مشاهدة نتيجة التصويت: اي هذه الروايات تحب رؤيتها اولا على ملفات وورد ؟؟

المصوتون
29. لا يمكنك التصويت في هذا التصويت
  • معا فوق النجوم

    5 17.24%
  • العاشق المنتقم

    8 27.59%
  • حب غير متوقع

    8 27.59%
  • غرباء على الطريق

    8 27.59%
الصفحة رقم 101 من 569 البدايةالبداية ... 519199100101102103111151201 ... الأخيرةالأخيرة
مشاهدة النتائج 2,001 الى 2,020 من 11376
  1. #2001
    بينما كانت فاين تلبس ليز معطفها، قال ماكس لإيبرل همسًا :
    _ جاء مات ليزورنا منذ أيام.. وقال إنه يرى أن الفتاة تتحسن بشكل ممتاز..
    لم يروادها أي كابوس منذ شهر كامل. مات مورهيد هو المصلح الاجتماعي الذي
    رتب أمر تبني ليز.. وردت عليه إيبرل:
    _ الشكر لك ولفاين، ماكس.. قليل من الناس يستطيعون القيام بمثل هذا العطاء
    ،كما فعلتما. ابتسم لها بمحبة:
    _ هيا الآن.. لقد فعلت ما هو أكثر . هزت رأسها:
    _لا.. أنتما من وفر لها الغذاء، وأنا لم أفدم سوى اهتمام خاص مرة في الأسبوع .
    _ حسناً.. فليكن كما تشائين.. لكن العمل لم ينته بعد، فتاتنا أمامها طريق
    طويل .. وهذا ما يؤرقني أغلب الليالي، ولا أستطيع الإفضاء به للمرأة
    العجوز.. فتاتنا الآن في السابعة، فماذا سيحل بها حين نشبخ أكثر ولا يصبح
    باستطاعتنا العناية بها.. أو حين حدوث الأسوأ.. وترك الجملة عالقة.. قالت
    إيبرل بعناد:
    _اسمع ..ماكس لايجب أن تقلق على هذا.. أنت تعرف أنني ومات سنعتني بها.
    _ هذا ما يقلقني إيبرل.. لقد مرت طفلتنا بمآسٍ كثيرة في سنواتها السبع بما
    يكفي لتحطيم رجل.. ولا أظنها ستتحمل مرة أخرى. لم يعد هناك وقت لحوار
    منفرد، فقد جهزت ليز أخيراً، وأخذتها إيبرل من يدها بمرح ،ثم تبادلوا
    القبلات والتوديع جميعاً وتوجهت الفتاتان نحو السيارة الصغيرة الصفراء
    وسرعان ما انطلقتا . سألت إيبرل :
    _ لماذا كنت تجربين كل ملابسك حبيبتي؟ هل وجدت صعوبة في إيجاد ما يناسبك؟
    كانت إيبرل تتنبه دائماً لمثل هذه الأمور، فالراتب الذي يتقاضاه العجوزان من
    الوكالة لأجل ليز لا يكفي أبداً لتأمين احتياجات الفتاة التي تزداد نمواً
    يوماً بعد يوم.. وليس لديهما سوى دخل محدود من راتب ماكس التقاعدي ومن
    الضمان الاجتماعي. ردت ليز بصوتها الواضح:
    _ أوه.. لا.. كنت ألهو فقط. اغتنمت إيبرل الفرصة لتقول:
    _ بما أن أن الطقس سيء اليوم.. أترغبين بالذهاب إلى منزلي بدلاً من "القلعة"
    ؟ نستطيع أن نلعب ما نشاء ونصنع البسكويت.. ونؤجل رحلتناإلى يوم مشمس.
    وربما نأخذ معنا طعاماً أيضاً. أدارت ليز وجهها بثقة نحو إيبرل:
    _ وأنا كذلك حبيبتي. حين وصلت باب الشقة و جدتا "برنس" مبللاً وجالساً أمام
    الباب ، كان يلف ذنبه حول قائمتيه الأماميتين.. انحنت لبز لتحمله ودخلت به
    إلى المنزل وهي تقول:
    _ سأكون أنا الأم و"برنس" الطفل.. وأنت ماذا ستكونين إيبرل؟ ليست المرة
    الأولى التي تلاحظ فيها إيبرل أن ليز لا تعطي أهمية لدور الأب في حياتها،
    وهذا أمر مفهوم.. وفكرت أنه من الأفضل تجنب لعبة العائلة ، واقترحت تمثيل
    أدوار السيرك ، الأمر الذي لاقى موافقة متحمسة من الطفلة . هاكذا اختارت
    إيبرل دور المهرج.. ورسمت بأحمر الشفاه دوائر كبيرة على كل خد وعلى مقدمة
    أنفها. ولونت جبينه بطلاء الأحذية السائل .. ولأنها لم تجد شيئاً ترسم به
    نصف الهلال الأبيض حول فمها، استبدلته بفم ليلكي، مسخدمة أنبوباً كاملاً من
    ظلال العيون.. تحولت ليز إلى بهلونية باستخدام بلوزة بيضاء ضيقة لإيبرل،
    وإن كانت واسعة قليلاً وطلبت أن تضع بنفسها الماكياج.. ولم تشاهد إيبرل يوماً
    بهرجة توضع على وجه بمثل هذا الإسراف. فرحت الفتاتان كثيراً بلعب دوري
    المهرج والبهلون، وأخيراً جاء دور تحضير الحلوى وهذا ما كان ينتظره يرنس
    الذي كان طيلة الوقت الفائت مغمض العينين، لكن الآن، الأمر بات يعنيه
    كثيراً، فانتقل إلى مركزه المعروف في وسط طاولة الطعام مستمتعا بانتهاء
    أوقات الجنون والانتقال إلى ماهو أكثر تسلية وإفادة، إعداد البسكويت
    بالشوكولا، الحلوى المفضلة لديه.
    كانت إيبرل تضع أول صينية عجين في الفرن، بينما ليز تقف فوق كرسي لتتمكن من
    سكب المزيد من العجين في صوانٍ أخرى، وفجأة قرع جرس الباب. كانت إيبرل تهم
    بالذهاب حين قفزت ليز من مكانها وخرجت من المطبخ وهي تركض.. ولحقتها
    إيبرل.. حين وصلت غرفة الجلوس، وقفت مسمرة لرؤية غرايغ بوكستر يسد الباب
    ويتحدث إلى الطفلة التي رمت برأسها إلى الوراء لتنظر إليه. همست إيبرل:
    أوه.. لا.. مع إدراكها للمنظر المحرج الذي تبدو فيه، خرجت آهة خفيفة من بين
    شفتيها الليلكيتين، وبوضوح مخيف،لمحت عينيه البنيتين الدافئتين تنفتحان
    واسعتين وفمه يلتوي ثم تعلوه ابتسامة هادئة.. وقفت ليز تنقل نظراتها من
    أحدهما إلى الآخر، ثم ركضت لتلف ذراعيها حول ساقي إيبرل، ونظرت إليها
    بتقطيبة صغيرة على وجهها.. وهمست..
    _من هذا الرجل إيبرل؟ انحنت إيبرل تلف ذراعها حول الفتاة وتطمئنها:
    _ لابأس عزيزتي.. إنه رجل أعرفه. لماذا لا تعودين لإكمال وضع البسكويت في
    الصينية ؟ لاتفتحي الفرن بنفسك.. أتسمعين؟ بهزة رأس صغيرة ونظرة شك للغريب
    الضخم، عادت ليز راكضة إلى المطبخ. في رغبة منها لأن تصرف النظر عن مظهرها
    السخيف جمعت إيبرل كل شجاعتها، وقالت بلهجة باردة مهذبة:
    _ لدي انطباع بأن مامن شيء آخر نقوله لبعضنا.. كان يجدر بك أن تتصل هاتفياً
    لترى ما إذا كانت زيارتك مناسبة.. لكن من الواضح أن مشاعر الناس ليست في
    لائحة أولوياتك، أليس كذلك؟ أخفض عينيه وكأنه أخرج من هجومها:_ أنا آسف
    آنسة ساوندرز، إنني مدين لك باعتذار آخر.. لكن الواقع أنني اتصلت، وتركت
    رسالة على آلة الرد الهاتفية.
    _ أوه.. ونظرت نحو الهاتف مقطبة، وكأنه تآمر ضدها.. فأكمل: _ هل أسمعك
    الرسالة الآن؟ أم تفضلين سماعها بنفسك لتتأكدي من قولي الحقيقة.. أعرف أنك
    لا تثقين بصدقي. اعترفت إيبرل بصوت محبط:
    _ لاتكن سخيفا.. أنا لم أتهمك بالكذب .. كنت أنوي الاستماع إلى الرسائل في
    المساء.. بعد أن أعيد ليز إلى منزلها.
    قال باهتمام: _ أوه.. الصغيرة إذن ليست لك؟ صاحت: بالطبع لا.. رفع باستغراب
    حاجباً أسوداً ناعماً وتسأءل:_ ولماذا.."بالطبع لا "؟ يخيل لي بأنك ستكونين
    أماً رائعة. لا أذكر متى رأيت صورة حقيقة للحياة البيتية السعيدة كالتي
    أريتني إياها اليوم.. لعب أدوار السيرك ، تحضير البسكويت، منزل دافىء حميم
    في يوم بارد ممطر.. امتلأت بالغضب لإحساسها بأنه يسخر منها ، فهزت
    كتفيها وقاطعته بصوت متعالٍ:
    _ أنا لم أراك شيئاً سيد بوكستر.. لقد تطفلت على بيت لم تدع إليه .. أرجوك
    قل ما جئت لأجله ثم ارحل. استطاعت أن تدرك من خلال النظرة التي استقرت في
    عينيه وتعابير وجهه المتجهمة أن كلماتها
    اصابته في الصميم وأنها حققت انتقاماً لعدم اكتراثه بمشاعر الآخرين. حين
    تكلم ، كان صوته بارداً كالصوت ذاته الذي يكلم فيه السيدة أغريبا.
    _ جئت أسألك إذا كان بإمكانك إعادة التفكير والقبول بالعمل كرئيسة
    للجنائنيين في أملاكي .. لكنني أرى الآن أنك لن تفعلي .. لذلك سأغير طلبي و
    ماإذا كنت مستعدة فقط للعناية بالورود.. لقد أعطيتني الانطباع بأنها تحتاج
    إلى العناية فوراً.. على أي حال لقد بدأت بهذا.. أليس كذلك؟ نظرت إليه بتفرس
    لترى إن كان يسخر منها مجدداً.. لكنها لم تجد ملامح السخرية بادية على وجهه
    ولا أثراً للدفء في عينيه السوداوين..
    فقالت بتصلب : _ لا سيد بوكستر..أنا لا أهتم أبداً بالعمل لديك سواءً أكان
    الأمر دائماً أم مؤقتاً. هز كتفيه العرضين دون اكتراث ، وهز رأسه وكأنه كان
    يتوقع ردها .. استدار نحو الباب رافعاً معطفه الواقي من المطر إلى عنقه ،
    ولاحظت إيبرل أنه أفسد تسريحة بضع خصلات من شعره الأسود.. قال بابتسامة
    ساخرة: _ رد أنثوي مثالي.. لكنه غريب إن صدر عن لسان جنائنية تنظر إلى
    عملها بجدية.
    _ مذا تعني بهذا بالضبط؟ _ قال : تميل النساء دائماً إلى ردات فعل هيستيرية
    حول أمور تافهة إنهن يفكرن بعاطفتهن بدلاً من عقولهن! كم من الرجال برإيك
    يمكن أن يغضبوا لأمر تافه مثل.. سوء التفاهم البسيط الذي حدث بيننا يوم أمس
    ؟ لعنت إيبرل نفسها بغضب لظنها أنها كانت فظة معه أكثر من اللزوم.. تصوروا
    الجرأة والواقحة! حاولت أن تفتح فمها لترد عليه ولكنها أحست أنه ينتظر
    متربصاً بها، وكأن في الأمر تسلية له، فقالت لنفسها : مهلك.. لقد استغفلت
    نفسك بما يكفي .. ولن أسمح بإظهار نوع آخر من الهيستيريا حول أمر تافه كما
    يدعي .. فابتسمت بخفة :
    _ لا أعتقد أنك محق سيد بوكستر .. أنا واثقة أن قليلً من الرجال سيتصرفون
    مثلك.. ففي البداية "سوء التفاهم" حول هويتك الصحيحة ما كان ليحدث، لأنك لو
    أبديت تلك الملاحظة "الظريفة" حول.. وقفتي.. لرجل، لتكفل بإبقائك أسبوعاً
    كاملاً دون وعي. بسرعة كبيرة ، انقلبت تعابير وجهه إلى المتعة والمرح..



    400740e3caee84af56d8f3eaec5de0a8
    0


  2. ...

  3. #2002
    ورغماً عنها، أحست إيبرل بالبهجة لسماع ضحكته القوية.. وقال بإعجاب :
    _ أنت قوة يحسب حسابها آنسة ساوندرز.. اقد كسبت نقطة. _ إيبرل؟ سمعت صوت
    الصغيرة الضعيف، فاستدارت لترى ليز تتكلم من وراء زواية المطبخ.
    _ لقد انطلق جرس ساعة التوقيت في الفرن. _ سأكون معك فوراً عزيزتي. ثم
    استدارت إلى الرجل المبتسم:_ حسناً.. إذا كان هذا كل شيء. أشار إلى المطبخ :
    _ لا تدعي البسكويت يحترق.. سأنتظر إن لم يكن من إزعاج في هذا؟ وقفت لحظة
    مترددة بين ذهابها إلى ليز والسماح له بالبقاء في شقتها، ثم استدارت واتجهت
    نحو المطبخ.. غسلت وجهها ومسحته بمنديل ورقي.. ثم تنهدت:_ أوه..الأمر ميؤوس
    منه!
    نقلت البسكويت بسرعة من الفرن إلى رف المغسل ، بينما ليز تدور حولها وتقف
    في طريقها ، وهي تضع الصينية الثانية:_ إبقي هنا صغيرتي، وانتظري ساعة
    التوقيت مجدداً.. سأعود بسرعة .
    عادت إلى غرفة الجلوس وأحست بداخلها أنها مسرورة، لقد التقيا منذ دقائق فقط
    وهاهما غاضبان بمرارة من بعضهما.. وهذا يدل على.. لكن لا شيء تغير حقاً
    سيخرج الآن وستكون النهاية بينهما. وجدته يقف قرب النافذة ينظر إلى الخارج
    مراقباً حديقتها الخلفية..قال: يالها من حديقة رائعة ساحرة.. هل عملت
    عليها؟أم أنها مع الشقة؟
    _ لا.. إنها من تصميمي بمساعدة صديق. كانت الحديقة في غاية الجمال والذوق،
    شجيرات ثلاثة من صنوبر" الموغو" المشذبة بذوق وفن تحتل الزاوية اليسرى منها،
    مع صخور صغيرة رمادية في الجانب الآخر.. باقات من النرجس البري تزهر
    ببهجة.. مساحة مغطاء بالعشب الأخضر،بالأضافة إلى أشجار الكاميليا اللماعة
    العابقة بورود زهرية اللون.
    قال غرايغ وهو ينظر إليها مفكراً: _أنت فعلاً فنانة.. ابتسمت بتواضع،
    وتمتمت::_ لطف منك قول هذا .. هز رأسه قليلاً وكأنه يعود إلى الحاضر ، ثم
    استدار عن النافذة:_حسناً.. لقد أخذت الكثير من وقتك. اتجه نحو الباب وهمّ
    بفتحه ، لكنه لم يفعل، استدار نحوها مجدداً وبدت ابتسامة ساحرة على شفتيه،
    ثم قال:_ أعتقد أنني قادر بنفسي الاعتناء بتلك الورود.. ألا تعتقدين؟ إنها
    مسألة تشذيب قدم أو ما يقارب من ارتفاعها.. أليس كذلك؟ ارتعدت لمنظر القطع
    الذي سيقوم به، فصاحت:_ لا تجرؤ أن تفعل هذا ! ثم تذكرت أنها وروده ول‎ا
    تخصها..فتراجعت:_ أعني.. أعتقد أن عملك هذا سيضرها أكثر من تركها كما هي
    ألايمكنك استخدام شخص آخر لهذه المهمة؟ قال:_ يبدو أنني مضطرا لهذا.. لكن قد
    يستغرق الأمر وقتاً طويلاً. لقد سأجد الشخص المناسب من بينهم، لذلك ألغيت
    الإعلان.. وبالطبع كنت على حق. فقد وجدت شخصاً مناسباً تماماً .. لكن يبدو
    أنني مضطر لإعادة الإعلان والعودة إلى ذلك الروتين مجدداً . وقد تمر أسابيع
    قبل أن أحل المشكلة .. وفي هذا الوقت ، فد تموت الورود من الإهمال .. لقد
    أخبرتني هذا بنفسك إن كنت تذكرين. كانت على وشك الرد حين دخلت ليز بخجل
    طبقاً من البسكويت المحلى .. نظرت إلى الرجل الغريب وقالت:
    _ لقد أخرجتها بنفسي من الصينية. قال غرايغ رداً على عرض الصغيرة الواضح دون
    كلام : _ سأحب تناول بسكويتة يكل تأكيد .. في الواقع كنت أتمنى أن تقدميها
    لي . تناول بسكويتة من الطبق، وبدأ كأنه لم يلاحظ أنها كسرت ووقع فتات إلى
    السجادة ، حيث قفز برنس من تحت المقعد يلتهمها كأسد متربص . قضم السيد
    بوكستر البسكويتة مفكراً وعيناه نحو السماء ، ولاحظت إيبرل أنه متذوق خبير..
    أما ليز فراحت تنظر إليه بترقب وفم مبتسم، حين ابتلعها نظر إليها وقال بوقار :
    _ اتعرفين.. هذه تبدو من أفضل أنواع البسكويت الذي تذوقته في حياتي؟ ابتسمت
    ليز فأخذ يدها وطبع قبلة عليها:
    _ والأكثر من هذا .. أنا لم ألتق قط بخبازة أجمل وأكثر سحراً. أطلقت ليز
    ضحكة وركضت نحو إيبرل لتخبىء وجهها في تنورتها.. نظرت عيناه إليها وأحست به
    يداعبها.. وتمتم:
    _ إنها تحبك كثيراً
    _ وأنا أحبها أيضاً كثيراً.أحست إيبرل بالحمرة تعلو خديها ، فانتزعت نظرها عن
    عينيه.. فتنحنح قائلاٌ :
    _ أجل .. لقد أخذت مايكفي من وقتك.. أم أنني قلت هذا سابقاً؟ سأذهب الآن ..
    على الأرجح لن أستطيع العناية بالورود قبل أيام ، لذا إذا غيرت رأيك اتصلي
    بي, ضحكت إيبرل بنعومة:
    _ وكأنك تعني هذا حقاً.. أقصد تشذيب الورود.
    _ أنا أعني هذا.. بعد يوم أوأثنين. وأشار بيده بحركة عنيفة:
    _ سأقطع رؤوسها.. أوه على فكرة لم أسجل رقم هاتفي في الإعلان، لكن إذا قررت
    الاتصال ستجدين الرقم مسجلاً على آلة الرد في هاتفك. وخرج بابتسامة نغرية.
    حين أقفل الباب خلفه، استدارت إيبرل لترى تعبير الرضى مرتسماً على وجه ليز..
    بعد لحظات من الصمت قالت الصغيرة :
    _ هل سمعت ما قاله عن البسكويت؟ ابتسمت إيبرل: _أجل.. وماذا عن الأشياء
    الأخرى التي قالها؟ ألم أقل لك دوماً إنك طفلة جميلة؟ ابتسمت ليز
    بشيطنة.... وأدارت عينيها الزرقاوين الصافيتين نحو إيبرل، ثم قالت بلهجة
    تفسيرية لتصحيح كلامها:
    _ لا..إيبرل.. حين قال هذا.. لم يكن يعنيني حقاً.. بل كان يعنيك أنت.
    0

  4. #2003



    الجزء الثالث( حق رجلٍ في الفتاة)



    لم تكن إيبرل تعتزم العمل لدى السيد بوكستر ، ولكنها لم تفهم السبب الذي
    جعلها تهتم بالاحتفاظ برقم

    هاتفه المسجل على آلة الرد بحيث لم تعد تفكر ، بعد أن أوصلت ليز ذلك
    المساء، سوى باسمه . كانت الرسالة على آلة الرد رسالة عملية.. مع ذلك، فقد
    شعرت بإحساس لذيذ

    لدى سماعها صوته:"غرايغ بوكستر يتكلم : آنسة ساوندرز.. لدي مسالة هامة أريد
    بحثها معك.
    سأكون في ساكر امنتو بعد ظهر اليوم .. وساسمح لنفسي بزيارتك على أمل أن
    أجدك .. إن أردتك الاتصال بي يمكن الوصول إلى في المزرعة ثم أعطى رقم الهاتف .

