14- عملية برباروسا (( Barbarossa )) :-
تمكن الألمان من نشر ثلاثة آلاف و ثلاثمئة دبابة في مواجهة ثمانية آلاف دبابةٍ سوفياتية ، ثلاثة ملايين رجل ألماني و مليون رجل من دول المحور أمام خمسة ملايين رجل سوفياتي ، كان الاتحاد السوفياتي آنذاك يواجه تجمعاً من الأعداء . الألمان و الإيطاليين و الرومانيين و الفنلنديين و البلغاريين و المجريين كلهم كانوا ينتظرون عند فجر ذلك اليوم ساعة الصفر و هم مختبئون وراء الأشجار و الأسيجة أو في مستودعات الحبوب ، و متجمعون على امتداد الطرق الزراعية ، كل ذلك من أجل اجتياز الحدود السوفياتية ، لكن العدد لا يفصح عن حقيقة ما حدث ، كانت الأرقام في عملية برباروسا مضللةً للغايـة .
و فيما يتعلق بالاستعداد العملي للجيشين كانت القوات الألمانية متمرسةً في القتال و مجهزةً و خبيرةً و تعرف ما يجب فعله ، في المقابل عانى الجيش السوفياتي نقصاً بالغ الأهمية في الرجال و التنظيم و التدريب و نقل الجنود و التزود بالمؤن ، و الأمر الأكثر أهمية هو أن الألمان كانوا يعملون وفقاً لخطةٍ بارعة أعدة بتأنٍ .
كل جزيئة من جزيئات هذه العملية الرهيبة الضروس درست بدقة و أعدت بعناية بالغة ، فكان يجب على الجيوش الألمانية المعسكرة في الجبهة الشمالية أن تنقض على لنينغراد ، كما أن على الجيوش المعسكرة في الجبهة الوسطى أن تحتل موسكو . و تأتي بعد ذلك مجموعة الجيوش الثالثة في الجنوب لتحتل أوكرانيا مستودع الحبوب و الحوض الصناعي الرئيسي للإتحاد السوفياتي .
الهجوم الكبير
الساعة تدق الثالثة بعد منتصف الليل . اليوم هو 22/6/1941م . ثمانية آلاف قطعة من المدفعية الألمانية منتشرة بين بحر البلطيق و البحر الأسود تطلق نارها بصورة مفاجئة . إنه تمهيد لغزو الإتحاد السوفياتي .
خرقت جيوش الحرب الخاطفة الألمانية القوات السوفياتية على كل الجبهة ، ذعر رئيس الاتحاد السوفياتي ستالين نتائج رفضه المتصلبِ للرد ، في ما كانت قياداتِ جيشه تحاول جمع الصورةِ الأكثر بشاعةً لما يجري ، أمر بهجومٍ مضادٍ مباشر على جميع الجبهات .
عندما أظهرت التقارير الأولى المرسلةُ إليه من قيادته الدمار ، بدأ بالانهيار ، اعتكف في بيته الريفي و لم يخرج منه قبل الثالث من يوليو .
قتلت الفرق الألمانية عدداً كبيراً من الفرق غير المنسقة و هي تحاول تلبية أوامر ستالين بالهجوم المضاد .
توقعت قيادة الجيش السوفياتي مواجهاتٍ عنيفةً و معارك مفتوحة قد تتطور بعد بضعةِ أيام ، ثم تليها سلسلةٌ واسعةٌ من المواجهاتِ على الحدود فتبدأ المعارك الحقيقية .
ما تم في الواقع هو أنه في غضون 48 ساعة كانت أرتالٌ من الدبابات الألمانية التابعة للجيش الشمالي تقترب من مدينة ريغا عاصمة لاتفيا .
لقد كانت المفاجأة تامة بالنسبة للسوفيات ، على الجبهة كان هجوم فرق الدبابات الألمانية الساحق يخترق الدفاع السوفياتي الفوضوي ، نجحت فرق الدبابات في خرق صفوف الجيش السوفياتي و جزأت الجيش السوفياتي إلى مواقع معزولة ، ثم تحركت الفرق الألمانية المساعدة إلى الأمام مطوقتاً الجيوب الدفاعية .
واجهة القوات المجتاحة مقاومةً غير منظمةٍ و سارت قدماً ، كرر الألمان الحرب الخاطفة و بدد الدفاع السوفياتي مثل التبن في الهواء .
فقد استطاعت طائرات اللفتواف ( سلاح الجو الألماني ) أن تحطم 1200 طائرة سوفياتية أكثرها جاثمة فوق الأرض ، كان سلاح الجو الألماني يدمر الطرقات و سكك الحديد وراء الخطوط السوفياتية .
ففي منطقة برست ليتوفسك استطاع ثمانية آلاف رجل سوفياتي أن يصمدوا للهجوم الألماني الساحق في حصنهم حتى شهر يوليو رغم المدرعات التي أحاطت بهم من كل مكان و الطائرات القاذفة و المطاردة التي كانت تمطرهم حديداً و ناراً في كل يوم بل في كل ساعة .
استمر تقدم الجيش الألماني في كل يوم ، خلال أشهر الصيف الجافة في الإتحاد السوفياتي كانت العربات تتقدم بسرعةٍ و سهولة . جيش الجنرال الألماني فون ليب في الشمال يقترب من لنينغراد . و في الجنوب يحاصر الرومانيون مدينة أوديسا . و أيضاً في الجنوب يحاصر جيش الجنرال الألماني فون رانستد كييف عاصمة أوكرانيا .
أما في الوسط فإن الجنرال الألماني فون بوك يتقدم نحو موسكو و تمكنت فرقتان من الدبابات تحت قيادة هوك و غودريان من تطويق مجموعةٍ مقاتلةٍ من السوفيات المربكين الذين خسروا قادتهم قرب مدينة بيليشتوك ثم اندفعتا قدماً باتجاه مدينة مينسك .
تقدم المشاة الألمان في هجومٍ ضارٍ يجمع بين الزحف و القتال و رغم أن الجيش السوفياتي كان يتفوق في العدد على الجيش الألماني فقد كانت حالته في غاية السوء .
كانت وحشية هجمات فرق الدبابات و فعاليتها هائلة لدرجة أنها احتلت جيوباً دفاعيةً ضخمة ، و حاصرت مجموعاتٍ تألفت من 15 فرقةً سوفياتية و أجبرتها على الإستسلام .
اقتحمت بقية مجموعة الجيش الشمالي دول البلطيق و استولت على ريغا عاصمة لاتفيا ، لم تحقق القوات الألمانية إلا تقدماً ضعيفاً في الجنوب باتجاه الوابر و راونا ، عمت الفوضى على الأرض .
كان الجيش السوفياتي في وضعٍ استثنائي ، لم تكن هناك خطةٌ عسكريةٌ واضحة ، و لم يستطع الجيش السوفياتي لا الدفاع أو الهجوم ، حيث عددٌ كبيرٌ من الدبابات لا يفي بحاجات الحرب العالمية الثانية .
إن تسمية الحرب الخاطفة الدقيقة التي اتبعها الألمان و استعمال المدرعات كانا مفاجأةً استثنائيةً و مشوشةً كلياً حتى على القادة السوفيات الملمين بأمور الحرب .
في غضون 48 ساعة أظهرت تقارير قيادة الأركان العامة للجيش السوفياتي أنها فقدت السيطرة على الوضع ، كانوا في حالة فوضى تامة ، و العديد منهم لم يعرفوا أين كانت فرقهم أو ماذا كان يجري .
من المؤكد أنهم لم يكن لديهم تقارير دقيقة عن التحركات الألمانية ، و لم يكونوا يعرفون المكان الذي يستهدفه الهجوم ، كل ما كانوا يعرفونه هو أن في الجنوب تم تأخير مجموعة الجيش الجنوبي قليلاً لكن في الشمال الغربي و في الغرب كان الانهيار تاماً .
بقيت القوات السوفياتية من دون قيادة و لم يكن لديها أوامر ، كان لديها أحياناً مدافع من دون ذخيرة و دبابات من دون وقودٍ أو معطلة و ما من أملٍ في إصلاحها أو كان لديها أوامر متناقضة ، انقسم عددٌ من فرق الجيش السوفياتي و شكلوا جيوباً دفاعية .
عمليات استسلامٍ شاملة و هزائم على مستوى لم تشهد من قبل ، مئات الآلاف من الجنود السوفيات يتعرضون للأسر ، و قد أسر الألمان رجالاً عدتهم مليونان . على أن خسائرهم قد بلغت ثمانمائة ألف رجل .
نتيجةً لذلك طبق ستالين سياسته الإعتيادية ، أرسل بطلب قادة الجبهة و أطلق النـار عليهم .
قال هتلر عن هذه العملية : (( لا بد من خوضِ هذه العملية بكل قساوة و بلا رحمة لم يسبق لهما مثيل )) . الجنود الألمان الذين نشأ معظمهم تحت الحكم النازي وثقوا بكلمات هتلر و كانوا أداةً طيعة لإرادته ، أظهر الجنود الألمان بأنهم لم يمتلكوا شفقة بحيث لم يشهد ذلك أي جنديٌ غربيٍ من قبل ، كان الجنود السوفيات من جميع الرتب يعاملون معاملةً سيئة ، كان الضباط يقتلون على الفور .
فما كان من الجنود السوفيات إلا أن يستميتوا في القتال حتى الإنتحار بسبب المعاملة الوحشية الرهيبة من قبل الألمان .
معركة مينسك
مينسك مدينة من مدن الاتحاد السوفياتي ، و هي عاصمة بيلاروسيا ، وصلت فرقة البانزر الـ 17 الألمانية إلى جنوب مدينة مينسك في يوم 27/6/1941م و قامت بالاتصال مع مجموعة البانزر الثالثة التي دخلت المدينة في اليوم السابق ؛ بعد أن حولت المعركة هذه المدينة إلى أنقاض .
لقد حققت مجموعة الجنرال الألماني غودريان أول نصر كبير لها بإستيلائها على مدينة مينسك ؛ و حاولت أعداد كبيرة من الجنود السوفيات الهرب باتجاه الشرق ؛ غير أن طوق الحصار الذي أحكمته دبابات البانزر منعت كل محاولة لهروب قوات كبيرة ؛ و أمكن أسر أعداد كبيرة من المقاتلين ، و لم يتمكن من الإفلات من طوق الحصار سوى أعداد قليلة .
محاصرت مدينة مينسك من الجناح الأيمن على يد الجيش الشمالي و من الجناح الأيسر على يد جيش الوسط أدت إلى أسر 300000 ألف عسكري سوفياتي و 2500 دبابة و 1400 قطعة من المدفعية ، أصبحت 32 من الفرق السوفياتية الـ 43 عاجزةً في غضون أسبوع و اخترق الطريق المؤدي إلى العاصمة السوفياتية موسكو مسافة 300 كلم .
نهر الدنيبر
نهر الدنيبر هو نهر يقع في أوكرانيا ، لقد حاول الألمان الوصول إلى اجتياحها بأسرع ما يمكن حتى يحرموا الاتحاد السوفياتي من أضخم قواعده الصناعية و الزراعية ، و ليعززوا اقتصادهم بالخدمات الغنية و ما يتوافر فيها من مواد أولية ، بالإضافة إلى الفحم و المنغنيز و القمح .
كما أن اجتياح أوكرانيا يضمن للقوات الألمانية القدرة للإنطلاق نحو موسكو . و لهذا فقد ركز الألمان جهودهم نحو نهر الدنيبر و أمكن لهم الوصول إليه في بداية شهر يوليو 1941م و قد تم اجتيازه .
* الصور و الخرائط مرقمة :-
1- الصورة تبين المدرعات الألمانية أثناء العملية .
2- الصورة تبين انتشار الجنود الألمان على الطرقات .
3- الصورة تبين وحشية الألمان و معاملتهم للسوفيات .
4- الخريطة تبين هجمات المحور و تقدمهم داخل الإتحاد السوفياتي .
5- الخريطة تبين هجوم القوات الألمانية باتجاه مدينة مينسك .
المفضلات