السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كم هو خبيث هذا المرض يستيقظ في الذوات فجأة ، بعدما يرقد بدواخلها أعواما فأعواما ، يحمل الإنسان صاغرا فيلقي به داخل أنفاق الضعف والهزال ، يمتص من دماغه ، يتغذى من خلاياه ، ينهش عمره نهشا ، ثم يلقي به ذات وقت خارج أبراج التاريخ ولن تحده خريطة الأحلام .
فكلما اشتد الألم ترتسم أمام الأعين خطوط التحدي بألوان التاريخ النائم في النفوس ، إنها لعنة تحل شامخة ، تطرق بوابة كل فرد على حدة ، فترتمي نهاية الإنسان أمامه بأبشع الصور .
فكلما تعرض إنسان لهذا المرض ، يدخل صاغرا بوابة ضيقة برحاب الهواجس القاتلة ، فيجلس مقاعد تذكي فتيل المرض الذي يحل به ، فيبحث عن أناه ، فيجدها تخرج إلى مساحة الصمت والمعاناة .
إنها مضاعفات ، كشواظ من لهيب حارق ..تعم جسدي هو الآخر ..فأحسُ بالدوار ، فأغمض عيني لأتأكد من أنني مصاب بمرض..فيكاد فؤادي ينشق ، لضغط الدم المسرع عبر كل مناطق جسدي النحيف..يا للمصيبة..! يارب..
عبارات تخترق بسرعة البرق محيط وجودي..فتمتص مناعتي المتبقية..رويدا..رويدا..ثم أسقط منهارا على نبرات صراحة موجعة..عندما عرضتُ نفسي على نفسي طوعا ، فوق طاولة مساحة الوطن العربي الكبير صباح ذات يوم عربي حزين..
ـ " إنك مصاب يا بني ، بداء فتاك ينخر كيانك صباح مساء منذ مدة.."
ـ " مرض فتاك!!؟ " قلتُها باندهاش تام .
ـ " نعم..إنك مصاب بمرض الهزيمة!! "
تتوصل ذاتي بالخبر المباغث فيحل عبر مناطقها غازيا موحشا..
" الهزيمة..الهزيمة..!؟ " ردّدتها في نفسي عدة مرات . فاستسلمت لهول الخبر..واسترجعت الأسباب..فتأكدتُ من صحة مرضي..إنها الهزيمة الكبرى..الهزيمة بالتأكيد في كل اتجاه وكل ميدان..! وقفتُ كعسيف نخل ملقى..تداعبه رياح الحيرة..امتدت رجلي اليمنى : خطوة..خطوتان..لم أتمالك خطواتي التي يؤطرها هيكلي المتهالك ، التفتُّ يمنة وشمالا فرأيت مخالب الهزيمة تطاردني فعلا..تسير معي فتتشكل في مخيلتي أشباح ترافقني..ثانية..دقيقة..دقيقة..
فكلما استبدت حيرتي تنسج خيوط مشاعري..وأصداء ضجيج ذاتي المتردد بداخلي دون توقف..نهايتي على خشبة هذا الزمن في أحضان أرضهِ التي زُرِعتْ فيها طحالب الهزيمة خلسة..في زمن تتداخل فيه الحركات..وتتشكل الإنهزامات..وتتلاطم الإنقسامات..فيفترش الإنسان الأفق برعاية الانكسار وسيطرة الدولار .
يتبع
المفضلات