الصفحة رقم 1 من 4 123 ... الأخيرةالأخيرة
مشاهدة النتائج 1 الى 20 من 80
  1. #1

    ( ضلالات الحب ) قمة في الرومانسية لا تفوتكم

    اليوم بنزل رواية ( ضلالات الحب ) للمبدعة لا انااام من البحرين وعلى فكرة هذه ثاني رواية لها تعرض في مكسات قبل عرضت رواية ( اشعلت شمعة لقلبك ) مستوها قمة في الرومانسية أتمنى تعجبكم 00وأتمنى للأخت لا انااام مزيد من التقدم 00ودمتم سالمين gooood

    بسم الله نبدأ
    ضلالات الحب
    للكاتبة: لاأناام


    ملامح عن أعمار أبطال القصة:
    محمد: 30 سنة.
    ليلى: 28 سنة.
    مريم: 18 سنة.
    أحمد: 6 سنوات.
    خالد: 26 سنة.
    راشد: 24 سنة.
    أمل: 19سنة.

    بالنسبة لشخصياتهم أفضل أن تكتشفوها من أحداث القصة..


    (1)
    تسللت "مريم"إلى المزرعة ومعها أخاها الصغير،كانت تزجره بألا يقترب أكثر وفي نفس الوقت تسير معه وقد أسرتها روعة المكان، كانت المزرعة كبيرة بحيث يمكن أن يُبنى عليها خمسة بيوت مثلاً!!!!

    أمسكت السور الأبيض بيديها الصغيرتين، لكن سرعان ما أبعدتها لأن ندى الصباح كان قد بللها، مسحت يديها على جانبي عباءتها وهي تنظر بإعجاب إلى العشب الأخضر، ودت لو تلامسه،تعبث به، تجلس عليه وتتحسس رطوبته الندية، تستلقي ربما وتنظر إلى السماء، تخاطب الشمس وتغني مع العصافير وتبتهل إلى الله لتتحقق أمانيها. مدت يديها بشكل لاشعوري إلى قلادتها الفضية وهي تضغط عليها بقوة وتغمض عيناها وتبتسم:
    - يالله…

    لم تنتبه أن أخاها الصغير "أحمد"ذي الست سنوات، كان قد ولج منذ زمن إلى المزرعة وأخذ يركض هناك وهو يضحك، عادت إلى حاضرها وهي تنادي عليه بصوت غير مسمووع:
    -أحمد تعال..تعال "عيب".

    لكن لا حياة لمن تنادي، ابتسمت برقة وهي تنظر إليه، ودت أن تكون معه، تركض، تعود إلى أيام الطفولة والبراءة، تحطم القيود وتسير دون خوف من كلمة أو تعليق، تحلق كالفراشة في هذا المكان..

    لم تكن تتوقع أن الإمارات كبيرة وواسعة بشكل لا يتصور، ومعظمها أراضي خصبة خضراء بعكس البحرين صغيرة وقاحلة ولكنها مع ذلك أجمل!!!

    عادت لتنظر إلى أخيها وهي تهز رأسها لتبعد خواطرها، لكنها لم تره,, أحست بالقلق وانتابها الخوف، نادت بصوت مرتفع:
    -أحمد أين أنت؟! أحمدددد.

    لم تسمع جواباً، أخذت تجول ببصرها حول المكان وهي تمسك السور الأبيض، رأت اسطبلاً من الخشب وبابه مفتوح على مصراعيه، عضت على شفتيها:
    -هذا الشقي.

    احتارت ماذا تفعل، أدخل أم لا؟! لا يوجد أحد هنا والباب مقفل: كيف سأنادي عليه؟! وابتسمت لأول فكرة وأطلقت ضحكة صغيرة:
    - سأتسلق السور،وماذا في ذلك...

    رفعت عباءتها إلى منتصف الحوض، وحمدت ربها أنها ارتدت اليوم بنطالاً، قوست ظهرها وهي ترفع قدميها إلى أعلى وتضع اليمنى على السلمة الأولى من السور استعداداً للقفز...
    لم يكن السور عاليياً، لكنها سقطت سقطة خفيفة آلمتها قليلاً، نهضت من على الأرض وهي تنظر حولها خوفاً من أن يراها أحد ، ستكون فضيحة!!

    "تخيل شعورك وأنت تقتحم مكاناً غريباً".

    ودت لو تنزع حذائها ولكنها خجلت فهي ليست في أرضها، سارت بخفة نحو "الاسطبل"وهي تسمع أصوات صهيل الأحصنة، اقتربت من الباب وهي تختلس النظر لتتأكد، كان "أحمد" يركض خلف الدجاج يحاول أن يمسكها وهي تزعق مبقبقة خائفة من الهجوم المفاجئ عليها، كان الاسطبل كبير مقسم إلى قسمين، قسم للأحصنة والقسم الآخر للدجاج ، دخلت "مريم"بتردد ونادت على أحمد:
    - أحمد تعال، ماذا تفعل هنا، اخرج قبل أن يأتي أحد..هيا..
    - مريووم تعالي ساعديني قفي عند الباب وأنا سأقف هنا "سأحكر"الدجاجة ولن أدعها تفلت..
    - دع الدجاج لقد تأخرنا عن المنزل..

    وبعناد كعناد الحمير وبكل شقاوة الطفولة رد:
    -كلا، سأصطاد هذه الدجاجة مهما كان الثمن...
    -"مهما كان الثمن"أو "رهينة الماضي" أقول لك تعااال..وهي تلتفت خلفها بخوف... "

    أحمد وهو لا يسمع ما تقوله له أخته:
    -قفي هنا هيا.

    انصاعت مريم لأوامره، سترى ما يؤوول إليه الأمر، أغلقت الباب خلفها،كانت على اليمين وأخوها على الضفة اليسرى، اقتربا من بعضهما وهما ينظران إلى الدجاجة التي قبعت في الزاوية وهي تبقبق بصوتٍ عال وتحرك رأسها بجنون وتصفق جناحيها لكي تطير وتهرب ولكن هيهاات!!

    كان شكلها يثير الضحك والأسى في نفس الوقت، الشعور بأنها فريسة مطاردة يوشك أن يُنقض عليها وهي ليس بيدها شئ، ليس بإمكانها أن تهرب، فقط تنتظر مصيرها، ومصيرها بيد صيادها، أتراه سيرأف بحالها أم ستنتظرها سكين الجزار ليلوي عنقها؟!!

    نظرت إلى الجزار الذي يقف بجانبها وهمست بصوتٍ واطئ مليء بالإثارة والترقب وكأنها استمتعت بلعبة الصياد والفريسة:
    - هااا، ماذا ستفعل؟!

    وبعينان مليئتان بالشيطنة وبابتسامة شريرة:
    - سأمسكها طبعاً.

    مدّ أحمد يديه ببطء وقلبه يدق بقوة كقوة نقيق هذه الدجاجة، لكأنها أحست بقرب نهايتها فلم تملك إلا الصراخ.
    قبضها من عنقها كي لا تفلت من يده،كانت تتلوى بين يديه وكادت أن تنزلج لولا أن ساعدته مريم فقبضها من جذعها وشد جناحيها إلى أعلى:
    - "أحمد" لا تؤذها..أمسكها بلطف..
    - كيف؟ هي تحس؟؟
    - بالطبع أيها الغبي،أليس لها روح..
    …………..-
    -والآن اتركها لقد تأخرنا..
    - ماذا لقد أمسكتها أنا،هي لي أنا..

    قرصته في خده وصاحت في وجهه بغضب:
    -قلتُ لك اتركها إنها ليست لنا، بسرعة قبل أن يأتي أحد ويظن أننا سرقناها..

    جعد "أحمد"فمه الصغير، وارتعشت شفتاه وهو منكسٌّ رأسه:
    - هذه أول مرة أمسك فيها دجاجة،أريد أن أريها بابا..

    حزًّ في نفسها منظره، إنها لا تتحمل أن تراه حزيناً أو غاضباً، لاتقوى على ذلك، تحبه كابنها بل كروحها، ألم توصها أمها عليه قبل موتها؟! إنه بقيةٌ من روح الغالية، قطعةٌ منها، بل نسخةٌ منها وفمه المرتعش يشهد على ذلك!!

    قالت بصوتٍ رقيق وهي ترفع رأسه:
    - لا نستطيع أخذها معنا، هذه سرقة والسارق يدخل النار، أعدك أن أطلب من "محمد"أن يذهب بك إلى السوق ويشتري لك دجاجة.

    هزّ رأسه ودموعه تنزل على خده المحمر:
    - كلا،كلا،أنا أريدها هي،أريد أن أريها بابا.

    رقّ قلبها لمرآه،دموعك غالية ياصغيري،أغلى من هذه الدجاجة:
    -ماذا أفعل ياربي..طيب سنأخذها..

    تهلل وجهه ومسح دموعه وهو يقبل أخته،فتح الباب وهو يركض جذلاً،ركضت مريم خلفه بسرعة وهي تضحك في سرها:
    -ماذا فعلت!!يالي من مثال يُحتذب به..سنشتري دجاجة ونردها لهم،لايوجد فرق بين دجاجة وأخرى كلها بهائم!!!

    - انتظر لاتسبقني..

    تجمدت في مكانها،وتوقف "أحمد"الصغير عن الضحك،وسرعان ماعاد إلى أخته والدجاجة بيده واندسّ خلفها..
    نظرت "مريم"إلى الرجلان الواقفان أمامها وهما ينظران إليها بذهول واستغراب،احمرَّ وجهها وبانت علامات الذنب على وجهها،لم تستطع أن تنطق بكلمة،مرت فترة خالتها دهراً وودت في تلك اللحظة أن تنشق الأرض وتبتلعها..
    - ماذا تفعلان هنا في مزرعتي؟!

    رفعت رأسها نحو الصوت الغاضب،كان طويلاً أسمر البشرة،حاجباه معقودان في المنتصف برشاقة،يرتدي بنطالاً من الجينز وقميص أبيض ضيق يبرز جسده،خافت من شكله الغاضب ولم تحر جواباً..

    -ألا تسمعين،ماذا تفعلان هنا؟
    "-خالد"لا تصرخ هكذا في وجه الفتاة،لقد أخفتها،انتظر لنسمع ونرى ما الأمر..

    نظرت إلى المتكلم الآخر ولم تنبس أيضاً ببنت شفه.
    أحست "مريم"بأخيها يزداد التصاقاً بها من الخلف وجسده يرتعش، صاح "خالد":

    - الأمر واضح،انظر للدجاجة وستفهم،وأنا اتساءل كيف يتناقص عدد الدجاج كل أسبوع واتضح الأمر لي الآن..أليس كذلك أيتها السارقة؟!!

    كلمات كثيرة تقاذفت في رأسها،لسانها يخونها أحياناً في وقت الشدة،وفجأة سمع الجميع صوت بكاء من الدرجة الأولى، كان "أحمد"يبكي بعنف وهو يمسك بتلابيب عباءة أخته وفي ذات الوقت يمسك بالدجاجة بيده الأخرى حتى كاد أن يخنقها.

    لم تتمالك"مريم" نفسها حينئذ وأخيراً صاحت في وجه الرجل الطويل الغاضب:
    - لا تصرخ في وجهي،لقد أخفت الطفل أيها الغبي الأعمى،أنا أسرق دجاج؟؟ ماذا تظن نفسك لكي تنعتني بالسارقة من أجلها..وإن كان على هذه الدجاجة –التفتت إلى أخيها وهي تنظر إليه شزراً فسكت ثم تناولت منه الدجاجة واقتربت من الرجل الطويل ورمتها في وجهه:
    -خذ دجاجتك..

    تراقصت آلاف الشياطين أمام عينيه وأحسّ أخاه أنه يكاد أن ينفجر،فأمسكه من ذراعه ولكن الأخير أبعدها بقوة وتقدم من الفتاة التي ابتعدت إلى الخلف وهي تحاول أن تتمالك أعصابها ولا تصرخ من الخوف،نظرت إليه ببرود وقلبها يكاد أن ينخلع وهي تستند إلى السور،أمسك بيدها وهزها بعنف حتى شعرت أن عظامها تحطمت،لكنها لم تصرخ بل عضت على نواجذها بقوة لتكتم صرختها، وبشجاعة لم تتوقعها هي من نفسها صفعته على وجهه بقوة، فأطلقها وهي تترنح إلى الخلف:
    -إذا أمسكت يدي مرة أخرى سأقطعها لك أيها ال********************************..
    دمتم سالمين

    [
    url=http://www.up4ksa.com]67172fe757[/url]


  2. ...

  3. #2

    تابع

    (2)
    تراقصت آلاف الشياطين أمام عينيه وأحسّ أخاه أنه يكاد أن ينفجر، فأمسكه من ذراعه ولكن الأخير أبعدها بقوة وتقدم من الفتاة التي ابتعدت إلى الخلف وهي تحاول أن تتمالك أعصابها ولا تصرخ من الخوف، نظرت إليه ببرود وقلبها يكاد أن ينخلع وهي تستند إلى السور،أمسك بيدها وهزها بعنف حتى شعرت أن عظامها تحطمت، لكنها لم تصرخ بل عضت على نواجذها بقوة لتكتم صرختها، وبشجاعة لم تتوقعها هي من نفسها صفعته على وجهه بقوة، فأطلقها وهي تترنح إلى الخلف:
    - إذا أمسكت يدي مرة أخرى سأقطعها لك أيها الحقير..

    تقدم منها مرةً أخرى فصرخت:
    - تمدُّ بدك على فتاة، أهذا ما تستطيعُ فعله؟؟
    - اعتذري وإلا قسماً سأريكِ شيئاً لن يسركِ...
    خاطبته بنفس اللهجة:
    - قسماً إذا لم تبتعد ستندم طوال حياتك..

    ضحك ضحكةً قاسية ونادى بصوتٍ مرتفع:
    - عثماان،عثمااان..تعال بسرعة..
    لهث عثمان وكان عاملاً هندياً:
    -عثمان احضر الكلب الجديد بسرعة.

    وما أن سمعت "مريم"اسم "الكلب" حتى امتقع وجهها وصار لونه مائلاً للبياض..

    التفت له "راشد" وهو يتوسل إليه:
    -"خالد"ماذا تريد بالكلب، "خالد" اهدأ هذه فتاة، لا تجعل عقلك بعقلها.
    -اخرس أنت واغرب عن وجهي، سأأدب هذه الوقحة..

    - لاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
    اخترق صوت صراخها الفضاء وجسدها يهتز بعنف وفمها يرتعش بقوة:
    - لاااااا ، كلب لا، لالالالالالالا.
    نظرا إليها وهي تصرخ كالمجنونة، وأحس "خالد" بتأنيب الضمير.

    تعالت أصوات الكلب وعثمان يجره من سلسلته المعدنية، كان كلباً بوليسياً كريه الشكل مما يستخدم في الحراسة، وما أن رأته "مريم" حتى دفنت وجهها في صدر أخيها الصغير وهي ترتجف وتصيح:
    - لااااا، حرام..حرام..لاااااا ابعدوه، أماااااااه، أمااااااااااه.
    صرخ "راشد" في العامل بغضب:
    - "عثمان" أبعده، ارجعه إلى مكانه.

    ومن بعيد ركضت "أمل" وهي تسمع أصوات الصراخ العالية..

    تقدم راشد منها وهو يقول:
    - أختي اهدأي، لقد ذهب الكلب.

    لكنها استمرت في الصياح بهستيرية، و"خالد"ينظر لها باستغراب والذنب يقطر من وجهه.

    - لااااا، الكلب لا، أريد أمي، أمييييييييييييييييييييي.
    - صغيري أخبر أختك أن الكلب ذهب.

    كان "أحمد" يبكي بصمت طوال الوقت ..هو من وضع أخته في هذا الموقف..نظر إلى "راشد" الذي خاطبه، ثم التفت إلى أخته التي كانت تبكي في حجره وقال بهدوء:
    - "مريوووم" ماما ماتت لن تستطيع أن تسمعكِ الآن..

    بهت الرجلان لكلامه، وكفت مريم عن الصراخ، وفي هذه اللحظة وصلت "أمل" وهي تنظر للجميع بدهشة:
    - ماذا يحدث هنا يا ربي!!

    ابتعد "خالد" عن المكان وكأن شيئاً لم يحدث، لم يتبق سوى راشد وأمل، ومريم التي لازالت تبكي في حجر أخيها.

    همس "راشد" في أذن أخته بكلمات قليلة فهزت رأسها، ودلفت إلى مريم لتساعدها على الوقوف، لا تزال تنتفض وهي متشبثةٌ بأخيها، أسندتها وهي تقول لها بصوتٍ رقيق:
    - لا تخافي سنوصلك للبيت، اهدأي. (ثم دارت إلى راشد الذي كان ينظر لهم متردداً) "راشد" أخبر السائق أن يجهز السيارة.

    مشى راشد مسرعاً وهو يبتسم لهم ليطمئنهم، وما أن وصل إلى باب المزرعة حتى رأى أخاه فتلاشت ابتسامته.

    "يا إلهي أي أخٍ قاسٍ هو، ماذا فعل بالفتاة، أعوذُ بالله منه".

    لم يعبأ "خالد" بنظراته، كان يرقب أخته وهي تسند الفتاة المرتعشة التي كانت تعرج بوضوح، معقول!!! ألم تمشي في البداية بشكل طبيعي أم أن الغضب أعمى بصيرتي عن الملاحظة؟!!

    "مريم بالفعل عرجاء، ولكن عرجها من النوع البسيط الذي لا يُكاد يلاحظ لمن لايدقق في مشيتها، ولكنها حين تغضب أو تكون في حالة قلق فإنها تعرج بشكل أكثر وضوحاً.."

    خاطب "خالد" نفسه:
    - من أي دولةٍ خليجيةٍ هي؟! إما أن تكون بحرينية أو كويتية، هذا واضح من وجهها المكشوف وطريقة لباسها وكلامها!!!

    توقفت السيارة السوداء عند باب المزرعة، وخالد لازال يتأمل والرهط يتقدم منه، وفي تلك اللحظة رفعت "مريم" وجهها المبلل وهي تنظر له بقوة من خلال غلالة دموعها، وبصوتٍ مبحوح قالت:
    - أقسم أن الأمر لن ينتهي هكذا.
    تابعت سيرها وهي تلج السيارة وأحمد بجانبها، وفي الجانب الأيسر جلست "أمل" وهي زائغة، حائرة لا تعرف حقيقة ما حدث وعن أيِّ أمرٍ يتكلمون!!!

  4. #3

    تااابع

    (3)
    توقفت السيارة السوداء عند باب المزرعة، وخالد لازال يتأمل والرهط يتقدم منه، وفي تلك اللحظة رفعت "مريم" وجهها المبلل وهي تنظر له بقوة من خلال غلالة دموعها، وبصوتٍ مبحوح قالت:
    - أقسم أن الأمر لن ينتهي هكذا.
    تابعت سيرها وهي تلج السيارة وأحمد بجانبها، وفي الجانب الأيسر جلست "أمل" وهي زائغة، حائرة لا تعرف حقيقة ما حدث وعن أيِّ أمرٍ يتكلمون!!!

    لم يكن البيت بعيداً، كان يبعد مسافة عشرة دقائق فقط عن المزرعة، أشارت مريم للسائق لمنزلها من بين شهقاتها المكتومة، أما "أمل" فظلت تعتذر وتعتذر دون أن تدري عمّا تعتذر عليه!!!

    ترجلت وهي تسحب "أحمد" معها بقوة، دخلت المكون من طابق واحد، تبحث عن والدها، لم يعد بعد، من الصعب أن تتكهن بوقت رجوعه بحكم عمله كسائق سيارة أجرة..

    دخلت حجرتها لتلقى أختها الكبيرة جالسة على الكمبيوتر، التفتت إليها هذه الأخيرة، نظرت لها بدهشة:
    - ماذا حدث لكِ، لمَ تبكين؟!

    لم تجب "مريم"، ارتمت على سريرها، وقد ارتفع بكاءها..

    - كاد أن يرمي بالكلب علينا ليعضنا. صاح "أحمد".
    - أيُّ كلب وعمّن تتحدث؟؟
    - هناك- وأشار بيده ناحية الغرب- في المزرعة، لكنني ضربتهم وصرخت عليهم!!

    نزلت "ليلى" بمحاذاة "أحمد" لعلها تفهم شيئاً مما يقوله:
    - أحمد أعد عليّ ما حدث..أين كنتم وماذا حدث؟؟

    أخذ "أحمد" يحكي كثيراً، ينسى أشياء ويضيف أشياء لم تحدث أصلاً كأفعاله البطولية مثلاً، وليلى تقاطعه وصوت مريم يرتفع بالبكاء...

    وفجأة دخل الوالد عليهم:
    - بالله عليكم، لم كل هذا الصياح، أيّ مصيبةٍ أخرى حدثت؟؟

    رفعت "مريم" وجهها المبلل، تمسح دموعها التي أغرقت وسادتها، كان واقفاً وهو يلهث من شدة التعب، والإعياء ينضح من قسمات وجهه، هرعت إليه وارتمت على صدره الذي طالما احتوى همومهم ومشاكلهم، أخذت تأن وليلى تخبره بما حدث كما فهمت من أحمد، مسح الأب على شعر ابنته وشعور بالغضب يكاد يفتته يقتلع صبره، إنه يعرف ما يثيره هذا الحيوان من ذكرى بغيضة لابنته الحبيبة، حاول أن يهدأها لتسكت وتريح عينيها من البكاء ونارٌ أخرى تشتعلُ في جوفه:
    - كفى يا ابنتي، سأذهب لأتفاهم معهم..
    - كلا، لا نريد أن نتفاهم مع هؤلاء الكلاب، سنذهب إلى الشرطة لنقتص حقنا..
    - يا ابنتي، لا أريد أن تتبهدلي في مراكز الشرطة و...

    أبعدت مريم نفسها عن صدره وهي ترفس الأرض بعناد:
    - كلا، لن أدعه يهرب بفعلته، سآخذ حقي منه لقد أقسمت...

    تنهد الأب بتعب وهو يمسح على وجهه، يعرفها عنيدة كأمها "لم تركتني أحمل عبئهم وحدي"..
    - إن شاء الله، سنذهب غداً ارتحتي (ثم التفت إلى "أحمد" وشدّه من أذنه( كل هذا بسببك أنت، مالك ودجاج الآخرين؟
    - أخ، أخ، كنتُ سأريها لك.
    صاحت مريم:
    - دعه يا أبي قد آلمته.

    تركه الوالد وهو يخاطبهم:
    - أين المصيبة الأخرى، لم أره في البيت؟! كان يقصد أخاهم الأكبر "محمد".

    هزوا أكتافهم دلالة النفي، ومنذ متى عرفوا له مستقراً لا هنا ولا في وطنهم، هو بالنسبة لهم شبح يخطف عليهم أحياناً، يتناسون وجوده، يذكرونه سهواً ...

    - لقد خرج منذ الصباح، لا أدري إلى أين .... أجابت ليلى.

    خرج الأب من غرفتهم وهو يستعيذ من الشيطان الرجيم، لحقته ليلى وهي تنادي:
    - أبي، أأسكب لك الغذاء؟
    لم يلتفت لها وأكمل طريقه:
    - ومن له شهية ليأكل والمصائب تُحذف على رأسه...

    عادت "ليلى" لتجلس على الانترنت عشقها الأول والأخير لتكمل ما بدأته، لحق أحمد الصغير بوالده، أما مريم فعادت لتبكي بصمت وهي تستند على الجدار الملاصق لسريرها..

    لم يكن خوفها من الكلاب طبيعياً، بل كان رهاباً مرضياً ناتج عن تمزق أربطة قدمها وهي في العاشرة من عمرها بسبب عضة كلب، مما خلف لها عرجاً دائماً، خفَّ أثره مع العلاج الطبيعي والزمن..

    استلقت على فراشها وهي تشدُّ الغطاء حولها بإحكام لعلها تبعد صورة ذلك الكلب والرجل الطويل عن ذهنها!!!

  5. #4

    تابع

    (4)
    - من أي طينةٍ خُلق، تصرفه لا يمت للإنسانية بصلة!!

    لم يعلق "راشد" بل وقف واجماً:

    - وأنت لمَ لم تفعل شيئاً؟ كيف تركته يرعب المسكينة هكذا؟؟

    هزّ راشد كتفيه بيأس:
    - حاولت و لكنك تعرفين أخاكِ، قلبه أقسى من الصخر، لا يسمع كلام أحد.

    خرجت "أمل" من غرفة أخيها وهي تصفق الباب خلفها بغضب، ماذا باستطاعة راشد أن يفعل!! حتى والدها لو كان هناك لما فعل شيئاً، كلُّهم يخافونه وينفذون أوامره...

    من الصعب أن تُغير من طبع الإنسان حين يكبر، هكذا تربى منذُّ الصغر وهكذا عودوه...القسوة، الأنانية، إيذاء الآخرين كلمات أساسية في قاموسه، ألم يحرمها من البعثة التي حصلت عليها في فرنسا نظراً لتفوقها في الثانوية وتركها تدرس هنا في الإمارات رغم توسلاتها وبكاءها!!!! عادت لغرفتها وهي تتنهد بألم:

    - لا فائدة من الشكوى في هذا البيت...

    وقف "راشد" عند نافذة غرفته، يفكر في حديث أخته، أفعلاً يخاف من خالد، إنه يحترمه فقط وهناك فرق بين الاحترام والخوف، كلا لا تكذب على نفسك يا راشد، أنت تخافه اعترف بشجاعة على الأقل أمام نفسك!! تخافه لأنه وبإشارة واحدة منه قد يسلب حبيبتك، يسلب "فرح" ابنة عمك، كم كان يكره تهديداته له بأنه سيطلب من والده أن يزوجها إياه إذا لم ينفذ له ما يريد، يحتقر نفسه لأنّ كل أوامره كانت دنيئة مثله!! أتراك كيف تعيش إذا كانت هناك سكين تتدلى فوق عنقك تهددك بالسقوط..بالموت، أتهنأ بالعيش أم تجد للحياةِ طعماً يستحق كل هذا العناء.."فرح"هي حياتي، هي حبي الوحيد بدونها لا أجد للحياة معنى وبها أتحمل تلك السكين المتدلاة فوق عنقي!!! وخوفي الكبير أن تسقط عليّ يوماً رغم كلِّ ما بذلت من جهد..

    =========================

    تسلل إلى البيت بهدوء، لم يتبق على بزوغ الفجر إلا سويعات، دخل غرفته وأغلقها بإحكام، أخرج الشيء الموجود في جيب بنطاله، رفع كم قميصه إلى المنتصف، وضع المادة البيضاء في الملعقة المعدنية وعصر عليها قطعة ليمونة، أخرج ولاعته، أشعل تلك المادة وفي ثوانٍ أصبحت سائلة.. رخوة، سكبها في حقنة من الحقن التي يستخدمها مرضى السكري، وبيدٍ خبيرة اعتادت على مثل هذا العمل غرزها في وريده الأزرق، أغمض "محمد" عينيه، شعر بدوار وخدرٍ لذيذ، أطياف السعادة ترقص تتعرى أمام عينيه، تهاوى على الأرض بمحاذاة الباب، أطلق شخيره المزعج وصوت الأذان


    أشرقت الشمس بحبور فغمرت بأشعتها الآفاق، استيقظت "مريم" من نومها بإجهاد، لم تنم البارحة جيداً ، الكوابيس كانت تلاحقها وأطياف مجنونة أسهدت عينيها...حمدت ربها أنها كانت في عطلة وإلا ما استطاعت القيام بشيء، مريم أنهت المرحلة الثانوية - قسم علمي بمملكة البحرين وحين حضروا ليستقروا في بلد "زايد" سجلت في جامعة الإمارات لتكمل تعليمها العالي، كانت طموحة تقدس العلم وتحترمه لأبعد الحدود ولذا كانت تحصل على درجات متقدمة دوماً..

    التفتت لأختها، لا زالت جالسة على الكمبيوتر..متى تنام هذه وماذا تجد في هذا الكمبيوتر حتى تجلس عليه طوول الوقت!!! أنا لا ألومها، في الثامنة والعشرين من عمرها بدون زوج، بدون عمل، دبلوم الإدارة المكتبية مركون في درج ملابسها المكومة..

    تأملتها، جميلة هي، بل أجمل مني، بشرتها بيضاء صافية، ملامح طفولية هادئة بريئة، وشعر بني اللون اِحمرّ من تكرار صبغه بالحناء، لمن تبتسم هذه أجنت؟!! نهضتُ من فراشي لأرى ما تفعل..فالدنيا لا أمان لها الآن!!

    سقط ظلالي على شاشة الحاسوب، فأجفلت وضغطت فوراً على المربع الصغير Minimize فلم أرى سوى خلفية الشاشة!!

    - بسم الله الرحمن الرحيم، لقد أخفتني..
    - لم خفتِ هكذا، ماذا كنتِ تفعلين؟؟

    ارتبكت ولم ترد عليّ فوراً، وكأنها انتبهت حينها أنني من كنتُ أخاطبها..أنا أختها الصغيرة!! كشرت في وجهي وهي تنظر لي من علو:

    - وما شأنكِ أنتِ...
    ………….. -
    - لمَ تنظرين لي هكذا؟!

    هززتُ رأسي وأنا أدخل الحمام، وما شأني أنا فعلاً، هي كبيرة وراشدة، وصلت إلى السن الذي يُفترض أن تعرف فيه الصح من الخطأ، وما تفعله الآن شيء خاطىء بالتأكيد فالمجرم تتضح عليه علامات ذنبه بوضوح..

    غسلتُ وجهي وأنا أردد في نفسي:
    "وما شأني أنا، يكفيني ما أنا فيه، ليس لديّ قدرة لأفكر بمشكلات الآخرين وما يفعلوه، يا نااس أنا أملك قلباً واحداً يرزء بألامه، بأحزانه، بأحلامه التي تبدو صعبة المنال بعيدة كوجه السراب!! ليس بإمكاني أن أسحب هذا القلب وأمدده كي يتسع للآخرين، ليفهمهم وليشاركهم أتراحم، يا نااس افهموني هو قلبٌ واحد أملكه وقد تقرح من همومي فاعذروني....."

    تنهدت بضيق، فاليوم ستذهب مع والدها إلى مركز الشرطة لتقديم بلاغ ضد صاحب المزرعة المغرور وكلبه!!!

    أما "ليلى" فقد أغلقت شاشة الحاسوب، استلقت على فراشها فالنهار طويل، طويل لا نهاية له وحين يجن الليل ويهجع الآخرين تبقى عيناها ساهرتان تبكيان بصمت الوحدة، تبكي عواطفها المهملة، تندب جمالها الذي سيذوي دون أن تجد من يتغزل فيها، يشعرها بأنوثتها، والرجال اليوم يبحثون عن الصغيرة دوماً، يبحثون عمن تجدد شبابهم كما يعتقدون..

    حكموا عليها منذَ زمن ليس ببعيد بالعنوسة، بدفن شبابها وأحاسيسها المرهفة التي تهفو إلى ملاذٍ آمن تأوي إليه، إلى سكينة النفس والجسد، جميع صديقاتها اللاتي في عمرها تزوجن وأنجبن أطفالاً ربما في عمر "أحمد" الآن، كم كانت تكره أحاديثهم، تبغض فرحتهم، اعتزلتهم لم يعد بينها وبينهم أحاديث مشتركة..لا زوج، لا أولاد، لا شيء.....

    "ما ذنبي إذا كان أخي مدمن مخدرات سيء الأخلاق، ما ذنبي أنا؟؟ هل أنا من طلبتُ منه أن يستخدم هذا السم اللعين، لم يشيرون لي بالبنان ويشمتون:
    - هذه أخوها مدمن مخدرات!!!

    ألا يفهم هؤلاء الحمقى أن الإدمان مرض كغيره من الأمراض يُمكن علاجه، نحنُ لم نقصر أرسلناه إلى مستشفى الأمل بالسعودية عدة مرات، لكنه عاد إلى إدمانه مرة أخرى..ما ذنبنا إذا كانت إرادته ضعيفة كنفسه الحقيرة!!! بتُّ أكرهه، أمقته، هو السبب في عنوستي، هو من حطم آمالي بزوج وطفل وبيتٍ يأويني...

    - ألو، السلام عليكم..أنا أمُّ العريس الفلاني، السموحة لا يوجد نصيب..الله يوفق ابنتكم بابن الحلال!!!

    هكذا تكون حالتها بعد كل مقابلة مع عريسٍ ما، تخاف من رنة الهاتف، تخشى من أن تسمع هذه العبارة المتكررة، الرفض دائماً يلاحقها...

    ألا يفهم هؤلاء ألا يحسون، إذا رفضني كل أولاد الحلال لأن أخي مدمن مخدران وهم لا يريدون لخال عيالهم كما يزعمون أن يكون هكذا، فمن سيأخذني...أولاد الحرام؟؟!

    مسحت دمعة انحدرت خلسة، حركت يدها أسفل ملاءة الفراش، أمسكت الكتاب الصغير، كانت رواية من روايات عبير تعيش من خلالها فصلاً من الخيال، عالماً وردياً، عالماً يعيش للحب ويثمل بالحب، تحلق في أجواء الرومانسية العذبة، تتخيل نفسها البطلة دوماً وتغير البطل كلما قرأت قصة جديدة، وتنسى كل شيىء، كل شيء، حتى أخوها المدمن!!!!

  6. #5

    تابع

    (5)
    اجتمعت العائلة في غرفة الجلوس كعادتها كل يوم بعد الغذاء، يحتسون الشاي وهم يتسامرون...

    الأب: ومتى سنفرح بك يا ولدي، أريد أن أرى أولادك قبل أن أموت...

    نهض "خالد" من كرسيه المجاور لمقعد والده وهو يقبّل رأسه:
    - أمدّ الله بعمرك لترى عيالي وعيال عيالي..

    ضحك الأب ثم تنهد بضيق:
    - لن نأخذ عمرنا وعمر غيرنا.
    - العمرُ كله لك يا والدي..ابتسمت له "أمل" برقة.

    قاطعتهم الأم:
    - إذن ماذا تنتظر يا ولدي، وإذا كان على العروس فهي موجودة.
    - أهاا، العروس ومن هي؟! سألها خالد وهو يبتسم.
    - أو نسيتها بسرعة.."فرح" ابنة عمك.

    التفت حينها لأخيه الذي كان يرقبه بصمت وقد احتقن وجهه فجأة..

    "أيُّ قنبلةٍ ألقيتِ يا أمي!!
    ألا تشعرين بي..أيّ أمٍ أنت، أتتعجلين بفنائي، بصفع روحي وقلبي معاً، لم لا تحسين، ألستِ بأم، أليس من المفروض بأن تعرفي ما بعيالك، لم هو في المقدمة دوماً وعلى حساب الكل لمَ"....

    لم يعلق "خالد"، اكتفى بالابتسام وهو يتلذذ بالغيظ الذي يمزق صدر أخيه، احتسى كوب شايه وعيناه تنظران لراشد من فوق طبقه.

    - هااا، ماذا قلت..سأخطبها لك اليوم إذا أردت؟

    وضع الكوب على الطاولة وهو يعد في ذهنه حتى العشرة يمزق "راشد"ببروده، يهوي بقلبه إلى القاع...

    - لا أفكر بالزواج حالياً..مازال هناك متسعٌ من الوقت لمثل هذا الأمور..
    - ولكن..
    - أرجوكِ يا أمي، لاتضغطي عليّ أكثر.
    - اتركيه يا "أم خالد" إنه يريد أن نموت بحسرتنا دون خلَف..
    - حاشاك يا والدي. (ثم عاد ليقبل رأسه من جديد.(

    أما راشد فقد تنهد بارتياح وكأن روحه قد عادت، رُدت إليه.."كم يلعب بأعصابي ذلك الوغد".
    - أجل يا والدي لا تضغطوا عليه في مثل هذه الأمور، دعوه يتزوج بإرادته وبإقتناع.

    التفت له "خالد" وعلّق ساخراً:
    - أخيراً نطقت، خلتُ أنّ القطة أكلت لسانك..

    وفجأة رنّ جرس الهاتف قاطعاً حديثهم، نهض "راشد" ليُجيب:
    - ألو.
    - السلام عليكم.
    - وعليكم السلام والرحمة.
    - منزل السيد خالد محمد "الـ...... "؟!
    - نعم.
    - هل هو موجود؟
    - لحظة.

    التفت إلى الجانب الآخر وهو يغلق فم السماعة:
    - خالد، هناك من يريدك.

    نهض وتناول السماعة وهو مقطب الجبين، كل معارفه يتصلون به على الجوّال!!
    - ألو.
    - السيد خالد؟
    - نعم.
    - معك مركز شرطة ال...، أرجو أن تحضر حالاً لأمرٍ طارئ.
    - ما الأمر؟!
    - ستعرف عندما تحضر.

    أغلق "خالد" سماعة الهاتف وهو ينظر لراشد بوجوم.
    - من المتصل؟ سأل الأب.
    - هااا، لا أحد مهم.

    ثم التفت لأخيه وخاطبه بصوتٍ خافت:
    - تعال يا راشد، أريدك قليلاً.

    خرجا من الغرفة، لحقتهما "أمل"، أما الأب فلم يعلق وكذلك الأم، يعرفان ابنهما جيداً كتووم كغلاف جوزة الهند!!

    - تعال معي إلى مركز الشرطة.

    شهقت "أمل"وهي تفتح عينيها بإندهاش.

    - أعتقد أنّ الأمر له علاقة بتللك الفتاة..(أجاب بغيظ.(
    - إذن لن أذهب معك..(ردّ "راشد("
    - لماذا؟!
    - لأنك كنت مخطئاً حينها وتستحق ما يجري لك الآن..
    - ستأتي رغماً عنك، وإلا...أنت تعرف ما سأفعله..

    نظر إليه بتهديد وقد اسودت عيناه، تحرك فكُّ "راشد" ليتكلم لكنه أحجم، حدّقت "أمل" في وجهه الذي احمرّ، زفر دون أن يرد، شعرت بذله، إلى متى سيظل يهددهم ويتحكم فيهم؟؟

    - سأخبر أبي بما فعلته للفتاة وأنا متأكدة أنه لن يسكت هذه المرة على فعلتك المشينة..

    أمسك بمعصمها بقوّة وهي تصرخ:
    - صه، اذهبي إلى غرفتكِ الآن ولا أريد أن أرى وجهكِ هذا، لاينقصني إلا الأطفال ليتكلموا...
    "- خالد" اتركها وأنتِ يا أمل اذهبي فوق..

    طفرت الدموعُ من عينيها، وغصّة مدفونة في صدرها تخنقها خنقاً، منذُ أن خنق حلمها بالسفر إلى الخارج لتدرس، نظرت إليه بكل الحقد والكره المكبوت:
    - أنت بغيض بدرجة مقيتة، لا أحد يحبك هنا، أنا أكرهك..أكرهك.

    حاول أن يمدّ يدهُ عليها مرةً أخرى، لكّن راشد وقف لهُ بالمرصاد، إنها أخته الصغيرة وقارورة قبل كلّ شئ:
    - أمل اذهبي إلى غرفتكِ فوراً..

    تراجعت "أمل" إلى الخلف وهي تنظر إليه بغضب هو الآخر:
    - مثلك لا يوجه إليّ الأوامر، أتدري لمَ، لأنك جبان..جبان..جبان.

    بهت راشد في مكانه مصدوماً، ذهبت بعد أن طعنت رجولته بكلمات..ما أقسى الكلمات..لها دويُّ في النفس أمضى من الفعل....ومريضُ القلبِ تجرحه الحقيقة..أين سمع هذا البيت..شطرهُ شطراً!!!

    - هيه، أنت إلى متى سنقف هنا.
    …………………. -
    - راشد!!! (لكنّ الآخر كان بعالمٍ آخر. ضربه على كتفه بخفة).
    - راشد هيااا..

    دلفا إلى مركز الشرطة، أحدهما بشرود والآخر بغيظ..

  7. #6

    تااابع

    (6)
    غسلت الأواني كيفما بدا وقلبها يخفق من شدة الفرح، أخيراً سيتغير روتين حياتها، أخيراً ستحسُّ بنفسها وباستقلاليتها، ستكون شيئاً ما، شيئاً منتجاً و مهماً....ستتوظف!!!

    اتصلت بها في الصباح شركة مقاولات كانت قد قدمت بها مسبقاً لوظيفة سكرتيرة واليوم وبعد مرور شهرين من تقديم الطلب وافقوا على مقابلتها..

    ترنمت بصوتها الجميل وهي تميلُ برأسها، أمسكت بملعقة معدنية، لم تكمل غسلها بالصابون، تلمست انحناءها الشاذ إلى الخلف، بللتها بالماء وهي تتفحص الإسوداد الموجود أسفلها، ماتت الفرحة من على شفتيها، دققت فيها لثوانٍ ثم ركنتها في طرفٍ لوحدها وهي تتنهد:
    - لن يتوقف أبداً...متى يموت ونرتاح منه!!! عضت على شفتيها وهي تستغفر الله..ماهذا الكلام إنه أخوها قبل كل شيء...


    دخل المكتب بنظارته السوداء، يتقدم أخاه بجسده الفارع، ألقى التحية على الجميع دون أن ينظر لأحدٍّ معين.
    - أنت السيد خالد؟
    - نعم.
    - اعطني بطاقتك المدنية و تفضل بالجلوس لو سمحت.

    جلس بمقابل الأب وابنته، ينظر للأخيرة بثبات دون أن يحول عينيه عنها، نظرت إليه بنفس الهدوء وقد جلس "أحمد" الصغير في حجرها.. بينما ظلًّ "راشد" واقفاً لعدم وجود كرسيٍّ شاغر..

    كان الأب عاقداً ذراعيه، يتفحص من تهجم على ابنته، من أثار لها ذكرى الطفولة الأليمة، كان خالد مرتدياً ثوباً أبيضاً ناصعاً، شماغه مربوط إلى الخلف على الطريقة الإماراتية، بدا جذاباً ومهيباً تلك اللحظة..

    "يبدو من عائلة محترمة بلا شك، المظاهر كثيراً ما تكون خادعة" هكذا تساءل الأب في نفسه!

    تطلع الشرطي إلى البطاقة بحيرة، نزع قبعته وهو يتحسس شعره المجعد:
    _ أأنت ابن السيد محمد "الـ...... " رجل الأعمال المعروف؟!
    ردّ باقتضاب:
    - أجل.
    - أليس هو من بنى دار رعاية الأيتام الجديدة؟
    - نعم.
    - أهااا.

