الصفحة رقم 1 من 11 123 ... الأخيرةالأخيرة
مشاهدة النتائج 1 الى 20 من 214
  1. #1

    أماني هذا عنوان رواية أحلام لكل محبي قصص الرومانسية

    أهلاً بجميع أصدقائي الأعزاء أنا واحدة من محبي قراءة القصص على مختلف أنواعها
    و روايات أحلام هي إحدى هذه القصص المفضلة لدي
    لذا تفضلوا بقراءة هذه القصة الممتعة على أمل أن تعجبكم
    34c91bcb2c6c38d01c0b1a93dd787c06


    attachment
    أشكر أخي و صديقي العزيز The Crash على هذا التوقيع الجميل


  2. ...

  3. #2

    أماني

    .
    أماني
    سيد الشمس
    _ كايس قلت لك اكتفيت.
    كان الجو في مؤخرة السيارة التي يقودها السائق متوتراً, و هذا كل ما يقال.. و كانت الجميلة أماندا هاموند تلتف بمعطف الفراء السيمك و رغم التدفئة المركزية في السيارة كانت ترتجف, أما كاسدي لايتبون فحاول جهده الظهور بمظهر المستريح المطمئن على أمل أن تؤثر تصرفاته في الممثلة الجالسة قربه فينجو من غضبها.
    تابعت أماندا و هي ترتجف: أريد الذهاب إلى منزلي لأستحم.. أريد أن أغسل لمساته القذرة عن بشرتي!
    أبتعلت ريقها بصعوبة, ثم أردفت همساً :
    _ لا أستطيع تحمل المزيد اليوم.
    قال كايس بطريقته المصطنعة:
    _ أنها المرة الأخيرة, يا حلوتي.
    نظرت إليه باستغراب! ألا يكفي ما تعرضت إليه اليوم على يدي ذلك الحقير لتغيير برنامج اليوم؟.
    _ اتركي كيفن لوكهارت الدمث يلتقط لك صوراً جميلة ثم بعد ذلك اذهبي إلى منزلك وانقعي جسدك بالحوض, و انسي كل شيء لشهر كامل !
    فكري في الأمر.. ساعة واحدة من ابتسامات أماني الحلوة, و ينتهي التصوير.. و إلا اضطررت يا حلوتي لمرافقتي غداً.
    لاحظت أماندا بمرارة أنها ورقته الرابحة , فلدى كايس دائماً ورقة رابحة .. إنه قادر على قضاء تسعة و تسعين بالمئة من حياته و هو يلعب دور الأبله و لكن ذاك الدور ما هو إلا غطاء يخفي وراءه قرشاً آكلا للحوم البشر في داخله.. و لهذا كان كايس من أنجح العاملين في دنيا الفن.
    إنما هذا لا يعني شيئاً لأماندا هاموند في هذه اللحظات.. أنها غاضبة و متكدرة بحيث لا تهتم بمن يكون كايس.. ارتدت إليه بغضب:
    ¬_ ألا تفهم ؟ لا أستطيع تحمل المزيد! و لن أطيق معاملة سيئة أخرى اليوم!
    سارع كايس يقول:
    _ لكن السيد لوكهارت رجل هادئ! هادئ و بارد.. بارد! إنه لا يخاشن السيدات مثل كارتر, ولا يلمسهن إلا مضطراً. إنه عبقري في عمله.. لكنه يكره من يصورهن.
    _ لست ممن يصورهن.
    ¬_ يا الله ! لا.. أنت ممثلة جميلة.. لكن الأمر سيان بالنسبة إليه يا حلوتي.. أنت سيدة جميلة خلابة.. و جمالك أشبه بجمال من نسج الخيال.. و هذا ما لا يستطيع لوكهارت تحمله.. إنه لا يطيق النساء الجميلات و مع ذلك يلتقط لهن صوراُ رائعة.
    تنهدت بنفاد صبر:
    _ و ماذا لديه ضدهن؟
    _ زوجة.. زوجة سابقة, عملت موديلاُ له, وهي فائقة الجمال ! و قبل أصابعه الأنيقة لزيادة التركيز.
    _ أتذكرين سوان كورتيز..؟ لوكهارت هو الذي اكتشفها و دربها و زينها و جملها , ثم تزوجها والتقط لها أروع الصور, و دفعها لتحلق فوق القمة . ثم راقبها و هي تنقلب عليه يوم جاء الرجل السمين ليعدها بالنجومية في عالم السينما! أما لوكهارت فلم يسامحها قط بل لم يسامح جنس النساء كله, خاصة النساء المتألقات.. و لكنه أمهر العاملين في حقل مهنته. لديه قدرة العجيبة على إظهارهن أجمل و ابهى.. آه ! لا أقصدك أنت, حلوتي !
    و أرسل لها إحدى ابتساماته السخيفة :
    _ لا يمكنه تحسين ما هو كامل.. تعرفين هذا !
    آه ! أصمت كايس.. أنا غاضبة و أشعر بالقرف و الضجر.. و لكنني لست حمقاء ! أفهم كل هذا.
    _ آه حقاً ؟
    و بدا أن مشاعره قد جرحت! يا للشيطان اللعين يعرف بالضبط ماذا يفعل, إنه يلعب على شفقتها.
    _ قلت سوان كورتيز ؟
    هز رأسه إيجاباً.
    سبق أن سمعت أماندا بها.. بل من لم يسمع بها ؟ في وقت ما كانت تعم صورها جميع إعلانات مستحضرات التجميل تقريباُ.. أما الآن فلا ترى صورها . عبست و حاولت أن تتذكر متى توقف وجه الجميلة سوان كورتيز عن الظهور على صفحات المجلات.. كان لها تلك الجاذبية السوداء الشهية التي تضعف الرجال.. لا عجب إذن أن يكره كيفن لوكهارت النساء ! فكرت أماندا بمرارة .. هل هناك من تستطيع أن تخلفها ؟
    حذرت كايس بطريقة توحي بالقبول :
    _ لا تجرؤ على تركي لحظة كايس!
    ارتفعت يده و وعدها قائلاً :
    أعدك !
    ابتسمت أماندا رغم انزعاجها.
    قرأت نص فيلم لكارتر كرمى لكايس فالمخرج الأميركي الشهير سميتي كارتر كان قد طلبها بالاسم و يومذاك قال لها كايس إنه لا يمكن إغضاب رجال من هذا المستوى في مهنة الفن , و لم يخطر ببالها إلا بعد فوات الوقت ما نوى ذلك الخليع العجوز فعله حين شاهدها فوق الأريكة و بدأ يسيء معاملتها .. كادت تضحك على مدى سذاجتها .. فقد كان عليها تحرز نواياه في تعابير وجهه الجائعة.. و لكنها لم تنتبه . و لا شك أن الإرهاق النفسي والجسدي أخمد أحاسيسها.. يا للغرابة لقد وقعة في فخ قديم العهد ! سخرت من نفسها بمرارة. الحمد لله لأن كايس كان قريباً فأنجدها من موقف لعين..
    قرأ كايس أفكارها ككتاب مفتوح:
    _ انسي أمر كارتر.. إنه شخص منحط .. يظن أنه هبة السماء للنساء.. يعاني من عقدة نفسية.. يجب أن يهتم به أحد.. لا يمكنه المضي هكذا .. فهو يحسب نفسه زير نساء, و لكنه لم يعد كذلك.. لأنه لا يستطيع أن..
    _ اصمت كايس!
    _ آه .
    لقد جرحت مشاعره مرة أخرى:
    _ .. أجل.. بالتأكيد .. لم أفكر.. لم أقصد..
    كررت بوضوح هادئ.. اصمت.
    نجحت هذه المرة في إسكاته فنظرت إليه برضى و تجهم,و حاولت يائسة جمع ثقتها بنفسها لمواجهة المحنة القادمة في التصوير.
    _ وصلنا.
    وعت أماندا ما يحيط بهما بدهشة خفيفة ظهرت على وجهها حين كانت السيارة تلج بين بابين خشبيين نحو ما بدا لها قصراً خاصاً.
    إنه قصر قديم يعود طرازه إلى العهد الفيكتوري فهو مبني من الحجارة الحمراء, و نوافذه قرميدية اللون قاتمة, و سقفه مثلث هائل.. بدا لها مسكن كيفن لوكهارت مكاناً مريحاً.. ثم لمحت أرجوحة معلقة في شجرة إجاص قديمة في مؤخرة المنزل.
    وقف باحترام ينتظر نزولها, فسحبت نفساً عميقاً و دفعت أطرافها المترددة و ضمت معطفها حولها تاركة الياقة المرتفعة تخفي شعرها الأشقر الطويل.. و الحقيقة أن بشرتها الشقراء الرائعة أخفت حقيقة ذعرها الذي جعل الدم يجف من عروقها.. بدت كما هو.. مميزة جداً, ناجحة جداً, و شابة جميلة جداً. من يعرفها يلاحظ اشتداد عضلات فكها الصغير و التعب في عينيها الزرقاوين المشعتين.
    ارتفعت إحدى أصابع كايس الطويلة الأنيقة فضغطت زر الجرس.. الذي أعقبه نباح كلب من الجهة الأخرى للباب ووقع أقدام ونبرة تأنيب.. ثم انفتح الباب إلى الداخل فظهرت امرأة عجوز نحيلة صغيرة الجسم, فضية الشعر وجهها يشبه وجه عمة عجوز عزيزة.
    ابتسمت لأماندا بلطف: آنسة هاموند ؟.
    هزت أماندا رأسها مبتسمة, ففتحت العجوز الباب ورفعت بصرها إلى كايس و لكن ملامحها تغيرت ما إن رأته و راحت تنظر إليه بذهول:
    _ حسناً.. رأيت كل ما يمكن دخوله من هذا الباب.. لكنك أيها الشاب تنتصر عليهم جميعاً.
    كبتت أماندا رغبة في الضحك.. كايس رجل طويل رشيق القوام نحيل.. أرسل لها ابتسامة مشرقة ساحرة. و قال: شكراً لك.
    و دخل إلى الردهة و هو ينظر إلى الكلب الضخم بكره.
    هز الكلب رداً على كراهية كايس فراءه الأشعث, و نظر إليه بازدراء.. ثم نبح نباحاً بدا لأماندا نباحاً ساخراً.. و جلس في أسفل الدرج بتكاسل.
    قالت المرأة: مشغل التصوير في الأعلى..لاكي !
    دفع الصوت الباتر رأس الكلب إلى الارتفاع و لكنه عاد فأخفضه و تابع تكاسله. صاحت العجوز مجدداً:
    ابتعد عن الطريق أيها الكلب العجوز الغبي !
    و لكنه لم يطعها فتجاوزته ساخطة و لكن ما هي إلا لحظات حتى تعالى عواؤه فقد وقعت صفعت قوية على مؤخرته, ثم ارتد ليلعق اليد التي ضربته و توجه إلى فناء المنزل الخلفي.
    عاد الوجه اللطيف إلى سابق عهده و ارتدت العجوز إليهما:
    - اصعدا إلى الطابق الأول ثم توجها شمالاُ على طول الرواق.. في الطرف الآخر ستريان باباُ مزدوجاٌ, اقرعاه ثم انتظرا حتى يأذن لكما بالدخول.. لن أرافقكما وإلا غضب السيد كيفن.
    كانت ابتسامتها شريرة, ثم ابتعدت في الجهة التي ذهب إليها الكلب.
    عندئذٍ لاحظت أماندا تصلب ساق المرأة الذي كان يجبرها على العرج.. و فكرت أن السبب التهاب المفاصل.
    تمتم كايس: مكان رائع.
    و أشار لأما ندا أن تتقدمه صعوداُ على السلم العريض.
    كان الرواق الذي أشارت إليه العجوز طويلاُ و مهيباُ . جدرانه مغطاة بلوحات أصلية قديمة موضوعة في إطارات ذهبية ضخمة عليها رسمات لوجوه متجهمة تنظر بتعالٍ للمارين بها.
    أهم أسلاف كيفن لوكهارت؟
    هذا أمر غير مشجع فقد بدا معظهم قادراُ على القيام بعمل مشين أعادت الفكرة إليها صورة سميتي كارتر الخبيث, فأبعدتها عنها بقرف.
    بعدما قرع كايس الباب ران صمت طويل, ثم انفتح أحد البابين إلى الداخل فظهر رجل في حجم عملاق له أغرب عينين صفراوين رأتهما أماندا.. يا ألهي ! إنه إله الشمس الوثني و قد تجسد أمامها!
    إنه رجل طويل يزيد طوله عن ستة أقدام و ثلاث إنشات.. يخالط شعره الأسمر البني خصلات ذهبية و هو كث ناعم يلتف حول وجهه الوسيم.. قسماته الشبيهة بصخر منحوت بدقة, تظهر رجلاُ تشكل شخصيته تحذيراُ لكل قادم.. كما يقال: قوة فكر و جسد.
    كان يحيط بعينيه الغريبتين رموش ذهبية أما أنفه فكان متشامخاُ إنما ليس كثيراُ و كشف فمه عن حساسية موجودة فيه في مكان ما.. و إلا ما كان ليكون المصور المبدع الذي هو عليه الآن.
    بدت بشرته تبرق كالذهب المصقول و قد ظهرت بوضوح للعيان من فتحة ياقة قميصه..
    أخذ ينظر إليها ببرود و راح يجيل بصره فيها من رأسها إلى أخمص قدميها و لكنه ما لبث أن صرف النظر عنها و صب اهتمامه كله على كايس.
    _ لقد تأخرت !
    و صوته الذهبي أيضاُ يثير الاضطراب.. في غضبه يزأر كالأسد.
    رفع كايس يديه باستسلام: آسف.. آسف.
    دلت تعابير وجهه عن أفضل ما عنده ليظهر بمظهر الأبله:
    _ اضطررنا للتأخر.. وقع أمر مزعج في الموعد الأخير.. أماندا غاضبة وأنا غاضب وأنت غاضب! إنه يوم الغضب.
    راح كيفن ينظر إلى تعابير وجه كايس المدّعي بعينين ضيقتين, ثم وجه خطابه لأماندا:
    _ أتشعرين بالبرد أيتها السيدة؟
    انتفضت أماندا فارتفع بصرها إلى كيفن لوكهارت بدهشة.
    أضاف ببرود: ألعلك لا ترتدين تحت جلد هذا القط البري شيئاُ؟ إذا كان الأمر هكذا فمن الأفضل أن أحذرك أنني لا أتعامل مع العراة.. حتى لو كان الشخص امرأة مغرية مثلك.
    قاطعه كايس الذي حرك إصبعه تحت الأنف المتعجرف:
    _ أيها المزعج! من لديه كاميرات غالية الثمن لا يرمي الإهانات جزافاُ.. إنه سوء تصرف ينقلب عليك و على الجميع..
    أمسكت أماندا ذراعه: فلنذهب من هنا كايس.
    وارتدت على عقبيها تعود على الطريق التي دخلت منها. ما تنويه كان جلياً للرجلين. لن تبقى هنا لتتلقى الإهانات من هذا المتعجرف.. فليستخدم كايس لسانه الأملس ما شاء له ذلك .. لكنها اكتفت!
    و لكن كان لكايس أفكار أخرى و ظهر في عينيه بريق خطير و هو يمنع رحيلها بإدارتها لتواجهه و تواجه كيفن لوكهارت الكريه.. أمسكت يده بيدها الباردة التي تضعها على ذراعه.
    _ فلندخل أهذا ممكن؟
    أعلمتها لمسته أنه يعي مشاعرها وأنه هنا ليدعمها.. رفع بصره إلى عيني الرجل الآخر بسرعة حاسمة, ثم دخلا إلى قاعة ضخمة جدرانها بيضاء و نوافذها زجاجية.. رأت على كل قطعة من أرضها ألات غاليات الثمن.. و على جدرانها ظهرت صور قديمة و حديثة و كأنها جناح في مسرح, سقفها كسقف مسرح.
    كانت زاوية واحدة في الغرفة فارغة و ليس في هذه الزاوية إلا منصبة مرتفعة قليلاً تضيئها عدة أنوار, و حولها ثلاثة أشخاص مشغولين بعمل ميكانيكي. إما اللإضاءة, و إما في معدات التصويرالفخمة.. أقفل الباب المزدوج خلفهما, و أحست أماندا بعودة محنتها الداخلية.. كان الأجدر بها ألا تتعرض لما تعرضت إليه اليوم.

  4. #3
    _ أسدلوا الستائر.
    هب من مكانه شاب شبه أقرع يضع نظارة سميكة لينفذ الأوامر.
    _ اخلعي هذا المعطف أيتها السيدة.
    و كان هذا الأمر لأماندا.
    _ حركي الكاميرا الكبيرة.. اديث.
    كانت الكاميرا الكبيرة مثبتة إلى رافعة وإلى هناك توجهت فتاة نحيلة تحركها عبر جهاز سيطرة آلي.. ثم أشار لوكهارت إلى كايس:
    _ أنت.. اخرج عن مدى نظري, وأنس أنك هنا حتى أذكرك أنا بوجودك.. المعطف أيتها السيدة.
    صححت له ما يقول دون أن تتحرك: آنسة هاموند.
    نظرت إليه باستخفاف بارد مسمرة اياه في مكانه و نظر إليها و كأنه يراها للمرة الأولى.. شخصاً حياً يتنفس.
    كررت ببطء متعمد:
    _ أنسة هاموند.. أنا إنسانة لي إسم و لست آلة.
    ران صمت مفاجئ في الغرفة .. نظر إليها كيفي لوكهارت بعينين صفراوين ضيقتين راحتا تنظران إليها بتحد.. امتد الصمت المتوتر حتى بدأت أذناها تطنان.
    انطلق شيء كالشرر بينهما, شيء جعلها تنتفض في أعماقها و لكنها رفضت هذا الشعور.. ثم اشتد اللون الأصفر في عينيه فقد شعر هو أيضاً بتلك الشرارة الشديدة الحرارة.
    قال ببطء ورقة:
    _ أنسة هاموند.. هلا نزعت معطفك رجاء؟
    إنه أميركي .. في تلك اللحظة فقط أدركت أنه أميركي.
    _ لا أنكر أنه معطف جميل.. و لكن عليك أن تفترقي عنه و ستقوم أديث على حراسته لك بحياتها.. ألن تحرسيه لها يا عزيزتي أديث؟ ثم ستعيده إليك لاحقاُ سالماً.. آنسة هاموند.
    أحفلتها لهجته الساخرة فالتفتت إلى كايس تتوسل إليه بصمت أن يخرجها من هنا قبل أن تذل نفسها إما بالاستسلام إلى الغضب أو إلى الإجهاش بالبكاء.
    ابتسم كايس لها.. و هي ابتسامة تبدو للجميع سخيفة ملؤها الخنوع.. لكن أماندا رأت الرسالة في عينيه, و ارتفع ذقنها.. كانت تلك النظرة تقول: أنت ممثلة فابدئي عملك و أظهري لهذا الخنزير المتعجرف حقيقة معدنك!
    خلعت المعطف و تركته ينسدل عن كتفيها.. فسارعت أديث بنظرها الثاقب تلتقطه قبل أن يقع أرضاً.. و وقفت أماندا جامدة, و عيناها تنظران مباشرة إلى العينين الذهبيتين الغريبتين.. و لم يظهر شيء مما يعتمل داخلها إلا في ارتعاشة ثغرها الرقيق.
    كان فستانها من الحرير الخالص, أحمر اللون يلتف برقة حتى خصرها حيث تنسدل بلطف تنورة طويلة.. كان فستان بسيطاً و أنيقاُ, طويل الأكمام, مستدير الياقة.. بعد ابتعاد المعطف عنها بان طول شعرها الأشقر الشاحب الذي انسدل على كتفيها.
    تمتم العملاق الساخر:
    _ حسناً .. أنا لم..
    و صمت تاركاً فمه يأخذ انحناءة جانبية إلى الأعلى أما عيناه فمرتا بها بمكر.. سبق أن رأت مثل هذه النظرة على وجه سميتي كارتر قبل أن يرمي بثقله عليها.. تنحنح كايس بصوت مرتفع كأنه يذكرها أنه موجود معها
    قال الصوت الكريه:
    _ كرسي للآنسة هاموند.
    و بدأت نبضات أماندا تخفق بعنف.. فجأة عمّت الغرفة الصامتة الحركة فقد هبّ الجميع ليطيع أوامر لوكهارت و كادوا يصطدمون يبعضهم بعضاً و هم يتسارعون.. أما هي و هو فوقفا جامدين لأن شيئاً ما بينهما كان يحدث.. شيئاً قوياً و خطيراً.
    كانت نظراتهما متشابكة كأنهما في معركة و لكنها لم ترد الاعتراف بالمعركة.. فما هو الوقت أو المكان المناسبين و لا هو الشخص الذي تريد أماندا أن تتشارك معه مثل هذا التجاذب القوي.
    فرش الصبي ذو النظارة السميكة الأرض بورق أبيض, أما الشاب الآخر فتقدم ليضع مقعداُ ذهبي اللون فوقه.. فجأة انكسر التوتر المثير لأن كيفن لوكهارت نقل عينيه من أماندا لينظر بنفاذ صبر إلى المقعد ثم صاح بصوت أجفل الجميع:
    _ ليس هذا ! بول, ألم تتعلم شيئاً في السنتين اللتين أمضيتهما معي؟ لا يمكنك حجب الجمال بإجلاسه على عرش ذهبي.. الذوق والتواضع أيها الرجل! و اترك ما تبقى للإضاءة.. الإضاءة!
    تمتم المسكين التعس الحظ بول: أجل كيفن.
    _ الإضاءة قبل الديكور.. الجمال الطبيعي قبل مساحيق التجميل.. تذكري هذا أديث.. ضعي فراء القط البري من يدك, و ابحثي عما تمشطين بها شعرها.
    رمت الفتاة الفراء بشيء من الألوان.. إلا إذا تمكنا من جعلها تتورد مجدداَ.. و هذا ما أشك فيه. فالآنسة هاموند على ما يبدو ليست ممن تتورد وجنتاها خجلاُ بسهولة.
    ضحك الجميع ضحكة مصطنعة , أما أماندا فعبست وانشغلت بتهدئة غضبها و قاومت لتحتفظ برباطة جأشها و لتتعامل مع موجة الجاذب غير المتوقعة التي اختبرتها للتو تجاه هذا العملاق الكريه. قالت لنفسها: أنت تبالغين و تستجيبين للعدوانية بسبب ما جرى لك مع كارتر.
    _ كارل! الإضاءة الأولى و الثانية و الخامسة, لون وردي ناعم.. الثالثة و الرابعة والسادسة ليلكي شاحب.
    التفت إلى أماندا :
    _ آنسة هاموند بعدما تنتهين من إعطاء الانطباع بأنك تمثال رخامي , سأكون شاكراُ لك إن جلست على الكرسي لتتمكن أديث من العناية بشعرك.
    جاء صوت الفتاة الهادئ قرب أذنها : من هنا آنسة هاموند.
    تحركت آلياً إلى الكرسي, أما كيفن فتحرك بنشاط حي و ركّز الكاميرات عليها و ألقى أوامره على الصبي الإضاءة فتغيرت ملامح المكان كلياً.
    شعرت بدوار كان سببه صدمة متأخرة ولكن أماندا استجابت للأوامر التي كان كيفن يلقيها من وراء دائرة الأنوار.. سبق أن مرت بعدة تجارب تصوير و استمتعت يبعضها, لكن ما تمر به الآن هو كابوس حقيقي..
    أوامر قاسية وترت أعصابها و جعلتها تصرّ على أسنانها, ثم وجدت و يا للهول أنها غير قادرة على الحراك.
    تنهد كيفن عندما فشلت في الوقوف كما أراد:
    _ ليس هكذا .. ليس هكذا! أنت ممثلة ! ألا تستطيعين التحرك بحسب الأوامر؟ أريدك هادئة جليلة ولا أريد أن تظهري بمظهر التلميذة المذهولة العينين التي توشك على التعرض لمحنة مخيفة !
    راقبته عبر دوار ضبابي و هو يمرر يده في شعره البني الأشقر و يشده بإحباط ساخط, ثم دنا منها و قفز إلى المنصة, و وقف يشرف عليها و كأنه وحش ذهبي من الماضي.
    بدأ العرق يتفصد من بشرتها, و أحست ببرودته تتسلل إلى ظهرها و تبلل جبينها..
    عبثت يداه الكبيرتان بشعرها و هذا ما سمح للخصلات الحريرية بالانزلاق بين أصابعه.. تصلبت أماندا و لكنها تمسكت بسيطرتها على ذاتها.. لن تسمح بالانهيار أمام هذا الرجل ! لن..
    _ شعر رائع .. من هو مصفف شعرك؟
    _ فنان ذكي.. أليس كذلك ؟ تركيبة الألوان ممتازة.. يصعب على المرء أن يعرف أنه مصبوغ.
    ظلت أصابعه في شعرها تدلك جلدة رأسها عندئذ شعرت بأنها ستصرخ.. قالت بصوت جاف لأن فكها لم يسترخِ:
    _ كايس.. هل أنت هنا؟
    _ أنا هنا حلوتي.. استريحي و اجلسي كالولد العاقل كما قال الرجل.
    _ إذن هل تسمح بأن تقول له هذا.. قل لهذا المهرج الأعمى أن يبعد يديه عني!
    ارتفع صوتها تدريجياً و ارتفع معه جسمها إذ نهضت من المقعد تريد الابتعاد.
    قاطعها كيفن لوكهارت مقطباً:
    _ أرجوك عفوك.. أيتها السيدة ؟
    صرخت: قلت .. أبعد يديك عني ! أبعدهما !
    الذعر الذي شعرت به منذ ساعة في شقة كارتر صدمها الآن بقوة .. ثم تلاشى كل شيء.. فقد أطبق كل شيء من حولها و لفها ظلام من العذاب.

    * * *












    الغزو الذهبي
    هبطت يدان رقيقتان لطيفتان لتمسكا بكتفي أماندا.
    _ مهلك.. مهلك قليلاُ.
    كانت ترتجف كورقة في مهب الريح, تجاهد لئلا تفقد وعيها و لكنها شعرت بأن ساقيها رخوتين كالمطاط.. أنزلها كيفي لوكهارت ببطء إلى الكرسي, ثم لاحظ نظرة الخوف الأعمى على وجهها الأبيض من شدة الشحوب..
    - أردف بصوت هادئ و عميق:
    - _ أنت كايس , أو مهما كان اسمك.. ما بها بحق الله ؟
    - تلاشت تصرفات كايس الخنوعة, و ما هي إلا لحظة حتى ركع أمامها و أمسك بيدها:
    - _ إنها صدمة متأخرة .. آسف حلوتي. ما كان يجب أن أضغط عليك.. يمكننا القيام بهذا في يوم آخر استريحي لحظة أماني لأرافقك إلى المنزل.
    - حاولت بيأس تمالك نفسها:
    _ اللعنة عليك كايس.. ذلك القذر النا..
    - قاطعها كيفن لوكهارت حانقاً:
    - _ هل تتكلم عني؟
    - قال كايس: بل عن سميتي كارتر.. أماني حلوتي .. لا تعذبي نفسك بالتفكير فيه ! تذكري بدل ذلك كيف لكمته على وجهه و ستجلب لك تلك الذكرى البسمة!
    - سأل العملاق ساخطاً و حائراً :
    - - عما تتكلم بحق الله.. ؟
    - تجاهله كايس: ستظل عينه سوداء عدّة أيام .. تصوري ذلك السافل اللعين و هو يحاول تفسير ما أصابه !
    أخيراً فهم كيفن لوكهارت :
    - أحاول سميتي كارتر الاعتداء عليها ؟
    استقام غاضباً فشعرت أماندا بأنها تفتقد لمسته على كتفها.
    قال كايس ساخراً:
    - و على الأريكة.. لا أكثر ولا أقل ! في جسمها كدمات تؤكد هذا !
    فقد الصوت الذهبي رقته:
    - أديث ! قولي للعمة روزي أن تعدّ فنجان شاي قوي و حلوى للآنسة هاموند.
    إذن السيدة العجوز هي عمة أحدهم ! لم تتمالك أماندا نفسها من الضحك, فضحكت و ضحكت حتى فقدت القدرة على التوقف, و لكن هذه الضحكة الحادة انتهت فجأة كما بدأت بيد قوية لامست وجنتها بلمسة لاسعة.. عندئذٍ شهقت و نظرت بعينين مجروحتين إلى كيفن لوكهارت العابس ثم تحوّل بؤسها إلى أعماقها.
    التفت ذراعان قويان حولها و لامس خد لطيف شعرها, ثم شعرت أنها ترتفع عن الكرسي و تضم إلى صدر الرجل الصلب.
    شهقت باكية : لقد ضربتني !
    ثم أفسدت التأنيب بدفن وجهها في عنقه , عندئذ انسدل شعرها كستارة حريرية على كتفه.
    - كنت مضطراُ.. و أنا أسف.
    - أكره الرجال.
    سخر بلطف: كلهم ؟
    عندما سار بها شعرت بجسمه يبعث اضطراباً غريباً فيها.. تمسكت به بشدة و قالت بصوت مختنق:
    - أحس بالقذارة.
    - أنها ردة فعل.. و لكنك ستكونين أفضل حالاُ بعد فنجان شاي من صنع العمة روزي.
    هذا ما جعلها تضحك مرة أخرى, فانتفض كيفن ظناً منه أنها ستعود إلى تلك الضحكة الهستيرية, لكن ضحكها توقف بمفرده تاركاً أياها مرهقة تحس بالتعب.
    كانا يتحركان في الرواق المليء بالصور, لكن أماندا تركت وجهها مدفوناً في الفردوس الدافئ تشعر بقوة رجولته و بخفة حركاته و هو يحملها فقد كان يحملها و كأنها بوزن الريشة.. مرا تحت مدخل له قنطرة يفضي إلى الجناح

  5. #4
    الآخر في المنزل ثم نقلها إلى غرفة, و هناك شعرت بأنها تنخفض على شيء طري. ثم وقع غطاء دافئ عليها فارتدت على جنبها و مدت يدها و احتضنت وسادة ضخمة و تكور جسمها كطفل يسعى إلى الراحة.
    سمعت كايس يفسر ما حدث.. ثم انفتح الباب و تغير المزاج في الغرفة فوراُ.
    - ماذا تفعلان هنا ؟
    سمعت أماندا صوت قعقعة صينية وضعت على طاولة صغيرة , ثم غار الفراش إلى جانبها و امتدت ألطف و أبرد يد فمسحت صدغها.
    قالت العمة روزي : يا العزيزة المسكينة.
    ثم ارتدت بحدة إلى العملاق:
    - ماذا فعلت هذه المرة لتصل هذه المخلوقة المسكينة إلى هذه الحالة؟
    رأت أماندا إجفال كيفن بسبب الاتهام, لكن الرد جاء حاداً:
    - لماذا صعدت الدرج؟
    لكن العمة وبخته بقسوة:
    - لا ترفع صوتك بوجهي أيها الشاب! فلست عجوزاً و هذا ما تعرفه !
    - ارتدت إلى أماندا :
    - ماذا فعل بك عزيزتي؟ هل صاح بك.. هل؟
    شهقت أماندا باكية: ضربني.
    قست عينا العمة روزي كالرخام أما كيفي فنظر إلى أماندا و كأنه يراها قد جنت.
    ارتدت العجوز إلى الرجل الضخم:
    - كيفن ! أشعر بالخزي والعار بسببك!
    غطت يدها الحنون أماندا:
    - ألا يكفي أنك تتصرف بوحشية مع كل فتاة تدخل إلى هنا, ثم أراك الآن تلجئ إلى ضرب هذه المسكينة, هذا كثير.. كثير جداً!
    - كانت مصابة بالهستيريا..
    - لا عجب أن تصاب بها ما دمت أقدمت على ضربها.
    صاح ساخطاً:
    - اللعنة ! كان ذلك قبل أن أضربها.
    قاطعتهما أماني بخنوع:
    - إنه يقول الحقيقة. قال.. قال إنني أصبغ شعري.. فغضبت ثم تكدرت, فضربني.
    سمعت كايس يتمتم و هو يكبت رغبة في الضحك:
    - كفي أماني.. أنت ممثلة ماهرة, لكنك لست ممن يستدر الشفقة.
    - لقد.. نعت.. معطفي.. بأنه قطة ميتة!و.. و اتهمني بأنني أسير عارية تحت المعطف.
    أدانته العمة روزي:
    - صدمتني أيها الولد.. هل من شيء آخر؟
    صاح كيفي : رباه .
    نظرت إليه العمة روزي أما أماندا فأخفت ابتسامة رضى, و عادت العينان اللطيفتان الماكرتان العجوزتان إلى أماندا.. و سألت بلطف:
    - و الآن هل شرحت لي لماذا صفعك كيفي؟
    سرعان ما عادت الدموع إلى العينين الزرقاوين فدنا كايس منها متمتماً:
    - لا تبكي أماندا.. إنسي الأمر.. انتهى كل شيء. لن يقترب كارتر منك مجدداً و لو عن بعد عشرين خطوة.
    وجدت أماندا أنها مدفونة في صدر ناعم حنون.. و سمعت العجوز تُبعد الرجلين عن الغرفة, ثم استسلمت إلى بكاء تقليدي على صدر عمة قديمة الطراز و راحت تقصّ القصة المؤسفة كلها و هي تبكي.. فشعرت و يا للغرابة بالراحة. عندما توقف نحيب أماندا قالت العمة:
    - حان وقت الشاي.. خذي انفحي أنفك أولاً.
    دفعت إلى يدها منديلاً ورقياً. ثم انشغلت بسكب الشاي , بعد ذلك قدمت كوب الشاي إلى أماندا و عادت إلى الجلوس.
    - إذن.. جئت إلى هنا و الغضب و الثورة يتفاعلان في أعماقك ثم نفّست عنهما في وجه كيفي.
    ارتفع رأس أماندا التي برقت عيناها الزرقاوان:
    - إنه مغرور لا يطاق و متعجرف متسلط !
    ربتت العجوز على كتف أماندا مؤنبة:
    - كيفن إنه وديع كالحمل! فهو أشبه بلعبة دب ضخمة..
    بدت كالدجاجة تدافع عن صوصها. اضطرت أماندا إلى كبت رغبة بالضحك.. من الغريب أن ترى سيدة عجوز صغيرة القد تدافع عن مخلوق ضخم الجثة..
    هبّت العجوز زامّة الشفتين و بدأت بترتيب صينية الشاي, ثم ارتدت إلى أماندا و ابتسمت و قد تلاشت العدوانية عن وجهها.. الواضح أن العمة روزي تقول ما في قلبها ثم تنساه.
    - لا شك أنك راغبة في ترتيب نفسك.. الحمام من ذلك الباب.. عندما تجهزين توجهي إلى غرفة الجلوس فهناك ستجدين كيفن و صديقك.. استديري إلى اليسار من الباب الآخر, إنها الغرفة الثانية إلى اليمين.
    خرجت العمة روزي تاركة أماندا بمفردها, و شعرت بشيء من الغباء بسبب تصرفها, فبعدما فكرت في الأمر تنهدت و قالت لنفسها: يا إلهي أماني! عندما تقررين التخلي عن شيء لا تتركين شيئاً وراءك!
    استقلت على الوسائد تنظر إلى ما يحيط بها لأول مرة. إنها غرفة نوم جميلة.. طابعها رجولي بدون أدنى شك..
    يغلب عليها اللون البني و العاجي و يتملكها بين الحين و الآخر لمسات من لون أحمر دافئ.. كانت مستلقية بين أغطية من الكتان الناعم, ألوانها مزيج من تلك الألوان و الظاهر أنها اختيرت على شكل أنياب حادة.. ذات التصميم يكرر نفسه على أحد الجدران, ثم بدا مرة أخرى بين الأثاث الناعم.
    إنها غرفة لطيفة.. جلست أماني و راحت تمرّر أصابعها في شعرها الغير مرتب.. فكرت: أحتاج إلى حقيبتي, ثم عبست لأنها تذكرت أن حقيبتها و معطفها في مكان ما.. بدا لها الحمام المكان المناسب لتجد مشطاً.
    عندما حاولت النهوض عن السرير, أدركت مدى كبره.. يجب أن يكون هكذا.. تصورت الرجل الذهبي متمدداً عليه و شعره أشعث نائم.
    رفضت الصورة و هبّت من السرير بحدة و رأسها يدور.. إنها غرفة كيفن لوكهارت.. و هذا سريره.. تمتمت مرة أخرى : يا إلهي أماني مررت راحتي يديها العرقتين على جبينها.. فقد عاد الخفقان الذي شعرت به في الاستديو مرة أخرى بقوة مهاجمة, و لكن في المرة الأولى كانت مشاعرها مشوشة بالكراهية بسبب ما جرى لها مع سميتي كارتر.. أما الآن فالأمر مختلف.. هزت أماندا رأسها بعناد و تهرّبت من أفكارها بالإسراع إلى الحمام.
    بعد عشر دقائق, وجدت أنها تقف مترددة أمام الباب الذي أشارت إليه العمة روزي . ما زالت تشعر بالبلاهة.. بل أكثر من هذا, و هي الآن مضطرة لمواجهة من شهد فقدانها لرباطة جأشها و سمعت الأصوات المتناهية من وراء الباب المقفل.
    كان الرجلان جالسين و هما يتحدثان بهدوء حول فنجان قهوة.. و لكن ما إن دخلت حتى توقف الحديث و التفت الرأسان لينظرا إليها بإمعان, عندئذٍ سيطرت على تورد كاد يجتاح وجهها كتلميذة و توجهت إلى الداخل لتنظر حولها بفضول لئلا تنظر إلى العيون الشاخصة إليها:
    - هل أنت بخير أماني؟
    طالما أذهلها كايس الذي يتحول بسحر ساحر من رجل سخيف إلى رجل متحضر كفؤ في لمحة عين.. وقف فبدا لها أطول بكثير من كايس الآخر الذي يبلغ طوله ستة أقدام و لكنه قادر إن شاء أن يظهر نفسه و كأنه أقصر ببضع إنشات.
    ابتسمت له بتردد: شكراً.. أنا بخير الآن.
    اقتادها إلى مقعد شاغر.
    نظر كيفن إليها بتفرس و كأنه يحللها و لكنها لم تستطع أن تنظر إليه, فذاك التجاذب الذي شعرت به غريب و قد عاد إليها ما إن وطئت قدماها أرض هذه الغرفة.. لكنها أقنعت نفسها بأن ما تشعر به عائد إلى الصدمة, فالأميركيون الذهبيو العيون ليسوا من طرازها.
    قال كايس: اتفقت مع كيفن لنعود غداً أماني.. لن يستغرق الأمر إلا ساعة من بعد ظهر الغد.. و بعدها لديك عطلة.
    - آه! لا.. أرجوك!
    أن تقضي أربعاً و عشرين ساعة في ترقب للعودة إلى هنا و لمواجهة كيفن مرة أخرى, لأمر مرعب.. و هي تعرف أنها حتى الغد ستنكمش و تقشعر كلما تذكرت أحداث اليوم.
    - تعرف أنني سأبدأ عطلتي غداً! ألا يمكن تأجيل التصوير حتى عودتي؟ أو فلننته منه منه الآن؟ أنا بخير الآن..حقاً.. لا مانع عندي..
    قال كايس : لا أقدر على التأخير شهراً.. فالمجلة التي رتبت لكل هذا بحاجة إلى الصور في نهاية هذا الأسبوع.. و قد أسدى كيفي لهم معروفاُ كبيراُ عندما قبل تصويرك في مدة قصيرة.
    قالت بحزم: إذن لننتهِ من الأمر الآن.
    أنهى كيفن النقاش:
    - لا .. لا مانع عندي آنسة هاموند.. لدي كل الوقت, لكنني أتساءل عما إذا كنت قادرة على العمل و أنت بهذه الحال.
    طمأنته قائلة:
    - أنا على ما يرام.. حقاً.. بل أشعر بأنني تصرفت بشكل سخيف.
    قال ببطء: تركت العاملين معي ينصرفون إلى بيوتهم.
    راقب وجهها بمكر و حدة:
    - إذا عملنا الآن, فأنت مضطرة لتحملي بمفردي.. و تحمل اهتمامي المزعج.
    تورد وجه أماندا لأنه ذكرها بأحد الأوصاف التي نعتته بها أمام عمته .
    و أدركت بمرح أنه كان يسترق السمع إلى ما كانت تقوله لها! عادت إليها روح المرح بسرعة و هي تتصور هذا العملاق ينحني ليضع أذنه على ثقب المفتاح.. فنظرت إليه نظرت استفزاز مثيرة.
    - بإمكاني دائماً الصراخ طلباً لحضور العمة روزي إذا خرجت عن سيطرتي.
    استرخت أساريره في استجابة مرحة.. لحظتئذ فقط أدركت أماندا كم بدا جاداً منذ دخلت الغرفة.. ثم تحركت يديه الجميلتين باستسلام.
    - فلنبدأ إذن.
    و نهض فبدا طويلاً بشكل لا يصدق.
    سار كل شيء على ما يرام.. أولاً , لأن كيفن ركز على عدم إزعاجها و ظل يتحدث مع كايس الذي تخلى عن قناعه الزائف و أبدى الاهتمام بطريقة عمل الصور.. و كان كيفن يشرح ما يقوم به و يشرح أهمية الإضاءة و الوقفة..
    ثم قال: أنه يلتقط الصور الأولية على أفلام بولورايد التي تظهر الصورة فوراً.
    تكتكت الكاميرا و استقام كيفن لينتظر قليلاً ظهور الصورة الفورية ثم حملها إلى الضوء ليلقي نظرة عليها عن كثب, ثم عاد فغيّر الإضاءة و طلب منها بهدوء تحريك يدها أو ذقنها أو أي جزء آخر من جسمها لم يعجبه.
    بدا سعيه إلى الكمال ظاهراً.. تكتكت كاميرا بولورايد مرة أخرى ليلتقط سلسلة متعقبة من الصور و بعدها أطلق الأوامر على أماندا التي أطاعتها بدون سؤال.
    ثم قال استرخي قليلاً.
    و استقام يركز اهتمامه للمرة الأولى على أماندا الحية الحقيقية.. ثم فاجأها بابتسامة عريضة ساحرة:
    - أنا أكلف عادة العاملين عندي بهذه المهمة اليدوية.
    و أخذ يغير الفيلم من الكاميرا.. فلاحظت أماندا بأنفاس مقطوعة أن حركاته بالنسبة لرجل ضخم رشيقة و فعالة.
    منذ تلك اللحظة, ضاع كيفن في فن الإبداع و تولت البديهة الفنية زمام الأمور نيابة عن عقله الواعي. في هذا الوقت لم تفعل غير مراقبته بذهول بسبب الدقة و البراعة اللتين يستخدمهما.. و كلما زاد من تحديقه بها عبر العدسة اللاقطة, كلما اعتملت في قلبها المشاعر.. ثم أحست بالتوتر العاطفي كما لو عادت إلى يدي سميتي كارتر إنما بطريقة عكسية هذه المرة.. فتلك تعتمد التهجم على جسمها.. أما هذه فتغزو أعماقها.
    قال كيفن : معطفك!
    رفرفت عينيها مرة أو مرتين, ثم توردت عندما أدركت أنه أنهى عمله منذ دقائق و أنه يقف أمامها و معطفها في يديه.
    بدت عليه التسلية.. و أخبرتها عيناه الصفراوان أنه يعي إلى أين حملها حلم اليقظة.. ثم شعرت بالغبطة عندما وقفت لتدير له ظهرها ليساعدها على ارتداء المعطف.
    حط الفراء عليها برقة و كأنه عناق حبيب.. و لم تستطع أن تنكر بأن لمسة هذا الرجل التي طالت على كتفيها هي التي أعطتها هذا الانطباع الخيالي.. كان يقف وراءها و رسالة مشبعة بالأحاسيس تمر بها لتحرر شعرها الأشقر الطويل من تحت ياقة المعطف, ثم بدا و كأنه يكره أن يتركه..
    تمتمت: شكراً لك.
    قال بصوت أجش متجاهلاً مراقبة كايس:
    - تناولي العشاء معي.
    - لا أظن.....
    حثها بصوت رقيق: أرجوك.
    و لم تكن أماندا منيعة أمام رجائه.
    - أنا.. حسناً.

  6. #5
    واااااااااااااااو

    رووووعه اختي يعطيج العافيه علي القصه

    وانا احب قصاص احلام

    وتقريبا عندي الاعداد كامله

    تقريبا للحين 386

    ×)

    انتظر النهايه

    اذكر الله لا اله الا الله بسم الله الرحمن الرحيم
    {{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء))
    اللهم اغفرلي وللمؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم والاموات انك سميع
    مجيب "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

  7. #6

    أهلاً بك صديقتي

    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة مجنونة انجل مشاهدة المشاركة
    واااااااااااااااو

    رووووعه اختي يعطيج العافيه علي القصه

    وانا احب قصاص احلام

    وتقريبا عندي الاعداد كامله

    تقريبا للحين 386

    ×)

    انتظر النهايه
    أشكرك على مشاركتك اللطيفة طبعاً
    سأعمل على تكملت القصة و بتمنى
    تعجب كل مين بيحب الدخول لعالم الرومانسية و الخيال

  8. #7
    أدراها لتواجهه و عيناه الغريبتان دافئتان و هما تتأملان اللون الوردي الذي غزا وجنتيها و رموشها التي انخفضت.
    قال: أنا قادم لاصطحابك في الساعة الثامنة.
    هزت رأسها بصمت.. أخيراً وجدت القوة لتبتعد و سارت على هدى بعيداً عن المنصة إلى حيث ينتظرها كايس بصمت.
    كانا عند الباب حين أوقفهما صوته: أماني ؟
    لم تستدر إليه.. لأنها لم تجد الشجاعة لذلك.
    - نعم؟
    - استحمي بالمياه الدافئة لأنني لا أريد منك أن تخلطي بيني و بين ذلك الخنزير القذر كارتر, مرة أخرى.
    هزت رأسها إيجاباً ببطء فلامس شعرها الطويل معطفها.. و قالت له:
    - لا أظن أن هناك فرصة لهذا.
    سمعت أنفاسه تخرج بتنهيدة رضى.


    * * *





















    قطار المشاعر المجنون
    رن جرس باب منزل أماندا في تمام الساعة الثامنة.. فارتدت تتأمل صورتها في المرآة الطويلة في غرفة نومها, تناسق الفستان البني المنخفض الخصر مع جسمها النحيل و زاد لونه من إغناء لون بشرتها العاجية.. و كان يلتصق بالجزء العلوي من جسمها و ينسدل و يحتضن ساقيها و راح قماشه الناعم يتحرك برقة كلما تحركت.. أما شعرها فغسلته و جففته بمساعدة لفائف ساخنة ليتراقص على كتفيها, ثم رفعته عن جناحيه و ثبتته بعيداً عن وجهها بطريقة عفوية تاركة خصلاً صغيرة ناعمة تلامس خديها و صدغيها.
    ساعدها الاستلقاء الطويل في حوض الحمام في القضاء على توترها.. و تغلبت على تجربتها التعسة مع سميتي كارتر و كل المحنة الكريهة التي رمتها إلى أعماق ذاكرتها.. و هذا لم يترك مجالاً إلا للتفكير في كيفن.
    نظرت إلى عينيها في المرآة بصدق فرأت فيهما ما تعرف أنه سيراه حين ينظر إليها.. الجاذبية.. جاذبية قوية لا يمكن نكرانها.. يزيدها عنصر المفاجأة قوة. أحست أنها حيّة و أنها أنثى جميلة و اقشعرت بشرتها بترقب مثير دفع اللون الوردي إلى وجنتيها.. و دفع ثغرها إلى بسمة رقيقة, و كأنما لا يستطيع إلا أن يظهر البهجة التي تشعر بها في أعماقها.
    دق جرس الباب مجدداً فابتعدت عن المرآة و لم تحاول أن تغير التعبير الذي علا وجهها.. توقفت أمام الباب مقطوعة الأنفاس و كأنها مراهقة على وشك الخروج في موعدها الغرامي الأول.. فتحت الباب.
    مازال عملاقاً كما عهدته.إنه ذلك الضخم المرعب المسيطر و لكنه يرتدي ثياب المعركة التي سيخوضها ضد أحاسيسها.. كانت سترة السهرة بيضاء متقنة التفصيل أما قميصه فبلون المحار الوردي عليه ربطة عنق بيضاء حريرية و أما سرواله فأسود حريري يحتضن خصره و ساقيه, و يزيد من تأثير قوته الخطيرة.. استند بعفوية على إطار الباب, و يده في جيب سرواله.. كانت تعابير وجهه.. ساخرة.
    طافت عينا الأسد الكسولتان فيها:
    - ظننت أنك ستتركيني واقفاُ أتنظر و لكنني مسرور لأنك لم تتركيني منتظراً.
    أحست أماني بالفراشات ترفرف في معدتها.. قالت له بلطف:
    - لم أفكر قط في جعلك تنتظر.
    - شكراً لك على هذا.. جاهزة؟ تبدين شهية و لكني سألزم نفسي بالطعام إذا أحضرت معطفك قبل أن أستسلم لمغريات أخرى, فأقرر أن آكل هاموند بدلاً من طعام المطعم!
    ضحكت أماندا معجبة بمرحه الجاف. كرر يذكرها:
    كررت بأنفاس مقطوعة: المعطف.
    و استدارت بلهفة لتحضر وشاحاً من الفراء الأبيض و لكنها تساءلت بذهول عن مدى تأثيره فيه.. إنها لا تؤمن بهذا التجاذب الذي جاء بسرعة غريبة.
    كانت سيارته طويلة, ثمينة, و قوية, عاجية اللون تعكس ذوقه في الألوان.. أجلسها بلباقة و احترام على المقعد الأمامي الجلدي ثم انحنى ليثبت لها حزام الأمان.
    اقترب وجهه من وجهها كثيراً فلم تستطع منع نفسها من إبعاد وجهها قليلاً, و لكن حركتها تلك جعلت عينيها على مستوى عينيه.. عندئذٍ جمدت أصابعه.. و أصبحت عيناه الغريبتان بلون العقيق السائل.
    و لكنه عاد فوقف و دار حول السيارة ليستوي في مقعده..
    سألت في محاولة لكسر التوتر:
    - من أين جئت من أميركا؟
    ابتسم لها ابتسامة أظهرت بياض أسنانه.
    قال ساخراً: من نيويورك.. مولداً و منشأ.
    - إذن ماذا يفعل نيويوركي, مولداً و منشأً, في لندن؟
    هز كتفيه: الوجوه.. إنها مهنتي, أنا ألتقط تلك الخصائص في امرأة لتظهر أجمل و أبهى بدون مساعدة مساحيق التجميل و الحيل التصويرية.
    بإمكانك دراسة أي من صوري و مقارنتها بالأصل.. فلا أرى أن هناك امرأة غير جذابة, فلدى كل امرأة شيء من الجمال. و قد يكون ذلك الجمال تألقاً داخلياً لطبيعة جميلة, أو ربما مظهراُ لصالحها.. انظري إلى العمة روزي مثلاً إنها في التاسعة و الستين, و وجهها يبرز كل الألم الذي عانته في السنوات العشر الأخيرة.
    سألت أماندا بحزن: التهاب المفاصل؟
    هز رأسه إيجاباً:
    - لكن عيناها تبرقان بمكر طبيعي و لا أظن أن الألم مهما بلغ درجته قادر على أن يغيره.. و ابتسامتها تضيء غرفة مظلمة.. لو أردت تصويرها لما كان عليّ إلا إلقاء نكتة غير محتشمة لأجعل تينك العينين تلمعان و ابتسامتها تظهر, و عندئذٍ لن يلاحظ أحد أبداً خطوط الألم, أو خطوط العمر, أو التواء أنفها الذي كسرته يوماً بوقوعها عن ظهر جواد.
    - ولكن لكل بلد حصتها من الوجوه الجميلة و البشعة.. لذا لا أفهم ما شأن هذا في تفضيلك العمل هنا على..
    قاطعها: لم تفهمي وجهة النظر.. كما قلت أنا لا أؤمن بالبشاعة و ما تفعله النساء الأميركيات أو بعض من حولهن وسوسة فجميعهن يردن تحقيق أفكارهن عن الكمال بحيث أفسدن الجمال الطبيعي الذي وهبهن إياه الله! جراحات أسنان, جراحات عظام! تصوري فقط مئات الشبيهات بالممثلات المفضلات يسرن في مكان واحد.. عندما أصورهن أشعر أنني أصور تماثيل من الشمع.. لكن.. ما يفشلن في رؤيته و هن يبددن الثروات لتحقيق الوجه المثالي هو فقدانهن شخصياتهن الخاصة, و هذا ما يجعل جمالهن هشاً لا يثير اهتمام أي رجل.
    سحبت أماندا أنفاسها بحدة رداً على حدة لهجته.
    - أوه! هذه فلسفة خطيرة.. قد تسبب لك المتاعب إن أعلنت عنها.
    - أنا لا أخفي ما أفكر فيه.. حالياً لا تستسلم النساء هنا للجراحات التجميلية إلا القليل بالتأكيد.. و ما تزال الوجوه عامة صادقة.. أتعلمين؟ توقعت أن يكون وجهك مصطنعاً.
    نظر إليها بسرعة فرأى تأثير ملاحظته و شعرت أماندا بالإهانة, فابتسم بمكر قبل أن يعيد نظره إلى الطريق:
    - لقد رأيت آخر أفلامك و بدوت لي كاملة سطحياً, بحيث أنني قررت أذلك من جراء جرّاح خبير رائع.
    تمتمت بغضب: شكراً لك.. ها أناذا في الثلاثة و العشرين من عمري أحاول إخفاء عمري الحقيقي بواسطة..
    - آه.. هذه وجهة نظري.. أترين.. تبدين في الثامنة عشرة! و قد قررت رغم قدرتي على رؤية حقيقة ما أرى أنك كاملة بشكل غريب فظننت أنك خضعت لعملية ما.
    - إن كنت تقصد إطرائي بقولك هذا فأقول لك إن العكس هو ما حدث.
    تمتم: أسف أماندا.
    سخرت منه:
    - أسف؟ يقول لي رجل بهدوء أنني عجوز شمطاء تحاول أن تبدو أصغر من عمرها, ثم يتوقع أن يرضيني بكلمة أسف!
    احتج: آه.. لكنك لست عجوزاً..
    أوقف السيارة في شارع جانبي صغير.. و أطفأ المحرك ثم ارتد إليها.. لحظتئذٍ رأت التسلية الساخرة تتراقص كشيطان في عينيه و كرر:
    - لست عجوزاً أبداً.. و لا كبيرة في السن, أنت إحدى المحظوظات التي ستبدو دائماً شابة و جميلة و مرغوبة من دون حدود.
    مرت عيناه بتملك على وجهها و ظهر فيهما إعجاب ببشرتها العاجية و بأهدابها الطويلة المقوسة.. كانت عيناها بلون أزرق صاف مذهل كشفتا عن درجة من الإحساس جعله يتنهد برقة و هو يمرر إصبعه على خدها.
    تمتم: كاملة! إنه أكثر الوجوه كمالاً.
    فكرت فجأة.. و ماذا عن الجميلة سوان؟ كانت زوجته.. و ما زالت.. و هي بحسب جميع المقاييس.. جميلة بشكل لا يصدق.
    قال بلهجة جادة: اسدي إليّ معروفاً أماندا.. لا تستسلمي أبداً لإغراء تغيير أي من قسمات وجهك من أجل الشهرة.
    خرجت منه كلمة الشهرة و كأنها خطيئة.. فقالت:
    - سأعقد صفقة معك.. سأعدك بهذا إن وعدتني..
    مرت عيناها على وجهه الصلب كالصخر, و الجذاب.. و أحست بلحظات مشبعة بالترقب اللذيذ ثم رأت بسبب ضيق عينيه أنه يتفرس في أي عيب قد يجده في قسمات وجهها:
    - .. إن وعدتني بألا تناديني بعد اليوم أيتها السيدة بتلك الطريقة المستهزئة التي قلتها بها بعد ظهر اليوم!
    بدا كيفن مرتبكاً في البداية.. ثم ساخطاً لأنها فاجأته.. ثم أحنى رأسه: لك وعدي.. أيتها السيدة.
    و أعطى الكلمة معنى لفظياً آخر و هذا ما حرك الفراشات الساكنة في معدتها.
    كان المطعم صغيراً, حميماً, و فرنسياً.. تحدثا بلطف عن الطعام و عن كل شيء و كأنهما ساذجان.
    قال كيفن فجأة و هما يتناولان القهوة: أخبريني عن كارتر.
    نظرت إليه بحدة, ثم غضتّ طرفها:
    - ما زلت غير قادرة على التصديق أنني وقعت في الفخ! لم أرغب في الأصلاً أن أقرأ له الرد كلن كايس أقنعني. فكان أن ذهبنا معاً إلى جناح كارتر في الفندق.. و لم يكن تصرفاً غير عادي فالعديد من المخرجين يقابلون الممثلين هكذا.. بدا ساحراً, لبقاً, دمث الأخلاق, أعطاني نسخة من سيناريو الفيلم و تركني وحدي أتصفح المشاهد التي يريد مني أن أقرأها ثم اصطحب كايس إلى غرفة أخرى ليأخذ رأيه في قطعة خزفية اشتراها .. كايس هاو لجمع البورسلان النادر و هو خبير في هذا الحقل و هذا معروف عنه لذا لم نشك أنا و هو به أبداً.. ثم عاد وحده تاركاً كايس يتأمل بحسد قطعة الخزف و لكن ما إن جلسنا على الأريكة و شرعنا بقراءة الدور, حتى هجم عليّ فجأة.
    ارتجفت للذكرى: قاومته فأصبح شريراً و راح يهددني بتدمير مستقبلي المهني.
    أصبح ثغرها خطاً مريراً.. و بدا واضحاً أن تلك التهديدات لم تؤثر فيها: كان قد اجتاحني الذعر في الوقت الذي فكرت فيه بنداء كايس الذي اقتحم الغرفة.. كاسدي ليس كما يبدو.. أتعرف هذا؟
    رد بهدوء: أعرف.

  9. #8
    ربما قدر كايس أن يخدع الكثيرين و لكنه لن يقدر أن يخدع كيفن أبداً.
    - شد كايس العجوز الفاسد الشرير عني و لكمه في وجهه ثم راح ينعته بكافة الأوصاف التي لا تذكر.. لكايس نفوذ شديد في الأوساط الفنية و كارتر يعرف هذا.. لهذا أصابه ذعر شديد.
    ظهرت ابتسامة غريبة على ثغرها فنظر كيفن إليها متعجباً.....
    التقطني كايس.. و رتب ملابسي و أخرجني من الجناح.. ثم اختفى في الداخل وما هي إلا هنيهات حتى سمعت صوت الخزف و بعد ذلك خرج مجدداً واقتادني إلى المصعد.
    اتسعت الابتسامة على وجهها بشكل ماكر: لقد حطم القطعة القطعة الخزفية الأثرية و هي قطعة نادرة لا يحق لأمثاله امتلاكها. يفضل كايس أن يقطع يده على تحطيم قطعة نادرة مثلها.. يجب أن أجد شيئاً مميزاً ليحل محلها عند كايس.
    - لكن القطعة ليست له!
    ردت بجد: لا.. لكنه سيشعر في أعماقه بأنه خسرها و لا شك أنه يلعن تهوره!
    - بعد ذلك جئت مباشرة إلى موعدك معي و أنتِ غير راغبة في أن يلتقط لك أحد صورة..
    - ثم زدت أنتَ الطين بلة بمهاجمتك إياي بلسانك السليط .. ما زلت أذكر تلك الملاحظة عن العري تحت المعطف.. لا أدري لماذا لم أصفعك.
    ارتدّ ضاحكاً فبدا عملاقاً ماكراً.
    كانا جالسين في السيارة خارج المطعم حين قال: هل أستطيع رؤيتك مرة أخرى؟
    تأسفت أماندا حقاً: أنا مسافرة لمدة شهر.. إنها إجازة أستحقها منذ زمن بعيد.
    بدا كيفن كمن تلقى لطمة عندئذٍ لانت عيناها الزرقاوان بتفهم.. فهي تشعر بما يشعر به.
    قالت تذكره: ذكر كايس هذا بعد ظهر اليوم.
    هز رأسه: إلى أين.. أنت ذاهبة؟
    ابتسمت بأسى: سأتنقل بين هنا و هناك.
    إنها معذورة لأنها تتجنب الإجابة, فهي لا تعرف فعلاً إلى أي جزء من اليونان ستذهب.. لكن سبب تجنبها الرد كان جاثماً إلى جانبها, ضخماً ذهبياً.. و هي خائفة من السرعة التي تعلقت فيها به.
    - لقد عملت بلا انقطاع مدة خمسة سنوات, منذ أن تخرجت من كلية التمثيل.. و أنا متعبة.. فكرياً و جسدياً. بل أنا مبهورة من المنحى الذي تحول إليه مستقبلي العملي. وجدت أنني بحاجة إلى وقت لألتقط ذاتي ولأقرر ماذا أفعل فيما بعد.. إذا بقيت في لندن سأتعرض لضغوطات كثيرة و عندئذٍ لن أستطيع اتخاذ القرار الذي أجرؤ على اتخاذه حتى الآن.
    إنها تفهم نفاذ صبره فالشهر زمن طويل في الوقت الذي تتصاعد فيه مشاعرهما بهذه السرعة الغريبة.
    ارتدّ ينظر إليها:
    - ضغوطات لفيلم سميتي كارتر؟
    ارتجفت: لا..لا..! لكن عليّ أن أقرر بين الاستمرار في العمل السينمائي, و هذا ما يريده كايس.. و بين
    العودة إلى المسرح و هذا ما أريده أنا.
    قال بصوت أجش عميق:
    - أما أنا فأريد أن تبقي هنا معي .. مزيد من الضغط.
    مدت يدها تلامس يده: ضغط لطيف.
    أبعد يده عن المقود ليلامس أصابعها..
    أردفت : و مغري..
    اسودت عيناه واقترب منها ثم همس بإغراء:
    - لماذا لا نصعد إلى شقتي لنناقش الأمر براحة؟
    همست: تسير الأمور كلها بسرعة هائلة بالنسبة لي..
    - و هي مخيفة.. أليس كذلك؟
    همست: جداً.
    تنهّد بصوت منخفض ثم طوى الفجوة بينهما.
    استجابة لعناقه بلهفة.. كان عناقه فريداً من نوعه بالنسبة إليها و هذا ما جعلها تشعر بكل ذرة من عناقهما.
    أبعدهما صوت زمور صارخ عن بعضهما بعضاً. لكن كيفن ظلّ منحنياً فوقها و عيناه تبدوان كالعقيق الأصفر المحترق: أنتِ بخير؟
    هزت رأسها توافق بصمت, و لكنها لم تكن تستطيع الكلام حتى و لو أرادت.. إذ لم يسبق لها أن اختبرت مثل هذه المشاعر.
    حاول ممازحتها: كقطار سائر بدون سائق.
    لكن صوته كان مرتعشاً.. فردت: أو كسائق فقد السيطرة على قطاره.
    قال بوجه متجهم: أجلي عطلتك.
    هزت رأسها رفضاً و تنكّرت لمشاعرها, و قالت تعده: قد أعود في وقت أقرب مما أظن.. لكنني ملزمة بالسفر شهراً. و أن أعود باكراً لتصرف سيجرح أحاسيس من يتوقع وصولي.
    ابتعد عنها بحدة: رجل؟
    أحست بالبرد فجأة و قالت ببطء: عائلة..
    - أسف.
    - لكنك لا تبدو أسفاً.. أمهلني ثلاثة أسابيع كيفن, ثلاثة أسابيع!
    وضعت يدها على فمه حين حاول الاعتراض و قالت هامسة: هذا كثير.. في وقت قصير.. أنا لست معتادة على التهور.
    قال بمرارة: إذن.. أنتِ تعترفين بأن شيئاً ما بيننا يجري.. شيئاً غير عابر أو عادي.
    ضحكت أماندا ساخرة من نفسها: اعترفت بهذا لنفسي منذ حملتني بين يديك اليوم.. أعطني عطلتي كيفن..
    صمتت قليلاً ثم قالت بصوت بارد: إن استطعت عدت بسرعة.. لكنني لا أراني قادرة على العودة قبل ثلاثة أسابيع.. أمهلني هذا الوقت.. و ما إن أعود حتى أتصل بك.. هه؟
    عادت يداه إلى المقود ينقر بأصابعه عليه: تتصلين بي؟ ثم ماذا؟
    أحست أماندا بالتوتر و أسرعت تعضّ على شفتيها لتمنع الرد الحاد الذي قفز إلى لسانها.. لا يحق له أن يطلب الكثير بعد لقاء واحد فقط لا, لا يحق له ذلك..
    قررت ببرود: سنأخذ الأمور بروية.
    ثم أفسدت تأثير كلماتها فيه بقولها: على ما أظن.
    شدها مجدداً إلى زراعيه يضمها بشدة: أنا الآن أشعر بالإحباط .. أردت أن أراك غداً و بعد غد و بعد غد..
    - ابدأ بحملتك حين أعود من عطلتي.
    دفعها عنه و نظر بتهجم إلى عينيها, ثم قال:
    تذكري وعدك.. الآن اخرجي من السيارة أيتها العزيزة.. قبل أن أفسد سمعتي كرجل مثقف متمدن.

    * * *

    َ






    لماذا عادت
    هل هناك ما هو أروع من مشاهدة خط اليونان الساحلي عن ارتفاع ثمانية آلاف قدم في الهواء؟ لا ليس هناك ما هو أروع منه, هذا ما قررته أماندا و هي تنظر بلهفة من نافذة طائرة الخطوط البريطانية التي تسافر على متنها. تنهدت تنهيدة مسموعة لمرأى بحر ايجة الأزرق التاريخية الجميلة كإطار أزرق. مرت الطائرة فوق الجزر.. بدا بعضها مجرد نقاط في مساحة زرقاء واسعة, و بعضها الآخر كتل ضخمة من الأرض لها أسماء شهيرة كشهرة الألهة الإغريقية القديمة.
    أحست أماندا أنها من تلك الآلهة و هي تنظر من السماء كما كانت افروديت. رغم عدد المرات التي قامت بها بهذه الرحلة ما زال السحر هو هو لا يبهت و لا يخبو غموضه الذي يثيرها.
    بدأت الطائرة تحطُّ فوق بعض الجزر الصغيرة التي تحد تركيا, ثم تابعت المسير نحو جزيرة رودس الساحرة المستحمة تحت أشعة شمس شباط.
    مرت دقائق قليلة قبل أن تصبح الطائرة فوق الجزيرة على علو يسمح برؤية أدق التفاصيل مثل قلعة رودس القديمة المشرفة على البلدة و ميناء مندراكي حيث كان ينتصب كولوسوس يوماً, المخلص لإله الشمس هيليوس, ساقاه القويتان تحددان مدخل الميناء الذي يحمي الناس من غزو الأعداء.. لكنه لم يعد الحارس.. فذلك العملاق الذهبي تهاوى بفعل هزة أرضية منذ قرون بعيدة.
    ظهر وميض غريب في عيني أماندا الحالمتين و تكرر في انحناءة ثغرها.. ربما تهاوى كولوسوس نتيجة هزة أرضية و لكنه لم يختف إلى الأبد بل بقي هاجعاً لآلاف السنين.. ثم عاد على شكل بشري فاني اسمه كيفن لوكهارت.
    رأت الآن رؤية خليج ايكسيا الرائع حيث يحتضن الفندق الحديث سطح الجبل المستدير, و رأت الشاطئ الرائع الذي تغسله مياه بحر إيجة المتهالكة على الشاطئ. في مثل هذا الوقت من السنة يخلو من محبي الشمس و لكن بعد شهر سيعود حياً يعج بالسياح..
    عندما حطت الطائرة تحولت أفكار أماندا من الخيال إلى الواقع, و شعرت بالإثارة فهي على بُعد ياردات من أحبّ الناس على قلبها.
    - أماني..!
    ارتفع النداء حتى قبل أن تخرج من قسم جوازات السفر, فرفعت بصرها بشوق بحثاً عن رأس شقيقتها الأشقر.. و رأتها تبتسم بحبور هو انعكاس للبسمة التي تعلو وجه أماندا.
    تعانقتا بشوق و راحتا تضحكان و تبكيان في آن. يسهل على من يراهما أن يفهم العلاقة بين المرأتين.. وحدهن الأخوات قد يكن على هذا القدر من الشبه.
    ارتفع صوت صغير: ماما.. و تيا أماندا تبكيان! بابا لماذا تبكيان و هما سعيدتان؟
    ارتدت أماندا بين ذراعي أختها و نظرت بمحبة إلى ابن أختها الذي كان يمسك يد والده المحب و يبدو نسخة مصغرة عنه. إن بيدروس فيرغوس رجل طويل مميز, وجهه الأسمر الجذاب يُظهر سخرية كسولة. تنهد مستجيباً لسؤال ابنه: آه.. يا بنيّ.. النساء مخلوقات نزويات متقلبات.. يبكين حين يجب أن يضحكن, و يضحكن حين يجب أن يبكين.. إنه أمر يصعب فهمه.. أعرف هذا. و لكن علينا نحن الذكور أن نسمح لهن بلحظات ضعفهن العاطفية.
    أدار بيدروس نظرته الضاحكة نحو أماندا, و اتسعت ابتسامته و قال متمتماً: أماندا.. أيتها العزيزة.
    و هرعت إليه تعانقه بحب.
    سألته بعدما رفعت رأسها: أما زلت تخالف القانون بيدروس؟
    تشير بهذا إلى المخالفة التي ارتكبها الآن فقد أدخل عائلته إلى جزء من المطار.. لكنه لم يتأثر: إني أخاطر بنفسي في سبيل الترحيب بك.
    - ما أنت إلا شيطان متعجرف.
    ارتدت ضاحكة إلى أصغر عضو في العائلة و حيته برقة: بيير! و ركعت أمامه.
    كان ينظر إليها بريبة.. بيفروس طفل فخور متكبر كأبيه و هو لا يحب النساء اللواتي يبكين.. و لكن والده تقبل أماندا بلا تردد لذا قرّر أن يحذو حذوه.. لكنه خشي أن تعاود البكاء و هي تعانقه.. عرفت أماندا كل هذا بدون أن يشرحه أحد لها, فقالت في محاولة للتفاهم معه: يعجبني القميص.
    وضع بيير يده السمينة على بطن القميص حيث يبدو وجه دب ينظر إليها من تحت قبعة من القش: و أبي معجب به أيضاً.
    ومضت فكرة ماكرة في عينيها: إذن سأشتري له قميصاً كهذا هدية في عيد مولده.
    قاطعها بصوت عميق: لا سمح الله.
    أردفت بمرح: و قبعة قش أيضاً لأنني أعتقد أنه أكبر سناً من أن يرتدي قميصاً عليه صورة دب.. ألا تظن هذا؟
    تهلل وجه الصغير و كاد بيدروس يختنق و هو يلعن و يضحك و كان أن تلقت أماندا جائزتها بعناق خانق من الصغير و أطربت ضحكة إيرين الجميلة الجميع.
    تستكين فيلا فيرغوس في حضن سفح تلة تشرف على خليج صغير خاص في جزء هادئ من الجزيرة قرب ليندوس, و أوصلهم بيدروس إلى الفيلا عن طريق البحر مبحراً في يخته البخاري حول الجزيرة ليدخل الخليج و لتتمكن أماندا من رؤية منزل العائلة من هذه النقطة الجميلة المفضلة.. المنزل بهجة للنظر.. في تلك اللحظة قررت ألا تقطع عطلتها من أجل كيفن أو من أجل أي كان.
    لكن قرارها لم يدم أكثر من أسبوعين.
    و بدل التفكير في مستقبلها العملي, راحت ترى في يقظتها عينين صفراوين غريبتين مشبعتين بالحب الذي كان يدفع قلبها إلى الخفقان...

  10. #9
    كانت ترى وجهه أمامها و هي تبني قصور الرمل على الشاطئ مع بيير, و هي تساعد أيرين في تحضير العشاء, و هي تصغي إلى ما يقوله بيدروس.. كانت تراه في منتصف الليل يقتحم أحلامها, تراه في كل مكان, في النهاية حزمت حقائبها محبطة و توسلت إلى صهرها أن يضعها على أول طائرة عائدة إلى انكلترا.. ثم لمّا سئلت عن السبب تلونت وجنتاها و هي تشرح له السبب.. ثم اضطرت إلى تحمل مزحاته طوال اليوم حتى حان موعد سفرها.. و كان كل ما قالته لها أختها: حذار.. و إياك أن تسمحي لقلبك الرقيق بالتحطم!
    ما زالت ايرين الحكيمة تذكر الأحاسيس التي مرت بها عندما وقعت في غرام زوجها.. و لكن كيف يكون المرء حذراً عندما يحب؟
    وصلت شقتها قبل ثلاثة أيام من موعد عودتها و كان أول ما قامت به هو الاتصال به, لكن العمة روزي هي التي ردت عليها.
    تبادلتا الأحاديث لبضع دقائق, ثم طلبت أماندا التحدث إلى كيفن.
    سألت: هل هو هنا؟
    ماذا لو نسيها؟
    ردت العمة روزي بتذمر: يقود حروباً صغيرة في مشغله.. و هو هكذا منذ أسبوعين.. ألك علاقة بسوء مزاجه؟
    ضحكت أماندا: هذا ما أرجوه! أتظنين أنه ينزعج إن قاطعته وهو يعمل؟
    ضحكت السيدة العجوز: أظنك أزعجته.. رويدك حتى أوصل الخط له.
    تفجرت لهجة كيفن الأميركية العميقة عبر الخط في وجه أماندا: أماني.. أين أنت بحق الله؟
    ردت ببراءة: في شقتي.. طبعاً.. وعدت بالاتصال..
    قلت ثلاثة أسابيع.
    - حسناً.. إن كنت تريد مجادلتي بسبب يوم أو يومين فسأقفل الخط و لك أن أتصل بك في الأسبوع القادم.
    صمتت كأنها تنوي إقفال الخط ثم ابتسمت بينها و بين نفسها لأنها عرفت أنها أفقدته توازنه.
    صاح بصوت فظ : أماني.
    ردت بصوت رقيق: نعم.
    شعرت بالرضى ما إن سمعت تنهيدته النافدة الصبر: لماذا عدت بسرعة؟ أعني.. لماذا تتصلين بي؟ أعني..
    إنه يهذي! و هذا ما أشعرها بمزيد من الرضى و النصر. كيفن لوكهارت العظيم المتحذلق.. فقد توازنه!
    قاطعته بعدم اكتراث: اتصلت لأدعوك إلى العشاء.. لكنك تبدو مشغولاً.. لذا ربما ليس من..
    - اصمتي.
    ردت بخنوع: حاضر.. كيفن.
    قال بصوت أجش: العشاء..
    - أرجوك.
    - في منزلك أم في الخارج؟
    - في الخارج على ما أخشى.. فقد وصلت للتو و خزانة مطبخي خاوية..
    - لماذا عدت باكراً أماندا؟
    قالت بصوت منخفض: يا لغرورك!
    سمعت ضحكته الناعمة ولكنه أردف يقول بعجرفته المعتادة: الدعوة مقبولة.. و لكني أنا من سيختار المكان و أنا من سأسدد الفاتورة..
    - لن أجادلك في هذا.
    سأكون عندك في الساعة السابعة..
    ثم أردف بصوت أجش جذاب: أماندا.. صففي شعرك إلى الوراء.. هه؟
    عبست: لماذا؟
    - لأنعم بلذة إطلاقه من رباطه.
    - متعجرف..
    و انقطع الخط.. كان أخر ما سمعته ضحكته العميقة الدافئة.
    دق كيفن بابها في الموعد المحدد.. في هذا الوقت كانت أماندا في الجانب الآخر من الباب.
    ارتدت الليلة فستاناً أبيض من الحرير الناعم, أكمامه طويلة و هو مثبت عند الخصر بدبوسين مرصعين بالألماس.. أما تنورتها فكانت تخشخش و هي تسير.. و أما شعرها فرفعته كالتاج فوق رأسها.. بدت جميلة جداً, أنيقة, سيدة بكل ما في الكلمة من معنى.. أخذ كيفن وقته يستوعب كل ما يراه أمامه من جمال بعينين صفراوين ضيقتين.
    تمتم متجهم الوجه: ليت الكاميرا معي.. جميلة.. بل خلاّبة.
    ابتلعت ريقها بتوتر.. و همست: شكراً لك.. و أنت تبدو أنيقاً كذلك.
    - أنتِ قادرة على إهلاك أي رجل.
    - و أنتَ خطير.
    رفع يده إلى خدها يلمس بشرتها: لماذا عدت باكراً؟
    - سار القطار بسرعة فلم أستطع القفز منه.
    - و هل أردت القفز منه؟
    ارتجف ثغرها و هي تقول لا بتردد.
    تمتم بكلمة ما ثم تخلص من المسافة بينهما و جمعها بين ذراعيه, ليعيد لها إيمانها بتجاوبهما المشترك, و لتشعر أنها فعلاً عادت إلى مكانها الصحيح.
    ارتفع التوتر بينهما و هما يدخلان المطعم.. أمسك الساقي كرسياً لأماندا لتجلس, و لكن كيفن منعها ثم ارتد إليها: ارقصي معي.
    رفعت نظرها إليه باضطراب, ثم ارتجفت لأنها شعرت بالتوتر الذي علا وجهه.. و بدون أن ينتظر ردها تناول منها حقيبتها و رماها على الطاولة, ثم اقتادها إلى حلبة رقص صغيرة تصدح في أجوائها موسيقى هادئة بطيئة.. لم يكونا الراقصين الوحيدين لكن أماندا شعرت بالحرج بسبب النظرات الفضولية التي كانا يتلقيانها من الآخرين في المطعم.
    قال: لا أقدر على الجلوس الآن فأنا أحتاج إلى أن أضمك.
    توسلت إليه: أرجوك.. توقف عن هذا كيفن.. الجميع ينظرون إلينا.
    شدها إليه أكثر: تجهاهليهم..
    تنفست أماندا بغضب, إنه يصدمها بتصرفه.. كان الحرج يلسع وجنتيها.. لذا غضّت طرفها فهي لا تريد أن يرى أحد الناظرين إليهما مدى انزعاجها من تصرفه.. لفت أصابعها عمداً حول ذراعه و غرزت أظافرها فيهما حتى أجفل و دهش.
    همست بحيرة مرة أخرى: توقف عن هذا!
    استجمع نفسه..
    - أنا أتصرف مثل..
    - لا تقل هذا! أعرف كيف تتصرف!
    لم تشعر أماندا قط بمثل هذا الحرج.. كان قلبها يخفق بشدة و كأنه مدفع رشاش.
    تمتم بهمس أجش: أسف.
    فلنعد إلى الطاولة..
    - لا !
    يا إلهي.. هل فقد عقله؟
    همست بغضب: أحسن التصرف.. سنعود إلى مائدتنا حالما تنتهي الموسيقى.
    - أجل.. أسف أماندا.
    أيهزأ بها..؟ ارتفع غضبها من جديد فنظرت إلى وجهه. إنه الآن يرقص بحذر, و يبدو كأبله عنيد.. لم تستطع إلا أن تضحك ثم سخرت منه: مسكين كيفن! بدوت مثل كايس.. نعم أماندا.. لا أماندا, الحقائب جاهزة أماندا.
    تمتم باشمئزاز: شكراً لك.
    نظر إلى وجهها بفظاظة ثم ابتسم ابتسامة طبيعية و أضاف همساً: ألك مثل هذا التأثير في جميع الرجال؟ هل تحولينهم إلى حمقى و ثرثارين؟ و هل تفقدينهم عقولهم هكذا؟
    ضحكت مرة أخرى و بدأ التوتر بينهما يتراخى. وضعت إصبعها في شق ذقنه.
    يعجبني هذا.. إنه يدل على قوة الشخصية.
    أمسك يدها ليلثم أطراف أصابعها بسرعة, ثم وضع راحة يدها على صدره و غطاها بيده.. عرفت أنها طريقته في الاعتذار على تصرفه, و غفرت له ذنبه بابتسامة ملؤها الدفء.
    تمتم مذعناً: لا أثر للوعي هذه الليلة.. أو للقوة الشخصية.. و لا..
    - قد عدت تتصرف ككايس.
    - هلاّ جلسنا أماندا؟ أعتقد أنني سأشعر براحة كبيرة عندما أبتعد عنك.
    انعصر قلبها شفقة على هذا العملاق الذي يتعذب بسببها.
    - طبعاً نستطيع.
    دست يدها حول خصره و استندت إليه بمحبة غير عابثة بالنظرات الفضولية التي يتلقيانها.. تعرف أن وجهيهما معروفان لبضعة أشخاص لكنها لم تكن تهتم..
    سألته و هو يقودها إلى الكرسي: كم طولك؟
    - ستة أقدام و أربعة إنشات.
    ثم انحنى لها قبل أن يجلسها, ثم أردف مداعباُ: و أزن مئة و تسعة وثمانين رطلاً إنكليزياً.. و ما زلت أحتفظ بكل أسناني.. و اجتزت آخر اختبار لي.. بعلامة عالية.
    ضحكت: عمرك.. نسيت عمرك.
    - أربعة و ثلاثون سيدتي! تخرجت من الجامعة بمرتبة شرف, تزوجت مرة و طلقت مرة..و..
    صمت فجأة.. و كادت أماندا تتأوه بسبب زوال المرح من صوته.. ثم أنهى كلامه: لكنك تعرفين كل هذا.. هل نطلب الطعام الآن؟
    بعد ذلك خلا تصرف كيفن من أي عيب.. و في هذه الفترة حاول أن يفتنها و يسليها.. أكلا و رقصا و لكن ما إن عادا إلى السيارة حتى عاد التوتر بينهما.
    كسر الصمت المتشدد: هل توصلت إلى أي استنتاج فيما يتعلق بمستقبلك المهني؟
    هزت رأسها: لا.. لكن ما زال أمامي أسبوع حتى ينتهي الشهر.
    الواقع أنها لم تستطع التفكير في هذا لأنه شغل جميع أفكارها.
    - لماذا شهر؟ لماذا الوقت المحدد؟
    - بسبب الدور سينمائي.. أمامي خياران, إما أكون نجمة لفيلم قادم.. و هذا يعني ستة أو سبعة أشهر في كاليفورنيا, و لكنه أمهلني فرصة شهر لأقرر.. فعليه قبل البدء بالتصوير مطالعة أماكن التصوير.
    تمتم: فهمت.
    عرفت أنه عرف فعلاً.. فهذا التجاذب غير المتوقع الذي تحس به نحوه زاد محنتها سوءاً.
    أردف بمكر: و هل تظنين أنني سأضغط عليك للتأثير في قرارك؟ و لكنني لن أضغط عليك بل سأكون مغفلاً إن حاولت التأثير فيك في شيء هام كهذا, بل على العكس سأكره أي شخص قد يؤثر في قرارك.
    إنه يؤثر فيها بأي حال, و مجرد وجوده معها هو تأثير بحد ذاته.
    تابعت بدون أن تعلّق على ما قال: البديل مسرحية.. يجب البدء بالتمرين عليها في الشهر القادم, ستقام في الوست اند.
    صمتت ما إن وقف على إشارة حمراء في الطريق.. دلت إشارة السيارة الضوئية على أنه ينوي التوجه إلى شقتها.. و لكن يدها امتدت إلى ذراعه و قالت: كيفن لا تأخذني إلى منزلي.
    هذا كل شيء.. لا تأخذني إلى منزلي.. و أصبح الصمت في السيارة رهيباً.. جلس كيفن إلى جانبها و راحت أصابعه تشد على المقود و عيناه تنظران إلى إشارة السير الحمراء.
    قال بحدة: إلى أين؟
    همست: إلى منزلك.

    * * *

  11. #10
    يسلموا..بس يا ترى هي خلصت؟؟
    [IMG][/IMG]


    يرجى رفع الصور من خلال مكسات .

  12. #11
    يا انتظر النهايه انا ...


    لا تتاخرين بليييز

  13. #12
    مشكورة على الرواية الكيوت
    بانتظار التكمله لا تتاخري ياقمر

  14. #13
    اشتقتلك arianda من زماااااااااااااااان ماشفتك في موضوعي .......... فرحت مرة لما عرفت ان هذا الموضوع الحلو انتي الي كتبتية ................ انا بانتظارك على احر من الجمر.................

  15. #14

    أهلاً بصديقتي

    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة shymoon مشاهدة المشاركة
    يسلموا..بس يا ترى هي خلصت؟؟
    كلا بالطبع لم تنتهي و أنا أعمل على انهاءها
    أشكر مشاركتك اللطيفة

  16. #15

    شكراً لكم صديقاتي

    إلى مجنونة انجل و سعودية كيوت و أمولتي الغالية
    أشكركم على مشاركتكم اللطيفة لم أكتب كل القصة
    لأنني أحب أسلوب التشويق كما أردت أن أرى
    إن كانت القصة ستحصل على مشاركات و تشجيع
    و بصراحة إن كتابة و تنزيل القصص يأخذ وقتاً
    لكنني سأنهيها بإذن الله
    لذا أشكركم على تشجيعكم لي
    أمولتي الحلوة أنا من المشتركين في قسمك
    و أنتظر رواية جديدة لكي بفارغ الصبر فخبريني عن
    جديدك دائماً
    صديقتي سعودية كيوت رواية الخائن رووووووعة
    عنجد أحببتها و لم أستطع مقاومة قراءتها
    لذا أشكرك على قصتك هذه و أنتظر رواية جديدة منك بفارغ الصبر
    و لم يبقى سوى مجنونة أنجل و أنا مجنونة بك كونك اول من شجعني
    أشكرك حبيبتي كتير كتير
    يلا رح كفي شوي من القصة................

  17. #16
    في قبضة العملاق
    تغيرت أضواء إشارة المرور إلى الأخضر.. و انطلقت السيارة مسرعة إلى الأمام.. خادعة جميع من خلفها بالذهاب في خط مستقيم بدلاً من الاستدارة يميناً لينفجر كيفن بشتائم فظة.
    قال بخشونة: لماذا فعلت هذا؟
    - أطفئ إشارة الاتجاه.
    - ماذا؟
    - إشارة الاتجاه في سيارتك.. أطفئها, أنتَ تسبب ارتباكاً لبقية مستخدمي الطريق.
    كان الجو داخل السيارة ملبداً بغضب عنيف.
    ضرب بقبضته أداة الإشارة و تعابير وجهه كبركان على وشك الانفجار.. و أخذ يبدل سرعة السيارة بحركات حانقة, و كأنه يحتاج إلى تنفيس مشاعره المكبوتة, قالت: اشتقت إلى فنجان شاي من عمتك روزي.
    أدهشتها ردة فعله.. فقد راح يلقي الشتائم و اللعنات بحنق.. فردت عليه أماندا بشراسة: شتيمة أخرى كيفن.. و ألغي كل ما بيننا ! أنا..
    - آسف!
    - لا.. لست آسفاً!
    نظر إليها بحدة: هل لديك فكرة عما فعلته بي طوال المساء؟ كنت أجلس و أنا أكاد أجن شوقاً إليك و كان عليّ أن أحسن التصرف.. و أن أعي مشاعرك..
    قاد السيارة في الشارع الرئيسي بعدم تركيز, فتمسكت أماندا بالمقعد و دقات قلبها تتسارع.
    كان يبالغ.. و كان يحاول التنفيس عن صدمته بمهاجمتها, و لم يكن آبهاً بما يفعله هذا بها.
    - غيرت رأيي.. اصحبني إلى منزلي.. لا أريد أن أكون معك.. لا أريد..
    ابتلعت غصة في حلقها فعاد كيفن يشتم و ضاعف السرعة كثيراً.
    أردفت نصف باكية: لا أرغب في مواجهة غوريلا هائجة.. لا أريد.. لا أريدك بعد الآن!
    فجأة عاد إلى لطفه فراح يخفف من ثورتها بصوته الذهبي: مهلك حبيبتي.. هيا الآن.. أنا آسف. أكرر ذلك كثيراً و لكنني فعلاً.. آسف.. لا تبكي حبيبتي.. سأشعر أنني نذل حقيقي إن بكيت.
    شهقت أماندا: أنتَ فعلاً نذل.
    وافقها الرأي: بل أنا كل ما قد تنعتيني به.
    هدأت قيادته كما هدأ غضبه, ثم تنهّد تنهيدة عميقة و عقد ذراعه حول كتفيها و قال بهدوء: تعالي.. ضعي رأسك على كتف كيفن و أعدك بأن أكون ولداً طيباً كما ربتني أمي.
    تركته يشدها إليه بتردد ثم استسلمت لضغطه الرقيق, و أراحت رأسها على كتفه.. يا لها من كتف عريضة دافئة ثابتة و..
    تمتمت لتبلغه أنها لم تسامحه بعد: متوحش!
    - اتخذت قراراً بألا أجادلك مرة أخرى.. لا أحب رؤيتك باكية.
    شعرت بالرضى فاندست بين ذراعيه أكثر و أكثر و راحت تراقبه يقود بيد واحدة بكل كفاءة..
    قالت: اشتقت إليك و أنا مسافرة.
    أمرها متجهماً: لا تتفوهي بشيء.. دعيني أركز حتى نصل إلى منزلي سالمين هه؟
    كورت شفتيها حرداً: أردتك أن تعرف.. هذا كل شيء.
    - أماني..
    أجابت حانقة: أحاول أن أصمت! ألا تظن أنني مثلك فقدت توازني بسببك.
    ارتفع رأسها عن كتفه: من المفترض أننا شخصان ناضجان, مثقفان, فكيف نخضع هكذا لمشاعر بسيطة..
    - لا شيء بسيط فيما نحس به أماندا.
    شهقت أماندا: لكنني لست معتادة على هذا.
    تنهد: هذا ما تدأبين على قوله.
    أدار كيفن مقود السيارة بحدة فارتمت أماندا مجدداً على كتفه, و لكن تلامسهما لم يكن مريحاً. ثم نظرت من الزجاج لترى سبب تحوله المفاجئ.
    كانت السيارة تسير بهما عبر البوابة الخشبية المرتفعة إلى منزله, و أنوارها تشع على أبواب الكاراج الذي انفتح أحدهما إلى الأعلى و هما يقتربان.. أدخل كيفن السيارة ثم أوقفها و أطفأ المحرك, و نظر إليها ثم قال ما صعقها: أماني هل تتزوجينني؟ أريد الرد الآن.
    نظرت إليه فاغرة فاها لا تقوى على التفوه بكلمة, فقد توقعت كل شيء و أي شيء إلا هذا..
    عاد اليأس يردد بيأس: تزوجني.. لا أستطيع البقاء على هذه الحال فمنذ رأيتك تبدّل كياني كله وانقلب عالمي رأساً على عقب و لم يعد بمقدوري القيام بأي عمل.. أشعر أنك سددت علي أنفاسي و حياتي فرديهما إليَّ أرجوك.
    وقعت كلماته الغريبة على قلبها كالصاعقة و راحت تنظر إليه بمزيد من الحيرة.. و لكن لِمَ لا.. أليست هذه هي حالها؟ ألم تنقلب حياتها رأساً على عقب منذ تعرفت إليه؟ ألم تعجز حتى الآن عن التفكير في أحد سواه أو في شيء آخر غيره؟
    اقترب منها يلمس وجنتها برقة و كأنه بذلك يريد التخفيف من وطأة الصدمة عليها.
    - ماذا حبيبتي.. نعم أم لا..
    فجأة وجدت لسانها ينحل من عقاله: نعم..نعم.
    إنه أفضل قرار تتخذه.. فما تشعر به تجاه شيء غريب لم يسبق أن عرفت مثله...
    تنفس كيفن الصعداء و لاح على وجهه بسمة نصر و فرح: غداً, غداً نتزوج.
    - أبهذه السرعة؟ لا أرجوك.. أريد أن أطلع عائلتي أولاًً و أن أدعوهم.
    - ماذا؟ و أبقى منتظراً طوال هذه المدة؟ لا.. غداً نتزوج مدنياً و لكن أعدك أن يكون لنا زواج كنسي مميز تدعين إليه من ترغبين في دعوته.
    ارتفعت يدها إلى رأسها بحيرة.. ما هذا الرجل! لقد ضعضعها حتى باتت عاجزة عن اتخذ أي قرار..
    قالت بتردد: لكن...
    لا تعترضي! ليتك تعرفين ما أشعر به.. أريدك معي .. أريد أن أستيقظ صباحاً لأراك.. أريدك معي في الصباح لنتناول الفطور معاً.. أريدك معي طوال الوقت و في أي وقت فراغ.. كفى الآن! سأعيدك إلى منزلك..و غداً في التاسعة صباحاً أمر بك.
    - بل في الحادية عشرة, دعني أستعد قليلاً.
    قال بنفاد صبر: حسناً.. الحادية عشرة..
    ثم عاد يقود سيارته إلى منزله و لكن الصمت ران خلال هذه المدة القصيرة و كأن كل واحد منهما لا يصدق ما اتخذاه من قرار.
    في تمام الحادية عشرة قُرع جرس شقتها و كانت هي في غرفتها تتأمل فستانها الوردي الجميل الذي انساب برقة متناهية على قدّها الرشيق و كان وجهها مشرقاً رغم الأرق الذي اجتاحها ليل أمس.. لا تدري كيف تهورت هكذا وزجّت نفسها في المجهول.. و لكن هل كيفن مجهول بالنسبة إليها حقاً.. إنها تشعر أنها تعرفه منذ الأزل و تشعر أنه الرجل الذي طالما انتظرته..
    عند انبزاغ الفجر قررت أنها لم تتهور البتة بل خضعت لمشاعر لا يمكنها ردعها أبداً..
    عاد الجرس يرن ثانية إنما بقوة أكبر.. فهرعت من الغرفة لتفتح الباب و كان هو واقفاً و الغضب يلوح على وجهه: لماذا تأخرت في الرد...
    كتم غيظه و أضاف: خلتك رأيك و لكن ما تراه عيناي تثبتان العكس.
    راحت نظراته تتأملان وجهها الجميل ثم انتقل إلى الفستان الوردي الذي التصق بها بجمال أخّاذ يكاد يخطف أنفاس المرء..
    - هل أنت جاهزة؟ إذ لا أمان لك إن بقيت هنا لحظة أخرى..
    ضحكت بفرح و صاحت به: أنا جاهزة..
    ثم انطلقا.
    في وقت متأخر من ذلك اليوم عادا زوجاً و زوجة.
    الآن زالت الحواجز و الموانع.. و انفتح الباب على مصرعيه لهذه المشاعر التي تعصف بهما.
    ما إن أصبحا أمام المنزل حتى سألته بتردد: أيمكن أن إلى المنزل بدون أن نزعج عمتك؟ لا أظنني أطيق الاجتماعيات الضرورية الليلة.
    - نستطيع بالتأكيد.
    مد يده يمسكها.. فأطلقت نفساً مرتعشاً, ثم أمسكت يده الكبيرة و وضعتها على خدّها فاستجاب لها بأن أدار وجهها إليه و عانقها بلطف.
    خرجا من السيارة بصمت, و التقيا أمام باب الكراج حيث تعلقت بذراعه ثم سارا معاً إلى المنزل.. فتح كيفن باباً خلفياً صغيراً و اقتادها إلى درج قصير أفضى بهما إلى الطابق الأول.. ثم دخل بها من باب آخر أوصلهما مباشرة إلى مطبخ رائع.
    أجاب رداً على سؤالها الفضولي الذي لم تسأله: المنزل مقسوم إلى قسمين.. في الأصل كان المنزل كله ملكاً لعمتي روزي.. و هي حقاً عمتي.. تقريباً.. فهي أخت أبي غير الشقيقة.. ورثت المنزل من والدها و عاشت فيه عشرين عاماً ثم ظهرت أنا على المسرح.. و كان ذلك منذ خمس سنوات.. جئت من نيويورك أبحث عن مكان محترم أستخدمه كاستديو للتصوير, فكان أن زرت العمة روزي.. زيارة واجب.. فهي قريبتي الوحيدة التي ما تزال على قيد الحياة.. إنها أخت أبي من أمه.. شعرت أن عليّ أن أقابلها قبل.. على أي حال.. وصلت فوجدت عارضة للبيع معلقة في الخارج.. ثم قابلت هذه السيدة العجوز ذات الوجه المحب و كلبها الغبي, و لكنها كانت حزينة لأنها ستخسر قريباً المنزل الوحيد الذي تعرفه.. مع أنها حاولت ألا يظهر هذا عليها.
    شعرت أماندا بالسعادة لمراقبته و سماع صوته الذهبي العميق يحدثها بصدق.
    - كانت تنوي البيع و الانتقال إلى ما تسمونه أنتم الإنكليز, بمأوى العجزة.
    أظهرت إشارته رأيه بهذا: عندما كانت تحدثني عن أمر البيع عنّت لي فجأة فكرة.. اقترحت أن أشتري المنزل منها, و لأنقذ كرامة العجوز أقنعتها أنني بحاجة إلى من يعتني بي.. لأختصر الحديث.. أعطيت العمة نصف الطابق الأرضي كشقة مستقلة لها..أما القسم الآخر فهو غرف الاستقبال الرسمية التي أقيم فيها حفلات استقبال ضرورية.. أما قاعة الطعام فقد وضعت يدها عليها لأنها قررت أن تطهو لي العشاء, قالت بإصرار إن على رجل ضخم مثلي أن يتقلى وجبة طعام لائقة و قررت أن من واجبها أن تقدمها لي..
    و عادة أتناولها في غرفة الطعام لأنني أرفض السماح لها بصعود الدرج.. أما هنا فلدي الاستديو و الغرفة المعتمة و المكتب, و ما إلى ذلك...
    أشار إلى المطبخ الخاص ثم قدم لها كوب قهوة يتصاعد منه البخار, و وضع كوبه على الطاولة قبل أن يجر كرسياً بقدمه و يجلس عليه.
    - هذا مطبخي الخاص في شقتي الخاصة. لدي مدخلي الخاص أدخل منه و أخرج كما أشاء, و هناك الباب الرئيسي الذي دخلت منه المرة الفائتة و لكن العمة تسيطر عليه فهي لمعلوماتك فضولية .
    - ألم تخبرها بأمر زواجنا؟
    - لا, فقد خفت أن تغيري رأيك..
    ضحكت عندما رأت ما علا وجهه و عرفت أنه عاش ليلة أرقة أيضاً.
    - يا للمسكين!
    ترى ما دعته العمة.. نعم .. دب كبير..
    أضاف: تحب العمة أن تعرف ماذا يجري في الاستديو و تحب أن تعرف من يأتي و من يذهب, و هي بذلك تظن أنها تحافظ عليّ.. لكنها تصاب بالهلع ما إن تبيت ليلة ما بمفردها.. لذا تقفل الباب الأمامي بالرتاج حين يخرج الجميع, و يبقى لها لاكي لمرافقتها و هو حارس جيد.
    تذكرت أماني الكلب الضخم و هو متمدد على أسفل الدرج فابتسمت لأنه يبدو كسولاً جداً.
    - ثم هناك نظام هاتف الداخلي الذي ركبته للمنزل لتستطيع مكالمتي متى احتاجت إليّ.
    قالت أماني بلطف: أنتَ نِعْمَ المأوى لها..
    تابع كيفن قوله: تعرضت للسطو مرة.. و لهذا قررت البيع.. و بسبب التهاب مفاصل وركها أيضاً.. من حسن الحظ أنني جئت في الوقت المناسب.
    فهذا المكان مناسب لأنه يقع في وسط لندن حيث يسكن معظم زبائني.. و هو خوّلني الحصول على مركز عمل و على شقة في آن واحد.. و الواقع أنني والعمة روزي نتفق جيداً. تستقبل رفيقاتها عدة مرات في الأسبوع, و إذا تمكنت أنزل لأجالسهن و أفتنهن قليلاً.. و كم يعجبها ذلك.. إنها تزهو بي و تفتخر و لكنها بالمقابل لا تزجّ أنفها أبداً في حياتي.
    - ألا تؤنبك على تصرفاتك و فسادك؟
    - لا.. إنها لا تؤنبني أبداً.
    ارتشفت أماني قهوتها بعدم رغبة .. فقد كانت نظرته إليها دافئة و بدأت قشعريرة تتلاعب بأعصابها.
    - أماني..
    قفزت ما إن نطق اسمها.. ثم ضحكت بقليل من التوتر: أنا خائفة .. هذا جنون.. أليس كذلك؟
    قال: لمَ الخوف؟ ألست زوجتي ؟ و نظر إليها بتملك.

  18. #17
    استغربت لفظة زوجتي فردت بصوت أجش: لم أعن هذا.. أظنني خائفة منك.
    و ضحكت ضحكة غريبة.. فارتفع حاجباه الذهبيان:
    - مني أنا؟ لست العملاق غوليات الظالم.
    سألت: لا؟
    ضحك ضحكة مخنوقة لم تكن مرحة و لا ساخرة:
    - لا أصدق كل هذا أماني..
    امتدت يده إلى مؤخرة عنقها ليجبرها على النظر إليه:
    - أماندا.. الحب يمد الجسور بين كل الاختلافات الجسدية.. حين تجتمع كل روابط الحب و الرغبة و الاهتمام و الرعاية..
    قاطعته في محاولة للظهور بمظهر الخبيرة: بكل تأكيد.
    تفرس فيها لحظات: هل سبق أن أحببت؟
    - وقعت مرة في ما ظننته حباً.
    تنهد: فيما ظننته حباً.. ماذا يعني هذا يا ترى؟
    تنهّدت تنهيدة أخرى فجذبها إليه بحزم.. ثم أمسك يدها التي وضعها على صدره حيث كان قلبه يخفق بقوة على راحتها: أتشعرين بهذا؟ أتذكرين العناق الذي تبادلناه في السيارة قبل أن تسافري؟ في ذاك الوقت لم تشعري بالخوف مني.. كانت خفقات قلبك تماثل خفقات قلبي..
    هزت رأسها باستحياء.. ثم نظرت إلى عيني كيفن.. و قالت: ضمني إليك.
    و كان توسلاً غريباً.
    شعرت بصدره يتحرك صعوداً و نزولاً ثم تمتم: اللعنة.
    و ضمها إليه يسحقها بكل قوته.
    همست: كيفن.
    ابتعد بحدة عنها ليلتقط أنفاسه ثم راحت عيناه تحرقانها..
    عادت إلى أحضانه سريعاً.. فالآن سقطت القيود والحواجز و أصبحا شخصاً واحداً متناغماً..

    * * *
    سألها برقة: هل أنتِ بخير؟
    هزت رأسها بحيث لامس شعرها ذقنه. و تحركت أهدابها كالحرير الناعم على بشرته..
    قالت: لم يسبق أن شعرت بمثل هذه المشاعر.
    أخفض رأسه ليرى وجهها و ليقرأ أفكارها لكنها لم تترك له فرصة فقد ضغطت خدها على صدره, فضحك متأثراً بخجلها.
    - أنتِ مميزة عندي.. حلوتي أماندا.. بعد سنوات طويلة من رفض أية علاقة برجل, اخترتني أنا فلماذا؟
    ابتسمت لهذا: أنتَ الآن زوجي وهذا ما هو حقيقي.. و ماذا عنك؟ لماذا جعلتني استثناء لقاعدتك؟ فهمت أنك لم تحاول التعرف إلى من تصورهن..
    لكنك لا تشبهين أية واحدة منهن.
    - لكنني من العالم الذي تحتقره, ذلك العالم البراق الغارق بالغرور و التبجح.. لماذا كيفن؟
    - إنه القدر.
    حاول صرف نظرها بمداعبة شعرها و لكنها أبعدت يده و رفضت رده.
    فأضاف: لأنه إغراء لا يقاوم لأحاسيسي.
    - أقرب من هذا.
    - حسن جداً.. أستسلم.. ما الذي جعلنا نخترق ذاك الحاجز الذي طوقنا نفسينا به؟
    همست: هذا.
    ضمته بشدة فمادة الأرض بهما إنما بدون إثارة.. كانت ضمة حنان تعني فيها الحب دون أن تتلفظ به, مع أن كلاهما شعر به.. يبدو خلفهما, ينتظر اللحظة المناسبة ليكشف عن نفسه.
    كان كيفن يرتجف و لكنه أخفى اضطرابه.. و لم تمانع أماندا في مراوغته.. فهي تعرف و تفهم دون الحاجة إلى كلمات تؤكد ذلك.. فالكلمات موجودة تطوف في الهواء حولهما.. فالحب وحده هو ما جعلهما يكسران ما اتخذاه قاعدة في حياتهما.. و هو سبب سفر أماندا لتفهم جذور الصدمة العميقة التي أعمت بصرها, صدمة الوقوع رأساً على عقب في حب رجل قابلته لمرة واحدة.
    تثاءبت أماندا, و تكورت على صدره.. دلّت تقطيبة على تفكير عميق و لكنه عاد يعانقها بشوق و حب.
    - نامي الآن, و سنكمل الكلام صباحاً.
    نامت و استيقظت و هي لا تزال معه على السرير.. شعرت بأنها قريبة منه مكاناً و روحاً, ثم جاء الفطور حاملاً معه كلاماً سهلاً, تافهاًُ و مزاحاً و نكاتٍ.. قالت و هي تأكل التوست مع القهوة: قررت التدرب على المسرحية.
    لم يعلق.. لكن استرخاء عضلات فكه أفهمها أن هذا ما يريده.
    تابعت: سأتسلل من هنا قبل وصول العاملين لديك.. فقد يسيئون الظن بنا.
    قال بتعجرف: سنعلن للملء أننا زوجان.
    - و هل ستفرح العمة روزي؟
    - بالتأكيد.. لقد أحبتك!
    و تلقى لكمة مزاح على ذقنه.. و هذا ما بدأ معركة انتهت بهما على أرض المطبخ.. و بقيا هكذا, يتبادلان الضحك بغباء.. لكن باب المطبخ انفتح عن غير توقع فصدمهما ذلك.
    شهقت أديث التي نظرت إليهما بدهشة: أوه!!
    قال كيفن بهدوء: إذهبي من هنا أديث.
    رفرفت المسكينة عينيها مجدداً و امتقعت وجنتاها بلون قرمزي, ثم هربت تاركة وراءها صمتاً لم يكسره سوى انفجار أماندا بضحك هستيري منخفض. قالت ساخرة و هي تكاد تختنق من الضحك: سقطت هالتك! لن تنظر أديث إليك النظرة ذاتها بعد اليوم!
    - لم أكن قط ناسكاً.
    ثم بدأ يلعن لسانه لأنه رأى ضحكتها تنزوي.. تنهد تنهيدة ثقيلة: لم أقصد هذا كما بدا كلامي.. أنتِ المرأة الوحيدة التي ضبطت معي في مثل هذا الموقف و في هذا المنزل أماني.
    - و هل هذا استثناء آخر للقاعدة؟
    نظر إليها مفكراً, ثم رفع نفسه يجذبها معه ليقفا: سأذهب لأعرف ما الذي حملها إلى هنا في هذا الوقت الباكر.. و سأنشر عندئذٍ خبر زواجنا.
    و خرج.
    عندما عاد وجدها مرتدية فستانها الوردي الذي ارتدته بالأمس و وقفت قرب النافذة في غرفة الجلوس تراقب لاكي و هو يلعب في الحديقة بجذل الكلاب.
    قال يشرح لها عند الباب: أرادت التقاط صوراً خاصة قبل موعد العمل.. و جاءت إلى المطبخ لتأخذ الإذن مني.
    هزت أماندا رأسها بدون ترد.
    قال ببرود.. و قد ذهب السحر الذي كان بينهما :
    سأصحبك إلى منزلك أماندا لتجلبي أغراضك فقد أصبح البيت بيتك.
    - أجل.. أرجوك.. و أنا بحاجة أيضاً للاتصال بكايس لأعلمه بعودتي و لدفع مسألة التمرينات إلى الأمام.
    كان يسد الباب.. و لم تستطع النظر إليه.. لم تكن معتادة على هذا النوع من الوداع.. كان خداها محمرين و تحس أنها بلهاء جداً.
    سمعته يتمتم.. بصوت خرج من أعماق صدره: أعتقد أننا قد نوضب الحقائب معاً.. لكن إن كنت تفضلين..
    ارتفع رأسها و عيناها تعكسان تسارع قفزات قلبها.
    راح يدور في شقتها كمن يريد شراءها.. و راقبته أماندا بتساهل فهو يبدو بهذه الكنزة الواسعة و هذا الجينز الباهت منسجماً مع صورته الفنية.
    كان قد عاد للتو, ففي الصباح أوصلها ثم عاد إلى مشغله ليعمل ساعتين.. و في هذه الفترة استحمت أماندا وارتدت سروالاً من القماش و كنزة خضراء. بدوت عفوية ولكن أنيقة.
    سأل: ماذا قال كايس عن قرارك؟
    - لقد.. لقد أذعن!
    نظر إليها من فوق كتفه, و تمتم: همم!
    - و ماذا تعني بهذا؟
    - ما قلت بالضبط .. همم.. هل لي أن آخذ بعض هذه التسجيلات معنا؟ لم أتصور للحظة أنك من محبي هذا النوع من الموسيقى أماندا.. لديك مجموعة رائعة.
    حذرته بصوت هادئ: كيفن! ماذا عنيت بهمم؟
    لم يرد للحظات و تابعت أصابعه العبث بالشرائط المسجلة.
    - إنها تعني.. تعني.. اللعنة!
    استقام و التفت إليها: أعني أنني لا أثق بذلك الشيطان الذي يحاول تغيير قرارك! أعني.. أين الإنصاف في أن ترفضي دور البطولة في فيلم أميركي فمن التمثيل في المسرح لن تجني إلا مبلغاً زهيداً.
    نظرت إليه بتهجم: هل أنتَ ثري كيفن؟
    صدمه سؤالها فنظر إليها بتعال.
    قال ببرود : أنا مرتاح مادياً.
    رددت ببطء: مرتاح.
    ارتفع ذقنها بكبرياء فاقت كبريائه: حسناً.. أنا أكثر من هذا.. أنا أعمل لأنني أحب العمل و ليس لأنني مضطرة إليه.. و لهذا فرق كبير..
    صمتت قليلاً ثم أردفت ببرود: ...أترى خلاصة القول إنني أستطيع أن أفعل ما أشاء و كيفما أشاء!
    ضحك ضحكة غريبة: تبدين الآن مثل كايس.
    ثبتت نظرها عليه رافضة التراجع: لو شئت لتوقفت عن العمل و لن أشعر أبداً بالفارق مادياً بيننا, فهل تفهم ما أحاول قوله لك؟
    ابتعد عنها. عرفت أنها تتصرف بطريقة مزدرية.. و لكنها لا تريده أن يظنها امرأة طفيلية تزوجته لتعيش في ترف, ألم يخبرها كايس أن زوجته السابقة استنزفته كثيراً؟
    - أحاول أن أشرح لك أمراً يعرفه كاسدي خير معرفة.
    أشارت بيدها إلى خزانة تحتوي على أدوات المائدة فوقها صورتان و رفع حاجبيه متسائلاً.
    لامست أحد الإطارين بإصبعها.. و قالت له بصوت أجش:
    إنهما والداي.. هذا والدي هاري هاموند الفنان النمساوي.
    تنفس كيفن متأثراُ: يا الله!
    - و هذه أمي.
    أخذ كيفن يتأقلم ببطء مع هذا الخبر, خبر بنوتها لهارولد هاموند الفنان الذي بلغ ذروة الشهرة خلال سجنه في معتقلات النازيين الألمان حيث رسم لوحات رهيبة تدمي القلب.. و هي معلقة الآن في الأبنية الكبيرة التي لا يريد أصحابها أن تغيب عن أذهان الناس في تلك الحقبة من التاريخ.
    أردفت: أما أمي فهي اللايدي جينيس بريسكوت ابنة اللورد جوفري بريسكوت.
    صفر كيفن لأنه تذكر اسم أحد أبطال بريطانيا الكبار في الحرب العالمية الثانية.
    - عندما كان والدي شاباً يافعاً علق في ألمانيا بعد إقفال الحدود النمساوية.. أخيراً تمكن من دخول النمسا بمساعدة جدي لأمي و عاد إلى إنكلترا.. و لكن بعد هروبه, عاد يرسم بعضاً من ذلك الرعب معتمداً على الذاكرة.
    صمتت أماندا تنظر إلى الصورة طويلاً في لحظة حزن.. ثم أكملت: غني عن القول.. حين قدمه جدي إلى أمي, وقعا في الحب و تزوجا.. تميل آيرين إلى الاعتقاد أن حبه لأمي خفف بعضاً من عذابه الداخلي, و أميل أنا إلى الإيمان بأنها على حق.. و لقد قتلا معاً في حادث تزلج على الجليد منذ خمس سنوات.
    هز كيفن رأسه متذكراً ما قالته الصحف: و من هي آيرين ؟
    - إنها شقيقتي.
    أخذت أماندا الصورة الثانية و قربتها منها مبتسمة بمحبة: إنها أكبر مني بست سنوات, و تحب أن تسميني غلطة أمنا الصغيرة, لكنها لا تقصد شرّاً من هذه التسمية.
    قال بصوت أجش: إنها تشبهك, من هذا الرجل الذي معها هنا؟
    - بيدروس فيرغوس.
    كرر كيفن بمحبة: يا إلهي!
    - لقد أمضيت الأسابيع الثلاثة الأخيرة معهما في الواقع.. بيدروس من أهالي رودس.
    لامست شفتيها ابتسامة غريبة, فلاحظ كيفن و تساءل بفضول عن سببها, و أكملت:
    إنه يملك منزلاً كبيراً في أثينا بالطبع.. و معظم أشغاله تدار من مكتبه الرئيسي في أثينا, و يقضيان وقتهما هناك.. لكن بيدروس يتمكن دائماً من ترتيب وقته لنقضي العطلة معاً في رودس.

  19. #18
    - و تركتهما متسائلين عن سبب رغبتك في العودة إلى انكلترا في وقت مبكر.. ما هو احتمال مجيء هذا اليوناني الضخم إلى هنا و لعبه دور الصهر القاسي معي؟
    لكنه لم يكن يمزح.
    و ضحكت أماندا: الاحتمالات متساوية كما أعتقد.. إنه رجل ضخم و قوي.. بيدروس.. لديه إحساس متجذر عميق بالولاء للعائلة, إنه قادر على خنقك إن آذيتني.
    - لكنه سيضطر إلى تجاوز العمة روزي أولاً.
    برقت عيناها و هي تتصور بيدروس يحاول تجاوز العمة روزي.
    - هذه مشكلة.
    - أدركت للتو أنني قادر على التوقف عن التقاط الصور فلم يعد الأمر مهماً لأنني سأعيش منذ الآن فصاعداً على حسابك! هذه الفكرة مغرية.
    - يجب أن تسألني أولاً إن كنت مستعدة للإنفاق عليك أولاً.. لكن إذا كانت الحياة العيش على مال النساء تناسبك, كيفن لوكهارت فأحذرك أنني لا أحب الكسالى, بمن فيهم الضخام الأجسام.. لذا حذار.
    تحداها بكلمات فيها إنذار مبطن فتراجعت أماندا مبتعدة عنه.. كان له تلك النظرة التي تشبه الأسد المستعد للانقضاض, و تقدم خطوة مهددة نحوها, و بصرخة مرتفعة حادة استدارت و هربت..و لحق بها.
    أصرّت أماندا فيما بعد, أن قبضته عليها في غرفة النوم كان مجرد سوء حظ لها و حسن حظ له.

    * * *




















    حبي زهرة منسية

    نقلت أغراضها إلى منزله بدون عقبات و كان أن أقفلت أماندا شقتها ببساطة ناسية أمرها..
    عمل كيفن في مشغله الذي لم يكن يغادره إلا للبحث عن القهوة.
    رحبت العمة روزي بأماندا بعناق كبير ثم وعظتها بأن تكون طيبة مع ولدها الذي أصبح الآن زوجها, و على المرأة إطاعة زوجها في كل شيء.
    قالت و هي تشرب معها الشاي: إنه يستحق قليلاً من السعادة أخيراًً.. فقد عاملته تلك المرآة بطريقة مزرية.
    اعتادت أماندا على أن تشير العمة إلى سوان كورتيز بتلك المرأة.. و مرت الأسابيع التالية بسرعة و في هذه المدة اعتادت أماندا على النزول إلى شقة العجوز كل صباح لتشاركها إبريق الشاي, و عرفت الكثير عن المرأة الأخرى و كم عاملت كيفن المسكين بقوة.
    - لقد قام بما في وسعه من أجلها.. كان مغرماً بها, يركع تحت قدميها!
    انتفخ الوجه المغتاظ من تلك الذكرى.. فتساءلت أماندا عن مدى معرفة المعة روزي عن علاقة كيفن بزوجته السابقة.. أكان مغرماً مفتوناً بها أم لم يكن قطّ ؟.. لا تتصوره أبداً عبداً مخلصاً يركع تحت قدمي أحد.. ليس كيفن.. بل هي من كانت تركع عند قدميه..
    أضافت العجوز: و لكنها كافأته بالخيانة و جعلته موضع سخرية أمام جميع أصدقائه.
    فكرت أماندا في أنهم لم يكونوا قط أصدقاء أوفياء.


    سألت: هل التقيت بها يوماً؟
    ارتفع صدر العمة و هبط بحدة: عدة مرات.. فهي تأتي إلى هنا.. لتستجدي. إن كيفن ليس شخصاً يسهل خداعه ولكنها من طراز مصاصي الدماء..
    - جميلة؟
    ارتفعت عينا العجوز إلى السماء: لم أرى أحداً بجمالها في حياتي! سوداء الشعر, سمراء, غريبة.. نصف مكسيكية كما أعتقد. شعرها الأسود طويل و عيناها كبيرتان سوداوان و ثغرها كبير تطليه دوماً بالأحمر و هي طويلة أيضاً.. إنها امرأة متناسقة الشكل.
    تمتمت أماندا: رأيت صوراً لها.
    أحست بالغيرة.. فلا يمكن لكيفن أن يختار بين امرأتين على هذا القدر من التناقض.. فهل سمح لنفسه بالانجذاب إلى أماندا لأن مشاعره تجاه زوجته السابقة ما تزال عميقة؟ و هل الجروح التي تركتها فيه لم تندمل؟ ألهذا تعمد التفتيش عن نقيض لها؟
    إنها فكرة مثيرة للاضطراب أرسلت وخزات صغيرة من الشك.
    أردفت العمة روزي: لكنني أخاله تخلص من تأثيرها كلياً, لقد حطمتْ إيمانه بالجنس البشري.
    جلست المرأتان بصمت لدقائق.. ثم أضافت العمة و كأنها تتذكر: لا تبقى طويلاً حين تأتي.. و هي ترحل بعد ساعة أو أكثر و جسدها يختال كالقطة.
    أتعود من أجل المال؟ أم لتثبت أنها ما تزال تسيطر و لو قليلاً على مشاعره؟ هذه الفكرة تثير الكآبة في النفس.
    لكن كيفن روى قصة انهيار زواجه بكلمات أخرى..
    - التقينا حين كانت على أول درج النجومية, كانتْ تكافح لتخترق حواجز الشهرة و لكنها لم تكن تعرف أبسط الأشياء عن طبيعة العمل.. أما أنا فكنت شاباً متكبراً واثقاً من عبقريتي.. و رأيت فيها ما يكمن عندها من إمكانيات فعرضت عليها العمل, أعني مهنياً.
    صمت قليلاً: استغرق العمل عليها شهوراً من الصبر.. هي ذات طبع مشاكس.. تثور غضباً دون أي سبب, و هذا أول ما كان عليّ كبحه فما من امرأة مهما كانت جميلة قادرة على النجاح في عالم الأضواء بدون الصبر.
    قالت أماندا ممازحة: استخدم بعض من نصائحك لنفسك.
    و قد رأته ينفجر غضباً دون سبب يُذكر و هو يعمل في مشغله.. قال منتقداً نفسه: أسمح لشيء من المزاج الفني بالسيطرة عليّ لأنني عبقري.. أما سوان فلم تكن قادرة على العمل بدون كسر أداة باهظة الثمن كلما حدث ما لا يعجبها.. علمتها كيف تسير و كيف تتكلم و اشتريت لها الثياب, علمتها كيف ترتديها.. كانت علاقتنا بريئة في ذلك الوقت.. لكن..
    حملت تنهيدته ندماً حقيقياً: أعتقد من الطبيعي أن يصبح رجل و امرأة حبيبين ما داما دائماً في صحبة بعضهما بعضاً.. ثم انطلقت في علمها, و علمي معها.. و رغب الجميع في أن تعمل معه. لكن ثقتها العمياء بأحكامي كانت تعني أن تكون لي مهمة إبعاد أسماك القرش و النسور عنها.. و هذا ما سبب لي المتاعب من كل نوع لأننا بدأنا تنحرك في اتجاهين مختلفان و كانت هي معتمدة عليّ كلياً.
    - ليس في اتجاهين مختلفين كلياً بكل تأكيد! فالتصوير و عمل العارضة يتفقان.
    - أوه.. أجل! كان عملها.. الإعلانات و التصوير الدعائي المتهور. أما أنا فكنت أميل إلى تصوير الوجوه, و بتّ مع الوقت مطلوباً أكثر فأكثر و هذان اتجاهان مختلفان.. و لكننا كنا بحاجة إلى قاعدة ننطلق منها.. و كانت هي بحاجة إلى من يعتني بها و بأمورها.. هكذا.. تزوجنا.
    سألت بهدوء: هل أحببتها؟
    - حب؟ كلمة غريبة.. تغطي وراءها أشياء كثيرة, و الحقيقة أنني لم أرغب قط في تحليلها.
    تلقت أماندا هذه الصدمة.
    - منع الزواج الحيوانات المفترسة من محاولة افتراسها.. صدقي أو لا تصدقي.. كانت سوان في ذلك الوقت خجولة و لطيفة, لذا عشنا لحظات رائعة..
    سرح في عالم خاص به للحظات: وقعت المشاكل في وقت لاحق.. حين فقدت حاجتها إليّ.. ثم في أحد الأيام بعد ثلاث سنوات من الزواج, دخلتْ إلى الشقة و أبلغتني بكل برود أنها حامل.
    جمدت أماندا.. كيفن.. أب؟
    - ثم أخذت تعلمني عن الترتيبات التي قامت بها لتجهض.. فذعرت..و حدث بيننا شجار فاق كل الشجارات السابقة قلت لها أشياء مجنونة مثل<< لن تقتلي أبني أيتها الساقطة المجرمة!>> فردت من قال إنه ابنك؟ عندئذٍ وقفت مشدوهاً أحاول استيعاب ما قالت, ثم راحت تقول لي أنني ساذج لأنني صدقة أنها كانت وفية لي..

    ضحكت في وجهي و قالت إن هناك ثلاث رجال قد يكون أحدهم هو الأب.. فتحتُ لها الباب.. خرجتْ منه.. و صفقته خلفها!و أقفلت الباب! حاولت اللحاق بها و لكن فكرت ما الفائدة؟ دع العاهرة تفعل ما تريد فكفاني منها ما رأيت.. و لكنها عادت بعد ثلاثة أيام و هي أشبه بالميتة بعد إسقاط الجنين.
    صمت مرة أخرى فعقدت أماندا ذراعيها حوله و شعرت بألمه.
    - لم أكره قط أحداً كما كرهتها في تلك اللحظات. طردتها.. لتأخذ معها بعد الطلاق كرامتي واحترامي لنفسي و الإيمان بأي امرأة.. و قرفي من نفسي. ثم قررت المجيء إلى لندن.. كان لدي عروض كثيرة لذا لم يكن القرار متهوراً كما يبدو.
    - و هل رأيتها كثيراً منذ ذلك الوقت؟
    - إنها تحط عليّ كالعملة الفاسدة بين الوقت و الآخر حاملة معها مشكلة من نوع ما.. و هي في الأغلب مشكلة مادية.. في الوقت الراهن تعيش عيشة جيدة و لكن إيراداتها تقل كلما تقدم بها العمر.. كنت أحل لها مشكلتها فتبتعد مجدداً. لم يعد في قلبي حقد تجاهها.. و ما الفائدة؟
    و لكنني بشكل من الأشكال نصف مسؤول عما وصلت إليه. و الحقيقة أنها ما تزال تعتمد عليّ في كثير من الطرق و أنا أساعدها بأفضل ما أستطيع..
    الغريب أن الرجل يشعر حتى بعد الطلاق بالمسؤولية نحو المرأة خاصة إذا كانت ضعيفة.
    تمتم: أماني..
    ارتدت تواجهه سامحة له بكل إرادتها أن يقربها منه.. ضمها إليه أكثر فأكثر و عندما سمعته ينطق باسمها عقدت ذراعها حوله.. القبلة التي وضعها على رأسها كانت بعيدة كل البعد عن أي رغبة جسدية و كأنه بها يبحث عن الطمأنينة الروحية التي تحتاجها هي أيضاً.. و تلاشت كل مخاوفها.. و عادت إليها ثقتها بنفسها.
    وصل كايس بعد ثلاث أسابيع من زواجها بكيفن و هو يلوّح بإحدى يديه ورقة تحتوي على موعد بدء تمارينها و باليد الأخرى بمجلة رماها على حجرها.
    قال: حسناً حلوتي.. لقد أنصفك عزيزنا كيفن بلا شك.. لديه قدرة خارقة على التقاط زبدة ما في شخص ما.. أتمنى ألا يوجه تلك العدسات إلى وجهي أبداً, لأنني أخشى ما قد يكتشفه.. إنه شيطان خطير.. سأتفقد العمة روزي التي لا تبحث عما هو مخبأ في الإنسان لأنها مشغولة بأشياء أكثر إفادة, كخبز الكيك و أشياء أخرى.
    تركها في جو عابق بعطر رجالي, بحثاً عما يشبع ضرسه الحلو.

  20. #19
    التقطت المجلة و راحت تقرأ الاسم الشهير على غلافها المصقول. تذكرت أن المقال الذي سينشر عنها موعده هذا الشهر.. و أنها بسبب ذلك المقال قابلت كيفن. لامست ابتسامة خفيفة شفتيها و فتحت الغلاف بلهفة لترى كيف صورها كيفن.. ثم استوت جالسة تحدق إلى صورتها الملونة وعدم التصديق على وجهها. فهمت أخيراً ما كان كايس يقصد قوله.
    قال صوت عميق من خلفها: مادونا الفضية.
    انتفضت أماندا ذعراً لأنها لم تنتبه له عندما دخل. اعترضت عليه: لا تنعتني بهذا.
    مد يده يلتقط المجلة و تأمل عمله للحظات طويلة. ثم تقدم إليها و ضمها من الخلف.. و دفع المجلة أمامها:
    - انظري إليها.
    عندما نظرت أماندا التوى ثغرها بسخرية.
    كان الفستان الأحمر القاتم الذي ارتدته عندما التقط لها هذه الصورة غالي الثمن و محتشماً و كان شعرها منسدلاً حول كتفيها.. لقد استخدم كيفن الأنوار بمكر بحيث التقط أكثر خصلات شعرها اشقراراً فشعّت كالحرير الأصيل. أما عيناها الزرقاوان القاتمتان فكانت تحدقان من وجه هادئ فاتن.. و لاح على ثغرها التواء بسيط سري يظهر أن شيئاً ما يجري وراء قناعها الساكن.
    أجل.. إنها تبدو كلوحة مادونا.. لكن هناك شيء آخر.. شيء أكثر فتنة له علاقة بابتسامتها.
    قال بهدوء: أمضيت ليال طوالاً أتساءل عما كان يدور في رأسك في اللحظة التي التقطت الصورة.. كان ذلك في عينيك و في ابتسامتك الغريبة على شفتيك, و جعلتني عجرفتي أرغب في معرفة الأسرار التي كنت تفكرين فيها.
    - لكنك لم تسألني يوماً.
    - صحيح.. أظنني كنت خائفاً من الرد.
    قالت بصوت رقيق: كنت أفكر فيك.
    - فيّ أنا..؟
    هزت رأسها: إنه التجاذب المهلك.. نظرة واحدة و وقعت في فخك.
    أضافت في سرها: بل وقعت في حبك.. هذا هو السر وراء تلك الابتسامة.
    تمتم مجدداً: أنا.. ألم تعجبك الصورة؟
    - إنها.. جميلة.
    - بل أنتِ الجميلة! فكل ما فعلته هو البحث عما هو أساسي فيك.. ذلك الجزء الصغير الذي تحاولين إخفاءه عن العالم.
    ابتسمت بحنان لعينيه العقيقيتين: هذا ما قاله كايس.. قال إنك مبدع في التقاط أسرار الجمال في شخص ما.
    ارتفع حاجباه دهشة: حقاً؟ إذن لديه إحساس و بعد نظر أكثر مما كنت أظن.
    - شكراً لك صديقي القديم.
    إنه صوت كايس الذي علا من الباب و الذي تقدم و كأنه مالك المكان.
    - هل تُصدق حظ رجل جائع؟ العمة روزي لم تخبز قطعة بسكويت! كان يجب أن أعرف أن حظي سيء منذ البداية.. كيفن يفتن أفضل ممثلة لدي و يخطفها إلى القفص الذهبي و العمة روزي لا تترك علبة بسكويت محشوة, لضيف غير متوقع.. و ذلك الكلب الغبي يحاول عضي!
    بدا غاضباً بحيث اضطرت أماندا للتقدم إليه و عناقه..
    أضاف: بل لا أراني قادراً على الحصول على قبلة ترضية من فتاتي المفضلة بدون أن يراقبنا أحد. المكان السيئ يعطي ذبذبات سيئة, و يفسد جهاز التلقي..و هو سيء للهضم.. سيء..
    ارتفع صوتان دفعة واحدة: اصمت كايس!
    أخذت أماندا دور البطولة في المسرحية . و عادت إلى المنزل مشرقة فرحة تبحث عن كيفن لتخبره.. فسألها: ما موضوع الرواية؟
    كان قد عقد ذراعه حول كتفها وهما يخرجان من مشغله بعدما أرسل معاونيه إلى منازلهم.
    - عن الارستقراطية الفرنسية الحديثة حيث لا يزال الزواج المدبر سائداً,ألعب دور ابنة الوحيدة لكونت ثري على وشك أن تتزوج من ثري يفوقها ثراء و لكنها لا تطيق منظره.. فهو متعجرف و متحفظ بطريقة متعالية و هو متأكد من قبولها و هذا ما يجعلها تغلي غضباً في أعماقها.
    دخلا إلى المطبخ و هناك حضرت اماندا القهوة, أما كيفن فجلس إلى المائدة.
    تبرز الرواية الضغط الذي يُمارس على البطلة من قبل عائلتها و مقاومتها لهم.
    - و هل ينتهي بها الأمر للزواج به؟
    - أجل.. إنما لهدف شريف.. و ذلك بعدما أركعت المتعجرف الشيطان على ركبتيه.. إنها مسرحية ذكية جريئة و فيها الكثير من الحركة التي تسيطر على المشاهد.
    - و من سيلعب دور البطل المتعجرف؟
    - ماتيوس آشلي.
    راقبت كيفن و هو يتحول من مستمع كسول إلى زوج متملك غيور.
    - آشلي شخص خليع!
    - و هذا ما يقال أيضاً عن كيفن لوكهارت.
    سأل: هل هناك مناظر خليعة؟
    - في عمل مسرحي؟ أنتَ تمزح! كاتبها بارع لذا لن يلجأ إلى مثل هذا الأسلوب الذي يسعى إلى الإثارة لضمان النجاح.
    - سأحذره.. فمن المشهور عنه أنه لا يألو جهداً في إقامة علاقة مع الممثلة البطلة في مسرحياته.. و سأحذره قبل أن يبدأ المحاولة.
    اعترضت قائلة: لن تقدم على شيء كهذا.
    ثمّ هدأ غضبها و لكنها رغبت في إثارة النمر الهاجع قليلاً..
    - ما دمت قادرة على السيطرة على غوريلا ضخم مثلك فسيكون ماتيوس آشلي مجرد لعبة.
    استقام كيفن ببطء و راقبته و هو يرتد لمواجهتها بعينين صفراوتين ضيقتين.
    - بم نعتني؟
    - غوريلا... كبير... ضخم...
    ثم ضحكت بتوتر و هي تراه يقف و مدت يديها أمامها بتوسل... و قالت ضاحكة:
    - لا.. كيفن.. لم أعن هذا.. صدقاً.. كنت أمزح, مجرد مزحة!
    أمسك بها عند الباب, فصرخت.. قال: أردت اصطحابك إلى الخارج لتناول العشاء, لكنني غيرت رأي..و سنبقى هنا لأريك ميزات الغوريلا.
    مررت لسانها على شفتيها: حاضر كيفن.
    ارتفع حاجباه الذهبيان سخرية: هل أسمع رنة خضوع المرأة في صوتك؟
    - أجل كيفن.. فالقرود الضخمة الذهبية هي نقطة ضعفي, و أنا خجولة من الاعتراف بهذا.
    - و ماذا عن القرود الكبيرة السوداء الشعر مثل ماتيوس آشلي؟ أهي نقطة ضعف أخرى لديك؟
    رفضت الرد و نظرت إلى وجهه بعناد ساخر.
    حذرها برقة: سأجبرك على الاعتراف أماني.
    ردت في سرها: و أنتَ قادر على هذا.. و هو ما أنتظره..و شدت فمها بقوة.
    كيفن محب مستبد, يحب السيطرة عليها بدقة الخبير المتمرس و هو يظهر لها أبعاداً جديدة من حبهما مع كل لحظة تمر.. كان حساساً, خيالياً, و قبل كل شيء صبوراً.. لم يكن ظالماً أو أنانياً.. علمها كيف تعرف نفسها بشكل كامل, و راح حبها يزهر كزهرة نادرة.
    مضى الشهران التاليان و هما في نعيم و سعادة مع أن أياً منهما لم يعترف للآخر بالحب.. فلم يكن يبدو الآن مهماً.. فهو موجود بدون التصريح به.. هو مرأيٌ كلما تبادلا النظرات. أما الجميع فكان يرى هذا الحب, و يبتسم معرفة به..ثم شاع في جميع الأوساط خبر زواج المتألق اللامع كيفن لوكهارت بالجميلة الشهيرة أماندا هاموند.
    تتابعت حياتهما برتابة و تجانس. كانت أماندا تذهب إلى التمارين المسرحية كل صباح و كان كيفن يذهب إلى مشغله و لكنهما كانا يطهوان الطعام معاً و يسهران معاً و يتكلمان عن متاعب يومهما و هما يحتسيان القهوة أو الشاي..
    مرت الأيام بسهولة و هناء, و لم يكن هناك ما يعكر صفوهما إلا البدء بمسرحيتها.. و هذا يعني العمل ليلاً.. فهي لا تعرف كيف سيتقبل كيفن الأمر.. فلم يسبق أن تباحثا هذا الموضوع و لكن عليهما يحثه قريباً.
    اليوم هو عيد مولد كيفن.. و ليس في نيتها إفساد اليوم بمناقشة ما هو جاد.. اليوم بالذات سيقام حفل صغير بالمناسبة, يحضره كيفن و كايس و العمة روزي و أماندا بالتأكيد.. عندما كانت تستعد شعرت بالإثارة طفولية تسري في عروقها.. وحدها حفلات عيد الميلاد تحمل هذه الإثارة في هذه الأيام.. إنها فكرة قالب الحلوى و كل ما يرافق الحفل من بهجة.. و سعادة مراقبة المحتفى به وهو يفتح هداياه.
    وصل كايس باكراً قبل خروج كيفن من مشغله.. و في هذا الوقت كانت أماندا في الطريق لتسأل العمة روزي إن كانت بحاجة إلى مساعدة...
    رن جرس الباب فصاحت: سأفتحه أنا.
    فتحته فوجدت كايس بالباب و هو مرتد سترة سهرة بيضاء براقة, و قميصاً أسود.. كان معه هدية كبيرة مبهرجة الألوان يحملها في يد و في الأخرى باقة زهور.
    شهقت: أوه.. هذه لي؟
    أخذت الزهور منه و راحت تتنشق عبيرها بسرور مصطنع, فهي تعرف أن هذه الزهور للعمة روزي.. فكايس من أخلص متذوقي طعامها.. لكنها لا تستطيع مقاومة ممازحته.
    تورد بشدة.. و بدا مرتبكاً للحظة, ثم حاول بجهد جمع نفسه و قال مبتسماً: بالطبع هي لك حلوتي! أعني لمن قد تكون غيرك؟
    ومض المكر في عيني أماندا و هزت رأسها: لا..! أستطيع معرفة الحقيقة من النظر إلى وجهك كايس.. لقد أخطأت التقدير.. و لأنك لطيف لم ترغب في تخيب أملي.
    بدت الراحة على محياه و لكنها أردفت: إنه عيد مولد كيفن و هذا يعني أنها له.
    فقد المسكين توازنه مجدداً و قال: لكن..
    - كيفن يحب الزهور.
    - حقاً؟
    - صدقني.. إن قدّمت له الزهور تأثر كثيراً.
    و كأنما سمع اسمه فقد ظهر كيفن في منبسط الدرج في الأعلى و راح ينظر إليهما. رفع كايس رأسه إليه ثم هز كتفيه باستسلام.. وضع اللفافة على الطاولة ثم صعد الدرج و قدّم باقة الزهر لكيفن.
    - ميلاد سعيد.
    أجفل كيفن: لي.. أنا؟
    أخذ الزهور و نظر إلى وجهه المتردد ثم نظر بعينين ضيقتين إلى وجه أماندا الذي تبدو عليه البراءة.. هز كتفيه العريضتين و تمتم: زهور...هه؟ شكراً كايس.. تأثرت كثيراً.
    و قال لأماندا: عشر دقائق فقط... سأستحم و أنضم إليكم... كايس رجل دمث الأخلاق.. أشير بذلك إلى باقة الزهور! سأذهب لأضعها في الماء قبل أن تذبل.
    ابتعد و هو يصفر سعيداً, و لكنه كان يبدو سخيفاً و هو يحتضن باقة الزهور الكبيرة

    * * *
    يتبع

  21. #20
    واااااااااو

    اختي تسلم ايدج حبيبتي علي االمجهود

    وانا معاج ليما تخلصين

الصفحة رقم 1 من 11 123 ... الأخيرةالأخيرة

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter