مشاهدة النتائج 1 الى 19 من 19
  1. #1

    رواية من نوع أخر... دماء متناثرة

    البداية

    حينما يقلق هدوء الليل صوت صفارات الإنذار تدوي بذاك المبنى القديم الذي يعود تاريخه إلى ما يقارب المائة سنة من الآن، وبالرغم من تلك السنوات إلا أنه حافظ على هيئته التي تشبه قصور الأمراء والنبلاء بالعصور الوسطى، لم يكن ذاك المكان إلا ملجأ أو مدرسة خصصت للأيتام الذين قسا عليهم الزمن بجوره وحرمهم من متعة العيش كالآخرين.
    ما هي إلا لحظات قليلة من ذاك الإنذار...
    تجمهرت الفتيات بمختلف أعمارهن بملابس النوم و الراهبات اللاتي وهبن أنفسهن لتربيتهن وإنشائهن بالطريقة المثلى ؛ كي يستطعن إكمال حياتهن بنزاهة وصفاء نية... لقد بث الإنذار الفزع والخوف بقلوبهن، إذ لم يعتدن على هذا الصوت إلا في حالة هرب إحدى اليتامى، فسيطر الهم والقلق بينهن، وتعالت الهمسات بين الجمع...
    " روسين هربت "
    " إنها كارثة على العالم "
    " لقد أعادت الكرة "
    " لن تستسلم إلا إذا غادرت سجنها "
    " لن تحل الرحمة على العالم إلا بموتها "
    " الحمد الله بأن لا علاقة لنا بها "
    " إنها فتاة بائسة متمردة ضالة "
    عندئذ...
    يتعالى صوت امرأة حاد النبرة يصدر من الميكروفون وقد بدا على الصوت الجد والأسى:
    _حاولت جاهدة الحفاظ عليها بسجنها بغرفتها، إلا أنها عزمت هذه المرة على الهرب ولن أمنعها فقد باتت تشكل عبئا ثقيلا علينا... ثم صمت الصوت قليلا ليعود للحديث... لقد بلغت سن الثامنة عشر ولها الحق بعيش حياتها بعيدا عن هنا وهذا سيريحنا من الخوف ولعنة العذاب التي وقعت علينا مع نوبات القلق المستمرة التي انتابتنا لحظة دخولها الملجأ... ثم صمت الصوت مرة أخرى وعاد لينهي حديثه بحزن شديد... فلتعدن للنوم وتدعـين الرب أن يسلم أرواح العالم من شؤمها.
    في الطرف الأخر والبعيد عن الملجأ...
    تسمع خطوات تسير بلا انتظام تارة تتسارع وتارة أخرى تتباطأ عندئذ استدار صاحبها للوراء ومعها يعلو صوت تنفس... شهيق وزفير صاحبها المرعوب الخائف من السير بشارع مظلم يعمه الهدوء المقيت الذي يوتر أعصاب الكثير من الناس. لم يكن هناك أي كائن يسير أو أي صوت يهدئ روع صاحب تلك الخطوات أو يدعوه لإراحة أعصابه وتوتره و صوت تنفسه الهائج يتعالى بينما تتعثر خطاه كلما استدار خلفه محدقا في الظلام يحاول اختراقه بنظراته وكأنه يبحث عن شبح يلاحقه بطريقة مجنونة.
    ما هي إلا دقائق حتى عاد شيء من الهدوء لصاحب تلك الخطوات حينما سمع صوت بعض المخمورين يتجولون بذاك الشارع ويطربون أنفسهم بصوت أغانيهم الغير مفهومة، أيقن لحظتها بأنه عاد لبر الأمان ونزع القليل من التوتر الذي سيطر عليه منذ دقائق ،فسار بهدوء متناسيا الخوف الذي تملكه وأختبأ داخل ساحة سيارات بالية ومتآكلة، خلف سيارة قديمة مغبرة بمكان قريب من الشارع فتكلم وبان من صوته الدافئ والحزين أنها فتاة في ريعان الشباب:
    _يبدو أني سأقضي ليلتي بهذا المكان المقيت الذي يجلب الشؤم للغربان ذاتها فما بال البشر. و اتخذت لها مكانا بالقرب من الباب الخلفي لسيارة محطمة ثم تقوقعت على نفسها متأمله المكان... سيارات بالية محطمة متجمعة بعضها فوق بعض وقد خيل لها لحظة رؤيتها إياها أنها جبل شامخ ووعر لولا معرفتها بطبيعة المكان الذي نزلت فيه... حاملات ورافعات... قارورات الجعة والبيرة ملقاة وتحركها قليلا نسمات الهواء مرة للأمام ومرة أخرى للخلف مخلفة أصوات تدعو للكآبة وتتداخل معها أصواتا الحيوانات التي كانت تقضي ليلتها بذلك المكان من قطط... كلاب... جرذان، وكأنه وكر للكلاب والقطط الضالة... تكلمت بحزن شديد عندما وصلت أفكارها إلى هذا الحد وقد عضت على شفتها السفلى... وماذا عني؟... أنني ضالة أيضا ولا مأوى لي. ثم صمتت قليلا وقد شعرت بخوف شديد عند سماعها حركة سريعة بين تلك السيارات متنقلة بين محركاتها مصدرة صوتا وكأن السيارات المتجمعة ستتساقط معا مرة واحدة، فنهضت قائلة وهي تضم يديها لجيبي البنطلون بسرعة كبيرة:
    _ تبا إن حيوانات هذا المكان بدأت ترعبني. ثم انطلقت خارجة من ذاك المكان تكمل سيرها بالشارع المظلم الذي لم تكن إضاءة القمر فيه كافية لرؤية ما يحويه من معالم فشرعت تحدث نفسها بألم وحنق شديدين كما فعلت لساعات طويلة:
    لقد قتلت طبيبتي يوم أمس والمتهم الوحيد بقتلها هي أنا... إنني فتاة تجلب الشؤم لكل من يكن لها العاطفة والحنان... لقد كنت سعيدة ذات مرة بالعيش مع عائلة مكونة من والدي إلا أنه منذ ولادة أخي الصغير مايك بدأت حياتي بالتغير لشعوري بالغيرة من تعلق العائلة به واهتمامهم الشديد به وكأنه شخصية مهمة، في ذلك الوقت وحينما بلغ ثلاثة أشهر من العمر تغير مجرى حياتي كلها في لحظة، فوفاته المبكرة حولت نظرات الاتهام والشبهات نحوي بسبب غيرتي العمياء منه وعدم قدرتي على تقبل وجوده حيث كان يسرق اهتمام والدي مني، وأعلنت كرهي له عدة مرات وأن الحرب ستستمر ضده منذ بلوغه الشهر الأول إلى نهاية حياته، وحينما حانت لحظة وفاته،كرهته أكثر فلقد كانت التساؤلات