    "تساءلت مريم في نفسها، لمَ كل هذه الأسئلة التي لا معنى لها وتلاقت عيناهما في تلك اللحظة وقد ارتسمت على شفتيه شبه ابتسامة مغرورة، أمّا الأب فقد فزّ قلبه وبدأ جبينه يتصفد عرقاً، أهذا ابنه؟ مالنا وهؤلاء الناس، أين نحن وأين هم، فرقٌ شاسع بينهم، المال والفقر، هو الفرق بين الثرى والثريا...."

    سكت الشرطي برهة وهو ينظر للطرفان، ثم تنهد:
    - اسمع يا سيد "خالد" سندخل في الموضوع دون إطالة، هذه الأخت- وأشار إلى مريم - تدعّي أنك تهجمت عليها بواسطة كلب و....

    حينها صرخ "أحمد"الصغير وهو يبتعد عن حجر أخته:
    - أجل، كلباً كبيراً وكريهاً، ولكن ليس أكبر من صاحبنا هذا..

    أطلقت"مريم" ضحكة صغيرة فرّت من حلقها رغماً عنها ورغم جدية الموقف .
    "من أين جئت بهذا الكلام الكبير يا أحمد"، زمجر الأب في وجه ابنه:
    - عيب يا أحمد ما هذا الكلام، اعتذر للرجل فوراً.
    - لكن يا أبي هو الذي...
    - اذهب قُلت لك وإلا صفعتك أمام الجميع.
    - لا يوجد أي داعٍ لذلك يا سيدي، إنه مجرد طفل..ردَّ خالد.

    التفت إلى مريم، التي كانت تضع يدها على فمها وقد احمرّ وجهها من أثر الضحك المكبوت، انتبهت إليه وهو يراقبها فأخذت تكح على سبيل التمويه، كم تبدو جميلة وهي تضحك، تبدو بريئة كالأطفال..

    طأطأ "أحمد" رأسه بذّل، بكى في خاطره لِمَ يصرخون عليه دائماً، لقد أصبح رجلاً الآن، من سيحترمه بعد اليوم!! تمنى أن يكبر وتنمو عضلاته ليريهم قوته الحقيقة..متى أكبر متى؟!

    - أنا آسف.قالها بتعثر.
    - لا عليك يا صغيري.

    لا زالت تسعل..من شابه أخته فما ظلم "ههههه"!! كانت تودُّ أن تغادر المكان لتُخرج ضحكتها قوية مجلجلة، لكنها خجلت من نفسها، هؤلاء رجال، ماذا سيقولون عنها..مجنونة؟!

    - أتريدين كوب ماء؟ سألها بسخرية لاذعة.

    ماتت الضحكة على الشفتين ولم تعلِّق، لِمَ لا يعمل منغصاً للأفراح؟!

    - احم، احم. (تنحنح الشرطي وهو يكمل( لنعد إلى صلب الموضوع، هذه الأخت تتهمك بأنك حاولت أن تتهجم عليها بواسطة كلب، فما قولك في هذه التهمة؟
    - وأين شهودها؟

    شهقت مريم وهي تتعجب من وقاحته، التفتت إلى الشرطي وهي تشير إلى "راشد":
    - ذاك الواقف أمام الباب كان موجوداً معنا آنذاك، أسأله..
    خاطبه الشرطي بنبرةٍ جادة:
    - هاا، ما قولك؟؟

    ارتبك راشد، نظر إلى أخيه، كان وجهه جامداً لا تبين ملامحه:
    - في الحقيقة، في الحقيقة...

    لكنّ "خالد" قاطعه وهو يدير له ظهره ويخاطب الشرطي مبتسماً:
    - عذراً على المقاطعة، أنا لا أنفي أنّ في اتهامها جانباً من الصواب، ولكن تخيل يا سيدي أنك صاحب مزرعة يُقفل بابها دوماً لمنع المتطفلين – التفت حينها لمريم ثم أردف – وتجد أشخاصاً يخرجون منها ومعهم دجاجة!! مالذي سيدور في خاطرى غير أنهم لصوص!! لذا كان حتماً عليّ أن أدافع عن مُلكي.
    - إذاً أنت تعترف بأنك هددتها بالكلب.(سأله الشرطي.(
    - أنا لا أعترف بشيء، وإذا كانت تعني بالشهود أخي، فإنّ كلمتي أنا وأخي ستكون ضدّ كلمتها هي وهذا الطفل..

    صرخت "مريم" وهي تصرّ على أسنانها:
    - أو تجرؤ على الكذب...ألا تخجل من نفسك في مثل سنِّك وتكذب، ماذا تركت للصغار؟؟!
    - مريم.. (شدّ الأب يد ابنته وهو ينظر لها شزراً فصمتت.(

  8. #7

    الفصل الثاني


    تجاهلها وهو يكمل مخاطبة الشرطي:
    - وبهذه المناسبة أغتنم الفرصة لأبلغ عن سرقة دجاجي، والمتهمة هنا موجودة!! ولديّ بدل الشاهد عشرة..

    فتحت "مريم" عينيها على أوسعهما دهشةً..من جاء يبلغ عمّن!!!
    - أنا لم أسرق، كل ما في الأمر أنّ أخي اصطادها وأصرّ على أخذها معه..طفل صغير كيف أقنعه!! وكنّا سنشتري لكم دجاجة أخرى على أية حال.

    ابتسم خالد وكأنما أعجبه حديثها معه:
    - دجاجُ مزرعتنا يختلف عن الدجاج الآخر.
    - كيف؟! ريشها مصبوغ بالذهب مثلاً؟!!

    اتسعت ابتسامته لكنه ابتلعها بسرعة، عقد حاجبيه الرفيعان، سرعان ما التصقا عند المنتصف:
    - أنتِ من بدأتي أولاً.

    نظرت إليه دون تصديق، هل يسخر منها، تساءلت في نفسها: أكل هذا من أجل دجاجة لا يتجاوز سعرها ديناران بالعملة البحرينية؟! أليس موضوعاً سخيفاً بل مضحك...كلا، كلا ليس مضحكاً، كان سيكون مضحكاً لو لم يحضر ذلك الكلب الكريه...

    - أنا اعتذر بالنيابة عن ابنتي وابني الصغير عمّا فعلوه، وأرجو أن تغفر لهم تجرأهم على ممتلكاتك، إنهم أطفال وحديثوا العهد بهذه البلاد الكريمة..

    كان الأب هو من تكلم حينها، تطلعت إليه وجهه محمّر وقد تلألأت حبات العرق على جبينه الأسمر المغضن، إنه يعرق كثيراً رغم برودة الجو!!
    - أبي….
    هزّ الأب رأسه، عيناه تخاطبانها ترجوانها أن تصمت، لكن يبدو أنها لم تفهم لغة العيون:
    - أبي نحنُ لم نفعل شيئاً خاطئاً لتعتذر..
    - قلتُ يكفي......نظر لها بحدة فصمتت وهي تكاد ُ تتفتت من الغيظ .."لماذا انقلب والدي هكذا فجأة"!!

    التفت إلى الشرطي وهو يخاطبه ببطء:
    - سيدي الشرطي ابنتي ستتنازل عن البلاغ.

    نظر هذا الأخير إلى "مريم" لكنها لم تجب، لازال رأسها مطرقاً إلى الأرض وهي ممسكة "أحمد" بقوة.
    - هاا، ماذا تقول الأخت؟؟ أتقبلين بالتنازل؟

    رفعت رأسها لتجد "خالد" يبتسم وهو يراقبها، في عينيه بريقٌ واستكانة، يتابع ما يجري بصمتٍ وحبور، هزّ رأسه بخفة ثم رفع أحد حاجبيه الرفيعين لكأنهُ ينتظر إجابتها أيضاً، ودت لو تمسح هذه الابتسامة البغيضة عن وجهه، لقد أغاظتها.."لماذا جئنا إلى هنا إذا كنا سنتنازل أصلاً؟! أين كلامك يا أبي؟؟ أين تهديداتك بأنك لن تسكت عما فعله بي..أذهبت الكلمات أدراج الرياح، أم أنّ كلمات النهار يمحوها النهار أيضاً، لم جبُنت هكذا يا أبي لِمَ؟؟

    - هاا، ما قولك؟ كرر الشرطي سؤاله.

    لم تُجب، "لو يوقف هذه الابتسامة فقط!!"، انتبه لها والدها وهو يستعجل ردها، لكنها كانت شاردة، أمسكها من مرفقها، عادت لتلتفت إليه، لازال وجهه محمراً ومعرقاً...
    هزت رأسها بالنفي، فضغط على ذراعها بقوة، احمرّ وجهها من الإحراج، عادت لتهز رأسها بالإيجاب.
    - قولي للشرطي أنك تتنازلين عن القضية.
    - أ..أنا ات..اتناازل.

    تنهد الشرطي بارتياح، أما هي فلم تقوى على النظر إلا شيء إلا حذائها الي كان جسد "أحمد" يحجبه!! لم تود أن ترى وجهه لابد أنهُ لا يزال يبتسم..
    - وقعي هنا لو سمحتِ..

    ناولها القلم، أمسكته بارتجاف ووقعت دون أن ترى بوضوح..أخذ الشرطي منها الدفتر وقربه من "خالد":
    - وقع هنا أيضاً هذا التعهد بعدم التقرب منها.

    التفت إليها وهو يطرف عينه اليسرى، نظرت للجانب الآخر وهي تمط شفتيها بضيق:
    - القلم لو سمحتِ يااا.... أختي..

    رفعت القلم لتركنه على الطاولة لكنها غيرت رأيها، مدت يدها لم تكن المسافة كبيرة بينهما، مدّ يده ليتناوله لكنها آنذاك أسقطته..

    والتمعت عيناه ببريقٍ غاضب جمدهُ بسرعة لكنها لاحظته، ابتسمت باستهتار وهي تتمتم:
    - معذرةً.
    - لا بأس عندي قلمٌ آخر. (وتناول "خالد" القلم من الشرطي وهو يوقع بسرعة.(
    - يمكن للجميع أن ينصرف الآن.

    خرجت عائلة مريم أولاً، كانت هذه الأخيرة غاضبة من والدها، لقد أحرجها، جعلها طفلة أمامهم لا رأي لها، لم تتعود على هكذا، عودتها أمها دوماً على الجرأة، على أخذ حقها وعدم التنازل عنه أبداً، ساروا في الممر بضع خطوات دون أن ينبس أحدهم بكلمة:
    - بابا..أريدُ أن أذهب للحمام.. (قال "أحمد" وهو يمسك ببطنه.(

    التفت الأب حوله، فرأى سهماً يشير إلى دورة مياه للرجال.
    - اجلسي على كراسي الانتظار تلك، سأذهب معه ونعود.

    لم تعلق، لا زالت غاضبة منه ومن الموقف برمته، عضت على شفتيها وذهبت لتجلس على كرسيٍّ محاذٍ للجدار، عقدت ذراعيها حول كتفيها وهي تنظر إليهم وقد ابتعدوا في الناحية الأخرى..دقت الأرض بقدمها اليمنى بملل وهي تتأفف بضيق.

    في تلك اللحظة لمحها "خالد" ولم ينتبه لها "راشد"الذي كان مندمجاً في اتصالٍ ما.
    - "راشد" اسبقني للمنزل، لديّ عملٌ مهم وسألحقك بعد قليل..

    هزّ "راشد" رأسه بإيجاب وانصرف بينما سلك "خالد" الطريق الذي يؤدي إليها، وبكل الحنق والغضب الذي يشعر به تقدّم تجاهها وتذكر حركة "القلم" ونظرة الاستهزاء بعينيها، تقدم ببطء شديد دون أن تشعر بوقع خطواته وما أن وقع ظله عليها حتى التفتت ناحيته..
    ماذا سيحدث بينهما؟؟...

  9. #8

    تابع

    هزّ "راشد" رأسه بإيجاب وانصرف بينما سلك "خالد" الطريق الذي يؤدي إليها، وبكل الحنق والغضب الذي يشعر به تقدّم تجاهها وتذكر حركة "القلم" ونظرة الاستهزاء بعينيها، تقدم ببطء شديد دون أن تشعر بوقع خطواته وما أن وقع ظله عليها حتى التفتت ناحيته...

    أجفلت في مكانها، مال برأسه تجاهها وقد استند بيده اليمنى على ذراع الكرسي، رأت وجهه عن كثب لأول مرة، هي ليس من عادتها أن تُحدق بأحد خصوصاً إذا كان رجلاً لكنهُ كان يحدق بها بطريقة غريبة لم تفهمها وأخيراً نطق وهو يبتسم بسخرية:

    - أين ذهب ال..البابا؟؟!!
    ……………………. -
    - أتركوكِ هنا لوحدك؟ مسكينة.
    ……………………. -

    وهزَّ رأسه وهو يتظاهر بالحزن، أما هي فلفت وجهها للناحية الأخرى دون أن تُجيب.

    - أتمنى أن تكوني قد استفدتِ من درس اليوم وتعلمتِ ألا ترفعي أنفك أمام من هم أرفع منكِ مقاماً..
    …………………….. -
    - تُقيمين على أرضنا وتشتكين علينا!! أعتقد أنّ هذا خارج عن حدود الأدب!!
    …………………….. -
    - أنتِ بحرينية صح؟! لمَ لا تجيبين، أم تخجلين من هويتك لأنكم "هنوووود الخليج"!!!!

    رمشت عيناها الواسعتان مراراً وتكراراً، وصدرها يعلو ويهبط بسرعة وقد ضاق تنفسها..عضت على شفتيها بقوة حتى كادت أن تدميها، "لا، لن أرد عليه،بل ردي، دافعي عن نفسك، دافعي عن وطنك، افهمي هذا الحقير كيف هي بلادك، كيف هي البحرين، افهميه أن الدنيا لا تُقاس بالمال ولا بالمستوى الاجتماعي، بل بالباقيات..بالباقيات الصالحات..مشكلة الأغنياء أن المادة تُعمي أبصارهم، لا يرون أبعد من أنوفهم، عقولهم ضيقة وتعصبهم أبله مثلهم!!

    - لِمَ تتنفسين بسرعة وكأنّ أحداً يُلاحقك؟!

    وانقطع ذلك الخيط الذي يحكم زمام نفسها، تصاعدت الكلمات إلى ذهنها كثيرة معظمها شتائم..لآ تدري!!
    - أنت..أنت..أنتَ. (كررتها بتقطع).
    - أنا ماذا؟
    سألها بهدوء وقد دكنت عيناه فبات لونهما أكثر سواداً، أبعد يده اليمنى عن ذراع الكرسي وضمها إلى صدره وهو ينتظر.

    لم تُكمل، لفت وجهها مرةً أخرى إلى الجهة الأخرى، كررت رمش عينيها في محاولة فاشلة لمنع دموعها من النزول، لم ينربط لسانها فجأة ولا تقوى على الرد، ولم تكاد تبكي، بل إنها تبكي الآن، أيّ دموعٍ بلهاء أذرف!!!

    - أ..أتبكين؟!
    سألها بحيرة وقد ضاقت عيناه وبدا بؤبؤاه نقطتان صغيرتان تلمعان من بعيد.

    غطت وجهها بيديها الصغيرتين وهي تبكي بصمت، خجلة من نفسها، خجلة من دموعها البلهاء، والغريب أنّ غضبها تبخر فجأة وكل ما تشعر به الآن لوعة.. حسرة تعصف بكيانها، ربما لأنها تشعر بأنها غريبة في غير أرضها، وقد أُهينت دون أن تقدر أن تدافع عن نفسها، حتى والدها صمت، جبُن هو الآخر وذهب ولم يعُد حتى الآن..

    - أنا آسف..
    ابتعد عنها وهي لا زالت موشحة بوجهها، اختفت خطواته الثقيلة، تناهت إلى أذنيها خطوات أخرى جديدة، خطوات حفظتها عن ظهر قلب بعدد سنوات عمرها الثامنة عشر، إحداها صغيرة تحبها بل تعشقها بجنون والأخرى تحبهاا أيضاً!!!!
    "- مريووووم" لم تبكين؟

    أبعدت يديها وهي تمسح ما بين أنفها، تطلعت إلى والدها من بين غلالة دموعها، نظر إليها بصمت وقد تغضن جبينه وبدا أكبر من عمره ب10 سنين، "لم جئت بنا هنا يا أبي.." فتح فمه لكنه صمت، لم يملك إجابة، لا بل الإجابة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، "أرجوكِ لا تنظري إليّ هكذا..نظراتكِ تقتلني تذكرني بها..بالمرحومة..هنا أفضل لكم..هنا لا يعرفكم أحد..هنا لا يتهامس عليكم الناس، لا يعرفون أنّ أخاكِ مدمن مخدرات..كانت تريد لكم السعادة، تريد لليلى أن تتزوج..ذهبت أجمل سنين عمرها دون زوج..أتعتقدين أنني لا أشعر بوحدتها، لا أرى دموعها المخبئة في مقلتيها تنتظر الخروج..تبحث عن مرفىء يظللها يحميها من سخرية وشفقة الناس، الناس هم سبب كل المشكلات، لم لا يتركونك بحالك، لم لا يخرسون ألسنتهم..لم هم هكذا هؤلاء الناس؟!!....

    سار الأب دون أن ينهي حديث العيون، هزت "مريم" رأسها بأسى وهي تمسك بيد "أحمد" وولجوا سيارة "البيك آب" الزرقاء..


    أما "خالد" فقد ساق سيارته وهو يشعر بالاختناق، بدا الطريق إلى منزله بعيداً، بعيداً.. لم يكن من عادته أن يعتذر، ولكن دموعها صدمته، خالها ستصرخ عليه، ستلقي عليه كلماتٍ ثقيلة مثلاً، أما أن تبكي فهذا لم يخطر بباله قط..شعر بالندم، بالضيق..تنهد وهو يضغط على زر المسجل، ثم غير مسار طريقه، ذهب إلى شقة صديقه "فيصل"، هناك سينسى مشاعر الضيق التي تعتريه، وسينسى هذه الفتاة ودموعها الخرقاء، سيبعد طيفها الذي لا يفتأ يلوح أمام عينه..
    هزّ رأسه عدة مرات، أوقف سيارته وهو يبصق على الأرض، وما أن ولج الشقة حتى نسيَ كل شئ وبدا خيالها أمامه باهتاً لا يكادُ يبين..

  10. #9

    تابع

    ارتدت "ليلى" أجمل ما لديها، أخذت تطالعُ نفسها في المرآة ربما للمرة المليون!!! وفي كل حين تبدّل وشاحها وهي تسأل "مريم" أيها يلاءمها أكثر والأخيرة تردُّ باقتضاب دون تركيز.
    - أتعتقدين أن الوشاح الكحلي يناسبني أم الأسود؟

    رفعت "مريم" بتأفف وهي ترد:
    - الأسود أحلى...

    عبست "ليلى" في وجه أختها:
    - ولكني أعتقد أنّ الكحلي يضفي عليّ نضارة وإشراق، يجعلني أبدو أصغر سناً!!
    - لاحووول..البسي ما تشائين، إنها مقابلة للعمل وليست مقابلة زواج!!

    صمتت "ليلى" وهي تخلع وشاحها الكحلي ببطء وقد تلاشت فرحتها بسرعة، لمَ لحظات السعادة تبدو قصيرة جداً!! تناولت الوشاح الأسود و"مريم" تطالعها والندم يقطر من وجهها، نهضت من سريرها واقتربت من أختها، مست كتفها بلطف لكنّ الأخيرة لم تلتفت لها:
    - لم خلعتِ الأزرق، بدا جذاباً عليكِ...

    عقدت "ليلى" حاجبيها وهي تُدير وجهها ببرود:
    - ألم تقولي أنّ الأسود أحلى..

    ابتسمت "مريم" وهي تقول:
    - تعرفينني أحبُّ هذا اللون، لكنّ الكحلي يلاءمك أكثر، يجعلك جميلة جداً..

    شعّ وجهها بابتسامة خجل، وهي تتفحص وجهها في المرآة من جديد، "إنها طفلة رغم كل شئ..خاطبت مريم نفسها".
    - أتدرين ماذا ينقصني..سيارة جديدة محترمة لتتلاءم وأناقتي..تخيلي سأذهب مع والدي بسيارته "البيك آب"، يا له من إحراج..

    زمت "مريم" شفتيها بامتعاض وهي تعود لتستلقي على سريرها من جديد:
    - ولم الإحراج، هذا ليس عيباً، لم يكن الفقر يوماً بعيب، ثمّ إنكِ لم تحتجي حين كان أبي يوصلك إلى العمل من قبل لمَ هذه المرة مختلفة؟
    جلست "ليلى" على الكرسي المقابل بعناية وهي تجيب:
    - هذا لأننا كنا في بلادنا، وسيارات "البيك آب" منتشرة هناك بكثرة والكل يركبها بشكل عادي، أما هنا فالأمر مختلف، يهتمون بالمظاهر بشكلٍ كبير..الكل يركب سيارات فخمة.

    لم تعلق "مريم" بل شردت في "خالد"، إهاناته لا تزال ترن في أذنيها بشكلٍ مستمر وصورته باتت تتكرر في ذهنها دونما سبب..ّذلك الإماراتي المغرور!!!! أتمنى ألا أراه مرةً أخرى..

    شدت اللحاف حولها بقوة وهي تسمع صوت والدها ينادي "ليلى" ليوصلها إلى العمل..يا رب وفقها..من الأفضل أن تشغل نفسها بشئ مفيد بدلاً من الجلوس الفاضي أمام الانترنت، على الأقل عندما تنغمس في عملها ستنسى همومها، ستدفنها ولن تفكر بها، أجل العمل أفضل شئ للمرأة وسلاح تحمي به نفسها أمام الزمن الغادر الذي لا يرحم الضعفاء..متى يبدأ دوام الجامعة..لقد مللت..أسبوعان فترة طويلة..لم تبدو الأيام طويلة لانهاية لها، أغمضت عينيها ممنيةً نفسها بالنوم في هذه الظهيرة، لكن هيهات!!!!

    =============

    وصلت "ليلى" إلى مكان العمل لم يكن بعيداً، أوقف والدها السيارة وقلبها توقف حينها من شدة الخوف والرهبة، أمسكت شهاداتها وأوراق خبرتها السابقة بيد ترتعش وهي تلج المكان، قرأت الحمد في سرها وهي تتبع موظفة الاستقبال إلى حيثُ غرفة المدير..جلست في غرفة الانتظار المجاورة لغرفته تحاول أن تهدأ من أنفاسها المتلاحقة وهي تخرج المرآة الصغيرة من حقيبتها لتتأكد من شكلها النهائي، لم تكن هذه المرة هي الأولى التي تذهب فيها لمقابلة، لكنّ هنا شئ مختلف، هنا كل شئ ولا شئ..هنا لا أحد!!!!!

    أيقظتها الموظفة من تأملاتها وهي تشير لها بالدخول، أغمضت عينيها بقوة وهي تأخذ شهيقاً بطيئاً، طرقت الباب بخفة فأتاها الصوت يدعوها للدخول، دخلت منكسةً رأسها لكنها رفعته بسرعة..تذكرت أنّ النظر إلى الوجه مباشرة من أهم شروط النجاح في المقابلة لأنه يدل على الثقة بالنفس..هذا ما قرأته في كتاب!!!

    جلست على الكرسي الذي أشار دون أن يرفع وجهه إليها وهي تتأمل شكله من طرفٍ خفي، وفي تلك اللحظة رفع رأسه، كان في العقد الرابع من عمره، عريض الجسم، حنطي البشرة، ابتسم فأصبحت عيناه الصغيرتان أكثر حدة، نكست رأسها بخجل وقد تورد خديها وعجبت من نفسها: لم كل هذا الحياء!!

    ناولته الأوراق، فسقطت عيناها سهواً وبلا وعي على يده اليسرى، كان الخاتم الفضي يزين أصبعه البنصر، لا تدري..شعرت بالإحباط..ربما تخيلت كما في القصص الرومانسية التي تقرأها بأنها ستعمل سكرتيرة وسيقع المدير الشاب الوسيم في حبها!!! وتنتهي قصتهما بنهاية سعيدة كما في الأحلام!!!

    أفاقت من أحلامها البائسة مثلها على صوته، ابتسم لها، يبدو ودوداً جداً رغم حدة عينيه:
    - اممممم، شهاداتك جيدة لابأس بها.
    - أشكرك. (ردت بهمس دون أن تدري بم تُجيب.(
    - استقيمين في هذه البلاد لمدة طويلة، أم إنها مجرد زيارة وتنتهي؟
    - سنقيم هنا..
    - لم تركتِ بلادك؟!
    - ظروف...ظروف الوالد. (أجابت بتعثر.(

    صمت برهة وهو ينظر إليها مفكراً وهي تزيد من تنكيس رأسها:
    - أخت "ليلى" يمكنك أن تبدأي عملك منذُ الغد ، سأنادي لكِ سكرتيرتنا القديمة لترشدك إلى مكتبك الجديد وتشرح لكِ مهامك قبل أن تغادرنا.

    رفعت رأسها، لازال يبتسم وقد التمعت عيناه وهو يتفحص وجهها الذي زادت حمرته، ضغط على الزر دون أن يحول عينيه، أتت السكرتيرة ودلفت "ليلى" معها وقلبها يرجف..منذُ زمن لم ترى نظرات إعجاب رجل موجهة إليها، نظرات تحسسها بأنوثتها تشعرها بأنها لازالت مرغوبة، لازالت تلفت الانتباه رغم قرب بلوغها من الثلاثين، اهدأي واخجلي من نفسك يا "ليلى" ماذا تقولين وماذا تتخيلين؟؟ إنه رجل متزوج، متزوج فابعديه عن ذهنك فوراً..

    ==============

    "- فرح" انتظري أين تذهبين؟!
    - سأذهب إلى "أمل" إنها تنتظرني منذُ مدة.
    اقترب منها وهو يسألها بعتاب:
    - أمللتِ مني بسرعة؟
    ردت بتسرع:
    - كلا، ليس الأمر هكذا يا "راشد" ولكن ماذا سيقولون إذا رأونا نتحدث معاً.
    - هاا، ماذا سيقولون؟ سيقولون يحادث ابنة عمه و....زوجته المستقبلية..

    احمرّ وجهها بقوة وهي تبتعد عنه لتركب الدرج:
    - اذن انتظر إلى أن يحدث ما تقول.

    سارت عنه دون أن تنتظر رده، أما هو فقد بقي واقفاً بوجوم يتأمل الدرج، حيثُ سارت وسار قلبه معها، ينتظر؟!! إلى متى ينتظر..."فرح" محجوزة إلى أخيه "خالد" منذُ أن كانا طفلان صغيران، محجوزة؟! كتذاكر السفر، شئ مضحك أن يتم تحديد مستقبلك منذُ ولادتك حتى قبل أن تتفتح عيناك على هذا المستقبل...

    فرح لخالد وخالد لفرح..وأنا أين محلي من الإعراب؟! لا هو يريدها بل يعتبرها كأخته الصغيرة وحين تأتي لا يبالي بوجودها، وهي تحبني وأنا أعشقها بجنون ومصيري ومصيرها يتعلق بكلمة تنطق من شفتيه..استغفر الله بل مصيرنا بيد الله، هو وعدني بأنه سيتنازل لي عنها وسيخبر أبي بأن يخطبها لي بدلاًُ عنه وأنا واثق بأن عمي سيوافق، ولكن هذا الخالد لا أثق به، لا يتحرك ولا يتكلم، بل يلتذ بتعذيبي ويكويني بنار الانتظار، إنه يذلني ويجعلني أنفذ كل ما يرغب القيام به وأنا أفعل كل شئ صاغراً مهما كان وآخر شئ هو ما فعله بتلك المسكينة وأنا عاجز حتى عن الشهادة لصالحها ...

    أرجوكم لا تلوموني، روحي معلقة بين جنبيه، بإمكانه أن يحرمني منها، ويحوّل أفراح حياتي إلى أحزان لا نهاية لها؟! استغفر الله عدتُ لكلامي الذي لا معنى له..كل شئ بأمر الله، ولكنني بدونها لا أعيش، أتفهمون أموت وأتقطع، بدونها أضيع...بدونها يصبح "راشد" لاشئ أتفهمون..لا شئ..لأنها كل شئ بحياتي..كل شئ..

    "آه يا خالد..ارحمني..وارحم قلبي المعذب".

  11. #10

    تابع

    [SIZE="5"][SIZE="5"][CENTER][COLOR="Purple"]- كم هو دمث الأخلاق يا "مريم"، جنتلمان بشكلٍ فظيع، تصوري قال لي أن استخدم سيارة الشركة متى ما انتهيت من عملي مبكراً..تخيلي أنا أسوق (بي أم)...واو!!!!
    - لقد فلقتي رأسي بمديركِ هذا..

    ووقفت تقلدها وهي تمسك بخصرها وتلوي فمها بإستهزاء: المدير قال لي اليوم كذا..المدير فعل هكذا!!!
    - أنا المخطئة بكلامي مع طفلة حمقاء مثلك لاتفهم.
    - أنا لستُ طفلة يا ماما، سأدخل الجامعة عما قريب.
    - مهما كبرتِ ستظلين ساذجة لا تفهمين شيئاً في هذه الحياة.

    فتحت "مريم" عينيها باتساع وهي تشتعل غضباً من حديث أختها:
    - تركتُ هذا الفهم لكِ ولمديرك..ياااااا...........

    وسارت عنها وهي تصفق الباب خلفها بقوة، لم تكن غاضبة من حديث أختها لها، بل كانت خائفة عليها من تعلقها الزائد بمديرها، بوهمٍ جديد، سراب لا أمان له...

    ذهبت إلى الصالة لتجد "أحمد" الصغير يُفرغ شنطته المدرسية من الكتب..اليوم هو أول يوم له في المدرسة الابتدائية، جلست بجانبه، تقلب كتبه، وهو يتابعها باهتمام..أخذت تتطلع كتاب اللغة العربية (الجزء الأول) أين عامر وأين أمل؟! وابتسمت بحزن وهي تتذكر شخصيات كتبهم الأساسية، اشتاقت لرؤية صورهم كما لو كانوا أشخاص أحياء تعرفهم وليسوا مجرد رسوم على الورق!!

    - "مريم".
    - هااا.
    - لقد أعطتنا المعلمة هذه الورقة.

    وتناولت منه الورقة وهو يسترسل:
    - قالت أن علينا أن نجلب كل هذه الأشياء وإلا لن تُدخلنا الصف.
    قرأتها، مطلوب دفاتر، أقلام، ألوان، سبورة صغيرة و......قائمة عريضة من الطلبات التي لا تكاد تنتهي..طوتها في جيب بنطالها وهي تسأله بمرح مفتعل:
    - كيف هي المدرسة..هل أعجبتك؟!

    هزّ رأسه بلا مبالاة وهو يُخرج آخر كتاب من شنطته:
    - عادية.
    عبست في وجهه:
    - كيف عادية؟! ألم تتعرف على أصدقاء جدد؟
    لم يُجب فوراً، نظر إليها من طرف عينيه، أها لا بد أن شيئاً حدث اليوم..هذه النظرة أعرفها..نظرة إجرامية لا يحدجني بها إلا ومشكلة تقبع خلفها..أعرفه جيداً ابن أمي..
    - أحمد. نادته بجدية وهي تنظر لعينيه مباشرة.
    - نعم. قالها بخوف، لا بد أنها اكتشفت جريمته!!
    - أنا عرفت كل ما حدث اليوم، لقد اتصلت المعلمة وأخبرتني==طبعاً لم يحدث شيئ من هذا القبيل.
    قفز من جلسته وهو يبتعد عنها:
    - هو من بدأ..احلفُ لكِ با لكعبة الشريف..
    - صه، كم مرة قلتُ لك ألا تحلف بالكعبة، لا يجوز الحلف إلا بإسم الله.

    صمت ولم يعلق، عيناه بدأتا تلتمعان، كم هو سريع البكاء هذا الطفل...
    - أخبرني ما حدث بالتفصيل.
    - أعطاني قلمه "البيكمون" لأرسم به أمام المعلمة، وحين انتهت الحصة وخرجت المعلمة قال إنه يريده..تصوري!!

    الشئ الحسن في "أحمد" أنه يعطيك خلاصة الموضوع دون إطالة في الحديث كما باقي الأطفال، ابتسمت وهي ترى عيناه تتسعان من التعجب، لكنها سرعان ما أخفتها وهي تعاود سؤاله بجدية:
    - وماذا فعلت حينها؟
    - لم أعطه إياه، فحاول سحبه مني فضربته بقوة..هكذا - وهو يلكم الهواء – فأخذ يبكي كالفتيات.

    شهقت وهي تلطم على صدرها:
    - ضربته!! لم فعلت ذلك؟
    - أقولُ لكِ أنه حاول أن يأخذ قلمي "البيكمون".
    - لكنه ليس قلمك، بل قلمه هو، وهو أعارك إياه ليس إلا.

    هزّ رأسه بعناد ودون أن يعبأ بكلامها:
    - بل قلمي، أعطاني إياه وأخذته، وما دمتُ أخذته فهو ملكي أنا..أنا لوحدي.

    "يا إلهي..أي نزعة تملكية تسيطر على هذا الطفل، في السابق أصطاد دجاج الآخرين وقال أنها له، والآن أقرضوه قلماً فقال أنهُ له أيضاً!!!!"

    - وأين القلم الآن؟
    - عندي ولقد خبأته.
    - اعطني إياه.
    - لماذا؟ (سألها بخوف وتردد).
    - أريدُ أن أراه.

    أخرجه من حافظة موجودة بأسفل الحقيبة، قلبته بين أصابعها النحيلة وهو يرقبها بتوسل وذّل، كان قلماً من الرصاص لونه أصفر وينتهي بممحاة على شكل "البيكمون" فقط!! كم هم غريبون هؤلاء الأطفال، يتشاجرون على أشياء سخيفة ومضحكة حقاً، كل هذا من أجل "البيكمون"، مجرد ممحاة ستتحلل عندما تلامس خربشاتهم ولن يبقى من البيكمون إلا....ولا شئ!!!

    - اسمع ستعيد القلم لصاحبه غداً سليماً أتفهم..
    - ولكن هذا.. وشرع في البكاء دون أن يكمل، "من الفتاة الآن"!!!

    اقتربت منه وهي تمسح بحنان على شعره الداكن السواد:
    - سأشتري لك اليوم قلماً مثله من السوبر ماركت المجاور لبيتنا.
    لم يعلق واستمر في بكائه.
    - بل سأشتري لك بدل القلم عشرة، بيكمون وكونان ويوجي إذا أردت.

    رفع رأسه وهو يبعد يده قليلاً عن وجهه، ينظر إليها من الفتحات التي تتخلل أصابعه، أردفت بخبث:
    - يوجد أقلام باربي أيضاً إذا أردت سأشتريها لك أيضاً.

    أبعد يده نهائياً عن وجهه وهو يصرخ برعب:
    - كلا، كلا، باربي لا، ماذا سيقولون عني..فتاة؟!

    ضحكت ملأ فمها وقد دمعت عيناها، نقطة ضعفه "باربي"، يكرهها، لا أدري ماذا فعلت به مع أنها جميلة هذه المسكينة!!
    - اممممم، طيب بشرط أت تعيد هذا القلم لصاحبه غداً، عدني بذلك.
    - أ..أعدك.
    - أجل، أريدك دوماً هكذا فتىً طيباً، يسمع كلام الكبار.

    سمعا صوت الباب يُغلق فاشرأبت أعناقهما للوالج إلى البيت، وصل الأب بسنواته الخمسين، وقد ندّ العرق من جبينه الأسمر، بات وجهه أكثر احمراراً في الأيام السابقة، صوّب حديثه نحوها فخرج بطيئاً ثقيلاً:
    - سيارة من المتوقفة عند الباب؟
    - سيارة "ليلى".
    - ماذا؟
    - أعني أنها سيارة العمل، أعطوها إياها لتعود متى انتهت مبكراً من عملها.
    - اهاا، جيد!!!

    "كلا، ليس جيداً على الإطلاق، لقد أصبحت ابنتك مهووسة بالسيارة وبصاحب السيارة، اسمعها كيف تصفه، كيف تتحدث عنه، كقديس، كمنقذ وكفارس أحلام!!! والأدهى أنه متزوج ولديه عائلة، ماذا سنلقى من عملها هذا؟؟؟؟"

    - هل تناولتم الغذاء؟ (سألها الأب.(
    - لا، كنا ننتظرك.
    - اذن اسكبيه، سأبدل ملابسي وأعود.

    نهضت من مكانها، تجر خطاها معها إلى المطبخ، شاردة الذهن، خائفة مما تخبئه لهم الأيام، أبوها تغير كثيراً، حالته الصحية تبدو متدهورة، و"محمد" ذلك الغائب الحاضر!! و"ليلى" في عالم آخر تعيشه مع الوهم الجديد، وأنا وأحمد ماذا سيكون مصيرنا؟

    تناولوا الغذاء جميعهم هنا على الطاولة، الكل هنا واللا أحد!!! كلٌّ شارد في اللابعيد، الأكل لا طعم له، مذاقه مر كطعم الغربة، واليوم طويل..طويل لا نهاية له، كان "محمد" أول المنصرفين، تناول بضع لقيمات، شهيته للطعام قلت بشكل كبير، أصبح نحيفاً وعيناه غائرتان بشكل مخيف والسبب معروف لا شك فيه، ربما يودّ الآن اللحاق بجرعة متبقية من أحدهم!! لم يعلق أحد، قام أبي بعده، تلته ليلى هي أصلاً لم تكن معنا، تفكر بما ترتديه اليوم للعمل، اختفوا جميعهم بسرعة كالضباب..
    - "مريووم" متى سنذهب إلى السوبر ماركت؟
    - اليوم، بعد قليل سآخذ نقوداً من أبي.

    ===================

    وقفت "أمل" أمام النافذة، وقد فتحت جزءاً صغيراً من الستارة، تراقب الغادي والبادي وقلبها يشتعل فرحاً، فبعد يومين ستراه، ستفتح الجامعة أبوابها، وسيكون هناك معها في نفس الصف كما تعودت دوماً، يلاحقها باستمرار دون يأس، رغم كونه في السنة الأخيرة بالجامعة، ومع ذلك تراه يحضر محاضراتها ليكون معها، ليجمعهما نفس الجو ونفس المكان..

    أينما تلتفت تراه خلفها دائماً، في المحاضرات، في الكافتيريا، وقبل أن تنطلق من الجامعة لتعود إلى المنزل..

    ومع ذلك لم يتجرأ ليعترف لها بحبه، لم ينطق ولم يتكلم، عيناه تقولان لها الكثير حين تلتقيان عفواً، ومع ذلك لم يقلها، تمنته أن يقولها، لن تصده حينها، ألا يعرف بأنها ستكون أكثر فتيات العالم سعادة، كم هم حمقى هؤلاء الرجال أحياناً!!!

    ولكنها، لن تيأس، ستنتظر، وإن طال الانتظار، لأنها متأكدة أن يوماً ما - وسيكون يوماً قريباً- سيقولها ليملأ حياتها بلوناً جديداً، ليغير خلفيتها الباهتة لأنه ببساطة نصفها الآخر، نصفها الذي لا غنى لها عنه...

    ولكن متى يأتي هذا اليوم...متى؟!!

    =============

    دقت الباب بهدوء وتوجس، خائفة أن يكون الموجود في هذه الغرفة نائماً.
    - من؟
    أتاها الصوت باهتاً لكأنه من مكانٍ بعيد!!
    - هذه أنا "مريم".
    - ادخلي.

    كان مستلقياً على فراشه، واضعاً إحدى ذراعيه أسفل رأسه.
    - بابا، أريدُ نقوداً سأشتري لأحمد أغراضاً لمدرسته.
    - كم تريدين؟
    20- دينار تكفي، أو 30 دينار، سأشتري لنفسي دفتر للمحاضرات وبعض الأغراض للجامعة.

    ابتسم الأب ابتسامةً باهتة:
    30- دينار؟! تقصدين 300 درهم، أتحسبين أننا لا زلنا في البحرين!!
    …………….. -
    أخرج محفظته، وهو ينقدها الدراهم...
    - أتريدين أن أوصلك؟
    - لا داعي لذلك، سنذهب أنا وأحمد للسوبرماركت المجاور.

    خرجت من غرفته، كان أحمد واقفاً بانتظارها، ارتدت عباءتها على عجل ودلفا معاً، تمسك بيده الصغيرة بين يديها، يمتعان أعينهم بالطريق، "أحمد" لم يترك شيئاً رآه إلا وعلق و"مريم" تضحك بأريحية، كان الجو بديعاً، صافياً، يوحي بالدفء والألفة، يا ليته يبقى هكذا على الدوام..

    وصلا بسرعة، ذهبت "مريم" ناحية الأدوات المدرسية، بينما انساق "أحمد" لركن الألعاب وقد شدته أشكالها الخلابة. حملت سلة صغيرة وهي تقلب في الأغراض، اختارت لنفسها دفتر محاضرات على شكل "جينز" وأقلام ملونة جافة فبعد يومين يبدأ شوط التدوين الذي لا ينتهي!!

    أخرجت ورقة "أحمد" من حقيبتها، وهي تبحث له بتأمل وتأنٍ، خصوصاً أقلام البيكمون!!!
    امتلأت السلة سريعاً، دون أن تنتبه للظل الذي كان يُلاحقها..

    في هذه اللحظة، كان "خالد" وصديقه "فيصل" في السيارة وهي تقترب من السوبرماركت.
    - فيصل توقف هنا سأشتري علبة سجائر.

    أوقف هذا الأخير مكابح سيارته و "خالد" يترجل منها:
    "-فيصل" ألن تأتي معي؟
    - كلا، سأسمع المسجل إلى أن تعود.

    وهناك انتبهت "مريم" لذلك الظل اللجوج، لكنها ادعت اللامبالاة، ربما كانت تتوهم.
    - سأحمل عنكِ هذه السلة تبدو ثقيلة بالنسبة لفتاة ناعمة مثلك.

    رفعت حاجبيها مصدومة من جرأته، جمدت في مكانها للحظات لكنها انتبهت لنفسها وتحركت وهو يسير خلفها.

    "أفف، ماذا يريدُ هذا، يلاحقني أينما ذهبت، أين ذهبت يا "أحمد" وتركتني؟!
    وأحمد لاهٍ في ركن الألعاب، وقد استهوته سيارة جيب كبيرة تتحرك بالتحكم عن بعد، أخذ يفكر بإقتنائها، لكنّ مريم سترفض بالطبع، ستكرر حديثها المعتاد وهي تلوي شفتيها: النقود التي معي لا تكفي!!!


    SIZE]
    اخر تعديل كان بواسطة » مسزز السريعي في يوم » 10-07-2007 عند الساعة » 21:16

  12. #11

  13. #12

    تاااااابع

    لمحه "خالد" وهو يهم بإشعال سجارة، كان واقفاً بحيرة ينظر لعلبة السيارة، أثاره شكله..مهلاً أين رأيتُ هذا الطفل، واقترب منه وهو يدخل السجارة إلى العلبة من جديد، عرفه "أحمد" بسرعة هذا واضح من تغير تعابير وجهه.
    - أنت "أحمد" صح؟!
    ……………..-

    لم يرد عليه، لازال يتفحص علبة اللعبة.
    - أأعجبتك هذه السيارة؟

    حينها نظر إليه ولكن دون أن يجب أيضاً.
    - إذا أعجبتك سأشتريها لك.

    وانفرجت أساريره بسرعة وعيناه تلمعان وكأنه نسيَ ما فعله هذا الخالد به وبأخته...لكنه طفل والأطفال لا يلبثوا أن ينسوا، وفجأة انقلب بريق الابتسامة وتلاشت من فمه الصغير.
    - لكن أختي "مريم" لن ترضى، ستغضب مني.

    "مريم، تلك المشاكسة، أهيَ هنا فعلاً؟؟"
    - لا عليك، تعال لأدفع لك.
    سحبه معه ليدفع وهو يلتفت حوله لعله يراها سهواً، "ولم أريد أن أراها، ربما لأنها أثرت بي ذلك اليوم حين بكت في مركز الشرطة أم....."
    "- أحمد" أتيت مع من؟
    - مع أختي. (ردّ بأدب، فلقد اشترى لهُ سيارة قبل كل شئ)!!
    - فقط؟
    - أجل.
    - أين هي؟
    - لماذا؟ (نظر له الصغير بحدة).
    - آآآ، سأوصلك إليها، ربما تغضب حين ترى هذه العلبة بيدك، سأوضح لها الأمر كي تصدقك.

    وكأنه اقتنع بهذا التبرير، فهزّ رأسه بإيجاب و"خالد" يسير معه دون أن يدري سبباً لذلك، يودُّ أن يرى وجهها، يسمع صوتها، لعلها تتشاجر معه وتصرخ وتفضحه في هذا المكان أمام الناس، لا يستبعد منها ذلك!! لحظة يبدو أنها حولت شجارها لطرفٍ آخر، من ذا الذي تكلمه؟؟
    كان الرجل يتقرب منها وهي تعودُ للوراء حتى لم يبقى بينها وبين الجدار إلا فُرجة..شعر بالغضب يُعمي عينيه...اجيبوا من هذا الرجل؟

    - أنتِ قليل الأدب فعلاً، ارجوك انصرف عني.
    - وإن لم أنصرف..
    - سأنادي حارس الأمن ليأخذك.
    - يجب أن تشكريني لأني أغازل عرجاء مثلك.

    "عرجاء... أي رصاصةٍ عمياء أطلقت في قلبي!!"
    - هيه أنت ماذا تريد، اترك الفتاة وشأنها. (صاح في وجهه بغضب.(

    والتفتت إلى الصوت الغاضب، نظرت إليه بذهول، طعنة في القلب وأخرى في العين!!!

    - وما دخلك أنت؟
    أجاب الرجل ببرودٍ سمجٍ مثله، أحياناً تُلاقي أشخاصاً طفيليون كالبرغوثِ يُثير قرفك ويسبب لك الأذى.

    اقترب منه، حتى كادا أن يتصادما بأجسادهما، فاقهُ خالد طولاً، وقميصه لم يخفي جسمه الرياضي.
    - بل لي دخل، وإن لم تغرب الآن ألقيتك أرضاً.
    قالها بتهديد وقد اتقدت عيناه بتصميم. خاف الرجل من منظره المتوفز، لكنهُ تظاهر بعدم الاكتراث بتهديده، كم من المحرج أن يفر خوفاً أمام فتاة!! يا لهُ من امتهانٍ للرجولة.
    - كنتُ سأتركها على أية حال فالعرجاوات لا يثرن اهتمامي كثيراً.

    "عرجاء..لقد قالها مرةً أخرى، صدقني قلبي صغير لا يحتمل كل هذه الطعنات!!"
    أمسكهُ من ياقته بقوة، وهو يلوي ذراعه بشدة بيده الأخرى دون أن يترك له مجالاً للتنفس:
    - هيا، اذهب واعتذر لها فوراً.
    - ح..حسناً، اطلقني فقط.
    - ليس بعد أن تعتذر. (صرخ فيه وهو يصرُّ على أسنانه).
    - أنا آسف..آسف.. (كان يلهث وهو يكاد أن يختنق.([/
    أشاحت بوجهها بعيداً عنه وقد طفرت دموعٌ من عينيها، ترك ياقة الرجل فهرول مسرعاً..
    وبقوا ثلاثتهم صامتين مدة، مسحت عينيها بأناملها بسرعة لكنهُ لمحها، ومع ذلك لم يرحمها، خاطبها بقسوة من فوق كتفيه:
    - إذا كنتِ لا تريدين أن يغازلك أحد فلم لا تغطين وجهك بدلاً من كشفه للجميع.

    أخذت نفساً بطيئاً قبل أن ترّد، تريد أن يخرج صوتها طبيعياً دون رجفة ودون ألم، شدت على قبضة يديها وتكلمت ببرود، بأقصى ما استطاعت به أن تثلج أحبالها الصوتية..

    - هذا ليس من شأنك ثمّ أنا لم أطلب من حضرتك أن تتكرم وتتدخل، لا أدري لم تُحذف عليّ المصائب من كل جانب؟!!
    - بدلاً من أن تشكريني تقولين عني أني مصيبة؟!
    - لم يحدث شئ لأشكرك عليه.
    - حقاً، كنتِ ستخرين صريعة من الخوف منذُ قليل أم كنتُ أتخيل.
    - أنا لا أخاف أبداً. ... قالتها بشموخ زائف، متكسر كأمواج البحر يدعوك حيناً ويغدر بك حيناً آخر، لا أمان له..
    - أجل، هذا واضح.

    أخذ يرمقها بهدوء وقد تلاشت نظرة الغضب التي كانت تكسو عينيه منذ قليل، لكأنه كان يذكرها بتلك اللحظات التي جمعتهما معاً حين كانت خائفة تبكي، بدءاً من المزرعة، إلى مركز الشرطة وهنا في هذا السوبر ماركت.. احتارت من نظرته، أربكتها، شعرت بالضياع لا تدري، لم يلقي بها القدر دائماً في طريقه وفي أسخف المواقف؟!!!

    التفتت حولها بحيرة، لتخفي وجهها ربما، أم لتهرب من نظراته، لم تجد أمامها إلا "أحمد"، كان حاملاً علبة كبيرة مغلفة بجلادة خضراء لامعة لم يخفها الكيس.
    - ما هذا؟
    - إنها لعبة. (ردّ ببراءة).
    - أعلم، من أين لك؟ كيف دفعت ثمنها؟! (سألته بعصبية وتوتر).
    "- خالد" اشتراها لي.

    والتفتت إلى حيثُ أشار، كان لا يزال يرقبها، وقد ارتسمت ابتسامة عذبة جديدة على شفتيه. شعرت بالغيظ أكثر، لم تجد شيئاً تُفرغ غضبها فيه سوى أٌذني "أحمد" المسكين، شدتها بقوة وهو يصيح:
    - أخ، أخ، اتركيني، إنها تؤلمني.
    - كم مرة قلتُ لك ألا تأخذ شيئاً من الغرباء، كم مرة قلتُ لك ذلك..هاا؟؟!
    - أعتقد أنّ بعد كلِّ ما حدث بيننا لم نعد غرباء..أو بإمكاني أن أقول أصبحنا في مستوى التعارف!!!

    "ماذا يقول هذا المعتوه؟! ماذا حدث بيننا وأي تعارُف؟!!!".
    - كم أنت وقح.
    - وكم تبدين جميلة وأنتِ غاضبة والشرار يقدح من عينيك الناعستين.

    وكأن الغضب الذي كان يعتريها نحوه قد تبخر كله وتخدرت حواسها، أخفضت رأسها وقد عمّ الاحمرار جميع وجهها، وضعت يداً خجولة على خدها، وهي تسبل عينيها، وبقيت واقفة لكأنها تنتظر مديحاً آخر منه.

    وسمعت ضحكته قوية تهزُّ المكان، رفعت رأسها الذي أصبح لونه قانياً كالدم، كان يضحك بمرح دون أن يفوته شكلها الخجول، "أصلاً عيناي ليستا بناعستين، ربما كان أحولاً!!!!"

    حركت رأسها ناحية "أحمد" أمسكت ذراعه وهي تخاطبه بهمس:
    - تعال لندفع ونخرج منه.
    - انتظري. (ناداها "خالد("

    وقفت في مكانها دون أن تلتفت نحوه، لازالت مطرقة:
    - انتبهي لنفسك. (قالها بحنان وحرارة فاجئته هو نفسه).
    !!!!!!!!!!!-

    ودت أن تلتفت، ترى وجهه، تنظر لعينيه، أكان يسخرُ منها؟؟ لكنها أكملت طريقها دون أن ترد أو تتأكد من ظنها، سارت وتركته خلفها يفكر فيها وطيفها يبتعد عنه شيئاً فشيئاً..
    [/COLOR]
    [/SIZE][/CENTER]

  14. #13

  15. #14
    مسزز السريعي...
    القصة روعة عجبتني مرهـ مرهـ ...
    مشكورة أختي ألف شكر على القصة الروعة ...
    بنتظار التكملة على أحر من الجمر لا تنسينا ...
    تحياتي Fantasy Land
    أنــآآ هنــا

  16. #15
    السلام عليكم
    شـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــاكرة لمرورك ALKNAS
    و Fantasy Land ودمتم سالمين

  17. #16

    تاابع

    أرجوك، ابعد أفكارك المريضة عني، وخذها مني نصيحة ياااا "أبو العريف" تعالج في الطب النفسي لأن تفكيرك منحرفٌ مثلك.

    عاد "فيصل" ليضحك من جديد وبقوة، ابتسم "خالد" وسرعان ما انتقلت عدوى الضحك إليه، "يا لهذا "الفيصل" مهما شتمته فإنه يضحك، بل حياته كلها ضحك ومرح، سيء الأخلاق لكنهُ صافِ القلب ولا يحملُ الضغينةَ أبداً ولهذا أحبه".

    زاد "فيصل" من سرعة السيارة، و"خالد" يشعل له اللفافة الثالثة وقد شرد في حديث صديقه..
    - "معقول...اممممم"!!!!!!

  18. #17

    الفصل الثالث

    جلست "مريم" على سريرها، تدون اسمها على الدفتر بخطٍ دقيق، تأملت حروفه المنقوشة وهي ساهمة تفكر فيه، في كلماته التي ترن في أذنيها..."انتبهي لنفسك!!!!"
    التفتت إلى "ليلى"، كانت جالسة على الحاسوب......

    - ليلى.
    - نعم. (ردت دون أن تبعد ناظريها عن الشاشة).
    - أتعتقدين أني...أني جميلة؟ (سألت بترددٍ خجول).

    التفتت إليها باستغراب وقد تفاجأت بالسؤال:
    - أنتِ أختي وبالطبع أراكِ جميلة.
    - أقصد لو لم تكوني أختي ماذا سيكون رأيكِ بي؟!
    - ولم كل هذه الأسئلة؟
    - أرجوكِ أجيبي بصدق.
    - جميلة و....
    - ولكن عرجاء....(أكملت فجأة بحزن).
    - ماذا تقولين؟!
    - هذه هي الحقيقة. (أكدت وهي ترسم خطوطاً في دفترها الجديد دون شعور.(

    قامت "ليلى" من كرسيها، وجلست بالقرب من "مريم":
    - كنتُ قد نسيته، لكنّ أحدهم ذكرني به اليوم وهو مشكور.
    - عمّا تتحدثين؟!
    - عن عرجي...من يريدُ عرجاء..من يريد!!! (رددت بألم وهي تضغط بقوة على القلم الرصاص).
    - أنتِ جميلة وصغيرة ومتعلمة، من الأعمى الذي لا يريدك.
    - أقول لكِ أنا عرجاء، ألا تفهمين، يريدونها كاملة كالدمية لا نقص فيها، حين تمشي لا تقدّم رجلاً عن الأخرى، وحين تركض لاتتعثر كعجوزِ شمطاء.
    - لا يوجد شئ كامل في الدنيا إلا الله.
    ………………………… -

    نهضت "ليلى" من على فراش أختها وأخذت تجول في الغرفة الضيقة وهي تشبك يديدها، سكتت لدقائق، أخذت نفساً عميقاً ثم أردفت:
    - خذيني مثالاً، هذا أنا أمامكِ جميلة كما تقولين ومتعلمة وأمشي بشكلٍ سليم كما تتمنين، ولازلتُ كالبيت الواقف، يقفون أمامه ليتفرجوا لكنّ أحدهم لم يتجرأ أن يدخل إليه.

    التفتت إليها، إلى الحزن الذي يرزء في عينيها التي أحاطت بهما خطوط دقيقة ابتدأت في الظهور، كلٌّ لديه هم، ومن رأى هموم غيره هان عليه همّه:
    - سيأتي ذلك اليوم الذي سنفرحُ فيه بكِ أنا متأكدة.
    - متى سيأتي، عندما أدخل في الثلاثين من عمري؟! أرجوكِ كوني واقعية، كما هم يريدونها تمشي سليمة يريدونها كذلك صغيرة..صغيرة في عمر الزهور.....

    وانكسر القلم "لكنّ الزهور عمرها قصير"...
    صمتت "مريم" ولم تعلق على حديث أختها، كانت الأخيرة قد خرجت مسرعةً ربما إلى الحمام!!

    أغلقت "مريم" دفترها واستلقت على فراشها وهي تفكر فيما حدث لها اليوم، كانت عبارة "انتبهي لنفسك" تطنُّ في أذنيها بوقعٍ غريب ومتكرر، غطت نفسها جيداً فالجو بارد، بارد والشتاء قاسٍ لا يرحم، ومع هذا أحست بحرارة تدبُّ في قلبها شيئاً فشيئاً لتمنحها الدفىء في ليالٍ تبدو طويلة وقاسية جداً..

    "ولكن هل تنام؟؟!!"

    ========

  19. #18

    تاااااابع

    - إلى متى؟؟
    - لقد وعدني "خالد" بأنهُ سيخبر والدي بذلك..
    - دائماً خالد خالد خالد..سأتزوجك أنت أم خالد؟!
    - لكنكِ تعرفين الظروف و....

    وضعت يديها على أذنيها وهي تتأفف:
    - أعرف، أعرف أرجوك لا تكرر قصتك المعهودة، لقد مللتها و....مللتك.

    نظر لها بإنكسار وقد غشا الحزنُ عينيه:
    - مللتِ مني!!

    تطلعت إليه ببرود وقسوة:
    - مللتُ من جبنك..من خوفك الدائم من أخيك..أنا أريدُ أن أتزوج برجل أتفهم، برجل وليس بنعامة!!!!

    صُعق بمكانه، وقد تلاشت كلُّ الألوانِ من وجهه:
    - "فرح" ماذا تقولين؟!
    - أقولُ الحقيقة.. (وهي ترمقهُ بإشمئزاز.(
    - أتقولين هذا بعد كل ما فعلتهُ من أجلك، بعد كل العذاب والهوان الذي تحملته لتكوني لي.
    - هيه، لاتبالغ، أنا لستُ لك وربما أعيد النظر في هذا الأمر من جديد.
    - أنتِ تمزحين، أليس كذلك؟!! (قالها بترجي وهو يكاد يركع)..
    - بل جادة كل الجد.... وابتعدت عنه، طيفها يبتعد عنه، وعودها لايكادُ يبين.
    - "فرح" أرجوكِ لا تقولي هكذا، إنتِ تقتليني..أرجوكِ عودي..لا تقوليها، عودي إلي، أتوسل إليكِ.

    لكنها كانت قد غادرت إلى البعيد.
    - فرررررررررررررررررح...

    فزّ من فراشه وقد تصبب العرق على جبينه..
    - "كان حلماً، بل كابوساً..أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم"... أسند رأسه بيديه وقد خانته عيناه، دمعت!!! كانت دموع قهر، غيظ، دموع ذليلة....
    - أأبكي أنا!!!! تعجب من نفسه....رجل وأبكي؟!

    غادر فراشه، وبالرغم من قراره الإقلاع عن التدخين إلا أنهُ أشعل واحدة بعصبية، أغلق المدفأة ، كان الحر يطوقه، يكادُ يخنقه، فتح نافذة غرفته، تسلل الهواء البارد إلى جوفه، هدأت ضربات قلبه المجنونة وجفّ عرق جبينه، تمتم:
    - لابد أن أفعل شيئاً، لابد أن أفعل، يكفي كل هذا الذل...يكفي......

  20. #19

    تااااااابع

    مريم، مريم استيقظي.
    - هااا، ماذا تريدين؟
    - نسيتي، الجامعة ستبدأ اليوم.
    - الجامعة!! (فزت من فراشها مذعورة) كم الساعة الآن؟!

    ابتسمت لها "ليلى" بإطمئنان:
    - لا تخافي الساعة الآن السادسة صباحاً.

    زفرت "مريم"، محاضرتها الأولى تبدأ الساعة الثامنة صباحاً..ذهبت إلى الحمام لتغتسل، ارتدت ملابسها، ثم سحبت عباءتها وحجابها من الشماعة على عجل..نظرت إلى وجهها في المرآة، عيناها حمراوتان من قلة النوم..

    ذهبت إلى الصالة ولحقتها "ليلى" ليتناولا وجبة الإفطار، سكبت لنفسها كوب شاي، كم تعشق كوب الشاي بالحليب في الصباح، لذتها الوحيدة أن تشربه مع والدتها المرحومة بدون إزعاج، دون وجود طرف ثالث، هي فقط وأمها وأكواب الشاي التي تدفأهم، لحظات كانت تشعرها بالأمان والسعادة..الأمان كلمة تبدو غريبة بعض الشئ؟!!!

    - ليلى، أين والدي؟
    - لقد خرج ليوصل "أحمد" لمدرسته.
    - خرج؟!كيف؟! ومن سيأخذني للجامعة اليوم؟!

    نظرت لها ليلى بإمتعاض:
    - اذهبي في الباص.
    - أنا لا أعلم في أيّ محطة يقف، ومتى..لا أدري، أنا في الحقيقة خائفة..

    تطلعت لها باهتمام:
    - لمَ أنتِ خائفة؟

    هزت رأسها بضيق:
    - لاأدري، من كل شئ، من الجامعة، من الفتيات، يُخيل لي أنّ الإماراتيات مغرورات وأنا لا أعرف أحداً هنا. "السمووحة منكن"
    - ماذا ستفعلين بغرورهن!! لا تهتمي، ركزي بدراستك وبنفسك فقط.
    - طيب، سأتصل لوالدي، لا أريد أن أتأخر منذ اليوم الأول.
    - لو كانت سيارة (البي أم) مُلكي لأوصلتكِ فيها، لكنها أمانة..(وابتسمت بشرود.(

    وفي تلك اللحظة، أطلّ أبوها بوجهه المتعب:
    - السلام عليكم.
    - وعليكم السلام والرحمة.
    - هاا، أنتِ جاهزة؟
    - أجل، جاهزة.

    لم تتكلم معه طوال الطريق إلا ببضع كلمات، كانت تحترم والدها، علاقتهما تبدو رسمية بعض الشئ، علاقة بين أب وابنته لم تتجاوز المثل السائد:
    "إذا كبر ابنك خاويه".
    أخذت تتطلع إلى الشوارع من خلال النافذة، تُراقب الناس والسيارات والمحلات، وصلوا إلى الجامعة، وعاودها الخوف من جديد.

    - ها قد وصلنا، بالتوفيق إن شاء الله.
    - مع السلامة.

    وصلت، كانت الجامعة مليئة بالفتيات، كلهن يتنافسن في الأناقة والجمال، ملابس ومكياج مبالغ فيه بشكلٍ كبير..

    أحست بنفسها ضائعة في هذا المكان، تائهة كورقة مجعدة ترتجف كورقة الجدول الذي تحمله بيدها، تطلعت للوجوه لعلها ترى وجهاً مألوفاً، وجهاً يدخل الطمأنينة في قلبها، يُشعرها بأنها قريبة من وطنها، لكن لا أحد، عادت لتتطلع إلى جدولها من جديد، رموزه غامضة كحياتها ربما..

    وفي الجانب الآخر كانت "أمل" واقفة مع صديقاتها يثرثرن وهنّ سعيدات بلقائهن المتجدد كل عام، كانت تشعر بأنها اليوم فراشة لا تقدر أن تكبح جماح جناحيها لتطير، وجهها يفضح أشواقها يكسوه رونقاً ولمعاناً، فاليوم ستراه كما تعودت منذُ عامين، ستتعطل بينهما لغة الكلام، ويبقى حديث العيون السيد بينهما، أبلغ من كل الكلمات التي قيلت بين المحبين..

    التفتت إلى حيثُ تقف "مريم" أخذت تفتشُ في ذهنها عن هذا الوجه...
    - أين رأيتهُ يا ربي؟!

    ولكأنّ "مريم" حست بتلك العيون المحدقة بها، فرفعت عينيها لا شعورياً نحو الهدف، ابتسمت "أمل" في وجهها بإرتباك ثم لفّت وجهها، لكنها عادت لتنظر إليها مرة أخرى وقد اتسعت عيناها دهشة:
    - أجل، عرفتها، إنها هي..

    استأذنت من صديقاتها وهي تقترب من "مريم" بخطى خجلة، "مريم" عرفتها منذُ الوهلة الأولى، المسافة التي تفصل بينهما خطوتان.
    - أتذكريني؟

    هزت رأسها بالإيجاب "وكيف أنساكِ ألستِ أخته!!!"
    - لم يكن موقفاً لطيفاً للتعارف، أليس كذلك؟
    - لا عليكِ، لقد نسيته..."أفعلاً نسيته؟؟".
    - امم، لابد أنكِ سنة أولى صح؟
    - وكيف عرفتي؟
    "- المكتوب مبين من عنوانه."

    ضحكت "مريم" بأريحية..
    - اعطني جدولك.

    تناولته وهي تقرأ بصوتٍ مرتفعٍ بعض الشئ:
    - أنتِ تخصص علم نفس، مثلي ممتاز، اممم ستكونين معي في 3 محاضرات ياللصدف.
    - أخيراً وجدتُ من أعرفه هنا.
    - تعالي، سأعرفكِ على صديقاتي.

    سحبتها معها وهي تشعر بالفرح، وسرعان ما اندمجت معهم في الحديث وسقط غطاء الخجل كما لو كانت تحادث صديقاتها بالثانوية.

  21. #20

    تااااابع

    وقفت أمامه وهي تمسك الأوراق، تراقب الشعيرات البيضاء التي بزغت من شعره غصباً رغم عنايته بصبغه على الدوام، كان أملساً لامعاً جاءتها رغبة غريبة لتتلمسه!!! لتتحس نعومته..يا إلهي كم يلمع بطريقة غريبة، يا لزوجته المحظوظة..

    رفع رأسه نحوها فجأة، ارتبكت، شعرت بالذنب لأنه ضبطها تراقبه، هذا ليس من حقها، ابتسم بإتساع فغضت بصرها وهي تحترق:
    - لا لا أنا لا أقدر أن أتحمل.

    رفعت رأسها بتردد وهي تسأله باستغراب:
    - م..ما..ماذا حدث؟
    - أنا لا أقدر أن أتحمل ألاّ أرى هاتين العينين الجميلتين، أهي عدسات ملونة؟

    ذابت "ليلى" في مكانها كذُبالة شموع المساء، قدامها لاتكاد توقفانها، الأوراق ترتجف أم هي من ترتجف؟!
    - اجلسي لم أنتِ واقفة؟

    جلست دون شعور، لم يكن بإستطاعتها أن تقف أكثر، وطئت رأسها وهو يتفحصها بتمعن، كانت مرتدية شالاً أحمر عكس لونه على بشرتها البيضاء الصافية، وبالرغم من لبسها للعباءة إلا أنها بدت أنيقة جداً وناعمة جداً.

    - ليلى..
    - آآآ...نعم. "لم أشعر بأنّ اسمي عذب قبل هذا اليوم".
    - هل أنتِ مرتبطة؟

    رفعت وجهها غير مستوعبة سؤاله، لكنها نكسته مرةً أخرى، هي لا تقوى أن تنظر له مباشرة، كم يخطف أنفاسها!!!
    - أعرف أنه موضوع خاص، لكن إجابتك مهمة بالنسبة لي، كثيراً...

    الكلمات اختنقت في حنجرتها، تأبى الخروج من هذا الحلق الأحمق، هزت رأسها بالنفي. تنهد بارتياح وقد التمعت عيناه:
    - أتقبلين الزواج مني؟

    هذه المرة كادت تقع من على الكرسي، كادت أن تصرخ بنعم لكنها أمسكت نفسها.. اهدأي أيتها المجنونة، ماذا سيقول عنكِ، "متلهفة على الزواج منه!!".
    - تعلمين أنني متزوج ولديّ أطفال، لكنني لستُ سعيداً في حياتي الخاصة، صدقيني منذُ رأيتك عرفت أنكِ الفتاة التي انتظرها قلبي لتملكه، لتتربع في حناياه..

    لحظات وتتحول "ليلى" إلى سائل، إلى هشيم، هي رومانسية حالمة بطبعها، فما بالك وهي تجد من يقول لها مثل الكلام الذي تقرأه في رواياتها..

    - أريدكِ هنا في مكتبي وهنا - وأشار إلى صدره- في سويداء قلبي، أريدكِ معي في كل مكان..

    غاص قلبها وبات لون وجهها يفوق لون شالها في إحمراره، لم تنبس ببنت شفة، لازالت مطرقة.
    - ما قولك ياااا حبيبتي!!!
    تنفست بعمق، بأقصى ما استطاعت أن تسحبه رئتيها من هذا الهواء الحار المحبوس في المكتب.

    - يمكنك أن تزور والدي.
    - لماذا؟

    تطلعت إليه بغباء:
    - ألم تقل أنك تريد الزواج مني!!
    - بلى، ولكن ليس الزواج الذي تظنين..
    - ماذا تقصد؟
    - أقصد أن نتزوج....عرفياً.
    - ماذا؟؟
    صاحت في وجهه وهي تقوم من على الكرسي وقد تحطمت كل الأحلام الوردية التي كانت تتراقص أمام عينيها منذُ قليل.
    - أرجوكِ اهدأي.
    - ماذا تعتقدني، لقيطة، مشردة، ليس لدي أهل، ينقصني شئ كي أتزوج عرفياً؟؟!
    - ليس الموضوع هكذا، والله يعلم أني لا أقصد أن أقلل منكِ شيئاً فأنتِ غالية بالنسبة لي، لكنها الظروف، الظروف الحالية هي من تحتم عليّ ذلك.
    - أيّ ظروفٍ هذه؟
    - زوجتي مثلاً..أطفالي..لا بد أن أهيأهم لزواجي الثاني.
    - إذن ننتظر إلى أن تتحسن ظروفك.
    - إلى متى...أقصد أنا لا أقوى على الانتظار وأنتِ أمام عيني، وأعتقد أنكِ تبادليني نفس المشاعر صح؟

    لم ترد عليه، كان فكرها حائراً ما بين عقلها وقلبها، قلبها الذي يحنُّ إليه وعقلها الذي يستصرخ "لا تتهوري!"

    اقترب منها وهي شاردة الذهن، وبصوتٍ ملئ بالحب، بالعتاب، بالتعاطف قال:
    - لا أريدك أن تتعجلي في ردك، ولكن كل ما أرجوه ألا تهدمي حلمي، أن أكون معكِ طوال العمر هو جلُّ ما أتمنى.

    خرجت وهي ترتجف من الحنق، ألقت الأوراق التي بيدها على مكتبها، وضعت يديها أسفل ذقنها، لم لا تنتهي الأحلام نهاية سعيدة؟!!

الصفحة رقم 1 من 4 123 ... الأخيرةالأخيرة

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter