الحمد لله ، خالق النعم ، جالي الهمّ ، جالب الرزق ، هادي الخلق ، وعلى كل شيء قدير .
في هذا العصر الملئ بالمشاغل ، تزداد مسؤوليات الحياة يوماً بعد يوم في حياة الإنسان
فيصرف جُلّ وقته في أعماله ، ويهمل علاقته مع خالقه عز وجل ، لكننا هنا لن نناقش التقصير في
جميع العبادات بل التقصير في حق القرآن فقط .
إن أغلب من يُسأل عن مدى ملازمته للقرآن والمداومة عليه تلاوتاً وحفظاً تكون إجابته بعدم توفر
الوقت الكافي بسبب العمل ، أو العائلة ، أو غير ذلك . وليت ذلك الشخص يقضي كل وقته بالعمل
بل سيكون لديه بعض الفراغ أو بعض الوقت الذي يقضيه أمام التلفاز أو الحاسوب – هذا إن كان يعمل – أما أغلب فئة الشباب من الطلاب بمختلف مراحلهم فيشغلهم في أوقات الإجازة الخروج مع الأصحاب ، أو استخدام الإنترنت ، ووسائل ترفيه أخرى ؛ كل هذا الوقت يُصرف إلى الترفيه ولا يُستثمر منه ولو نصف ساعة للآخرة ، فأقول لك يا أخي اعلم أن الموت لا يمهل أحداً فلا تشغل نفسك بما لا يفيدك وتنسى ما يفيدك ، اعمل لآخرتك ، أفتح كتاب الله تعالى ، اتلُ آياته وتأملها وأفهمها ، اقرأ ما تيسر لك منه واستشعر حلاوة الإيمان ، إنها طاقة روحانيه لا يمكن الإحساس بها إلا بالقرب من الله ، فكيف بك وأنت تقرأ كلام الله ! وتمتثله .
ذُكرت أحاديث كثيرة في فضل القرآن والأجر العظيم الذي تناله في قراءة كل حرف ، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها) تخيل معي كم جملة في كل صفحة من القرآن!، وكم كلمة في الجملة ! ، وكم حرفاً في كل كلمه ! ، ومع كل تكرار ستنال مزيداً من الحسنات ، وفي حديث آخر حيث قال صلى الله عليه وسلم : (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين )
كيف لا وهو كلامه سبحانه وتعالى .
الأجر أعظم والمكانة أفضل لمن يحفظ القرآن فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( يقال لصاحب القرآن اقرأ وارقى ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها ) فمع كل آية يرقى درجةً في الجنة ، وقال عليه الصلاة والسلام : (مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة ) الذين ذكرهم الله بقوله : ( كلآ إنها تذكرة * فمن شآء ذكره * في صُحُف مكرّمة * مرفوعة مطهرة * بأيدي سفرة * كرام بررة ) وهم الملائكة المطيعين لله كتبة الوحي ، وما أعظمها من منزله ! ، وكذلك من فضل حفظ القرآن لصاحبه يشفع له من النّار لقوله صلى الله عليه وسلم : (اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه) .
وما ذُكر آنفاً لهو الشيء اليسير من فضل القرآن على صاحبه ، ولكن يا إخوتي عليكم بالحفظ ثم الحفظ ، فليتّبع كل قارئ طريقته التي تناسبه في الحفظ – لن نتفصّل في طريقة الحفظ لوجود موضوع متكامل لطريقة الحفظ – ولكن لا بأس بأن نؤكد على ضرورة إخلاص العمل لله عز وجل لا تطلب به إلا وجهه الكريم كما قال تعالي : (قل إِني أُمرت أَن أَعبد الله مخلِصا له الدين ) ، كذلك فإن قراءة كتاب تفسير ، يُيسر الحفظ ويفهّم القرآن الكريم ويستوضح جلالة وإعجاز آياته ؛
والأهم هو تعّهد حفظه ، فكلما حفظت جزءاً راجعه دوماً ، لأن القرآن سريع النسيان إن لم يُراجع فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (والذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها ) ، استغل الصلوات للمراجعة ما حفظته ، ويمكنك الإسماع للأشرطة في أي مكان ، فمن شأنها تعينك على القراءة الصحيحة والتجويد ، ومراجعة الحفظ مع القارئ ، إضافة إلى أجر الاستماع .
أخوتي احذروا أن تكونوا ممن يهجر القرآن ، ويلقيه وراء ظهره ، فلا تكونوا من قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم في الآية الكريمة : (وقال الرسول ياربِّ إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) وللهجران أنواعه فهجر استماع وهجر تدبر : (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) ، وهجر العمل بمقتضاه والتحاكم إليه وتحليل حلاله وتحريم حرامه .
نسأل الله أن نكون في ظل يوم لا ظله ، أشهد أن لا الله إلا الله ، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمداً وعلى آله وصحبه وسلم .
المفضلات