حيّكم الرحمن في صفحتي المتواضعة
أقدم لكـم هذهِ المجموعة القيّمة من فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله سائلةً الله أن ينفع بها
ثبوت الشهر برؤية الهلال أو إكمال العدة والعدد المطلوب في الشهود وحكم شهادة المرأة
السؤال :
بم يثبت دخول شهر رمضان وكيف يعرف الهلال؟
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
بعده: يثبت هلال رمضان بالرؤية عند جميع أهل العلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين))[1]، وفي اللفظ الآخر: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين))[2]، وفي اللفظ الآخر: ((فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً))[3].
والمقصود أنه يصام بالرؤية ويفطر بالرؤية، فإن لم ير وجب إكمال شعبان ثلاثين يوماً ثم يصومون، ويجب إكمال رمضان ثلاثين ثم يفطرون، إذا لم تحصل الرؤية، أما إذا ثبتت الرؤية فالحمد لله.
فالواجب أن يصوم المسلمون بالرؤية رؤية هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان ويصير شعبان ناقصاً ويصومون، وهكذا لو رأوا الهلال ليلة الثلاثين من رمضان أفطروا لتسع وعشرين، أما إذا لم يروا الهلال كملوا شعبان ثلاثين يوماً وكملوا رمضان ثلاثين؛ عملاً بالأحاديث: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة))، وهذا النص يعم شعبان ويعم رمضان، وفي اللفظ الآخر: ((فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين)).
والهلال يثبت بشاهد واحد في دخول رمضان، شاهد عدل عند جمهور أهل العلم ؛ لما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بالصيام))[4]، ولما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن أعرابياً شهد عنده بأنه رأى الهلال، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أتشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله)) قال: نعم، ((فأمر بالصيام))[5].
فالهلال إذا رآه عدل في الدخول وجب الصيام به، أما الخروج فلابد من شاهدين عدلين، وهكذا بقية الشهور لا تثبت إلا بشهادة عدلين ؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: ((فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا))[6]، وثبت عن الحارث بن حاطب رضي الله عنه أنه قال: ((عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما))[7].
والمقصود أن شهادة العدلين لابد منها في الخروج وفي جميع الشهور، أما رمضان في الدخول فيكتفى فيه بشهادة واحد عدل للحديثين السابقين.
واختلف العلماء في المرأة هل تقبل شهادتها في الدخول كالرجل؟ على قولين:
منهم من قبلها كما تقبل روايتها في الحديث الشريف إذا كانت ثقة. ومنهم من لم يقبلها، والأرجح عدم قبولها في هذا الباب؛ لأن هذا المقام مقام الرجال ومما يختص به الرجال، ويشاهده الرجال، ولأنهم أعلم بهذا الأمر وأعرف به.
كيف يصوم الناس إذا اختلفت المطالع؟
السؤال :
كيف يصوم الناس إذا اختلفت المطالع؟ وهل يلزم أهل البلاد البعيدة كأمريكا وأستراليا أن يصوموا على رؤية أهل المملكة لأنهم لا يتراءون الهلال؟
الجواب :
الصواب اعتماد الرؤية وعدم اعتبار اختلاف المطالع في ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باعتماد الرؤية ولم يفصل في ذلك، وذلك فيما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين))[1] متفق على صحته.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة))[2] والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
ولم يشر صلى الله عليه وسلم إلى اختلاف المطالع، وهو يعلم ذلك، وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أن لكل بلد رؤيته إذا اختلفت المطالع. واحتجوا بما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه لم يعمل برؤية أهل الشام، وكان في المدينة رضي الله عنه، وكان أهل الشام قد رأوا الهلال ليلة الجمعة وصاموا بذلك في عهد معاوية رضي الله عنه، أما أهل المدينة فلم يروه إلا ليلة السبت، فقال ابن عباس رضي الله عنهما لما أخبره كريب برؤية أهل الشام وصيامهم: ((نحن رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نراه أو نكمل العدة))[3].
واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) الحديث. وهذا قول له حظه من القوة، وقد رأى القول به أعضاء مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية جمعاً بين الأدلة. والله ولي التوفيق.
حكم الاعتماد على التقاويم في إثبات دخول الشهر
السؤال :
في بعض بلاد المسلمين يعمد الناس إلى الصيام دون اعتماد على رؤية الهلال وإنما يكتفون بالتقاويم فما حكم ذلك؟
الجواب :
قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يصوموا لرؤيته فإن غم عليهم أكملوا العدة ثلاثين، متفق عليه، وقال عليه الصلاة والسلام: ((إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا)) وخنس بإبهامه في الثالثة وقال: ((الشهر هكذا وهكذا وهكذا)) وأشار بأصابعه كلها[1]، يعني بذلك أن الشهر يكون تسعاً وعشرين ويكون ثلاثين.
وثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين))[2].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ولا تفطروا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة))[3].
والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وكلها تدل على وجوب العمل بالرؤية، أو إكمال العدة عند عدم الرؤية، كما تدل على أنه لا يجوز اعتماد الحساب في ذلك، وقد حكى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إجماع أهل العلم على أنه لا يجوز الاعتماد على الحساب في إثبات الأهلة. انتهى، وهو الحق الذي لا ريب فيه. والله ولي التوفيق.
لا يجوز صيام يوم الشك ولو كانت السماء غائمة
السؤال :
إذا كان في الجو سحاب أو غبار هل يجب أو يشرع صيام يوم الشك احتياطاً لاحتمال أن الشهر قد دخل؟
الجواب :
لا يجوز صيام يوم الشك ولو كانت السماء مغيمة، هذا هو الصواب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً))[1]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه))[2]. وأما ما يروى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يصوم يوم الثلاثين إذا كان غيماً، فهذا اجتهاد منه رضي الله عنه، والصواب خلافه وأن الواجب الإفطار، وابن عمر اجتهد في هذا المقام ولكن اجتهاده مخالف للسنة عفا الله عنه، والصواب أن المسلمين عليهم أن يفطروا يوم الثلاثين إذا لم ير الهلال ولو كان غيماً فإنه يجب الإفطار، ولا يجوز الصوم حتى يثبت الهلال أو يكمل الناس العدة، عدة شعبان ثلاثين يوماً، هذا هو الواجب على المسلمين. ولا يجوز أن يخالف النص لقول أحد من الناس لا قول ابن عمر ولا غيره؛ لأن النص مقدم على الجميع؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[3] ولقوله جل وعلا: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[4].
المفضلات