والتحقيقات تدور حول حلقة مفرغة هي أنا إلى أن بانت الحقيقة حينما أوضحت التقارير بأن الطفل قد وقع من ذاته وبلحظتها شعر والداي بالندم على اتهامهما لي وخلق أجواء الغضب دون دليل قاطع يدينني، فتعلقا بي وتعهدا على الاعتناء بي ومحبتي للأبد وبهذا شعرت بأني عدت لسابق عهدي وأيقنت أن وفاة أخي كانت لمصلحتي فعزمت على نزع ما بداخلي من مشاعر حقد نحوه... كنت ملكة زماني بذاك الوقت فرغباتي مجابة ولي مصروف لا يحلم به الأطفال الذين كانوا بمثل سني ورحلات أسبوعية لأجمل أماكن التسلية بالمدنية، إلا أن القدر لم يشأ أن أغرق بالسعادة الكاملة وقرر سلفا أن يسرق مني والدي فتعرضا لحادث سير بشع مرعب أدى لوفاة والدي مباشرة بينما نقلت والدتي للمستشفى لسوء حالتها الصحية... لم أنس تلك الأيام...
    في تلك اللحظة...
    قطعت خلوتها وتسامرها مع نفسها قطة سوداء اللون ذات عينين براقتين مخيفة الشكل فقال لنفسها بشيء من الذعر وهي تبتعد بأكبر قدر ممكن عنها...
    تبا لها فلقد كان مواؤها مخيفا وهيئتها بشعة... ثم صمتت للحظات وعادت لتذكر ماضيها المؤلم... كان ذاك الفجر مؤلما لي... جلست بالمستشفى أمام غرفة والدتي منتظرة الأطباء يخرجون من غرفة العمليات ويقولون لي أن والدتي بخير وبعد مرور الساعات الخمس الأولى من صباح ذاك اليوم خرج الطبيب وقد أرهقته العملية وبدأ يمسح عرقه وينزع الكمامة ثم قال للخال اريك:
    " ستعيش ولكن حالتها الآن حرجة وبحاجة لأن تستقر"
    عندها حملني الخال أريك وقال بابتسامة حزينة وهو ينظر لي:
    "ستعيش والدتك... إن هذا مفرح"
    فسألته عن والدي... تغيرت ملامحه السعيدة وبراءة ضحكته الهادئة إلى كآبة ونظرات أغرقتها الدموع وقال لي حينذاك:
    " أن والدك بالفردوس الأعلى وحتما سيكون سعيدا بوجوده قرب الرب "
    لم أكن قد تجاوزت سن السادسة من عمري حينما توفي والدي ولهذا كنت أعتقد بأن والدي رحل لمكان ما وسيعود في القريب العاجل، وبينما كانت عائلة والدتي سعيدة بعض الشيء كان الحزن يغرق عائلة والدي الفاقدة لعزيزها الراحل.
    وإن هي إلا ساعات قليلة من السعادة المنتهية...
    حتى وصلنا خبر وفاة والدتي فقد نزعت كمامة الأوكسجين عن فيها لسبب مجهول فاعتقد الأطباء أنها نزعتها ولكن التحقيق لم يجد أي دلائل أو بصمات عليها وأشارت الأدلة بعد ذلك أنها لم تكن مثبتة بطريقة جيدة وهذا الذي أدى إلى انزلاق الكمامة ووفاتها على الفور. وعاشت العائلتان بحزن عميق في تلك الأيام العصيبة بينما كنت حينذاك ألعب بالدمى اللاتي أهداني إياها الخال أريك وبداخلي يقين أن والداي سيعودان بعد القليل من الوقت من الفردوس وسيكونان أكثر شبابا كما عرف عن الفردوس وليس هناك داع للبكاء، ومن ثم قررت عائلة والدتي وبرئاسة الخال أريك بأن أكون تحت حضانتهم... عشت سعادة لا توصف بالقرب من جدي والخال العزيز الذي كان يعاملني كابنة له ويدللني بشكل ملحوظ وقد بان عليه التعلق الشديد بي حينما أهداني دمى أثرية تعود للقرن الخامس عشر إذ إن وظيفته التنقيب عن الأثار، فقد وجد تلك الدمى في صندوق خشبي قديم مدفون بقرية فرنسية قديمة مهجورة حينما كان يدرس طبيعة تلك القرية والآثار التي خلفتها وراءها، وبعد طول وقت وعناء استطعنا اختيار أسماء لها والتي كانت ( اندي الدمية الفوضوية لما بان على هيئته الرثة وشعره المجعد وملابسه المعتقة، وبينما أطلقت اسم ماري الخبيثة على الدمية ذات الشعر الأسود الطويل والتبرج الغريب وملابسها الشفافة بعض الشيء وأما كيفن فأطلقته على الدمية الضخمة والبشعة قليلا وأخير اسم جوني على أحلى الدمى من ناحية هيئتها الأرستقراطية وأناقة لباسها)... لقد أحببتها كثيرا فتلك الدمى كانت أصدقاء طفولتي ووحدتي ورفيقة حزني وألمي ورثائي على نفسي في تلك الأيام الخوالي التي كان الكل ينجذب فيها ناحية أخي مايك... إن أكثر الدمى محبة لقلبي هو جوني فشعوري به يلغي كل شعور... ثم توقفت عن التفكير لبرهة وهي تنظر للشارع الذي انتهى بمفرقين أحدهما لليمين والأخر لليسار فعادت لتحدث نفسها وعلامات الأسى مازلت تعلو وجهها الذي أجهدته تلك الأحداث... أي التفرعين أسلك؟... منزل والدي من ناحية التفرع الأيمن بينما التفرع الأيسر يوصلني لمنزل جدي لأبي...
    وبعد طول حيرة وانتظار الاختيار، انعطفت نحو التفرع الأيمن ومازال الشحوب والحزن يعلوان وجهها الطويل، وبالرغم من ذلك فقد كانت ذات جاذبية أخاذة من ناحية تقاطيعها المرسومة، كانت بيضاء البشرة بعينين خضراوين حادتين وشفتين صغيرتين بينما أنفها طويل متناسق مع تقاطيع وجهها. أما شعرها فكان كستنائي اللون تسترسل أطرافه الناعمة على كتفيها ومنتصف ظهرها ولها جسد مثير للأغراء متناسق وقد ارتدت بلوزة تظهر ذراعيها النحيلتين وبنطلون أسود اللون ضيق يلف قوامها الممشوق... أخذت تسير بلا مبالاة ومازالت تحدث نفسها بحزن شديد وكأنها أصرت في تلك اللحظة على الاعتزال والعيش في عالمها الحزين من الذكريات المرة المؤلمة وهي تحاول أن تسرد الأحداث بالتسلل الذي عاشته في تلك السنين الماضية...


    انتهى هذا الجزء من الرواية...
    هناك في مكان بعيد... أبعد من مجرة الزمن...
    وابعد من أن يكون للانسان وجود...
    عاشقان تداعبهما موجات الهواء الغير مكتلمة...
    ينموان معا وهما متعانقان... يفكران ان يعيشا روحا قبل أن يكونا اثنين...
    ومعهما تبدأ الحكاية وبنهايتهما تنتهي الحكاية...


  2. ...

  3. #2
    لا اعلم لماذا يهتم الاعضاء فقط بعدد الردود على الرواية لكي يقرأوها .. !!

    من المتابعين لك واعجبني غموض الرواية من اولها .. ><"

    ^^ في انتظار التكلمة .. . ..

  4. #3
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة كيلوا القاتل مشاهدة المشاركة
    لا اعلم لماذا يهتم الاعضاء فقط بعدد الردود على الرواية لكي يقرأوها .. !!

    من المتابعين لك واعجبني غموض الرواية من اولها .. ><"

    ^^ في انتظار التكلمة .. . ..

    تسلم على المتابعة....

    معك حق ... في هذه الناحية gooood


    biggrin biggrin biggrin biggrin biggrin biggrin

  5. #4
    لقد مات الخال أريك بعدما أوصلني للمدرسة ذات يوم بحادث سير مروع، اصطدمت سيارته بشاحنة ضخمة أدت لتحطم السيارة شر تحطيم وقطع رأس الخال المسكين وتهشم جسده... لم أكن يومها تجاوزت عمر الثامنة وأيقنت بأن كل تلك الأمور تحدث بسببي وأن القدر ألقى علي لعنته متناسيا أني مازلت طفلة لا أفقه شيئا وعزمت من ذلك الوقت أن أغير سلوكي المرح والعفوي إلى الاعتزال والرفض... كان جداي حزينين لما أصاب ابنتهما الوحيدة ومن ثم أريك الشاب الذي كان لا يزال في عقده الثاني وكنت أتذكر كلمات الخال أريك لوالديه قبل وفاته بساعات وهذا ما دفعهما ربما للتعلق بي بشدة:
    " إنها بحاجة للحنان الأبوي فيجب أن لا نحرمها منه بما أنها فقدته وهي لا تزال صغيرة"
    لقد حضرت مراسيم دفن الخال أريك وبيدي الدمية جوني التي أبيت انتزاعها من يدي حينما أراد جدي أخذها وبعد تعب وإثارة أعصاب رضخا للأمر بدون اقتناع ولكن الخال أريك كان نقطة الضعف لديهما حينما ذكرتهما به وأنها الذكرى المتبقية لدي بعد وفاته.
    كانت تلك هي المرة الأولى التي أحضر بها جنازة، رأيت حشدا من الرجال يرتدون البدل السوداء وارتدت النسوة الفساتين السوداء مع قبعة ووشاح على وجوههن؛ وارتسمت عليهم ملامح الوقار و الحزن العميق... حدثت نفسي وأنا احتضن الدمية جوني بكل قوتي لدرجة الخنق، محاولة كتم دموعي التي لم أذرفها مطلقا على أي كان، حتى والداي لم أستطع أن اذرفها لحظة لأجلهما لأنني لم أكن مدركة لما حولي... فكرت وكنت أخاطب الدمية جوني أكثر مما كنت أخاطب نفسي... لقد مات الخال أريك ولا أريد أن أفقدك أنت أيضا وحينما أنهيت جملتي أطلقت صيحة عميقة وكأنها كانت محبوسة في أعماقي وأرادت الخروج قبل فترة طويلة وانهمرت الدموع المكبوتة بداخلي منذ زمن بعيد وجثوت على ركبتي وأنا ما زلت أطبق على رقبة الدمية جوني فتقدمت مني جدتي وهي شبه مذعورة من رؤيتها لي بتلك الحالة الرثائية فقالت وهي تحتضنني:
    " فلتهدئي يا صغيرتي الجميلة...عليك بالصلاة وتلاوة الأدعية من الكتاب المقدس لترسلي أسوار الرحمة إليه "
    أردت حينها أن أرد عليها بغضب وألم خانق إلا أن لساني لم يساعدني على التفوه بكلمة واحدة فأحسست وكأني فقدت قدرتي على الكلام. مرت الأيام والشهور وجداي يعاملاني كابنتهما الصغيرة، فلم يحرماني من أي شيء يذكر سوى الحلويات التي أدت لتسوس أسناني الخلفية وعدم رغبتي للذهاب لطبيب الأسنان ليقتلع لي سنيً اللذين أصابهما التسوس، وتبا للطريقة التي اتبعاها لجعلي أرضخ للأمر وأذهب!، لقد أخفيا الدمية جوني وأخبراني بأنهما سيعيدانه لي في اللحظة التي انتهي فيها من نزع سني... أتذكر لحظتها الشعور الذي انتابني وأنا أدخل ولأول مرة عيادة طبيب الأسنان، كنت خائفة حتى الموت من أدواته التي يستخدمها لنزع الأسنان... جلست على المقعد وبدا يحدثني محاولا استمالتي لفتح فمي الذي أطبقت عليه بقوة وبعد مرور حوالي الثلاث ساعات خرجت وأنا أطبق فمي وعلامات الألم والذل تعلو وجهي العابس والبائس فعرفا أن الطبيب نجح بنزع سني المتسوس، بعد عناء مرير خدر جسدي لعدم استجابتي له بفتح فمي... حينئذ شعرت بأني من نبيلات العصور القديمة حيث يجب أن أكون ذات هيئة جميلة وسنا التسوس لم يكونا إلا ملابس غير أنيقة وعلي عدم الاحتفاظ بهما، ورسخت تلك الفكرة بداخلي وبها اتبعت إرشادات غسيل الأسنان اليومي.
    توقفت الفتاة قليلا عن السير لتنظر لمحل زجاجي يتوسطه رسم رجل بزي طباخ وبجانبه قطعة من الكعك الضخمة فقالت بابتسامة باهتة:
    إنه محل أيسر مارك... ألا يزال حيا؟، كنت ألقبه بالبخيل المتعجرف الذي كان يتباهى بلذة حلوياته، وبالرغم من طعمها الشهي إلا أنني عزمت على إفساد سعادته في يوم احتفاله بمرور عشر سنوات على إنشائه لهذا المحل، فأقدمت على جمع كم هائل من مختلف الحشرات التي بلغ عددها حوالي الألف ونيف وجعلتها تحضر احتفاله. وأفرغتها بدون شعور من الموجودين في مكب النفايات الخاص بالمحل وخرجت وأنا أحمل معي علبة الحلويات الروتينية وكأن شيئا لم يكن وانقلب يوم سعده ليوم شؤم، تارة يحاول أن يوضح لزبائنه بأن هذا الأمر ليس إلا محض شر مقيم من أحد حساده، وتارة أخرى يندب حظه الذي بسببه أغلق محله لمدة أسبوع، وبها شعرت بفرحة الانتصار عليه فقد كان لا يطيقني و يحدثني وكأني حثالة ونكرة، وشعرت بلذة الانتقام وأنا أرى الغباء الذي سيطر عليه بتلك اللحظة، ولم يشك بأني وراء تلك المصيبة التي حلت عليه، ولو كان يملك القليل من العقل لاستخدمه ولأكتشف بأن ليس هناك من كائن يرغب بأذيته أكثر مني... صمتت لبرهة ثم أكملت حديثها البائس وهي تسير وقد عقدت ساعديها بشيء من الغضب المرير...
    بعد مرور أسبوع من حادثة انتصاري مات جداي حرقا وأنقذت أنا ومعي الدمى الأربع ثم شاهدت لحظة هوى الدور العلوي من المنزل والنيران تستعر به وأنا أحتضن الدمية جوني بكل قوتي بألم وحزن شديدين وراقبت رجال الإطفاء وهم ينتقلون بين فناء المنزل محاولين إخماد النار التي استعرت به عن طريق رشاشات الماء المنطلقة من أنبوب طويل يمتد من سيارة الإطفاء، وباءت محاولتهم لإنقاذ جدي بالفشل المرير. وبعد مرور دقائق معدودات أخرجت جثتا جدي على حمالة مغطاة بملاءة بيضاء وعرفت بأن روحيهما ازهقتا، وعندئذ قررت الهرب والابتعاد بأكبر قدر ممكن إلا أن جدي لأبي كانا أمامي وأمسكا بي وأنا أحاول أن أبعد يديهما عني بغضب متوقد ودماء مثارة ولكني فشلت، وقد تشتت فكري بعد تلك الصدمة بسبب حديث جدي غير المفهوم:
    " لقد كان ذلك غضبا من الرب "
    " لقد رحم الرب هذه الطفلة المسكينة "
    وبمرور القليل من الوقت استوعبت حديثهما بأن جدي ماتا بسبب قسوتهما علي وحاولت أن اخبرهما بخطأ ما بداخلهما من أفكار سيئة عن جدي لأمي إلا أنهما قالا لي معتقدين أني أحاول أن أخفي شيئا عنهما:
    " فلتترحمي على روحيهما التعستين و اجتهدي بالصلاة كي لا يحل عليهما العذاب الإلهي "
    وبها بدأت التساؤلات تجوب عقلي منتقلة بين الغضب العارم والخوف الشديد... لماذا تسود حياتي الظلمة؟... لماذا يموت كل من أحبهم؟... هل هذا لعنة أم شؤم؟ وحينما تفوهت بكلمة شؤم تيقنت بأني الشؤم ذاته، فملت للانفراد والبقاء وحيدة وتكومت على نفسي محاولة نزع كل مشاعر الحب من داخلي؛ كي يتسنى لما تبقى من عائلتي العيش دون لعنة مني تسلبهم حياتهم بأبشع طريقة... حاول جداي إخراجي عما كنت غارقة فيه من عزلة ووحدة شديدة ولكن دون جدوى، إذ بقيت ولمدة سنة أعاملهما بازدراء واضح ومع ذلك كنت محبوبة لديهما ورسخ بعقليهما أن كل ما أفعله ليس إلا بسبب قسوة السنين الماضية علي وما آلت له حياتي ، لم يهمهما ما كنت أصنعه بهما وإنما كان همهم الوحيد توفير كل ما أرغب به وجعل حياتي تبدو أفضل من السابق ولو ظاهريا، وكم من مرة صددتهما بحديثي القاسي وألفاظي المبتذلة إلا إنهما أصرا على أن يعاملاني بأحسن معاملة، ورغم أني لم أكن لهما العاطفة إلا أن لعنة الشؤم حلت عليهما إذ انقلبت بهما السيارة عند الجسر وماتا على الفور ولمعت مرة أخرى فكرة الشؤم بداخلي وتوصلت إلى أن الشؤم لا يعود لحبي للآخرين، إنما لحب الآخرين لي وبدأت أستوعب ما غاب عني بالأيام الماضية وأن حبي لا يمثل شيئا يذكر من حب جميع من ماتوا جراء ذاك الحب المنحوس.
    سعدت باللحظة التي رفض بها عمي وعمتي حضانتي حيث لم أكن قد تجاوزت الحادية عشر من عمري ورسخ في عقلي قولهما:
    " أننا خائفون على حياتنا وحياة أولادنا من لعنة الموت التي تصبها على كل من يستقبلها بمنزله "
    أحسست بأني سأكون قادرة على العيش وحدي دون تدخل أي كان بي، أو أنني يجب أن أتلقى رصاصة على جبيني ترديني قتيلة وبها سيموت نذير الشؤم الذي غلف حياتي السابقة ولكن كما قيل الرياح تجري بما لا تشتهي السفن فنقلت للعيش بالملجأ، وأذكر يومها أني شعرت بالأسى على كل اللذين سيموتون جراء محبتي، وتمنيت أن تنتشر لديهم فكرة الشؤم التي غلفت حياتي بطابع الموت والحزن منذ ست سنوات مضت وتحققت الأمنية، فحينما وصلت للملجأ لاحظت النظرات التي تختلسها الفتيات، والهمسات التي كن يتداولنها فيما بينهن:
    " هذه هي الفتاة التي تجلب الموت لكل من يستقبلها "
    " يجب علينا عدم الاقتراب منها لنكن بعيدات كل البعد عن لعنة الموت التي تصبها على كل من يقترب منها "
    " تبدو فتاة حقودة مثل تلك الساحرات الشريرات "

