بــسم الله الـــــــــرحمــن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم , فتح بابه للسائلين , وحث على دعئه في كتابه المبينِ , وصلى الله وسلم على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلين , نبينا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين .. وبعد :
في يوم من الأيام , قبل ثلاثة عشر قرناً في عهد الوليد بن عبد الملك , وكان قصرهُ صامتاً حزيناً ؛ لأن ضيف الخليفة مريض ..
ربما تتساءلون , من هو هذا الضيف ! أي أميرٍ هو ! أو أي ملك ! أي قائد من أعاظم القواد .. !
هوَ ليسَ بقائدٍ ولا ملكٍ ولا أميرٍ , إنه أعز من كل أمير , وأكبر من كلّ قائدٍ , إنهُ عالمٌ من أجلّ علماء المسلمين ..
والأعجبُ من ذلك كله , أنه من الأسرة التي طالما عادت أميّة , ونازعتها الملكَ بالسيف , فهل عرفتم من هو .. ؟
إنه عروةُ بنِ الزبير , العالم الأجل , و أحد الفقهاء السبعةِ في المدينةِ ..
وقد حشد له الوليد الأطباء من كل مكان ليعالجوا المرض الذي في رجله , لكنهم لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئا إلا قطع الرجل ..!
فاندهش الخليفة , ولم يدع باباً من أبوابِ الترغيبِ والترهيبِ إلا عرضهُ عليهم , لكنهم ما استطاعوا , وما استطاع المالُ أن يداوي رجله ..
عرضوا عليه الخمر ليسكروه فلا يحس بألم القطع فأبى وقال : لا أستعين بقدرِ اللهِ على معصيةِ الله , فأرادوه أن يشرب المرقد فقال : لا
فإني لا أحبُّ أن أُسلَبَ عضواً من أعضائي وأنا لا أجد ألم ذلكَ لأحتسبهُ عندَ اللهِ ..
ولكني سأدخلُ في ذكرِ اللهِ فإذا رأيتموني استغرقتُ في الذكر فشأنكم بها , وذكرَ اللهَ لا كما نذكرهُ نحنُ حين نذكر بألسنتنا وقلوبنا في غفلة ,
ذكرهُ ذكرَ القلب واللسانِ والجوارحِ , فلما رأوهُ استغرق بدأت العمليةُ حتى أغميَ عليهِ , ولما أفاقَ الشيخُ من غشيتهِ , رأى القدم في أيديهم ,
قدَمه التي كانت بضعةً منهُ أصبحت قطعةً من لحمٍ وعظم , فأركهُ الضعفُ البشريُ فقال : أما والذي حملني عليكِ إنه ليعلم أني ما مشيتُ بكِ إلى معصيةٍ قط ..
و في هذه الأثناءِ إذا بصرخةٍ تشقُّ حَجَبَ الصمتِ , أن لقد ماتَ ابنُ الشيخِ , انهُ محمدٌ يدخلُ الإصطبل ليخرج فرَسًا فيرمحهُ فيموت لساعتهِ ..
وهكذا تجتمعُ المصائب , لكنهُ صبَرَ واحتسب , فقال : اللهم إن كنتَ أخذتَ طرفاً لقد أبقيتَ أطرافاً , وإن كنتَ أخذتَ ولداً لقد أبقيتَ أولاداً
ولك الحمد على ما أخذتَ وما أعطيتَ ..
فهذا هوَ عروةُ بن الزبير , الإمامُ العالمُ الصابرُ المحتسبُ ..
المفضلات