في ظل تمردنا على السينما العربية واتجاهنا بكل مقاييسنا الفنية للسينما الأجنبية بصفة عامة والأمريكية على وجه الخصوص ..صنفنا مواطنين أمريكيين لعلمنا الكثير من صفات وخصائص ذلك المجتمع .. وكمتابع للسينما لن تشعر بغربة العادات عندما تذهب الى هناك ولن تشعر بدهشة تغير في المعيشة لعلمك بالوضع مسبقاً واختصارك مشواراً طويلاً وشوطاً كبيراً من تشرب المعلومات التي استوحيتها من خبرتك في متابعة الأفلام..
تعلمنا اللغة من الأفلام والمسلسلات الأمريكية .. حتى الكثير من التعابير المجازية التي تفشل الترجمة في التعبير عنها .. استوعبناها وعربناها واستخدمناها في
تعابيرنا العربية ..
استجدت لدينا لغة الحوار وفن الإقناع وفن التحليل للمواقف وذلك من خلال الكم والمخزون الهائل من المواقف التي مرت علينا في تاريخ كل انسان سينمائي .. برعنا في معرفة القانون الأمريكي سواء كان في مخالفة أو تطبيق أو حتى في التحايل عليه .. حتى حفظنا هذا القانون .. وعرفنا حقوق الفرد هناك أكثر من حفظنا لحقوقنا العربية .. حتى العبارة الشهيرة "لك الحق في التزام الصمت ..... الخ" التي هي حق المتهم عند القاء القبض عليه حفظناها بالنص ..
السينما وان اختلفت فيها الرؤى واختلفت فيها الاتجاهات واختلفت فيها الأراء تظل مرآة للواقع .. وتجسد جزء لا يتجزاء من الحياة وان اضفيت عليه القليل من اللمسات السينمائية .. حتى ولو كان فلماً عن الفضاء أو الخيال .. فهو يجسد رغبة واقعية .. أو فكرة معينة حدثت أو تحدث على ارض الواقع ..
ومع كل هذا التزاحم الهائل من المشاهد و المواقف والأفكار كونت لدينا فكراً معيناً وتوجهات معينة .. وأراء تخص كل فرد فينا من خلال حكمه او انتقاده او تعليقه على امر ما أو فكرة ما قولبت وعولجت في السينما .. تقبل عقلنا بعض الأفكار التي نرى أنها تتناسب وتتوافق مع فكرنا واستسقيناها من مجتمعات اخرى أو حتى من أفراد معينين وظفوا السينما لتقدم تلك الأفكار التي لا تعادي ديناً أو مذهباً .. والتطبيق والعمل بحرية حق بسيط لكل فرد في العالم الا ان هذا الحق سلب للأسف بقوة منا في محيطنا ..
في مجتمعنا العربي .. وفي ظل رؤيتنا العربية تظل هناك إضاءات من فكر غربي تشربناها في الغالب سينمائياً أو معايشة.. تظهر في حالات وتعجز عن الظهور في حالات آخرى وذلك لأن المحيط العربي من حولها أقوى منها مما دفعها قسراً إلى البقاء .. لا لأنها تعتبر مخالفة دينية أو أنها ضد الإنسانية .. إنما لأنها تصادم فكراً عربياً لا يرحم مثل هذه التطلعات .. ولن يتقبلها يوماً ما .. لدرجة أن الوضع يكون .. انحلالاً تاماً أو كبتاً مؤلماً .. قلما كان هناك توازناً بين الحالتين .. فالتطبيق التام لكل أمر جيد ونعلم كأفراد أنه امر جيد وغير مخالف للدين سيجعل منا أشخاصاً ذوي اتجاهات غريبة .. ربما نعت الانسان بالمريض النفسي .. أو ليبرالي أو علماني .. أو ماشبه ذلك من أمور أخرى .. كل ذلك لاقتناعه بمسألة معينة أو فكرة ما تصادم فكر العموم ..
ربما يجزم البعض بأني أبالغ أو أني اكبر حجم المسألة .. لكن كمثال يعم السينمائيين وغيرهم لتوضيح الفكرة .. إلى وقت ليس ببعيد أعتبر من يربط حزام الأمان انساناً غريب الأطوار !!
جسد الأمر لدينا انفصاماً فكرياً يزن الأمور من منظارين .. تارة عندما ننتقد بعض الأفلام أو المسلسلات العربية التي تجسد الواقع حقيقة لا خيالاً نحكم عليها بتخطي الحدود المسموحة لها .. وانها تعدت على الفكر العربي وعلى التقاليد العربية التي ترفض كل مايخدش الحياء حتى وان كان تصويراً للواقع ..
لكن عندما نشاهد فلماً امريكياً .. نجد أن المقياس لدينا يختلف ومنظارنا للأمور يتغير فننتقد الفلم بمقاييس النقد العالمية أو نحكم عليها بمعايير المجتمع التي يصوره الفلم بالتحديد .. لذلك نكون منصفين في النقد والحكم على ذلك الفلم الأمريكي وتكون رؤيتنا له كمن يمثلهم الموضوع.. بعكس الفلم العربي الذي حكمنا عليه بالانحلال ..
ومن يصعب عليه الأمر ليعقد مقارنة بسيطة بين الفلم الأمريكي "الجمال الأمريكي" وبين الفلم العربي "عمارة يعقوبيان" ..
الأمر هنا ليس فيه نوع من عداء كل ماهو ابداع عربي ومحاباة لما هو امريكي .. إنما هو حقيقة الفكرة التي نحتضنها ويصعب علينا التعبير بها في ظل القيد المحكوم من قبل فكر لا يقبل التجديد إلا قسراً .. ونرجع لمثالنا البسيط "حزام الأمان" وكيف تم التخلي عن فكرة "غريب الأطور" بإجبار الفكر قانونياً على تقبل ذلك ..
وأمر كهذا هو ماجعلنا من مصاف الدول التي جميعاً نعلم ماهي ..
عموماً .. لن أطيل لعلمي أن الفكرة وصلت ..
لكن متى سيقبل العقل العربي فكرة التوازن الفكري في الأمور التي لا تعادي لا عقيدة ولا ديناً ولا مذهباً وإنما جاء العداء استعباطاً إن صح التعبير ..
هل الخوف العربي من كل ماهو جديد السبب في ذلك ؟
في فكرة ما .. نجد أنفسنا أننا شعب مستهدف من قبلهم .. هل استهدافهم لنا في جانب معين يغفلنا عن التقدم في جوانب أخرى ؟
تكثر الأسئلة .. وتظل تكثر عندي وعند غيري .. لكن يبقى تساؤل مهم يخطر في البال ..
لماذا عندما يتعلق الأمر بفكرة سيئة .. أو عادة بذيئة .. نجد أن تبنيها يكون سريعاً ...؟
هل غدا العقل العربي رضيعاً بين يدي حاضنة أجنبية تطعمه ماتراه مناسباً له .. لا مايرغبه هو ؟
أم هو العناد الغبي الذي ركب الجاهل .. وأجبر العاقل على التزام الصمت خوفاً على صوته من أن يذهب ..!؟
المفضلات