    " سنتحرش بها ونسبب لها الأذية وبهذا ستهرب من الملجأ أو تقتل نفسها "
    " أنظرن لها وهي تحمل صندوق الدمى ... تبدو حمقاء وخرقاء "
    " أنني خائفة منها قد تصب جام غضبها وتقتلنا جميعا دون شعور "
    " إنها ملعونة بلعنة الحب وليس بلعنة الغضب "
    " أرجو أن تحبس بغرفتها ولا تخرج منها إلا جثة هامدة "
    بينما الراهبات كن يتلين صلواتهن لحظة عبوري أمامهم وقد تجمع على وجوههن توتر وخوف العالم كله، أما مديرة الملجأ فاستقبلتني بكلمات قاسية توحي بأني مجنونة أو مختلة:
    " ستهتم بعلاجك الطبيبة مليز "
    " ولكني لست مريضة "" لا تجادليني بالحديث لقد قررت سلفا هذا الأمر ولا رجعة فيه وستحبسين بغرفتك ولن تخرجي منها إلا لحضور الصف الدراسي أو الصلاة وبصحبتك الراهبات "
    اخر تعديل كان بواسطة » bebe2230 في يوم » 22-06-2007 عند الساعة » 09:44

  6. #5
    ابداع ثانكس على القصة تسلمي في أنتظر كل يديد
    تحياتي
    attachment

  7. #6
    اختي : bebe2230

    الرواية واايد واايد روعه بليز كمليها
    مشاء الله عليك
    دمتي بحفظ الرحمن
    اختك : لينا
    5db90d9b15

  8. #7
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة سيفروث xx مشاهدة المشاركة
    ابداع ثانكس على القصة تسلمي في أنتظر كل يديد
    تحياتي
    المهم انك مريت... وتسلم على الرد...

    biggrin biggrin biggrin biggrin biggrin biggrin biggrin biggrin biggrin biggrin biggrin

  9. #8
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة ** لينا ** مشاهدة المشاركة
    اختي : bebe2230

    الرواية واايد واايد روعه بليز كمليها
    مشاء الله عليك
    دمتي بحفظ الرحمن
    اختك : لينا
    فرصة سعيدة لينا...

    وتسلم على الرد...

    ان شااء الله

  10. #9
    كنت في ذاك اليوم أنظر لها بغضب متوقد، حيث كانت تتعامل معي وكأني شيء مصاب بالجنون أو بمرض خطير معد ومميت في حين أن كل ما كان يدور بداخلها هو خوفها على الملجأ من لعنة الشؤم التي عرفت عني، فحدثت نفسي بأن هذا هو الحل الأمثل لبقاء المحيط الخارجي سليما معافى من لحظات الشؤم التي أسببها ولكنها أرادت انتزاع الدمى مني وما إن رأيتها ترفع صندوق الدمى وتحمله بعيدا عني حتى سألتها بشيء من القلق:
    " ما الذي تنوين فعله بهن ؟ "
    " هذا ليس من شأنك، واعتقد بأن هيئتها القبيحة وحدها قادرة على جلب الشؤم "
    انطلقت إليها بسرعة خاطفة وانتزعت صندوق الدمى بغضب خانق وأنا أحدث نفسي... إن هذه الدمى لي ولن تصدر منها لعنة الشؤم أو تحل عليها... فشعرت بأن الخوف سيطر عليها من حمرة وجهها ونظراتها المشدوهة من طريقة استلالي الدمى منها ونظراتي التي تعلن عن نذير شؤم قد يلحقها فاستجمعت قواها وقالت لي وهي تضغط زر النداء محاولة أن تعود لحالتها الطبيعة:
    " لك هذا ولكني أحذرك من رؤيتها خارج غرفتك "
    لم تكن قسوتها غير طبيعية فقط بل كانت خارجة عن المعقول، لقد ظن الكثير بأن الحقد والغضب والخوف تجمع بداخلها لتصبه علي فتعمدت حبسي لعدة مرات ولأيام كثيرة بداخل غرفة مظلمة بالعلية تحوي عفنا من فضلات الجرذان وخيوط العناكب التي أضافت عليها مزيدا من الرهبة، لم يدخل تلك الغرفة أي من يتامى الملجأ وقد كنت أول زائريها منذ ما يقارب المائة سنة. وأقدمت مرات على ضربي بالسوط لاعتقادها بأني كنت أخرج الدمى من الغرفة لأخيف بها فتيات الملجأ اللواتي لن أنسى ما أقدمن على فعله لتزداد قسوة العقاب علي فكم من مرة دارت بيني وبينهن مشاجرات بالأيدي وشد الشعر لما ينزلونه بي من أفعال شائنة كوضع الحشرات بحساء الجزر خاصتي وتلطيخ الخبز برمال قذرة بالدوس عليه، وأما بالصف الدراسي فقد عمدن إلى إلصاق التهم بي كالعبث بدرج الراهبة وسكب الحبر على الكتب المقدسة وكان العقاب يتضمن إجباري على المثول بين يدي الأب جيرالد ومحاولة التكفير عن خطايا لم أرتكبها. الأب جيرالد هو الوحيد الذي كان يصدق أني لم أرتكب أيا من تلك الأمور المزعومة. وحدثني مرة بأن حياتي ستتغير لمجرد الإيمان بما يجول بداخلي:
    " ثقي بما يحويه إيمانك الداخلي "
    لقد كان يعلم بأن حياته خلال أيام ستنتهي ولكنه أصر على البقاء ليحدثني عن كل أولئك الناس الذين شاع عنهم النحس... فحدثني عن فيدريدك الطباخ المنحوس الذي عاش طيلة حياته يخدم الملك دون الشعور بأنه كان يدس السم إليه، وعن توم الولد الأسود الذي اتهم بقتل سيده وهو بريء وقتل بإحدى عشرة طلقة وفيما بعد ظهر القاتل الذي تمثل بزوجته، وعن الفتاة جاديمر التي تحدث قريتها كل يوم بما سيحدث لهم جراء قدرتها على التنبؤ من خلال أحلامها ولم يدخل جفون سكانها النوم لما كانت تتفوه به من أمور بشعة ومحزنة وارتاحوا حينما قتلوها وعلقوا جسدها أمام بوابة القرية معلنين أن روحها دنسها الشيطان فحولت حياتهم الهادئة إلى رعب وقلق... وحدثني عن الطفل الذي دنس حياته بروح الشيطان معتقدا بأن حياته ستتغير حينما تكون له روح كروح الشيطان وبعد فترة لم يجدوا لا الطفل ولا جثته. فلم يكن يحدثني بتلك القصص والراويات إلا لأبعد فكرة الشؤم من داخلي؛ كي يتسنى لي العيش دون الشعور أن ما أصاب الآخرين من موت كان بسببي... لم أعتد في منزلي على الذهاب للكنسية كل أحد والصلاة وطلب المغفرة وأما في تلك السنة الأولى التي قضيتها بالملجأ فكنت أذهب كل يوم احد، ليس للصلاة وإنما لسماع حديث الأب الشيق فقد أطرب حياتي بنوع أخر من الشعور لم أختبره من قبل، فأصبحت عاشقة حالمة وأغرمت بتلك القصص التي يحدثني بها، حدثني عن قصة الفتى الذي ضحى بحياته لينقذ الفتاة التي أحب من الشر الذي استتب بقريتهم وسيطر على كل شيء وبروح حبه الصادق قضى عليه قبل أن يصل إلى فتاته وباتت ذكرى تضحيته وصدقه يتحدث بها الناس لأولادهم كل عشية ليمتدحوا نبل ذاك الفتى وما فعله لإنقاذ قريته من الشر.
    كان الأب جيرالد متيقنا أنه سيموت عما قريب وطلب مني أن لا أنسب موته إلي، فهذا يعود لسيكولوجية غريبة تحدث بالعالم وأنا القادرة على حلها وحينما حاولت استمالته ليخبرني بما يجول بداخله حول تلك السيكولوجية كان يقول لي وهو يطفئ شموع التقديس الموجودة أمام الصليب الكبير المعلق بالواجهة الداخلية للكنسية:
    " لا تقلقي تفكيرك بتلك السيكولوجية وإنما فكري بما يجب أن تفهميه عما مر وما قد يمر بحياتك "
    كنت حينذاك أجزع من طريقة حديثه غير المفهومة فأنهض لأساعده على رش الماء المقدس حول مقاعد الكنيسة وأنا أحدثه بشيء من الاستحسان:
    " أبت ما دام عقلك يمتنع عن الحديث عن تلك السيكولوجية فأخبرني عما يجب أن أفعله؟ "

