بــــــسم الله الرحمـــن الرحيــم
الحمد لله , والصلاة والسلام على رسول الله , وعلى آله وصحبه و من والاه .. أمّا بعد :
أتت الإجازة الصيفيّة , أتــت و أتـــى معــها الفراغ , فيجب على الإنسان ملء وقت فــراغه بــما ينــفع ؛ فــعن ابنِ عبّاس رضي الله عنهما أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " نعــمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النــاس الصحــةُ والفراغ " { رواه البخاري } , و المغبونُ هو الــذي بــاع شيــئا بأقل من ثمنه , أو اشتـــرى شيئا بأكثرِ من ثمنه , فالصحةُ والوقتُ نعمتانِ عظيمتان , أكثَرُ النّاسِ لا يستغلّها فيــندم في وقتٍ لا مجالَ للندمِ فيه , فينبغي للإنســان استغلال وقته فيما ينفعه في دينهِ ودنياه , فكلّ ثانيةٍ تمثرّ على الإنسان لم يستــفد منها تكون عليه ألمٌ وحسرات , قــال بعضُ السّلف : من فاتــهُ طاعة اللهِ بالليلِ كانَ لهُ من أوّل النهــارِ مستعتب , ومن فاتهُ طاعةُ اللهِ بالنــّهارِ كان لهُ من أول الليل مستعتب .
يا مـــــن بدنيــاهُ انشغل
------------------------- وغرّهُ طــــولُ الأمــــل
الموتُ يأتــي بغتــــــةً
------------------------- والـــقبرُ صنـدوق العمل
قال الحسن البصري - رحمه الله - : نَعِمتْ دارُ الدنيا كانت للمؤمن و ذلك لأنه عملَ فيا قليلا وأخذَ منها زادهُ إلى الجنّة , و بَئِسَتْ الدّارُ الدنيا للكافر والمنافق , وذلكَ لأنه أضاعَ فيهــا لياليــه , وأخذَ منهـا زاده إلــى النـــار .
فاعمــل لآخرتك كأنّك تموتُ غدًا , و اعمَل لدنياكَ كأنّكَ تعيشُ أبدًا , فلا تعمل لأحدهما و تنسى الآخر , " وَ ابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدّارَ الآخرة وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ... " {القصص} , فكلّ نفسٍ من الإنسانِ جوهرةٌ ثمينةٌ لا ينبغي هدرها , و الوقتُ أنفاسٌ لا تعود , و دلّت السنّة كذلك على أهمية الوقت وخطره , قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا تزول قدما عبدٍ يومَ القيامة حتى يُسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه , و عن شبابه فيما أبلاه , وعن ماله من أين اكتســبه وفيما أنفقه , وعن عمله ماذا عمل فيه " , فيُسأل العبدُ يومَ القيامةِ سؤالين عن الزمن , عن عمره فيما أفناه عامةً , وعن شبابه فيما أبلاهُ خاصةً .
و لن يدركَ الإنسانُ نعمة الوقتِ والزمن حتى يفقدها , فيتمنى بعدَ ذلكَ أن يرجعَ إلى الدنيا فيجمعَ حطامها وشهواتها , بل من أجلِ أن يجتهدَ في عبادة الله وطاعته , لكن لن يؤخر اللهُ نفسًا إذا جاء أجلُ موتها , قالَ تعالى : " حَتَّى إِذَا جَاءَ أحدَهمُ المَوْتُ قَالَ رَبّ ارْجِعُون * لَعَلّي أَعْمَلُ صَالِحًا فيِمَا تَرَكْتُ كَلاّ إِنّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَ مِنْ وَرَائهِم برزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبعَثون " { المؤمنون }
هب أن المسيء قد عُفِي عنه أليس قد فاته ثواب المحسنين كم من المسلمين عباد الله من يضيع الساعات في غير الطاعات ، بل في معصية رب الأرض والسماوات ، كم من أناس يضيعون أعمارهم في الجلوس على المقاهي ومجالس اللغو واللهو يفرحون برؤية الذاهبات والغاديات ، كم من أناس يضيعون أوقاتهم أمام لوحة النرد أو الشطرنج وإن سألتهم قالوا : نقتل الوقت ، نقول لهم : أنتم تقتلون أنفسكم أو تنتحرون انتحارا بطيئا ، لأن الوقت هو عمر الإنسان ، ولأنه من أعظم نعم الله عز وجل على العباد ، هل الوقت عدوا أو نقمة يتخلصون منه بقتله ، إنهم يضيعون فرصة عمرهم ، وفرصة العمل بطاعة ربهم ، وكل يوم يمضي من أعمارهم لا يعود إليهم أبدا ، وإنما يمضي بما فيه من خير أو شر .
أسألُ اللهَ العظيم , وبوجهه الكـــريم , أن يهدينا إلى ســـواء السبيل ..
أخوكُم .. [ فيــصع ] ..
المفضلات