    مسألة هامة ..كيف يكون أمر إيجاد جنائني مسألة هامة لرجل مثله؟ رجل وسيم
    ناجح كما هو واضح، وفي الثلاثين من عمره مثل غرايغ بوكستر، لديه دون أدنى
    شك أشياء أخرى أكثر أهمية

    بكثير. استخلصت إيبرل، أن الأهمية الملحة للأمر، ومن وجهة نظره، هي رغبته
    بالخلاص مما يعتبره
    عملاً مزعجاً. أجل ..
    هذا هو الجواب الواضح..إنه مثل أغلبية الرجال اعتاد الحصول على مايريد..
    فبالنسبة إليه لا شك أنه أمر ملح له أن يتخلص من هذه المشكلة كي يتمكن من
    متابعة عمله.. حسناً، تتمنى له إيبرل الحظ في ذلك. من وجهة نظرها، حالة
    الأرض المزرية تستدعي عملاً كثيراً.

    واذا لم تُرش بمبيد للأعشاب الضارة، فستنمو وتتكاثر ولن يبقى أي سبيل لإنقادها
    سوى حرث الأرض و تسميد التراب ، قبل زراعة مرجة جديدة.. وتلك الورود
    المسكينة! بالرغم مما قال، فهو لن يشذبها وكانها سياج أشواك على حافة
    الطريق.. هل يفعل؟

    مرت الصورة مخيفة في خيال إيبرل فعقدت العزم على الاهتمام بالورود في
    الصباح التالي .. لكن، هذا فقط! إنها مصممة على عدم العمل لديها بالرغم من
    حاجته الملحة لجنائني.. كانت تدرك أنه قام بابتزازها للوصول إلى هذا
    القرار.. لكن فكرة الهلاك الذي ينتظر الورود أزعجتها كثيراً لدرجة أنستها
    خيبة أملها..

    ترددت إيبرل قليلاً قبل أن تقوم بطلب الرقم.. أرادت أن تسمع صوته، أن تكون
    على صلة ما معه، ومع ذلك لا تريد.هكذا أحست بمزيج من الارتياح والخيبة، حين
    أعلمتها السيدة أغريبا أن السيد بوكستر غير موجود.

    _ أوه.. هكذا إذن. وتسألت ما إذا كانت هذه فرصة لها لتنسى الأمر كله، وسألت
    السيدة أغريبا:
    _ من المتكلم؟
    _ أنا إيبرل ساوندرز.. قابلتك بالأمس.. قاطعتها المرأة ساخرة:
    _ وكأنه يمكنني النسيان.. قال السيد بوكستر إنك إن اتصلت بخصوص الورود،
    فبإمكانك المجىء متى شئت.لاحظت إيبرل أنه كان واثقاً أنها ستتصل. وبطريقة
    مماثلة، باردة، ردت على المرأة.
    _ شكر اًلك، سأكون هناك بعد قليل. أقفلت الخط قبل أن تقوم المرأة بذلك
    قبلها.. من أين تعلمت هذه المرأة أن تتصرف بمثل هذه الطريقة الفظة شخص لم
    يسبب لها ضرراً ؟ وصلت إيبرل إلى المزرعة بعد أقل من ساعة .. قامت بارتداء
    قفاز عمل وجدته في صندوق أدواتها، وباشرت فوراً بعملها. كان الطقس ممتعاً
    أكثر من الأمس .. يوم وصافٍ ومشمس ومرتفع الحرارة قليلاً.

    قاربت الساعة الحادية عشرة، فتوقفت إيبرل عن العمل بعد أن أنهت نصفه تقريباً
    لإحساسها بالجوع، وتناولت الغداء الذي أحضرته معها . فجأة اخترق سكون الريف
    صوت هدير محرك سيارة، ورفعت إيبرل رأسها لترى جاغوار بلون فضي تتقدم في
    الممر الداخلي الوعر، وتتوقف أمام المنزل.. لم تستطيع إيبرل أن ترى المرأة
    التي نزلت من الجانب الآخر بوضوح ودخلت المنزل دون قرع الجرس، لكن بدا
    واضحاً أنها شقراء، أنيقة الملبس .. من هي؟ لا بد أنها مقربة من غرايغ
    بوكستر لتدخل منزله وكأنها من العائلة .. ربما تكون كذلك؟ أحست إيبرل
    بالحرج لفضولها الغريب، ولتفكيرها العدائي الواضح ..

    وقالت لنفسها: واجهي الواقع! رجل مثل غرايغ بوكستر لا بد أن تكون امرأة
    كهذه في حياته.. امرأة مقربة وكأنها من العائلة، أو ربما أكثر .. ثم هناك
    احتمال آخر .. لكن إيبرل رمت بالفكرة بعيداً وانكبت تتابع عملها .. فلاشيء
    يعنيها من أمور السيد بوكستر.

    من المثير للقلق أن تستمر بالتفكير بذلك الرجل المثير للسخط والحيرة معاً ..
    عرفت إيبرل عدداً من الرجال في حياتها وأغرمت بالبعض منهم.. وهي حالياً معجبة
    بمات مورهيد المسئول الاجتماعي عن ليز .. لكن أفكارها ام تتجه بإلحاح نحو
    رجل، ولم تتجاوب من قبل للمسة منه أو لسماع صوته بمثل هذه الطريقة المثيرة
    للخوف.. هذا أمر سخيف! لم تكن تعتقد بأنها من النساء اللواتي يفقدن عقولهن
    لأجل رجل.. ورجل أبعد بكثير من منالها.. ولم كل هذا.. إنها تتصرف كمراهقة!
    وفي الحقيقة، إنها ليست معجبة بطراز غرابغ العابث الذي لا يقيم وزناً
    للعلاقات الجدية.

    كان الوقت ظهراً حين نظرت إيبرل برضى إلى كميات الأغصان المشذبة حول الورود،
    وعادت إلى سيارتها الصغيرة لتفتح لفافة طعامها.. أكلت سندويش الدجاج، وكانت
    تقضم تفاحة ندية حين لمحت من خلال زجاج سيارتها باب المنزل ينفتح لتخرج منه
    السيدة أغريبا متجهة نحوها ونظرة معاناة على وجهها.. قالت:

    _ السيدة بوكسترتريد أن تراك. أحست إيبرل بقلبها يقع بين قدميها. جف حلقها
    بسبب الخيبة و الإحباط حتى إنها كادت تختنق.. كم كانت غبية لظنها أن عدم
    وجود خاتم زواج يعني شيئاً في هذه الأيام .. بالطبع هو متزوج.. وأجبرتها
    كرامتها على استعادة تماسكها أمام المرأة.. وتنحنحت لتسأل بخشونة: الآن؟
    _ أجل .. الأن.

    أعادت إيبرل التفاحة إلى صندوق الغداء وراحت تفكر بمظهرها المشعث والمتسخ
    بعد صباح عمل. أحست بالنظرة الخبيثة التي علت وجه السيدة إغريبا.. ثم
    تبعتها إلى داخل الردهة وهناك لاحظت وجود نباتات عليلة وكأنها تحتاج إلى
    غذاء. تقدمت السيدة أغريبا أمام إيبرل في الردهة نحو الحمام الذي استخدمته
    منذ أيام، ثم تخطته نحو مايبدو أنه جناح من الغرف المتصلة ببعضها ، وتوقفت
    عند باب مقفل لتقرعه ولدى سماعها كلمة "ادخل" دخلت تتبعها إيبرل على مضض.

    0

  5. #2004

    وقعت عينا إيبرل فوراً على امراتين جالستين في مواجهة بعضهما البعض على
    مقعدين مزدوجين بيضاوي اللون وموضوعين على جانبي مدفأ مصنوعة من حجارة
    بيضاء، وبينهما طاولة وضعت عليها صينية بدت فيها بقايا غداء. كانت الشابة
    التي شاهدت إيبرل وصولها تجلس مسترخية على المفرش الناعم للأريكة.. كانت
    نظرة عينيها الزرقاوين حادة ومتفحصة..أما المرأة الأكبر سناً فقد كانت تجلس
    مستقيمة، مظهرها يدل على وقار واثق.. خصلتان من الشعر الأبيض مرتدتان إلى
    الخلف عن وجه وسيم قوي البنية، لتنتهيا خلف رأسها بتسريحة على الطراز الفرنسي .

    لكن العجيب في الأمر أن النظرة الباردة للسيدة أغريبا انقلبت إلى أخرى ذات
    تقدير، وأصبحت لهجة صوتها عذبة وهي تقدمها بلباقة :آنسة
    ساوندرز..سيدتي.أربكها هذا التحول في تصرفات المرأة، وازداد حين مدت المرأة
    المسنة يدها لمصافحة إيبرل وابتسامة لطيفة تعلو وجهها: أنا سعيدة بلقائك،
    آنسة ساوندرز.. هذه ريبيكا ماونتن.

    وأشارت إلى الشابة الأنيقة، التي أومات لإيبرل بهزة رأس كسولة .. وأكملت
    المرأة المسنة:
    _سيدة أغريبا.. أعتقد أن الآنسة ساوندرز ستكون مسرورة إن قدمت لها شراباً
    ساخناً.. أتفضلين الشاي أم القهوة عزيزتي؟ ردت إيبرل وهي تحاول جاهدة
    استرجاع هدوئها:
    _أوه!شكراً لك.. سأخذ فنجان قهوة.
    _ وأنت ريبيكا؟
    _ لا شيء لي ماريان.. يجب أن آكل وأسرع في الذهاب فأنا أتوقع زيارة غرايغ
    لشرب القهوة بعد الظهر.. ثم لدي بعض المهمات التي أنجزها في هذه الأثناء .
    شعرت إيبرل بارتياح كبير، فلا بأس أن يكون غرايغ على علاقة حميمة مع هذه
    المراة طالما ليسا متزوجين .. مع أن الأمر لا يعنيها على أي حال. وقفت
    ريبيكا ماونتن برشاقة، وطبعت قبلة خفيفة على خد المسنة.. ثم استدارت نحو
    إيبرل بابتسامة خبيثة، وقالت بصوت أجش:
    _ أمر ساحر أن ألتقي بأمرأة تقوم بأعمال جسدية.. لكن لكل امرىْ ميوله كما
    أعتقد. قالت السيدة أغريبا بإبتسامة نصر:
    _ سأرافقك إلى الخارج. رفعت صينية الطعام ولحقت ريبيكا بمشيتها التي تشبهه
    مشية عارضات الأزياء، ثم أقفلت الباب وراءهما.
    قالت السيدة بوكستر: اجلسي أرجوك، آنسة ساوندرز. وأشارت إلى أريكة التي
    كانت تحتلها ريبيكا.. أجالت إيبرل نظرها في الغرفة بحثاً عن كرسي خشبي لا
    يتسخ من ملابسها الملطخة، لكن السيدة بوكستر فهمت نيتها وقالت: لا تقلقي
    عزيزتي، ثيابك تبدو نظيفة..


    على أي حال .. أغطية الأراك يمكن غسلها.. فأنا امرأة عملية، لن اختار هذا
    اللون الفاتح لو لم يكن من السهل غسله. جلست إيبرل بحذر شديد وهي تحاول أن
    تستخلص جاهدة السبب الذي استدعيت من أجله .. ربما سيتضح الأمر بعد إدخال
    السيدة أغريبا للقهوة.
    قالت السيدة بوكستر بخفة: لهذا اشك أنك لاحظت أن الأراضي الخارجية في حالة
    فوضى..

    لقد اشترى ولدي هذا المنزل مؤخراً، وأنا وصلت إليه في نهاية الأسبوع الماضي
    .. كان لدى المالكين القدامى مشاكل كثيرة منعتهم من الاهتمام بأمور المنزل
    . وكانوا يعتبرونه مجرد منزل ريفي لهم .. لكنني أنوي وولدي أن نجعله منزلنا
    الرئيسي.. هكذا ،وكما ترين ، أمامنا عمل كثير ملزمان بإنهائه.

    تمتمت إيبرل بأدب توافق على كلامها، ثم امتنعت عن التعليق مع دخول السيدة
    إغريبا التي وضعت الصينية فوق الطاولة الصغيرة وأحست إيبرل بأنها تتصرف نحو
    المرأة المسنة بولاء كبير. وابتسمت لها كذلك بانحناءة خفيفة وهي تخرج من
    الغرفة مجدداً.
    قالت السيدة بوكستر تتابع الحديث، وهي تصب القهوة: سيصبح هذا المنزل مميزاً
    جداً كما أعتقد.. وأعرف أن على المرء أن يحب ويحترم المنزل العائلي.. لكن
    يجب أن أعترف أنني سعيدة لخلاصي من منزلي.. لقد عشت طويلاً في واحد من تلك
    البيوت القديمة الضخمة قرب " ما كنلي بارك".. أتعرفين المنطقة؟

    ذهلت إيبرل للمصادفة وقالت: أوه بالتاكيد أعرفها.. لقد تربيت هناك.
    _ حقاً! ستفهمين إذن كيف أن امرأة مسنة مثلي، تعيش بمفردها تفضل منزلاً ظريفاً
    دافئاً كهذا .. وأنا ممتنة جداً لغرايغ لإصراره على أن أسكن معه هنا.. فليس
    كل ابن أعزب يرغب بأن تكون أمه العجوز بين يديه.

    اعترضت إيبرل على قول السيدة بوكستر بأنها امرأة عجوز.. لكنها وافقت في
    سرها على أن بقاء أم مع ابنها الأعزب، بغض النظر إن كانت عجوز أم لا، هو
    أمر قد لا يرحب به الكثير من العزاب.. وهذا أمر يظهر جانباً انسانياً من
    نفسية الرجل لم تقدره إيبرل أبداً.وتابعت المرأة : بالطبع ، أريد أن يفيده
    وجودي معه، فبسبب أعماله لديه مكان سكن في ساكرمنتو، وشقة في سان فرانسيسكو..
    ،
    لكنه الآن وقد تجاوز الثلاثين، يبدو أنه شعر بالحاجة إلى بيت حقيقي،
    ألأ توافقينني الرأي؟ وإلى أن يتزوج ويكون له زوجة تصبح محور حياته،أتمنى أن
    أساعده قدر استطاعتي. قالت إيبرل : أفهم هذا.

    ربما لهذه المرأة علاقة بتصميم ابنها الملح على إصلاح الأراضي.. وراودتها
    فكرة أن الحديقة منزل السيدة بوكستر السابق لا بد كانت مرتبة ومعتنى بها
    مثل حدائق الخالة مارغريت.. قد لا تعترض أمه على منزل ريفي بسيط لكنها لن
    تقبل العيش بالتاكيد وسط هذه البرية.. وبكل تأكيد، ريبيكا المتكبرة التي
    أحست إيبرل أنها المرشحة الأولى لمحور حياة غرايغ المستقبلية، ستتوقع محيطاً
    يناسب جمالها.. وعاد انتباه إيبرل إلى السيدة بوكستر وهي تسمعها تقول:
    _ أرى ، حسب كتاب تعريفك، أن إيان هيوشو هو الذي دربك.. وفي ساكرمنتو، لا
    يستطيع أحد سوى التفاخر بشرف كهذا.

    أحست إيبرل بالاعتزاز لمعرفة أن اسم إيان العزيز وشهرته يعيشان بعده،
    وسألت:أوه..أتعرفين إيان؟
    _ أجل ..قد كانت حدائق مارغريت باون مثار حسد كل أهالي ساكرمنتو.. وعرض
    عليه كثيرون رواتب مغرية جداً للعمل لديهم ولكنه لم يقبل تركها.. وما من أحد
    فهم السبب، فهي لم تكن تقدره كما يجب وكان بإمكانه العمل لحساب غيرها
    وتحسين وضعه.

    أحست إيبرل بالاحراج لما سمعته من السيدة بوكستر، ومع أن معظمه كان جديداً
    على مسمعها ومذهلاً، إلا أنها أحست أن عليها أن تتكلم فوراً قبل أن تتفوه
    العجوز عن الخالة مارغريت قد يجده كلامها محرجاً . أكملت السيدة بلهجة من
    يتذكر: أذكر حفلة أقامتها مارغريت في الحديقة.. قاطعتها إيبرل بسرعة:
    _ مارغريت باون هي خالتي سيدة بوكستر .. لقد ربتني، وهكذا دربني إيان..بدت
    الصدمة على وجه المرأة :
    _ أوه.. يافتاتي العزيزة .. ماذا فعلت! هل قلت شيئاً أساء إليك؟ سارعت إيبرل
    تطمئنها بصوت لطيف: بالطبع لا .. فأنا كذلك كنت أدرك أن خالتي لا تقدر إيان
    حق قدره.

    لكن السيدة بوكستر بدت محرجة، ربما من الافكار التي روادتها بشأن السيدة
    مارغيت وكانت تهم بقولها ، لو لم تتدارك إيبرل الموقف . رق قلبها للمرأة
    المسنة التي بدت تائهة، فاختارت كلماتها بحذر في محاولة لتلطيف الجو، وكي
    لا تكون جاحدة لجميل خالتها. قالت للسيدة بوكستر بخفة وصوت مرح:
    _ أتعرفين؟ .. لقد شرح إيان لخالتي عدة مرات أن قطع الورود يجب أن يتم من
    فوق خمسة عقد للبراعم.. لكنها كانت تصر على قطعها بشكل عشوائي حتى يتناسب
    طول سيقانها مع الفازة التي تفكر بها.. حتى أننا اضطررنا، هو وأنا ، إلى
    منعها من قطع الورود.
    ارتاحت إيبرل لاسترخاء وجه السيدة بوكستر وضحكت وهي تعيد ملء فنجاني
    القهوة، أصبح تعبير وجه السيدة مفكراً:
    _ إذن أنت هي ابنة الأخت الصغيرة التي ربتها مارغريت بعد وفاة أختها.
    0

  6. #2005

    وكأنها رجعت إلى ماضٍ مليء بالذكريات الجميلة، رفعت رأسها مبتسمة بحياء.
    ورأت إيبرل ابتسامة غرايغ الفاتنة مرتسمة على وجه أمه، لا شك أنه ورثها عنها.
    _أعتقد أننا التقينا من قبل، مع أنك كنت صغيرة جداً لتتذكري.لقد زرت مارغريت
    يوماً،وخلال الزيارة ذكرت أن صديقة لنا تحدثت بإعجاب عن الورود رائعة في
    حديقتها، وسألتها إن كان بإمكاني رؤيتها. فاصطحبتني إلى الحديقة.. وهناك
    وجدت إيان يعتني بالورود كالعادة، وفتاة صغيرة تلعب إلى جانبه.. وهناك وقفت
    السيدة مارغريت مرتبكة أمام مجموعات الورود المختلفة ، ولاحظتُ وقتها أنها
    لا تعرف أي من الأنواع هو ورد السلام الأبيض .. ثم مدت يدها إلى وردة
    بيضاء، فناداها إيان وتقدم نحونا بسرعة فائقة وهو يلهث، ثم ابتسم وانحنى
    أمامنا قائلاً إن الآنسة إيبرل ستكون مسرورة بأن تقطف لنا الورود التي
    نريدها، فأخبرتها مارغريت بأن السيدة بوكستر ترغب في وردة سلام .. ومع أنك
    لم تتجاوزي الثامنة يومها، فقد تناولت المقص من إيان، ودون أي تردد، تقدمت
    نحو الورود المطلوبة، وقطعت ثلاث زهور بدرجة متساوية من الطول.. هل تذكرين
    هذا؟

    ابتسمت إيبرل والحنين يملأ قلبها.وقالت: لا ..أنا آسفة، لا أذكر هذه
    الحادثة بالذات، فقد كان هذا الأمر يحدث دائماً..
    امتنعت إيبرل عن تناول فنجان قهوة آخر،وقالت:كان هذا لقاء ساراً جداً سيدة
    بوكستر.. لكنني يجب أن أنهي عمل.. هل تمانعين الآن.
    _ بالطبع.. لقد كنت أنانية.. امرأة عجوز ثرثارة. لكن قبل أن تذهبي.. أتساءل
    إن كان بإمكانك الإصغاء إلى قصتي المؤسفة، إيبرل .. هل تمانعين في أن
    أناديك باسمك؟

    فقالت إيبرل : بالطبع لا . أرجوك.
    _ شكراً لك عزيزتي.. الواقع أنني تسرعت ووعدت منظمي جمعية أنتمي إليها بأنهم
    يستطيعون استخدام هذه الحدائق لحفل خيري صيفي.. سيكون ذلك في حزيران
    (يونيو).. ولقد حاول غرايغ العزيز استخدام جنائني لمركز دائم.. لكن ، كما
    تعرفين..وبدأت عيناها تلمعان فأكملت .. لم ينجح. لطالما كان لغرايغ طبيعة
    متقلبة، لكن بجب أن أعترف أنني نادراً ما رأيته ضجراً ومحبطاً كهذه الأيام..
    حين عودته بعد ظهر الأحد مباشرة، كان شديد الحيرة والتفكير.

    قال إنه وجد جوهر بين النفايات.. لكنها رفضت العمل. وقال: لقد فعلت ما
    بوسعي .. والباقي عليك.. وحين سألته أكثر قال لي على مضض إن هذا حدث يوم
    جئت لمقابلته. أحست إيبرل بحرج رهيب لمعرفة السيدة بوكستر بتفاصيل ما حدث،
    وكم تمنت أن تعرف كيف شرح لأمه تصرفه الخشن معها. ولكنها حاولت ولأجل
    العجوز، أن تستخف بما حصل.

    _ كان مجرد سوء تفاهم سخيف سيدة بوكستر .. أعتقد أنني كنت متوترة أكثر من
    اللازم.
    _ ربما، وربما لا عزيزتي.. فغرايغ يميل إلى التصرف بحرية كبيرة في بعض
    الأحيان.. لكن المهم في الأمر أنني أخذت على عاتقي أن أجد جنائنياً لأنني
    أنا المستعجلة. لذلك سيكون موظفاً عندي ولا علاقة لغرايغ به فهل لهذا فرق في
    مسألة قبولك العمل أم لا؟

    ترددت إيبرل تفكر.. كم ستؤثر عليها هذا التغيير؟ لا مجال للسؤال أنها بحاجة
    إلى العمل .. وبكل تأكيد ستكون سعيدة بالعمل مع امرأة تعرف فعلاً أن هناك
    قواعد وأوقات معينة يمكن قطع الورود خلالها.. وإذا لم تكن على اتصال مع ذلك
    الرجل .. قالت مبتسمة: أجل سيدة بوكستر أظن لهذا فارق كبير.

    ابتسمت السيدة بارتياح: أوه..أنا مسرورة جدلً إيبرل. سنقضي أوقاتاً ممتعة
    لجعل هذا المكان كالجنة.. وأريدك أن تعلمي أنني أكن كل الإعجاب لخيارك
    العملي. أحنت إيبرل رأسها لتخفي دموع العرفان بالجميل التي لسعت عينيها
    ..فعدا عن إيان ، كانت السيدة بوكستر الوحيدة التي أعطتها التقدير لخيارها
    بأن تكون جنائنية.

    تكلمت السيدة بصوت منخفض وكأنها تسر لها: ألست ممتنة لأنك شابة في زمن
    تستطيع الفتاة فيه أن تقوم بالعمل الذي يثير اهتمامها؟ أتعلمين، لو كنت
    فتاة شابة اليوم لرغبت في أن أمتهن قيادة الطائرات.
    ضحكت إيبرل: أتمنى لو أن معظم الناس ينظرون إلى الأشياء كنظرتك سيدة بوكستر.
    قالت السيدة : أوه .. تباً عزيزتي..إنهم تافهو العقول ودون إبداع، يخافون
    المغامرات وحياة المخاطرة .. يجب أن تتعلمي عدم الاهتمام بهم.

    أحست إيبرل بالنشاط لكلام السيدة بوكستر، ووضعت الأخيرة معطفها فوق كتفيها
    استعداداً لأن تريها مكان نومها.. الراتب الذي اتفقتا عليه كان أكثر من سخي،
    وستتمكن الآن من مساعدة الزوجين إيفنز مادياً .. مرت المرأتان عبر غرفة
    الجلوس الكبيرة المواجهة للمدخل، وقالت السيدة بوكستر إن بإمكان إيبرل أن
    تهتم بالنباتات الداخلية الاستوائية، اتجهتا عبر الشرفة نحو المنزل التابع
    لبركة السباحة و قالت إيبرل للسيدة:
    _ لدي قط سيدة بوكستر.. آمل أن لا يكون هناك إزعاج في هذا.
    _لا بأس أبداً .. أنا مغرمة بالقطط.لا تبدو هذه السيدة كغيرها من العجائز!
    كانت تسير متمتعة بجو الريف النقي.
    _ مااسم قطك؟
    _ برنس.

    أحست إيبرل بصحبة حميمة وبرغبة كبيرة في احتضان السيدة بوكستر.
    _ لقد أسميته برنس، لأنه قوي المظهر ولطيف المعشر. وصلتا إلى المنزل
    ضاحكتين، ودفعت السيدة بوكستر الباب لينفتح، ثم أشارت إلى إيبرل بالدخول..
    كان تصميمه أكثر دقة.. الغرفة الرئيسية كبيرة، بمدفئة من الحجر الأسود.
    النوافذ العريضة من الخشب الأبيض.
    دعتها السيدة بوكستر:
    _تعالي لتشاهدي المطبخ. كان المطبخ الأكثر جمالاً الذي رأته إيبرل في
    حياتها، مكتملاً بكل الأدوات التي تم اختراعها.سألت السيدة بوكستر: هل تحبين
    الطبخ؟ فقالت إيبرل:أجل ، وأنا بارعة فيه.. قالت المرأة المسنة بحماس: حقاً!
    ربما تقومين بدعوتي يوماً للغداء.

    تممت إيبرل أنه يشرفها هذا، لكنها تساءلت عما إذا كانت ستجد صعوبة في
    المحافظة على هذه العلاقة بين رب عمل وموظفه. محاولة تغيير الموضوع:
    _ بما أن هذا المنزل تابع لبركة السباحة، ألن ينزعج ضيوفكم صيفاً؟
    _ أوه..لا.. فغرف الضيوف في الجانب الآخر الأقرب إلى المنزل .. وماهو أهم،
    أرجو أن لا تنزعجي أنت من الضيوف! على أي حال،سنستقبل الناس في نهايات
    الأسابيع وأتوقع أن تكون لفتاة جميلة مثلك اهتمامات أخرى لقضاء أوقات
    فراغها الأسبوعية بدلآً من إمضائها في المنزل.
    0

  7. #2006

    لمحت السيدة نظرة مترددة على وجه إيبرل فأكملت مضيفة: لكن لا يجب أبداً أن
    تشعري بأنك مضطرة لمغادرة بيتك إذا كنت لا تريدين.. وأتصور أنك سترغبين في
    استضافة أصدقاء لك من وقت لآخر.. أؤكدأن كل شيء سيكون على مايرام .. فعائلة
    بوكستر ليست اجتماعية جداً على أي حال .

    بحثت إيبرل مع المرأة كافة التفاصيل المتعلقة بالسكن وموعد انتقالها إليه
    بالإضافة إلى مصاريف احتياجاتها المنزلية اليومية.ثم ودعت السيدة بوكستر
    بمصافحة قوية ، وعادت لتكمل عملها في الحديقة ..وهناك راحت تستعيد كل ما
    جرى معها في هذا اليوم المميز وأحست بأنه من أسعد الأيام التي مرت في
    حياتها خلال الأربع وعشرين سنة الماضية .. لقد حصلت على منطقة خاصة بها..
    بما .. أن الأرض تعتبر ملكاً لمن يعمل فيها .. وهذا أقصى ما كانت تطمح
    بالحصول عليه حتى إن بقيت دون تأسيس عائلة خاصة ، فهي قانعة بما وصلت إليه.
    كانت الساعة تقارب الرابعة بعد الظهر والظلام يوشك على الهبوط، حين أنهت
    إيبرل وضع كل الأغصان المقلمة في أكياس بلاستيكية سوداء، ليقوم بأخذها عامل
    التنظيفات ..

    جمعت إيبرل معداتها، وكانت تفتح الباب الخلفي لسيارتها حين أطلت البورش
    السوداء من حيث لا تدري، متهادية فوق الحفر في الممر الداخلي.. حفر يجب أن
    يتم إصلاحها قبل أي شيء آخر.. وتوقفت السيارة في مواجهة سيارتها مباشرة.
    وبما أنها كانت تشعر بالرضى والقناعة من عملها الجديد والمستقبل الهانئ
    الذي ينتظرها، فقد أحست بسعادة غامرة لرؤية غرايغ بوكستر .. لاشيء مما حدث
    في الماضي يمكن أن تكون له أهمية في هذه اللحظة ..ربما لن يدوم الأمر ، ولا
    يجب أن يدوم .. لكنها الآن مبتهجة لرؤيته نشيطاً، يمتلئ رجولية وقوة، وهو
    ينزل برشاقة من السيارة ويتقدم نحوها بابتسامته الساحرة التي لاتقاوم.

    قال يحييها:تبدين مشرقة بعد نهار عمل بهذه الثياب والقفازات.. مع أنك كنت
    جميلة أيضاً مع الفم الليلكي! ضحكت إيبرل وقالت: لاتبدو عليك الدهشة
    لرؤيتي..قال :كنت أعرف أن أمي ستنجح في التحاور معك، فهي لم ترض يوماً سوى
    بالأفضل.. ولقد تعلمت هذا منها.
    _لكن مالذي جعلك تظن أنني قادمة؟
    _ أوه.. أنت مستعدة للسير في النار جهنم لأجل عملك. وعرفت أنك لو قابلت أمي
    .. فلن تألو جهداً لإقناعك بالبقاء . أحست بارتباك وأضافت: حسناً ..لاشك أن
    الأخبار تنتقل بسرعة . _ الأخبار الجيدة طبعاً .. لقد اتصلت بأمي لأستعلم إن
    سار كل شيء على مايرام ..لم أكن واثقاً من أنك ستخضعين حتى لسحر أمي .. ولو
    لم تفعلي.. فلم أكن على استعداد لمواجهة طباعك الغاضبة مجدداً .

    ضحكت إيبرل: تجعلني أبدو وكأنني من برج العذراء!قال: لا..أبداً .. لكنك خصم
    يحسب له حساب. ساد بينهما صمت قصير، بدا خلاله لإيبرل أن بإمكانه قول
    مايحلو له الآن ولن تظن ذلك سخيفاً أومضحكاً. وردت ممازحة:الآن على الأقل لن
    أموت جوعاً.
    وشاركها بأن رمى رأسه إلى الوراء وضحك بطريقة حركت مشاعرها وأثارت تسارع
    خفقات قلبها.. وظلت البسمة مرتسمة على وجهه وهو ينظر إليها متفرساً في
    العتمة المتزايدة.

    تبدين لي كوردة حمراء ندية.. أتعرفين هذا؟ احمر وجهها وأدارته بعيداً
    فقال:لا..لاتنظر بعيداً..أظن أنني سأدعوك"الحمراء"إن لم يكن لديك اعتراض.لم
    تعد تملك القوة للاعتراض،كل ما فعلته هو أنها وقفت مسمرة ونظرتها متشابكة
    بنظرته.
    أخيراً قال بمرح:لا شك تذكرين أنك أعربت عن تفضيلك الموت جوعاً على العمل
    لدي، لكن بما أنك الآن تعملين بأمان مع أمي ..
    هل لي أن أقول لك شيئاً؟أنا كذلك أفضل الموت جوعاً على أن تعملي لي.

    فغرت إيبرل شفتيها دهشة لهذه الملاحظة المثيرة للسخط، لكن قبل أن تجمع
    شجاعتها لترد، خطفها كما يخطف الصقر فريسته ولف ذراعيه حولها بقوة لم
    تستطيع معها أية مقاومة. وزاد من ضغط عناقه لها حتى أحست بمشاعر دافئة
    تتسلل عبر جسدها،وتوقف دماغها عن التفكير. وسرعان ما لم يعد هناك في العالم
    شيء سواهما.

    عادت فجأة إلى وعيها، فجذبت نفسها بعيداً عنه لترى السيدة أغريبا تقف أمام
    الباب المفتوح للمنزل.. كان الوقت قد أصبح شديد الظلمة لتميز تعابير وجهها،
    لكن هناك ما يكفي من ضوء لرؤية الرفض المصدوم في وقفتها.. الآن ستضيف هذه
    المرأة الرهيبة نقطة سوداء لإيبرل،وستزداد كراهيتها لها.

    فجأة تعالى صوتها كنورس:
    _ سيد بوكستر! هاتف مهم لك. هزت إيبرل نفسها كحمامة متعبة، واستدارت إليه
    وقالت: ماذا تعني بجرأتك هذه؟ ومن أعطاك الحق.. بأن تتصرف هكذا...
    _ حق أي رجل في فتاة، ياوردتي الجميلة الحمراء.. أما بالنسبة لجرأتي، فإن
    لم يكن لديك ما يشغلك الليلة، فكري بها. وأنا واثق أن فتاة ذكية مثلك
    تستطيع فهمها. صاحت به وهو يستدير متجهاً نحو المنزل: حقير!
    رده الوحيد كان أن استدار ولوح لها بغير اكتراث، قبل أن يركض ليرد على
    المخابرة الملحة.. ولم تكن بحاجة لكثير من التفكير كي تعرف من المتكلم! عضت
    إيبرل بشدة على شفتها السفلى لتوقف دموع الغضب التي كانت تغرق عينيها..
    لسوف تموت قبل أن تسمح له باستغلالها مرة أخرى! "حق رجل في فتاة.." حقاً!
    وأحست بالحقد يعتمر في قلبها.

    أدارت إيبرل سيارتها بعنف، وانطلقت بسرعة عبر الطريق الداخلية الوعرة،
    باتجاه منزلها الذي تخلت عنه لتوها وإلى بؤس لا تعرف مقداره سوى السماء وحدها!


    0

  8. #2007
    4_ حلاوة الانتقام


    كانت إيبرل تغلي غضباً .. دفعت سيارتها الى أقصى درجات سرعتها في رغبة منها
    كي تضع أطول مسافة ممكنة بينها وبين ذلك الرجل المتعجرف .. حتى لفتاة
    بلهاء، لم يكن يلزمها طوال المساء لتفهم معنى ملاحظته المثيرة للسخط.. إنه
    يفضل الموت جوعاً على أن تعمل له.. إنه رجل متعال أكثر من اللازم ويخشى أن
    يتهامس بنو جنسه حوله لا ستئجاره امرأة من أجل القيام " بعمل رجل".


    ثم.. لو أن إيبرل موظفة لديه، ما كان ليأخذ حريته كما هو واضح أنه يعتقد
    الآن ، وربما تخلى عن التزاماته نحوها. أوه.. إنها تعرف أن العديد من أرباب
    العمل يستغلون موظفاتهم بطريقة أو بأخرى.. لكنها تشعر، وبقدر ماتكره غرايغ،
    أنه ليس من النوع الذي يستخدم نفوذه كرب عمل لاستغلال موظفة لديه..

    ولكن مهما يكن من أمر فقد أخطأ بحساباته هذه المرة! لقد وافقت على الوظيفة
    وتريدها، ولن تدعه يفسد كل شيء.. لا لها، ولا لأمه! لكنها ستتأكد أولاً من
    أن يفهم القواعد الأساسية: إيبرل موظفة لدى السيدة بوكستر وليس لديه.. وهي
    ليست بالفتاة التي تنغمس في عبث عابر.. لذا، فليوفر عناقه وإطراءه للجميلة
    ريبيكا.

    حين وصلت منزلها، وجدت رسالة على آلة الرد في هاتفها من مات مورهيد .. حين
    طلبته دعاها للعشاء، فقالت بسرور:
    _ لن أتمنى شيئاً أفضل.. أشعر برغبة في الاحتفال الليلة.. أتذكر ذلك العمل
    الذي تقدمت له؟ لقد حصلت عليه!
    _ رائع! في هذه الحالة ، سأصطبحك الى مطعم " أولد ساكر منتو" فهذا يدعو إلى
    احتفال مميز.. لايتحقق كل يوم حلم لفتاة.

    لم تكن بحاجة لصديق أكثر إخلاصاً من مات.. لسوف تعتني أكثر من العادة
    بزينتها ولباسها، وستجعله فخوراً بها.. لكن أولاً يجب أن تكلم مدير مجمع
    الشقق بأمر انتقالها .بدا أن السيد واتسون كان ينتظرها، فقد هز رأسه بنفاد
    صبر حين بدأت تخبره عن سبب زيارتها
    _ أجل..أجل..أعرف..لقد اتصلت السيدة بوكستر للتو وشرحت لي الأمر كله..من
    الطبيعي ان أكون سعيداً بتنفيذ ما طلبته مني.. فآخر شيء أفكر به هو أن أقف
    في طريقك، إيبرل.. فهذه فرصة رائعة لك.. ومع وجود عائلة بوكستر كمرجع تعريف
    عنك في المستقبل، ستتمكنين من كتابة تذكرة نجاحك بنفسك.

    صاحت به ممازحة: واو! بدلاَ من أن أخبرك بنفسي عن خططي .. لماذا لا تخبرني
    أنت عنها! مالذي طلبته السيدة بوكستر وستكون سعيداً للقيام به؟
    _ لقد قالت إنكما اتفقتما على أن تبدأي العمل لديها فوراً.. لكنك لن تنتقلي
    إلى هناك قبل أن يمر ثلاثون يوماً على إنذارك بترك العمل هنا.
    _ هذا صحيح.. فأنا متفقة معك على العناية بالحدائق سيد واتسون.. ولن أدعك
    في موقف محرج.
    _ لا تأبهي لهذا.. فهناك القليل من كانون الثاني على أي حال.. قالت السيدة
    بوكستر إن لم يكن هناك مانع لديك ولدي ، أنها ستدفع عنك إيجار آخر شهر
    مقابل شهر الإنذار بترك العمل كي تتمكني من الاستقرار عندها بسرعة، وبذلك
    تتجنبين الانتقال ذهاباً وإياباً لعشرين ميلاً كل يوم.. وأظن أن هذه لباقة
    منها ، ألا تعتقدين ذلك؟ لن يتوقع المرء أقل من هذا من عائلة بوكستر.

    لاحظت إيبرل أن السيد واتسون يعرف أشياءً عن العائلة لا تعرفها هي .. لكن
    بدلاً من أن يسخر منها لجهلها، هزت رأسها تتمتم بالموافقة على كلامه.. وبعد
    ان اتفقت معه على كل التفاصيل، رجعت الى شقتها لتستعد للخروج إلى العشاء مع
    مات .

    اغتسلت وجففت شعرها، ثم عقصت أطرافه إلى الداخل ، ووضعت طبقة رقيقة من كريم
    الأساس على بشرتها ولمسة من اللون الأحمر لتزيد بروز خديها ،ظلال للعيون
    أعطت لوجهها إشراقاً رائعاً أحست به، وهي التي لا تعي مدى جمالها.
    من بين فساتينها القليلة الجميلة، اختارت فستاناً من الجيرسي الأخضر الجادي
    اللون، بأكمام طويلة وياقة مرتفعة، وتدلى القماش بنعومة فوق جسدها.

    وكانت تضع قرطاً من الجاد أرسلته لها خالتها في آخر عيد ميلاد لها حين قرع
    جرس الباب وركضت لتفتحه. بدا مات كذلك وكأنه اعتنى عناية خاصة بما يرتديه
    لموعدهما . شعره الاشقر القاتم المجعد بدا مقصوصاً ومسرحاً، ابتسامة الإعجاب
    على وجهه انعكست في عينيه البنيتين الدافئتين.

    أخبرته إيبرل باختصار اثناء المسافة القصيرة إلى المطعم، عن عملها الجديد..
    وصفت له الأملاك وموقعها، ومكان إقامتها الجديد في ذلك المنزل الرائع،
    واجباتها، وما إلى ذلك.. دهشت من نفسها لإخفائها عن مات ما حصل خلال
    المقابلة الأولى مع غرايغ.. منذ أسبوع خلا، كانت ستسرد عليه بالتأكيد مثل
    هذه القصة كنوع من الفكاهة المسلية. ولضحكا معاً.. لكنها الآن، تشعر أنها لا
    تريد أن تشارك هذا مع أحد، حتى العزيز مات .. وهناك تفسير واضح لترددها،
    فهي لا زالت تغلي غضباً من الإذلال المتكرر الذي عرّضها
    له غرايغ بوكستر، ولا تريد أن يعرف مات بهذا الأمر.

    إنها السادسة والنصف الآن وقد حملت ظلمة الشتاء في الشوارع المعبدة . في
    المساء هذا الأثنين من الشتاء، كانت المنطقة هنا أقل ازدحاماً بالسياح
    والمواطنين، مما تذكره إيبرل..قال مات : ها قد وصلنا. وقاد إيبرل إلى مدخل
    بناء كان قديماً معرضاً مزدهراً.
    كانت السلالم العريضة والدرابزين مصنوعة من الخشب السنديان الصلب، المتحول
    لونه إلى الذهبي من تأثير ملامسة مئات الأيادي عبر السنين.. وقف مات عند
    منصة الاستقبال، التي كانت يوماً مكاناً للصراف، وأعطى اسمه .ثم دخلا المقهى
    الصغير بانتظار تقديم العشاء.

    قالت إيبرل بخفة:
    _كم أحب المجيء إلى ساكرمنتو القديمة، ورؤية المباني القديمة، والارصفة،
    وكل المنحوتات اليدوية ..ألا تتصور كم أبدو سخيفة ،وأنا مأخوذة ببناء يزيد
    عمره عن المئة عام بقليل؟ ضحك وقال:
    _ لابأس في هذا .. فأنت تعيشين في بلد لازال حديثاً.. فحتى الزمن هنا قصير.
    وصل شرابهما، وهي ترفع كوبها إلى فمها لتحيي صورتها المنعكسة في المرآة مع
    مات . رأت وبرجفة قلب قوية، الوجه الأسمر المبتسم الساخر لغرايغ بوكستر
    يبرز فجأة فوق كتفها الأيمن، وإلى جانبه ريبيكا ماونتن البادية الانزعاج.قال
    بلهجة جافة:
    _ مساء الخير آنسة ساوندرز.. كم من الممتع أن أراك مرة أخرى وسريعاً.

    ابتلعت إيبرل ريقها بصعوبة، وهزت رأسها تحية لصورته المنعكسة .. ثم استعادت
    شجاعتها، واستدارت لتواجهه مباشرة، وقدمته إلى مات مع إحساس بالدوار.. مد
    مات يده مصافحاً غرايغ:
    _ أنا سعيد جداً بمقابلتك سيد بوكستر..كانت إيبرل تبدي إعجابها للتو بالعمل
    الذي أتممته هنا. عم يتحدث مات بحق السماء؟ ولماذاهذا الاهتمام في صوته؟
    وتابع قائلاً:
    _ هل لك بأية علاقة بترميم هذا المبنى؟
    _ أنا فخور بأن أقول نعم.. كما إننا رممنا مرآب وقوف السيارات وبعض
    الأبنية في الشارع الثاني.
    _ لقد قمت بعمل جبار.. إيبرل وأنا كنا نقول لتونا إن المكان يبدو وقد انتقل
    في الزمن نحو مئة إلى الوراء.
    _ لطف شديد منك أن تقول هذا سيد مورهيد.. لقد تمتعنا جمعياً بالعمل في هذا
    المشروع..

    راح الرجلان يتحدثان باهتمام، فاغتنمت إيبرل الفرصة ولاحظت الثياب التي
    كانت ترتديها ريبيكا ماونتن. وتنهدت في داخلها.. إنها فتاة من الصعب
    منافستها.. ومع سأم ريبيكا من تركيز اهتمام الرجلين على حديث الأعمال، قالت
    لإيبرل:
    _ ياله من فستان جميل ترتدينه آنسة ساوندرز.. تبدين مختلفة تماماً عما رأيتك
    في الصباح هذا اليوم حتى أنني ماكنت لأعرفك لولا أن أشار غرايغ إليك.

    ثار غضب إيبرل.. لكن ، وفي الوقت المناسب، تذكرت أن إيان هيوشو علمها فنون
    القتال بشرف! فردت ببرود:
    _ وأنت ، من ناحية أخرى، تبدين جميلة كما كنت في الصباح.. آنسة ماونتن. تحول
    وجه ريبيكا إلى لون أحمر قاتم لانكشاف خبثها الحاقد من خلال رد إيبرل المطيّ
    لها . ونظر الرجلان إلى الأرض وابتسامتان ماكرتان تعلو وجهيهما فنالت إيبرل
    نصراً إضافياً لمعرفتها
    أنها لم تقل سوى الحقيقة.
    0

  9. #2008

    جاء الساقي يقودهما إلى طاولتهما وسط ارتياح إيبرل ، فبل أن تتاح الفرصة
    لريبيكا أن تستفيق وترد.. بعد أن جلسا، وضع مات منديله على حجره وفعلت
    إيبرل مثله ثم سألت:
    _ كيف حدث أنك تعرف غرايغ بوكستر؟ ضحك مات:
    _ ألاتقرأين الصحف أبداً؟ ولاصفحات المجتمع؟ الجميع في كاليفورنيا يعرفون من
    هو غرايغ بوكستر.. فمؤسسة بوكستر للبناء هي إحدى أكبر الشركات في الولايات
    المتحدة..اجفلت إيبرل:
    _ هل هو"ذلك" البوكستر؟ بالطبع سمعت عن الشركة، ولقد رأيت لوحاتها على
    مواقع بناء في المدينة طوال حياتي.. لكن، لا.. أنا لا أقرأ صفحات المجتمع،
    وأنا لم أسمع بالاسم الأول لمالكها من قبل.. لذا.. لم أربط بين الاسمين.
    لاعجب أن السيد واتسون كان متحمساً جداً.

    ولهذا إذن يعتقد غرايغ أنه قادر على استغلال مشاعر الآخرين للوصول إلى
    مايريد.. إنه يدير شركة ضخمة ولم يأته النجاح بسهولة.
    تابع مات يقول إن والد غرايغ بنى الشركة بقرض مصرفي بعد الحرب العالمية
    الثانية، وبمساعدة شريكه ليونيل ماونتن استطاع أن يوصل شركته إلى مصاف أكبر
    شركات البناء في كاليفورنيا، وأكمل يقول بإعجاب:
    _ منذ وفاة أبيه، أي حوالي عشر سنوات، وسع غرايغ نشاط الشركة إلى كل
    العالم.. إنه رجل فذ. كررت إيبرل:
    _ ليونيل ماونتن؟ أتساءل إن كان هذا والد ريبيكا؟ لو كان هذا فهو يعني أن
    لديهما مصلحة عمل مشتركة.. وهذا سبب إضافي كي يتزوجا.. وكأن أفكارها كانت
    مغناطيسياً جاذباً، فقد رأت الاثنين يدخلان إلى غرفة الطعام، ويتجهان نحو
    طاولة وضعت في زاوية حميمة لشخصين.. بإ حساس ثقيل موجع في صدرها، رأت إيبرل
    ريبيكا تمد يدها عبر الطاولة لتمسك بيد غرايغ. ثم تبتسم له بشغف المحب وعي
    تقول كلمات لم تفهمها إيبرل.

    خلال تقديم العشاء، سرد مات على إيبرل تفاصيل يومه المتعب.. فبالإضافة إلى
    حمل مسؤوليته الكبيرة عن عشرين عائلة، كان يعيش يومياً مع حمل عاطفي ثقيل
    لايصدق.. حينها تذكرت إيبرل التزامها العاطفي بليز وعائلة إيفنز ، وتعجبت
    كيف يتحمل مات ضغط مشاكل عشرين عائلة.

    كانت إيبرل تعتقد غالباً أن إخلاص مات لعمله هو الذي يمنعه من الاهتمام
    بجدية بأمور حياته الخاصة.. فكما تعلم كانت الصديقة الوحيدة المقربة منه،
    وكان يمنح حبه لزبائنه ولا يوفر شيئاً لنفسه. لم تشعر إيبرل بالاهتمام لعمل
    مات كما كانت دائماً، وهو أمر جعلها تشعر بالانزعاج. وأدركت أن اهتمامها
    تحول نحو الشخصين الجالسين في زواية.. وهما الآن يتناولان العشاء.. وأعجبت
    بتعبير وجه غرايغ وهو يتناول الطعام ويصغي إلى حديث ريبيكا.. ولم يعد
    اهتمامها الشارد إلى ما كان يقوله مات إلا بعد أن سمعته يذكر اسم ليز.

    _ ليز تتقدم بشكل جيد، وأتمنى لو أستطيع قول نفس الشيء عن أمها.
    _ هل ذهبت لرؤيتها؟
    _ ذهبت إلى المستشفى بالأمس.
    _ أليس هناك أي تغيير؟ نظر إلى طبقه وقال : تغيير إلى الأسوأ.. لم تعرفني.
    صاحت: أوه..لا!ظننت.. بما أنها خرجت من الغيبوبة..
    _ يقول ممرضو المستشفى إنها لا تتعرف على أحد.. إنها مستلقية في فراشها،
    لا تتحرك، ولا تتكلم. يقول الأطباء إنهم لا يمكنهم فعل شيء.. إصابة الدماغ
    شديدة، والضرر فادح.. سينقلونها قريباً إلى قسم الرعاية، وهذا كل شيء.

    أحست إيبرل ببرودة تسري في جسمها.. وقالت بصوت مرير:
    _ لقد سلب براد ستاتون حياة زوجته منها، كما لو أنه قتلها.. وانظر إلى ما
    فعل بحياة ابنته ليز..!ولو أنها أفضل بكثير دونه. هز مات رأسه موافقاً:
    السؤال هو : إلى متى نتوقع منه أن يبقى بعيداً عن حياتها؟
    _ أجل .. فمن الممكن أن يعود إلى البلدة في أي وقت ويكتشف مكان إقامتها..
    وأشكر الله أن المسكينة لاتدرك أنها تنتظر مواجهة قنبلة موقوتة.. لن أفهم
    أبداً لماذا لم يحل المدعي العام ستاتون إلى المحاكمة.


    _ تعرفين جيداً ماذا قال.. المحاكم لاتضع الناس وراء القضبان بسبب ما لايزال
    يُعرف بالأمور" البيتية الخاصة"، ولنكن منصفين فأفي ذلك الوقت لم يكن أحد
    يدرك مدى خطورة إصابة السيدة ستانون. كان الأطباء يتوقعون أن تستعيد
    عافيتها بعد خروجها من الغيبوبة. ردت بعصبية: أجل.. استعداداً للمرة
    القادمة! هز مات كتفيه استسلاماً وقال: هكذا هي الأمور..كل ما نستطيع القيام
    به هو العمل ضمن حدود القانون.

    _ حتى وإن كان القانون مخطئاً؟ مد مات يده عبر الطاولة يغطي يدها المضمومة بيده.
    _ إيبرل.. حين يخطئ القانون.. وأعترف أنه يخطئ.. يجب أن تعمل على تغييره
    لاعلى خرقه. تمتمت باستسلام: هذا ما أعتقده.

    كان مات على حق بنظريته طبعاً. لكن عملياً هل من العدل المغامرة بحياة طفلة
    لمجرد إطاعة قانون يرتكز أساسه على تقاليد اجتماعية بالية؟.. مات من أفضل
    الرجال الذين عرفتهم وهو يحترم السلطة إلى أقصى الدرجات.. ولكنه لا يخرج
    ..أبداً من أية معركة حقيقة منتصراً .. وأقسمت إيبرل في نفسها، إن قام والد
    ليز بتهديد سلامة الطفلة مرة أخرى، فستفعل كل ما بوسعها لردعه سواء كان ذلك
    ضمن القانون أو لا.قال مات يربت على يدها:
    _ دعينا لانتكلم عن هذا.. أنا آسف، كنت مخطئاً في ذكر الموضوع في أمسية من
    المفترض أن تكون احتفالاً.حاول أن يضحك، لكنه لم يستطع سوى أن يبتسم ابتسامة
    ضعيفة. وهزت إيبرل رأسها.. بالإمكان تغيير الموضوع طبعاً لكنها شعرت بأن
    الأمسية فسدت لكليهما.قال مات بلهجة مرحة:

    _ لديهم حلوى رائعة هنا.. دعينا نحتفل بتناول شيء منها..أجبرت إيبرل
    ابتسامة على شفتيها:حسن جداً..ولم لا؟ أحست بعاطفة مفاجئة نحو مات
    ووخزة خجل لتفكيرها منذ لحظات بأنه غير كفوء في مواجهاته. على الأقل
    لايستطيع أحد إنكار اهتمامه بمصلحة ليز من قلبه.. إضافة إلى العشرين
    عائلة.. كانت ابتسامتها دافئة وهي تمد يدها فوق الطاولة تلامس خده بمحبة صادقة.

    بينما كان مات يطلب الحلوى، لاحظت إيبرل أن غرايغ وريبيكا نهضا عن
    طاولتهما، وسارا متجهين إلى حيث تجلس مع مات.. وصلا في وقت الذي كان النادل
    يردد طلب مات الذي بدا فجأة لإيبرل أنه حلوى للأطفال، وليس لشخصين راشدين.

    لاشك أن الأمر نفسه بدا لريبيكا لأن إيبرل رأت بوضوح نظرة الخبث التي
    ارتسمت على وجهها.. وحاول مات أن يقف، لكن غرايغ أشار له أن يبقى جالساً ثم
    قال بطريقة غريبة:
    _ نحن ذاهبان إلى ناد حديث للرقص في آخر الشارع. هل ترغبان في الانضمام
    إلينا؟ قالت ريبيكا بحيوية:
    _ أوه..اقبلا..أرجوكما..سنلتقي مجموعة أصدقاء هناك وستكون أمسية مرحة.نظر
    مات إلى إيبرل.. وقرأ" الرفض" في عينيها.. فرد قائلاً: أنا آسف، لقد طلبنا
    الحلوى لتونا، وسنبقى هنا قليلاً بعد. شكراً جزيلاً على أي حال.

    صاحت ريبيكا:
    _ الغيا الطلب! فالسكر ليس صحياً لكما.. أنا لا أتناول الحلوى أبداً. لاحظت
    إيبرل أن ريبيكا تمايلت بجسمها قليلاً لتجذب الاهتمام إلى نحولها المميز..
    وقال غرايغ: أظن أنهما قادران على اختيار نوع طعامهما بنفسيهما ريبيكا..
    سنذهب إذن. لكن ريبيكا لم تكن معتادة على رفض طلباتها، فتابعت تقول:
    _ حسناً.. أنهيا إذن طعامكما، والحقا بنا.. أرجوكما قولا إنكما ستفعلان.

    _ رأت إيبرل من النظرة البائسة على وجه غرايغ أنه لم يكن المصمم على
    صحبتهما.. لا.. إنها ريبيكا.. لكن ماهو دافعها يا ترى ؟ قالت إيبرل بحزم: أنا
    آسفة.. لا أستطيع. كان يومي متعباً، وكذلك مات.. وأخشى أن لايروق القص لأي
    منا الليلة.
    قالت ريبيكا متوددة: بالطبع.. يجب أن تعذريني آنسة ساوندرز.. نسيت للحظات
    أن عملك يسبب التعب الجسدي.. لكن يجب أن أعترف أنني خائبة الأمل .. كان
    أصدقاؤنا سيتسلون كثيراً بالتعرف على سيدة " جنائنية".

    علت وجه غرايغ نظرة رفض مصدومة، وأدركت إيبرل أنه لم يكن يعتقد أن ريبيكا
    ستتمادى في جرأتها وتعلن عن أسباب دعوتها لانضمام إيبرل إلى أصدقائهما
    ..أحست إيبرل بغضب يعتمر في داخلها ويصل إلى حد الانفجار، نسيت كل شيء
    علمها إياه هيموشو حول الحفاظ على رباطة الجأش والعدوانية السلبية..
    قد لاتستطيع رد الكيل لبراد ستانون، ولا الرد على ظلم الحياة نفسها.. لكنها
    بالتأكيد قادرة على إيقاف هذه المرأة المهينة عند حدها..

    وكذلك غرايغ بوكستر، الآن وإلى الأبد! أجابت بابتسامة باردة واثقة:
    _ آسفة لأنني خيبت أملك آنسة ماونتن.. لكن، إن كان من السهل جداً تسلية
    أصدقائك، فأقترح أن أمثل لهم دور المهرج.. الأطفال من كل الأعمار يجدون هذا
    مسلياً جداً.. ولقد شاهد السيد بوكستر هذا العرض في شقتي بعد ظهر الأمس..
    ولسوف يؤيدني بأنه دور مسل، أنا واثقة.
    مامن طبق حلوى في العالم يمكن مقارنته بطعم حلاوة الانتقام حين شاهدت إيبرل
    نظرة الحقد السام التي وجهتها ريبيكا ماونتن إلى غرايغ بوكستر، بعد سماعها
    للرد.

    0

  10. #2009

    5_ رجل كان هناك
    خلال الأسبوع التالي، قامت إيبرل بإنهاء كل العقود السابقة مع زبائنها
    وأبدى جميعهم الأسف لفقدانها. وأمضت الأمسيات توضب

    حاجياتها في صناديق كرتونية. وكان برنس ملازماً لها، يدخل ويخرج من بين
    ساقيها وهي تعمل، يتفحص كل صندوق مفتوح، بحثاً

    عن إمكانية وجود حشرة حية.

    السيدة بوكستر لم تكن تتوقع أن تبدأ إيبرل العمل قبل الاثنين المقبل، ورحبت
    إيبرل بالأيام الفاصلة كي لا تواجه غرايغ.خلال عودتها

    ومات من العشاء ليلة الاثنين الفائت. أبدى الأخير ذهوله للطريقة التي هاجمت
    فيها ريبيكا ماونتن.
    _ لم أرك من قبل تنفجرين بأحد هكذا.. وهذا ما أظهر لي جانباً جديداً من
    شخصيتك.ردت بعنف: لقد استحقت هذا! إنها المرة الثانية

    التي ألتقي بها، وأهانتني أربع مرات؟
    _ لكن ما همك أنت بما تظن بك؟
    _ أنا لا أهتم أبداً بظنونها! لكن يصبح الأمر مزعجاً جدا حين لا تستطيع امرأة
    في مثل سنها أن تقتنع بأن عملي ليس حكراً على جنس

    معين.. ثم لماذا يجب أن أبقى مذعنة وأسمح لأي شخص بأن يهينني؟ قال مات
    بلهجة ارتياب: حسناً.. أعتقد أنك على حق..لكن مما

    عرفته عنك، وإذا كنت لاتمانعين قولي هذا، تساءلت ماإذا كنت غيورة منها.
    صاحت:أنا لست غيورة! ماهذه الفكرة السخيفة؟


    اختلس مات نظرة جانبية إلى وجهها الغاضب وقال ملاطفاً: هذاجيد.. لأنني لا
    أتمنى لأي صديقة لي أن يميل قلبها نحو غرايغ

    بوكستر. فحسب قول الشائعات، إنه ليس من النوع الذي يتزوج. ردت إيبرل بفظاظة:
    _ بإمكانك إراحة بالك حول قلبي مات.. لن يهمني أبداً ماإذا كان غرايغ بوكستر
    يهوي كل نساء كاليفورنيا.. لكنها فكرت في سرها

    بحزن أن مات لم يعد محقاً في قوله.. قد يكون غرايغ رجلاً عابثا في الأيام
    السابقة ، لكن أمه أخبرت إيبرل بصراحة أنه يفكر ًكثيراً

    بالزواج.. وهي تتذكر عناقه لها يوم الاثنين الماضي.. أحست برعشة..لكن ذلك
    العناق لم يكن يعني شيئاً .

    كان مجرد فعل من رجل اعتاد أن يتذوق رحيق كل زهرة يصادفها. في الواقع لن
    يستطيع التخلي عن عادته القديمة حتى بعد زواجه

    من ريبيكا .. إيبرل تعرف أن الكثير من الرجال لايحترمون قسم زواجهم، وقد
    يبرهن غرايغ بوكستر أنه واحد من هؤلاء .. أجل..إنها

    متأكدة أنها ستكون أفضل حالاً بكثير من دونه.

    خلال توضيبها لأغراضها، اكتشفت إيبرل أن الانتقال من سكن إلى آخر هو أفضل
    وقت للتخلص من الأشياء الغير ضرورية.

    أخرجت من خزانتها وأدراجها أغراضاً من ثياب قديمة لاتتناسب مع الموضة، ولم
    ترتدها منذ سنوات، وهي الآن ستُرمى كلها .. في

    الدرج الأسفل،وجدت الفستان الصيني الطراز الذي أهداه إيان لها يوم حفلة
    التخرج، والذي اشتراه أثناء رحلته إلى البلدة الصينية في

    فرانسيسكو..مع أنه كان يعجبها بجنون، إلاأن حياتها البسيطة لم تعطها الفرصة
    يوماً لارتدائه.. كان مصنوعاً من حرير طبيعي بلون

    الخوخ، مفصلاً على الطريقة الصينية.

    فكرت بإيان وهي تعيد لفه بالأوراق بكل حذر، وأملت أنه سيوافق على هذا
    التغيير في حياتها. حين استيقظت إيبرل صباح السبت..

    أحست بارتياح لرؤية الطقس جافاً وبارداً ، طقس ممتاز للانتقال. وصل مات في
    الثامنة، ومعه شاحنة صغيرة استعارها من صديق

    له. وسارعت تساعد مات على حمل ما تستطيع من أغراض : عدة مصابيح، جهاز
    الستيريو، وخزانة من خشب الجوز، ماكنة

    الخياطة، التلفزيون، وكرسي هزاز أثري جميل كان لأمها، وكانت تهدهدها فيه
    وهي طفلة.

    وضبت معظم الأغراض في صناديق، وفي وقت مبكر من الظهر كانت جميعها محمولة في
    الشاحنة.. وأمن مات مظلة الشاحنة، ثم

    عاد إلى الشقة الفارغة ليساعد إيبرل على تنظيفها.. نظرت إيبرل إلى الفراغ
    حولها، وأحست بالدموع تلسع عينيها. مسحتها، وتقدمت

    نحو الجدار الزجاجي تستند إليه وتنظر إلى حديقتها الصغيرة الغالية.

    تقدم مات خلفها ووضع ذراعه حول كتفيها:
    _ كنت سعيدة هنا.. أليس كذلك؟ تنهدت: كان المكان الأول الذي اعتبرته ملكاً
    لي .. وهذه الحديقة هي آخر صلة بي مع إيان . وبخها

    بلطف وقال: والآن إيبرل ..! ستبقين دائماً على صلة بإيان طالما أنه موجود في
    أفكارك.. التغيير صعب دائماً.. حتى وإيان كان تغييراً

    مفيدا..أليس كذلك؟ هزت رأسها دون كلام واستدارت تبتسم له دامعة. لأخذت نفساً
    عميقاً، ثم قالت:
    _ حسن جداً ياصديقي.. هيا بنا إليهم! بوكستر احذروا..ها قد جاءتكم إيبرل
    ساوندرز!