    كان ينظر لي مبتسما ويقول وهو يرش القليل من الماء المقدس على رأسي من القنينة ويحركها نحو قلبي قائلا بإيماء:
    " لديك قلب استخدميه "
    لم افهم ما كان يقصده من ذلك فأخرج من الكنيسة وأنا شبه يائسة وشعور بداخلي يقول بأن الأب جيرالد لديه حل للمعضلة التي تنتابني ولكنه لا يرغب بإخباري بها. فعكفت على قراءة معظم الكتب الموجودة بالمكتبة المقدسة محاولة الوصول إلى شيء يبطل لعنة النحس التي تصاحبني، وفي تلك الأيام انتشر خبر بأني قررت أن أكون راهبة، ولم تفدني تلك القراءة إلا إضاعة وقتي والعبث بلا شيء، فأعود خائرة تعبة أبث همي وحزني للدمى لعلها قادرة على تغيير ما بداخلي من ألم، وأحيانا أشعر أن العالم أصبح على حافة الانهيار ولا أعود قادرة على تحمل المزيد من الألم فأسحب جوني من بين أصدقائه وأضمه بقوة عارمة وكأنه شيء حقيقي وأخاطبه برثاء:
    " لو لم تكن دمية لكنت حبيبي"
    وبعدها أغط بنوم عميق دون التفكير بما قد يحدث في الغد ولا يوقظني من نومي العميق إلا دخول المديرة وهي تخنقني بنظراتها الغاضبة والراغبة بقتلي، لولا حديث الأب جيرالد ونصحه لها بأن هذا خطيئة ترتكبها بحقي... نظرت لها ومن ثم أزحت جوني من على ذراعي ورفعت شعري للوراء وقلت بهدوء وبلاهة:
    " إنه يوم الأحد "

    تقدمت مني ومازالت نظراتها تحاول أن تقتلعني من مكاني فقالت بهدوء يصاحبه الغضب الشديد:
    " لقد قتل الأب جيرالد هذا الصباح "
    نظرت لها مشدوهة بما قالته فلم أكن مستيقنة مما تفوهت به إلا حينما قفزت من فراشي وخرجت بسرعة حافية القدمين وبقميص النوم؛ كي أصل للكنيسة فرأيت الدماء بالقرب من بابها ، بينما وضع الأب جيرالد على حمالة وغطي بملاءة بيضاء تلطخت من ناحية الرأس بالدماء. لقد وجد الكاهن ملقى أمام عتبة الكنيسة وعيناه تنزفان دما وأكدت التحقيقات التي أجريت والتي حيرت الكثيرين بأن هناك نوعا من السموم التي يعود وجودها لعصور ما قبل الميلاد قد وضع بداخل قطرة العين التي يستخدمها كل صباح قبل دخوله الكنيسة مما سبب اضطرابا لأعصاب مخه وموته بشلل على الفور دون القدرة على الحركة أو الاستنجاد بشخص ما، ولم يجدوا على علبة القطرة أي بصمات عدا بصمات الأب جيرالد.
    حلت اللعنة علي مرة أخرى بموت الأب جيرالد وبدأت فتيات الملجأ بصنع جميع أنواع الخدع والحيل لبث نوع من الجنون بداخلي، فكنت اعتقد من الوهلة الأولى بأنهن استطعن ذلك حينما أقدمت على الهرب من الملجأ وقبض علي حارسه وطلب منه حبسي بالعلية وتركي أتعفن ليومين لعلي أقلع عن الجنون، إلا أن فكرة الهرب لم تكن بجنون، وإنما هي حل لمعضلة الشؤم التي تغلف حياتي. أصبحت تلك الفكرة تزداد رسوخا بداخلي ويزداد ذاك التصميم حينما استيقظ وأرى لمحات خفيفة من الضوء تدخل الغرفة، إن اليوم الذي اخرج فيه من العلية هاربة يعيدني لها باليوم الثاني لنفس السبب. إلى أن شعرت بأن محاولاتي لا تبوء إلا بالفشل حتى عدلت عن التفكير بالهرب؛ إن تلك المحاولات لم تجلب لي إلا الألم والضرب والقهر ويضاف إليها خيبة الأمل، فكلما فكرت فيمن وشى بي وفضح أمري لم أجد إلا الدمى التي تعرف بخططي وترتيباتي وأعلم أنه من المستحيل أن تجرؤ على أذيتي وأيقنت بأن سيكولوجية الشؤم عادت لتحط أسوارها علي من جديد وتفرض علي حصارها القاتل.
    شاء القدر أن تكون ساردين الفتاة الغبية بقائمة المطلوبين للموت فقد حاولت مرات عدة لما يقارب الشهر أن تصارحني برغبتها في صداقتي ولتصد عني بعض أنواع الأذية التي كانت طالبات الملجأ تصبها علي، والتي اعتدت عليها لدرجة أني وضعتها تحت قائمة الروتين اليومي... كانت تتحدث معهن بصوت حاد غاضب محاولة منعهن عما يدور بعقولهن السخيفة من خطط الحقد والضغائن التي يحاولن جاهدات أن يلقينها علي لعلي أصاب بلعنة الموت وما أن يشعرن بفشل الخطة الأولى حتى يعمدن لخطة أخرى أكثر إحكاما من سابقتها معتقدات أنهن سيستطعن التخلص مني؛ وتعود الطمأنينة التي سرقت منهن لحظة الإمساك بي وإعادتي إلى سجني كأي مجرم خطير. ولكن القدر لم يجعل عقولهن ترتاح في تلك الأيام خوفا من اللعنة التي قد تصيب أيا منهن.
    أما ساردين التي كانت تلاحقني كظلي، محاولة استمالتي إليها والرضا بقبولها كصديقة لي والشعور بما تحسه نحوي من حزن وألم لما حدث لحياتي بالسابق، ورغبتها بنقلي للحديث عما يحدث للفتيات من مصادقة الفتيان، وإثارة إعجابهم بطريقة مشيتهن وما يفعله الفتيان من ملاحقتهن محاولين استمالتهن خلسة دون معرفة الراهبات اللواتي اعتدن اصطحابهن للمدينة كل يوم احد، وكيف استطاعت بعض الراهبات كشف المغامرات العاطفية لبعض الفتيات عند رؤيتهن لهن بين أحضان الشبان ورؤيتهم يتبادلون القبلات العميقة ولم تكتف بتلك الأحاديث بل أيضا تطرقت للحديث عن السينما وأفلامها الرائعة، وكم من مرة حاولت إقناعي بالذهاب معها لمشاهدة أحد الأفلام إلا أنني لم أكن أصغي لها أو أعيرها أدنى اهتمام، وما كان يزيد ضيقي ما كانت تردده على مسامعي باستمرار كأنها مذياع أو ببغاء:

    " أرجوك لا تقسي على نفسك بسبب حياتك وتعتكفي بداخل صومعة غرفتك الحزينة فما حدث ليس ذنبك "
    لم تكن تعرف بأن مشاعر الحزن اللاإرادي بداخلي دفنتها لحظة تلقي خبر وفاة الخال اريك واعتدت بأن أرد عليها بلا مبالاة وأنا أتناول قطع البسكويت:
    " لست بحاجة لفتاة مختلة أسرد إليها ما يعجز أن يخرج مني أو لاعتقادها بأني أعاني ألم وفاة أحبتي... فلتغربي عن وجهي وإلا دسست وجهك بالطين "
    إلا إنها وكعادتها اليومية تمد يدها وتحاول مصافحتي ولطالما أثارت هذه الحركة عجبي كلما أقدمت عليها وأتيقن لحظتها بأنها ليست إلا فتاة مخبولة.
    لم أكن أبالي بها ولا بما تشعر به ولأني أبحث عن صديقة تكون أكثر مرحا منها ومتحدثة بارعة وبالأصح تستحق مصادقتي، جردت نفسي من ألم الشعور بأني شاغل العالم الوحيد وأن حياتي هي أساس الشؤم الموجود بها وأنه لمجرد تقربي من أي شخص أو محبته لي ستطبع حياته بغلاف الموت، وعزفت سلفا عن تلك الفكرة نتيجة تأثري بأحاديث الأب جيرالد.
    [/SIZE]

  11. #10
    ثانكس من جديد القصة كوووول بس عجبني أكثر شيء ساعة الحقيقة

    ثانكس بيبي

  12. #11
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة سيفروث xx مشاهدة المشاركة
    ثانكس من جديد القصة كوووول بس عجبني أكثر شيء ساعة الحقيقة

    ثانكس بيبي
    شكراااااا.............................. بس هذي رواية مهمة لي...ز



    disappointed disappointed disappointed disappointed disappointed disappointed disappointed disappointed

  13. #12
    الرواية مررررررررررررره رووعة
    بليز كمليها
    انتظرك .....

  14. #13
    وجاء اليوم الذي كنت أنتظر فيه سماع وفاة أو بالأحرى مقتل ساردين، لقد وجدت في ساحة الملجأ ملقاة على وجهها والدماء تخرج من فيها وأنفها، وثبت فيما بعد أنها ماتت منتحرة حينما لاحظوا كدمات السقوط تعلو جسدها بأكمله، وتبين بأنها ألقت بنفسها من أعلى البناء وخلفت بغرفتها رسالة تقر بأنها أرادت فعل ذلك لتستريح من عناء الحزن والوحدة التي تغلف حياتها... لم أكن يومها قد تجاوزت الخامسة عشر عاما، وإن حيلة القدر لم تنطبق علي فأنا أعرف بأن الشؤم كان وراءها حينما وقعت بمحبتي بالطريقة الصحيحة مماثلة لطريقة وقوع السابقين فيها والتي تسببت بموتهم.
    تيقنت في تلك اللحظة أن لا شيء سيستطيع نزع الشؤم المغروس بداخلي إلا السيكولوجية التي تحدث عنها الأب جيرالد ولكنه هو الآخر رحل ولم يأبه لواقع أني سأعاني منها، فعكفت مرة أخرى على زيارة المكتبة وقراءة معظم الكتب التي قد ترشدني إلى تلك السيكولوجية التي تحدث عنها الأب جيرالد ببضع كلمات غير مفهومة أو صالحة لحل معضلة الشؤم، ومعها ظنت الكثير من الفتيات والراهبات أني سأتحول إلى راهبة بائسة للمرة الثانية؛ لكثرة اعتكافي على تلك الكتب التي تعود للقرون الماضية.
    لم أعد تلك الفتاة التي كانت تحلم بالقصص أو الراويات التي تحدث عنها الأب جيرالد؛ لهذا لم أعر اهتماما لتلك الرفوف التي تحوي أجمل القصص والروايات والتي كانت بدورها تجتذب الكثيرات للمكتبة لاستعارتها ولقراءة قصص الحب التي لم أحلم بها يوما.
    في أيام اعتكافي على الكتب استولى على عقل المديرة هاجس أن نذير شؤم أخر قد يحل بالملجأ فقررت إخضاعي لعلاج نفسي محاولة بهذا صد الشؤم الذي سأخلفه ورائي جراء هذا النهم الكبير لقراءة تلك الكتب، وكان الأكثر إيلاما لي تسلم طبيبة تدعى مليز لعلاجي والتي كانت في بداية عقدها الثالث والتي أقرت بأني من أكثر الفتيات تعقلا لقدرتي الكبيرة على المحافظة على رباطة جأشي في عدم الخوض بأي أمر يتعلق بي وقالت لي مرة بإعجاب شديد وهي تنظر لي مبتسمة:

    " يبدو بأن تلك الأحداث طبعت عليك قالب التعقل الشديد، وهذا لا أجده بأي مريضة مرت بخمس ما مررت به "
    أجبتها بتفاخر حزين:
    " أذن، عليك بالآخرين "
    كانت تلك هي المرة الوحيدة التي تفوهت بعقلانية لأنني لم أكن أرغب بالكلام، وكلما ألقت بسؤال عن شيء ما، كنت أجيبها بإحدى الكلمتين " نعم " أو " لا ". لم تكف الطبيبة مليز عن محاولة كسبي كي يتسنى لها أن تفهم ما يجول بعقلي، فقد كانت تشتري لي كتبا مماثلة لما أقرأه بالمكتبة، وأتذكر حينما قدمت لي كتاب أساطير الشؤم نهضت وأمسكته وأنا أقول بتوتر شديد دون شعور بمن حولي:
    " يبدو بأن لعنتي ستحل "
    اكتشفت بعدها أن من الحماقة التفوه بتلك الكلمات أمام الأطباء النفسيين فانتزعت مليز الكتاب مني وحدثتني بقليل من الخبث محاولة سرقة الإجابات مني.

    " فلتحدثيني قليلا عن حياتك يا روسين "
    لم تكن تعلم بأني أقوى من أن أرضخ لذلك، وحينما شعرت بأن لا جدوى من إتباعها ذاك الطريق، عزمت على تغيير منهجها وإتباع منهج القسوة الذي لم يفدها بشيء يذكر وراحت جميع محاولاتها أدراج الرياح واقتنعت بأن من الصعوبة استلال أية معلومة من لساني. ومرت الأيام وأنا أحاول أن أفهم ما يمر بداخلي من ألم حينما يذكر أمامي مقتل شخص ما قد أحبني ولم أتوصل لنتيجة مرضية إلى أن جاء اليوم التي قتلت فيه الطبيبة مليز ولكن أدلة براءتي كانت لدي هذه المرة حيث كنت حبيسة تلك العلية القذرة بسبب دسي الخنافس في غرف نوم الطالبات وإقلاق راحتهن، وفي فجر اليوم الذي جاءت فيه المديرة لزيارتي عرفت بأن أمرا حدث، فقدومها الغاضب والخانق ليس من عادتها؛ وإنما جائت لأخباري عن حدوث أمر محزن وحيث أبلغتني بأمر مقتل الطبيبة وإنها كتبت ورقة بأن لا علاقة لفتاة الدمى بالأمر شعرت بذاك الألم الذي يراودني كل مرة يصلني خبر شخص يقتل، وعزمت من تلك اللحظة على الهرب وأفلحت أخيرا بالتملص من الحارس والهرب بعيدا ومن ثم سمعت صوت صفارات الإنذار تدوي معلنة عن هروبي ولكن هذه المرة دون عودة ثم صمتت لبرهة وأكلمت... يا لسخرية القدر في كل مرة أعزم على الهرب وتدوي به صفارات الإنذار يلقى القبض علي إلا هذه المرة فهل هذا يوم سعدي؟...عادت لتصمت للمرة الثانية ثم حدثت نفسها بسخرية من جديد... أليس من المفترض أن يكتب أسمي بقائمة غينيس للأرقام القياسية في محاولات هروبي العديدة والشؤم الذي يؤثر على ممن حولي؟... لكن هذا ليس المهم الآن، وإنما المهم حريتي التي حصلت عليها في وقت متأخرة. لقد مر الكثير من الوقت على رؤيتي لهذه الأماكن، فلم اعتد على مغادرة المدرسة في صغري لكثرة اعتكافي في المكتبة وقد تغيرت المدينة منذ آخر مرة وقعت عيناي على معالمها، لم تكن المباني بهذه الضخامة لحظة مغادرتي إياها ولا الشوارع بهذا الترتيب... يا لحماقتي لقد مر على مغادرتي إياها ما يقارب الثمان سنوات، وهذا شيء مفروغ منه أن تحدث فيها كل هذه الترتيبات خلال تلك السنوات... ثم عادت للصمت لبرهة وتوقفت عن السير لتنظر لمنزل كبير قديم الطراز مكون من طابقين مهجور ومهترئ نتيجة عوامل الطبيعة والإهمال فقالت بشيء من الحنين:
    _هذا هو منزلي... ثم سارت بضع خطوات نحو المنزل ودخلت الحديقة وهي تلقي عليها نظرة ازدراء، وتساءلت كيف جفت الأعشاب وأصبحت الأرض قاحلة كأنها صحراء، وانتشرت الأوساخ بكل مكان شرعت تقول لنفسها بشيء من عدم الرضا.. لم أعتد يوما على رؤية الحديقة بهذه الحالة الرثة فوالدتي كانت من المحبات لإظهار قدرتها على تنسيق الحدائق بشكل جميل ولائق والآن المهملات ملقاة بكل مكان. أخذت تسير محاولة كبت غضبها الخانق حتى وصلت لبوابة المنزل ونظرت نحو لوحة مغبرة فأزاحت الغبار بيدها ثم قرأت ما كتب عليها " منزل روبير " ودققت بعينيها نحو النافذة واستلت يديها من جيبي بنطلونها ومدتها نحو حوض من الأزهار البالي قائلة:
    _لقد اعتدت أن أخفي مفتاح المنزل بتراب هذا الحوض...
    فغرستها بالتراب ثم أخرجتها وبيدها مفتاح فأخذت تنفض يدها من التراب العالق ومن ثم وضعته في ثقب الباب وحركت المقبض ففتح الباب يرافقه صوت صرير مزعج شق السكون ثم دخلت للمنزل المظلم وأغلقت الباب خلفها ومن ثم استخدمت يديها لتتحسس الأشياء، فالإضاءة القادمة من النوافذ غير كافية لها فهي بحاجة لشموع أو قناديل، إلا أنها اعتادت الظلمة لكثرة الساعات التي أفنتها تحدق بالظلام... سارت متجهة نحو المطبخ ولم تجد صعوبة في تعرف مكان الأشياء وكأنها تسير بمكان نير.
    وما هي إلا بضع ثوان حتى أشعلت شمعة.
    شرعت روسين تحدث نفسها متذكرة القليل من ذكرياتها الجميلة:
    كنت قادرة على السير بالظلام وتحسس الأشياء منذ صغري حينما عودت نفسي في تلك الأيام التي كان أخي فيها محور حديث العائلة على ابتكار أشياء تساعدني على تقضية وقتي الممل بالعبث بمشعل الكهرباء ومحرك الماء وسرقة ما طاب ولذ من الحلويات دون الشعور بي، حيث أني كنت قادرة على كبت أنفاسي وحركاتي لمدة دقيقة كاملة وبمساعدة الدمى أنجز كل ما أرغب بفعله بنجاح باهر وبدون عقاب... وبصمتها خيم الحزن على وجهها فجلست على إحد المقاعد المغطاة بالغبار وخيوط العنكبوت حينما شعرت بوهن كبير بقدميها فقالت بهدوء وتعب:
    _أنني متعبة ثم ألقت برأسها على الطاولة المتسخة بذرات الغبار وأكملت... أنني بحاجة إليك يا جوني... أين أنت؟، وأين اختفيت؟ لتغفو من لحظتها بنوم عميق.




    انشااء الله ما تكون القصة مملة redface
    disappointed disappointed disappointed disappointed disappointed disappointed disappointed disappointed

  15. #14

  16. #15
    كما وعدتك ^^

    اعدتها من الاول الى الان ...

    انها رائعة وغامضة جدا ..

    ولكن هناك شيئ لا يعجبني .. هو انني لا احس بالوقت

    القصة لا تصف الوقت او الزمان بين حدث و اخر .. ^^

    وشكرا لك .. .. .

  17. #16
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة كيلوا القاتل مشاهدة المشاركة
    كما وعدتك ^^

    اعدتها من الاول الى الان ...

    انها رائعة وغامضة جدا ..

    ولكن هناك شيئ لا يعجبني .. هو انني لا احس بالوقت

    القصة لا تصف الوقت او الزمان بين حدث و اخر .. ^^

    وشكرا لك .. .. .
    تسلم على المرور ...

    وتسلم على الرد

    هي الاحداث بالترتيب تصفها منذ عمر الخامسة إلى عمر العشرين ...

  18. #17
    الفصل الأول

    في مكان ما بالمدنية...
    يجوب شاب طويل القامة لا يتجاوز السادسة والعشرين من عمره أرضية غرفته التي تشبه مكاتب البوليس من حيث طاولة مكتبه الحديدية باللونين الأسود والرمادي وقد اصطف فوقها بترتيب أوراق ومستندات مع هاتف صغير وكرسي مصنوع من الجلد، وقد كان الشاب يحدث نفسه وقد تخلل صوته القلق والتوتر الشديدان...
    إذا كانت الجرائم توالت بسبب شؤم الفتاة الغير معقول فإن هذه خطة ذكية ومحكمة منها لتتملص من العدالة... لقد طبقت جريمتها الأولى على أخيها وأنهتها الآن بطبيبتها ولا أدري من سيكون ضحيتها التالية وأعترف بأنها أجادت دورها بالطرق المثلى في ارتكابها لتلك الجرائم دون دليل ملموس يخدش براءتها... قرأت للمرة المليون كل ما يمت بصلة لتلك الفتاة ولم أجد شيئا غريبا في حياتها إلا محافظتها وتعلقها بدمى حتى هذا الوقت بينما الفتيات اللواتي بسنها يسعين لأن يكن أكثر استهتارا وتهربا من المسؤوليات، وما أن يقعن بالحب يندبن حظهن بعد فشل العلاقة حينما يعلمن بأن كل ما أقدمن عليه من ممارسة للحب مع أولئك الشبان ليس إلا نزوة لديهن ويبتئسن لحظتها ومن ثم ينصرفن إلى شيء أخر قد يكون به شيء من العقل ولكن ما أن ينقضي القليل من الوقت حتى يعدن لتكرار ممارسات الحب محاولات كتم ما بداخلهن من نشوة وقلق وحزن وهذا هو النوع المشاع فيهن. وأما النوع الثاني هي الفتيات البلهاء اللواتي يعتكفن على الدراسة فقط ولا يجدن الوقت للاهتمام بأنفسهن مما يجعل الشبان لا يطيقونهن بسبب شكلهم المنفر أو ملابسهن المهملة ويعمدن إلى السخرية منهن كلما لاحظوا ظلالهن تمر قربهم وأخيرا النوع الثالث الذي يتصف بالخبث والمكر بادعائهن المرض أحيانا أو التعقل في أحيان أخرى للوصول لغاياتهن الغير المقنعة أما لسرقة حب ذاك الشاب الذي لا يعيرها اهتماما وذلك ببث شعور قدرتها على جذبه إليها ومعاشرتها إياه ومن ثم تركه لكي يتعذب ويتوسلها طالبا عودتها إليه وبهذا تكسب ما كانت تريده أو بإنزال الغضب على كل من يقع بطريقهن ويحول دون الوصول إلى ما تريده... صمت قليلا ثم قال مبتسما وقد تغيرت ملامح وجهه القلقة إلى سعيدة:
    _ لقد وجدتها... جلس على مقعده ووضع يديه المتشابكتين على الطاولة وهو يحدث نفسه بهدوء تام... سأحاول أن أوهمها بحبي لها وستكون لوسامتي دور مهم وشفيع لي عندها، و بالتقرب إليها أصل إلى معرفة طريقتها المثلى التي تتبعها لارتكاب الجرائم والقبض عليها حتى لو آلت حياتي لنهايتها تحت يديها شريطة أن أكون أخر ضحاياها... لقد أصررت على إعادة فتح ملف قضيتها لأني لم أقتنع بما قيل أو شاع أو أثبتته التقارير عن صحة براءتها فهي الوحيدة التي تمتلك مفتاح اللغز ويجب علي أن أجد الحل.
    عندئذ...
    يقطع خلوته شاب أسمر مقارب له بالعمر إلا أن جثته أضخم بكثير فيقول وهو يضع بعض الأوراق على طاولة المكتب:
    _لقد جلبت لك أخر المعلومات التي تخص تلك الفتاة المدعوة روسين روبير، ولكني غير مقتنع بتوليك لهذه القضية، لقد ذاعت شهرتها بالمدينة بأكملها ومن المحتمل أن تخرج منها مقتولا دون أن تتوصل لحلها وبهذا نفقدك ونفقد الدليل عليها.
    ابتسم ساخرا قائلا وهو يتناول الأوراق بهدوء:
    _ لا تقلق يا صديقي، فمكرها لن ينطلي علي وقد عزمت على متابعة الأمر بحذافيره. فصمت لبرهة ثم نهض مكملا... لا تكن متطفلا كعادتك.
    _طوني ولكن ...
    قاطعه مشيرا بأصعبه له بأن يصمت فقال بنبرة حادة:
    _ ثق بأن الحقيقة ستظهر على يدي ولكن أحذرك من التدخل لأني لن أتورع عن إقالتك من منصبك.
    أومأ الشاب الضخم بالموافقة وهو يشعر بشيء من الشفقة على طوني الذي قد يلقى حتفه بسبب ما شيع عن شؤم تلك الفتاة، ومما يعرفه عنه فهو لن يمنعه عن تولي القضية إلا جثته، حيث أن القضية كانت شاغله الوحيد منذ مقتل الفتاة ساردين وكيف أنه لم يتسن له توليها؟ وتولى التحقيق فيها شخص اثبت براءة الفتاة بكل سهولة ولن يشعر بالراحة إلا بقبضه عليها بالجرم المشهود.
    علت ابتسامة صغيرة وجه طوني وقال وهو يهم بالانصراف:
    _لا تقلق يا صاحبي... سأخرج منها سالما... أراك في وقت لاحق. وخرج الشاب الأصفر البشرة وكله أمل بحل القضية فملامحه بعينيه الزرقاوين اللوزيتين وشعره الأشقر المتطاير للخلف تفيضان بالعزم والتصميم، وخطوات رجليه الهادئة السريعة تشير إلى ثقته الكبيرة في الوصول إلى ما يريد إثباته فها هي أوراق القضية آلت إليه بعد طول انتظار ولا شيء سيثنيه الآن عن حلها.
    في صباح اليوم التالي...
    استيقظت روسين فزعة من صوت ارتطام كرة الأطفال بالنافذة فنهضت تسير متثاقلة وهي تضع يدها على جبينها محاولة أن تستفيق تماما وهي تحدث نفسها بغيظ شديد...
    لقد أزعج أولئك الفتية هدوء نومي... تبا لهم... إنني تعبة ومرهقة وأرغب بقضاء حاجتي... فاتجهت نحو الحمام ثم فتحت الباب وتدخل فتلاحظ هيئته القذرة المتراكم عليها غبار السنين وخيوط العنكبوت فتقول بشيء من السأم:
    _سأنظفه أولا ثم اقضي حاجتي.
    لم يكن الحمام وحده يبدو بهذا الشكل بل كان البيت كله تعمه فوضى السنين الخوالي فالغبار لم يغط فقط الأرضية والسلالم إنما كل شبر من المنزل فالصور المعلقة على الجدران تشبعت بالغبار لدرجة أن الرسم لم يعد بالإمكان تمييزه إطلاقا بينما التحف الموزعة في أماكن متفرقة من المنزل بهت لونها واختفى بريقها مع كومة الخيوط التي أحاطت بها من كل جانب، وبينما غطى أثاث المنزل بملاءات بيضاء فقد تآكلت الآن بسبب العثة وتراكم الغبار عليها وزاد من رونق الرهبة خيوط العنكبوت التي كانت متناسقة الترتيب والصنع، فلم تكن تظهر على المنزل معالم الفخامة التي كان يعرف بها.
    لم تقض روسين حاجتها فقط وإنما استحمت حينما لاحظت أن الغبار غطى شعرها وملابسها وعندما انتهت من كل ذلك، انطلقت لغرفتها وقد شرعت تحدث نفسها بشيء من سعادة الأيام الخوالي متأملة كل مكان تخطو عليه...
    من الجميل أن أكون هنا ولكن المنزل بشع بهيئته هذه... لم اعتد على هذه القذارة سابقا واعتقد باني مجبرة على تقبلها الآن فأنا لم أعد بذاك الملجأ وبتلك الغرفة الروتينية الترتيب والنظافة، فالمديرة لم تكن تقبل بأن تغير عاداتها بجعل الفتيات ينظفن غرفهن بالماء والمطهرات لما كان يصاحبها من هوس بشأن القذارة.
    عندئذ دخلت غرفتها المنفرة المنظر إلا أن ابتسامة أشرقت في وجهها الكئيب قائلة بسعادة وهي تندفع وتلتقط إحدى الدمى:
    _إنني سعيدة برؤيتكم بأفضل حال... لقد أصابني القلق لحظة مغادرتي الملجأ وترككم خلفي... فتنحني إليها وتحملها جميعا وتضمها لصدرها بقوة وكأنها لم ترها منذ أمد بعيد، ثم تركتهن إلا واحدة ضلت تحملها معها واتجهت بها نحو النافذة محدثة نفسها بحزن غير ملحوظ...
    لقد مضى وقت طويل على تخطي لعتبة هذه الغرفة ولكن يجب على الزمان أن يعيد الكرة، أليس كذلك يا جوني؟... فصمتت لبرهة وعاودت الحديث ويداها كعادتها تطبق على عنق الدمية بشيء من القوة وكأنها ترغب بخنقه حتى الموت...حينما يتميز الإنسان بشيء فريد من نوعه، يحتاج للشخص يقف معه يدفعه للأمام لحظة ضعفه وقلة حيلته وهذا الذي كنت تتميز به أنت فكلما احتجتك أراك تقف أمامي صامدا شامخا بنظراتك التي تعاتبني على ضعفي المقيت وتعينني على تحمل كل ما يحدث لي، بينما كان أصدقاؤك من الدمى غير مبالين كثيرا بما يدور حولي، فأندي بطبعه الفوضوي لا يعرف معنى المواساة وماري العاهرة تفضل رؤية كل ما يطرب نفسها من متعة، وأما كيفن الخبيث فهو يسعد برؤيتي خائرة القوة... إلا أنت، أجدك محبا هادئا كئيبا في كثير من الأيام وباللحظة التي أسألك عن سبب هذا الحزن الذي يعاصر عينيك تفضل كتمه بداخلك؛ كي لا تقلق راحتي أو تزيد الحزن الذي أغرقني في تلك الفترة. ثم وضعت الدمية بالقرب من أصدقائها واتجهت للمرآة وأكملت بصوت مسموع و بشيء من الحزن:
    _ألا أبدو امرأة الآن؟... هذا يعني بأني قادرة على فعل ما يحلو لي، ولكنني أشبه والدتي.
    في اللحظة التي تفوهت بها بتلك الكلمة شعرت بألم شديد في صدرها فجثت على ركبتيها ويداها على صدرها محاولة الكلام أو الحركة أو حتى التنفس ولكن لا فائدة وكأن لحظة وفاتها حانت، ظلت تنازع الألم الذي صاحبها ولكنها غير قادرة على تخطيه وفجأة توقف ذاك الألم الذي ألم بها منذ لحظات فقالت وهي تتنفس الصعداء ويداها على ركبتيها والعرق قد تصبب من وجهها:
    _لقد كان الأمر مؤلما... كنت اعتقد أن الدم سيخرج من شراييني بعد تقطعها... تبا. فنهضت ثم نفضت الغبار الذي غطى بنطالها وأكملت كلماتها بشيء من الغضب والألم... جئت لأخذ المال وسأرحل من هنا لا لأسكن بهذا المنزل الذي يعمه الكثير من الذكريات المرة، وسنتخذ مكانا صغيرا يسعنا بعيدا عن ذاك الملجأ البائس والناس الحمقى والماضي الكئيب.
    غادرت الغرفة وقد وترها ذاك الألم الذي أصابها لأول مرة فقد كان مغايرا للألم الذي كانت تشعر به سابقا حين تلقي خبر وفاة أحد ما، وازداد توترها لحظة دخولها غرفة كبيرة حالتها رثة بسبب تشابك خيوط العنكبوت بكل مكان والملاءات المغبرة الموضوعة على أثاث الغرفة فتنظر فيها من كل الاتجاهات وتشرع تحدث نفسها بذات البؤس الذي ظهر عليها أول مرة...
    كنت في صباح كل يوم أيقظكما من نومكما بقفزي على السرير وإخباركما بأني جائعة أو لأقبلكما حتى تطلبان مني مغادرة الغرفة بعد إعطائي مبلغا من المال، ولم أغير هذه العادة إلا بعد وفاة الخال اريك... تبا لجور الزمن وللشؤم الذي عاصر هذا المنزل... تبا لي، وللخراب التي أحللته على هذا المنزل و على كل منزل لامست قدمي أرضه... فصمتت قليلا ثم أكملت محاولة أن تكون شبه مبتهجة متناسية حزنها وهي تتجه لصورة معلقة على الحائط... لنسرق المال ونرحل عن هذا المنزل اللعين... فحملت الصورة ثم وضعتها على الأرض وتحسست الحائط فتشد قطعة الغلاف من عليه فتظهر قطعة خشبية سحبتها ليظهر من خلفها فجوة صغيرة فتدخل يدها وتخرج صندوقا صغيرا مغبرا ثم تعيد كل شيء لمكانه وتعود أدراجها لغرفتها محاولة أن تفتح الصندوق وتقول في اللحظة التي جلست فيها بالقرب من الدمى:
    _ سنصبح أغنياء... إن هذا الصندوق هو كنزنا الآن ولكن علي أن أفتحه فهو محكم الإغلاق... لم يكن كذلك بالسابق ولكن عوامل الزمن دفعت به للصدأ فأقفلته. ثم نهضت تاركة الصندوق على الأريكة وغادرت الغرفة لدقائق قليلة وعادت وقد حملت معها مطرقة وقالت بجذل:
    _سرقة مثيرة للاهتمام.

  19. #18
    القصة روعة
    واكثر من روعة
    اتمنى تكمليها
    0db8db9bbcb888243e5939f3889060c4

    && حين تذوق الفراشة طعم التحليق بحرية حين تعرف نشوة تحريك اجنحتها في الفضاء
    لا يعود بوسع احد اعادتها الى شرنقتها ولا اقناعها بان حالها كدودة افضل &&




  20. #19
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة كورابيكا-كاروتا مشاهدة المشاركة
    القصة روعة
    واكثر من روعة
    اتمنى تكمليها
    تسلم...

    ان شاء الله...

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter