه منزل كبير بني لسكن أسرة كبيرة , وقد بناه جدّي الأكبر مع أنّه لم ينجب سوى جدّي الحالي الذي أنجب بدوره ولداً واحداً هو أبي الذي أنجب اثنين . وقد تعودنا على اتساع الأمكنة حتى أن لدينا غرفاً عديدة لا تحوي أي أثاث مطلقاً "
    كان المنزل مؤلفاً من طابقين عاليين و شرفة تمتد على طول الواجهة الأمامية له و كان المنزل ذات يوم أبيض اللون , و لكن غبار التراب الأحمر قد علاه ممتزجاً بالأقذار , و كان ثمة صف من أشجار مطاط تسبغ شيئاً من الظل عليه و تصد عنه الريح من ناحية الغرب , وكانت أوراقها الخضراء الفضية تعبث بها نسائم العصاري .
    سألته و هي تشير إلى مجموعة من الأبنية خلف المنزل تنتشر في الأنحاء كقرية صغيرة , وبقربها مخزن كبير للغلال :" و ما تلك الأبنية الأخرى ؟"
    أجاب :" البعض منها مساكن العمال . و هناك مخزن لطعام الجياد و حظائر للماشية , وعدة سقائف لآليات المنزل . ظننتك تعرفين تربية المواشي ."
    قالت :" لقد عملت في مؤسسة لتربية المواشي , و لكنني كنت أعيش في مدينة تقع في وسط منطقة ريفية تضم مزارع الماشية , ولكنني لم أسكن قط في مزرعة ."
    0

  11. #10530
    عندما أوقف الشاحنة أمام الباب الخلفي , استدار إليها قائلاً :" أهلاً بك في مزرعة راوستين , يا سيدة دوغلاس , ودعينا نحن الاثنين نأمل في التوفيق ." فابتسمت و هي تسمعه يناديها باسم السيدة دوغلاس , وتاهت عيناها بعيداً . ولكن الإبتسامة ما لبثت أن تلاشت و هي تواجه منزلها الجديد . حتى تأثير الجاذبية التي شعرت بها قرب ألبرت تلاشت و هي تدرك أخيراً هول ما أقدمت عليه . إنها في كاليفورنيا , لم تتردد و هي تحزم أمرها . لقد درست كل الخيارات التي أمامها , و تفحصت كافة النواحي . لم تكن وصية كاثرين متوقعة قط , و لكنها كانت واضحة و هي تترك نصف أملاكها الواسعة لستيفاني بشرط أن تتزوج من حفيد أخيها في خلال سنة واحدة , و كانت ستيفاني بحاجة ماسة إلى المال لمتابعة علاج جدتها . فألزمت نفسها بذلك , محرقة الجسور خلفها . فنجاح ذلك الآن موقوف عليها . فهي الآن , مثلها مثل ألبرت , تأمل في التوفيق . قال لها برقة و هو يرى خوفها و ترددها : " تفضلي , إنهم جميعاً في الداخل ." و لم تكن تتوقع هذا التفهم و تلك الرقة منه , فسرها ذلك . سار أمامها مجتازاً المطبخ الذي أدهشتها نظافته , وهذا ما لم تكن تتوقعه بالنظر لإدارة الرجال له , فلم يكن على الأرض أي كساء , ولا ستائر على النوافذ و لا غطاء على المائدة أو أي شيء آخر يضفي حيوية على المكان .
    و سمعت صوتاً يقول :" لقد كدت تتأخر عن العودة . هل تأخرت طائرة برينس ؟" فنظرت لترى رجلاً في أواخر الستينات من عمره يدخل المطبخ , وعندما رأى ستيفاني قطب حاجبيه وهو يجيل فيها بصره يقيّمها و قد بدا التفكير في عينيه السوداوين . و كانت بين ذراعيه طفلة في ثياب قذرة . وقعت عينا ستيفاني على الفور على سارة . وخفق قلبها لم تكن هذه صورة كاملة للطفلة كما تصورتها . لقد كان شعر الطفلة البني قصيراً كشعر الغلام . وكانت ساقاها السمراوان و قدماها العاريتان مدلاة و هي تحدق في ستيفاني بعينيها الكبيرتين البنيتين , و كانت تتشبث بالرجل العجوز و كأنه حبل النجاة .
    قال ألبرت :" أقدم لك ستيفاني يا جدي . لقد تزوجنا عصر اليوم و هذا سبب تأخرنا في الوصول إلى هنا ."
    و كانت لهجته , وهو يتحدث عادية ولكنه كان ينظر إلى جدّه بعينين ضيقتين و كأنه يريد أن يرى تأثير كلامه عليه . هز الرجل العجوز رأسه ثم استدار إلى ألبرت قائلاً :" إنك مغفل , يا فتى . إنّ هذه لن تبقى هنا أبداً . إنها أكثر أنوثة و طيشاً من أن يعجبها مكان كهذا فهي سترحل بعد أقل من شهر . إنني لا أدري لكاذا شئت أن تتزوج أجنبية . على كل حال , و إذا كنت تسألني رأيي , فهو أن كل هذا يبدو لي حماقة بالغة."
    فهتف به ِ ألبرت محذراً :" جدّي ." بينما لاذت ستيفاني بزوجها غريزياً . لقد كانت قوة شخصيته من ذلك النوع الذي يمكنها الركون إليها , بينما تابع هو قائلاً :" لقد سبق و تباحثنا في كل هذا . و ستيفاني هي الآن زوجتي , فتذكر ذلك ."
    أجاب الرجل العجوز متذمراً :" إنها سترحل قبل أن ينتهي الشهر ."
    كان بنفس طول حفيده , ولكنه أثقل جسماً . وكان يبدو أنه يتحلى بشيء من قوة ألبرت ما جعله يبدو رجلاً منيعاً. أجابه ألبرت بصوت بدا في ذلك الصمت , واضحاً حازماً بينما تعلقت نظراته الهادئة بنظرات جدّه , أجاب قائلاً :" إنها لن ترحل إلى أيّ مكان ." فتردد الجد لحظة و هو يتبادل النظر مع حفيده , ثم استدار إلى ستيفاني قائلاً بحقد :" مرحباً بك ِ في مزرعة راوستين , يا سيدة دوغلاس ." ثم مد يده لها متابعاً :" إنني جون دوغلاس . جد ألبرت . ويمكنك أن تدعيني جدّك ِ أيضاً إذا شئتِ طالما أنت ِ هنا ."
    فقال ألبرت :" إنها بالطبع ستدعوك جدّي , فقد أصبحت الآن من الأسرة ." و عندما أخذت ستيفاني تنقل النظر بينهما , أدركت كيف سيكون منظر ألبرت عندما تتقدم به ِ السن . طويل القامة , بادي الكبرياء , مازالت القوة ظاهرة في عضلاته و صوته . لقد كان جون دوغلاس رجلاً خشناً و تمنت أن لا يحكم عليها بالرعونة لمجرد مظهرها . وقالت و هي تبتسم بخجل للطفلة :" و لابد أنّ هذه هي سارة ."
    فأجاب الجد :" لا يمكن أن يكون لدينا طفلان , فهذه وحدها تكفي لإرهاقنا جميعاً ." و تابع مخاطباً الطفلة و قد رقـّت أساريره على الفور :" قولي مساء الخير للسيدة الجميلة يا حلوتي ." لقد كان حبه لحفيدته جلياً فسألته ستيفاني و هي تمد ذراعيها للطفلة :" هل ستسمح هي لي بأن أحملها ؟ " فمالت الطفلة نحوها و قد بدا الجِِد على وجهها وأخذت تتفحصها بإمعان بعينين متسعتين . فقال ألبرت :" كلا " ولكن بعد فوات الأوان , إذ أنّ الطفلة كانت احتضنت ستيفاني و لفت ساقيها القذرتين حول وركيها . فاستدارت نحو ألبرت تحدق فيه متسائلة . هل كان عليها أن تتمهل في التعرف إلى الطفلة؟
    ولكنه قال موضحاً :" إنها ستوسخ ملابسك ." فشدّدت من احتضان الطفلة و هي تقول :" إنّ الملابس ستغسل . إنها طفلة رائعة ." هنا حدث لستيفاني شيء غير متوقع . لقد وقعت في غرام الطفلة . وعندما أخذت تتفرس في تلك العينين الواسعتين المحدقتين فيها , خفق قلبها حباً وبهجة لاستلامها هذه الطفلة الغالية , لقد تبددت الآن كل شكوكها و اضطرابها . إنها كانت على صواب في مجيئها إلى استراليا و الزواج من ألبرت دوغلاس . وهي ستكون أماً صالحة لهذه الصغيرة . و عندما أخذت تسترق النظر إلى عريسها من تحت أهدابها , تساءلت عما إذا كانت ستصبح زوجة صالحة كذلك .
    و كان هو يحدق فيها , وساد التوتر بينهما مرة أخرى ولم تستطع هي أن تبعد نظراتها عنه , فقد كانت القوة الكامنة في عينيه تسمّرانها . و أخيراً , تركها ألبرت و تحول خارجاً ليحضر أمتعتها . فكادت تتنهد بارتياح وهي تفكر في أن من الأفضل لها أن تتعود على تمالك نفسها في حضوره.وعندما عاد بعد لحظات حاملاً الحقائب , قال لها :" تعالي معي إلى الطابق الأعلى لأريك غرفة نومك . هل ستعد أنت الطعام هذه الليلة يا جدّي ؟"
    فأجاب الجد :" طبعاً ,كالعادة . فأنا سأمنح ستيفاني يوماً أو يومين لكي تستقر." و نظر إليها يسألها بخشونة :" إنك تحسنين الطبخ , أليس كذلك ؟"
    فأومأت برأسها و استدارت تتبع ألبرت , فقد ابتدأت تشعر بالقهر . لقد كانت متوقعة أن تقتصر علاقتها على ألبرت وسارة , دون هذا الرجل العجوز الذي أبدى بوضوح كراهيته لوجودها هنا . و اجتاز ألبرت القاعة المظلمة بخطواته الواسعة المتكاسلة و هو يحمل حقائبها الثقيلة دون جهد و كأنها خالية . وعند أسفل السلم , توقفت لكي تتقدمه وعند القمة وقفت مترددة فقال :" من هنا " و دفع باباً إلى اليمين ثم دخل يضع الحقائب بجانب سرير فردي . وتبعته هي و عيناها تجولان في أنحاء الغرفة التي كانت بسيطة عادية . وكان على السرير ملاءات و بطانيات دون غطاء , ولم تكن على النوافذ ستائر . وإلى جانب الجدار قامت خزنة ذات أدراج . و كان هذا كل شيء حتى ولا منضدة صغيرة عليها مصباح للقراءة . و عندما أخذت تنظر إلى كل هذا بذعر , قال لها :" إن غرفة سارة بجانبك غرفتك , وغرفة جدّي إلى الخلف منها . أما غرفتي فآخر القاعة . الحمام هو الثاني إلى اليسار ."
    فقالت بمرح :" هذا رائع ."
    فجال ببصره في أنحاء الغرفة و كأنه يراها للمرة الأولى , ثم قال :" ربما ترغبين في إضافة بعض الأشياء إليها ."
    فأومأت برأسها لا تريد أن تجرح مشاعره بقولها إنّ الغرفة بحاجة إلى إضافة الكثير .
    و تردد و كأنه يريد أن يقول شيئاً , ولكنه ما لبث أن هز كتفيه ثم سار نحو الباب و هو يقول :" إن العشاء الساعة السادسة و النصف . و ستكونين قد ارتحت حتى ذلك الحين , و غداً تبدأين بإعداد وجبات الطعام بنفسك ." بقيت ستيفاني واقفة مكانها تستمع إلى وقع خطواته تبتعد نازلاً السلم ليدخل بعد ذلك المطبخ ثم ساد السكون .وكانت الطفلة تحدق فيها دون أن تفوه بكلمة . فسألتها :" هل تريدين أن تتفرجي عليّ و أنا أفرغ أمتعتي ؟" و كوفئت على هذا بابتسامة من الطفلة وإيماءة وعندما انتهت ستيفاني من إفراغ أمتعتها , وغسل جسد سارة , كان الإرهاق قد استولى عليها , ولم تجد ملابس كثيرة للطفلة . وهكذا ألبستها قميصاً مقفولاً نظيفاً أنيقة . ما جعلها تبدو نظيفة أنيقة . و من ثم استلقت عل سريرها و قد هدها التعب من التوتر المتواصل و الأحداث المرهقة التي مرت بها هذا النهار , آخذة الطفلة معها على نفس السرير , مصممة على الراحة لعدة دقائق قبل أن تبدأ بالتفرج على المنزل . و أغمضت عينيها و هي تسمع حفيف أوراق الشجر من خلال النافذة المفتوحة و شاعرة بالنسائم العطرة الدافئة تلامس بشرتها ما منحها شعوراً بالأمن و الهدوء . و هتفت بها صوت يناديها :" ستيفاني " بينما أخذت يد خشنة تزيح عن وجنتها خصلات شعرها . وعاد الصوت خفيضاً رقيقاً يتسلل إلى أعماق نفسها عاد يقول :" استيقظي يا ستيفاني . لقد حان وقت الطعام." وفتحت ستيفاني عينيها ببطء . كان منحنياً عليها , مقترباً بوجهه من وجهها و عيناه الفضيتان تراقبان عينيها وهما تنفتحان .
    وعاد يقول :" استيقظي " و كان يبتسم بكسل وهو ينظر إليها . فحدّقت في وجهه و شعره الأسود الذي يسرّحه إلى الخلف , منسدلاً إلى ياقة قميصه . و همست تسأله :" أتراني تأخرت ؟"
    إنه وقت العشاء . لقد جئت قبل الآن و أخذت سارة من جانبك , وهي الآن معنا في الطابق الأسفل , وقد أعدّ جدّي كل شيء ."
    قالت :" سألحق بك على الفور ."
    أومأ برأسه بخفة و هو يتحول خارجاً من الباب و هو يقول :" إننا بانتظارك"
    عندما دخلت ستيفاني المطبخ بعد ذلك بدقائق , وكان جون و سارة جالسين إلى ناحية من المائدة , وألبرت إلى الناحية الأخرى . وعندما رآها , جذب كرسياً بجانبه لتجلس عليه , و بينما أخذت تأكل بهدوء كان الرجلان يتحدثان في شؤون المزرعة , فكان ألبرت يلقي بالأسئلة فيجيبه الجد . وتملكها السرور لما كانت تسمع . فقد كانت تعرف شيئاً ما ساعدها على تفهم ما يقولون .
    سألها ألبرت فجأة مغيراً الموضوع ليوجه اهتمامه إلى عروسه :" هل أفرغت أمتعتك ؟"
    فأومأت برأسها , فعاد يسأل :" و هل وجدت كل ما تحتاجينه ؟"
    أجابت :" نعم , ما عدا ملابس لسارة ." فنظر إلى الطفلة , ثم عاد ينظر إلى ستيفاني قائلاً :" و لكنها ترتدي قميصاً نظيفاً . لا بد أنك وجدت ثيابها ."
    فقالت :" لم أجد في الأدراج سوى قمصان , فأين بقية ثيابها ؟"
    أجاب :" لقد ضاقت عليها ثيابها التي كانت أمها قد اشترتها لها . فعدت أنا و اشتريت لها هذه القمصان , فالجو حار هنا "
    فتمتمت قائلة :" ربما . و لكنني سأشتري لها بعض الأشياء من المدينة ." لم تكن تريد أن تهين عريسها , ولكن الطفلة تحتاج لأكثر من مجرد قمصان قطنية .
    فقال الجد :" ربما . كان عليكما أن تنتظرا قليلاً قبل عقد القران . فهي لم تمض ِ بعد خمس ساعات و تراها قد ابتدأت تتحدث عن الذهاب إلى المدينة . إنني أؤكد لك يا ألبرت بأنها لن تبقى هنا . لقد كانت رغبة كاثرين غاية في الحماقة , والأسوأ من ذلك إتباعك لهذه الوصية . ولكن حضور فتاة جميلة كهذه كفيل بأن يجعل خطتك مستحيلة . كنت أظنك أخذت درساً من قبل . إنها لن تستمر معك ."
    و لم تستطع ستيفاني تجاهل هذا الكلام الذي يدور حولها . كيف يجرؤ على التحدث عنها إلى ألبرت و كأنها غير موجودة ؟ و تذكرت كلاماً كان سبق و قاله لها من قبل أتراه يكرره مرة أخرى أمام جدّه؟
    قالت له :" أظنك قلت أن اتفاقيتنا هذه ستدوم إلى أن يموت أحدنا ."
    فأجاب بملامح سادها الجمود :" نعم . لقد قلت هذا . إننا الآن متزوجان و سنستمر كذلك ." وكان غضبه موجهاً إلى جده .
    فتمتم الجد :" يا لك من أحمق."
    0

  12. #10531
    فقال له ألبرت و قد اشتد غضبه :" إنني لا أريد نصائح في هذا الشأن , يا جدّي . لقد أقمنا , أنا و ستيفاني , عهداً بيننا , و أنا أتوقع أن تحافظ عليه نحن الإثنين ."
    فانفجر الجد بغضب مماثل و هو يرد على حفيده قائلاً :" حسناً , ربما من الأفضل لك أن تستمع إلى نصيحة من هو أكثر حكمة منك . إنّ أمك لم تكد تكمل الخمس سنوات مع أبيك . وكلير مكثت أقل من سنتين . فماذا ستظن هذه الشابة الصغيرة ستفعل و هي التي لم تتزوجك إلا لأجل المال , فإذا هي حصلت عليه , فلن يبقى ما يربطها هنا ؟"
    فقال ألبرت :" إننا ندرك ما نفعل . فستيفاني متفهمة تماماً للوضع الذي ألقت بنفسها فيه إنّ زواج المصلحة هو كإتفاقية عمل و ربما أكثر ملاءمة لنوع حياتنا هنا "
    كانت ستيفاني تحس بموجات غضبه , ومع ذلك كانت تدرك أنّه يحاول كبته . كان كلامه صحيحاً , فليس بينهما أي حب , فقد كان تأمر لا يعدو زواج مصلحة . و خطر لها لحظة عما سيكون عليه الحال لو أنّ ألبرت وقع في حبها . كان واضحاً أنّه رجل قوي المشاعر , فبإمكانها أن تشعر بالغضب يغلي في داخله , فماذا لو أنّه أحبها بنفس القوة ؟ ولكن....إنّها لن تعرض نفسها لمثل ما سبق و تعرضت له من آلام . كلا . ولا هي تريد الركض خلف السراب الذي تبعته أمها من قبل .
    فقال الجّد بحدّة :" إنّك لا تعرفها ."
    فانفجرت فيه ستيفاني و قد تعبت من معاملتها لها و كأنها غير موجودة , انفجرت تقول :" و كذلك أنتَ لا تعرفني ولا أنا أعرف ألبرت . ولكنني وثقت بكلامه عندما قال إنّ هذا المشروع سينجح . ما الذي ينبغي أن يتضمن هذا الزواج ؟ الحب؟ ذلك شعور يعطي أهمية أكثر مما يستحق , وهو غير دائم . إنني أعلم ذلك ...فأمي أحبت أكثر من عشر مرات . و تزوجت سبع مرات لم يدم واحد منها . إنّك تظن أنّ لا طاقة لي على البقاء هنا ...حسناً إنني لا أعرف الكثير عن رأي الرجال في الحب عدا أنّهم يستعملون كل الأساليب لاصطياد المرأة , ثم يتركونها تنزف ........(أنا موافقة على هذا الكلام تماماً )
    فانفجر الجد بدوره قائلاً :" إنّ زوجتي روز , كانت تعشق المزرعة , وساعدتني على بنائها . لقد كان حبنا رائعا . و لكنها ماتت شابة عندما كان والد ألبرت صبياً . إنني لم أشأ أن أتزوج بعدها قط . أما زوجة ابني إدي , فلم تستطع متابعة الحياة في المزرعة , فهجرتنا بعد سنوات قليلة . ولم يكن حظ إدي ابنها أفضل , إذ أن زوجته كلير لم تكمل السنتين."
    فأضاف ألبرت :" وكانت تشكو طوال الوقت ."
    فقالت :" ولكنني لست والدة ألبرت ولا كلير .إنني ستيفاني وأنا باقية هنا ."
    فقال و هو ينظر إليها بحزن :" حسناً سنرى " و كانت هي ترتجف لعنف المشاعر التي كان جو العشاء مشحوناً به . هل ستمر عليهم وجبات العشاء دوماً بهذا الشكل ؟ أم أنّ هذا عشاء خاص احتفالاً بقدومها ؟
    عندما ترك الرجل العجوز الغرفة , قال لها ألبرت :" لا تغضبي من جدّي , فهو مازال متألماً مما جرى لإدي."
    أومأت برأسها و قد انتابها خيبة الأمل لهذا الاستقبال الذي قوبلت به . ولكنها مازالت على تصميمها على متابع المسير في هذه الحياة الجديدة . وعلى كل حال فهي لن تدع موقف الجد منها ينال من عزيمتها . لقد سبق و أخذت على نفسها عهداً بالبقاء مع ألبرت طيلة حياتها . وهي ستتمسك بعهدها هذا مهما كان الثمن و مهما كانت الاستفزازات من حولها . إنها لن تكون مثل أمها و لا مثل أمها و لا مثل كلير أو والدة ألبرت كان هذا هو قرارها النهائي .
    خلال اليومين التاليين , كانت ستيفاني قد أتمت استكشاف نواحي المنزل كافة , و كانت تعتني بالطفلة و تعد وجبات الطعام . و كان ألبرت يذهب إلى العمل منذ الصباح ليعود وقت العشاء . و في غيابه , كانت تنسى تقريباً , تلك التيارات الخفية التي كانت تتجاذبها عندما يكونان معاً , ولكنه عندما يجلس إلى المائدة و ينظر إليها , يصبح من الصعب عليها تجاهلها .
    و لتصرف ذهنها عن ازدياد تأثير ألبرت عليها , انغمرت في وضع الخطط لكي تجعل من المنزل بيتاً مناسباً لهم جميعاً . ذلك أنه لم يكن ثمة أثر لذوق المرأة في مختلف أنحاء البيت . فقد كانت الستائر في غرفة الجلوس قديمة حائلة اللون و كانت الغرف مفروشة بأقل ما يمكن من الأثاث . فلم تكن هناك لوحات معلقة على الجدران , و لا تحف تضفي جمالاً على المناضد . كانت الكتب ملقاة في كل مكان و كأن الرجال كانوا يقرؤونها ثم يلقون بها كيفما اتفق . ألم تقم كلير بشيء في سبيل اصلاح مظهر البيت هذا؟ أم أنهم محو كل أثار وجودها ؟ و ملأت خطط تحسين المنزل و تزيينه , و تزويده بكل وسائل الراحة , ملأ ذلك كل وقتها . كانت في كل لحظة , تزداد معرفتها بالطفلة . وكانت سارة تتبعها في كل مكان , وعندما كانت هي تعد وجبات الطعام , كانت الطفلة تجلس على كرسي بجانبها لتساعدها !و عندما كانت ستيفاني تنظف الغرف , كانت هي تحاول مسح الغبار . و كانت مغرمة , على الأخص بالاغتسال , فكانت تجلس في الحوض فكانت تجلس في الحوض تتخبط في الماء ترشّه و تنثره حولها فتبلل به كل ما يصل إليه .
    ووجدت ستيفاني منضدة صغيرة نقلتها إلى غرفتها حيث وضعتها بجانب سريرها . و لكن لم يكن هناك مصباح . و لو استطاعت الذهاب إلى المدينة لاشترت واحداً . و كانت أيضاً تريد أن تشتري بعض الملابس لسارة لتدلل هذه السن . وكانت تريد أن تشتري لها بعض الألعاب كذلك .
    كان عليها أن تسأل ألبرت عن إمكانية ذهابها إلى المدينة , و لكنها كانت حذرة من ناحية الجد جون , لا تريد أن تعطيه سبباً للتذمر منها مرة أخرى . ولكنها أثناء اليوميين اللذين أمضتهما هنا , لم تكن ترى ألبرت إلا أثناء تناول الطعام . و عندما ينتهي العشاء , كان يذهب مع جده إلى المكتب فيتحدثان في شؤون العمل إلى ما بعد ذهابها إلى الفراش بوقت طويل .
    وأدركت ستيفاني أن الوقت الوحيد الذي بإمكانها أن تنفرد به لتسأله عن ذلك هو في الليل بعد أن يذهب جون إلى غرفته.
    0

  13. #10532
    0

  14. #10533
    asianasianasianasianهلا وغلا ومسهلا بنسوكة الحلوة ياوردة الجوري كمان قرتها زمان مثل جين واحب قرئتها معك ياقمر منتظريم التكملة ودمتي في احلا صباح ياوردة ورديه ودمتي لي في قلبي سكنة
    0

  15. #10534
    الفصل الثالث

    انتظرت ستيفاني تلك الليلة متحنية الفرصة , إلى أن سمعت ألبرت يغلق باب غرفته , ولم تضيع وقتاً , فاجتازت القاعة نحو غرفته ثم نقرت الباب بخفة . فتح الباب و نظر إليها بدهشة , وكان قد ابتدأ يستعد للنوم . قال : "ستيفاني ؟؟!"
    فقالت :"هل يمكنني التحدث إليك ؟"
    أجابها :" طبعاً " دخلت إلى غرفته و أغلق هو الباب خلفها . وتوقفت لحظة لا تستطيع مواجهة نظراته , محاولة جهدها تمالك نفسها , وهي تنظر في أنحاء غرفته بفضول . كانت قليلة الأثاث مثل غرفتها تقريباً , ولكن السرير كان ضخماً , كما كان هناك مصباح بجانب سريره , ورأت خلف السرير باباً يقود إلى حمام خاص .
    قال :" إنني لم أتوقع حضورك , ليس بهذه السرعة على كل حال ."
    سألته :" تتوقع حضوري ؟" و لم تفهم ما يعني بقوله هذا فقال و هو ينظر إليها و قد بان عليه الشعور بالرضى :" لم أكن أتوقعك في غرفتي بهذه السرعة ."
    انتابها الذهول . كلا لم يكن هذا سبب حضورها . نظر إليها بحيرة , بينما كانت تقول :"إنك مجنون ,إذ لا يمكنني أن أشاركك غرفتك , فأنا لا أكاد أعرفك . إنه لم يمض ِ عليّ يومان هنا ." كانت تهذي كالأطفال و لكنها لم تكن تدرك ما كانت تقول . لم تكن واثقة من مشاعرها , ولكن هذه المشاعر قد أفلتت من عقالها . ها إنّه يظن أنّها جاءت لتشاركه غرفته . وهي ترغب في ذلك فعلاً , ولكن هذا لا ينبغي أن لا يكون . إنّها لا تستطيع , وهزت رأسها قائلة :" إنّ هذا ليس جزءاً من اتفاقيتنا ......إنّ لدينا اتفاقية عمل و هي فقط لتنفيذ شروط الوصية ." إنّها لم تفكر قط في ما عنى به . ما أشد ّ حماقتها . أما هو , فقد تغيرت أساريره على الفور . فحل الضيق في عينيه و الخشونة مكان الدفء و الرقة , وتوترت شفتاه و تقبضت يداه على جانبيه بعنف ثم قال :" إنّ هذا شيء طبيعي بين الزوج و زوجته ."
    فسألته و قد شعرت بصدمة لكلماته تلك :" و ماذا عن الحب ؟" أجاب :" إننا نحن الاثنين لا نثق به و ما يربط بيننا هو الإلتزام . فماذا تريدين أكثر من هذا ؟
    فهتفت بدهشة :" أكثر من هذا بكثير ." إنّها لم تتوقع أن يجذبها ألبرت إلى هذا الحد.
    سألها :" ولماذا جئت إلى هنا إذن ؟"
    أجابت :" جئت لأرى إن كان بإمكاني أن أذهب غداً إلى المدينة لأشتري بعض الحاجات . وكنت قد سبق و قلت لي إن بإمكاني أن أستعمل السيارة . ليس لديّ حتى مصباح بجانب سريري إذا شئت أن أقرأ . كما أنّ سارة لا يمكن أن ترتدي قمصاناً قطنية طيلة حياتها ." كانت تتكلم و هي ما تزال مستندة إلى الباب خوفاً من ألا تحملها ساقاها إذا هي ابتعدت عنه . وكانت عيناها ماتزالان مشتبكتين بعينيه .
    و عندما أدركت أنّه يفكر في ما سبق و قاله جده , رفعت ذقنها قائلة :" إنني واثقة من أنّك لن تطردني بعد أن وضعت يدك على حصتك من الإرث . وأظن أنّ عليك أن تبدأ بالثقة بي و في أنني لن أهجرك كما فعلت كلير ." كانت تتحدث بحدة أكثر من اللزوم , و ربما كان ذلك نتيجة تدفق مشاعرها , أو لعله تغطية منها للوحشة التي استشعرتها لانفصالها عنه . و استدار هو متجهاً نحو الخزانة حيث تناول عن الرف سلسلة مفاتيح ألقاها إليها و هو يقول :" هاك مفاتيح السيارة اللاندروفر وهي تحت السقيفة بجانب مخزن الغلال . إنّها لك ِ . وعندما تأتين إلى غرفتي في المرة القادمة كوني مستعدة للبقاء ."
    فهمست شاكرة , و قبل أن تفر هاربة إلى حيث الأمان في غرفتها , قال و عيناه تتأملانها :" إنّك ِ امرأة جميلة يا ستيفاني , و الرجل عليه أن يكون زاهداً أو معقداً لكي يستطيع الإمتناع عن الافتتان بك ِ , وأنا لا أنوي الانتظار طويلاً قبل أن أتمم زواجنا ."
    فصدرت عنها شهقة سريعة , استدارت بعدها هاربة من الغرفة . و مرت فترة طويلة قبل أن تستغرق في النوم , فقد كانت تعيد إلى ذاكرتها مرة , ذكرى كلامه و نظراته ....لقد تأكدت الآن من أنّه على الأقل , كان منجذباً إليها بقدر ما كانت هي منجذبة إليه . ولكن , هل كان كل شعوره نحوها هو كما عبر عنه (إنّ هذا شيء طبيعي بين الزوج و زوجته ) ؟
    إنّها لا تستطيع ذلك مع رجل لا تحبه . ولكنه كان على حق , فهي لا تثق بالحب , فما هي نتيجة كل هذا ؟
    و في صباح اليوم التالي لم تكن تركز على الطريق رغم أنّها التزمت في قيادة السيارة ناحية اليسار لأوّل مرة في حياتها . و كانت سارة جالسة بجانبها في كرسيها تثرثر برقة . لم يكن السير مزدحماً , و كان هذا من حسن الحظ لأن ستيفاني كانت مشتتة الذهن و هي تفكر في ليلة أمس و ألبرت . لم تكن قد توقعت قط هذا التجاوب منها لتقرب رجل إليها لا تكاد تعرفه , كما أنها لا تحبه .و حاولت أن تبعد هذه الصور من ذهنها , و لكن عبثاً . كانت تريد أن تمضي معه وقتاً أكثر و ذلك لكي تعرف كل ما بإمكانها معرفته عن الرجل الذي هو زوجها الآن .
    كانت تريد أن ترضيه بعدة وسائل لكي تصبح , بالنسبة إليه ,شيئاً مميزاً ما يحمله على التعلق بها ويجعله يشعر بالسرور للزواج منها . أتراها وقعت في حبه ؟
    و دفعت هذه الفكرة ذكرياتها عنه من ذهنها . كلا , عليها أن لا تسمح لذلك الشعور المتقلب من التمكن من نفسها . إنها ليست من نوع أمها التي كانت تدعي في كل مرة تعثر فيها على شخص جديد , إنها لن تسمح مرة أخرى لنفسها بأن تكتوي بنار الألم الذي عانته عندما علمت بأن مايكل لم يكن يحبها , وإنّما كان يتسلى بها فقط . إنها تشعر بالإعجاب حقاً بألبرت و الاحترام له و كذلك المودة , وربما سمحت لنفسها بتقبل اقترابه منها , ولكن كل ذلك ما هو إلّا أحاسيس خارجية , فهي لن تدع نفسها أبداً تقع في الحب .
    كذلك لن تفكر فيه بعد الآن , فلديها قائمة بالأشياء التي عليها شراؤها من المدينة . كانت قد قررت بأن تسرع في شراء حاجياتها و ترجع إلى مزرعة راوستين , فهي لم تخبر الجد جون بمكان ذهابها , ولهذا لن تدع نفسها تتأخر فيفوتها موعد إعداد العشاء . لم تكن تشعر بالإرتياح من ناحية جون و كانت تريد أن تتجنبه قدر المستطاع . فهو ما زال يظهر تذمره لزواج ألبرت منها . فإذا كان يحاول أن يبعدها عنهم , فهو إذن يسير في الطريق الخطأ , إذ في كل مرة يدلي بتعليق ما , يجعلها هذا أكثر تمسكاً بالبقاء , ولو لتغيظه.
    ولم يعد ألبرت إلى التصدي لتعليقات جدّه كما سبق و فعل في أوّل ليلة لها . ولكن ستيفاني لم يعد ألبرت إلى التصدي لتعليقات جدّه كما سبق و فعل في أول ليلة لها . و لكن ستيفاني لم تعد بحاجة إليه ليدافع عنها , فقد كانت مسرورة للصفقة التي عقدت بينهما . ولكن , هل كان ذلك ليحصل لو لم يحدث بينهما الليلة الماضية ما حدث ؟ و ارتجفت وهي تتذكر الإعجاب في عينيه , والحزم في فكه . لقد كانت تظن أنها أحبت مايكل , ولكن رقته معها لم تكن تؤثر بها كما هو الحال مع ألبرت . كما أنها لم تكن تشعر بالشوق إلى الإستزادة من مشاعرها تلك و هي مع مايكل , كما رأت نفسها مع ألبرت . إنه يرغب بها . وهي السبب في أنهما مازالا منفصلين .فإذا تكرر معهما ما حدث , فهناك خطر حقيقي في أن اللهب سيحرقها و يدفعها إلى الاستسلام , فمن الأفضل لها إذن أن تبقى بعيدة عنه.
    0

  16. #10535
    ولاح لها سطح المتجر المعدني عن بعد والذي هو أعلى بناية في مدينة أديلايد تلك . و عندما سارت فوق جسر خشبي ضيق يمتد فوق معدية جافة . ابتدأت تشعر بالعصبية مرة أخرى . فهي لم تكن قد تعرفت إلى أحد في المدينة ما عدا رجل الدين الذي عقد زواجهما , ومساعديه الذين كانوا شهوداً على ذلك . وكانت أديلايد مجتمعاً صغيراً , ولا بد أن كل شخص فيها الآن قد علم أن ألبرت دوغلاس قد تزوج من أجنبية . أتراهم علموا أنهما تزوجا بالمراسلة ؟ و شعرت فجأة بأنه كان عليها أن تناقش هذا الأمر مع ألبرت فهي لا تريد أن تتفوه بمعلومات خاطئة .
    وهكذا , ونتيجة لعدم تأكدها مما عليها أن تقول أو تتصرف , أبقت نفسها بمعزل عن الصداقة التي أبداها نحوها بعض موظفي المتجر . فقد تصرفت معهم بأدب جم إنما بغاية من التحفظ الذي لم يشجعهم على إلقاء أية أسئلة و لكنها لم تستطع مواجهة فضول موظف البريد بنفس السهولة . إلا أنها توخت الغموض في أجوبتها , ثم تركت المكان محملة بكومة من المراسلات للمزرعة , ورسالة صغيرة من جدتها . لقد كانت بحاجة إلى أن تعرف من ألبرت بالضبط ما يريدها أن تخبر به الناس , قبل أن تغامر مرة أخرى . كانت تحزم سارة في كرسيها بالسيارة عندما اقترب منها رجل طويل القامة يرتدي ملابس الشرطة وهو يقول : " أظنك السيدة دوغلاس "
    فأجابت بأدب , متسائلة عما إذا كانت قد أوقفت سيارتها في المكان الخطأ :" نعم " فقال :" إن اسمي هو ستيفن كاسيدي و أنا من أصدقاء ألبرت . أهلاً بك في مدينة أديلايد ."
    فقالت :" أهلاً بك يا سيد كاسيدي . كيف عرفت من أنا ؟" و أثر فيها كونه صديقاً لألبرت و تقدمه إليها معرفاً عن نفسه . وكان في مثل طول زوجها إنما أقل قوة و متانة بنية .و كان شعره خفيفاً بني اللون بنفس لون عينيه , كما أنّ بشرته لم تكن بمثل اسمرار بشرة ألبرت .
    أجاب :" إنّ الأخبار سرعان ما تنتشر هنا بسرعة . هل لديك وقت لتناول فنجان قهوة معي ؟"
    أجابت :" شكراً , ليس اليوم . فأنا أريد أن أصل بسارة إلى البيت قبل أن تتضايق ."
    فقال :" إذن فلندع هذا إلى المرة القادمة عندما تكونين في المدينة . أخبري ألبرت أنني سأعرج عليكم للزيارة ذات أمسية ." و حياها بلطف , ثم تحول نحو الرصيف .
    كان تصرف سارة رائعاً ما جعل ستيفاني في غاية السرور لسهولة اصطحابها معها . ولعدم وجود ما تلهو به في المنزل , فقد اشترت لها دمية من قماش و مجموعة من قطع البناء البلاستيكية , فكانت الطفلة تلعب بالدمية طيلة الطريق , ملوحة بها حولها , ممسكة إياها من شعرها و بالإجمال , فقد كانت ستيفاني مسرورة من هذه الرحلة . وعندما وصلت إلى المنزل , كان الجد يعمل في مكتبه فناولته مجموعة الرسائل التي أحضرتها من مكتب البريد دون أن تتفوه بكلمة , ثم صعدت بأكياس مشترياتها إلى غرفتها مارة بباب مكتبه المفتوح . فنظر إليها متأملاً الأكياس و الصناديق التي كانت تسرع بها صاعدة السلم . أخذت ستيفاني سارة معها إلى غرفتها الصغيرة و مضت تتحدث إليهما بينما كانت تخرج الثياب التي اشترتها لها :" ستبدين حلوة جداً في هذا الثوب الأصفر . ألن يدهش ألبرت و جدّك لذلك أثناء العشاء ؟ هنا يمكنك أن تلعبي بهذه الأحجار يا حلوتي ." و ضحكت ستيفاني و هي ترى الطفلة تندفع نحو الأحجار .
    أخذت كارولين تتأمل الستائر التي كانت قد اشترتها و شعرت بلهفة لتعليقها , ولكن لم يكن في إمكانها ذلك دون عون من ألبرت فلم يكن هناك قضبان في مكان تعليق الستائر و لم تكن هي تدري شيئاً عن مكان وجودها . لقد اشترت كل ما تحتاجه للغرفة و ما عليه هو إلاّ أن يساعدها في تعليق الستائر , وأخذت تتصور نفسيهما يعملان معاً , و يتحدثان و يتعرف الواحد منهما إلى الآخر بشكل أكثر شمولاً , و يتصرفان كزوجين حقيقيين .
    بعد أن مدّت على الأرض الأبسطة المتفرقة ذات الزغب , أخذت تتأمل الغرفة برضى . فقد بدت بما أضافته إليها من ألوان , أفضل كثيراً . كما أنّها اشترت ورق جدران تناسب ألوان الستائر المسدلة بين غرفتها و غرفة سارة , و دهاناً للزخرفة , وبإمكانها أن تقوم بذلك بنفسها.
    حان الوقت لإعداد العشاء . ولم تشأ أن تتأخر كي لا تمنح الجد أية فرصة للتذمر . فحملت سارة و ألعابها الجديدة , وأسرعت نحو المطبخ . و في الساعة السادسة والنصف كانت ترتب مائدة العشاء . وكان الرجلان جالسين إلى المائدة . وضعت طبقاً كبيراً يحوي دجاجاً مقلياً أمام الجد و هي تبتسم , مضيفة طبقاً من البازلاء و البطاطا و الشمندر , ثم جلست بجانب ألبرت و هي تراقبهما بقلق لترى مقدار استحسانهما للطعام .فقد كانت وجبة نموذجية من طعام بلادها . ولكنها منذ وصولها إلى هذا المنزل لم تطبخ سوى لحم البقر . أتراهما سيحبان لحم الدجاج ؟
    ولكن الجد جون قال لها وهو ينظر إلى البنطال الجينز و القميص القطني الخفيف اللذين ترتديهما :" ظننتك سترتدين ثوباً جديداً على العشاء؟"
    فأجابته و قد حيرها ما قال :" لماذا؟ هل ثمة مناسبة خاصة؟"
    فأجاب :" لقد رأيتك في غاية اللهفة إلى ترك المنزل هذا النهار . لقد ذهبت إلى المدينة , أليس كذلك ؟ لم يمض ِ عليك هنا ثلاثة أيام بعد , ثم ترتدين الخروج ؟"
    فأومأت برأسها . لقد ذهبت فعلاً إلى المدينة , ولكن ليس لتشتري أشياء لنفسها ما عدا مصباح و بعض الدهان .
    0

  17. #10536
    أخذ ينظر إليها بعينين ضيقتين و هو يقول :" لقد رأيت كل الأكياس و الصناديق التي اشتريتها , لا بد أنّك اشتريت كل محتويات المتجر ." و نظر إلى ألبرت قائلاً :" إذا هي استمرت على هذه الحال فستجعلك مفلساً في أقرب وقت ."
    قالت بهدوء :" إنني لم أشتر ِ أي ملابس لي بل اشتريت لسارة أشياء قليلة ." و تساءلت كيف لم يلحظ أحد الثوب الجديد الذي كانت سارة ترتديه .
    فقال الجد :" لقد صعدت إلى غرفتك ست مرات على الأقل و أنت ِ محملة بالمشتريات في كل مرة ."
    فقال ألبرت بخشونة :" ألا تكف عن الانتقاد ؟"
    أجاب الجد :" آه منك َ متى ستدرك أنها ليست منا ؟ أنها ستنفق أموالك و تجلب الفقر إليك ثم تهجرك ." فوضعت ستيفاني يدها على ذراع ألبرت تمنعه من الكلام لتجيب عنه قائلة :" لقد اشترت بعض الأشياء لتنظيم غرفتي و غرفة سارة , وذلك من نقودي أنا ."فرد عليها بحدة :" ليس لك الحق بذلك . ماذا جرى أيتها السيدة ؟ ألا يعجبك هذا المنزل ؟"
    فأجاب ألبرت :" إنّ هذا بيتها و هي حرة في تنظيمه كما تشاء , ليس فقط بالنسبة إلى غرفتها و غرفة الطفلة . و يمكنها إذا أرادت تغيير نظام أي غرفة فيه ."
    فقال الجد متحدياً :" إنّه ليس منزلك ."
    فتصلبت أسارير ألبرت , و نظر إلى جدّه بعينين غاضبتين , تاركاً عشاءه , وهو يقول بصوت جامد :" كلا , إنّه ليس منزلي , ولكنه البيت الذي أعيش فيه مع زوجتي . فإذا كنت لا تريد فدعني أعلم أبني منزلاً خاصاَ بي و بها ."
    فساد صمت صاعق . وأمسكت ستيفاني أنفاسها , و هي تنقل نظراتها بين هذين الرجلين القويتين . لم تكن تريد أن تتسبب في أزمة كهذه . ثم إذا بالجد يهز رأسه ببطء قائلاً :" كلا لا أريدك أن تنتقل من هنا ."
    فقال ألبرت :" إنّ بإمكان ستيفاني إذن أن تنظم المنزل كما يروق لها ."
    أجاب الجد :" نعم ."
    قال ألبرت :" إنّ ستيفاني هي زوجتي يا جدّي . و عليك أن تتقبل هذا الواقع . و أنا لن أتحمل بعد الآن أي تدخل أو انتقاد . فإذا لم نستطع العيش معاً هنا بانسجام , فسننتقل من هنا . ولكن سارة ستذهب معنا ." و تسمّرت نظرات ألبرت العنيفة على جده , ولكن لم يتحرك أو يتكلم أحد .
    وتسارعت خفقات قلب ستيفاني لدى سماعها هذه الكلمات . ربما كان زواجهما هذا للمصلحة فقط, ولكن ألبرت كان يحميها , ويقف بجانبها . وابتدأت تعتقد بأنّه لن يتركها أبداً كما فعل أزواج أمها بأمهما ,أو يخونها كما فعل مايكل . و شعرت بالدوار لهذه المشاعر التي فاجأتها . ها هو ذا يقف بجانبها ضده جدّه !! بينما هو لم يعرفها إلا ّ منذ ثلاثة أيام فقط . إنّها لن تنسى هذا أبداً .
    و أخيراً قال الجد مسلّماً بالهزيمة :"إنما لا أريدها أن تقترب من غرفتي أو مكتبي ."
    فأومأت برأسها و هي تنظر في طبقها تكاد تهتف ابتهاجاً للسعادة التي سرت في كيانها . إنّها ستجعل من هذا المنزل بيتاً لائقاً لهم جميعاً , ولكن شيئاً فشيئاً , دون أن يشعر الرجلان بتغيير حياتهما فهي ستضيف الزينة ولمسات الأنوثة لغرفتها و غرفة الطفلة فقط , أمّا الغرف الباقية فستتوخى فيها الراحة , ولكنها ستبقيها على طابعها . و عندما خف التوتر حول المائدة , سألها ألبرت :" ماذا اشتريت اليوم ؟"
    فأخبرته وهي تشرح له ما ستفعله بغرفتها و غرفة سارة , مختتمة حديثها بقولها :" و هكذا سأقوم بكل شيء بنفسي ما عدا الستائر ,إذ ستساعدني أنت بتركيبها ."
    قال :" سنقوم بذلك بعد العشاء ."
    فقال الجد في محاولة للمصالحة :" سآتي للتفرج على ما حدث من تغيير بعد إنجازه .إنّ الطفلة تحتاج إلى بعض الزينة و الزخارف."
    فسرها ذلك منه . كانت تدرك أنّه ليس من السهل بالنسبة إليه أن تحشر نفسها فجأة في حياتهم . و لكنها كانت تأمل في أن يساعد مرور الزمن في شهورهم جميعاً بالانسجام , بعد أن تتعرف على طباع زوجها . لقد زادت معرفتها قليلاً بزوجها الآن عما كانت قبلاً .
    بعد العشاء, أخذت ستيفاني تغسل الأطباق بينما أخذ الجد سارة إلى الخارج لكي يريها الجياد . وجلس ألبرت يتناول قهوته متباطئاً و هو يراقب زوجته أثناء تنظيفها المطبخ . وأحسّت هي بمراقبته لها فأخذت تتباطأ في عملها لتمنع بذلك , أعصابها من التوتر . فقد كانت ذكرى ما حصل بينهما أمس مازالت تداعب خيالها , وإن تكن تفضل لو أنّه ذهب إلى المكتب بدلاً من بقائه هنا محدّقاً فيها . وشعرت بالارتياح عندما صعدا أخيراً إلى غرفة الطفلة .
    سألها و هو يدخل الغرفة حاملاً أدوات العمل بيده فيتصاعد وقع خطواته على الأرض الخشبية :" هل اشتريت كل القطع المعدنية الخاصة بتعليق الستائر ؟"
    أخرجتها من الكيس و هي تقول :" هذا ما أخبرني به البائع في المتجر ."
    وقفت تناوله حبل الستارة , فقال لها و هو يشمل الغرفة بنظراته :" إنّ ما قمت به إلى الآن قد أعجبني في الواقع . إنّ كل طفلة بحاجة إلى امرأة تعتني بها ."
    فشردت نظرات ستيفاني بعيداً ,فقد كانت ذكرى ما حدث بينهما الليلة الماضية تمحو حاضرها هذا حتى أنّها لم تستطع تركيز اهتمامها على ما بين أيديهما . كانت تناوله ما يطلب , فيقوم هو بالعمل بسرعة و كفاءة بالغتين , و في خلال عدة دقائق كانت الستارة معلّقة في مكانها مضيفة بألوانها المشرقة بهجة إلى الغرفة .
    فقالت :" هل تظن هذه الألوان جداً صارخة ؟ إنني أريد شيئاً يدوم إلى أن تبلغ سارة الاثنتي عشرة سنة , عند ذلك بإمكانها أن تختار لنفسها ." فأجاب و عيناه تحومان حول وجهها :" إنّها ليست صارخة و إنّما أنثوية ." فأمسكت أنفاسها وقد ابتدأت خفقات قلبها تتصاعد . لم تستطع الحركة , ولا جذب نظراتها من نظراته , وفجأة , أحست بفيض تلك المشاعر تكتسحها من جديد , و تابع هو قائلاً بلطف :" أنك أنت نفسك أنثى رقيقة ."
    ازدردت ريقها بصعوبة , وهي تكاد ترتجف وقالت بلطف :" أشكرك لدفاعك عني أثناء العشاء ."
    كانت هذه هي الفرصة الوحيدة التي بإمكانها أن تعبر فيها له عن اعترافها بالجميل لمساندته لها .
    قال :" إنّك ِ زوجتي ,وكان ذلك هو رأي تماماً , فإذا لم نكن سعيدين هنا , فسنبني منزلاً لنا نحن الاثنين فقالت : ولكن جدّك ............"
    قاطعها قائلاً :" إنّ جدي مازال متألماً مما أصاب إدي , وهو خائف عليّ . فهو لا يثق كثيراً بالزواج ولا يعتقد أنّ زواجنا سيدوم . إنني عادة أتشبث بما أملك , يا ستيفاني , فإياك ِ أن تظني خلاف ذلك . فأنا لن أدعك تذهبين , حتى و لو توسلت إليّ ." وأمسك بكتفيها بشدّة وهو ينطق بهذا العهد . فهزت رأسها قائلة :" ليس لديّ ما يجعلني أطلب شيئاً كهذا , يا ألبرت . إنني لا أشعر بأنني متزوجة تماماً . كنت أظن شعوري سيكون مختلفاً . ربما لأنّ المنزل كان موجوداً على الدوام و ما أنا إلاّ قادمة جديدة إليه ."
    فقال :" نظميه إذن كما تريدين . كم دفعت لشراء هذه الأشياء ؟ أهي من حصتك في الميراث ؟"
    فأجابت :" كلا ,إنني لم أستلم ذلك بعد . وإنما أحضرت معي بعض المال ."
    فقطب حاجبيه قائلاً :" سأدفع ثمن كل ما تشتريه ."
    قالت :" إنني أفترض أنّ كل ما أملكه هو ملكك ما عدا المال الذي أحتاجه لعلاج جدتي . فلماذا نتخذ لأنفسنا حسابين منفصلين في المصرف ؟"
    نظر في عينيها قائلاً :" لن نفعل ذلك . وإنما في المستقبل حاسبي المتجر في المدينة فإنّ لنا حساباً في كل واحد . أخبريهم فقط أنّك زوجة ألبرت دوغلاس ." قالها بشيء من الغطرسة فابتسمت رغماً عنها . و قالت :" نعم , سأخبرهم بذلك ."
    واندفع الباب مفتوحاً بقوة , ووقف الجد جون في العتبة يحدّق في يد ألبرت الممسكة بيد ستيفاني و في وجهها المتوهج و هو يقول :" ظننت أنّكما جئتما لتعلقا الستارة ."
    فقال ألبرت وهو يطلق يد ستيفاني ثم ينحني ليلتقط القدوم وشريط القياس :" لقد أنجزناه ."
    فقال :" آه , جئت لأخبرك بأنّ ساندي ستقوم بزيارتنا ."
    فرفع ألبرت رأسه بعنف يسأله :" ساندي لامب؟"
    فأجاب الجد :" إنّها تريد أن ترى سارة و تناقش مسألة الحضانة . إنّها تقول أّنّها قادمة بالنيابة عن والديها . إنني متأكّد من أّنّها ستأخذ معها سارة عندما تعود إلى ملبورن ."
    فقال ألبرت :" حسناً , ليس بإمكانها ذلك أبداً . فقد تحدّثت إلى المحامي هاتفياً منذ يومين وأخبرته عن زواجي . فطمأنني إلى أنّ هذا هو كل ما نحن بحاجة إليه لنحصل على الحضانة ."
    فسألت ستيفاني :" ومن هي ساندي هذه؟"
    أجاب جون :"إنّها أخت كلير وخالة سارة وهي تريد أن تأتي لزيارة ابنة أختها . هكذا قالت .أراهن على أنّ قصدها هو رؤيتك أنت يا ألبرت ."
    فقطب ألبرت جبينه قائلاً:" أشك في ذلك . فقد انتهى كل شيء منذ زمن طويل ."
    شعرت ستيفاني بالخوف يقبض نفسها . فسألت بلطف وهي تكاد تشعر بالخوف من الجواب :" ما هو ذاك الذي انتهى ؟"
    فقال جون متلذذاً و عيناه على ألبرت وكأنه يريد أن يرى ردة الفعل عنده :" لقد حاولت ساندي جاهدة اجتذاب ألبرت عندما كان ألبرت خاطباً لكلير , حتى لقد ظننت فترة أن العرس سيكون مزدوجاً ."
    فقال ألبرت :" ولكن ذلك لم يحدث . وقد أصبح جزءاً من الماضي ." ثم اتجه نحو الباب هابطاً السلم .
    فوقفت ستيفاني جامدة تستمع إلى خطوات ألبرت , عند ذلك نظر إليها جون قائلاً :" كان ذلك سيكون أنسب له . فإنّ ساندي هي خالة سارة , وألبرت هو عمها . فهناك رابطة الدم."

    0

  18. #10537
    نسومة تسلمي
    على الفصلين الرائعين ومنتظرين التكملة
    لكي تحياتي

    تم حذف هذا التوقيع من قبل إدارة المنتدى :
    - يجب أن لا يتجاوز الحجم الكلي للتوقيع 400 كب
    - يجب أن لا تتجاوز المساحة الإجمالية 500 × 500 بكسل طولاً وعرضاً

    0

  19. #10538
    الفصل الرابع

    بقيت ستيفاني جامدة في مكانها و قد تملكها الذهول لما سمعت . ألبرت وساندي ؟
    وإذا جاءت ساندي لزيارتهم , هل من الممكن أن يخطر في بال ألبرت أنّه قد أخطأ ؟ هل يا ترى سيفكر بأنّ من الأفضل أن تشترك معه خالة سارة في تربيتها , بدلاً من امرأة غريبة قادمة من أميركا ؟ و هل ستعرّض ساندي تلك الاتفاقية للخطر بشكل ما ؟
    مضت أيام لم يأت ِ فيها أحد على سيرة زيارة ساندي لهم . وأخذت ستيفاني تشغل بتزيين غرفتها و غرفة سارة . ربما كان قلقها للاشيء. و أنهت وضع الورق الجديد على جدران غرفة سارة . كانت ستيفاني تبتهج كلما دخلت غرفتها كل صباح ورأت تلك الزينات المشرقة , بينما الطفلة السعيدة في انتظار من يحملها . كما طلت غرفتها هي باللون الأزرق الفاتح تتخلله حواش بيضاء . وكانت الستائر بيضاء ذات كشاكش زرقاء . وأضاف غطاء الأزرق الباهت مع الوسائد البيضاء شعوراً بالبرودة إلى جوّ الغرفة . واشترت سجادة كبيرة كحلية اللون , كما علّقت على الجدران رسومات تلفت النظر , وعندما علقت على الجدران آخر لوحة تراجعت لتشمل بنظراتها منظر غرفتها العام بزهو . فقد كانت جميل حقاً.
    تصاعد صوت جون من الخارج يهتف بها :" ستيفاني .أين أنت ِ يا فتاة ؟ تعالي حالاً ." ما الذي جعله يعود بهذه السرعة ؟ فقد كان ذهب هذا الصباح مع العمال بعد أن أخبرها أنّه لن يعود قبل المساء . ما الذي حدث ؟
    وأسرعت خارجة من الغرفة تهبط السلالم بسرعة , خارجة من خلال المطبخ وقلبها يخفق . و ما أن خرجت من الباب , حتى جمدت في مكانها وهي ترى ألبرت ينزل عن صهوة جواده , وقميصه ملوّث بالدم وقد ذهبت قبعته , بينما بدا وجهه شاحباً شحوب الموتى . وكان جدّه واقفاً بجانبه بينما وقف اثنان من العمال في الباحة وقد أمسك أحدهما بجواد ألبرت.
    قال لها جون :" لقد أصيب ألبرت ." كانت إحدى كميه مبللة بالدم , بينما كان هو يتحرك بحرص و كأنه يتألم , ثم اتكأ على السرج لحظة. أسرعت إليه مادة يديها تساعده وقد أذهلها امتقاع وجهه المخيف , وهي تهتف :" ماذا حدث ؟"
    فقال محاولاً تخفيف الأمر وهو يتقدم نحوها يحيط كتفيها بذراعه السليمة :" سأكون على ما يرام . لقد علق حجر بحافر جوادي , وعندما نزلت لأنزعه هيّج شيء ما , قطيع الماشية ."
    فقال جون و قد شحب وجهه هو الآخر :" من حسن حظه أن لم يسحقه القطيع حتى الموت ."
    و تساءلت ستيفاني و هي تنظر إليه عما إذا كان عليها أن تعتني بمريضين . وقالت بلهفة ويداها حول ألبرت تسنده في سيره :" أدخل المنزل ودعني أرى ."
    قال ألبرت محتجاً :" إنّ بإمكاني السير وحدي ."
    فقالت وهي تتحول نحو المنزل :" ربما . ولكنني هنا الآن وبإمكاني أن أساعدك ." ثم سلكا طريقهما ببطء إلى الداخل . وبينما كانت ستيفاني ترتجف من الأعماق , كانت ترسم على ملامحها مظهراً زائفاً للهدوء و القوة . لقد كان ألبرت يبدو لها حصناً منيعاً بقوته و ثقته بنفسه . ومعرضاً للصدمات كأيّ شخص آخر .
    قال جون :" سأبقى لأرى حالة الحصان ." فلوح ألبرت بيده موافقاً , ولكنه بقي متكئاً على ستيفاني وهما يدخلان المنزل .
    امتدت السلام أمامهما إلى مالا نهاية , وعندما وصلا إلى الطابق الأعلى . دفعت باب غرفته داخلة معه حيث أجلسته وقد تملكها الذعر .
    فقال :" إنّك لست ِ بحاجة إلى القيام بذلك , يا ستيفي . يمكنني أنا أن أغسل الدم , وأضع الضماد , ثم أتهيأ للذهاب ."
    فقالت :"إبق كما أنت َ يا رجل . طبعاً عليّ أن أساعدك .إنّك زوجي , أليس كذلك ؟ هذا هو الغرض من الزواج , لكي يساعد الواحد منا الآخر . لقد وقفت بجانبي عندما هاجمني جدّك , وأنا الآن أريد أن أقوم بشيء لأجلك . فأنا على دراية بالإسعاف الأولي ." لم تكن الإصابة سيئة بقدر ما كانت تخاف . وكان النزيف قد توقف تقريباً , وربما كان توقف نهائياً لو لم يكن مضطراً إلى الركوب . لقد كانت الجروح وانكشاط الجلد محصورة في ذراع واحدة , هذا إلى الرضوض التي كانت تحيط بها وبجانب صدره الأيسر . وكان في فكه كدمة قد ابتدأت بالبروز كذلك . أخذت ستيفاني تنظف ذراعه بخرقة ناعمة على الجروح بلطف , وكانت أثناء ذلك , تسأله :" ما الذي حدث ؟ هل داسك كل القطيع ؟"
    فأجاب :" عندما هاجت الماشية , واندفعت حولي وقعت أنا فأدركني واحد أو اثنين منها قبل أن أتمكن من الوقوف مرة أخرى ."
    فارتجفت وهي تتصور هذا الجسد القوي يقع تحت حوافر الماشية الحادة . كان يمكن أن يكون الأمر أسوأ كثيراً أو حتى يقتل . وترددت لحظة طويلة وهي تحاول أن تتصور هذا الرجل القويّ ميتاً و قد ذهب إلى الأبد .كلا , وقالت :" إنّه انكشاط جلدي أكثر منه جروح . وقد توقف النزف تقريباً .إنني لا أظنك بحاجة إلى رؤية الطبيب ." ولكن لهجتها كان يعتريها الشك . ماذا لو تلوث الجرح؟
    فأجاب بصوت استعاد بعض قوته :" كلا . لست بحاجة إلى ذلك قطعاً ."
    قالت له لكي تتمكن من لف الضماد حول ذراعه :" ارفع ذراعك"
    ورفع ذراعه وأخذت تلف الضماد حول ذراعه.
    وهمست :" لقد انتهيت ."
    وقبل أن تتحرك مبتعدة , كان هو قد أمسك بها قائلاً لها يطمئنها :" سأعود صحيحاً معافى خلال يوم أو يومين ." فقالت :" أظن قميصك قد تلف تماماً ." وتلاقت عيونهما ,وكاد قلبها يكف عن الخفقان (رح تنجلط) للشوق الذي أحسته في نظراته .
    نظر إليها برقة ثم همس إليها :" أشكرك ." وجاءهما صوت جون صاعداً السلم :" ألبرت . هل أنت َ بخير ؟ "
    فتراجعت ستيفاني إلى الخلف متسعة العينيين ما جعل ألبرت يضحك لمظهرها هذا . وهتف يجيب جدّه :" نعم يا جدّي .إنني بخير ."
    وعندما دخل جون كانت ستيفاني في الحمام تقفل صندوق الإسعافات الأولية فنظر إلى حفيده , ثم إلى ستيفاني وما زال القلق يلوح في عينيه , وقال له :" لقد أفقدني الخوف عشر سنوات من عمري عندما رأيتك تسقط ."
    فأجاب :" نعم .ولكن الحصان هو من النوع الأصيل .لقد بقي واقفاً بجانبي فلم يكن أمام الماشية إلا أن تستدير حولنا . سأرتدي قميصي ثم أخرج حالاً ."
    فهتفت ستيفاني :" آه كلا . إنّك لن تفعل ذلك .إنّك سترتاح بقية هذا النهار , ثم ترى حالتك غداً قبل أن تذهب إلى العمل مرة أخرى , ذلك إنّك إلى جانب إصابتك في ذراعك , تبدو وكأنك أصبت بضربة على رأسك إذ تبدو عليه كدمة "
    فقال :" ألبرت :" كلا.........اسمعيني....."
    فقاطعه الجد قائلاً :" افعل ما تقوله لك يا ولدي فالنساء تحب أن تظهر اهتماماً زائداً بالرجال من وقت لآخر . فاستمتع بذلك قدر إمكانك ." وغمز بعينيه بشكل غير متوقع .
    فصّر ألبرت بأسنانه قائلاً:" لا أريد اهتماما زائداً بي . ولا أريد أن تتراخى عزائمي لمجرد حادثة تافهة كهذه."
    فقالت ستيفاني :" تافهة ؟ هه؟ إنّها أهم من أن تكون تافهة . هذا إلى أن كل شخص بحاجة إلى اهتمام زائد الآن ,وبعد الآن . لقد كدت أموت خوفاً عندما رأيت كل ذلك الدم أظن , عليك أن ترتاح الآن ثم ترى كيف ستكون عليه حالتك فيما بعد ."وكانت تتكلم بحزم .إنّها لن تسمح له بأن يعود الآن إلى العمل .
    فقال الجد ضاحكاً لمنظر هذه المرأة الجميلة الرقيقة وهي تقف بحزم أمام هذا الرجل الذي يشرف عليها بقامته الفارعة :" عليك أن تخضع لذلك يا فتى , فالنساء يعجبهنّ أن يحصلن على ما يردن مرة كل فترة ولن يضرّك الاستمتاع بذلك ."
    فقال ألبرت بلهجة لاذعة :" هل عليّ أن أخضع لكل هذا في كل مرة أصاب فيها بخدش صغير ؟"
    قالت ستيفاني :" خدش صغير؟ إنّ الذي سمعته هو أنّ الماشية كادت تسحقك بأقدامها . نعم , في كل مرة تصاب فيها عليك أن تخضع لمثل هذا وأكثر ." فحدّق ألبرت فيها و قد لوى شفتيه وكأنّه يمنع نفسه من الضحك . ثم قال :" حسناً جداً . تعالي واهتمي بي ." وحرّك حاجبه بوقاحة بشكل عابث , فجمدت في مكانها ولك تستطع أن تنطق بكلمة .
    وأخيراً تنحنحت قائلة :" أظن من الأفضل أن تستلقي في سريرك فقط إلى أن يحين موعد العشاء ."
    فتمتم وهو يمعن النظر إليها :" أحسن وأحسن ." وقهقه جون ضاحكاً وهو يرى احمرار وجهها عندما قال ألبرت يخاطبه :" نرجو منك الإذن يا جدّي , فإنّ ستيفاني تريد أن تهتم بي ." ثم اقترب منها وعيناه تتراقصان هزلاً وهما متعلقتان بعينيها ساخراً متحدياً.
    0

  20. #10539
    وهنا صرخت سارة منادية من غرفتها . عند ذلك ابتسمت ستيفاني قائلة :" اصعد إلى السرير يا زوجي العزيز و سنحضر إليك , أنا وسارة , شيئاً من حساء الدجاج ." ثم انطلقت هاربة قبل أن يتمكن من التفوّه بكلمة , فقد شعرت بالسرور إذ أراحها صراخ الطفلة من ذلك الموقف . كانت الأمور تتحرك بشكل أسرع مما يمكنها مجابهته .
    أنزلت ستيفاني سارة من سريرها وأجلستها مع ألعابها تلهو بها , ومن ثم نزلت إلى المطبخ لترى ما بإمكانها أن تفعله لأجل ألبرت , وعندما عادت إلى غرفته بعد فترة حاملة إبريقاً من الشاي الثقيل المحلّى وعلبة أسبرين , كان قد أصبح في السرير . وكان بنطاله ملقى بإهمال على الكرسي كما كان حذاؤه موضوعاً على الأرض ما جعل ستيفاني تتوقف عند عتبة الباب . كان ألبرت مستنداً إلى الوسائد خلفه وقد غطى نفسه بملاءة السرير البيضاء . وكادت ستيفاني أن تتعثر وهي تتقدم إلى داخل الغرفة ببطء .
    قالت وهي تضع الصينية على المنضدة بجانبه ثم تخرج حبتي أسبرين من العلبة : " لم أجد أي حساء دجاج لأجلك ." فقال :" ولماذا حساء الدجاج ؟" وفي نفس الوقت كان يمسك بمعصمها مقرباً يدها من فمه يتناول الأسبرين من راحتها مباشرة ."
    قالت متلعثمة :" في بلادنا , حساء الدجاج يستعمل كعلاج . فإذا كنت مريضاً , يحضرون إليك حساء الدجاج."
    فقال :" إذن , فإنّ علينا أن نشتري بعض المعلبات التي تحتويه , إذ لا أظن أنّ لدينا شيئاً منه ."
    فقالت :" كلاّ , لا يوجد عندكم شيء منه ."
    فقال بحدة مصححاً كلامها و قد ضاقت عيناه بشكل مخيف:" بل قولي لا يوجد عندنا , فهذا بيتك الآن , يا ستيفاني ."
    فابتسمت متوترة وهي تقول : " حسناً ."
    قالت وهي تحوّل نظراتها عنه :" ألبرت . عليّ أن أذهب لأتفقد سارة ."
    فقال :" إنّها بخير فأنا لا أسمع صوتها ."
    قالت :" ولكنها قد تعبث بشيء ."
    سألها قائلاً :" وأين اهتمام الزوجة الزائد ذاك الذي كنت أنتظره ؟" وكانت لهجته بالهزل .
    فقالت متلعثمة :" أنا ........ذلك ..........ألبرت......" وسرعان ما أغمضت عينيها لشدة ارتباكها . ما الذي سيظنه بها ؟
    قالت :" لشد ما كنت خائفة عليك يا ألبرت ." والتقت عيناها الجادتان بعينيه . إنّها لا تكاد تعرفه , ولكنها لم تستطع مقاومة مشاعرها نحوه .
    فقال :" لا تخافي عليّ يا ستيفاني , فأنا بأتم خير . إنّ إصابة كهذه متوقعة دوماً في المزرعة . ولكن انظري إلى جدّي فهو ما زال موجوداً , بينما إدي قتل في حادث اصطدام سيارة في ملبورن وليس هنا "
    فقالت :" ربما كنت قتلت لو لم يقف الحصان بجانبك ليحوّل اتجاه القطيع."
    فقال :" ربما كان ذلك و ربما لم يكن , فلماذا تحملين غماً لم يحصل بعد ؟ إنّ اهتمام الزوجة الذي لديك بي , يعجبني . ربما سيتمخض زواج المصلحة هذا عن أكثر مما ظننت ."
    وقفت وهي تقول بارتباك :" أظنّ , عليك أن ترتاح الآن فإنّ لديّ ما يشغلني ."
    فقال يعيّرها ساخراً :" أتهربين ؟"
    فقالت متلعثمة وهي تنظر إليه بحذر من حيث كانت واقفة آمنة عند عتبة الباب :" إنّ .....إنّ ذ..ذلك أكثر أماناً ." فقال شاكياً :" إنّ ذراعي لم تجعلني عاجزاً ."
    فقالت :" انزل إلى العشاء إذن ." ثم خرجت من الغرفة لتهرع إلى غرفة سارة شاعرة وكأنها نجت من محنة كبرى . ولكن لم يكن ثمة نجاة لها من التفكير في ألبرت و الذي كان يملأها شوقاً إليه .
    و عندما عادت ستيفاني لتتفقده بعد فترة , كان مستغرقاً في النوم . فوقفت تراقبه مدة طويلة , سعيدة لأن إصابته لم تكن سيئة جداً , فاعتمادها الآن قد أصبح عليه , وقد يزداد هذا أكثر فأكثر كلما امتدت حياتهما معاً . فهي لا تستطيع احتمال فكرة أن يصيبه أي ضرر أو ما هو أسوأ.
    و مع حلول وقت العشاء , كان ألبرت قد نهض و ارتدى ثيابه ثم جلس معهم حول المائدة . فأخذت ستيفاني تتفحصه . وعندما كانت نظراتهما تتلاقى , كانت هي تسرع و تشيح بنظرها بعيداً , لا تريد أن تبدي له ما لا بد قد لاحظه من قلقها عليه . كان يبدو صحيحاً معافى , وقد تلاشى الشحوب من وجهه ولكن لون الكدمة على فكه كان أكثر ظهوراً من قبل
    قال جون متذمراً كالعادة :" لقد جئت لزيارتك بعد الظهر , و لكن الطبيبة ستيفاني لم تسمح لأحد بإزعاجك ."
    فابتسم ألبرت وقال وهو ينظر إليها تضع الأطباق على المائدة :" إنها ما زالت مهتمة بي ."
    فقال جون :" إنّك تبدو أحسن كثيراً مما كنت ."
    فقال ألبرت :" إنني أحسن فعلاً , ولكنني ما زلت أشعر ببعض التصلب ."
    وانصب اهتمام ستيفاني أثناء العشاء عليه أكثر من المعتاد . فكان الأول الذي قدّمت له الطعام , وكانت تتأكد دوماً من أنّه يحصل على ما يريد , فتقفز لتحضر له ما يطلبه من شراب .
    وعندما انتهى العشاء , وقف ألبرت ثم قال لها :" تعالي معي يا ستيفاني , فأنا أريد أن أرى الحصان , وكذلك أتحدث إليك . هل لك أن تهتم بسارة يا جدّي ؟"
    فقال الجد :" بالتأكيد ."
    وقف ألبرت عند الباب فتقدمته خارجة . وعند اجتيازهما الفناء , ألقت عليه نظرة سريعة . كان يبدو صحيحاً كما كان هذا الصباح . ولاحظت ثخانة الضماد تحت الكم , ولكنه عدا ذلك , كان طبيعياً تماماً .
    دخلا مخزن الغلال , وكانت روائح الشعير و الخيل تطغى على روائح الغبار ورائحة أشجار المطاط اللاذعة التي كانت تملأ الجوّ . وتنفست ستيفاني بعمق ثم ابتسمت . لقد كانت دوماً تحب روائح مزارع الماشية . وإذا هي أغمضت عينيها تصورت نفسها في وطنها كاليفورنيا . وشعرت لحظة بالحنين إلى الوطن . وقف ألبرت عند حصانه دوف حيث أخذ يتفحصه . وصهل الحصان بلطف , ثم دسّ أنفه في كتف ألبرت الذي خاطبه قائلاً :" إهدأ , يافتى , ودعني أنظر إليك ."
    فسألته ستيفاني :" هل أصابه ضرر هو أيضاً ؟"

    0

  21. #10540
    فأجاب :" نعم , بعض الجروح البليغة . لقد عالجه جدّي ولكنني لن أخرج عليه للعمل مرة أخرى إلاّ بعد أن يشفى تماماً . لقد كنت رائعاً اليوم يا زميلي ." وأخذ يربت على رقبته بينما كان يراقب حركاته في نفس الوقت .
    فقالت ستيفاني برقة و هي تمرّ بيدها على أنف الحصان الدافئ :" لقد أنقذك حقاً , أليس كذلك ؟" وغمرها نحو الحصان شعور بعرفان فهو لو كان جمح , لفقدت ألبرت حتماً . فماذا كان سيحدث لسارة ؟
    قال لهاو هو يجلسها على كيس قش :" تعالي . لقد أردت أن أتحدث إليك على انفراد و أنت ِ تعرفين أنّه ليس بإمكاننا ذلك وجدّي معنا إنني أريد أن أوافق على زيارة ساندي لنا كما طلبت . أريدها أن ترى أنّ سارة تعيش معنا برفاهية و رعاية تامة منا , وذلك لكي تخبر والديها بهذا . إنّ ساندي هي خالة سارة , وأنا لا أريدها أن تنشأ جاهلة بتلك القرابة ."
    فهوى قلب ستيفاني و قد تذكرت ما سبق و أخبرها به جون من أن ألبرت وساندي كانا حبيبين معاً فترة من الزمن . هل هذا هو السبب الحقيقي الذي لأجله وافق على زيارتهم لهم ؟ وماذا لو اكتشف ألبرت , عندما تصل تلك المرأة , أنّه مازال منجذباً إليها ؟ هل يا ترى سيغير رأيه في زواجهما هذا و الذي هو زواج مصلحة ؟ إنّ فسخ هذا الزواج سهل جداً . وإذا حدث ذلك ,فماذا سيجري لحصتها في الإرث ؟ وكيف ستتمكن من ترك سارة؟
    " ستيفاني ؟"
    فرفعت نظراتها إليه محاولة أن ترسم على وجهها ابتسامة مشرقة وهي تقول :" افعل ما شئت , يا ألبرت فهذا بيتك . وأنا سأبذل وسعي في الترحيب بها ."
    رد عليها بحدة :" بل هذا بيتنا نحن الاثنين , وأكثر الحفاوة ستكون عليك أنت ِ , فأنا سأكون في العمل أثناء النهار بينما ستكون هي تحت قدميك طوال النهار ."
    فأصبحت ابتسامتها حقيقية . إنّ تعبير تحت قدميك هذا لا ينبئ عن اهتمامه بها .
    سألته :" و كم ستمكث هنا ؟"
    فهز كتفيه و هو يقترب بوجهه منها قائلاً :" لا أدري . ليس أكثر من أسبوع ."
    فسألته :" وما هي اهتماماتها ؟"
    أجاب :" إنّها , كما أذكر , تحب مجلات الأزياء . فهي تعمل في أحد دور الأزياء في ملبورن ."
    قالت :" ربما لن نجد اهتمامات مشتركة تجمعني وإيّاها ."
    فقال بصوت رقيق متملق :" ربما كان هذا صحيحاً . فهي لم تأتِ إلى هذا المنزل قط من قبل , فقد كنت أراها في ملبورن فقط . إنّها تحب الحفلات و الرحلات و الملابس العصرية , بينما أنتِ لا يبدو عليك الاهتمام بمثل هذه الأشياء ."
    فتشابكت نظراتهما , ثم هزت رأسها وسألته :" هل علينا أن نقيم سهرة لأجلها عندما تحضر ؟"
    فأجاب :" سنرى ما إذا كنا سنقيم مأدبة عشاء , وسأعطيك ِ قائمة بأسماء الجيران والأصدقاء الذين سندعوهم ."
    فقالت :" آه , لقد نسيت أن أخبرك . لقد قابلت أحد أصدقائك في المدينة ذلك اليوم , ستيفن كاسيدي ."
    وسرعان ما تغيرت أساريره كما أنّ عينيه ضاقتا واحتلتهما نظرة عدائية تقريباً , ثم كرر قولها :" ستيفن كاسيدي ؟"
    أومأت برأسها وقد حيرها ما رأت من التغيير الذي انتابه , وقالت :" نعم , وقد قال إنّه صديق لك ."
    سألها :" وكيف تعرفت إليه ؟"
    أجابت :" لقد أوقفني وأنا بجانب السيارة و عرفني بنفسه . لقد تصرف بلطف ببالغ اللطف ." وتساءلت عن سبب تغير ملامح ألبرت لدى سماعه اسمه .
    قال :" ابقي بعيدة عنه يا ستيفاني ."
    فقالت :" ماذا ؟ لماذا ؟ أليس هو من أصدقائك ؟"
    فأجاب :" كان ذلك في الماضي . أما الآن فأريدك أن تبقي بعيدة عنه ."
    فسألته بحيرة :" ولكن , لماذا يا ألبرت ؟"
    فقال:" إنّه............"
    وهنا بلغ مسامعهما صرخة ثاقبة اخترقت الأجواء , تبعها عويل طفلة صغيرة .
    0

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter