الوعيد الجازم بأن الوليد بن المغيرة سيموت على الكفر :
ولقد تحقق وعد القرآن الكريم أيضاً بأن الوليد بن المغيرة العدو الألد للإسلام سيموت على الكفر . . حيث أنزل الله فيه : " ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا - إلى قوله - سَأُصْلِيهِ سَقَرَ " [ سورة المدثر آية : 11 _ 30 ] قال الامام القرطبي : " والمفسرون على أنه الوليد بن المغيرة المخزومي , وإن كان الناس خلقوا مثل خلقه . وإنما خص بالذكر لاختصاصه بكفر النعمة وإيذاء الرسول عليه السلام , وكان يسمى الوحيد في قومه " وقد مات كافراً ، وتحقق ما جزم به القرآن الكريم .
ان هذا التحديد القرآني لمصائر هؤلاء المشركين لهو من الأدلة الكثيرة الواضحة على أن القرآن الكريم هو كلام الله ، فلو كان من كلام محمد فمن يدريه أنهم سيموتون كفاراً ؟ وأنهم لن يستجيبوا لدعوته ولو نفاقاً ؟ رغم دعوته المتكررة لهم . وبالفعل فقد اسلم الكثير الكثير من المشركين الخطرين الا هؤلاء الذين نص القرآن على موتهم على الكفر !
لقد كان أبو سفيان عدواً خطيراً حتى انه لم يسلم حتى فتح مكة أي بعد أكثر من 18 سنة !!؟ لكنه آمن في نهاية الأمر , وآمن الكثير من الافراد الخطرين والمجرمين ايمانا ظاهرياً امثال ( وحشي ) قاتل حمزة ، ان هذا التنبؤ القاطع عن مصير شخص كـ ( ابو لهب ) أو زوجته ( ام جميل ) أو ( الوليد بن المغيرة ) لم يكن يتأتى من الطرق العادية , فهذه النبوءة القرآنية لا تتأتى الا من طريق الإعجاز.
ان الكثير من مشركي مكة آمنوا إيمانا واقعيا , والبعض آمن إيمانا ظاهريا لكن من الذين لم يؤمنوا لا في الواقع ولا في الظاهر هو : ابو لهب وزوجته ام جميل والوليد بن المغيرة , وقد صرح القرآن بوضوح انهما لن يؤمنوا أبدا , وهذه من الأخبار الغيبية للقرآن الكريم .
الوعد الجازم بأن الروم ستغلب الفرس في بضع سنين :
تحقق وعد الله سبحانه وتعالى بظهور وغلبة الروم على الفرس في بضع سنين كما في سورة الروم يقول المولى تبارك وتعالى : "غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ،وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ " .
وفي قوله تعالى : " وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ " نجد التيقن والجزم بأن الأمر سيحدث ، فكأنه سبحانه وتعالى يقول : اعلموا أنه لا بد من وقوعه ... فسبحان الله علام الغيوب
ماذا كان يمكن أن يحدث لو أنه لم تحدث معركة بين الروم والفرس .. أو لو أنه حدثت معركة وهزم فيها الروم أكان بعد ذلك يصدق أي انسان القرآن أو يؤمن بالدين الجديد ... ثم إذا كان القرآن من عند محمد فما الذي يجعله يدخل في قضية غيبية كهذه .. لم يطلب منه أحد الدخول فيها .. أيضيع الدين من أجل مخاطرة لم يطلبها أحد .. ولم يتحداه فيها انسان .. ولكن القائل هو الله .. والفاعل هو الله .. ومن هنا كان الأمر الذي نزل في القرآن يقيناً سيحدث .. ومن هنا حدثت الحرب .. وانتصر الروم على الفرس كما تنبأ القرآن ..
وقد حملت الآية نفسها - أخي القارىء - نبوءة أخرى وهي ان المسلمون سيفرحون بنصر الله ولقد صدق الله وعده وفرح المسلمون وتحققت نبوءتان في وقت واحد .
الوعد الجازم بعصمة الرسول صلى الله عليه وسلم :
لقد أثارت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام حفائظ المشركين وحميتهم كما أثارت حقد اليهود ومكرهم. وبعد الهجرة تشابكت أيادي اليهود مع المشركين فشكلوا خطرا حقيقياً على حياة الرسول ، وكثرت المؤامرات الهادفة إلى اغتياله أو قتله ، فتكفل الله بحماية رسوله وعصمته من أعدائه ، وأعلمه بذلك في قوله تعالى : " يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ " [ المائدة : 67 ] . قالت عائشة رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحرس حتى نزلت : " وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ " فأخرج رأسه من القبة وصرف الحرس عنه ، وقال : " يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله عزوجل ". وفي هذا أروع الأمثال على التصديق المطلق لوعد الله سبحانه وتعالى ، والثقة الكاملة التامة بإنجازه وتحقيقه ؛ فمن يومها لم يتخذ حراسا لحمايته الشخصية صلى الله عليه وسلم ، ثقة بصدق الوعد الإلهي ، وركوناً إليه ، ولا يمكن أن يغامر أي عاقل بحياته التي تحاط من أجلها المؤامرات من كل جانب إلا إذا لم يساوره أدنى شك في صدق ذلك الوعد. وقد جاءت الحوادث محققة لوعد الله بحفظ رسوله وعصمه من الناس فلم يمت عليه الصلاة والسلام حتى بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونزل قوله تعالى في سورة المائدة : " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" .
الوعد الجازم بفتح مكة :
تحقق وعد الله سبحانه وتعالى بفتح مكة فيقول الله سبحانه في سورة النصر : " إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ الناس يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا " والمعنى : إذا جاء نصر الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم على أعدائه " والفتح " فتح مكة ، قال الإمام الزمخشري رحمه الله : ( إذا ) هو لما يستقبل ، والإعلام بذلك قبل كونه من أعلام النبوة . وقال الطبري رحمه الله : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إذا جاءك نصر الله يا محمد على قومك من قريش , والفتح : فتح مكة وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
وذهب العلامة عبد الرحمن بن رجب الحنبلي - رحمه الله- مذهب جمهور المفسرين، إلى أن سورة النصر نزلت قبل فتح مكة إذْ أخبر الله بفتحها قبل وقوعه. وجاء مستقبل الزمان بتحقق الفتح، كما أنبأ الله تعالى من قبل وأخبر. فسورة النصر علم من أعلام نبوة سيد المرسلين وإلهية رسالته.
ولقد استدل الحافظ ابن رجب على نزول سورة النصر قبل الفتح بدلائل أهمها :
1) ظاهر النص القرآني، فقد دلت اللغة العربية على أن "إذا" ظرف لما يستقبل من الزمان. وعوّلَ على هذا بعض أئمة اللغة كالزمخشري في كشافه.
2) روى النسائي من طريق هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " لما نزلت : إذا جاء نصر الله والفتح إلى آخر السورة ، قال ابن عباس : نُعْيَتْ لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه حين أنُزلت، فأخذ في أشد ما كان اجتهادًا في أمر الآخرة ".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك : "جاء الفتح، وجاء نصر الله، وجاء أهل اليمن" فقال رجل : يا رسول الله ، وما أهل اليمن"، قال : " قوم رقيقة قلوبهم، لينة قلوبهم، الإيمان يمان، والحكمة يمانية، والفقه يمان".
أقول : إن المقصود بـ "أهل اليمن" في الحديث هم الأشعريون، فإنهم طليعة وفود اليمن، قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم سنة سبع للهجرة عند فتح خيبر، ويدلك ذلك على نزول سورة النصر قبل فتح مكة. وهو قول الجمهور، وإليه ذهب الإمام ابن رجب رحمة الله عليه.
المفضلات