وسكتت ثم اخذت تضحك .
- فيفيان ان معرفتك وحدها درس نافع وعلى أي حال لن احاول ان اثبت لك انك مخطئة حول هذا الموضوع . لكنك تغريني لأثبت لك خطاك بالنسبة الى العناق .
- لا ينبغي ان تفعل ذلك , كنت اشعر بشيء من الراحه والآمان .
وقطبت جبينها ثم اضافت :
تبدو وكانك شخصان في شخص واحد , الرجل الذي جعلني اصعد الى الطائرة معه مثلا ... عود الكبريت الذي سيحرق اصابعي .
وتحولت لهجتها الى الجفاء فجأة عندما لفظت جملتها الاخيرة فقال بابتسامة خفيفة :
- بما ان هذا يشكل اعترافا معينا يا فيفيان فهو .. حسنا .. افترض انها خطوة اولى .
استقامت في وقفتها ونظرت في عينيه قائلة :
- ما من مستقبل لنا معا , حاليا . ما من شيء حقيقي يربط بينا يا ليتون .
- لا ؟ آه حسنا , انك على الاقل تحددي ذلك بكلمة حاليا .
وابتسم بجفاء ثم اضاف :
- قليل من الرحمة , وربما صدفة .. او شيء من هذا القبيل .
فعادت تقطب جبينها وتقول :
- انت رجل غريب الاطوار .
- لماذا ؟
- حسنا احيانا تبدو عاديا جدا واحيانا اخرى تبدو من اصحاب المال وارباب الصناعة . انما في هذه اللحظة تبدو .. متواضعا , وكأن ما بيننا ليس اتفاقية .
فرفع حاجبيه ولم يقل شيئا
وتابعت تقول ببطء وكانها تحدث نفسها :
- ثم قد تكون هذه لعبة .
- اتعلمين , لم لا تنامين على هذه الفكرة , ثم تعلميني بما استقر عليه رأيك في الصباح ؟
اخذت تحدق فيه برزانه .. ثم القت عليه فجأة تحية المساء واختفت من الباب , وتركت ليتون غارقا في التفكير .
وقطع عليه رالف حبل افكاره اذ برز من وراء زاوية الشرفة كظل قاتم وجلس الى جانبه على المقعد الخشبي .
- لم تتعرف اليها بالرشوة اليس كذلك يا ليتون ؟
فأجاب بجفاء :
- كان علي ان اتوقع وجود احدهم في الجوار ولا سيما انت .
- لا ادري ما الذي فاتني فأنا هنا منذ لحظات فقط . ولكني سمعت كلمة اتفاقية . ولكن لماذا ؟
- ماذا تعني ؟
- هل كان عليك ان تستأجر فتاة؟ اود ان اعلم نوع الاتفاقية ومحتواها . مال ؟ وظيفة ؟ ولا تظن اني الوحيد الذي يحاول التكهن بالامر يا اخي.
ثم اضاف ساخرا :
- فماغ تفكر في الموضوع نفسه , لهذا .... .
- المعذرة .
فالتفت الاثنان واذا بفيفيان تقف على بعد خطوات بدا عليها الاضطراب وراحت تلهث وكأنها نزلت السلالم لتوها فهب ليتون واقفا وسألها :
- ما بك ؟
فأجابت بلهجة مأساوية :
- خاتمي لم اجده . آه ارجوك, قل لي انني اعطيتك اياه لتحفظه عندك وانه لم يستقر في قاع النهر .
فتح ليتون فمه ثم عاد واطبقه وقال بعد لحظات بصوت يرتجف :
- انه معي , ولكن اذا وعدتني بانك لن تقعي في النهر مجددا سيكون آمنا في اصبعك .
-آه, الحمد لله .
وتنفست بارتياح ثم وضعت يدها على صدره ووقفت على رؤوس اصابعها لتطبع قبله على خده وهي تقول :
- هل يمكنني الحصول عليه الآن ياحبيبي ؟ اعدك بألا اقوم بأي عمل احمق لأني افتخر به جدا .
- لم لا ؟ فلنذهب ونحضره .
رافقها الى مكتب في الطابق الارضي . وبعد ان اغلق النوافذ باحكام واسدل الستائر فتح خزنة خلف لوحة كبيرة .
ثم قال بلهجة آسفة :
- افهم من هذا انك سمعت الحديث ؟
فقالت بغضب :
- نعم سمعت . واذا ظن احدهم اني سأبقى هنا كفتاه مستأجرة , فهو مخطئ .
اخرج ليتون الخاتم واقفل الخزنة , ثم قال :
- لم عدت ؟ وكيف سمعت ما جرى ؟
فردت بجمود :
- عدت لأشكرك على مافعلته اليوم فأنا لست جاحده .
فتح علبة الخاتم ووضعها على المكتب . ثم نظر اليها متأملا . ظهرت تحت عينيها ظلال الارهاق لكن التمرد والحيوية كانا يتفجران من جسمها كله .
- يستحق هذا جائزة الاوسكار .
- عندما يشرع الناس في الاساءة الى سمعة شخص ما يمكنه ان يصنع العجائب .
- هذا ما اراه ولكن هذا ...
واخرج الخاتم من العلبة , وهي يضيف :
- يؤكد اللعبة , وهذا مارضيت بحزم القيام به من قبل .
ودت يدها اليه ليلبسها الخاتم قائلة :
- كنت اعلم انك لن تعترض .
لم يناولها الخاتم على الفور انما راح يقلبه مفكرا ثم قال بابتسامة صفراء :
-ربما تندمين عندما تهدأ اعصابك .
- لا لن اندم .
ثم القت برأسها الى الخلف وقالت :
- لا بأس . كنت مجنونه عندما وافقت على هذا . ولكني سألعب اللعبة على احسن وجه . لا تجادلني يا ليتون , فانا متعبة .
لوى شفتيه واجاب :
- لا تقولي اني لم احذرك , أي يد تريدين ؟ اليمنى ام اليسرى ؟
فقالت بدعابة ماكرة :
- اليسرى انما حذار ان تجرفك عواطفك او تركع على ركبتيك .
وضع الخاتم في اصبعها دون ان يركع لكنه اخذها بين ذراعيه وضمها اليه فقالت باحتجاج :
- ليتون !
وعندما تشابكت نظراتهما رات في عينيه نظرة ماكرة . ثم قال لها برقة :
- ربما علي ان آخذك غالبا في رحلات جوية .
- لا اظنها فكرة جيدة جدا .
فرفع حاجبيه مستفهما :
- ربما ستعتادين عليها فلا تجدين دافعا لعناقي ....بلهفة .
ووضع يديه حول خصرها فقالت بجهد :
- نعم لا ... اعني ... .
وسكتت بيأس اذ عجزت عن فهم ما تعنيه ووجدت صعوبة بالغة في التركيز .
- اخبرني عن اولئك الرجال الذين احببتهم اكثر مني ولكنك كنت تكرهين عناقهم .
فعضت على شفتها وقالت :
- لم يكن ذلك صحيحا كليا .. اعني , لم يكن لدي اصدقاء كثيرون ...
- هذا ما افهمتني اياه .
طردت من ذهنها المشاعر التي اثارتها نظراته وكلماته .
- هممم ... لا بأس . ان اردت ان تعرف حقا فما قلته صحيح . لم اكن احب العناق ولم افكر فيه ابدا .
المفضلات