((بسم الله الرحمن الرحيم))
هذه قصة ولها كاتبة و أحببت عرضها لكم و أرجوا أن تعجبكم
و هي قصة كاتبة قطرية اسمها: دلال خليفة,
أترككم مع القصة و في انتظار ردودكم
ليت شعري هل تصلك هذه الرسالة يوماً؟ إنني أكتبها وقد أعلم أنها ربما لا تصلك
قريباً كما أتمنى , وأنها قد تستغرق في الوصول إليك قرناً من الزمان , أو يزيد , أو قد
تضل في الخضم العظيم فلا تصلك على الإطلاق , ولكن كلي رجاء أنها مهما ضللتها
الرياح ومهما سافرت بها الأمواج ومهما طال بها الزمان , فأما إن ضلت وغيبتها
الأمواج فستكون الدنيا قد أخذتني إلى الى النهاية , وأما إن وصلت , فسلام عليك تحمله الأمواج
عبر المياه الزرقاء وعبر رمال الشطئان , ومع أنسام البحر إليك , أما بعد
............فها أنت تقرأ هذه الرسالة , إذن فقد وصلتك رسالتي أخيراً , الحمد لله.
قد لا تدرك مدى سعادتي بوصول هذه الرسالة إليك لأنك لم تكن قط في كاني هذا,
هنا في هذه السفينة...إننا على ظهرها منذ سنين نكاد لا نعلم عددها ,وكنا سعداء وهي تشق بنا عباب البحر وتنتقل بنا من مكان إلى مكان ومن زمن إلى زمن لا يرافقنا إلا البحر بأمواجه التي ترتفع وتنخفض فتصدر أصواتاً ألفناها حتى نكاد لا نشعر بها , ولكن جاء هذا الزمن الذي أصبحنا فيه لا نطيق سفينتنا , ونتوق إلى فراقها وفراق البحر,ماحدث لا أستطيع أن أوصله إليك إلا من خلال سرد قصتنا مع هذه السفينة التي شهدت حياتها وشهدت حياتي ورأتني أشيخ بين ألواحها العتيقة.
نعم , لقد أصبحت بحاراً عجوزاً ولم أعد قادراً على أعمال الملاحة جميعها , لو رأيتني لرأيت بحاراً قديماً , أي رجلاً قد شاب سالفاه ولحيته بعد أن تحول رأسه إلى كتله رمادية , وقد لوحت الشمس وجهه وأكسبت جسده كله سمرة محمرة , ولرأيت ساعدي رجل غليظين أحرقت الشمس كثيراً من الشعر الذي يغطيها و أحالت ما تبقى منه إلى اللون الأحمر, بيد أن هذه الغلظة وعبث الشمس يشيران إلى ماض من العمل الشاق الدؤوب وليس إلى الحاضر, إذ أن قوة هذين الساعدين قد ضعفت أمام تغضن جلدهما وأمام العروق المتعرجة التي برزت من مواضعها إلى السطح فأقحمت آثار الشيخوخة على فتوتهما, وكذلك ضعف جسدي كله بوصول الستين, لذا فأنا أسترق لحظات أستريح فيها في هذا الركن البعيد حيث لا يراني أحد وأنا جالس في استرخاء أتأمل السماء, وأتأمل طيور البحر الجميلة التي تحلق فوق السفينة عندما تكون أقرب إلى البر فأشعر برفقتها البعدية, ولكن هذه الطيور اختفت منذ مدة طويلة إذ ابتعدنا كثيراً عن آخر الموانئ لابد أنك سمعت يوماً أصوات صيحاتها الحادة التي تأتي كهيئة الوصلات ثم تخفت ليتني أستطيع أن اعبر عن وقع تلك الصيحات على نفسي, لكم أحب هذه الطيور إذ تجعلني أخرج من جو السفينة وأحلق معها بعيني وفكري بعيداً حيث ترفرف أجنحتها, ولكن لنعد إلى قصتنا الآن.
الشيء الوحيد الذي لا أحبه في هذا الركن هو أن البحر أحياناً يرش عليّ رذاذاً دقيقاً فيصيب وجهي وملابسي وهذه الورقة التي أكتب عليها, ولكني أحاول حماية مدادها من هذه القطرات التي لا أعلم متى ستضربني بها الرياح, و مع ذلك فهذه الرياح لا تقارن بالعواصف الهائلة التي تهب أحياناً فترج السفينة رجاً و تجعلنا نصاب الرعب والهلع كما حدث في العام الماضي, وتلك العاصفة هي أول ماجعلني أفكر في اتخاذ الورق ملاذاً أكتب فيه رسالتي هذه إليك ولكني لم أفرغ لذلك إلا الآن, أعذرني, إن كنت أفرع الحديث بما يبتعد بك عن لب الموضوع فها شأن الشيوخ وشأني بعد أن تجاوزن الستين بقليل..و لنعد إلى حكايتنا..
أن العاصفة التي حدثت في العام الماضي لم تبدأ في العام الماضي, وإنما حملت بها الأيام بعد ان احتوت بذور سنين طويلة....أنصت قليلاً.
هل تسمع هذه الرياح القادمة من بعيد؟ إنها تملأ الجو الذي ملأته صيحات النوارس الحادة قبلها, إنها رياح تحمل أصوات بحرغاضب, غيظه ليس شديداً جداً ولكنه زفرة من زفرات مخبأ قد أعلم بدايته ولكني لا أعلم متى ينتهي تماماً, هل تسمعها؟
أنصت لزئيرها الرتيب وشبه المتواصل إذ تأتي من المناطق القصية, إنها ماتزال تأتي محملة برطوبة البحر وغموضه وصبره, نعم , فرغم كل شيء فهذا البحر صبور وإن تلاعبت بنا أمواجه أحياناً..
هاهي الرياح تهب لها صفير , هاهي تهب وترفرف لها أطراف الأشرعة المطوية أعلى رأسي , وهاهي أحرفي تكاد تفقد اتساقها أخذت السفينة تتأرجح تحتي تأرجحاً خفيفاً لا خوف منه, أعلم أنه لا خوف منه لأنني بحار قديم.
أعلم متى يتعين علينا أن نخاف من تأرجح السفينة, وأعلم أي تأرجح يجب أن نتخذ له احتياطاتنا ونقذف له بتلك القوارب المعلقة على جوانب سفينتنا العظيمة هذه, ولكن هذا التأرجح ليس كذلك, إنه تأرجح يهددني ويجعلني أشعر بالنعاس فقد أفلت الشمس منذ مدة وحان موعد نوم البحارة منذ قليل, إنني بحاجة إلى شيء من النوم لأستطيع أن أحكي حكايتي طالما ضحكت لبعض أحداثها ثم أشرفت على البكاء أو بكيت ثم أشرفت على الضحك, إنها حكاية لا أعلم بدايتها ولا كيف أنهيها, أنها حكاية بحار, وكما تعلم فالبحار حكاياته مختلفة, فالأمواج التي تؤرجح سفينته والخضم من تحته والسماء من فوقه لا بد أن يكون لها دور في الأحداث, وكيف لا يكون لموجة عاتية أو سماء صافية درو في حكاية بحار على ظهر سفينة؟ ما بالي؟
لقد رفعت يدي عن الورق لحظة وأخذت أفكر كيف ابدأ لك الحكاية ولكني لم اهتد إلى شيء صدقني لا اعرف كيف ابدأ, ولكن لا تقلق فسأبدأ قريباً, سأبدأ لا محالة...لأنني لا بد أن أوصلها إليك ولن تصل بلا بداية, وأيضاً لانني بحار لطالما صارع البحر العظيم, وكالما خاض الصعاب فكيف تستعصي عليّ حكاية, ولكنني يجب أن أرتب فكري وكلماتي , لذلك فلا بد ان استريح الليلة وأكمل لك هذه الرسالة غداً صباحاً سأبدأ الكتابة مع خيوط الفجر الأولى لا بد أن تصلك هذه الرسالة قبل أن تصل السفينة إلى نهاية رحلتها الغامضة.
المفضلات