ابتسمت جيني بهدوء ثم ذهبت لترتدي ثيابها .
رمق زاك فليبا بنظرة تساؤلية :" إذآ ما المشكلة ؟ حادث السرقة ؟ يقولون إن البرق لا يصيب المكان نفسه مرتين ."
ابتسمت له فيليبا :" أتمنى ذلك . هناك أشياء كثيرة تشغل بالي ."
"كيفين ، بالتأكيد . يا عزيزتي ، ماذا عساي أن أقول ؟ عليك أن تثقي بالأطباء . لن تحسّني حالته في نيويورك بالقلق عليه في باريس ."
"أعرف ذلك ." كانت فيليبا تشعر بالذنب لأنها لم تفكر بوالدها خلال الأربع وعشرين ساعة ." إني آسفة يا زاك . لقد ضيعت وقتك ، أليس كذلك ؟"
أخذ زاك لوح الرسم ثم وضعه في مكان آخر ." اذهبي إلى البيت ، يا فيليبا وحاولي أن ترتاحي . اقنعي زوجك الوسيم بأخذك إلى العشاء خارجآ ." نظر إليها بعبث :"لا اتصرف هكذا ، إلا مع المبتدئين ."
توردت وجنتاها ."ربما كان ...مشغولآ ."
"إذآ قولي له بأن يرتاح أيضآ .أريدك هنا غدآ جاهزة للقيام بعمل حقيقي ." قال متجهمآ.
القول أسهل من الفعل ، فكرت فيليبا بحزن وهي تنزل السلالم . لم يحاول آلان التحدث إليها في الليلة السابقة وهما في طريق العودة إلى البيت . تمنى لها ليلة هانئة ثم دخل غرفته وتركها تردد لنفسها مرارآ وتكرارآ ...إن هذا ما أردته بالتحديد .
بقيت تقول ذلك على فترات ليلة طويلة ومملة .وفي وقت ما قبل الفجر استسلمت للهزيمة .نهضت عن السرير وزحفت عارية القدمين إلى غرفة آلان .كانت خاوية وغير مستعملة . حدقت فيها لمدة طويلة ثم عادت بصمت إلى غرفتها ، وبكت.
وصل صانع الأقفال قبل أن تنهي فطورها . بدت مدام جيسكار غاضبة وهي تراقبه يعمل .لم تكن فيليبا متأكدة ما إذا كان عليها أن تلومها أم لا .
أخبرتها مدبرة المنزل بهدوء أن مارسيل سيكون جاهزآ خلال لحظات حتى يوصلها إلى مكان عملها .هذه أوامر السيد آلان .
خرجت إلى الشارع وبحثت عن السيارة ،لكنها لم تكن في انتظارها .ياللعجب،فكرت وهي تنظر إلى ساعتها .إنها في وقت أقل بساعة من المعتاد.
"مدام دي كورسي ." استدارت وجلة في الوقت المناسب ورأت فابريس دي ثييري يتقدم نحوها .
"أتمنى ألا تكوني ظننت أني لص آخر ." شعرت بدفء ابتسامته حين أضاف :"أردت أن أراك لأرجع لك هذه ." ناولها حلقة مفاتيح من جيبه :"لابد وأنني أخذتها خطأ البارحة ."
"شكرآ لك . لم أجرؤ بعد على الاعتراف بفقدانها ."
"هل زوجك مخيف لهذه الدرجة ؟" بدا صوته مرحآ ،لكن نظرته كانت جدية .
"كلا ... على خلاف ذلك تمامآ ." قالت فيليبا بسرعة .
"أنت مبكرة ، وأنا سعيد لأني وجدتك ."
"ليس تمامآ ." تنهدت فيليبا وأضافت :"علي أن انتظر السائق في المستقبل ."
"هذا تصرف منطقي ."
"نعم ،لكنني لا أريد ذلك ."
نظر إلى ساعته ."هل لديك وقت ، ربما لتناول فنجان قهوة آخر ؟"
ترددت فيليبا . هذا التصرف المنطقي سيرفض بلباقة ، ولقد عرفت ذلك .
"سترفضين ، أليس كذلك ؟" قال فابريس دي تييري بأسف :"أنا لا ألومك .زوجك رجل مرعب .لا يتمنى لك أن تصادقي رجلآ عاديآ مثلي ."
حدقت فيليبا إليه ."هل تعتقد حقآ ذلك ؟"
"بالطبع ." وبدا محرجآ ."بعد أن تركتك ،قمت ببعض التحريات .لولا المفاتيح لما كنت فكرت بالإقتراب منك ."
رفعت فيليبا ذقنها وقالت :"مسيو دي ثييري ،سأكون مسرورة لتناول القهوة معك."
عرفت مايكفي ،خلال نصف ساعة ،من المعلومات عنه ، فاكتشفت أن والديه يعيشان في روين حيث مقر عمل والده وأنه ابن وحيد . كان فابريك يعمل في باريس ،يتابع تدريبه في المحاسبة مع شركة عالمية . ويمارس في الشتاء لعبة الرُكبي ،وهو يستمتع بالأفلام اليابانية . تدفقت منه هذه المعلومات بشكل عفوي .
من الممتع ،لاحظت فيليبا ، أن تجلس المرأة في وضح النهار مع شخص ،يجدها بوضوح ،جذابة وإذا تمتم صوت في داخلها محذرآ بأن هذا الوضع محفوف بالمخاطر ، ستتجاهله بالتأكيد . وإذا عارض آلان رفقتها الجديدة ما النفع عندئذ ؟ سألت نفسها بتحد . ليس من حقه أن ينتقدها بعد أن رأته على الشرفة الليلة السابقة. كانت بكل بساطة تتناول فنجان قهوة في مقهى على الرصيف .إذآ ما الداعي لتذمره؟ لم تكن بصدد المباشرة في علاقة حب .
لم يسكّن بريق الاعجاب في عيني فابريس ، والطريقة التي كان يميل بها نحوها،حتى كاد أن يلمس يدها ... كانت هذه الأمور بلسمآ لجروحها النفسية التي سببها آلان . شعرت بالاهانة وهي تتذكر كيف سمحت له بعناقها ... بلمسها . وكيف نسيت أنه كان يداعبها كلمتين لبضع ساعات ، مع أن قلبه وعقله وروحه كانت ملكآ لامرأة أخرى .
تنهدت سرآ وهي تفكر في ماري لور . نعم ، إنها جميلة ، ويحلم بها أي رجل . لكن فيليبا وجدت نفسها تتمنى لو أنه أحبها أكثر ، أو فكرت بأنها تستحق افتتان آلان بها . هل كان مسلوب العقل لدرجة أنه تعامى عن حقدها وفسقها ،أو أنه لم يعد يهتم ؟
"فجأة ." قال فابريس بلطف :"أشعر وكأنني أكلم نفسي ."
"إنني آسفة ...هذه كانت فظاظة مني ." رشفت باقي قهوتها أضافت :"هناك عدة أمور تشغل بالي ."
هز رأسه بشجاعة :" إني أفهم . وربما أنا أعرف أكثر مما تظنين ."
ضحكت وهي تمسك حقيبتها :" بعد فنجانين من القهوة ؟ أشك في ذلك ."
"أعرف ،على سبيل المثال ، أنك غير سعيدة ، وأن زوجك يعيش حياة خاصة به وحده."
عضت فيليبا شفتها ."لست مستعدة لمناقشة زواجي معك ، أو مع أي شخص آخر ، يا مسيو ."
"الآن أغضبتك !" إني اعتذر ، لست بوضع يسمح لي بمحاكمتك ." لمست يده أصابعها ." أرجوك قولي إنك سامحتني ، وإنك ستتناولين القهوة معي مرة ثانية ؟"
عرفت فيليبا أن هذه هي اللحظة الملائمة للتراجع ، للابتسام بتهذيب ، وللانسحاب من دون أي ارتباطات . إنها امرأة متزوجة ولايحق لها أن تتواعد مع شخص آخر ، مهما كان اللقاء بريئآ . لو كنت فعلآ زوجة آلان ، لما كنت فكرت بذلك أبدآ . ولكن بما أن ...
"بماذا تفكرين ؟ في أن زوجك سيغضب لو عرف أنك جلست في وضح النهار وتحدثت ... وابتسمت قليلآ ؟"
" ولماذا سيمانع ؟" قالت بنفور :" إن لي حياتي الخاصة أيضآ ."
"إذآ هل سأراك مرة ثانية ؟ علي أن أسأل ، أنت تفهمين لأن ليس لدي أي شيء آخر يخصك أستطيع أن استعمله كعذر ."
نظرت فيليبا إليه باندهاش ."هل هذا يعني أنك تعمدت الاحتفاظ بمفاتيحي ؟" سألت ببطء :" هذا عمل طائش ، يا سيد ."
هز رأسه ، ثم ابتسم بأسف :" هل تسامحينني ؟ أعرف أن ذلك خطأ ، لكنني لم أتحمل فكرة عدم رؤيتك ثانية . سنلتقي هنا غدآ وفي الوقت نفسه ."
"ربما ، لا أعرف ."
أطبق يديه على يديها و قال :" سأنتظر حتى تأتي أورفوار يا فيليبا ."
"أورفوار يا فابريس ." كانت ابتسامتها وهي تسحب يدها من يده خجولة ومترددة .
كان لطيفآ ،قالت لنفسها على نحو دفاعي وهي تسير إلى محترف زاك حيث كانت تنتظرها السيارة . لقد اعجبت به ، من الممتع أن يكون لديها صديق ... شخص يعوض عليها وحدتها .
ربما بمساعدة فابريس ، إلى جانب دراستها طبعآ ، لن تتألم كثيرآ من زواجها الزائف بعد آلان . ربما ستتعلم في الوقت المناسب أن تتحمل وجود ماري لور في حياتها .
تساءلت فجأة إذا كان آلان سيتحمل فابريك .ليس له الحق ،بالطبع ،إذا أخذ تصرفه بعين الاعتبار ، ولكنها تعلم أنه قادر على العيش بازدواجية .
لكنني لا أحاول أن أقيم علاقة غرامية مع أحد ،فكرت فيليبا بحزم . لا أريد أن أتورط... لا مع فابريس ولا مع آلان .
جفّ حلقها من كثرة ما آلمتها الفكرة .
لا أريد أن أهان ثانية ،قالت بصمت ، أو أن أمضي المزيد من الليالي المؤرقة في البكاء . أريد فقط أن أجلس في وضح النهار و أتحدث ... وأبتسم قليلآ .
ليس هناك أي ضير في ذلك ،حقآ ؟
تراءى لها فجأة آلان القاسي وعيناه الخضراوان تشعان بغضب شرس كما في الليلة السابقة . ارتجفت وهي تتذكر ردة فعله الشرسة عندما استفزته قبلآ ، في ليلة زواجهما .
مهما كانت نواياها بريئة ، فكرت وهي تعبر الشارع ، عليها أن تكون حذرة جدآ . فآلان دي كورسي ، رجل لا يمكن خداعه .
المفضلات