الصفحة رقم 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
مشاهدة النتائج 1 الى 20 من 42
  1. #1

    غمزه الحب المجنون من روايات عبير

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اليوم يا بنات يا حلوين حبيت اني اشاركم بهاذي الرواية
    واهي أول رواية أحطها وأتمنى إنها تعجبكم
    يا لله نبتدي ...
    رواية عبير القديمه
    بعنوان (الحب المجنون)
    شخصيات الرواية
    بليندا برونسكي:فتاة أمريكية توفي والداها وأصبحت تحت
    وصاية ابن زوج أمها
    وولف ويكفيلد:نجم سينمائي صاعد
    هيكتور بليدسو:ابن زوج أم بليندا والوصي بها
    لوريث:مديرة منزل بليندا وهي ريفية فرنسية عجوز...
    ملخص الرواية:
    صرخت بليندا وهي تواجهه وقد أسندت ذراعيها على السطح
    اللامع للمكتب.
    - والآن عليك أن تشرح لي.
    - لا تصرخي عاليا فلربما اعتقدت ليديا أننا نتعارك
    - هذا ماسنفعله بالضبط يا وولف
    قال بصوت راض:
    - لازلت جميلة وأنت غاضبة وفي منتهى الفتنة والجاذبية.
    قالت بليندا وهي تضع كل دفاعاتها أمام صوته الناعم والذي
    تعرف تماما مدى خطورته:
    - سألقي بك من النافذة إذا لم تخبرني في الحال مامعنى كل هذا..
    إن الصحف حددت تاريخ الزواج..خلال خمسة عشرة يوما بالضبط.
    هل أنت الذي أصدرت هذا البيان إلى الصحافة؟
    اعترف بصوت هادئ:
    - نعم هو أنا... في الحقيقة سنتزوج ثم...
    [GLOW]69b3e83b56463e1c7a4483e6d833eb21[/GLOW]


  2. ...

  3. #2
    أنا لا اعترف بالحب
    ولاكن أعترف باحترام الذات و الاعجاب
    I feel the wings have broken in your hands
    I feel the words unspoken inside of me
    Somebody save me
    I need some one to stay with me

    attachment

  4. #3

    غمزه


    الفصل الأول:
    خريف 1977 كان المقهى الصغير منزويا في الجزء القديم من نيس ويتردد عليه أهل الحي فقط. ولا يرتاده السائحون وهو ما جذب وولف ويكفيلد إليه.
    كان كل شيء يسير بالعكس بالنسبة له من البداية للنهاية في ذلك اليوم. لكن الشراب وأدوار لعب الورق مع الصيادين في الناحية خففا من مرارته. لا أحد هنا يعرف أنه ممثل الفيلم الذي يجري تصويره في المنطقة.
    عندما غادر المقهى مع أصدقائه الجدد كان ذلك بعد إغلاقه, بعد سباب رئيس البوفيه لهم. كان رفقاء الشراب يسيرون بجواره وهو نفسه كان يترنح حتى سيارته.
    جلس وولف وذهنه غير صاف وراء عجلة قيادة السيارة الچاجوار التي استأجرها بسعر زهيد وكانت تستهلك وقودا ضخما وإن كانت مزودة بجهاز ستريو ومحرك قوي.
    خرج من المدينة بسرعة كبيرة ليصعد نحو التلال الخضراء حيث تقع وسطها الفيلا التي يسكنها. كان ينهب المنحنيات دون أن يهدئ من السرعة مما يزيد بهجته ونشوته من الشراب.
    بدت الحياة جميلة بالنسبة له في تللك اللحظة ونسي تقريبا متاعب ومضايقات النهار. من الأفضل أن يتمسك بالجوانب الإيجابية. لقد أصبح معروفا وانتهى الأمر بأن لاحظوا عمله وأصبحت أدواره منتقاة شيئا فشيئا وهناك من يدفع أجر إقامته في أوروبا التي كان دائما يعشقها.
    كان قد واصل دراساته في فرنسا و ألمانيا عندما كان يحس في أي مكان أنه في وطنه.
    ماذا يطلب أكثر من هذا؟
    ضغط بدال السرعة بشدة ودخل في ملف شديد الانحناء عندما سمع صريرا. تصور في البداية أن ذلك من وحي خياله. ولكن الأمر أصبح واقعا... وقف بالسيارة في الحال على جانب الطريق واستدار نحو الخيال الموجود على الأريكة الخلفية. لم يصدق عينيه: إنه يقل معه مسافرا خفيا. سمع صوتا يقول:
    - لا تتعب نفسك, على أية حال أنا التي تدحرجت من جانب لأخر وفي كل اتجاه بسبب قيادتك الهوجاء.
    قال وولف وهو مذهول ويتأمل الفتاة ذات الشعر الأسمر المحمر والعينين اللامعتين التي ظهرت أمامه:
    - قيادة هوجاء؟ ماذا تفعلين في سيارتي بحق الحق؟
    أجابت الشابة:
    - إنني أختفي. إنني مطاردة من الوصي بي إنه يدعي أنه يريد استرداد الأموال التي أدين بها لأمه وفي رأيي أنه يريد أكثر من هذا .
    - أليس لك عمل ؟
    - إنني أبحث عن عمل. إنني أحاول أن أظهر في بلاتوه تصوير فليم يجري تصويره في هذه المنطقة...هل تفهم ماذا أقصد؟
    رد عليها وولف وقد تجهم من تأثير الصداع الذي كاد يحطم رأسه.
    - أعتقد ذلك. هل يمكن أن تجلسي في المقعد الأمامي؟
    وهل يجب علي أن أنزلك في مكان ما؟
    دهش من نفسه لأنه تصرف بهذه الكياسة في حين كان من الواجب أن يغضب من هذا التطفل. عندما جلست الشابة على المقعد المجاور له,لاحظ ساقيها الطويلتين اللتين برزتا من الشورت القطني الذي ترتديه: أخذ وولف
    يسب ويلعن في نفسه.. إنها ليست سوى صبية صغيرة.
    أجابت على سؤاله:
    - لايهم أي مكان بشرط ألا يعثر بير علي ولا داعي لأن تنظر إلي بهذه الطريقة. سأدفع للوصية حالما أحصل على نقود ولكني لا أريد بأي حال من الأحوال أن يضربني ابنها
    سألها وولف بصوت مرهق:
    - كيف أتيت إلى فرنسا وليس معك نقود؟
    لم ينتبه إلى ردها لأن صداعه ازداد سوءا:
    -لقد ترك لي والدي وديعة صغيرة عند موته... إيه! هيا سر بطريقة
    هادئة فإنني لازلت صغيرة على الموت.
    - ماأسمك يا آنسة؟
    - بليندا برونسكي.
    - بليندا! إن هذا الاسم يبدو فريدا ويذكرني بالأسماء التي تستخدم
    في روايات جدتي.
    استاءت الفتاة وقالت:
    - أحقا ما تقول؟ أنا آسفة بالنسبة لك ولكنه اسمي الحقيقي ولم أخترعه.
    - هل كان والداك يكرهانك إلى هذه الدرجة؟
    -لاجدوى من أن تكون ساخرا وأنت الذي تقوم بالدور السيئ. لقد أحتسيت الشراب بشراهة وغدا سيتصلب فكك ولن يرتخي طوال النهار وهذا سيعلمك ألا تسخر من اسمي.
    - ولكني لا أسخر. إنه مثير للسخرية في حد ذاته.
    قالت بصوت بارد كالثلج وهي تستدير ناحية النافذة:
    - لطيف منك ما تقوله.
    ساد صمت ثقيل بينهما وبعد ثلاثة كيلو مترات من السير وقف وولف بين عمودين يحدان المدخل الصغير الملتوي وسط غابة الصنوبر ثم انطلق بالسيارة دون أن يهدئ السرعة. ما إن وصل إلى أعلى حتى وقف فجأة وسط مسطح من الحصى. قال:
    - ها نحن قد وصلنا. وإذا استطعت أن تظلي مختفية حتى لاتزعجيني فيمكنك استخدام أريكة الصالون وإلا فتصرفي بمعرفتك.
    قالت "بليندا" في تهكم:
    - هذا كرم كبير من جانبك.
    بدأ "وولف" الحديث وأعصابه مشدودة للغاية.
    - اسمعي... أنا...
    قاطعته في الحال:
    -لا بأس.. لا بأس. لن أقول شيئا.
    خرجا من السيارة. كانت الفيلا البيضاء التي يضيئها القمر أحسن مكان عرفته الشابة من شهور مضت. كانت تخشى دائما الوحدة هذا الرجل على الأقل أمريكي. ولا يبدو عليه مظهر السفاحين بل إنه فتى مليح. ثم إنها يجب أن تتجاوز عن مغازلته لأنه ليس في كامل وعيه.
    بدأت "بليندا" تضحك. وسألته:
    - هل تحب الشراب في الصباح؟ يمكنني أن أحضر لك منه من السوق من أجل الإفطار.
    زفر "وولف" وهو يمرر يده على جبهته.
    - لا. بالأخص الشراب. لدي إجازة غدا وأنوي أن أنام حتى المساء وإذا بقيت فأرجوك ألا تصدري أي ضجة.
    قالت الشابة بإلحاح وهو يدخل البيت دون أن يعيرها أدنى إلتفات:
    - ألا أستطيع على الأقل أن أحصل على غطاء؟
    لم تكن "بليندا" قد تركته قيد أنمله. قال وهو يلوح بيده في اتجاه غير محدد:
    - ماذا؟ آه نعم! في دولاب البهو.
    - هل يمكن أن تدلني عليه؟
    زمجر "وولف".
    - من الأفضل أن ألقي بك في البحر.
    ومع ذلك ذهب معها إلى البهو وقد تضاعف الصداع وأحس بأن نافوخه سينفجر. قالت "بليندا:
    - يجب عليك أن تكف عن الشراب.. ربما كانت لديك حساسية ضد الشراب المنعش.. إنك تبدو فعلا مريضا.
    - أنا قيادتي سيئة وأنا أبدو مريضا.. هل هناك شيء آخر تودين أن تنتقديه في؟
    سحب درجا في غضب وكان مملوءا بالأغطية المطوية.
    - هذه مجرد نصيحة ويمكنك أن تستشير طبيبا نفسيا حتى يمكن أن يرتب عقلك.
    - لا داعي لذلك فليس لدي عقل ثم تصبحين على خير ولا تقولي أي شيء آخر.
    عاد ناحية الدرج فقالت:
    - حسنا جدا. مادام هذا هو الذي تريده.
    توسل إليها وهو في منتصف الدرج:
    - اللعنة. أرجوك اخرسي!
    ردت عليه "بليندا" قبل أن يختفي.
    - أيها اللعين!
    لم يعرها "وولف" أدنى انتباه. وصل إلى حجرته وألقى ملابسه على الأرض وألقى بجسده على السرير ووجهه لأسفل. حيث استغرق في نوم عميق.

  5. #4

    استيقظ في الصباح عندما سقطت أشعة الشمس على وجهه وعلى صوت هدير محرك سيارته الچاجوار.
    زمجر وهو شبه تائه ونهض من السرير بصعوبة.
    - ولكن.. ماذا يجري؟
    ألقى نظرة على ساعته وعرف أن الساعة لم تتجاوز الثانية صباحا.
    من ياترى يحدث كل هذا الضجيج في هذه الساعة المبكرة؟ ترنح وهو يشعر بألام القرحة في معدته إلى أن وصل إلى النافذة الكبرى المطلة على الحديقة وصرخ:
    - مامعنى هذا؟
    كان نصف "بيلندا" مختفيا تحت غطاء محرك السيارة أمام البيت.
    قالت له وهي ترفع أنفها نحوه قبل أن تشير إلى محرك السيارة في سخرية:
    - ألا تعرف شيئا حقا سوى الصراخ؟ لقد خرجت ونظفت شمعات احتراق السيارة.ولآن أجرب الكاربوراتير. إنك حقا لا تعرف التعامل مع المحركات.
    وضع "وولف" رأسه بين كفيه وهو يسب ويلعن ثم عاد إلى سريره ليعاود النوم. ولكن الضجة طردت النوم من عينيه مرة آخرى. قضى نصف ساعة كاملا تحت الدش ثم قرر بعد ذلك الاستحمام. ولكن بعد أن يخنق تلك الفتاة ذات الاسم المضحك. على الأقل لو فعل ذلك لتخلص من آلام. قابل في البهو مديرة المنزل "لوريث" وقالت له بلهجتها الإنجليزية المشوبة بلهجة أهل الريف:
    - ياسيدي "وولف" إنني متوترة تماما من هذه الضجة وحاولت أن أفهم تلك الشابة ولكنها قالت لي:إنك لا تجد في ذلك أي إزعاج.
    - بالعكس أجدها أكثر من مزعجة ولكنها ليست غلطتك يا سيدة "لوريث". سأرحل للاستحمام بسيارتي الچب ولا تقولي هذا لتلك الفتاة الوباء.
    تسلل خارجا من الباب الخلفي المؤدي إلى الجراچ ما إن وضع قدميه في الخارج حتى قالت "بليندا":
    - صباح الخير. هل أنت ذاهب للاستحمام؟
    سأصحبك فقد انتهيت من السيارة "الچاجوار".
    نظر "وولف" إليها في ذهول وغيظ وقال:
    - ولكن مغطاة بالهباب من رأسك لقدميك.
    -طبعا بسبب "الچاجوار" والحمام سيزيل كل ذلك.
    - ولكن ليس عندك لباس البحر.
    - وماذا في ذلك؟ إنني سأستحم بالشورت.
    أحس بالدوار وهو يتخيلها تسبح بالشورت فقط. قال وهو ساهم:
    - ولكن الهباب سيلوث المقاعد في السيارة وهي ليست ملكي.
    قالت قبل أن تختفي في الجراچ لتخرج منه في الحال ومعها غطاء قماش مربعات كبير:
    - سأجلس على قطعة القماش.. هيا بنا.
    كان منوما مغناطيسيا من "بيلندا" وقدرتها على سيطرتها التامة على مجريات الأمور. ظل "وولف" في مكانه يتأملها دون كلمة. قالت له مقترحة.
    - هل تحب أن أتولى القيادة؟
    قال بعنف وهو يستيقظ من أحلامه ويجلس خلف عجلة القيادة:
    - لا
    انطلق والإطارات تصدر صريرا مزعجا وقفزت السيارة بعنف للأمام مما أعاد له الصداع. قالت بلا اكتراث.
    - أنت لا تقود هذه أفضل من الچاجوار.
    كز "وولف" على أسنانه دون أن يتكلم. تصور أن رأسه تضاعف حجمه وتترد فيه كل طنين الغابة.
    هبط بالسيارة إلى نهاية الممر حتى الطريق العام ثم اتجه نحو المرفأ. صاحت "بيلندا" وهو ينهب بأقصى سرعة طريق الرعاة.
    - خرافي! إنني أعشق السرعة.
    ألقى "وولف" نظرة مسرورة على راكبته وقال دون أن يكتم ضحكته:
    - أنت أكثر الفتيات إثارة للغيظ رأيتها في حياتي.
    احتجت قائلة:
    - كيف يمكن أن تقول هذا الكلام عني؟ إنني لم أفعل أي شي غريب معك.
    - آه! رائع.. والاختباء في سيارة رجل غريب في الثالثة صباحا.. ماذا تسمينه؟
    - حسنا.. ولكن الأمر يتعلق بغريب ثمل تماما ولكنك على حق واسمي هذا خليط من البؤس والجنون.
    لاحظت أن ذهنه صاف تماما ويتذكر كل ماحدث في الليلة الماضية ومع ذلك لم يستغل الفرصة. إنه يبدو مختلفا عن بقية الرجال. قال وهو يركن السيارة أمام سقيفة القوارب.
    - شكرا لاعترافك بذلك.
    كان مجرد رؤيته للبحر قد أعادت له قوته. كان البحر منعشا وهائجا يتوجه الزبد والأمواج التى تصطدم بالشاطئ. إنه وقت رائع لمارسة التزحلق بالشراع على الأمواج:
    - كوني حذرة وأنت تسبحين فقد تكون هناك تيارات ودوامات تحتية أما أنا فسأزاول رياضة التزحلق باللوح على الأمواج.
    قالت الشابة:
    - وأنا كذلك.
    - إنها ألواح كبيرة الحجم ولن تستطيعي التحكم فيها.
    - طبعا.. وهل تستطيع أنت؟
    ألقى عليها "وولف" نظرة غاضبة ثم دار نصف دورة حول السقيفة حيث أخذ لوحتين للتزحلق.
    قال لها وهو يأخذ لوحه تحت إبطه:
    - حظا سعيدا.
    وقفت "بليندا" معترضة طريقه للبحر.
    - إنك لم تقل لي: ما إسمك؟ ولا ماذا تفعل هنا؟
    فهل أن الأوان لتفعل؟ هل أنت صاحب المقهى أم وصيف في أحد الفنادق الكبرى؟
    - أنا ممثل واسمي "وولف ويكفيلد"
    قطبت الشابة حاجبيها:
    - أوه.. لقد سمعتهم يذكرون اسم "ويكفيلد" ولكنك لست نجما.. ربما كنت ممثلا ثانويا.
    قال "وولف" وهو يزيحها بيده ليتجه نحو الشاطئ:
    - وأنت صاحبة أطول لسان...
    توغل وهو يرتجف في سعادة في الماء البارد من تأثير الليل وسرعان ماحملته الأمواج. وقف فوق لوح التزحلق وفرد الشراع ثم ألتقى نظرة خلفه. لا حظ بصعوبة "بليندا" فوق الشاطئ تحمل الشراع الضخم على كتفها ثم سحبته هبة ريح إلى وسط الزبد.
    أخذ يصيح مسرورا وهو يصارع ليجد الوضع الأفضل بالنسبة للريح ثم زادت سرعته.
    في اللحظة التي تقوس ليدور للخلف فوجئ برؤية "بليندا" في طريقه.
    تساءل:كيف استطاعت أن تقود لوحا بهذا الحجم وبهذه السرعة؟
    إنها اتية نحوه. وأما "وولف" فكانت تحمله الرياح مباشرة إليها حاول بكل قوة أن يعكس الشراع ففقد توازنه وطار اللوح نحو السماء بينما غاص هو وسط البحر.
    طفا مرة ثانية فوق الماء المالحة التي كانت تلذع حلقه وتحرقه وأخذ يبحث عن اللوح الطائر. قالت "بليندا" بصوتها الضاحك:
    - لقد أمسكت به.. لقد قمت بدور تمثيلي رائع
    أجابها بصوت جاف:
    - شكرا.
    ودلو خنقها... استأنفت الشابة الحديث:
    - أستيقظ ياطرزان ... نحن نتعرض جميعا لهذه المواقف المضحكة ولكننا لانموت منها و...
    قطعت كلامها في الحال عندما رأت في عينيه ماينوي أن يفعله..
    حاولت أن تهدئه بصوت قلق:
    - أنتظر.. إنني أمزح.. لا.. لا تقترب.
    بينما كان يتقدم منها اجتاحها خوف رهيب وتذكرت المرة التي اختفى فيها أخوها غير الشقيق تحت الماء وزاد قلقلها.
    غطس "وولف" تحت اللوح في اللحظة التي حاولت فيها فرد شراعها لتهرب. وبرز فجأة من الناحية الأخرى من الموجة ليمسك بكاحلها, ثم ألقى بها بدورها وسط البحر في كومة من الزبد.
    - ظلت لحظات تتخبط ثم فقدت سيطرتها على أعصابها و أخذت تضرب الماء بذراعيها. رفعها فوق سطح الماء.. لقد أوشكت أن تغرق.
    اختفت سعادة "وولف" التي أحسها وهو يمسك بين يديه فتاة الليل الشرسة وهو يرى على وجهها علامات الرعب الحقيقي بدلا من الضحك. لقد كانت تختنق حقيقة ولا تستطيع أن تسترد أنفاسها. رفعها فوق سطح الماء وهو يدعوها لأن تهدأ وتسترد أنفاسها.
    - أنظري إلي يا"بليندا" أرجو المعذرة ..لم أكن أقصد أن أخيفك .. لقد كنت أقصد الضحك.. أنظري إلي!
    كان يمسك بها بين ذراعيه وقد بدا عليه الانفعال قالت وهي تنتحب:
    - دعني.. لابد أن أرحل.
    - مستحيل.. إنك ترتجفين.
    أمسك بأحد اللوحين العائمين وساعدها برقة لتصعد فوقه ثم سبح نحو اللوح الثاني. استغلت "بليندا" ذلك لتنهض وتمسك بالشراع وتوجهه نحو الريح لتقفز نحو الشاطئ. أحس "وولف" بالصدمة من الرعب الذي سببه وغضب من نفسه ثم انطللق وراءها فوق لوحه.
    وصلا الشاطئ في نفس اللحظة تقريبا. وجرى وراءها إلى أن واجهته فجأة وهي متنمرة وقد ضمت قبضتيها استعدادا للصراع.. قال لها:
    - خبريني ماذا جرى؟ هيا حدثيني.
    قالت بصوت قاس:
    - سأرحل.. ولا تقترب مني.
    رد "وولف":
    - بل سأقترب ولكنك لن ترحلي.
    تقدم "وولف" نحوها. بحثت بعينين زائغتين عن أي شيء حولها وكأنها حيوان محاصر. قال لها:
    - أبقي! إنني لم أرغب في أن أسبب لك ضررا وليس هناك سبب لأن تخافي مني.
    رأها أمامه ضعيفة ومذعورة لهذه الدرجة وقد أغرقت الدموع عينيها

  6. #5

    فأحس بعطف غير مفهوم. همس بصوت حنون وهو يأخذها بين ذراعيه كطفلة مذعورة:
    - كل شيء سيكون بخير الآن. لن يؤذيك أحد.
    لم تعد الشابة تستطيع أن تمنع نشيجها ونحيبها.
    واستسلمت فجأة والتصقت به. كان العقل يحثها على الهرب ولكن جسدها كله رفض أن يطيعها. قال:
    - لقد كان غباء من جانبي وأنا أعتذر تماما. لماذا أحسست بكل هذا الرعب؟ هيا صارحيني.
    تجنبت "بليندا" نظراته. إنها لن تحدثه عن "هيكتور" الذي تعتبره شبه شقيق لها. ولا عن أسرتها ولن تعترف له بمدى شعورها بالوحدة. لقد أحست بعجز تام عن الكلام أو الإجابة.
    - "بليندا" لو أقسمت لك أنني لن أضايقك.. فهل يمكن أن تبقي معي؟
    إنني أريد فقط أن أكون صديقك.
    ربت برقة كتفيها وظل يتكلم بصوت دافئ. لم تكن للكلمات أية أهمية ولكنها هدأتها وهذا هو المهم. أخيرا بدأت تحكي:
    - عندما كنت صغيرة كنت معتادة معاكسة شبه أخي وكان انتقامه يزداد كل مرة قسوة وفي سن الثانية عشرة كنا نلعب في البحيرة. ضغط رأسي تحت الماء أخذت أتخبط وانكسرت ذراعي.وقد استطاع "أورتون" أن يقنع زوجة أبي و أبي أن الأمر لم يكن سوى حادثة.
    قال "وولف" الذي ود في تلك اللحظة لو استطاع أن يقطع رقبة شبه أخيها:
    - ياله من قرار حكيم.
    تركته "بليندا" بلهجة حاسمة.
    - لا..لابد أن أعود.
    قال لها:
    - أرجوك أن تسامحيني.
    وافقت الشابة بهز رأسها وابتسمت ابتسامة حزينة ثم ابتعدت ببطء.
    فكرة أن الوقت حان لعودتها إلى الولايات المتحدة.إنها تستطيع دائما أن تتصل بمحاسبها "بروكس" لتحصل على قرض ولكنها تخاطر بأن يعثر عليها "هيكتور" صاح "وولف"
    - أرجوك ألا ترحلي.
    إنه لا يعرفها قبل أربع وعشرين ساعة ولكن العذاب الذي عاناه وهو يراها ترحل كان حقيقيا. قالت بصوت رقيق.
    - لن أرحل لأعاقبك ولكن الرحيل أفضل هكذا لابد أن أحصل على تذكرة سفر بالطائرة لأعود لوطني.
    أقترح عليها بحيوية:
    - دعينا نذهب في نزهة إلى القرية ولن نتكلم إذا رغبت في ذلك.
    وسنتأمل البحر والعصافير والسفن التي تدخل الميناء وتخرج منه.
    لم يسبق ل "وولف" أن توسل لأحد من قبل ولكنه أحس بالحاجة لذلك لأسبابه العديدة التي لا دخل لها بغريزته. أحس بالارتياح عندما وجدها توافق.
    - يجب أن تتخلصي من هذه الملابس المبتلة.
    الآن وقد وافقت فإن "وولف" لم يمنع نفسه من تأمل تفاصيل جسدها الرائعة. اقترح عليها أن ترتدي قمصانه الموجودة في السيارة الچب. قالت وقد أدركت في دهشة أن كل الخوف قد ذهب عنها:
    - ولكنه واسع جدا. ثم ماذا أرتدي تحته؟
    - آه.. واضح. ولكن القميص من القطن السميك وسيصل إلى ركبتيك و أعتقد أنه سيناسبك إلى أن تجف ملابسك.
    قالت بطريقة طبيعية للغاية:
    - لا بأس.
    قلبت ابتسامته قلبها رأسا على عقب. اجتاحته رغبة عارمة فقفز نحوها ولكنها تجنبته ببراعة ثم تبعها حتى السيارة وكأنه يسير على قشر بيض.
    تساءل:ماهذه الأهمية التي أصبحت هذه الفتاة عليها بالنسبة له؟
    أعطاها القميص وراقبها وهي تبتعد نحو سقيفة إصلاح القوارب في خطوات رشيقة متماوجة مثيرة.
    أحس بأنه لاشيء بالنسبة لها.. إن "بليندا" ساحرة رهيبة وطفلة مبهمة لا يستطيع أن يفهم أعماقها.
    بدل هو أيضا ملابسه خلف السيارة.
    استغرقا بضع دقائق ليصلا إلى القرية القريبة وابتاعا خبزا وسجقا جاهز الطهي من محل على الناصية.
    عادت ل"بليندا" روحها المرحة وضحكاتها الرنانة مما أصاب "وولف" بعدوى السعادة. وعند البقال اشتريا مفرشا وأطباقا وسلة ليضعا فيها طعام الرحلة بعد إضافة الزيتون وعصير الفواكه وزجاجة مياه معدنية.
    عادا إلى السيارة والتقت نظراتهما لحظات وتشابكت وهو يفتح لها باب السيارة.. سألها وهو يجلس خلف عجلة القيادة.
    - هل أنت جائعة؟
    زفرت "بليندا"
    - وعطشى.
    فكرت في صمت أنها أيضا سعيدة.
    لم يسبق ل"وولف" أن كان الناس يشاركونه متعته أم لا. ولكن فجأة أصبح ذلك أحد اهتماماته. ظل لا يعير اهتماما للصوت الداخلي الذي يكرر عليه أنه من غير المجدي إقامة علاقة مع "بليندا". إنها صغيرة للغاية وبرزت في حياته في اللحظة التي يجب عليه فيها أن يركز ويستثمر كل جهده في عمليه لينجح.
    غادر القرية وعاد إلى التلال. كانت قيادته بطيئة وعاقلة وعندما وصل إلى السهل كانت الفتاة قد استغرقت في النعاس. خطر ببال "وولف" أن الخوف المرعب الذي سببه لها شبه أخيها هو كابوس متكرر لم تتخلص منه بعد. إنه يريد من الآن فصاعدا أن يعرف عنها كل شيء حتى يستطيع أن يخترق تلك المنطقة المظلمة. مرت سحابة قلق على سعادته الحالية. هل نامت بما فيه الكفاية في الليلة الماضية؟ هل ينقصها شيء؟
    لابد أن يتعقل. كل شيء على مايرام. لقد رأى النتيجة على لوح التزحلق. إنها في حالة بدنية ممتازة. أحس بالاطمئنان وترك الأمور تجري في مجراها الطبيعي كما خلقت عاطفته الجديدة مجموعة من الأحاسيس من الحنان لم يعرفها في سنواته الأخيرة التي تركزت على طموحه ورغبته في النجاح. لقد غيرت "بليندا" من منظوره كثيرا. حتى الآن كان "وولف" راضيا وقانعا بارتباطه بأصدقائه. كان يعيش بمفرده ولنفسه ولم يهتم أبدا أن يربط مصيره بأي شخص قانعا بعلاقاته النسائية العبرة. كان قد فقد والديه وهو لايزال صغيرا فتعلم مبكرا جدا كيف يتأقلم مع وحدته.
    ولكن " بليندا" كانت في الحقيقة الشمس والراحة له. لقد كان من الضروري أن تظهر في حياته ليعرف أنها هي التي تنقصه.
    كانت الريح في المرتفعات تهب بشدة. فردا المفرش في حماية صخرة ووضعا طعام الغداء عليه. أخذا يمتصان رحيق الزيتون الأسود المغموس في الزيت وقد أسندا ظهريهما على الصخرة وهما يتأملان البحر تحتهما الذي امتد سطحه اللامع إلى ملا نهاية تحت أشعة الشمس الحارقة. همست "بليندا":
    - كم أحب ضجة السكون!
    سألها:
    - ماهي ضجة السكون؟
    -إنه السكون المليء بالأشياء: همس الريح وحركة النسيم على الأوراق وصيحة عصفور أو تغريد البلابل أو تساقط قطرات المطر فوق الصخور.
    كان "وولف" واقعا تحت تأثير سحرها. لقد أعطته "بليندا" بكلمات بسيطة حياة لصور كانت موجودة بداخله ولكنه كان يجهل وجودها في حياته التي بلغت ثماني وعشرين سنة.
    لقد أعطت طعما ورائحة وجمالا لهذا العالم الذي لم يهتم أبدا بأن يحس به.
    أخذا يتلذذان بتناول الفاكهة ويتحدثان ويثرثران بلا هدف. قلد "وولف" زقزقة العصافير وقلدت "بليندا" صوت قطرات المطر المتساقط على الصخور مما جعلهما ينطلقان في الضحك ثم غرقا في النوم وفي وقت واحد وكأنهما متفقان على لحظة معينة.
    عندما فتح "وولف" عينيه والتقتا بزرقة السماء أحس بشعور من الانسجام التام وهو نائم بجوارها.
    التقط ورقة شجرة ومررها على أنفها ليوقظها لم يسبق ل"بليندا" أن أحست بالهدوء والسكينة والكسل كما تحس الآن. أحس بأن حياتها لم تكن سوى سلسلة من العواصف الضارية منذ إصابة والديها بمرض قاتل أثناء رحلة صحراوية في إفريقيا. كانا قد أودعاها مدرسة داخلية حتى تتابع دراستها حيث وجدت فيها بعض الأمان. ولكن "هيكتور" بدأ يضايقها. لم يكن يكف عن أن يقول:لابد أن تتزوجه وتحتفظ له بميراثها قبل أن تنفقه.
    لم تكن تحبه أثناء حياة والديها ولكنها سرعان ما بدأت تكرهه كره العمى بعد أن زادت سماجته بعد موتهما.ومن وقتها لم تعد حياتها سوى سلسلة من الهرب المستمر والمجنون.كان "هيكتور" قد بدأ ييئس ولكنها كانت مقتنعة تماما أنه لن يكف عن محاولة تدميرها مالم تتمكن من قطع كل الجسور.ومن الآن فصاعدا لم تعد تثق بأحد وترفض الارتباط بأي شخص.ولكن "وولف" اكتشفت أنها في أمان واسترخاء. همست له:
    - إن هذه السحابة تشبه الخروف وتلك تشبه النعجة.
    رفع "وولف" ذراعه نحو سحابة ضخمة وقال معلقا:
    - وهذا حمار على اليسار.
    كان يحس بسعادة لاتصدق وهو بجوارها يتأمل السماء والسحاب المتفرق. كان يحس كأنه صبي صغير.
    - يلزمك نظارات معظمة ياسيد "ويكفيلد" إن تلك السحابة لا تشبه الحمار وإنما تشبه القطار.
    قال بإصرار وهو يشير إلى واحدة بطرف قدمه.
    - ليست هذه إنما تلك.
    بدآ يلعبان التخمين كما يفعل الأطفال ساعات وهم ينظرون إلى السحب وانهمك "وولف" في اللعبة بحماس حتى اضطرت في النهاية لتنبهه أنها مجرد لعبة.
    سألته وهي تستلقي على بطنها لتتأمله أفضل:
    - هل كنت محروما من اللعب في طفولتك؟
    - في الحقيقة كان لدي كل المال واللعب التي أستطيع اللعب بها. لقد كان والداي يحبانني كثيرا وكانت حياتنا كلها رفاهية وربما كنت أفتقد فقط تلك المسرات البسيطة الكافية لإسعاد الطفل. لقد كنا غالبا في رحلات وسفر دائم وكنت أكتشف_ بلا انقطاعات _حضارات مختلفة وطرقا معينة متنوعة.
    كان والداه يحبانه بطريقتهما وفي الحقيقة طريقة متقطعة تفرضها عليهما مسؤولياتهما نحو وطنهما. كان والداه دبلوماسيا وأمه تنحدر من أكثر العائلات البريطانية عراقة. وكانت السلطة هي الكلمة المسيطرة على وجودهم. ووجد "وولف" نفسه وحيدا نوعا ما. سألته "بليندا"
    - وهل رآك والداك وأنت تمثل من قبل
    - لقد مات والداي من مدة طويلة ولكنهما في الحقيقة شاهداني في دور أو اثنين.
    كان "وولف" يحس بأن والديه لم يوافقا- في نفسيهما-على مهنته.
    وكانا يأملان أن يصبح على شاكلتهما ولكنهما لم يحاولا أن يعارضا رغبته. لقد عرف "وولف" كثيرا من الناس وكان يحب بعضهم ولا يقبل البعض الآخر ولكن أحدا منهم لم يتجاوز قلعة أسراره. لم يستطع أحد أن يقترب من طبيعته إلى هذه الدرجة مثل "بليندا" رفع عينيه إلى السماء وأشار إلى سحابة:
    - أترين هذه؟ إنها أنت
    - لا
    قال بإصرار وعيناه تخترقان عينيها:
    - بل أنت.. هل أنت ساحرة يا "بليندا"
    - لقد اعتبروني أسوا من ذلك.
    لم يعرف "وولف" في أي لحظة بالضبط أمسك بيدها ورفعها ببساطة إلى شفتيه ثم قبلها ببطء.. كل أصبع على حدة.
    ردت عليه الشابة بابتسامتها الرائعة التي كان لها على قلبه تأثير الصاعقة والذي أخذ ينبض بشدة في صدره بينما يهتز كل كيانه بفرح صامت لا يختلط به شيء.

  7. #6
    **الفصل الثاني**


    قضى "وولف" و"بليندا" خمسة عشر يوما معا دون أن يتبادلا أي نوع من الأسرار الشخصية. في البداية لم يكن هناك ضرورة ملحة لأن يعرف كل منهما أسرار الآخر ولكن بعد ذلك ازدادت حاجته إلحاحا أن يعرف أكثر عن تلك التي تشغل تفكيره.
    كانت علاقتهما تقتصر على بعض الابتسامات والأحاديث الضاحكة تتخللها نظرات كلها هيام أو أن يرفع يدها ليقبل أناملها. ومع ذلك كان يحس أنه لم يسبق له أن اجتاحته هذه العاطفة الجياشة التي يحسها نحوها. ورغم أنه لم يكن يعرف الكثير عنها إلا أنها أصبحت جزءا لا يتجزأ من كيانه.
    كان عقل "وولف" دائما ينصحه أن يحتفظ بأسرار حياته لنفسه. على أية حال فقد تكون مدسوسة عليه أو إحدى الصحفيات الفضوليات من الصحافة التي تبحث عن الفضائح وتستطيع أن تهدم كيانه وشهرته التي لاتزال هشة. ولكنه كره صوت العقل الذي ينصحه بالحذر والحيطة. إنه سعيد واستطاعت "بليندا" أن تخرجه من حياته الخاصة بأن قدمت له الأمل والسكينة.
    كان "وولف" في مهنته يحاول دائما أن يكون مستعدا عندما يحين وقت التصوير. وكان يعمل دائما على إتقان تمثيل دوره مقدما حتى يصل إلى تحقيق هدفه من أول محاولة لتصوير المشهد. وكان يصل به هذا الاهتمام حتى وقت الغداء الذي كان يستغله لدراسة وتأمل الدور والتدريب عليه. وكان هذا يؤدي إلى كسب الوقت مما يتيح له الفرصة أن ينتهي بأسرع وقت ليعود إلى "بليندا" قبل غروب الشمس.
    كانا يخرجا في القارب وقت احمرار الشمس قبل الغروب ويتأملان الشمس وهي تختفي خلف الأفق وفي كل مرة يعود فيها إلى الفيلا كان يخشى أن تكون قد رحلت وسرعان ما يشعر بالارتياح التام عندما يجدها لم تفعل شيئا.
    عاد في ذلك اليوم ولديه نفس الخوف وعندما دخل البيت التقى ب"لوريث" سألها في الحال:
    - أين هي؟
    أجابت المرأة بطريقتها الصريحة"
    - وأين ستكون في غير الحديقة؟ لقد استطاعت أن تحولها إلى جنة خضراوات.
    - أنت تعشقين الخضراوات يا"لوريث" وأنا كذلك.
    - تماما كما تقول و الأكثر من ذلك أنني تغلبت على بائع القرية.. إنه لص حقيقي وصدقني في هذا.
    لم يعد يصغي "وولف" إلى شكوى المرأة من مساوئ بائع الخضراوات في القرية وذهب إلى الحديقة حيث وجد "بليندا" وقد تحولت بشرتها إلى اللون البرنزي.
    - يجب أن تنتبهي لضربات الشمس يا"بليندا".
    قالت الشابة بمرح:
    - لقد حدث بالفعل.. كيف مر نهارك؟
    نظر حوله ووجد أن "بليندا" قد حولت الحديقة المهملة إلى جنة حقيقية قال لها:
    - - لا داعي لأن تتعبي نفسك إلى هذا الحد.
    - إنك لم تحدثني عن نهارك؟
    -نهاري؟ لقد عملنا بصعوبة وقد كررنا المشهد الأول خمس عشرة مرة. أما المشهد الثاني فقد هزمنا ولم ننجح في تصويره.
    كانت فكرته عن مهنته يعتبرها سرا نادرا ما يشرك أحدا فيه. ولكن مع "بليندا" كان يحس بالحاجة لأن يقص عليها كل التفاصيل والأحلام والأهداف وهذا شيء جديد حدث في حياته.
    - والآن حان دورك أن تقصي علي أيتها الفلاحة الجميلة.
    قالت الشابة وهي تمسح بيدها كل الحديقة.
    - كما ترى.. غدا سأبذر التقاوي في الجانب الأيسر لزراعة الطماطم والبصل.
    كانت "بليندا" تتمتع بوجوده بجوارها إلى أقصى حد وكانت تشعر بالحزن عند رحيله في الصباح لدرجة الدموع سألها "وولف":
    -ماذا تفعلين في الولايات المتحدة؟ الأعمال البستانية؟
    رأى في عينيها تحذيرا جعله يندم على سؤاله.فقال:
    - ما رأيك في أن نذهب للاستحمام؟
    قالت الشابة وهي منهمكة في فحص نفسها لتداري اضطرابها:
    -إنني قذرة لدرجة رهيبة.
    إن البحر سيغسلنا وأمامك بالضبط خمس دقائق.
    استدار وهو يدعو أن تنسى سؤاله ولكنه رأها تسابقه في الجري نحو البهو وهي تصيح:
    - آخر سيارة على وشك الرحيل.
    انطلق "وولف" خلفها وهو يطلق صيحة الحرب:
    أحضر كل منهما المنشفة وارتدى لباس البحر في حجرته وفي وقت قياسي كانت "بليندا" تنهب الدرج ولكن "وولف" امتطى الدرابزين وانزلق بسرعة إلى البهو كالصاروخ.
    احتجت وهي تراه يسبقها بمسافة:
    - أيها الغشاش.
    وصل إلى السيارة قبلها وجلس خلف عجلة القيادة وهو يبتسم في وقاحة قالت وهي تميل على بابه:
    - لقد كدت أقضم أنفك!
    قال لها بصوت عميق:
    - أنا تحت أمرك في أي لحظة.
    دارت أمام السيارة لتأخذ مكانها بجواره. انطلق "وولف" في الحال ليقطع الممر نحو الطريق. لقد سيطرت عليه مشاعر مختلفة من خوف ودهشة وانجذاب. بينما ظلت "بليندا" تنظر في عناد أمامها خلال الزجاج الأمامي. كانت فوضى تجوس داخلها وصراع أفكارها المتضاربة يجري داخل عقلها. إنها تحب هذا الرجل. إن عقلها يكرهه ويرفضه وليس هناك حل وسط. عندما وقفت السيارة عند المرفأ قفزت نحوه. جرى "وولف" خلفها وهو يناديها وقالت وهي تنظر إليه:
    - سأذهب للسباحة.
    تركت حقيبتها وملابسها مكومة دون ترتيب عند قدميها وجرت فوق الرمال الساخنة لتلقي بنفسها إلى المياه و"وولف" في أعقابها. عاما طويلا جنبا إلى جنب إلى أن استلقت "بليندا" على ظهرها لتستقر فوق سطح الماء قالت وهي تتنفس بسهولة:
    - إنه لذيذ.. لقد دخل طين الحديقة داخل جلدي.
    - إنك تبذلين جهدا أكثر من اللازم. استأجري أحدا!
    - حتى يؤدي العمل بلا كفاءة وأضطر لإصلاح ما أفسده؟
    غطست في أعماق الماء وتبعها "وولف" إلى الأعماق الملوثة. قال لها عنما ظهرا فوق السطح:
    - ألا يمكن أن تسمعيني دقيقة يا "بليندا"؟ أقسم لك أنني لم أحاول أن أقبلك.
    - الأمر ليس كما تظن. بل إنني أود ذلك ولكن الموضوع كان أسرع من استعدادي ويمكننا أن نكون أفضل لو صبرنا.
    - وأنا كذلك.
    - إذن هيا بنا.
    عاكسها "وولف":
    - لست سوى طفلة.
    - أنت مخدوع. اثنان من زملائي في الكلية تزوجا هذا العام صمتت وهي تتذكر يوم الزواج. كانت قد كرهت "هيكتور" بسبب الفضيحة الشائنة التي سببها في حفل الزواج. كان إلحاحه على عودتها معه بعد الحفل قد تجاوز الحدود وفي تلك الليلة قررت الرحيل إلى أوروبا. همس لها "وولف"
    - هيا صارحيني!
    - ليس للأمر أي أهمية على أية حال لقد تركت دراستي.
    - يجب أن تعودي إلى العمل مرة أخرى يا "بليندا" وتكملي دبلومك.
    - هذا قول سهل عليك أنت يامن انتهيت من كل شيء.
    اعترض:
    - إن بعض ذكريات الدراسة تشكل جزءا رائعا من حياتي. هل سبب لك صديق صغير كل هذه المتاعب؟
    صاحت وابتلعت جرعة من الماء المالح أحرقت حلقها.
    - ماذا؟ لايمكن لأي صديق صغير أن يسبب لي أي متاعب.
    - بل هذا هو الذي يحدد الداء.
    - اسمع يا "وولف"! إذا كنت تبحث عن سبب لمضايقتي فإنني سأقول لك وداعا.
    أرادت الشابة أن تهرب ولكنه حاصرها. قالت له:
    - إنني امرأة في التاسعة عشرة من عمري رضيت أم لا.
    انطلق "وولف" في الضحك.
    - هأنا قد نجحت أخيرا.
    أحس "وولف" بأن كل دفاعاته تنهار واختفى كل شيء من حياته من سيناريو الفيلم والتصوير والمستقبل ولم يبق سوى "بليندا".
    أخذ "وولف" يتأمل عينيها المبللتين ذواتي اللون الأزرق الشفاف ونسي العالم كله. لم يسبق ل"وولف" أن أحس بهذا الشعور الحاد المتسلط. وعندما عادا إلى السيارة سألته بغتة:
    - لماذا تتجنب النظر إلى يا "وولف".
    أجاب:
    - أنت تشعلين النار داخلي. وليس هناك أي شيء يربطك بي. يمكنك الرحيل في الحال كما يمكنك أن تظلي عندي أطول وقت ترغبينه. ولن أمارس أي ضغط عليك أو أؤثر قيك. هل فهمت؟
    إنني أريدك يا "بليندا" ولكني أريدك حرة وهادئة.
    لم تجب الشابة. لقد تدخلت صورة "هيكتور" الرهيبة بينهما كستارة بينها وبين الحياة. قال "وولف":
    - ألا زلت لا ترغبين في الإفصاح عما تكتمينه عني؟
    كانت أخص خصوصيات المرأة يحترمها بعمق ولكنه أحس بسطوة الشكوك والرغبة في معرفة الشابة كانت أكبر من أي شيء. دست الشابة وجهها في فراغ كتفه. وأجابت وهي تهمس برقة في أذنه والعاطفة الشديدة في حبها تجتاحه بفظاعة:
    - ليس بعد.
    أجابها:
    - لا تكفي أن تظلي كما أنت.. إنك رائعة على ما أنت عليه الآن. هيا نعود ولاشك أن "لوريث" رحلت بعد أن تركت ما نأكله على العشاء.
    - هل سنكون بمفردنا؟
    - نعم.
    - هذا يناسبك على مايبدو.. قل لي: هل هذه ابتسامة التي أراها على شفتيك؟
    - نعم بالضبط أيتها الشيطانة الصغيرة. إنها ابتسامة.
    وقف "وولف" بالسيارة أمام الفيلا وهبط ليفتح لها الباب بحركة دبلوماسية راقية. أحس بالدماء تغلي في عروقه وهي تنظر إليه بنظراتها الساحرة وحاول أن يسيطر على نفسه. قال لها:
    - "بليندا" أعتقد أنك ساحرة..لايمكن لأي مخلوق بشري أن يمتلك تلك القدرة.
    ضجت الشابة من الضحك ودخلا المنزل معا:
    قالت له مقترحة:
    - يمكن أن تأخذ حماما ساخنا.
    - نعم إن كلا منا في حاجة إليه لينعشنا بعد مجهود النهار: ما هذا..؟ إنك ترتجفين.
    لاتظن أنني أرتجف لأنني أخافك يا"وولف" ولكن لأنني أحبك حبا شديدا.
    انحنى أمامها وقال:
    - وأنل كذلك يا حياتي.
    أخذت رأسه بين يديها وهمست:
    - إنني أحس بأن قلبي يدق حتى يوشك أن ينفجر وأحذرك لو أصبت بأزمة قلبية فسأجرك أمام المحاكم.
    - يا إلهي! إنني أوشك أن أنهار في مكاني. كيف استطعت أن تجعليني أشعر بهذه السعادة وتجعليني أضحك إلى هذه الدرجة.
    - ربما كان أجدادي يعملون مهرجين في السيرك.
    - حقا؟ قصي علي ذلك.

  8. #7

    هزت "بليندا" رأسها وهي ساهمة تفكر.
    كيف يمكنها أن تحكيله عن شبه أخ لها كل همه في الحياة أن يقودها إلى الجنون؟ وأن ذلك المخلوق يرعبها بكل الوسائل؟ لقد حاولت بكل الطرق أن تتجنب "هيكتور". ولكنها استردت شجاعتها من لقائها بـ"وولف" وأحست من الآن بانها قادرة على مواجهته حتى تحصل على حقوقها.
    ولكن كل ذلك بدأ لها كقصة قديمة عفا عليها الدهر وتود لو تطوي صفحاتها خاصة في وجود "وولف" بالقرب منها. قال لها وهو يربت ذراعها:
    - هل ممكن أن تعيريني انتباهك ثانية؟
    قالت وهي تخرج من تأملاتها:
    - ليس هناك أسهل من ذلك لأنك تشغل تفكيري ليل نهار على أية حال.
    أحس برغبة شديدة في أن تصارحه بما يشغلها.
    - "بليندا" ربما كان يفيدك كثيرا لو صارحتني بما يثقل على قلبك بهذه الدرجة القاسية.
    أجابت الفتاة:
    - كنت أفعل ذلك لو كانت له أي أهمية. ولكن لايوجود شيء مزعج وأن جزءا كبيرا مما أحسه من متاعب هو من خيالي ثم إن الوقت ليس مناسبا. ولا حتى المكان.. أليس كذلك؟
    فكرت أن الجميل في الموضوع هو أن تعترف ل"وولف" أن هروبها من الولايات المتحدة إنما كان هربا من مطاردة "هيكتور" الغزلية لها. إن "هيكتور" يطالبها دائما بالمال الوفير ويلح على الزواج بها. إن الربيع السنوي الذي تتلقاه لايكفي شخصين كما أن "هيكتور" يريد أن يضع يده على قيمة وثيقة التأمين ولكنها لن تسمح له أبدا بذلك. إنها محتاجة إليها جدا في يوم ما لتبدأ حياتها من جديد.
    ربتت خده وهي تطرد "هيكتور" من أفكارها إنه هو الذي يهمها الآن وهي تود لو تصرخ معلنة حبها الأبدي له. سألها هامسا:
    - هل هذه أول مرة تحبين فيها يا"بليندا"
    احتجت:
    وهل هذا سؤال توجهه لي يا"وولف"؟ ألا يخبرك قلبك بالحقيقة؟
    أنت أول حب في حياتي. لأنك أول رجل لمسني واستولى على قلبي.
    أخذ يضحك وهو يشعر بالارتياح. ود في هذه اللحظة لون أن روحيهما انصهرتا في روح واحدة. إنها تمثل له النقاء والبراءة على عكس كل علاقاته السابقة التي كانت تشوبها المصلحة والتي لم تستمر طويلا. همست:
    - "وولف"!
    - ماذا!
    - هل تحبني حقا؟
    - أوه.. كثيرا.. جدا.
    رفع عينيه نحوها واستطاع أن يقرأ فيهما كل العاطفة الجياشة وقال:
    - أريد أن تكون علاقتنا ممتازة لايشوبها أي شيء.
    - إنني لا أشعر بأي خوف لأول مرة في حياتي. لم يعد يعني شيئا بعد الآن حتى لو أذيتني.
    - لن أسبب لك أي أذى ياحبيبتي وكيف أسبب ألما لنفسي فأنت روحي.
    - عدني ألا تتركني أبدا.
    - ليست لدي أية نية أن أفعل ذلك وأنت هل تعدينني أن تظلي بجواري يا "بليندا"؟
    كان ينتظر ردها وكأن بهجة الحياة كلها تعتمد عليه. ردت عليه "بليندا":
    - كم من الوقت ستحتفظ بي؟
    - أطول وقت تريدينه. ولكني أولا أريد منك أن تستأنفي دراستك ولكن يجب أن يتم ذلك وأنت معي. ما رأيك في هذا؟
    قالت وقد أحمر وجهها من السعادة:
    - لا أريد أن أتركك أبدا. ولكن ربما يصيبك الملل من تلك القروية التي هي أنا والتي تقضي معها وقتك في حين أنك تستطيع أن تتمتع بصحبة النجمات الفاتنات.
    - إن ما يربطنا ونتشارك فيه هو الشيء الوحيد الذي له قيمة في حياتي والذي لايمكن أن يحل محله أي شيء كان. وأريد أن يستمر ذلك للأبد. من المؤكد طبعا أنني سأقابل فتيات فاتنات وذكيات بحكم طبيعة عملي وقد أمثل أمامهن أدوار العاشق والفارس الغازي الذي لايشق له غبار. ولكن ستظلين يا "بليندا" في روحي وفي قلبي.
    ربما كان الوقت مبكرا على التمادي في علاقتهما إلى هذه الدرجة ولم يمر سوى أيام قليلة على تعارفهما ولكن قناعته وعاطفته كانتا تغطيان على حرصه.
    قالت الشابة وهي تزفر.
    - إنني لا أستطيع أن أصدق أننا نستطيع أن ننطق كل هذه الكلمات العاطفية.. إن الأمر يبدو وكأننا كشفنا الغطاء عن عالم آخر. عالم خاص بنا.
    همس "وولف":
    - أنا أحبك.
    - وأنا أحبك أيضا.. وقد حدث ذلك بكل بساطة. لم أكن لأصدق أبدا أنني أستطيع أن أحب أحدا إلا إذا عرفته مدة مائة سنة على الأقل.
    - سنتعلم كيف يعرف كل منا الآخر بدون استعجال ونتمتع بكل اكتشاف نحققه عن نفسينا.
    - يا إلهي! يا "وولف". أنت رجل خارق سوبرمان لم أكن لأعرف أن هناك رجلا له مثل تأثيرك السريع.
    انطلقت في الضحك السعيد المرح.
    - أصارحك القول... هذه أول مرة أقع صريع الحب بهذه السرعة..ربما لأنه حب صادق.
    لقد اجتاحتهما عاطفة الحب كالإعصار نظر إليها في وله وهيام وهمس:
    - إنني لم أحس من قبل بمثل هذه اللحظات.
    عندما اضطر "وولف" للرحيل في الصباح للعمل همست في أذنه:
    - عد سريعا.
    استلزم الأمر كل إرادته حتى ينتزع نفسه من أمامها ويصعد السيارة لينطلق بها مبتعدا.
    نهاية الفصل الثاني...

  9. #8
    هاي اسفه اذا كنت حاقول انه هاذي اسوا روايه لعبير انا قريتهاdead

  10. #9
    من جد انا اسفه وان شاء الله اكون لكي افضل صديقه اوكيgooood

  11. #10
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة فشارة مشاهدة المشاركة
    من جد انا اسفه وان شاء الله اكون لكي افضل صديقه اوكيgooood
    هههههههههههه ولا يهمك فشاره بالنسبه للصداقه انشاء الله نكون اصحابgooood smile

  12. #11
    -الفصل الثالث-




    تمر الأسابيع و"وولف" يزداد دهشة من السعادة التي يحسها كل يوم.
    وكلما فكر في "بليندا" كان يتساءل أحيانا:
    إن كانت ستتغير في يوم ما عواطفها نحوه؟ إنها صغيرة وليست لديها تجارب كثيرة في الحياة. وغالبا ما يحدث تغير عند أي شابة تبلغ سن العشرين وهو ما كان يقلقه وهو نفسه يقترب من الثلاثين.
    نسيت "بليندا" شبه شقيقها ومتاعب الماضي. ولأول مرة في حياتها تفكر الشابة في إيجاد أصول لها وتقيم علاقات عائلية. كان "وولف" يملأ أيامها وكان يمثل كل شيء بالنسبة لها. وعندما يحدث لها أن تفكر في أنه قد يمل منها ويتحول إلى امرأة أخرى كانت تصارع مخاوفها وتحاول إلى امرأة أخرى كانت تصارع مخاوفها وتحاول أن تطردها من أفكارها.
    لقد أقام كلاهما اتحادهما ببطء على أساس الفرحة وكانت شخصيتاهما تندمجان معا قليلا قليلا وبطريقة كاملة على أساس الحب. كانا يسبحان ويركبان القوارب ويقومان بنزهات طويلة دون أن يترك إي منهما الآخر. وبناء على إلحاح "وولف" المستمر اتصلت "بليندا" بجامعة لوس أنچيلوس" التي قلبت أوراق قيدها المدرسية.
    ومن ناحيته كان "وولف" راضيا عن التصوير وكان مخرج الفيلم مسرورا من عمله وإن كان يستعجل الانتهاء من النص الذي كان مزدحما. كان يتخيل المستقبل عندما يعود هو و"بليندا" إلى كاليفورنيا. وأثناء قيامه بتمثيل وتصوير فيلم آخر تكون "بليندا" قد انتهت من الدبلوم وتبدأ حياتها المهنية دون أن يستبعد من ذلك كونها ستصبح أما وزوجة.
    أما بالنسبة ل"بليندا" فقد كانت كل أيام الآحاد تتابع نشاطها البستاني وتقضي معظم الوقت مع "لوريث" حتى تستطيع أن تتقن لغتها الفرنسية استعدادا للدراسة في الجامعة. قالت الريفية الطيبة في يوم ما:
    - أنت أكثر إشراقا من الوردة يا آنسة وأحب أن أسمعك وأنت تغنين. كانت الحياة جميلة ومرحة ولم تتصور "بليندا" أبدا أن أي ظل يمكن أن يشوب هذه اللوحة جميلة. ومع ذلك في مساء يوم مابعد أن انتهى "وولف" من تصوير آخر مشاهد الفيلم كان رجلان في انتظاره في مخرج الاستوديو. أعلن الأول وهو رجل قصير وبدين في الثلاثينات من عمره وأصلع.
    - اسمي "هيكتور بليدسو" وأنا الوصي الشرعي ل"بليندا برونسكي" وهذا هو السيد ديزموند محامي. أنت تحاول أن تسلب مني أختي الغالية يا سيد " ويكفيلد" أضاف السيد "ديزموند" وهو يناوله ورقة أخرجها من حافظته.
    - وهذا أمر رسمي وسليم.
    قرأ "وولف" المستند بسرعة وهو يفكر بسرعة. هذه إذن النقطة السوداء في حياة "بليندا"؟ وتساءل.
    الماذا اسم المدعو "هيكتور" بدا مألوفا لديه؟
    قال موجها الكلام إلى المحامي:
    - أنا في انتظار تفسيراتك.
    تدخل "بليدسو":
    - إن القانون يحمي الأشخاص أمثال "بليندا". وأنتم أيها الممثلون تعتقدون أنكم فوق القانون ولكنك مخطئ تماما.
    أجاب "وولف" في هدوء وهو ينظر لمحدثه العدواني:
    - لم أفكر أبدا في ذلك.
    تساءل "وولف": ما الذي يبحث عنه بالضبط؟ إن غريزته تحذره أن ذلك المخلوق لم يأت إلى هنا إلا للأضرار بها سأله فجأة مما جعل المدعو "هيكتور" يجفل:
    - ماذا تريد؟
    - إن السيد "بليدسو" يريد أن يقول...
    قاطعه "بليدسو".
    - أنا كبير بما يكفي أن أعبر عما أريد بمفردي. إن هذا الأمر يعني ببساطة أن تترك أختي في حالها.
    قرأ "وولف" المستند مرة ثانية بسرعة. قال بصوت منخفض وإن كان باردا كالثلج:
    - إذا ما قرأت هذا المستند بعناية فإنني أفهم أن "بليندا" هي شبه أخت لك يا "بليدسو".
    رد الثاني بوقاحة:
    - لايهم. إنك لن ترى "بليندا" بعد اليوم. وكما هو مكتوب في وصية زوج أمي فهي تحت وصايتي و...
    قاطعه "وولف" بجفاء:
    - أريد نسخة من هذا المستند من أجل محامي أنا أيضا ومن وجهة نظري فإن جدلك القانوني لا يساوي شيئا يا سيد "بليدسو".
    ألأقى في وجهه الورقة باحتقار بينما بدأت عينا السيد "ديزموند" تدوران في محجريهما, صاح "بليدسو" وهو يوشك أن يختنق:
    - لا تحاول أن تخدعني واترك أختي في حالها بعيدة عن حركاتك ولا مجال لأن تجعلها عشيقتك و...
    لم تتح له فرصة إتمام جملته. فقد تلقى قبضة "وولف" بصوت منخفض:
    - نصيحة مفيدة يا "بليدسو" لا تقل هذه الكلمة أبدا عن "بليندا".
    نبح التعس كالكلب وهو يقف بصعوبة:
    - سأشكوك أمام القضاء.
    ***
    قص "وولف" كل شيء على "بليندا" في المشاء. قالت معلقة بلهجة المنكوبة:
    - هذه هي طريقة "هيكتور" وتابعه "ديزموند" لقد طارداني حتى هنا ليعيداني إلى نيويورك بالقوة ورغما عني ولكني لن أذهب أبدا.. أنا أحبك يا "وولف"
    ألقت بنفسها بين ذراعيه فقال لها:
    - وأنا أيضا أحبك ياحمامتي الصغيرة.
    - إذن تزوجني ولن يستطيع "هيكتور" أن يفعل شيئا.
    - آه لو علمت كم أرغب في ذلك يا عزيزتي! بل إنني فكرت في الأيام الأخيرة ولكنك لازلت صغيرة.
    انفجرت الفضيحة في صحافة الفضائح في إنجلترا وفرنسا وعرفت "بليندا" أن مستقبل "وولف" المهني يتعرض للخطر وربما ستقضي عليه نهائيا. أما هو فلم يكن مع رأيها وأخذ يطمئنها.
    تذكرت الشابة كل أحاديثهما حول أدواره وعن خياراته وأماله. لم يكن "وولف" ليعيش إلا من أجل مهنته. وكانت تشاهد البريق الجياش الذي يضيء عينيه عندما يتناقشان عن فنه. لم يكن هناك ما يبرر أن يتعرض كل هذا للخطر بسبب حياته الخاصة ولكن الجمهور والوسط السينمائي كانا هوائيين ولا أمان لهما. فيمكن أن يرفعا هذا النجم إلى السماء و الشهرة في يوم في الصباح ويخسفان به الأرض في مساء نفس اليوم. كانت تغلي وهي تفكر في كل الاحتمالات.
    كانت كل طبعة أسوأ من السابقة مما زاد كربها وكان من هذه التعليقات:
    النجم الصاعد"وولف ويكفيلد" في السينما الأمريكية يخدع فتاة قاصرة ليجعل منها "لوليتا" في الواقع.
    قالت "بليندا" ل"وولف" بعد أسبوع من النشر المتكرر.
    - لست مثل " لوليتا" الفتاة المراهقة التي أحبت كهلا فأنا أدفع فواتيري بنفسي ولست قاصرة فلماذا لا يقولون هذا أيضا؟
    دست وجهها في صدره يائسة.قال يطمئنها:
    - اهدئي.. هذه الإشاعة ستموت من نفسها وأنا واثق بذلك وسنكون في الولايات المتحدة بعد أيام وكل شيء سينسى.
    ردت في أمل:
    - الحق معك.. لنرحل بأسرع مايمكن.
    أحست وهي معه بالأمان والحماية من عالم جارح به أمثال "هيكتور" ومناوراته الدنيئة. إن "وولف" يحبها وهي تحبه أيضا وسيتزوجان وستصبح أجمل حياة في العالم. ولاشيء يمكن أن ينزع منها حب "وولف".. عدا الزيارة التي. لم يراع ذلك البائس أصول الأدب وهو يقول لها من بين أسنانه:
    - أتظنين حقا أنك تستطيعين أن تعيشي إلى مالا نهاية بدون شعور بالمسؤولية؟ إنك لن تلمسي ميراثك إلا بعد سنتين كما تنص وصية والديك على ذلك. وبصفتي الوصي يمكنني أن ألجا إلى المحكمة لتجبرك على أن تكفي عن التشرد وأن تعودي إلى البيت.
    - في كل مرة تفتح فيها فمك الكريه يا "هيكتور" تتحدث عن المال. لقد حاولت دائما أن تسرق مني ميراثي ولكنك لن تحصل عليه أبدا. أما بالنسبة لأموال التأمين وبقية ميراثي فإنها بعيدة عن مخالبك.
    كانت تتلذذ وهي تقول له ذلك قال "هيكتور":
    - إذا كنت قد اتصلت بـ"بروكسي" فإن ذلك لم يكن إلا من أجل أن أطلب منه قرضا ليغطي استثمار أود أن أعمله من أجلنا أنا وأنت لأنك لم تنسي طبعا أنك ستتزوجينني.
    قالت الشابة بصوت حاد كالسياط:
    - لا أريد الزواج ولا الاستثمار ولا أي شيء وأرفض المناقشة في ذلك وأنا كبيرة بما يكفي , أنا أعرف ما أريد وأعرف كيف أحصل عليه سأبقى مع "وولف".
    سألها "هيكتور" بنظرة تهديد:
    - هل ستدمرين مهنته؟
    - هذا غير صحيح تماما. ولقد قال لي ذلك بنفسه:
    - حقا؟ إنهم يشيعون أنه فقد الدور الرئيسي في فيلم "الحب المجنون" وأنهم اختاروا ممثلا آخر لدور "أوراجان" ألا تعرفين ذلك؟
    - أنت تكذب.
    - لا. على الإطلاق. اتصلي بوكيل أعماله إذا أردت أن تعرفي. أو الأفضل اقرئي آخر الأخبار في هذه المجلة الإيطالية. إن صديقك ينهار يا صغيرتي المسكينة.
    رغم أنها لم تستطع أن تترجم - بالضبط – التعليقات باللغة الإيطالية. فإن الشابة استطاعت أن تفهم ما يؤكد كلام "هيكتور". وفي نفس المساء أطلعت "وولف" على المجلة التي تركها شبه أخيها في نهاية زيارته, ولكن "وولف" هز كتفيه بلا اكتراث و ألقى بالمجلة في سلة المهملات.
    - إن هذه الأدوار يسعى إليها ممثلون آخرون موهوبون يا "بليندا" أشخاص يريدونها و يعلمون جادين للحصول عليها. نحن جميعا نتنافس على الأفلام ولهذا السبب فسخت هذه العقود ولا صلة لذلك بمجلات الفضائح.
    كان كل ما تتمناه "بليندا" هو أن تصدقه ولكن كلمات "هيكتور" أخذت تطارد فكرها. وكذلك عندما وقعت يدها على صحيفة أمريكية مرغت في الوحل سمعة "وولف" وعمله. طلبت شبه أخيها في التليفون وعلق "هيكتور" في النهاية قائلا في لهجة أبوية:
    - الحق معك إذا رغبت في الخروج أخيرا من هذا المأزق الذي لاحل له.
    - أبعد عن هذا كله يا "هيكتور" ولا أريد بأي حال من الأحوال أن أجدك في طريقي.
    - ولكن...
    - لقد سمعتني جيدا وسأتحول إليك إذا اقتضى الأمر ولكن لن أدع لك فرصة النجاة.. وداعا للأبد.
    عاملت "بليندا" "وولفر" في تلك الليلة بمنتهى الحنان قال لها دون أن يخفي فرحته:
    - إنني أعبد هذا.. إنني أحبك إلى مالانهاية.
    ردت عليه بصوت خفيض مشوب بالجدية:
    - سأكون لك للأبد.
    طار "وولف" على جناحي العاطفة الجياشة. وفي الصباح عندما حان وقت رحيل "وولف" لآخر تسجيل صوتي أحس بأنه موضع حمى عاطفية من جانبها فزادت سعادته ونظر إلى عينيها بعمق:
    - سنرحل إلى "كاليفورنيا" بعد يومين يا عزيزتي وهناك سيكون كل الوقت لنا بمفردنا.
    - إلى اللقاء يا "وولف" وتمتع بنهار سعيد.
    تساءل: ما هذه التحية الفاترة؟ راقبته وهو يبتعد بالسيارة, تسلحت بكل شجاعتها وكتبت كلمة موجهة إلى "وولف" وتركتها على الوسادة. ودون أن تودع "لوريث" انتظرتها حتى رحلت إلى السوق لتترك بدورها الفيلا واستأجرت دراجة لتهبط إلى القرية. ومن هناك قفزت داخل أتوبيس نقلها إلى مطار "نيس".
    اشترت الشابة تذكرة لم تستعملها وقبل أن تدخل دورة المياه أخفت شعرها تحت القبعة وارتدت چينزا حائل اللون وقميص قطن وبدت في مظهر الصبي حيث ذهبت إلى محطة سكك حديد المدينة.
    ما إن وقفت أمام شباك التذاكر حتى حجزت تذكرة للأكسبريس الذاهب إلى "باريس" تحت اسم مستعار لرجل.
    نهاية الفصل الثالث....

  13. #12

  14. #13

  15. #14
    -الفصل الرابع-
    حلت بشائر الخريف محل الصيف. كان هواء "مانهاتن" يشوبه بعض البرودة وإن كان لطيفا نسبيا. سار "وولف" على قدميه حتى نهاية الشارع السابع نحو مطعم "جرينوتش" حيث حدد له وكيل أعماله موعدا.
    إنه سيتأخر قليلا على إفطار العمل المحدد له هذا الصباح ولكن الهواء المنعش طرد ما كان يشعر به من اعتلال في المزاج أثناء الليل.
    بعد أن قضى ليلة في قراءة نص. كانت صورة "بليندا" لا تزال تتردد على أحلامه كما يحدث باستمرار منذ عشر سنوات لم يرها فيها. حمد الله أن ذلك بدأ يحدث أقل فاقل وكان دائما يحس بالتمزق خاصة في اللحظات التي سيقابل فيها ممولي أي فلم جديد سيلعب بطولته. كان وكيل أعماله يذرع الرصيف ذهابا وإيابا عندما ظهر "وولف" على مرأى من المطعم. قال بمرح:
    - مرحبا يا "وليام"
    أجاب الأخير وهو ينظر إليه في لوم:
    - إنني أنتظرك من ساعات! لقد غير الممولون مكان الموعد ويجب أن نقابلهم في مكاتبهم.
    قال "وولف" بغيظ:
    - وماذا أيضا ؟ من يظن هؤلاء أنفسهم ؟
    رد "وليام" وهو يسحبه نحو سيارته التي تقف بعيدا:
    - لا تبالغ في الأمر.
    - أنت تعلم جيدا أنني لا أحب أن تجرني يمينا ويسارا. اعتمد علي وسأقول لهم ذلك.
    فضل "وليام" ألا يرد. وأنزلهما السائق أمام أحد المباني التي ترتفع نحو السماء وتلمع من الزجاج والصلب.
    علق" وليام" وهما يعبران البهو نحو المصاعد:
    - إنهم يشغلون الطوابق الثلاثة الأخيرة.
    أحس بأن "وولف" متردد وقد بدا عليه الغضب فقال:
    - أسمع! أعرف تماما أنك مشدود الأعصاب جدا:
    و أنت تحاول موازنة تكاليف الفيلم ولكن لقاء اليوم هو أفضل العروض المتاحة وعلى أية حال أنت الذي طلبت مني ترتيب هذا اللقاء.
    زفر "وولف".
    - هذا صحيح.. هيا بنا.
    خلال دقائق نقلهما المصعد إلى إدارة شركة "ليندا" العالمية لمستحضرات التجميل‘ أعطى "وولف" اسمه - وهو لا يزال عصبيا - إلى فتاة الاستقبال التي أوشكت أن يغشى عليها عندما رأته أمامها ثم تماسكت لتذهب كي تفتح بابا مزدوجا معلقا عليه لافته: الإدارة.
    صاح "وليام" وهو يتقدم "وولف" نحو امرأة بدا ظلها واضحا ضد الشمس التي نفذت أشعتها من النافذة التي بطول الجدار خلف الكتب:
    - آه هاهي ذي! " لندا" أقدم لك "وولف ويكفيلد"
    "وولف"! أقدم لك "ليندا" من شركة "ليندا" العالمية لمستحضرات التجميل.
    ابتعدت السيدة من أمام النافذة واستطاع "وولف" أن يتعرف عليها أخيرا: "بليندا" ! أصيب با لشلل أو أصبح كمن أصابته صاعقة. كانت تشغل فكره من سنوات وظن أنه مصاب با لهلوسة.
    سأل "وليام" في قلق :
    - "وولف" ! هل كل شيء على مايرام ؟
    أجاب الأخير بعد أن أرسلت له المرأة ابتسامة هادئة:
    - كل شيء على مايرام.
    كانت "بليندا" تنتظر لقاءه. منذ اليوم الذي تركته فيه. كانت تتابع أخباره في مهنته وتكتب له مئات الخطابات التي لم ترسلها إليه أبدا. ورغم أنها كانت قد أعدت نفسها لهذه اللحظة إلا أنها فوجئت بالانقباض الشديد بداخلها عندما رأته وعندما نظر إليها. لقد أحتفظ "وولف" بكل قوته وسحره.
    أحست بالعرق يبلل بشرتها وأن قلبها يتضخم وبذلت "بليندا" كل مافي وسعها حتى تتمالك نفسها.
    همس "وليام" بينما نظراته الدهشة تنتقل بينهما:
    - قل أي شيء يا "وولف" !
    قالت "بليندا" وهي تبتسم ابتسامة حاولت أن تكون ابتسامة سيدة الأعمال:
    - نعم.. قل أي شيء.. لقد مر وقت طويل.. أليس كذلك؟
    صاح "وليام" متسائلا :
    - هل يعرف كل منكما الآخر؟
    قال "وولف" بصوت مشوب بالتهكم اللاذع :
    - أنا والآنسة "بليندا برونسكي" تعارفنا من سنوات عندما كانت لاتزال... طفلة.
    إنه لايصدق عينيه ولكنها فعلا أمامه تلك الفتاة الصغيرة الوباء التي قابلها في "نيس" وقد تحولت إلى هذه المخلوقة الرائعة الناعمة كالحرير والراقية.
    أجابت السيدة:
    - الإنسان لايكون طفلا في سن التاسعة عشرة يا "وولف" ثم إنني من الآن فصاعدا اسمي "ليندا".
    أحست بأنها تتطوح. لقد صعقها "وولف" منذ لحظة دخوله ولكنها كانت واثقة بأن ذلك نفس ما حدث له. لقد أصبح مفتونا. غرست "بليندا" أظافرها في راحة يدها لتحافظ على مظهرها. قالت وهي تشير إلى باب موجهة الحديث إلى "وليام" :
    - سنجتمع في القاعة المجاورة.
    فتح "وليام" الباب وتركهما بمفردهما. ساد صمت أخذ كل منهما أثناءه يتأمل الآخر وكأنهما مصارعان على وشك الاشتباك. همست "بليندا" أخيرا:
    - كيف حالك يا "وولف" ؟
    لقد بدأ أمامها أكثر لمعانا من قبل وفي منتهى الملاحة والقوة.. تلك القوة التي لدى الفهد ولكنه متحكم فيها رد عليها وهو يكتشف فيها تلك الرقة التي احتفظ بذكراها من عشر سنوات:
    - في أحسن حال في العالم.
    كانت "بليندا" لازالت تحتفظ بوجه الصبية المليحة ولكن بدلا من الضحك والمرح وعدم الاكتراث والبساطة حل نوع من التباعد والتحفظ. ولكن "بليندا" ظلت كما هي فاتنة وشديدة الجمال. ولكن هل اختفت رقتها السابقة لتحل محلها الجدية والسلوك الهجومي؟
    - إذن أنت تملكين شركة "ليندا" الدولية لمستحضرات التجميل؟

  16. #15
    - نعم..أنا بمفردي ودون شبه أخي وهذا هو المهم.
    - وكيف وصلت إلى هذا؟
    أجابت بابتسامة أظهرت غمازتيها مما جعل "وولف" يكتوي بنار الذكريات.
    - بقوة الإصرار والعزيمة..ومرحبا بك إذن في الإدارة العامة لشركتنا.
    - ويالها من إدارة عامة! بصراحة لقد تأثرت كثيرا أعتقد أن هذا هو هدف تغيير مكان اللقاء؟
    أخذ يتأملها بوقاحة من رأسها لأخمص قدميها وهو راض داخليا عندما لاحظ احمرار وجهها أمام عملية الفحص. قالت المرأة وهي متوترة من وقاحته:
    - نحن نعمل دائما على التأثير على عملائنا. على أية حال فأنت ستعمل معنا..أليس كذلك ؟
    - ليست لدي أي فكرة ‘ إنني سأوقع معك يا "بليندا". ولماذا اهتمامك بفيلمي ريح الجنوب؟
    قالت بجفاء:
    - إن شركتنا معروف عنها دقتها في اختيار مواد استثماراتها.
    أجاب "وولف" دون أن يتخلى عن تهكمه الساخر:
    - هذا أفضل. إنني أقدر دائما الجبابرة.
    في هذه الحالة سنؤدي عملا طيبا معا..لننضم إلى الآخرين الآن إذا سمحت.
    سار "وولف" خطوة بخطوة معها إلى صالة الاجتماعات وكان فستانها الحريري يحدد تفاصيل جسدها بينما ارتجفت "بليندا" وهي تحس بنظراته المركزة عليها.
    تمت عملية التعارف في قاعة الاجتماعات بسرعة بين المحامين. وعندما استعدت الشابة للجلوس على رأس المائدة أحست بأنفاسه في عنقها والذي سحب مقعدا لتجلس عليه.
    بدأ الجميع يتناولون الإفطار وهم يتحدثون عن العمل. التهم "وولف" فطيرتي كرواسان وثلاثة أقداح من القهوة بغير سكر وهو يجيب على الأسئلة التي طرحت عليه. ولكنه وإن بدا أنه يراقب الجميع إلا أن نظره كان مركزا على "بليندا" ‘ التي تعمدت أن توجه الحديث للجميع سواه. وبعد ساعتين انقضى اجتماع العمل.
    بينما كل واحد ينهض ليرحل بعد المصافحة المعتادة ظل الاثنان جالسين وجها لوجه وعيونهما تتلاقى. تقدم "وليام" من "وولف" مترددا وقال مقترحا:
    - أتحب أن أوصلك إلى مكان ما ؟
    - لا..شكرا..أفضل أن أتمشى فالهواء طلق ويفيدني.
    ترك "وليام" القاعة وأصبحا بمفردهما. نهض "وولف" ليصفق الباب بعنف ثم عاد ليجلس في مواجهة "بليندا". ساد صمت ثقيل عدة ثوان ثم ضرب المائدة فجأة بقبضته. وصاح:
    - لماذا ؟
    كانت "بليندا" تعرف بالضبط ماذا يعني.
    - لقد كنت موضع هجوم من جميع الجهات من صحافة الفضائح وكنت تعلم كل الضرر الذي يمكن أن تسببه. لقد كنت قد بدأت لتوك مهنتك التي كانت لا تزال هشة ويمكن أن تهشمها خبطة واحدة للأبد. وفي نفس الوقت شبه أخي كان يهددنا باتخاذ الإجراءات الجنائية القاسية وكنت في حاجة إلى الدراسة العملية التي تؤهلني أن أحصل على حريتي من قبضته. أشياء كثيرة كانت قائمة بيننا ‘ يا"وولف".
    نظرت إليه نظرتها الصافية والجريئة. بعد كل هذه السنوات التي قضتها في تجميع كل صورة عنه و مشاهدة كل أفلامه تجد نفسها أخيرا أمامه وتحس بنوع من الدوار. رد "وولف" بصوت منخفض:
    - فهمت ! إنك لم تفكري لحظة واحدة في أن بإمكاني الحفاظ على مهنتي وتخليصك من شبه أخيك والعناية بدراستك؟
    كان يتميز غضبا ‘ كيف أمكنها أن تحطم هكذا حكايتها من نفسها وبطريقة ديكتاتورية؟
    صاحت "بليندا" وهي تتوتر بدورها من مسلكه المتسلط:
    - كل هذا ليس من شأنك ومن ناحية آخر فإنك كنت ستخسر أكثر مني في هذا الموضوع.
    قال بلهجة مريرة:
    - ولقد خسرت الكثير.
    همهمت الشابة:
    - وأنا كذلك.
    أخذ كل منهما يحيط الآخر بنظراته بكل الآلم والأسى اللذين تجمعا على مر السنين. ووسط ذبذبة السكون المحيط بهما كانت لكل كلمة تنطق تأثير المتفجرات.
    - أما وقد حدث ما حدث فقد ربحت كل شيء مثلك.
    قال "وولف" معلقا وهو يضم قبضتيه:
    - دائما لديك الرد حاضر ‘ أليس كذلك ؟ كان من الواجب أن نتخذ هذا القرار معا وباتخاذه بمفردك تخليت عني ولم تستشيريني..هل وضعت هذا في الاعتبار ؟
    لقد حصل كل منا على حياة جديدة.
    ترك "وولف" نظراته تتأملها كلها. إن تلك الصبية الممشوقة القوام التي كانت في يوم ما قد حلت محلها امرأة راقية ذات جسم فارع متناسق ومغر وأحس بموجة من الرغبة الشديدة في أن يحتويها بين ذراعيه فجأة. قال "وولف":
    لقد مضى الوقت الذي كنت أجعلك تذوبين أمام نظراتي ولم يبق اليوم سوى تمثال من الرخام.
    ردت الشابة وهي تحاول تجاهل الوخز الذي أحسته داخل قلبها:
    - لقد قطعت مشوارا طويلا كما قلت لك.
    أدركت أنه هو لم يتغير فيه شيء بزوايا وجهه الرجولي والتي زادت حدة ونضجا. إن "وولف" ساحر للنساء لاشك فيه. زادت سرعة نبضات قلب "بليندا" .
    قال بسخرية وهو يدور حول نفسه ليثبت لها أنه يستطيع أن يقرأ تفاصيل أفكارها:
    - ما أريك؟
    - رأيي هو رأي امرأة تستحق لقب امرأة. لست سوى محطم للقلوب. كانت تحاول أن تستخدم اللهجة المرحة التي تعرف تأثيرها وإن كانت هذه المرة غير متأكدة. عندما استعدت لمواجهته نسيت "بليندا" أنه قادر على شفط كل الهواء في المكان وتركها تختنق من الرغبة.
    أضافت بطريقة مثيرة ومتحدية لترمي الكرة في ملعبه:
    - ثم إن وجهك أحسن وسيلة دعاية لأعمال شركتنا.
    - هذا صحيح..لقد نسيت أن هذا هو الهدف من عقدنا.
    لمح "وولف" في عينيها ومضة شك هاربة. أحست الشابة يدور حولها كسمكة القرش التي تنتظر اللحظة المناسبة لتوجيه الضربة القاتلة. سألها:
    - هكذا إذن واصلت مهنتك؟
    هزت رأسها موافقة ببطء وكان "وولف" يحتوي غضبه بصعوبة. لقد اصطادته بسنارتها كسمكة صغيرة بعد أن ظلت تراقبه يوما بعد يوم وسنة بعد سنة بينما هو تائه كالأعمى يبحث عنها. قال بصوت أجش:
    - أين كنت ؟
    - في باريس. لقد قيدت اسمي بجامعة "السوربون" في البداية عشت في منزل صغير في شارع "ريف جوش" ثم عثرت على عمل كخادمة فندق. كل ذلك تحت هوية "ليندا بينيت" وهو اسم أمي وهي فتاة. بل صبغت شعري.
    - ماذا ؟ كل هذا التنكر حتى لا أستطيع العثور عليك؟
    همست وهي تخفض عينيها:
    - نعم.
    زمجر "وولف" بصوت تأنيب :
    - لقد بحثت عنك في كل مدن أوروبا بما فيها "باريس" بل إنني قابلت شبه أخيك ولكن بدا أنه ل لا يعرف مكانك.
    لم يجد داعيا لأن يذكر لها أنه حطم وجه "هيكتور" عندما قابلته وتركه شبه ميت . أضاف قائلا :
    - ألم يكن من الممكن على الأقل أن تتصلي بي ؟
    - لقد اتصلت بك من ست أو سبع سنوات وكنت تصور أول فيلم لك في" باريس" عندما تحولت إلى مخرج وتركت رسالة في فندقك ولكنك لم ترد علي أبدا . ربما لم ينقلوها لك . على أية حال لقد أردت أن نكون على قدم المساواة في اليوم الذي نلتقي فيه .
    - ونحن على قدم المساواة الآن .. أليس هذا ماتريد ين قوله ؟
    اعترفت الشابة :
    - لقد كانت هذه أعز أمنياتي .. هل يمكن فقط أن تفهمني ؟
    رد "وولف" بحدة .
    - إنني أفهمك جيدا . لقد تصورت اللوحة وقد وضعتني في مكان محدد فيها ويجب علي الآن أن التزم بهدوء بخططك .
    كانت مجرد فكرة أنها تلاعبت به بهذه الطريقة تجعله يتحرق شوقا أن يوجه قبضته إلى الجدار . اضطربت "بليندا" من هذا الغضب الأسود المختفي تحت ابتسامة بريئة .
    بدأت حديثها :
    - يجب يا " وولف" أن ...
    ولكنه أشاح بوجهه إلى الناحية الأخرى من المائدة وقد تكوم كالفهد المستعد للهجوم .. قاطعها :
    - نعم .. أنت تحملين كل علامات النجاح . الثوب والحذاء الغالي الثمن من الماركات العالمية واللآلئ والمجوهرات لقد أحسنت لعب دورك ودفنت فتاة الشوارع.

  17. #16
    ردت عليه في تحد:
    - رائع! واعلم أنني في أي لحظة كنت أستحق أن أصل إلى هذا عن جدارة. وأنت نفسك لم تعد ذلك الممثل الشاب المتعطش للمجد الذي عرفته سابقا.
    لم تكن "بليندا" لتعرف عنه شيئا سوى ما تنشره عنه الجرائد عن ذوقه ومتعه. ولكنها لم تكن لتعرف شيئا لا عن أسرته ولا عن ماضيه.
    والوقت القصير الذي عاشا فيه معا قضياه في الحب واليوم هاهو واقف أمامها فقد اكتشفت رجلا مختلفا تماما .هل اختفى "وولف" الذي كان ملكها ؟
    رأت حاجبه يرتفع قليلا أوحى إليها أن لديه فكرة ما لايمكن أن تخدعها ذكرياتها ولكن لايهم إلى أين يقودها الأمر إلا يقودها الأمر إلا أن العاصفة بدأت تبتعد.
    قال وهو يدور على عقبيه ويصفق الباب وراءه:
    - إلى اللقاء يا "بليندا" .
    ظلت الشابة ساهمة تفكر وهي تائهة وسط الصمت والسكون ثم ذهبت إلى مكتبها وحاولت التركيز على عملها.
    تركت العمل في منتصف النهار وأخطرت سكرتيرتها أنها ستذهب لتناول الغداء رغم أنها فقدت شهيتها.
    عندما خرجت "بليندا" إلى الشارع توجهت إلى المنتزه القريب و أخذت تتجول بين المشاة دون أن تراهم وقد غرقت في أفكارها التي تقودها بلا انقطاع نحو "وولف".
    كان جو الخارج قد حسن من حالتها وعندما وصلت إلى جانب المنتزه أبطأت خطواتها ووقفت تحت أشعة الشمس أمام بائع سجق ساخن. قال صوت خلفها:
    - لو سمحت....
    استدارت "بليندا" كان "وولف" واقفا خلفها وهو يمدلها سندوتش سجق ساخن كان ممسكابه في يده.
    سألته في شك:
    - هل تبعتني ؟
    - طبعا.. هيا نعثر على أريكة لنجلس عليها.
    جلسا في دائرة من مقاعد الرخام وأخذا يأكلان في صمت ثم ناولها "وولف" بعد ذلك علبة عصير برتقال ثم سألها: إن كانت ترغب في القهوة ؟ أجابته:
    - لا...شكرا..إن عصير البرتقال يكفيني.
    ساد صمت من جديد أنهته "بليندا" عندما قالت:
    - حسنا ! أعتقد أن علي أن أذهب.
    قال "وولف" وهو يلقي العلب و الأوراق في سلة المهملات:
    - سأصحبك حتى مكتبك .
    أخذ ذراعها في يده بطريقة طبيعية للغاية وقال في الحال وهو يرغب في ألا يتركها تنساب من بين أصابعه دون أن يفهم سبب النيران التي تشعلها داخله:
    - هل يمكن أن أدعوك للعشاء هذا المساء ؟
    أجابت "بليندا" :
    - الأحرى أنني أنا التي تدعوك إلى بيتي . أنا متأكدة أنك ستعشق طهيي .. أتدري أنني اصطدت " لوريث " وأحضرتها معي هنا في نيويورك ؟
    كانت تتكلم بسرعة حتى تستطيع أن تستحضر اللحظات السعيدة من لقائهما وحبهما الأول . قال مذهولا :
    - لوريث ؟ ولكن لماذا ؟
    - ولم لا ؟
    فكر "وولف" أن يكون الجنون بعينه على مائدتها !
    وهي التي كانت تتصور دائما أن يكون العثور عليها بطريقة ودية وهادئة ومؤدبة . وهاهي الآن تهدم كل الخطوات التي أعدتها في هدوء قال "وولف" وهو يقترب منها أكثر حتى اصطدم بها دون قصد وهما يسيران:
    - موافق سنتعشى عندك في المرة القادمة . قولي لي :
    ألا تحسين بصعوبة وألم وأنت تسيرين بهذا الحذاء ذي الكعب العالي ؟ على أية حال لا زلت أذكر أنك كنت تحبين أن تسيري حافية القدمين.
    - إنني أحب ذلك دائما. ولكن الكعب العالي لم يعد يجرحني. ولدي الآن إمكان أن أشتري . النوع الذي يبدو مريحا مع الاحتفاظ بجماله الساحق.
    كانت تتكلم وقد بدا عليها بعض المكر جعله يبتسم . هذه إذن بداية عودتهما إلى التأمر . لقد أقسمت الشابة أن تتذكر تلك الأيام مدى حياتها.

  18. #17
    [COLOR="DarkOrchid"]وجد "وولف" نفسه واقعا تحت تأثير فتنتها وترك عينيه تتجولان على ساقيها المخروطتين بيد نحات . ود لو عاد إلى الأريكة الحجرية وجعلها تخلع الحذاء .
    انتزعته مرارة الذكرى والأسف من تأملاته عن الماضي الرائع .أحست "بليندا " بتغيير مزاجه وخمنت أنه يفكر في ذلك الزمن الذي كان يعرف فيه كل أفعالها وتغييرات سلوكها دون أن يشك في شيء . لقد فهمت أن ذلك يحرقه كالحامض اللاذع .
    ارتعدت الشابة أمام فكرة أن يهجرها . لقد فكرت مئات المرات قبل أن تتأكد من إمكان مواجهتها لهذا الافتراض . ولكن نظراته هزت اطمئنانها .. أن تفقده مرة ثانية هي ضربة قاتلة . قالت وهي تسرع :
    - لابد أن أسرع .
    كان "وولف" مصمما ألا يدعها تفلت منه مرة ثانية .. ماذا يمكن أن يحدث له لو اختفت ثانية ؟
    في هذه اللحظة بالذات ولدت الفكرة في رأسه .
    إنه يستطيع هو أيضا أن يلعب دورا مزدوجا . أجاب :
    - وأنا كذلك .. لدي نص لابد أن أقرأه .
    أحست "بليندا " أن هناك فكرة في رأسه فشعرت في الحال بالضعف . بماذا يهددها ؟ ولماذا ؟ سألها " وولف فجأة عندما وصلا أمام المنى :
    - ماالذي قادك إلى الوسط السينمائي ؟
    - عرض لم أستطع أن أرفضه .
    عندما وثقت " بليندا " بنفسها وأنها مستعدة لمقابلة "وولف " بدأت في التحري والبحث عن أفضل دور يصلح له بهدف أن تقوم بتمويل الفيلم وكان الفيلم الذي ستوقع عقده معه - وهو ريح الجنوب - هو الثاني الذي عثرت عليه .قالت شارحة :
    - لقد أردنا في البداية أن نشتري - الرجل الحجري - ولكن الفرصة فاتت . أنت تستحق حقا جائزة الأوسكار للأحسن ممثل والتي نلتها عن ذلك الفيلم أقصد "الرجل الحجري " وكانوا يسمونك لذلك في الصحف "الرجل الحجري".
    - أنت تعرفين أمورا كثيرة عني يا "بليندا " .
    - لأنك أصبحت مشهورا .
    - وهل أنت شريكة في مؤسسة "ديلند " التي أرادت أن تشترك في فيلم " الرجل الحجري " ؟
    - نعم
    - من الواضح أن لك أسماء كثيرة .
    - إنه اسم شريكي وهو أروع رجل قابلته في حياتي .
    سمع نفسه يجيب :
    - حقا ؟ أنا سعيد من أجلك .
    في الحقيقة كانت الغيرة تأكل قلبه وهو يرى عينيها تغشاهما الدموع . إنها تحب ذلك الرجل . تابعت "بليندا " حديثها :
    -أنا واثقة بأنك كنت ستقدره . لقد كان نوعا خاصا من الرجال.
    كان موت الأستاذ "ديلند " قد صدمها بشدة في اللحظة التي بدأت فيها شركتهما تزدهر . كان الرجل العجوز كريما وطيبا وحاو المعشر ويعتبر أباها الثاني ولازالت تشتاق إليه بدرجة رهيبة . طبع "وولف "قبلة على وجبينها وهو يقول بصوت عميق :
    -هذه باسم الأيام الخالية الجميلة .. سأمر عليك في السادسة لأصحبك إلى بيتك .
    كانت تشعر بالدهشة وعدم القدرة على الكلام . هزت "بليندا " رأسها علامة الموافقة وابتعد "وولف " . أحست بجبينها يحرقها .. لقد قبلها وعليها أن تظل ترقص فرحا حتى المساء .
    تمشى "وولف " في الشوارع , كانت الخطة التي تكونت شيئا فشيئا في ذهنه لم تفارقه أبدا . إن "بليندا " لن تتبخر أبدا بعد في الهواء وستتخذ كل الإجراءات والاحتياطات اللازمة .
    اتصل بسكرتيره "وليام " من إحدى كبائن التليفونات العامة على ناصية الطريق ليحصل على رقم تليفون الإدارة في الحال . ما إن كان على الخط حتى أعطى تعليماته في كلمات قليلة مختصرة ووضع السماعة مكانها . لقد بدأت المرحلة الأولى من خطته في الانطلاق . استأنف تسكعه دون أن يعير الشاة أي انتباه ودون ينصت إلى صوت آلات التنبيه الصادرة من السيارات كانت فكرة واحدة تحتل ذهنه : لن تهرب منه "بليندا " أبدا .
    "بليندا " تلك الصبية التي رفعت في يوم ما عينيها إليه في ثقة أصبحت الآن بعيدة وحلت محلها امرأة واثقة بنفسها بقوتها ولا تحتاج لأحد . لقد شقت طريقها . ثم هذا المدعو " بليندا " ؟ لقد أحبت رجلا آخر .. هذا مؤكد وهو ما يعذبه أيضا .
    أخذ يدير خطته في رأسه مرة ومرة ومرات وفي جميع الاتجاهات حتى سيطر الموضوع على أفكاره تماما .
    في النهاية بدأ يمارس رياضة الجري إلى أن وصل إلى الحي الذي يقطن فيه وقد انقطعت أنفاسه وغرق في عرقه واستطاع أخيرا أن يسترد سيطرته على نفسه , على الأقل حدد هدفا وهو الذي سيمسك بزمام اللعبة .اختفى في شارع جانبي صغير فجأة ثم انضم إلى النادي الصحي الذي يتردد عليه وبصفة دائمة للمحافظة على لياقته البدنية . وهناك ارتدى لباس استحمام كان موجودا في دولابه الخاص ثم غطس في حمام السباحة وظل يسبح باستمرار ذهابا وإيابا بما يعادل مسافة كيلو مترين قبل أن يدرك أن ذلك لم يطرد من ذهنه صورة "بليندا " المثيرة . عاد إلى بيته يحدوه الأمل أن ينجح العمل الذهني فيما فشل فيه التمرين البدني وانهمك في دراسة نص سينمائي جديد قدمه له "وليام" هذا الصباح نفسه.
    كان هذا النص مثل "ريح الجنوب" مبيعا أيضا إلى "شركة "ليندا" الدولية لمستحضرات التجميل" وبدا وكان الدور مفصل عليه بالضبط. لابد أن يكون مجنونا لو رفضه مادامت وعدته "بليندا" أن يكون له السيطرة الكاملة على النص وإخراج الفيلم لو أراد.
    قرأ النص مرتين ليحاول إيجاد نقاط الضعف ولكنه وجده أفضل عند تحليل له.. لا زلت "بليندا" تناوره وتتلاعب به وعليه أن يقوي من خطته.
    رفع سماعة التليفون من أول رنة وأجاب على المرأة المنفعلة وهي تتكلم على الطرف الآخر من الخط وقال:
    - نعم يمكنك أن تطبعيه . كل شيء مضبوط .. إلى اللقاء.
    فكرة "وولف" ماذا ستظن "بليندا" ؟ كل شيء سيثبت بسرعة وسينشر في كل الصحف صباح غد.
    كان في بهو مبناها من الساعة السادسة إلا عشر دقائق. وهو يذرع الأرضية الرخامية منتظرا خروجها. كان المبنى جديدا وفاخرا.
    هل كانت "بليندا" تستأجر فقط الأدوار الثلاثة العلوية أم تمتلك كل المبنى ؟ وإذا كانت قد استطاعت أن تشيد مشروعا دوليا في عشر سنوات فهل كان ذلك بمفردها أم مع ذلك المدعو "بليندا" ؟
    في تمام السادسة فتحت أبواب المصعد وظهرت الشابة ‘ تقدم "وولف" نحوها وقد أذهله جمالها. كان مجرد تأملها يملأ قلبه بكل مشاعر الحب والرغبة في العالم. لقد ظلت نضرة وجميلة عبر السنين. كانت غير عادية وراقية وهشة وقوية في آن واحد. مراهقة وناضجة واستطاعت أن تجمع كل هذه التناقضات في سيمفونية رائعة جعلت منها إنسانة فريدة.
    في هذه اللحظة أدرك "وولف" أن حبه ل"بليندا" الذي ظن أنه مات ودفن في التراب لم يكن سوى حالة من البيات الشتوي واستيقظ عند أول لمسة للحرارة. كان من الواضح أن الشابة تحتفظ بمجموعة كاملة من الملابس في مكتبها مادامت قد ظهرت وهي مستعدة مسبقا للخروج بعد أن استبدلت التايير المهني بثوب سهرة من الحرير اللامية والساتان الأرجواني يبرز اللون التركواز لعينيها الواسعتين ونعومة لون بشرتها قال "وولف" وهو يستقبلها بتقبيل يدها :
    - ها نحن هنا .
    سألته دون تكلف :
    - إلى أين سنذهب ؟
    - لقد فكرت أن بإمكاننا العثور أولا على مكان مسل يفتح شهيتينا للعشاء بعد ذلك .
    كان رائعا في حلته السموكينج الحريرية الزرقاء الداكنة وحيث التفصيلة المضبوطة تظهر جمال جسده الفارع .
    ظلت الشابة مصعوقة أمامه وانهمكت في فحص ثوبها حتى تعيد الثقة بنفسها. لقد كانت واثقة بنفسها ثقتها بالكون عندما التقت به في "نيس" لقد اختلفت الأمور تماما اليوم فقد بدأت تفقد ثقتها بنفسها من قرب "وولف" منها وكأنه انتزع منها كل تلك الثقة في لمح البصر بسطوة وجوده. قالت الشابة وهي تدرك أنه كان يحدثها:
    - أرجو المعذرة.
    - إنني تساءلت: لماذا تفحصين ثوبك وقد بدا عليك بعض القلق... إنك فاتنة إلى أقصى حد.
    كان صوته كالنسيم الذي أصابها بالرعدة ‘ قالت:
    - لقد كنت تتحدث عن شيء يفتح شهيتينا.. في الحقيقة لسنا مزودين بما يسمح لنا بالجري في الحديقة.
    - لا... ولكننا في حالة رائعة تسمح لنا بالذهاب للرقص.
    أدارت "بليندا" رأسها لترى سيارة "كوبيه الفاروميو" .
    - هل هذه سيارتك التي نالت غرامة مرور؟
    تحرك "وولف" بسرعة وهو يصيح ويقودها نحو الباب الخاص بالمبنى.
    - اللعنة.. هيا نسرع
    شاهدتهما الشرطية وهما يصلان بهدوء ودون أن يبدو عليها أي تعبير. قالت بصوت اتهام:
    - أنتما تقفان في منطقة ممنوعة!
    رد "وولف" وهو يبتسم :
    - سنرحل في الحال .
    تغير تعبير الشرطية في الحال عندما رأته . ظلت فاغرة فمها واتسعت عيناها عن آخرهما و أسقطت القلم . لا يزال "وولف" يؤثر فيهن نفس التأثير . تلعثمت المرأة:
    - ولكنك ... أنت .. أنت "وولف ويكفيلد" . إن أختي ستموت حسدا عندما أحكي لها .
    فتح "وولف" الباب أمام "بليندا" ثم التقط القلم ليناوله الشرطية في أدب . سألته:
    - هل يمكن أن أطلب منك أن توقع لي في الأوتوجراف ؟
    - طبعا .. أين ؟
    - هنا في دفتر المخالفات بجوار اسمي.
    استدار "وولف" عندما سمع صوت نفير سيارة كانت سيارته تسد الطريق أمام سائق غير صبور.
    صاحت الشرطية وهي تلوح بحركة إمبراطورية :
    در حوله !
    ثم عادت إلى "وولف" وهي تبتسم:
    - لا تعره أدنى انتباه .. وقع من فضلك.
    قال "وولف" بعد أن وقع وناولها القلم:
    - هاك ! وشكرا لتفاهمك.

  19. #18
    أجابت المرأة:
    - ولكن لا .. أنا التي أشكرك وشكرا على التوقيع وهذه هي مخالفتك. تركته مسمرا في مكانه بعد أن أدارت له ظهرها وتركت له المخالفة في يده. وعادت أصوات آلات التنبيه تنطلق مرة ثانية فقفز إلى السيارة بينما انفجرت "بليندا" في الضحك الصاخب . نظر إليها بطرف عينيه:
    - ظريفة للغاية.
    كان المرح الفجائي و الطبيعي في عينيها قد أسعده وأعاد إليه ذكريات حبيبة إلى قلبه. لقد سبق لهما أن ضحكا كثيرا في الماضي.
    قال وهو يندس وسط زحام السيارات:
    - لماذا لم تسارعي بنجدتي؟
    - أنا ؟ أنحشر في رقصة الإغراء حول الشرطية ؟ لايمكن أبدا .
    استأنفت الضحك من أعماقها وأصابته العدوى .
    قال من بين ضحكاته :
    - إنك لست سوى ساحرة شريرة " يابليندا " .
    خلال ثوان قليلة اختفت بعدها عشر سنوات من الفراق .
    لقد وقف الزمن ليحرصهما وسط دائرته الذهبية .
    كتما أنفاسهما وابتسم كل منها للآخر واستأنف الزمن مساره وأصبح الحاضر هو المهم .
    لقد أحست "بليندا " أنها تدور وسط شبابها .
    لم يسبق لها أن ضحكت بهذه السعادة من زمن طويل وبدا هذا واضحا .قالت بمرح لتخفي عواطفها :
    - ياصغيري العزيز .. لا بد أن كرامتك اهتزت أمام خيبة الأممل . رد عليها بحنان :
    - نعم ولايوجد شخص آخر يستطيع أن يضحك علي مثلك .
    كانت " بليندا "تهتز من السعادة وهي تشعر بهذه الحرية بجواره كيف استطاعت أن تعيش بدون ذلك ؟
    ولماذا لم تقدم تلك اللحظات الثمينة عن موعدها ؟ قالت :
    - في رأيي أنك لم تتعرف جيدا على تلك الشرطية إنها لم تصدق عينيها ولكن لاشيء يمكن أن يحولها عن أداء عملها . لابد أنها تعول أسرة بأكملها من هذا العمل . اعترف " وولف " وهو يطبع قبلة على ظهر يدها :
    - لايهم .. لقد استطاعت خداعي وأنا الذي كنت أظن أنك فقط القادرة على ذلك ...
    قالت " بليندا " بصوت سريع :
    - زد السرعة على الثالث .
    - هذه السيارة أوتوماتيكية . هل يضايقك أن أمسك يدك ؟
    - طبعا .. لا ولكن الأمان قبل كل شيء .
    قال بصوت رقيق :
    - لاتخافي .
    إنه لا يستطيع أن يتركها ولا يرغب في ذلك خوفا من أن تهرب منه مرة أخرى . حاولت "بليندا
    أن تجد ماتقوله :
    - إنك لم تصادف سوى النجاح في كل السنوات . هل تحب مهنتك إلى هذه الدرجة ؟
    - نعم ,ولكن حدثيني عن نفسك .. كيف وجدت نفسك وسط صناعة مستحضرات التجميل ؟
    - لقد حدثتك عن شريكي "اندريه ديلند "وهو كيميائي تعرفت عليه خلال دراستي في "السوربون كان يصنع مراهم ضد الحساسية للعناية بزوجته .
    وعندما توفيت تابع أبحاثه . جعلني أهتم بعمله .
    همس "وولف " وهو يلاحظ الحزن في صوتها .
    - هل كان شخصا مهما بالنسبة لك ؟
    قالت وهي تشعر بالحزن لدرجة الهوس :
    - مهم جدا .. لقد مات هو أيضا في اللحظة التي بدأت فيها أعمالنا تزدهر أخيرا.
    لم يستطع "وولف" أن يكتم السؤال الذي كان يحرق شفتيه.
    - هل كنت تعيشين معه؟
    أجابت "بليندا" :
    - "أندريه" كان أستاذي وشريكي وصديقي وكان في السبعين من عمره يوم وفاته.
    أعتذر لها وهو يحس بالارتياح الشديد:
    - أرجو المعذرة فليس هذا من شأني ولم يكن من الواجب أصلا أن أطرح عليك هذا السؤال.
    - هذا بالضبط.. ما كان يجب عليك أن تفعله. هل تدخلت في كل مغامراتك النسائية؟ والتي ذكرتها الصحف؟
    رد عليها "وولف" هجوما مقابل هجوم:
    - هذه ليست سوى إشاعات في معظمها ولو كان لدي عنك ربع المعلومات التي لديك عني لما احتجت لأن أطرح عليك هذا السؤال.
    قالت الشابة وهي تنظر إلى الزجاج الأمامي:
    - هذه ثاني مرة تفعل بي ذلك.
    - إذا كان الأمر كذلك فلن أمل من تكراره.
    - حقا؟ لو كنت راغبا إلى هذه الدرجة في العثور علي فلماذا لم ترد على رسالتي التي تركتها لك في الفندق وأنت تمثل فيلم "انهيار باريس" ؟
    - أقسم لك أنني لم أتسلم أي رسالة ثم إن هذا كان من سبع سنوات.
    أجابت بعد أن كتمت أنفاسها:
    - هذا صحيح.
    وصلت السيارة إلى وجهتها وأحس "وولف" بالأسف. إن ما شعر به من خصوصية مع "بليندا" داخل السيارة جعله يشعر بالدفء والحياة.
    ركن السيارة في ساحة الانتظار أمام واجهة فاخرة تعرفت عليها بدهشة.
    - ولكن ملهى "البيلوري" .. إننا لا نستطيع الدخول. إنه من أكثر النوادي خصوصية.
    قال "وولف" مطمئنا:
    - باعتباري من نسل المتعاطفين مع التقدميين أثناء الثورة فلدي الحق في الدخول.
    - لا شك أنك تمزح.
    - لا...على الإطلاق . إن النصف المحافظ من أسرتي عاد إلى إنجلترا ونحن على الجانبين .
    - بالمناسبة هذا لا يبدو عليك من قليل أو بعيد.
    همس في أذنها وهو يعبربها مدخل النادي:
    - هذه أحيانا الطريقة الوحيدة للرجل ليحصل على ما يريد.
    - دائما ساخط يا "وولف" وأنت كنت أكثر قسوة عندما تثور.
    - أثور؟ ولكني لست غاضبا لدرجة الثورة معك يا حبيبتي.. ثم إن كبير الخدم ينتظر.
    قالت له وهي تدير له ظهرها:
    - لا مجال للعشاء مع رجل دائما يحاصرني.
    تهكم "وولف" وهو يدفعها في اتجاه كبير الخدم:
    - وتقولين: إنني غاضب .. مساء الخير يا"نيلسون" هل الفرقة الموسيقية جيدة هذا المساء؟
    قال كبير الخدم وهو يبتسم بطريقة راقية جدا:
    - ككل مساء يا سيد "ويكفيلد" .. نحن سعداء برؤيتك ثانية .. أتحب أن ترقص؟ أم تتناول العشاء؟
    تقدمها "نيلسون" فوق المرات المغطاة بالسجاد الناعم عبر حجرات مغلقة بستائر من المخمل خلفها أحاديث هامسة إلى أن وصلا إلى حجرة أصابت الشابة بالذهول ‘ كانت عبارة عن قاعة ثلاثية الأسقف محاطة بمقصورات تعلو حلبة الرقص وتطل على الراقصين وكانت الجدران كلها مغطاة بقماش حافاته مطرزة بخطوط بيضاء بينما النجف الكريستال يعكس آلاف الأنوار الذهبية والفضية . همس "وولف" عندما رأى دهشتها:
    - إنها جميلة .. أليس كذلك ؟ أعرف أنك كنت ستحبينها.
    أجابت:
    - إنني أحبها جدا.
    قدم لها مقعدا وهي لا تعرف ماذا تقول. طلب "وولف" عصير التفاح مع حلوى "البتي فور" وأضافت الشابة:
    - ومياه معدنية من فضلك من أجلي.
    قال لها عندما رحل الساقي:
    - لقد كنت تشربين عصير البرتقال في "نيس"
    - لم أكن راقية ومميزة كما أنا الآن.
    - معنى هذا أنك تفضلين شرب عصير التفاح بدلا من المياه المعدنية.
    - أتريد أن تقول: إنك تفضل من يشرب عصير التفاح على من يشرب المياه المعدنية.. لم تذكر شيئا عن الرقص؟
    قال "وولف" وهو ينهض:
    - هذا حقيقي.
    عندما أمسك بيدها ليقودها إلى حلبة الرقص عرفت أن هذا أسوأ طلب طلبته منه. أن ترقص مع "وولف" فإن ذلك آخر حصونها.
    وجد "وولف" لذة في أن يشاهدها تسير أمامه حتى وسط الحلبة. كان جسدها يتأرجح في ليونة في منظر لم ير في جماله مثيلا من قبل.
    همس في أذنها:
    - أتذكرين تلك الليلة التي ذهبنا فيها للرقص على الشاطئ ؟
    قالت كاذبة:
    - نعم .. قليلا.
    إنها تذكر أدق تفاصيلها ووجدت قلبها يشتعل أمام الذكرى. تابع بصوت دافئ وعميق:
    - ثم راقبنا شروق الشمس فوق البحر وقلت: إنني أريد في طعام الإفطار....
    قاطعته حتى لا يسترسل في الذكريات:
    - "وولف" ! إنني أنصت للموسيقى.
    ولكن الأوان قد فات.فإن سيل الذكريات غمرها بلا رحمة.
    أحست بيد خفية تدفعها للالتصاق به وتغمض عينيها لتطير فوق أجنحة الموسيقى نحو عالم خرافي لذيذ ... كان عالمهما من عشر سنوات مضت.
    نهاية الفصل الرابع...

  20. #19
    الله يعطيك العافيه... كملي مرررره حلوه

  21. #20

الصفحة رقم 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter