بسم الله الرحمن الرحيم
والسلام عليكم ورحمة الله


نعترف أن الحديث عن المرح يبدو غريباً في وقت ينتظر القارئ أن نتحدث له عن عوامل أخرى للنجاح من مثابرة و إصرار و غيرها، لكن كل هذا سيزول بمجرد ما تعرف أهمية أن تكون مرحاً و منطلقاً في صناعة نجاحك. فعلماء النفس يقولون: إن المرح يوجد مناخاً نفسياً مشحوناً بالسرور والغبطة والارتياح، ومثل هذا النموذج الصحي يطلق القدرات العقلية للتعلم بسهولة ويسر، فالانشراح يهيئ الطاقات العقلية للامتلاء والتمدد، بخلاف مناخ الكآبة والحزن أو التشاؤم الذي يعلم دروساً متشنجة عن الحياة.
فالإنسان المرح ودود وذكيّ و قوي أيضاً، وهو منفتح على الحياة، فهو يرغب بأداء دور أفضل، كما يرغب بأن يسعد الآخرين، ووسيلته في كل ذلك هي الإقلاع عن الكآبة في سلوكه النفسي، والتخلي عن فلسفة البعد الواحد في سلوكه العقلي، فمرحه ينعكس بالتأكيد على الآخرين و عليه أيضاً .. و هو يحاول -ما أمكنه ذلك- ألا يترك تأثيراً سيئاً لدى الآخرين بسبب حزنه أو اكتئابه الشخصيين.


===========

و المرح ليس بالضرورة هو الابتسامة أو الضحك، فهذه مظاهر قد يلجأ إليها الجميع، مرحين أو غيرهم، إنما المرح فلسفة ذاتية تنطلق من إيمان الفرد بأنه يمتلك صحة عقلية جيدة، ونظرة متفائلة للحياة، ويرسم خطة مستقبلية بنفسه ولنفسه ولعمله، ولا تدري كم يساعده انشراحه و تفتحه العقلي على ذلك.
و ها هو سيد الخلق يستعيذ من الهم و الغم في الحديث الشريف:
"اللهم إني أعوذ بك من العجز و الكسل و الهم و الغم ... إلى آخر الحديث"
فالهمّ و الغمّ مشاعر موقفة لكل نشاط و إبداع.


==================

و ليس الحديث عن التفاؤل عن ذلك ببعيد، فالمتفائل هو شخص مليء بالرغبة، متعطش للنجاح، كاره لليأس، مليء بالطاقة التي يمنحها إياه التفاؤل، والذي لا نقصد به هنا السذاجة أو التغافل عن الواقع تحت دعوى التفاؤل، وإليك هذه القصة لرجل أعطى مثالاً يُحتذى في التفاؤل الذي يصنع المستحيل:
"حينما ماتت زوجته كان أصغر أطفاله لا يزيد عن عامين. وكان له ستة أولاد آخرين، ثلاثة أبناء وثلاث بنات، أعمارهم من (4 – 16) عاماً. بعد أيام من وفاة زوجته جاءه الأقرباء بمن فيهم والدا زوجته وقالوا له: "إنك لا تستطيع القيام بأعمالك وأشغالك إلى جانب السهر على كل هؤلاء الأبناء وتربيتهم، وقد اتفقنا أن تأخذ كل عمة أو خالة أو قريب واحداً من أبنائك فلا يكونون بعيدين عنك وسنضمن سلامتهم وتربيتهم، وبوسعك رؤيتهم متى شئت".
أجابهم الرجل: (أنا شاكر لكم على جميلكم هذا، ولكن أريد أن تعلموا...) ضحك وواصل كلامه (إذا ضايق الأطفال عملي أو احتجت إلى مساعدة فسأخبركم بأسرع وقت).
بعدها راح الرجل يواصل أعماله بصحبة أبنائه، فحدد لكل منهم مسؤولية وواجباً. البنتان الكبريان (12) عاماً و (15) عاماً تتوليان الطبخ وغسل الملابس وأعمال البيت. والولدان الأكبران (16) و (14) عاماً يساعدان أباهم في المزرعة. ولكن حلت به صدمة جديدة ...
ابتلي الرجل بوجع في المفاصل، تورّمت يداه حتى لم يعد يستطيع الإمساك بأدوات الفلاحة. كان الأطفال ينهضون بأعباء العمل على خير وجه، إلا أن الرجل لم يكن قادراً على البقاء بلا عمل طوال النهار. باع أدوات الفلاحة وهاجر مع عائلته إلى مدينة صغيرة وافتتح متجراً متواضعاً، حظيت العائلة بترحيب الجيران، وازدهر عمل الرجل وتجارته، وكان شديد الفرح؛ لأنه بين الناس ويستطيع تقديم خدمة لهم. وشاع بين الجميع أن زبائنهم راضون، وأن خدماتهم ممتازة، فقصده الناس من كل مكان للتبضع، وكان الأولاد والبنات يساعدونه في المتجر والبيت، وكان رضا أبيهم عن أدائهم يبعث الغبطة والرضا في نفوسهم، وكان فرحاً جداً بتطور أبنائه واتقانهم وإخلاصهم في العمل. كبر الأبناء والتحق خمسة منهم بالجامعات وتزوج أغلبهم. ذهب كل منهم إلى عمله وحياته. كان نجاح الأبناء مفخرة للأب.


=====================

لم يكن قد درس أكثر من السادس الابتدائي، وولد له أحفاد فكانوا أكبر ما يبعث السرور في قلبه. وحينما شب الأحفاد أخذهم الجد إلى محل عمله في بيته الصغير. كانوا فرحين سعداء مع بعضهم. وأخيراً تزوج الابن الأصغر الذي لم يناهز العامين عند وفاة أمه. بعد ذلك توفي الأب. كان رجلاً عصامياً سعيداً، قهر الحزن والخيبة رغم رحيل زوجته في وقت مبكر، وكلما تذكّر أنه استطاع ترتيب حياته كما ينبغي غمرته أمواج عارمة من السعادة .. إنه والدي .. وأنا الولد ذو الـ (16) عاماً. الأكبر في عائلة بسبعة أبناء".
إن هذا الرجل قد عمل بمبدأ: لا يأس مع الحياة و لا حياة مع اليأس.
و بقدر ما للمرح والتفاؤل من فوائد، فالحزن و المشاعر السلبية – من جهة أخرى- هي مشاعر محبطة ومثبطة للعزائم.


====================

و هناك طرائق أخرى تطبيقية تمكنك من التغلب على الإحباط و دحره يلخصها علماء النفس فيما يلي:
‏1 ـ اتباع طريقة التنفيس أو التهدئة الذاتية بأخذ شهيق عميق وزفير بطيء‏.‏
‏2‏ ـ تفريغ المشاكل بالفضفضة مع صديق أو إنسان مقرّب‏.‏
‏3‏ ـ البكاء إذا أحس الإنسان بالرغبة في ذلك دون مكابرة‏.‏
‏4‏- الخروج إلى الأماكن العامة المفتوحة‏.‏
‏5‏ ـ تدريب النفس على استيعاب المشاكل اليومية‏، باسترجاع التجارب المشابهة التي مرت به وتغلب عليها؛ فيثق في قدرته على تخطي الأزمة‏.‏
‏6‏ ـ تبسيط الضغوط النفسية‏، والثقة بأن أي مشكلة لها حل حتى وإن كان في وقت لاحق‏.‏
‏7‏ ـ ممارسة الهوايات‏؛ لأنها تنقل الشخص إلى حالة مزاجية أكثر سعادة‏.‏
‏8‏ ـ أن يترك الإنسان التفكير في مشاكله، ويحاول إسعاد الآخرين,‏ فيجد سعادته الغائبة وليس الإحباط‏.‏
‏9‏ ـ تذكر أن دوام الحال من المحال، والثقة بأن الوقت كفيل بإنهاء هذه الحالة‏.‏
‏10‏ ـ الاهتمام بالغذاء‏، والحرص على تناول البروتينات الحيوانية والنباتية وعسل النحل والقرفة‏؛ لأن ما تحتويه هذه الأغذية من أحماض أمينية يعتبر مضادات طبيعية للإحباط‏.
11 – قراءة كتاب الله والمداومة على الأذكار والاستعانة بالأدعية الطاردة للهموم والغموم.
وعليه، فلا مندوحة من جعل شعارك اليومي : حي على المرح، حي على النجاح