الجمال هو التناسب بين أجزاء الهيئات المركبة ، سواء أكان ذلك في الماديات أم في المعقولات ، في الحقائق أم في الخيالات.
ما كان الوجه جميلا ً إلا للتناسب بين أجزائه ، وما كان الصوت جميلا ً إلا للتناسب بين نغماته ، ولولا التناسب بين حبات العقد لما أفتتنت به الحسناء ، ولولا التناسق في أزهار الرَّوض ما هام به الشعراء.<===الرَّوض جمع روضة وهي الحديقة.
ليس التناسب قاعدة مضطردة يستطيع الكاتب ان يبينها , فالتناسب في المرئيات غيره في المسموعات , وفي الرسوم غيره في الخطوط , وفي الشؤون العلميه غيره في القصائد الشعريه , على أنه لا حاجه الى بيانه ما دامت الأذواق السليمه تدرك بفطرتها ما يلائمها فترتاح اليه , وما لا يلائمها فتنفر منه .
إن كثيراً من الناس يستحسنون الأنف الصغير في الوجه الكبير والرأس الكبير في الجسم الصغير , ولا يفرقون بين البرص في الجسم الأسود , والخال في الخد الابيض , ويربطون لنقيق الضفادع كما يربطون لخرير المياه , ويفضلون أصوات النواعير على انغام العيدان , ويعجبون بشعر أسير الشوق والفيصل وعبدالحمن بن مساعد اكثر مما يعجبون بشعر ابي الطيب وابي تمام و البحتري , ويضحكون لما يبكي, ويبكون مما يضحك , ويرضون بما يغضب , ويغضبون مما يرضي !
وهل السينما إلا ذاك تستحسن فيلم رغم فشل ممثلا ً فيه يظل فاشلا ً فيما ذهب من أفلام مهما كانت رائعة أو فاشلة فأنه يظل فاشلا ً ، أو تستحسن ممثلا ً رائعا ً خلاقا ً رغم فشل الفيلم الذي هو فيه.
السينما كغيرها من الفنون حتى لو أنها هي بذاتها عبارة عن قلب ٌ نابض يضخ الفنون الأخرى من أدب وموسيقى و ... الخ لكنك تظل تقيمها كفن مستقل كما تقيم الأدب أو الموسيقى أو الرسم لنأخذ الأدب مثلاً أوليس هو أيضا ً عبارة عن ضخ ... ضخ من اللغة من النفس من الروح من الوجدان من الضمير من الحالة الاجتماعية السياسية الاقتصادية أخبرني ما الذي جعل شاعرا ً عظيما ً كالحطيئة يظل منكسر النفس طوال حياته ؟ أو الذي جعل المتنبي يشتم كافورا ً الأخشيدي وهو كان مكرما ً عنده؟ أما تغنى القصائد؟ أوليس في هذه الأغاني من الموسيقى ما فيها؟ هذا الضخ الذي أتكلم عنه ، لكنك ظللت تقيم الأدب كفن مستقل عن خيره من الفنون الاخرى وكذلك السينما ضخ فيها حتى التخمه لكن تقيم مستقلة.
لكن .... ، مثلبة السينمـا التي هي قطعاً ميزة للفنون الأخرى وهو الوقت فبينمـا أنا سأكون مضطراً لأجلس أمام التلفزيون ساعة ونصف أو ساعتان لرؤية أحد التحـف السينماية لن أمكث أكثر من عشر دقائق لقراءة أروع القصـائد وأقل من هذا لتأمل عظمـة بيكاسو وفك شفراته وهذا الأوقات تختلف من شخص إلى آخـر والموسيقى وإن كانت تنضبط بوقت محدد إلا أنها أقل من السينما بكثير.. فالسينمـا تستهلك الكثير والكثير من الوقـت وزد على هذا أن هناك أفلام عليك أن ترها أكثر من مرة حتى تطلع على عظمتها وتحيا في أبهتها ، هذا ما يجعلك أحيانا ً بدلا ً أن تذهب إلى متجر بالقرب من منزلك مشيا ً على الأقدام تذهب قائدا ً سيارتك أو في أسوأ الأحوال لا تذهب مطلقا ً.
لا يمكـن بأي حـال من الأحوال وفي أي الظرف من الظروف أن يقوم فنـان ما بإنتـاج عمل فنـي دون أن يدبجه بفكـرة ويزوقه بمعنـى و النهـج والطريق الذي لهج به المحدثيـن وقد بلغ منهم السخف عتياً وفي سكرة الحماقة يعمهون من أن الفنون أن يتعامل معه كرواسب من النفس البشرية فتتفجر على القرطاس ولا يحق لأحد أن يُضعه تحت أي معيـار وأنه يسعى لأن يكون فناً وحسـب لا يخدم فكرة ولا يكرس نفسه لنظرية هو في الحقيقة وفي الوقت ذاته يسعى إلى هدف وهو عدم وضع الفن تحت أي معيـار هذا بطبيعة الحال من جهة الفنان..
وأما من جهة المتلقي فكثيراً ما أن أضع بين يدي رواية أو أتلقف قصيدة يتسلل إلى ذهني سؤال "لماذا" لماذا أقراء القصيدة لماذا أرى الأفلام؟؟ ما الثمرة التي سأجنيها من مشاهداتي؟؟ والفائدة المرجوة من قراءاتي؟؟ هل هي المتعة فحسب؟؟ والمتعـة في أغلب الأحايين لا تكون فـائدة وبفرضية أن المتعة فائدة لماذا لا أتسلى بشيء آخـر غير هذه الأشيـاء؟؟ كل هذه الأسئلة التي تعتلج في رأسي وتميد بعواطفـي حتى تكـون ريشـة في مهب الريـح حينمـا أتذكر آخـر مشـاهد "سـائق الدراجـة" أو مـوت "ليـون" ورسـالة"إنها حياة رائعـة" وروحانية "الطريق إلى المنزل" .
الفائددة !! المتعة !! ما الذي جعل العرب سابقا ً يتسلون بسباقات الخيل فيما بينهم ؟!!؟ ما الممتع فيها؟ ما الجيد فيها؟ ما الذي لا بأس به فيها؟ أجعلوني أريكم أيها بمنظور ٍ آخر ..... ما الذي جعلني استخدم كلمة " مثلبة " في قولي " مثلبة السينما " بدلا ً من أن تستخدم كلمة سلبية لتقول:" سلبية السينما " قد تكون الفائدة غير واضحة للعيان - وهذا الغالب - المتعة لحظية نعم مهما حاولت التهرب فانت مسمتع بكل الاحوال ، لكن مع مرور الوقت يبدا ظهور الشيب في رأسك فيتضح لنا انتك قد كبرت في السن هكذا هي الفائدة المرجوة من السينما الأدب الموسيقى وغيرها من الفنون.
هب أنك قابلت ممثلا ً في احدى المحلات التجارية وعرفته وصافحته ما الذي ستقوله له" جو مدينة الرياض كعادته حاراً !! " أم " لباسك اليوم جميل يا سيدي " بل ستقول" لقد تأثرت بمشهد بكائك على صديقك المتوفى في فيلمك الأخير ".
لكن ..... ، هذه هي النقطة المهمة جداً والتي نجهـر بها ليلاً نهاراً وهي أن السينما الآن هي من أكثر الوسائل وأفضلها في نشـر الفكرة وبث الرؤية وغلغلة النظريـة فقليل هم الذين يقرؤون وأقل منهم الذين يفهمون ولكـن الجميـع تقريباً والمراهقين يرون الأفلام أليس من حقنـا أن نسخرها لأهداف ساميـة ونطوعها لمقـاصد شريفة؟؟ إذا كنا نملك ما يمكن امتلاكه لصناعة السينما نستطيع أن نطوعها لأهداف سامية أو مقاصد شريفة أو أهداف سياسية أو تجارية أو لا نفعل أي شيء من هذا اطلاقا ً.
في غمرة بحثي عن نصفي الآخر أضعت نصفي الأول ، فأنا ( اكسترا ) مشتت ، نصف ضائع يبحث عن كل مفقود !!!! في وسط هذا الشتات وجد سؤالين أرجو أن تجدو أجابتهما لي ومن أجلي :
متـى من الممكن أن نقول عن فيلم أنه فني..ما هي المقاييس أيضاً ؟؟
إذا قلنـا عن فيلم أنه فني فمن هو الفنان؟؟
إ"ذا كـانت القلـوب مغرمة بالمعرفة صـارت
منابر للملائكة وإذا كانت القلوب مؤثرة للشهوات
أصبحت مقاعد للشياطين"
..سقـراط
والسلام ليس الختام
المفضلات