    ضحكا معاً ثم لاحقا برنس المتردد فجأة،وحشراه أخيراً في زاوية المطبخ..
    وبينما كان مات يقفل النوافذ والأبواب راحت إيبرل تدخل

    القط قي صندوقه الكرتوني الكريه عليه ووضعته وسط مقعد الشاحنة.. ثم سلمت
    المفاتيح إلى السيد واتسون وودعته، وماهي إلا

    لحظات حتى كانا منطلقين عبر شوارع المدينة نحو الطريق العريضة التي تقود
    إلى حياة إيبرل الجديدة.

    بعد حوالي النصف ساعة أبطأ مات سرعته كثيراً ليتجه نحو الطريق الريفي الوعر
    الموصل إلى أملاك بوكستر.. وأشارت إيبرل إلى

    اللوحة المخيفة عن الأنظار، فوجه مات الشاحنة إلى الطريق الداخلية الكثيرة
    الحفر.. وحين وصلا فسحة إيقاف السيارات، صفّر

    إعجاباً بموقع المنزل.

    وترك مات الشاحنة تتهادى على مهل وراح يتفحص حوله مايمكن أن يراه من الخمسة
    فدادين.. ثم قال ممازحاً: مساحة هائلة إيبرل،

    ألاتظنين أنك قضمت لقمة أكبر من أن تستطيعي مضغها؟ كانت الأراضي فعلاً أكبر
    مما بدت لها يوم الأحد الماضي، وقالت تكشر

    وجهها قلقاً: أرجو أن لا..على أي حال، سأبذل قصارى جهدي.

    طلبت من مات أن ينتظرها، ونزلت تسير عبر المرجة إلى الباب الأمامي، آملة أن
    تكون السيدة أغريبا موجودة.. لكنها لم تكن

    محظوظة..فقد انفتح الباب بعد قرعها للجرس، ووقفت مدبرة المنزل هناك بعبوسها
    الذي أصبح مألوفاً.أشارت إيبرل نحو الشاحنة:
    _ لقد جئت بأغراضي سيدة أغريبا.. وأتساءل ما إذا كان بالإمكان أن تمر
    السيارة فوق المرج لتصبح بالقرب من البركة؟

    قالت المرأة : لن تفعلي لو كان الأمر يعود إلي.. وأدارت لإيبرل ظهرها
    لتختفي في الداخل .. فراحت إيبرل تتساءل ماذا تفعل.. هل

    الرد"لا" إذن؟ أم أنها تركت الباب مفتوحاً لها وذهبت لتستشير بوكستر؟ لم تدم
    حيرتها طويلاً إذ سرعان ما وصلت السيدة بوكستر

    بابتسامة مرحبة على وجهها اللطيف.

    _ أنت هنا عزيزتي!على الموعد تماماً.. كل شيء يسير على ما يرام وهذا بشير
    جيد .. وأنا واثقة أن عملنا سينجح.. والآن أخبرتني

    أغريبا أنك ترغبين في مرور الشاحنة فوق المرج، وأظن هذه فكرة معقولة..
    فلاشيء يمكنه أن يسيء إلى منظره أكثر مما هو سيء

    الآن. شكرتها إيبرل، ثم عادت لتوجه مات حول حافة المرج حيث لايؤثر ثقل
    الشاحنة عليها كثيراً .. كان المرج رهيباً فعلاً.. لكن ما

    من داع للمخاطرة بأن تعلق إطارات الشاحنة في التراب اللزج.

    كانت أولى المهمات إطلاق سراح برنس من صندوقه. ثم أمضت إيبرل ومات الساعات
    التالية يفرغان الشاحنة ويضعان الصناديق

    في الغرف ، بانتظار ترتيبها فيما بعد. كانت غرفة النوم مفروشة بسرير
    مزدوج.ز وقرب أحد الجدران طاولة ثابتة للزينة، وخزانة

    أدراج مثلها بحيث لايستلزم الأمر استخدام خزانة أخرى. كان جدار آخر بأكمله
    من الزجاج، يطل على الأراضي التي توصل إلى

    النهر.. كانت الستائر العاجية الدافئة الملونة بخيوط رمادية وبيج مكملة
    للسجادة الرمادية السميكة.. وفي هذه الغرفة، وضعت إيبرل

    كرسي أمها الهزاز وأحد المصابيح.. ما إن شاهد برنس الكرسي حتى وثب إليه
    وتكور فيه بارتياح ظاهر ليأخذ قيلولته.

    كانت إيبرل ومات، بحلول الساعة الرابعة، يتضوران جوعاً، بعد أن أتما إفراغ
    الشاحنة تماماً. خاطبته إيبرل: سأفرغ هذه الصناديق

    فيما بعد مات.. والآن استرح، بينما أحضر شيئاً نأكله. لحظات، ووجد مات نفسه
    مسترخياً على أريكة مريحة في غرفة الجلوس، وفي

    يده كوب من العصير البارد.. ودخلت إيبرل إلى المطبخ لتنظر حولها، مبتهجة به
    كطفلة أهديت لعبة بيت. وبعد قليل كانت المائدة

    جاهزة.. ونادت مات الذي أعلن أنها ساحرة، وجلس ليأكل بشهية كبيرة.

    بعد أن تناول حصته وأكمل على نصف حصتها، استرخى في كرسيه متنهداً: هذه وجبة
    أفضل من التي تناولناها في"أولد ساكرمنتو"

    لوحت إيبرل بيدها تصرف النظر عن مديحه، وقالت: الجوع أمهر الطباخين. تمدد
    مات ووقف ليذهب إلى غرفة الجلوس:
    _ إنه مكان دافئ وحميم إيبرل.. كل ما يلزمك لتجعليه مكتملاً هو إشعال نار في
    المدفئة.

    كان الظلام قد حل، والمطر ينهمر في الخارج ووافقت إيبرل على أن النار
    مناسبة جداً.
    _ أظن أنني رأيت بعض الحطب خارج المنزل. ماهي سوى دقيقة حتى أحضر مات ثلاث
    حطبات، واستخدم جريدة وولاعة ليشعل

    ناراً بهيجة في المدفئة ذات الحجر الأبيض.
    _ والآن ، أريدك أن تُعدي لنفسك فنجان قهوة وتسترخي هنا قبل موعد النوم .
    ووقف متحضراً للخروج. حاولت إيبرل إقناعه بالبقاء

    للتمتع بالنار وشرب القهوة معها، لكنه امتنع قائلاً: لا.. يجب أن أستيقظ في
    الغد باكراً.. رافقته إلى الشاحنة تلف ذراعيها حولها بسبب

    برودة الهواء.. وقفا قرب باب الشاحنة المفتوح وأحست إيبرل باندفاع عاطفي
    غامر وعرفان بالجميل نحو صديق عزيز، منحها دون

    تذمر يوم راحته من العمل .. لفت ذراعيها حول عنقه: كنت دائماً طيباً معي
    مات.. ولاتستطيع أن أعبر لك عن امتناني..

    وضع ذراعاه حول خصرها وحضنها، ثم همس في أذنها بصوته الخجول: أنا محظوظ
    بوجود صديقة عزيزة مثلك. حين أدار محرك

    السيارة، وانطلق نحو الطريق الداخلية للمنزل، استدارت إيبرل نحو منزلها..
    وهناك لمحت طيفاً لرجل يقف بالباب.. الضوء الخافت

    يخفي قسماته.. صدرت عنها شهقة حادة، فتقدم منها الرجل سريعاً، ووجدت أنه
    غرايغ.. فصاحت: لقد أخفتني حتى الموت !أتمنى

    من السماء لو تعلن عن وجودك ولو لمرة بدلاً من التسلل هكذا!

    قال بتشدقٍ ساخراً: آسف.. لم أرغب بمقاطعة منظر فراق الأحبة الرقيق. إذن لقد
    رآها تعانق مات، واستخلص بنفسه.. حسن جداً،

    ربما أقنعه هذا أن يتركها وشأنها إذا ظن بأنها ملك لرجل آخر.. هكذا، ودون
    إنكار لظنونه، قالت:
    _ أعتقد أن لديك سبباً دفعك للمجيء إلى هنا.. لذا الأفضل أن تدخل لأقفل الباب.
    _ هذا إن كان لديك لحظات توفرينها لي. في الداخل،نظر غرايغ حوله، ولاحظ
    النار الخفيفة ثم سار نحو المطبخ حيث شاهد بقايا


    الوجبة، وقال معلقاً: أحد أسباب مجيئي هو أن أستعلم إن كنت بحاجة إلى
    مساعدة. لكنني أرى الآن أن عرضي سيكون غير

    ضروري.. وكان يجب أن أدرك أن امرأة مثلك سيكون لها .. أوه.. مصادر أخرى.

    _ أجل.. لدي مصادر أخرى. والآن بما أنك هنا لي أ ن أعرض عليك شراباً؟ هناك
    عصير، قهوة، أوشاي. وهذا كل شيء كما

    أخشى. مدد غرايغ جسمه النحيل الرشيق البارز العضلات فوق الأريكة، حيث أخذت
    ألسنة النار تنعكس على شعره البني متحولة إلى

    وهج نحاسي قاتم.. نظر إليها بابتسامة على شفتيه القاسيتين: أي شيء تقدمينه
    سيكون جيداً.
    0

  11. #2010

    وهي تعود إلى المطبخ لتسخن القهوة، كانت تعي تماماً ذلك الانقباض المثير
    والمقلق معاً في قلبها، والذي تشعر به في كل مرة تكون

    فيها في حضرة ذلك الرجل. بعد أن سخنت القهوة، وضعت فنجانين فوق صينية
    يابانية خشبية وحملتها إلى غرفة الجلوس.. حيث

    انحنت لتضعها على الطاولة الصغيرة الموضوعة أمام الأريكة.. وهي تستقيم وقف
    غرايغ فجأة ليمسك معصمها بيده.. قال وهو

    يسحبها حول الطاولة ويجلسها إلى الأريكة بجانبه: اجلسي هنا حيث تدفئك
    النار. لكنها نهضت بسرعة لتجلس في الطرف الآخر منها.

    سألها بابتسامة العارف: هل أحمل شيئاً معدياً؟ ردت بابتسامة أكثر برودة:
    لاشيء لست منعية ضده.. رفع حاجبه: آه.. ذلك اللسان

    اللاذع مرة أخرى.. أتعلمين؟ كان يجب أن أحذر ريبيكا فعلاً من أنك لست ممن
    يمكن العبث معه. قالت: أجل .. ربما كان يجب عليك

    أن تحذرها.. ومن الأفضل أن تتذكر هذا بنفسك. خبا اللمعان الدافئ في عينيه
    لكلامها ورد: أجل.. تأكدي أنني سأفعل.

    خلال الفترة القصيرة التي شرب فيها القهوة، تبادلا حديثاً قصيراً سطحياً.
    وارتاحت إيبرل لعدم اضطرارها للمواجهة معه، فحضوره

    لايشل دماغها فقط بل إنها كذلك مرهقة من يوم عمل طويل ولا ثقة لها بقدرتها
    العاطفية على مقاومته.. سلامتها الوحيدة تكمن في أن

    تتصرف بحذر كي لايدرك الأمر! أعاد غرايغ فنجانه الفارغ، ووقف استعداداً للرحيل.

    _ السبب الآخر لحضوري هو إيصال دعوة لك من أمي، تريدك أن تتناولي الغداء
    معها في الغد بعد أن تنتهي عملك.. قالت إنه لايجب

    أن ترهقي نفسك بإعداد الطعام بعد إفراغ أغراضك طوال اليوم. تأثرت إيبرل
    وابتسمت لغرايغ: هذا لطف من أمك وأنا ممتنة جداً

    لهذه الدعوة، لكنني لن أقوم بتوضيب أغراضي في الغد.. أتذكر الفتاة الصغيرة
    التي التقيتها في شقتي ؟ لقد وعدتها أن آخذها إلى "

    سوتر فورت" غداً إذا كان الطقس جيداً.. فإذا لم أستطع رؤية السيدة بوكستر
    بنفسي فأرجو أن تبلغها شكري وأسفي.

    _ طبعاً سأفعل. وأكمل طريقه نحو الباب, ثم سأل: هل تقضين كل أيام الآحاد
    معها؟ ليز، أليس كذلك؟ قالت: أجل .
    قال: ألايعترض صديقك مات على حرمانه من صحبتك يوم الأحد؟ نسيت للحظة أن
    غرايغ فهم الصورة الخاطئة وردت بحدة: بالطبع

    لا. لكنها أضافت بلهجة أكثر نعومة: أحياناً نخرج بها معاً. وأصرّ غرايغ قائلاً:
    على أي حال، أعتقد أنه لن يرافقك في الغد؟
    _ لا.. فهو ذاهب للتزلج مع أصحابه. وكانت بهذا تقصد أن تعطي سبباً لعدم
    مرافقة"حبيبها" لها في الغد.. لكن نظرة الشك على وجه

    غرايغ الوسيم قالت لها إن رجلاً يذهب للتزلج مع أصدقائه، بدلاً من قضاء معظم
    وقته مع "حبيبته" أمر يدعو إلى الشك.. يالها من

    متاهة أدخلت نفسها فيها! سارت معه نحو الباب في محاولة منها لاستعادة
    السيطرة التي فقدتها وطلبت منه مرة أخرى أن يشكر أمه

    على لطفها.. قالت وهي تفتح الباب له: وشكراً لك أيضاً.. لسؤالك إن كنت أحتاج
    إلى مساعدة.

    استدار ينظر متفرساً في عينيها.. وبلهجة نادمة لم تفهم إيبرل سببها،قال:أنا
    آسف لأن مساعدتي ليست مطلوبة. وسمرتها عيناه ، حتى

    أنها لم تتحرك حين مد يده يلوي خصلة شعر بين أصابعه.. ثم أمسك مؤخرة رأسها
    في راحة يده وقرب وجهها منه.. ليضع رأسها

    على كتفه.. وبقيت راضية بالعناق، للحظات، تقف مابين النار الذهبية الحمراء
    المغرية، وهواء الليل البارد الرطب..

    ولم تتلاش اللحظة السحرية، إلا بعد أن تسللت يده من رأسها إلى مؤخرة عنقها
    فاستفاقت من البئر العميق لتجاوبها مع هذا الرجل.

    وانفتحت عيناها بتركيز وهي تدفعه في صدره بكل القوة التي استطاعتها
    ذراعاها، قالت شاهقة: حقاً سيد بوكستر! ظننتك فهمت أنني..

    أن مات وأنا.. كم تنسى بسرعة أنني لست من النوع الذي يقبل بالعبث! رد بأدب
    جاف: بالعكس آنسة ساوندرز.. أنا أحترم علاقتك

    هذه.. وهذا العناق ليس سوى إشارة لصداقة، ويعني فقط الترحيب بك في فريق عمل
    بوكستر.. وكم أنت قاسية لتسميه عبثاً.ثم ،

    بابتسامة ماكرة، وتلويحة مرحة، خرج إلى الظلام والليل المبتل.

    كان اليوم التالي مشمساً ورائعاً وشعرت إيبرل بالارتياح لأن الطقس لن يمنع
    ليز من القيام بإحدى نزهاتها المفضلة إلى الحصن الذي

    يعود تاريخه إلى أكثر من مئة وخمسين سنة.. كانت الساعة قد تجاوزت الظهر حين
    كانت إيبرل تلحق بليز فوق المروج الغنية

    بالعشب والمزدانة بالأشجار ، ثم عبر الأبواب الضخمة المرتفعة إلى داخل
    الحصن. كانت تذاكر الدخول تباع في الداخل، وراحت

    ليز، التي ارتدت جينزاً وقميصاً بمربعات حمراء وبيضاء وسترة من الجينز، تقفز
    بنفاد صبر، بينما إيبرل تدفع رسم الدخول البسيط..

    في أحد نهايات المساحة المستطيلة، مؤلف من طابقين، من حجر الطين كذلك،
    يحتوى غرف الاستقبال ومكتب" ساتر" وجناح

    السكن.. لكن الغرف العديدة جداً على طول جدار الحصن الداخلي، والتي تنفتح
    كلها على باحة مشتركة معشوشبة، هي التي تسحر

    ليز.وبدأت زيارتها المعتادة لجميع الغرف الصغيرة التاريخية، أيام كانت
    تمارس المهن اليدوية ببراعة وأهمية في تلك الأيام الخشنة..

    كان هناك دكان الحداد، النجار، صانع البراميل، دكان أسرجة، غرفة نسيج، مصنع
    شمع حيث يحول شحم النيران إلى شموع وهي

    المصدر الرئيسي للنور في الحصن ليلاً.. وبالطبع دكان صانع الأسلحة.. بعد أن
    شاهدت ليز كل هذا، بالإضافة إلى دكان صانع

    القبعات والأحذية، والمخزن التجاري أيضاً، أخذت تشد إيبرل من يدها نحو غرفة
    كانت الأخيرة تتمنى في كل مرة ، وبحرارة، ان

    تتجاهلها.



    0

  12. #2011


    كان هناك غرفة خفية صغيرة سوداء لها باب منخفض جداً لا يستطيع سوى طفل أن يمر
    به دون انخفاض.. من هذه الغرفة القاتمة،

    كان المرء ينزل ثلاث درجات حجرية منزلقة بخطورة إلى غرفة أصغر وأكثر
    عتمة بمدخل واحد.. كانت هذه سجن الحصن. كانت

    الغرفة خالية تقريباً ماعدا مدّ خشبي فيها وتمثال من الشمع لسجين مكور في
    زواية الزنزانة يكاد يظهر حياً. مظهره كمظهر المنبوذ

    الكامل. وكما تفعل في كل زيارة، وقفت ليز مسمرة تنظر إلى الغرفة.. في هذه
    الأوقات، كان قلب إيبرل يصبح مثقلاً..

    قالت ليز وكأنها تكلم نفسها:كانوا يضعون الأشرار هنا.. ربما سرق مال أحدهم
    أو جواده، ربما كان مشاكساً وافتعل عراكاً.
    _ ربما يكون هذا هو السبب عزيزتي. كانا قد تعرضا لمثل هذا الموقف العديد من
    المرات لدرجة أن إيبرل أصبحت تدرك بأن ليز

    لاتظن التمثال حقيقياً حتى وإن كانت تتكلم وكأنه حي.

    قطبت ليز: هذا الرجل على الأرجح ضرب زوجته، ولهذا وضعوه هنا.. وضرب ابنته
    الصغيرة أيضاً. أتظنين أنهما لازالتا تحبانه

    إيبرل رغم أنه كان شريرا ًوهو الآن في السجن؟ وأدارت عينين زرقاوين واسعتين
    نحو إيبرل. ماذا يمكن لإيبرل أن تقول؟ كيف

    يمكنها الإجابة لتنتشل الطفلة من محنتها المؤلمة؟ أرادت أن تبعد الطفلة عن
    المكان، لكن وبناء على تعليمات مات بترك الفتاة تعبر

    عن مشاعرها ومخاوفها المكبوتة متى وأينما أحست بالحاجة، قالت: لست أدري
    حبيبتي.. مارأيك أنت؟

    تنهدت ليز: أعتقد أن الأم والفتاة الصغيرة حزينتان على الرجل لأنه وحيد
    الآن .. لكنهما لا تستطيعان أن تحباه مجدداً، وستنتقلان

    للعيش بعيدا كي لا يجدهما. كانت شمس الشتاء الخفيفة أكثر حدة، مقارنة مع
    عتمة الغرفة المقبضة للنفس، وأغمضت إيبرل عينيها

    وانتظرت إلى أن اعتادتا النور.. ثم شعرت بليز تشد سترتها وتهمس:
    _ انظري! ذلك هو الرجل الذي أحب بسكويتنا.

    قبل أن يراهما، تمتعت إيبرل بالتطلع إلى جسد غرايغ الطويل الرشيق المستند
    إلى شجرة السنديان، في نهاية الباحة المشتركة.. يداه
    مسترخيتان في جيبي سترته الصوفية، بينما عيناه تجوبان الساحة بحثاً عن شخص
    ما.. عن إيبرل؟ على المرء أن يعترف أنه بكل

    تأكيد ملح في ملاحقاته.. صحيح أنها انزعجت لكنها أحست بالزهو أيضاً .

    _ ها أنتما! وقطع المسافة بخطوات واسعة:
    _أفضل صانعة بسكويت في ساكرامنتو. وانحنى إلى مستوى الطفلة يبتسم لها:
    سمعت أنك ستكونين هنا اليوم فأردت أن أدعوك إلى

    الغداء.. وهاأنذا! رفع عينيه إلى وجه إيبرل، وقال وكأنما بعد تفكير: أوه..
    مرحباً "حمراء" وأنت مدعوة أيضاً.. بالطبع.
    من يظن أنه يخدع؟ لقد حسبت ليلة أمس حين افترض وجود علاقة حب بينها وبين
    مات، أنه سيضعها خارج ملاحقاته..لكن من

    الواضح أن هذا لم يعن له شيئاً..

    فهو لايتأثر إن كانت مشاعرها ليست ملكاً له أو إن كان يتعدى على حق رجل
    آخر.. فكرت بكل هذا ساخطة.والآن هاهو، لازال

    يلاحقها، لكن هذه المرة يستغل طفلة بريئة! ماذا تريد أكثر من هذا ليثبت لها
    أن غرايغ ليس سوى "دون جواناً" عادياً؟ نظرت ليز

    نحو إيبرل متوجهة بالإثارة، يملأ عينيها الزرقاوين رجاء بأن تقبل دعوة
    الرجل.. بابتسامة خبيثة، قالت إيبرل:
    _ إذاكنت تريدين تناول الغداء مع السيد بوكستر، فبالطبع سنقبل دعوته بكل سرور.

    أدارت وجهها بابتسامة وقحة صوب غرايغ وأضافت: لكن؟،أولاً، أنا واثقة أنه
    سيحب أن تصطحبيه داخل الحصن.. أتصور أنه مر

    عليه زمن طويل منذ زيارته الأخيرة للمكان. لماذا لا تتمشيان سوية وسأجلس
    تحت الشجرة بانتظاركما؟ لم يدع غرايغ الصغيرة

    تشعر بأن الجولة في الحصن لم تكن تحلو له. لكن عبر ابتسامة خفيفة جافة
    اعترف لإيبرل أنها كسبت نصراً جديداً.. ونظرت ليز إلى

    إيبرل بمزيج من الابتهاج والخوف.. ثم بطريقتها المضحكة التي تشبه طريقة
    الكبار، بدأت تقول لغرايغ رأيها في السرد المسجل

    لتاريخ الحصن.. ورمى غرايغ تحية مرحة نحو إيبرل، ثم قفز برضى خلف الفتاة.

    جلست إيبرل تنتظر .. بينما كانت تراقب الزوار بكسل، يسيرون حول المكان، خطر
    ببالها أنها، بالرغم من عجرفة غرايغ بوكستر،

    وتصرفاته غير اللائقة، وعبثه، فهي تشعر نحوه بشيء من مما جعلها تترك ليز في
    عهدته.. لم تمض ربع ساعة، حتى لمحتهما

    يتقدمان من البوابة. اختار غرايغ مطعماً صغيراً قريباًمن الحصن متخصص بتقديم
    الفطائر المحلاة، والسندويشات الخفيفة، والآيس

    كريم الفاخر.

    سرّ إيبرل أن تلاحظ بأن الصغيرة كانت في أحسن تصرف لها، تجلس على مقعد جميل
    قديم الطراز ويداها مضمومتان في

    حجرها.خلال الطعام، وجه غرايغ كل اهتمامه إلى ليز، وهذا مافتن إيبرل.. لكن،
    وفي الوقت ذاته، جعلها تشعر أن لالزوم لها. أخيراً
    وبعد انتهاء الوجبة قال غرايغ بعفوية:
    _ على فكرة "حمراء" لقد وعدت أن أصطحب ليز إلى كولوما لرؤية المكان الذي
    وجد فيه الذهب بالضبط، وأخبرتني أنها تريد منك

    أن تأتي معنا.

    قالت ليز متأثرة بتصرف غرايغ اللطيف طوال بعد الظهر بجرأة لم تعهدها أمام
    الرجال: لماذا تسمي إيبرل بالحمراء؟ هذا ليس اسماً

    جميلاً. قال: أظنك على حق أيتها الصغيرة.. وأوافقك على أن اسم إيبرل أجمل
    بكثير من الحمراء.
    ساد صمت غير مريح بين الثلاثة، وراحت ليز تنقل نظرها من أحدهما إلى الآخر..
    تشعر أن هناك شيئاً خاطئاً. لو أن رغبات إيبرل

    هي كل ما يهم، فلاشيء يسعدها أكثر من أن تسمع ما سماها به من بين شفتيه ..
    لكن الاسم المستعار أمر حميم .. ولايتناقله سوى

    المقربون.. وهذا الرجل ليس مقرباً لها، ولن يكون أبداً..

    وهي لن تجنى سوى تحطيم القلب إن سمحت له بشيء من الحميمية. راحت تشغل نفسها
    بأخذ حقيبتها وسترة ليز، ثم قالت بصمت

    ودي متباعد: لماذا لاتناديني إيبرل؟ على أي حال هو اسمي ويعجبني.
    وصلوا إلى الشارع، فتمتمت ليز بخجل شاكرة دعوته، وبدوره ابتسم لها بدفء
    وانحنى لتقبيلها.. لكن تصرفه مع إيبرل كان مختلفاً..

    قل بلهجة باردة: إذا أحببت، يمكننا توصيل ليز في سيارتي ثم نعود معاً إلى
    المنزل،وفي الغد أرسل من يأخذ سيارتك.

    كم أن صحبته مرهقة للأعصاب، لم تدرك أبداًمن قبل إمكانية أن تتشوش عواطفها
    لوجود رجل: شكرا ًلك لمنحك ليز هذه الدعوة

    الجميلة، لكنني أعتقد أنه من الأفضل أن نودع بعضنا الآن. رد بصوت قاس
    متوتر: هكذا إذن.. أؤيد اختيارك الجيد.. قودي بحذر إذن..

    إيبرل.. ربما نلتقي بين وقت وآخر.

    صعد في سيارته وانطلق بها مسرعاً، فقالت إيبرل متنهدة: حسناً.. إذا كانت هذه
    طريقة قيادية، فأنا مسرورة لأنني لم أسمح له

    بتوصيلك! طوت ليز قبضتها الصغيرة في يد إيبرل: أظنك جرحت مشاعره.وقفتا معاً
    في الشارع المظلم، وراقبتا بصمت السيارة

    القوية وهي تختفي بسرعة لكن ليس نحو الطريق الرئيسية التي تعود إلى
    الأملاك.. بل باتجاه قلب المدينة.
    0

  13. #2012
    6_ مجرد خدمة أخرى


    مع أوائل آذار شهر(مارس)، كانت إيبرل قد انطلقت لإعادة الأراضي إلى مايجب
    أن تكون عليه، مع أن الكثير لازال بحاجة إلى الجهد.. أزيلت الأعشاب الضارة
    من المرجة الأمامية، ورشت بمبيد لمنعها من النمو مجدداً.كانت دغلة الورود
    تزدان بالأوراق الحمراء الجديدة في نموها الجديد..

    هذا بالإضافة إلى الأعشاب المعطرة، التي زرعت إلى جانب باب المطبخ، وأشجار
    التوت البري عند إحدى الشرفات خلف المنزل، وقد أصبحت مليئة بالثمر الأخضر
    الفج.لم تشاهد غرايغ كثيراً منذ يوم زيارة الحصن.. وكان يجب أن تكون مسرورة
    لهذا، فشرطها أن لاتحتك به، لكن بالرغم من رغبتها هذه، فقد أحزنتها رؤيته
    يدخل ويخرج دون كلام معها سوى تلويحة يد من بعيد.

    في إحدى الأمسيات المنعشة،وبعد أن أخذت إيبرل دوشاً، بعد يوم من العمل
    المرهق في إزالة الأعشاب الضارة والأغصان الميتة .. وقفت أمام المرآة تمشط
    شعرها الكثيف ولاحظت أن شمس الربيع بدأت تلون بشرتها بلون العسل . استجابة
    إلى رقة الأمسية الربيعية الهاد ئة، اختارت إيبرل من خزانتها بيجاما من
    الحرير اللافندري اللون..من النوع المثير الذي يلفت النظر ، لكنها كانت
    مريحة بقدر ما هي مغرية.

    في طريقها إلى المطبخ، فتحت بابها الأمامي ، فمن الأفضل لها التمتع
    بالروائح المعطرة المحملة مع هواء المساء.. أضافت إلى لحم الحمل المسلوق
    فنجاناً من اللوبيا الطازجة، المقطوفة من مسكبة خضارها الصغيرة خلف المنزل،
    حركته ووضعته مجدداً فوق النار.. لم يعد ينقصها سوى سلطة خضراء من أوراق
    الخس، والفجل، والبصل الأخضر، وهي كذلك من حديقتها الصغيرة، بالإضافة إلى
    الخبز والزبدة، وهكذا تكتمل وجبتها.

    دخلت غرفة جلوسها لتضع شريطاً موسيقياً في جهاز الستيريو ومع أول انسياب
    ألحان البيانو سمعت صوتاً اشتاقت إليه كثيراً، يقول من أمام الباب: لقد تبعت
    أنفي، وانظري إلى أين أوصلني.تسارعت دقات قلبها وهي تستدير لترى غرايغ
    يستند على الباب الحاجب للحشرات، والآبتسامة تعلو وجهه الأسمر.. وقفت جامدة
    في مكانها تحدق به متسعة العينين.. فأكمل :

    _ هل لي أن أدخل؟ أم أنني أقاطعك عن عشائك؟ عادت إلى الحياة، وتذكرت
    أخلاقها الحسنة: أوه..لا.. أدخل..
    على أي حال ، يُعد هذا الرجل الثاني بعد ربة عملها .. وربما لديه رسالة من
    أمه.. لكن لا..لايبدو عليه هذا، فقد دخل إلى وسط الغرفة بطريقته الواثقة،
    ونظر إليها بتكاسل من الرأس حتى القدمين، دون أن يفوته أي من التفاصيل..
    أحست إيبرل بقشعريرة تجتاج جسدها وشكرت الصدف التي جعلتها مرتدية لأول مرة
    شيئاً غير ثياب العمل.. إنها لاتريد أبداً أن تجذبه ، لكن مامن امرأة تحب أن
    تبدو دائماً مشعثة .قال بلهجة تساؤل:

    _ أعدك أن لاأطيل البقاء.. فأنا واثق أن السيد مورهيد لن تعجبه رؤيتي هنا
    حين يصل.
    _ أوه.. لن يمانع. ثم تذكرت أنها قادت غرايغ إلى الاعتقاد أن علاقتها بمات
    ستدفعه فعلاً إلى الممانعة، فأكملت،: أعني أنه لن يعرف.. فهو لن يأتي.. لكن
    هذا أسوأ بكثير! إذ ظهرت نظرة خبث في عينيه! ولكي تصرف أفكارها المشوشة
    بعيداً وتشغل نفسها عن نظرات غرايغ المتفحصة، انحنت لتلتقط برنس وترفعه بين
    يديها. قال: إذن أنت لوحدك الليلة.

    ثم بابتسامة ماكرة، سرد شعراً :"كثير من الزهور يحترق احمراراً، دون أن يراها
    أحد.. ويضيع عطرها الجميل في الهواء الصحراء" ماعدا إيبرل ساوندرز، لو
    استطعت أن أمنع هذا.. والواقع، إنني لم أتناول عشائي بعد.
    ياله من جريء! فكرت بإعجاب .. وبماذا يمكن لفتاة محترمة أم ترد على مثل هذه
    الدعوة سوى: أرحب ببقائك ..كما أعتقد . إذاكنت لا تمانع في تناول"حواضر البيت".

    قال بابتسامة رضى لنجاحه في مناورتها:
    _ مع هذه الرائحة الشهية، أعتقد أن أياًكان يمكنه الإحساس بالأمان مع"حواضر
    بيتك" قالت بجفاء:الأفضل أن تؤجل إطراءك إلى أن تأكل ..مع أنها تعرف أن
    طهوها جيد وتفتخر به، لكنها لاتزعج نفسها بالطهو كل ليلة لنفسها فقط. طهوها
    الآن مثله مثل بيجامتها، مجرد صدفة.. كان بالإمكان أن تقرر تناول عشاء مؤلف
    من علبة"تونا" أو أن تكون مرتدية روب الحمام القديم الباهت.لكن الوضع اختلف
    اليوم.. حتى أن هناك كمية من معجنات الجبن الدسمة المليئة بالزبدة في
    البراد قدمتها لغرايغ مع القهوة بعد العشاء.. بعد أن التهم آخر قطعة، ابتسم
    لها، مع نظرة تقييم في عينيه
    0

  14. #2013
    _ أنت بالفعل امرأة متعددة الأدوار. ألست هكذا؟ مامن أحد يستطيع أن يقول
    عنك إنك مجرد وجه جميل.
    رفعت عينيها متعجبة لهذا المديح.. هل هناك في كلامه مقارنة خفية مع ريبيكا؟
    إذا كان صحيحاً.. فمن وجهة نظر من؟ ليس وجهة نظره بالتأكيد، ولاوجهة نظر
    أغريبا! ربما السيدة بوكستر؟ أجل.. لابد هذا.. أو الأكثر احتمالاً..ليس هناك
    أي مقارنة أبداً.. فلاشيء مثل الأماني تستخلص المعاني التي تكون في الأصل
    سراباً!

    انتقلا بعد العشاء إلى غرفة الجلوس، وأحست إيبرل بالاسترخاء لوجوده..
    وسألها ما إذا كان يستطيع إشعال نار صغيرة لكسر حدة برد أمسية الربيع هذه.
    وهو يقوم بهذا، اختارت تسجيلاً لموسيقى ناعمة ووضعته في الستيريو. جلست على
    الأريكة تراقبه وهو ينحني ليرتب الحطب في الموقد.. سمعت صوتاً صغيراً محذراً،
    يهمس في أذنها، محذراً أنها قد تضع نفسها في ورطة لاتحمد نتائجها.

    في الحقيقة، إيبرل فتاة محافظة ، وتنوي البقاء هكذا..كل ما تتذكره، هو أن
    مشاعر هذا الرجل أنانية عابثة.. وكيف يمكن أن تنسى؟ إذن، أين يكمن الخطر؟
    إنها قادرة بالتأكيد على الاستمتاع بأمسية لطيفة مع رجل جذاب دون التفكير
    بأنها ستقع في فخ الغواية.
    وتستطيع قول "لا"الآن لهذا الرجل في الوقت المناسب.. لكن الفتاة المحتشمةفي
    داخلها تتوسلها: على الأقل اتركي الأريكة واجلسي على كرسي!

    نهضت لتستبدل جلستها على مقعد آخر بمواجهة الأريكة، في الوقت نفسه الذي كان
    فيه غرايغ ينهض من ركوعه ويستدير ليواجهها مبتسماً: الآن ، وقد تكرمت علي
    بعشاء رائع.. أريد أن أطلب منك معروفاً آخر.
    ردت مجفلة: أوه!
    _سأسافر إلى المكسيك غداً من أجل تقديم عرض لمشروع بناء سد. إنه مشروع ضخم
    وسيؤمن الكهرباء إلى منطقة واسعة لم تنعم بها مسبقاً.. والرجل المفترض به أن
    يكون مسؤولاًعن هذا في شركتنا مريض الآن ، وفي المستشفى.
    _ فهمت. لكنها في الواقع لم تفهم أبداً ما دخلها في كل هذا.
    _ وبما أنني سأغيب أسبوعاً أوأكثر، فسأشعر بارتياح أكبر إذا لم تبق أمي
    والسيدة أغريبا وحيدتين في المنزل.. فهل بإمكانك السكن معهما أثناء غيبتي؟

    لم تتردد إيبرل ، بل كانت مسرورة جداً بأن تقيم مع السيدة بوكستر، والتي
    أصبحت مولعة بها خلال الأسابيع التي عملت لديها.
    _ بالطبع.. إذا كان هذا يرضيها.. ابتسم: بالنسبة لها، لقد قررت أن تدعوك
    لتناول وجبات المساء معها لمجرد التمتع بصحبتك. إنها تحبك كثيراً.. لكن
    سيكون الأمر أكثر إفادة.. لو.. أنك انتقلت للإقامة معها.

    احتارت إيبرل:لكن يمكن أن أبرر انتقالي للسكن هناك؟
    _ إنها لاتعلم أنني سأطلب منك السكن معها للأمان، إلا أنها تعتقد أن هذا
    غير ضروري.. وسيكون من الأفضل عدم مناقشة هذا الأمر
    هزت رأسها مبتسمة: فهمت.. أدركت إيبرل أن السيدة بوكستر تحتاج إلى الرعاية،
    فأضافت قائلة: سأقوم بإقناعها بالأمر.
    ضحك غرايغ: سيلزمك أسابيع لتقنعيها..لا.. لقد ابتززتها لهذا. قلت إذا لم
    يحصل ماأريد فلن أقوم بالرحلة، وسأدع الفرصة أمام المنافسين ليحصلو على
    المشروع.

    دهشت إيبرل لعجرفته.. وقالت مرة أخرى: فهمت!
    بدا التعبير على وجهه كأنه يشير إلى تخلصه بكفاءة من مهمة صعبة أخرى..
    وبهدوء تناول منديلاً من جيبه الخلفي، وقام بمسح الرماد عن يديه ثم أعاده
    إلى مكانه.. تقدم أربع خطوات نحو إيبرل.. وبحركة سريعة لاتسمح بأية مقاومة،
    انحنى واضعاً يديه تحت مرفقيها ورفعها بخفة بالغة.

    قبل أن تستطيع التصرف، ضمها بين ذراعيه بطريقةلن تنساها أبداً منذ أول عناق
    له.. وأحست بصاعقة تجتاحها.. وتصاعدت رائحة التبغ، والعطر، وشيء آخر حميم
    لتملأ أنفها.. تمتم بكلمات لم تفهمها، لكنها استجابت لها بضعف وشوق.. من
    مكان بعيد، من مسافة واسعة، من عالم آخر ، سمعت طقطقة النار، وآهات الكمان
    للأوركسترا التي تعزف ألحانها الناعمة.
    0

  15. #2014
    يعطيك مليون الف عافية عنوني ورده مجهود رائع سلمت يمناك على الرواية وسلمت يمين من كتبتها
    0

  16. #2015
    وردتنا الرائعة ....

    الف الف شكر غاليتي ....

    لاعدمناك دوما تضيئ ايامنا بروعة ماتقدمين ...

    ............

    ماري الغالية ...

    في انتظارك مع فريق الأبداع ...

    دمتم بكل الود ....

    .......
    0

  17. #2016
    7_ ثوب العروس


    كشفت الأيام القليلة التي تلت عن تغيير ملحوظ في سلوك السيدة أغريبا خلال
    زيارة الصغيرة تانيا ماونتن.. كان وجهها يحمل تعبيراً هادئاً قانعاً بدل تجعده
    المألوف، والأكثر ملاحظة، كانت السعادة التي تشعر يها لوجود الطفلة والتي
    بدت أنها تغمرها بشكل كامل، بحيث تتدفق متسعة للجميع في المنزل، حتى
    لإيبرل. ولكن برأي إيبرل تانيا ماونتن ليست طفلة يسهل حبها.

    كان لتانيا وجه ملاك وشخصية شيطان متمرس، وبدا أنها حقاً ابنة أمها.. فهي
    لاتمتلك فقط جمال أمها الشبيه بجمال دمية البورسلان،
    بل تمتلك كذلك غطرستها المستهترة، مع الطفلة إلى الانغماس في نوبات غضب
    متوحشة أمام أي استفزاز.. خلال الأسبوع، شهدت إيبرل عدداً من ردات الفعل
    هذه، وكانت غوين أغريبا تعالجها كلها بتحمل محب مثير للإعجاب.

    لكن نوبة غضب واحدة تركت انطباعاً حاداً في نفس إيبرل، لأن المخلوقان اللذان
    تحبهما أكثر شيء في العالم، كانا الضحيتين.. حدث ذلك مساء سبت بعد أن حولت
    الطفلة العشاء إلى مجزرة ، إذ قالت السيدة غرايغ متجهمة: ذكر لي غرايغ أن لك
    صديقة صغيرة في عمر تانيا. قالت: أجل.

    وأملت أن تكون مخطئة في ما تظن أنه سيطلب منها.
    _ أخبرتك سابقاً أن تانيا ستضجر هنا.. ربما لو كان بصحبتها من تلعب معه، في
    مثل سنها.. ما رأيك؟ هكذا، وعلى مضض، وبالرغم من رفضها الصامت، وافقت إيبرل
    على أن تحضرها في الغد.

    في اليوم التالي، لم تكد تمض ساعة على وجود الفتاتين معاً حتى تحققت أسوأ
    مخاوف إيبرل.. طبيعة الطفلتين المتعاكستين شبيهة بتعاكس الزيت والماء..
    ولإحساسها بالذنب والمسؤولية، قررت إيبرل أن تبقى على مرمى السمع طوال
    اليوم.. وبعد غداء محموم على المرجة، تركتهما لتأكلا الحلوى، وشغلت نفسها
    في تشذيب الشجيرات المزهرة عند الحد الغربي للمرجة.

    كان أول صوت سمعته إيبرل شهقة مخنوقة، ثم تبعته صيحة حادة من ليز: كفي عن
    هذا! دعيه وشأنه!ثم جاء صوت تانيا المتكبر:
    _ اخرسي، واهتمي بشؤونك! أنا الأم ويجب أن يشرب العصير.
    استدارت إيبرل لترى رأس برنس عالقاً بشدة تحت إبط تانيا، وجسده يتلوى تحت
    ذراعها، قائمتاه الخلفيتان تتحركان في الهواء بيأس، وليز تقف ويداها
    مشدودتان أمام صدرها بينما قدماها ترتجفان بذعر .. تجاهلت تانيا بعناد كل
    هذا العذاب، وأكملت تصب الليمونادة في حلق القط المختنق.

    صاحت إيبرل بصوت حاد أجفل الفتاتين معاً: هذا يكفي تانيا! ردت الفتاة
    بتكشيرة متحدية، وأمسكت القط من شعره ورمته إلى أبعد مدى تسمح به قوتها،
    حيث انطلق هارباً كالصاروخ.. صاحت تانيا في وجه إيبرل: لاأريد أن ألعب بهذا
    القط الغبي البشع على أي حال
    انفرجت ليزباكية وهي تصيح:إنه ليس غبياً ولابشعاً .

    استدارت تانيا نحو ليز بغضب مجنون، كانت إيبرل تخشاه خلال الأسبوع الذي مر:
    بلى إنه كذلك. وأنت أيضاً ! في الواقع هذا سبب ترك أمك لك، أنت غبية إلى
    درجة أن تصدقي أنها في المستشفى مريضة! لكنني أعرف أنها هربت وتركتك لأنك
    بشعة! أنت بشعة جداً حتى أمك ذاتها لاتحبك!

    أبعدت نظرة الصدمة الحزينة على وجه ليز كل شيء من رأس إيبرل.. مدت يديها
    إلى ليز تنوي إبعادها وإنهاء الصدام بينها وبين تانيا
    وأحست بطعنة تدمي قلبها حين انتزعت ليز نفسها منها وخبأت عينيها الباكيتين
    بين يديها.. أوه.. ياإلهي! هل تظن الصديقة الصغيرة أن إيبرل قد تضربها في
    فورة غضب؟.. وقالت متضرعة: ليز .. حبيبتي.. فجأة تناهي صوت رجل عميق من
    بعيد: سأتولى هذا الأمر بنفسي.. خذي ليز إلى منزلك.

    رفعت إيبرل رأسها لترى غرايغ يتقدم عبر المرجة حاملاً حقيبة تحت إبطة، ويشير
    إلى تانيا باليد الأخرى ونظرة تجهم عنيد على وجهه.. حملت إيبرل ليز
    بيـذراعيها، فلفت الفتاة ذراعيها النحلتين بقوة حول عنق إيبرل وقد استعادت
    توازنها. انطلقت إيبرل نحو منزلها وكان آخر ماسمعته صوت غرايغ الصارم يقول:
    حسن جداً أيتها الشابة الصغيرة.. لاأريد سماع كلمة أخرى منك.. والآن .. إلى
    المنزل.. تحركي!

    بعد بضع دقائق، ظهر غرايغ عند باب منزل إيبرل، لازال يحمل حقائبه، ورآها في
    غرفة الجلوس والصغيرة مكورة في حجرها فوق الأريكة.. دخل، وقالت إيبرل
    وعيناها مليئتان بالدموع: لم أستطع منعها من البكاء!
    جلس غرايغ إلى جانبيهما، بحيث يرى ليز.. ثم تكلم إلى إيبرل بلهجة جادة.
    _ أعتقد أنك لم تلاحظي أن تانيا تعاني من شيء خاطئ جداً في عينيها. شهقت
    إيبرل:حقاً!
    0

  18. #2017
    هز رأسه بحزن، دون الاهتمام بليز التي توقفت فجأة عن البكاء كي تسمع
    مايقوله الكبار: نادراً مانتكلم عن هذا.. لكنني أرى الآن وجوب ذكره لك.
    _ يا إلهي!
    _ إنه مرض نادر.. مع أنه معروف طبياً.. المسألة أن الصغيرة لاتستطيع رؤية
    الجمال. شهقت إيبرل:آه..
    جمدت ليز وكأنها تلقت صدمة.. تابع غرايغ بعجز: الأمر مؤسف جداً.. يمكنها أن
    تكون على بُعد إنشات من زهرة جميلة، لكن كل ماتراه هو أعشاب ضارة. نعطيها
    فستاناً جميلاً وجديداً فتراه فستاناً قديماً.. تصوري كيف ستمضي حياتها هكذا.

    لتجاريه في لعبته، ردت إيبرل: إنها لفاجعة.. مسكينة تانيا.
    تنهد غرايغ: أجل .. إنه حمل فظيع بالنسبة لفتاة صغيرة.. لن ترى طوال حياتها
    أي شيء جميل.. وبالطبع نحن لانخبرها عن الأمر.. فما فائدة الكلام حول أشياء
    لاتستطيع أن تراها؟
    - أجل.. أوافق تماماً معك .. فهذا ليس دون فائدة فقط بل ظلم وقساوة.
    _ بالضبط.. لهذا حين تسمي رؤية جماله، ولاجدوى من الجدال مع شخص كهذا. صمتت
    إيبرل وكذلك غرايغ.. فجأة خرجت ليز من قوقعتها، وجلست مستقيمة في حجر إيبرل
    لتسمح أنفها المبلل بطرف قميصها القطني.. وقالت بلهجة من يريد التسامح لكن
    لاالنسيان

    _ ماكان يجب أن تكون شريرة مع برنس. قال غرايغ وكأنه يلاحظ وجودها لتوه:
    بالتأكيد لا! كان عملاً شريراً جداً منها.. وستنال عقابها لهذا. قالت: جيد.
    بجو من الرضى، انسلت من حجر إيبرل لتأ خذ لنفسها مكاناً على كرسي قبالة
    الأريكة.. واتجهت بعينيها المحمرتين إلى اللفائف الموضوعة عند قدمي غرايغ.

    قال غرايغ: والآن هذه اللفائف..
    راحت تراقبه وهو يتحدث بحيوية إلى ليز، وأحست بتأنيب خجل لظنها أنه إنما
    يلاطف ليز للوصول إليها . وكم كانت ممتنة لأنها لم تصرح بتفكيرها هذا أمامه،
    فأي إنسان يشهد اللطف واللباقة اللذين أظهرهما نحو ليز اليوم لايمكنه يوماً
    أن يشكك بمشاعره تجاهها.. وتجاه كل الأطفال.

    استقرت في قلب إيبرل ثقة عميقة دافئة بهذا الرجل ،فمهما كان الذي حدث في
    الماضي أو ما سيأتي به المستقبل، فهي ستتذكر دائماً أنه قام بدور " الفارس
    الأبيض" لطفلة ضعيفة مجروحة.. وأنه، وبذكاء، وضع حداً لما كان يمكن أن يسبب
    لكبرياء ليز الضعيفة جرحاً لايندمل.

    أعطى غرايغ ليز لفافة متوسطة الحجم، وأشار إليها أن تفتحها.. طوال الوقت
    وهي تفعل ، كان يتابع سرد تفاصيل مااشتراه.
    _ دخلت عشرات المحلات، ونظرت إلى مئات الأشياء، بعضها كان لابأس به، لكنه
    لم يكن ما كنت أفكر فيه . كنت على وشك الاستسلام، حين وصلت إلى محل صغير
    اسمه لابيليزا أي الجمال.. قلت للمرأة هناك " أبحث عن شيء يليق بسيدة صغيرة
    لها بشرة ناعمة كأوراق وردة .. وشعر كأنه السكر الأسمر ، وعينان زرقاوان
    كالسماء,, بالمختصر، سيدة صغيرة جميلة جداً"

    وضعت المرأة إصبعها على رأس أنفها وفكرت قليلاً ، ثم غمزت لي، ودخلت إلى آخر
    المحل، وهذا ماخرجت به إلي. أنهي غرايغ قصته في الوقت نفسه الذي جذبت فيه
    ليز من بين اللفائف الورقية، ما اتضح لإييبرل أنه نسخة مصغرة وغالية الثمن،
    من فستان الدانتيل المخرم الذي يعرف بفستان العروس المكسيكية.. وضعت ليز
    الفستان القطني العاجي اللون على صدرها، ومنحت غرايغ ابتسامة مرتجفة وهي
    تسأل بارتباك:

    _ لكن..؟ هل هذا الفستان لتانيا؟ ضحك: لا..إنه لك وزتي الصغيرة! ماذا كنت
    أقول لتوي؟
    أخفضت ليز عينيها بتمتمة: أنا لست بشعة.. أعرف هذا.. لكنني لست .. جميلة.
    ضرب غرايغ جبينه براحة يده: استدعي الطبيب إيبرل! يجب أن نفحص عيني هذه
    الطفلة! أظنها التقطت العدوى من تانيا.

    رأت إيبرل أن ردة فعل ليز موزعة بين الضحك والدموع،فوقفت تحتضن الصغيرة
    وتدفعها نحو غرفة النوم.
    بالطبع هو لك حبيبتي. أسرعي الآن وجربيه لنراه. حين غادرت ليز الغرفة،
    استدارت إيبرل نحو غرايغ والدموع في عينيها:
    _ هذا يوم لن تنساه ليز.. وأريد أن أ شكرك لجعلك إياه ذكرى جميلة بدلاً من
    فاجعة لاتنسى.رد بهدوء:
    _ لاتمدحيني كثيراً .. فأنا لم أقل كلمة غير صحيحة.. إنها فعلاً فتاة جميلة
    إن كان للمرء عين صادقة ترى الجمال.أحست بشوق غامر كي تعانقه، لكنه شوق
    مختلف تماماً عن الذي شعرت به منذ أسبوع، وفي نفس المكان. في الواقع، كان
    الإحساس أكثر عمقاً وأقوى.. ومن غير الحكمة أن تنقاد وراءه..

    حدقا ببعضهما صامتين.. ثم تم اللقاء. أحست بذراعيه تطوقانها، وتضمانها
    بحنان ورأسها على صدره.. قال متمتماً: رائحتك كرائحة الخوخ في الشمس. أحست
    بجسدها يسترخي.. وفي هذه اللحظة بالذات، قفزت ليز عائدة إلى الغرفة ووجهها
    الصغير البسيط يلمع بفرح.. على الفور سحبت نفسها مبتعدة عن غرايغ، وهي تشعر
    بغباء شديد لأنها ومرة أخرى فقدت سيطرتها على نفسها، واستجابت لدى أول حركة
    من إصبع هذا الرجل.. لكن ليز كما تبدو لم تلحظ أي شيء غير عادي وهي تقف
    بخجل أمامها، تنتظر مقطوعة الأنفاس تعليقهما.. وبدت فعلاً كزهرة جبل صغيرة
    صافية في ثوبها الأبيض.. أبديا لها إعجابهما الشديد، ثم ناولها غرايغ لفافة
    أخرى.

    قال وهي تخرج منها دمية خشبية ترتدي ثياب مهرج:هذه لتخليد ذكرى أول يوم من
    لقائنا.. لكنني كنت أتمنى لو أنها تمتلك فماً ليلكياً.
    وشارك إيبرل ابتسامة خاصة. بينما انشغلت ليز بتحريك خيوط الدمية، وراحت
    تضحك بابتهاج للحركات الغريبة التي تقوم بها.. قدم غرايغ آخر لفافة إلى
    إيبرل وقال: وهذه لك.

    وضعت الهدية في حجرها.. وفتحت فمها عاجزة عن الكلام.. كيف يمكنها التعامل
    مع هدية كهذه؟ في مثل هذا الظرف، يمكن أن يكون لها دلالة كبيرة.. أو.. من
    ناحية أخرى، قد لايكون لها معنى أبداً .. شلها الارتباك ولم تقدر على قول
    شيء. لكن ليز لم يكن عندها مثل هذه المشكلة.. فصاحت قائلة بسعادة:
    _ إنها تشبه هديتي إيبرل! سنكون كالتوأم الآن!
    مررت إيبرل يدها بنعومة فوق القسم العلوي المطرز المحتشم، الأكمام الواسعة
    كالجرس، التطريز اليدوي الناعم للثوب المشابه لثوب ليز، ثوب الأيام التي
    تلت ذلك الأحد المليء بالأحداث. فكرت إيبرل العديد من المرات بالفستان
    الجميل المعلق الآن في خزانتها في انتظار أن ترتديه في مناسبة لائقة..
    0

  19. #2018
    لكنها أحست بالغباء لمجرد التفكير بما دفع غرايغ لأن يأتيها بهدية ، هذا
    عدا عن اختياره لهذه الهدية بالذات.. لاشيء في تصرفاته، ماضياً أو حاضراً،
    يجيز لشخص متعقل أن يستنتج أي معنى خفي من هذا.. إنه رجل عابث، صحيح أنه
    ساعد ليز، وبدافع الكرم، بشراء هدية لها، وفي هذا الوقت بالذات، اشترى نفس
    الهدية بحجم كبير لامرأة شابة متعلقة بتلك الطفلة.

    لذلك ودون أدنى شك، الأمر بسيط ولامبرر لتعليق الآمال حوله. ومع ذلك ، فإن
    سوء النية بقي في رأسها يحذرها إلى أن خشيت أن تنهار أعصابها. لذا كان من
    المريح لها، أن تكتشف السبب الحقيقي لاختياره ثوب العروس المكسيكي.. حدث
    هذا في يوم دافئ أوائل نيسان ، كانت الحرارة مرتفعة في غير أوانها، ووجدت
    العمل في تنظيف أكوام الأعشاب اليابسة على المنحدر الخفيف الذي يقع بين
    البركة وملعب التنس مرهقاً، معرّقاً.

    كان نسيم الربيع ساكناً هادئاً، ماعدا أصوات أزيز النحل التي تدور لتكمل
    عملها اليومي.. حتى أنها قفزت مجفلة لسماع اسمها.
    _ آنسة ساوندرز! مرحباً هناك! أراك تعملين كالقندس.
    كانت ريبيكا ماونتن تقف وسط السلالم الموصلة بين البركة والملعب. ترتدي
    بيكيني أزرقاً لماعاً. وبالطبع، كانت إيبرل ترتدي ثياب العمل، بنطلون جينز
    وقميصاً قطنياً، وتربط قطعة من القماش لمسح العرق عن جبينها..
    ردت إيبرل بهدوء: بالطبع لا.. ولماذا تعيقينني؟ أرى أنك بدأت تكتسبين اللون
    الأسمر.
    _ لايمكنك أن تتصوري مدى روعة الطقس في المكسيك.. لاشيء سوى الشمس وضوء
    القمر لأسبوع كامل.

    عرفت إيبرل أنها تريد أن تتصورهما معاً، هي وغرايغ، تحت ضوء القمر.. وبالطبع
    تصورتهما. كانت ريبيكا تحمل في يدها كوب عصير مثلج من نوع ما، أخذت ترتشفه
    بعد أن جلست في المقعد ووجهها متجه ناحية الشمس.. وأكملت: جئت اليوم لزيارة
    ماريان، لكنني وجدتها مشغولة حتى أذنيها في التحضير لحفلتها.. وغوين مشغولة
    بتانيا.. لذا بقيت وحدي.

    _ ستكون السيدة بوكستر جاهزة في حزيران إذا بدأت التنظيم منذ الآن. ردت
    بتكاسل :
    _ أوه.. ليس تلك الحفلة. ستقيم حفل تعريف بالمنزل بعد أسبوع أو اثنين..
    بالتأكيد أخبرتك عنها!
    _ لا.. ولاسبب يدعوها كي تخبرني عنها.
    _ هذا ماظننته ، مع أنها أصرت على دعوتك .. أنا واثقة أنك ستتلقين الدعوة
    قريباً.

    كان هناك نوع من المشاكسة في صوتها . ولم ترد إيبرل ، لكن أفكاراً عديدة
    كانت تتسارع في رأسها . لماذا تصر السيدة بوكستر على مجئ يد عاملة إلى
    حفلتها الخاصة؟ هل ترفض إيبرل الدعوة ؟ هل سيكون غرايغ هناك؟ولو قبلت..ماذا
    يمكن أن ترتدي ؟
    كأنما قرأت ريبيكا أفكارها، فقالت:سيعطيك هذا فرصة لارتداء ثوبك
    الجديد..إنه ثوب مناسب لحفلة يوم أحد مفتوحة.

    سألت إيبرل بدهشة :وهل تعلمين بأمر الفستان الجديد ؟
    ضحكت بطريقة بغيضة:أستطيع قول هذا !لقد أتعبت قدمي كثيراً لأشتريه ،وهدايا
    تلك الفتاة القبيحة كذلك .

    حبست إيبرل أنفاسها ..بكل تأكيد ،لايمكن أن يكون غرايغ قد دعا ليز بالقبيحة
    ..لا..لن تصدق هذا ..لاشك أنها أغريبا..
    صحيح أنها كانت لطيفة محبة لليز في ذلك اليوم المليء بالأحداث ..لكن
    بالمقارنة مع جمال تانيا ،فهي على الأرجح رأت
    ليز عادية جداً.أحست إيبرل بالإرهاق فجأة فجلست على الأرض وأخرجت منديلاً
    متسخاً من جيبها وراحت تمسح به
    وجهها المبلل عرقاً..

    إذن ريبيكا هي التي اختارت الفستان الذي أمضت إيبرل الكثير من أوقاتها تحلم
    به ..يمكن أن تكون صاحبة فكرة
    الهدية أيضاً..لابد أنها كانت تشتري هدايا لغوين وتانيا فقالت حينها
    لغرايغ:لماذا لاتنتقي شيئاً لتلك التي نسيت اسمها ..
    الفتاة الجنائنية التي أبدت الاستعداد لرعاية أمك .

    _مرة أخرى،وبخفة،رددت ريبيكا أفكار إيبرل ..قالت ضاحكة في تسامح :ياللرجال
    !إنهم لايعرفون ماذا يشترون
    ولا أين يجدون طلبهم .وكان يوماً حاراًجداً حتى ظننت أنني سأذوب !
    دون حماس ،قالت إيبرل شيئاً يشبه كلمة شكر ،وأضافت "إنه فستان جميل"..ساد
    الصمت قليلاً بين المرأتين ،ثم
    سألت ريبيكا فجأة :

    _ماذا تنوين أن تزرعي هناك حيث تنظفين التراب؟ردت إيبرل بدهشة ،لأن ريبيكا
    أظهرت اهتماماً بالحديقة :
    الخباز كما أعتقد .
    أعتقد أنني أفضل شجيرات التوت البري الأحمر .تفضل ؟التوت البري الأحمر
    ..دعيني أفكر ..هناك الكثير من
    الشجيرات المماثلة .

    _مارأيك بشوك النار؟هذا هي ،آخر واحدة ..أظنني سأحبها ،إنها تمتلىء حيوياً
    حمراء كالكرز في الخريف .
    ترددت إيبرل،غير واثقة .أظن أن النحل سيسبب مشكلة مع وجود شوك النار ،فهو
    يتجه إلى زهرها الحلو
    في الربيع ..ومع وجود الناس حول البركة أظن شيئاً آخر سوف ..

    _جلست ريبيكا تظلل عينيها بيدها ،وتنظر بثبات إلى إيبرل ثم قالت :آنسة
    ساوندرز ..
    حين تمتلكين حديقة خاصة بك بإمكانك زراعة ماتشائين ..أما الآن فتذكري أنك
    تعملين هنا .
    تجمد وجه إيبرل وتصلب جسدها بالإهانة والغضب وهي تقف تتحضر للمغادرة ..

    _وتذكرت أمل السيدة أغريبا في أن يعود غرايغ وريبيكا من المكسيك متزوجين
    ..لكن هذا لم يحدث وإلا لما
    أضاعت ريبيكا أية لحظة للإعلان عنه .لكن من الواضح الآن أن الزواج وشيك
    ،فها هي ريبيكا تتحدث وكأن
    لها حقوق الزوجة ومالكة الأرض ..

    _حسن إذن ،فلتحصل على الأشواك النارية قرب بركة سباحتها ..فبحلول الربيع
    القادم ،حين يأتي النحل ليمتص
    الرحيق الحلو من الزهور العاجية اللون ،ستكون إيبرل قد رحلت عن هذا المكان
    منذ زمن بعيد .
    قالت ريبيكا بدهشة مصطنعة :أوه ..

    _هل أنت ذاهبة ؟أرجو أن لايكون السبب شيئاً قلته ..
    بينما كانت إيبرل تبتعد ،عادت ريبيكا تسترخي بارتياح في مقعدها لتدير وجهها
    مرة أخرى إلى الشمس .
    0

  20. #2019
    8_ معاهدة صداقة


    خلال الأسبوع التالي، سارت الأمور من سيء إلى أسوأ بالنسبة لإيبرل . فما
    كاد المسكين برنس يستعيد سيطرته النفسية من سوء
    معاملة تانيا له، حتى أحس باضطرابات معوية استدعت أخذه إلى البيطري ليعطيه
    حقنة علاج.. والديدان القاطعة أفسدت كل
    مازرعته من لوبياء و بازيللا خضراء .. ,واتصل مات في أمسية ليقول ان
    المسؤولة الأم عن الملجأ أصدقاء الأطفال استقالت
    بسبب المرض وإن من اللازم إيجاد البديل فوراً .. ولأن إيبرل دهشت برضى لمحبة
    السيدة أغريبا للأطفال ، فكرت أن تعرض
    اسمها على مات .

    لكنها صرفت النظر عن الفكرة فوراً .. فمع قرب اتحاد ريبيكا وغرايغ ، سيتحقق
    المستقبل الذي كانت ترجوه السيدة أغريبا.
    لكن أسوأ ما كان أن الزوجين إيفنز سيفقدان منزلهما.. وسافرت إيبرل بعد ظهر
    يوم الخميس إلى المدينة لتصطحب ليز من
    أجل شراء ثياب صيفية لها..ومع أنها ا ستقبلت بالحفاوة المعتادة إلا أنها
    أحست فوراً بوجود جو من القلق في المنزل الصغير.

    وبينما كان الثلاثة الكبار ينتظرون رجوع ليز من المدرسة، قص ماكس على إيبرل
    ماحدث:
    _ لقد اشترى مقاول معظم الجوار ومالك المنزل أعطى أسرة إيفنز إنذاراً لإخلاء
    المنزل في مدة أقصاها ثلاثة أشهر.
    وقال ماكس يائساً:
    _ بعض الجيران وجد مسكناً جديداً.. لكننا لم نجد مكاناً نستطيع تحمل إيجاره
    ويكفينا نحن الثلاثة في مكان يقرب من المدرسة.
    تمتمت فاين بحزن: أخشى أن نفقد الطفلة. صاح ماكس بها: كفي عن هذا ياامرأة!
    مهما ساءت الأمور لن يحصل هذا!

    لاطفتهما إيبرل:
    _ بالطبع لن يحصل.. سأساعد كما في البحث عن منزل مناسب ..لابد من وجود مكان
    ما في هذه المدينة الكبيرة .. أو ربما ستزيد
    الجمعية من تعويضكما الشهري ، أو سأتمكن من مساعدتكما بنفسي.. أو .. لقد
    وجدتها! الملجأ بحاجة إلى مربية مقيمة! لماذا لا
    تتقدمان لهذه الوظيفة؟ كلاكما ستكونان ممتازين..
    قاطعهما ماكس بخشونة: لقد حاولنا ورفض الطلب , قالوا إننا عجوزان جداً.
    تدخلت فاين: لم يقولوا هذا بالضبط عزيزي.
    رد بحدة: وكأنهم قالوه! وفي أي صيغ وضعوا الرد، فهو "لا".

    وانزوى بعبوس قاتم.. ماكس على حق دون شك، فللجمعية مواصفات توظيف محددة،
    ولن تستخدم من تجاوز الخامسة والستين..
    من المؤسف خسارة شخصين لهما مثل خبرة هذين الزوجين الثمينة، لكن هكذا هو
    الأمر. قالت إيبرل بهدوء لا تشعر به أبداً:
    _ حسناً الأمر مزعج، لكنه بالأمر الذي لايمكن تحسينه لو أننا عملنا معاً..
    بعد أسبوع أو اثنين، سنحل المشكلة.

    لكن، فيما بعد، وقد أخذت ليز تقود سيارتها نحو وسط ساكرامنتو التجاري.. لم
    تعد تشعر بالتفاؤل.. إيجاد الحل سيتطلب كل عبقرية
    إيبرل. بعد انتهاء التسوق ، كانت الساعة تقارب الرابعة.. وانتقلت إيبرل
    المراهقة وليز المبتهجة من طرف مركز التسوق الجميل
    المحاط بالشجر إلى الطرف الآخر في عربة مفتوحة مبهرجة الألوان، تجوب المركز
    لراحة المشترين.

    حين استعادتا السيارة من الموقف في آخر المركز وانطلقتا نحو المنزل لرؤية
    الاسم على لوحة ضخمة عند طرف الموقع..
    وأبطأت سير السيارة لتشير نحو الموقع لليز التي قالت متوسلة:
    _ أرجوك ألانستطيع أن نتوقف؟ ربما شاهدنا غرايغ.
    _ لاحبيبتي، لن يكون هنا.. لديه رجال يشرفون على العمل بدلاً منه.. لكن
    يمكننا أن نقف إذا شئت. قالت هذا لأنها كانت واثقة أن
    مالك امبرطورية بناء عالمية لن يكون في الموقع بنفسه.

    وجدت مكاناً توقف السيارة فيه، وخرجت مع ليز لتقفا خارج السياج الحديدي الذي
    يحمي المارة والمشاة من الخطر وقوع شيء.
    أشارت إيبرل إلى الفتاة المهتمة:
    _ أترين، كل العمال يرتدون ما يسمى قبعات الحماية لوقاية رؤوسهم من أي شيء
    قد يقع.
    وقفت ليز تنظر حولها مشدوهة، ثم جذبت تنورة إيبرل فجأة:انظري .. هناك بضع نساء!

    وكان هذا صحيحاً أمام ذهول إيبرل .. عدة عاملات في الموقع يرتدين ذات
    الملابس الثقيلة التي يرتديها الرجال، وقبعة الحماية
    المطلوبة تخفي شعرهن.. تساءلت منذ كم تحافظ هؤلاء النسوة على أعمالهن ..
    وهل أساءت الحكم على غرايغ بوكستر وموقفه
    نحو المرأة في عالم العمل؟ أم أن عملها هو الذي لعب دوراً ولو صغيراً في
    تغيير رأيه؟ كم ستعطي مقابل معرفة هذا الرد.

    استدارت ليز إلى إيبرل بعينين لامعتين:
    _ حين أكبر، سأعمل لدى غرايغ أيضاً. قالت إيبرل بحماس: بكل تأكيد، سيكون
    أمراً عظيماً، المساعدة في إنشاء بناء.
    وهما عائدتان إلى السيارة ، سمعت إيبرل تصفيراً خفيفاً، فرفعت نظرها لترى
    عاملاً شاباً يستند بوقاحة على السياج على بعد
    أمتار أمامها.. وناداها بوقاحة:
    _ هاي، جميلتي.. هل لديك خطط لهذه الليلة؟

    أخفضت إيبرل عينيها وأمسكت يد ليز لتجعلها في الجانب الآخر من الرجل، ثم
    سارعت الخطى نحو السيارة.
    _ تخلصي من الصغيرة حلوتي.. وسنقيم احتفالاً. استاءت إيبرل إذ رأته يتحرك
    نحو البوابة التي تقود إلى الرصيف الذي يجب أن
    تمر به في طريقها إلى السيارة.

    وبلهجة ملحة قالت لليز: لاتهتمي به.. إنه مجرد شاب يظن نفسه ذكياً.. وإن
    تجاهلناه سيمل ويعود إلى عمله.
    سألت ليز ترتجف: إيبرل.. هل سيؤذينا؟ قالت: بالطبع لا.
    ثم تلفظ الرجل بكلام بذيء بشع، وتخلت إيبرل عن أي ادعاء بالهدوء لتركض بذعر
    جارةً ليز الباكية وراءها.كانتا قرب السيارة
    حين سمعت إيبرل صيحة قوية بشتيمة فظيعة.. فاستدارت لترى الشاب يتراجع هارباً
    وغرايغ بوكستر يقف مهدداً و
    نظرة غضب باردة على وجهه..

    أمسك غرايغ بياقة قميص الرجل وأداره.. رأت إيبرل بالتفصيل كل حركة لقبضة
    غرايغ وهي تتحرك من قرب خصره مستهدفه
    فك الرجل الأيسر .. وبوضوح مرعب، سمعت صوت تحطم أسنان الرجل. تهاوى الرجل
    مكوماً فوق التراب ، وركض العمال
    ليتجمعوا بنصف دائرة حوله.. خلال الصمت، سمعت إيبرل آهة صغيرة، فالتفتت
    لترى ليز المسكينة تتهاوى على الرصيف.

    جاءت صيحة إيبرل المخنوقة بغرايغ إلى جانبها في لمح البصر.. رفع الفتاة
    المسترخية بين ذراعيه وأشار برأسه أن تلحق إيبرل
    به إلى مكتبه المؤقت في الموقع، ثم اتجه بليز عبر البوابة الحديدية..

    حيث مرا بجماعة من العمال.. وكان الشاب يهز رأسه محاولاً استعادة وعيه..
    بصوت أجش بارد قال غرايغ له:اذهب واقبض
    أجرك، واخرج من هنا.. وإياك أن تدخل إلى أي من مواقع البناءالتابعة لي أبداً
    ..هل هذا واضح؟
    هز الشاب رأسه بغضب محاولاً تجنب عيني غرايغ، ثم انصرف. بعد تبادل قصير
    للكلام مع وكيل عماله، أدخل غرايغ الفتاتين
    إلى سيارة لينكولن بيضاء، تبدو الآن رمادية بسبب غبار الموقع، وقادها عبر
    الشوراع بثبات..

    خلال ربع ساعة وجدت نفسها في الطابق العشرين في الشقة العليا من مبنى مكاتب
    شركة بوكستر.. وأدخلها غرايغ، ثم حمل
    ليز إلى أريكة بيضاء حيث وضعها بارتياح فوق الوسائد، وقال لها: استلقي الآن
    بهدوء.
    فاستجابت له بهزة رأس وابتسامة.. استدار نحو إيبرل ليقول متوتراً: لم أر
    طفلة حساسة جداً كهذه الطفلة.
    تنهدت إيبرل: أنت لاتعرف شيئاً عن مآسيها.
    رد باختصار: هذا ما استنتجه..وأنا الآن أريد سماع القصة بأكملها. استريحي
    وسأكون معك بعد لحظات.

    حين خرج من الغرفة، تقدمت إلى حيث تستلقي ليز ووجدتها مغمضة العينين..
    واتجهت إلى كرسي مريح لتجلس فيه إلى الوراء،
    تستند رأسها على ظهره.. لو أعطيت الخيار لتكون مع شخص مافي تلك اللحظة، لما
    اختارت سوى غرايغ بوكستر..وفي أفكارها
    رأت الطريقة التي برز فيها مرتين كالملاك المنقذ لمساعدة ليز، وتمنت أن
    تفضي إليه بكل متاعبها ومخاوفها..
    لكن هذه أمنية مستحيلة، ولن تتحقق أبداً .. فهو لن يتزوج في وقت قريب امرأة
    أخرى وحسب.. بل هناك صدمة اكتشافها مصدر

    الهدية المكسيكية أيضاً .. مما ذكر إيبرل، أن تقييمها الأصلي لمشاعره نحوها
    كان صحيحاً: إنه رب عمل يبذل جهده لتلطيف

    مشاعر موظفة متوترة حساسة، بقليل من عادة " حق الرجل في فتاة" .. ولقد كانت
    بلهاء، كالعادة، كي تفكر بشكل مختلف ولو

    للحظة.

    عاد غرايغ إلى الغرفة يحمل صينية عليها أكواب عصير، وقال: لقد تدبرت أمر
    توصيل سيارتك إلى العزبة.. سأقلكما إلى المنزل

    فيما بعد. تمتمت: لكن.. لكن المفاتيح معي.قال: بعض الناس لايتحاجون إلى
    مفتاح لتشغيل سيارة صغيرة بسيطة مثل سيارتك.
    قالت مصدومة: لاأحد أعرفه..

    فقاطعها مبتسماً : هذا لأنك كنت تعيشين حياة منزوية، أليس كذلك؟ حادثة اليوم
    وحدها تثبت هذا. أحست باحمرار الغضب،
    واحتجت: وماذا يفترض بكلامك أن يعني؟ لم أكن خائفة على نفسي .. كنت..
    والتفتت نحو ليز المصغية بعينين متسعتين، وأكملت : لقد اعترفت لتوك أنك
    لاتعرف شيئاً عن.. لذا، لماذا لا تعلق"حكمك" إلى
    أن تسمع بعض الوقائع؟!

    رفع حاجبه الأسود ساخراً: أنسى دائماً شعرك الأحمر، ولا أعرف السبب.. إنه
    واضح بما يكفي.
    بقيت إيبرل صامتة ، بينما كان يصب العصير في أكواب طويلة ويعطي ليز واحداً ،
    ثم إيبرل: كلاكما بحاجة إلى ماينعشكما..
    فلاتجادلي.

    على مضض، أخذت رشفة من عصير البرتقال البارد وراحت تتساءل عن سبب توتر
    غرايغ.. فطريقة تصرفه تجعل المرء
    يظن أنها خططت لكل الحادثة المؤلمة لمجرد إزعاجه! على أي حال اللكمة التي
    وجهها لذلك الشاب كانت هي السبب الذي
    جعل ليز يغمى عليها، فهي حساسة جداً أمام العنف..

    صحيح أن إيبرل كانت خائفة من تهجمات الرجل، لكنها لم تكن "منعزلة" إلى درجة
    أنها لم تتعامل مع تحرشات غير مرغوبة من
    الرجال في الشارع من قبل؟ وكانت على وشك أن تفتح فمها وتقول له كل هذا
    وبوضوح، حين طغت عليها موجة إرهاق..
    دعيه يظن مايشاء عنك.. فما الفرق؟

    اهتمت بما كان غرايغ يقوله لليز.. بعض الكلمات الملطفة لانتزاع ابتسامة،
    وابعاد نظرة الصدمة عن وجهها الشاحب الصغير.
    _ لن أكون مشغولاً الآن ، لذا تذكري أنني وعدتك بالذهاب إلى "كولوما" حيث
    اكتشف جايمس مارشال الذهب أول مرة .

    سيعجبك.هذا.. أليس كذلك؟

    هزت ليز رأسها بحماس، وقد عادت ابتسامتها إلى طبيعتها: إيبرل ستأتي معنا
    أيضاً .. أليس كذلك؟ بنظرة سريعة إلى إيبرل ، رد

    بعفوية : بإمكانها مرافقتنا.. إذا أحبت.
    قالت ليز: هل تعدني بشيء آخر ؟
    أجابها بحذر مرح: يجب أن أعرف ماهو أولاً.
    _ عدني أنك حين سأكبر ستسخدمني لأشيد لك المباني.. مثل أولئك السيدات
    اللواتي رأيناهن اليوم.

    أعاد النظر إلى إيبرل بسرعة ثم رد على ليز بجدية: حين تكبرين قد تتجهين إلى
    عمل أنت مؤهلة له.. إذا أردت تشييد المباني لي

    واستطعت التكيف مع العمل الصعب.. حسناً سأستخدمك منذ الآن. بدت سيارة
    اللينكولن كونتينتال الفخمة غريبة تماماً وهي متوقفة

    في الشارع الذي تحده الأشجار أمام منزل العجوزين إيفنز.. لدى رؤية السيارة
    وسائقها الوسيم الأنيق، أصيبت فاين إيفنز بالبكم..
    0

  21. #2020
    وتولى ماكس أمر الاستقبال ،ومصافحة غرايغ بوقار الرجل لرجل.

    _ لنا الشرف في مقابلتك سيد بوكستر .. تفضل بالدخول لتناول المرطبات.
    لكن غرايغ رفض مع الشكر قائلاً إنه وإيبرل ذاهبان إلى عشاء مبكر .. وحين
    سماع هذا، ابتسمت فاين لإيبرل ابتسامة ماكرة

    رافعة حاجبيها بطريقة ذات مغزى فهزت إيبرل كتفيها، وبإشارات صامتة، قالت إن
    هذا خبر جديد بالنسبة لها. روت ليز بإسهاب

    قصة رحلة التسوق ، ومع وصولها إلى القسم المشوق، ازداد تخوف فاين وقاطعتها:
    أرأيت؟ الشوارع لم تعد آمنة للناس الشرفاء.

    قاطعها ماكس بسرعة، ناظراً إلى وجه ليز المضطرب:أوه.. هراء ياامرأة!أتذكر
    جيداً، أيام صباك، حين كنت تسيرين في الشارع

    وعشرات من الرجال ينظرون إليك.. هذا يحدث لكل النساء الجميلات ولا أقول انه
    أمر مقبول! لكن مامن ضرر حدث ، لذا فلننسي

    الأمر.

    تمتمت فاين بعناد: لم يحصل ضرر لأن السيد بوكستر كان موجداً. ثم لزمت الصمت
    لتواجه نظرة ماكس الحادة إليها . بينما كانت

    إيبرل وغرايغ يغادران، صاحت ليز فجأة: ثيابي الجديدة في سيارتك إيبرل! داعب
    غرايغ شعرها الرملي اللون: لاتقلقي ،

    سأحضرها لك غداً وأنا في طريقي إلى عملي.

    سألته ليز بطريقة مغرية جميلة، لم ترها إيبرل يوماً تستخدمها: ألايمكن أن
    تأتي وأنا موجودة ؟ ضحك غرايغ: حسناً جداً

    أيتهاالصغيرة.. سأجيء حين تعودين من المدرسة.. هذا إن لم تكوني سئمة من رؤيتي.
    ردت ليز بابتسامة خجولة: لن أسأم أبداً من رؤيتك غرايغ. قال: ولا أنا منك ليز.

    قبلها مودعاً على خدها المحمر، وطغت نصف ابتسامةعلى فم إيبرل.. مثل تانيا..
    تانيا الصغيرة المسكينة التعيسة التي لاتشعر
    بالأمان. لم تتبادل إيبرل مع غرايغ سوى القليل من الحديث خلال الرحلة إلى
    العشاء المبكر الذي تدبر أمره.. مرة واحدة سألها

    دون أن ينظر نحوها: أرجو ألايمانع مات مورهيد في أن أدعوك إلى العشاء؟

    لم تكن معتادة على العيش مع خدعة، ففتشت بسرعة عن رد مناسب: لاأظن.. نسبة
    للظروف.
    قال: أية ظروف؟ ردت باختصار: أستطيع الذهاب أينما شئت كما أعتقد، فأنا لست
    متزوجة بعد. بعد تردد قصير، قال بنعومة:
    هكذا إذن.. ولاأنا.. بعد.

    قالت منزعجة، تنظر إلى زحام السيارات: حسن إذن. لكن الجو في المطعم الصغير
    الذي اصطبحها إليه كان أكثر إغراء من أن

    تقاومه، وسرعان ما استكانت لأجوائه الرومنسية الناعمة، أثر تصورها له بصحبة
    ريبيكا هنا على سعادة إيبرل لكنها كبتت تلك

    الصورة مصممة على الاستمتاع بيومها.. ولتدع المستقبل جانباً.. بعد أن أعطى
    غرايغ طلباتهما إلى النادل بطريقته المعتادة

    الكفوءة، دخل صلب الموضوع فوراً.

    _ قبل كل شيء، أريد أن أعرف لماذا أغمي على ليز اليوم. أعترف أنها تجربة
    عنيفة بالنسبة لها.. لكنني رأيت من الزواية التي

    كنت أراقب منها، أنك كنت قادرة على الاهتمام بالأمر.. حاولت أن تشرح له أن
    السبب لم يكن تهجم الشاب ، بقدر رؤية العنف

    الذي أثر على ليز.. ولكي تبعد اللوم عنه، كان عليها أن تروي قصة حياة ليز
    المؤلمة ، كاملة.

    كانا يتناولان القهوة بعد العشاء، حين أنهت إيبرل قصتها، لتدرك فجأة أنها
    لم تمس طعامها أبداً .. أخذت جرعة ماء لإراحة حلقها

    الجاف ومالت إلى الوراء متنهدة بتعب .. هز غرايغ رأسه ببطء دلالة التعجب
    اليائس لما يعانيه بعض أبناء البشرية.
    _ ياله من حقير، ستاتون هذا. حين أفكر أن بعض الناس قد يتخلون عن أي شيء،
    في سبيل الحصول على طفل يحبونه.. وهذا

    الخسيس يعاملها وأمها بوحشية.. لايجب أن يسمح له بأن يلقي نظرة على هذه
    الطفلة بعد الآن.

    تنهدت إيبرل مجدداً :لاأحد يمكنه معارضتك في هذا ..لكن كيف السبيل إلى هذا
    في ظل القانون.. إنه أمر آخر. أشار غرايغ للنادل

    بإحضار فاتورة الحساب ، ثم رد بلهجة صارمة: هناك فرق.
    كان غرايغ صامتاً طوال طريق العودة إلى المزرعة . وكان لإيبرل أفكارها
    الخاصة . أحست بشيء من الأمل والثقة والاطمئنان

    في قلبها بالنسبة للطفلة البائسة.. وإذا كان غرايغ قد انضم إلى الدفاع عن
    قضيتها ، فكل ما عانته إيبرل خلال معرفتها به، أصبح

    شيئاً يستحق الغفران .. ماذا في الأمر لو أنه عابث؟ ماذا في الأمر لو أنه
    تلاعب بإيبرل؟ مامن أحد كامل على أي حال، وأي

    صديق لليز هو صديق لإيبرل ايضاً .

    قالت إيبرل بخوف قاطعة الصمت العميق: غرايغ؟ رد دون تركيز: هه؟
    _ أنا أقدر حقاً ماتفعله لأجل ليز. أزاح نظره عن الطريق ونظر بعمق إلى
    عينيها: _ إذن نحن صديقان بعد طول انتظار.
    قالت بخجل: سأحب هذا.. إن أحببته أنت.
    سأل: إذن هل ستزول كل العقبات التي بيننا؟ المستقبل يبدأ الآن .. ولارجعة
    إلى الوراء؟ ضحكت: أجل .. إن أردت ، لارجوع

    إلى الوراء.
    0

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 2 . (0 عضو و 2 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter