غزوة حنين

أقام النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم في مكة يبعث السرايا لهدم الأصنام ، ونشر الإسلام ، ومنها سرية خالد بن الوليد إلى نخلة {1} لهدم العزى ، وسرية عمرو بن العاص لهدم سواع ، وسرايا أخرى لنشر الإسلام ، لكن أشهر غزوة بعد فتح مكة ، كانت غزوة حنين ، التي وقعت يوم العاشر من شوال في السنة الثامنة . إذ اعتقدت قبيلة هوزان ، وقبيلة ثقيف ، أن محمدا لا يستطيع التغلب على جميع العرب ، ولذلك اختار هؤلاء المشركون القتال على الإسلام ، فحشدوا حشودهم التي بلغت عشرين ألف محارب ونزلوا في وادي حنين ، أما المسلمون فقد بلغ عددهم اثنا عشر ألفا ، والذين توجهوا نحو أرض المعركة ، بقلوب عامرة بالإيمان ، فشن خالد بن الوليد ، رضي الله عنه الغارة على المشركين ، فانهزم بنو هوزان ، إلا أن بعض المسلمين انشغلوا عن المعركة ، فأمطرهم المشركون بوابل من النبل السخي ، فانهزم بعض المسلمين ، وأصيب خالد بن الوليد بجراحات بليغة ، إلا أن رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وقف رابط الجأش ، ثابت الجنان {2} ، يفكر بخطة ينقذ فيها المسلمين ، فأمر عمه العباس أن ينادي بالأنصار ، أصحاب بيعة الشجرة يوم الحديبية ، فاجتمع حوله عدد من أبطال الأنصار فتقدمهم نحو المشركين قائلا

أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب

فدب الرعب في قلوب الأعداء ، بعد أن أنزل الله ملائكته ، يذودون {3} عن رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم وعن المسلمين ، حتى ولى المشركون هاربين ، وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى

لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ، ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين 4

وهكذا دانت القبائل العربية لرسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم بأسرها ، وأعلنت إسلامها فانتهى بذلك عهد الصراع والقتال

حجة الوداع ووفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

في الخامس من ذي القعدة ، من السنة العاشرة للهجرة ، حج رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، حجة الوداع ، أو حجة البلاغ ، وفي عرفة ، خطب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، خطبة الوداع فقال فيها : " أيها الناس ، اسمعوا قولي ، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا ، أيها الناس ، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم " ثم نزل قوله تعالى

اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا 5

ثم عاد رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة المنورة ، وفي السنة الحادية عشرة للهجرة ، اشتد المرض على رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فانتقل إلى بيت عائشة أم المؤمنين ، رضي الله عنها ، بعد أن استأذن نساءه ، ثم قال في أبي بكر رضي الله عنه " إن عبدا من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده ، فاختار ما عند الله " فقال أبي بكر بعد أن بكي : بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا ، ثم أوصى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم بالأنصار خيرا ، ولما دنا الأجل ، ونودي إلى الصلاة . قال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : " مروا أبا بكر فليصل بالناس " . وفي الثاني عشر من ربيع الأول انتقل رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى الرفيق الأعلى ، فاضطرب الناس واشتد هولهم {6} ، فخرج عليهم أبو بكر ، رضي الله عنه ن فحمد الله وأثنى عليه قائلا : " أيها الناس إنه من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت " . ثم تلا هذه الآية

وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم 7

وهكذا انتهت سيرة خاتم الأنبياء والمرسلين ، بعد أن أدى الأمانة خير أداء ، عن عمر يبلغ ثلاثا وستين سنة ، فصل الله عليك يا حبيبي يا رسول الله ، وعلى آلك وأصحابك أجمعين