الصفحة رقم 1 من 11 123 ... الأخيرةالأخيرة
مشاهدة النتائج 1 الى 20 من 204
  1. #1

    رائعة بيار روفائيل "لحن الغروب"

    مرحبا يا احلى اعضاء
    قرأت رواية حلوة وهي لحن الغروب قصة مؤثرة كتير
    قصة من واقع الحياة ...
    كل من قرأها... قال عنها حلوة كتير ومؤثرة وانا اول ناقدة بحكي هالحكي ..
    وحبيت انشرها هون في المنتدى الكريم ... وبيقى في ذاكرته هذه القصة الادبية المؤثرة
    تيحاتي الكم


  2. ...

  3. #2
    رائعة بيار روفائيل ...لحن الغروب
    تمهيد
    وقف الصحافي الشاب سامي مجبور امام سور المقبرة اللاتين في بيروت يعرض تلك القبور البيضاء المتناثرة تحت اشجار السرو الباسقة الدائمة الاخضرار وكأنها حراس تحرس قبور الاموات وتغمرها بالظلال الوارفة العطرة
    ومقبرة اللاتين تقع في بيروت على الشاطئ الجنوبي
    فهي في محله الزيتون الاهله بالكسان الزاخرة بالملاهي والنوادي والمسابح والفنادق والمؤسسات السياحيه والتجارية والصناعية
    ووجود تلك المقبرة الفسيحة الارجاء في منطقه اهله بالسكان يثير دهشة السياح والغرباء استغرابهم
    ذلك ان المقابر عادة لا تقام الا في ضواحي المدن والقرى
    في اماكن بعيدة عن المنازل والنوادي والملاهي والمؤسسات
    فالقبورمساكن الاموات
    ولعل الاموات يرتاحون في الابتعاد عن ضوضاءالاحياء وضجيجهم وعربدتهم ولهوهم ومجونهم
    انهم لفي راحة ابديه وفي هنأة وسلامة واطمئنان وهم يرقدون بعيدا عن الحياة
    ولو وجوود مقبرة اللاتين في قلب العاصمة اللبنانية قصة بعيدة
    ذلك انه يوم شيدت مقبرة اللاتين قي محله الزيتون لم تكن محلة الزيتون في بيروت
    بل هي كانت من ضواحيها
    وكان ذلك منذ سنين بعيدة
    يومذاك ارادت الطائفةاللاتينة ان تقيم مقبرت فسيحو للاموات فاختارت بستان زيتون في ضواحي بيروت يطل على البحر
    فابتاعت ذلك البستان وحولته الى مقبرة حديثة
    واحاطتها بسور عال من الحجارة البيضاء والقضبان الحديدية
    وكان معظم ابناؤ الطائفة اللاتينة يومذاك من الاوروبين
    ولم تلبث ان تحولت تلك الضاحية من بيروت الى منطقة اهله من السكان
    واختفت معالم بساتين الزيتون من تلك المحلة
    ولم تبق يد العمران من اشجار الزيتون سوى على شجرة واحدة ضخمة كبيرة عجوز ظلت في وقفة التمرد والعصيان على المناجل والفؤوس مدة طويلة
    فاطلق على تلك المنطقة اسم الزيتونة
    واصبحت مقبرة اللاتين في كبد محلى الزيتون
    هناك...
    في تلك المحلة...
    امام سور مقبرة اللاتين في محلة الزيتون وفق الصحافي الشاب سامي مجبور ذات صباح من ايام الربيع الممرع الريان جاملابيديه قلمه وارواقه :كاميرات اله تصوير وراح يمعن النظر في ذلك السور العالي وفي حجارته التي حول الزمن بياضها الى اكفهرار وشحوب ويتطلع الى اغصان اشجار السرو الخضراء المتعالية وراء ذلك السور بين المقابر البيضاء
    وسامي مجبور صحافي ناشئ شاب
    في السابعة والعشرين من عمره
    يعمل في مجله اسبوعية لبنانية واسعة الانتشار
    وهو يعمل في قسم التحقيقات والريبورتاج في ممجلة المواكب المزدهرة الغراء
    وكان سامي مجبور يعمل جاهدا لاحتلال مركز مرموق لدى صاحب المجلة وهو صحافي لبناني كبير يتولى رئاسة تحرير مجلته بنفسه
    لذلك فقد كان سامي يختار دائما تحقيقاته المواضيع الغريبة العجيبة المثيرة التي تثير الاهتمام القراء وموافقى رئيس التحرير
    ورئيس التحرير كان يقدر موهبة ذلك الشاب الناشئ في عالم الصحافة
    ويعمل باهتمام لتسديد خطواطه في طريق الصحافة الشائك الصعب البعيد ويعده لتولي رئاسة تحرير قسم التحقيقات قي مجلته في المستقبل القريب
    وكان سامي مجبور قد ارتأى القيام بتحقيق حول المقابر في لبنان
    وعرض على رئيس التحرير رأيه فوافق رئيس التحرير
    ودعاه الى التبسط في كتابة ذاك التحقيق
    وزوده بالارشاد والنصح
    وطلب اليه ان يستمع الى احاديث الحراس تلك المقابر ولديهم بدون شك طرائق وغرائب واسرار عديدة
    وفي ذلك الصباح من الربيع تزود الصحافي الناشئ بالعدة القلم والورق والكاميرا
    وسار على بركات اللع الى امقبرة اللاتين
    وهي الاقرب والاسهل
    وربما الامتع...ايضا
    ووصل محلة الزيتون
    ووقف امام سور مقبرة اللاتين يعرض ذلك السور العالي الاجنحة الوطيد الاركان
    وامسك بقلمه
    وبسط ورقه من اوراقه وكتب
    " مقبرة الاتين في محلة الزيتون في بيروت شبيه بقلعة اثريه قديمة ...
    وسورها عال متين قد يصعب على القوى المسلحة اقتحامه عجبا لهؤلاؤ البشر الذين يقيمون الاسوار حول المفابر
    لماذا يشيد السور حول المقبرة مادام الذين في المقبرة لا يستطيعون الخروج والذين هم خارجها لا يريدون الدخول...؟"
    ثم تناول الة التصوير
    واخذ يلتقط الصور
    فالتقط صورة لمقبرة من بعيد
    ثم التقط صورة لاشجار السرو الباسقة الخضراء التي تظلل باغصانها الوارفة قبور الاموات ...
    ثم صور لباب السور العالي ولقضبان الجديد السمراء المنبثقة فوقة...
    ثم تقدم ليتقط صورة لباب المقبرة الحديدي الكبير
    وانتهى من التقاط الصور الخارجية
    وبات عليه ان يقتحم الباب ليدخل ويبدأ بالتقاط الصور الداخلية
    ودفع الباب الحديدي ذا القضبان السوداء ففتح
    فالباب ليس موصدا بالاقفال
    وابتسم وهو يكتشف ان الحارس لم يوصد الباب بالاقفال المتينه
    فهو كما يبدو اشد ذكاء وابعد حكمة من اولئك الذين شيدوا السور ونصبوا القضبان الحديدية
    واحكمواا تثبيت ذلك الباب الحديدي المتين
    فقد ادرك ذلك الحارس النبيه ان الاموات لن يحاولوا الخروج من المقبرة ولا احياء يرغبون في اقتحاام ذلك الباب للدخول ...
    خطواط قليلة واصبح سامي مجبور داخل اسوار تلك المفبرة
    ورا ح الصحافي الشاب يلتقط الصور بعض القبور الرخامية
    منها الفخمة اللامعة التي يتنصب فوقها تمثال او صورة للراحل الكريم الراقد بهناء ةسلان واطمئنان تحت بلاطها الاببض
    ومنها القبور المتواضعة التي تجثم فوقها صليب من الخشب او الرخام
    وعلة كل قبر من تلك القبور الفخمة والمتواضعة بلاطة حفر عليها اسم الراحل او الراحلة وتاريخ الولادة والموت
    ومضى الصحافي الناشئ في التقاط الصور وفي تدوين بعض الملاحظات والاسماء في دفتره
    وفجأة انتصب امامه رجل عجوز في زهاء السبعين من العمر كلل الشيب راسه ببياضه
    وحفرت السنون اخاديدها على جبينه
    وسمت الايام خطوطها السوداء وتجاعيدها الواهية على وجنتيه
    وساد الصمت العميق بين الصحافي الشاب والرجل العجوز قبل ان يتقدم الرجل من الصحافي متسائلا :
    من انت .؟وماذا تفعل هنا .؟... ومن اذن لك بالدخول الى حرم الاموات الراقدين في هذه المقبرة ؟
    ولم يجب سامي مجبور على اسئلة الرجل العجوز
    بل بادره بسؤال غريب . لم يكن ذلك الرجل ينتظره
    قال: وهل يحتاج الدخول الى المقابر الى اذن وتصريح يا سيدي ؟
    فاستأنف العجوز السؤال : هل جئت لزيارة قبر صديق او نسيب او حبيب ؟
    -لا ..
    - لماذا اذا تلتقط صور قبور الاموات ؟
    ولم يجب الصحافي الشاب العجوز علة سؤاله

  4. #3
    بل تناول علبة تبغ من جيبه ليقدم لذلك العجوز لفافة ثم يلقي بلفافة التبغ بين شفتيه ويشعل اللفافتين .
    وارتاح ذلك الرجل بعض الارتياح وقد قدم له ذلك الفضولي المقتحم معقل الاموات . لفافة فاخرة
    ونفث دخان اللفافة في الفضاء ليستأنف طرح الاسئلة :
    لماذا انت هنا ؟
    فابتسم سامي مجبور متسائلا : بل لماذا انت هنا؟
    فاجاب : انا حارس هذه المقبرة منذ دخولك الى هنا وانا اراقبك من غرفتي الصغيرة هناك في الزاوية البعيدة عن القبور فهل تتفضل بان تقول لي من انت بعد ان علمت من من انا ؟
    فاتسعت ابتسامة على شفتي سامي مجبور
    وتمتم : انا صحافي جئت الة هنا لاقف على بعض خفايا هذه االقبور وتاريخها والتقط صور القبور الفخمة والقبور المتواضعة
    فلمعت الدهشة في عيني حارس وكلمات ذاك الصحافي تقع في الاذنين : لماذا يقدم هذا الصحافي على محاولة الوقوف على تاريخ مقبرة اللاتين ...؟ ولماذا يريد التقاظ صور القبور؟
    وادرك الشاب الصحافي ما يجول خاطر الحارس من اسئلة
    فاوضح انني منصرف الى كتابة تحقيق حول المقابر في لبنان وقد رايت ان ابدا من مقبرة اللاتين
    فارتسمت ابتسامة واهية صفراء على شفتي الحارس العجوز وقد ادرك حقيقة مهمة هذا الشاب
    وهمس بتساؤل ملحاح : انت ستنشر اذن تفاصيل ما ترى وتشاهد وتصور في المقبرة ؟
    -: اجل .....
    -: وتنشر الصور في صحيفتك؟
    -: نعم ..
    -: وهل ستلتقط صورة "لمحسوبك" حارس هذه المقبرة ؟
    -: نعم
    -: متى ؟...
    -: الان ......
    -: وتنشر صورتي في صحيفتك ؟
    -: اجل ...
    فاتسعت ابتسامى على شفتي الحارس العجوز
    وهمس متسائلا : اين ستلتقط صورتي ؟
    -: هنا
    -: هنا ؟ بين المقابر ؟
    ولم يجب الصحافي الشاب الحارس على سؤاله
    بل صوب عدسة اله التصوير نحو الرجل العجوز .
    والتقتط صورته
    فهدر الحارس:هل صورتني ؟
    -: اجل ..
    وهل ستظهر هذه الصورة في صحيفتك ؟
    -: اجل
    -: لا لا اريد ان تنشر صورتي هذه التي التقطتها الان في صحيفتك .
    -: لماذا ؟
    فاستأنف الحارس العجوز الكلام : سارتدي ثوبي الجديد واضع الطربوش على رأسي وعندئذ اسمح لك بالتقاط الصورة التي ستنشرها في الصحيفة تعال.. تعال معي الى غرفتي
    قال الحارس هذا وسار امام الصحافي الشاب بين القبور الى غرفة صغيرة قديمة العهد تقع في اخر المقبرة على بعد امتار قليلة من المقابر
    انها لاشبه بقبر حي بين قبور الاموات
    ودخل الحارس العجوز الى غرفته متمتا انتظر هنا امام الباب دقائق قليلة ريثما ارتدي ثوبي الجيد
    ووقف سامي مجبور امام تلك الغرفة ينتظر الامر له بالدخول
    ولم يطل انتظاره
    دقائق وطل الحارس من الباب وقد ارتدى ثوبه "الجديد"
    وليس في ذلك الثوب ما يشير الى الجديد ..
    فهو ثوب اسود اكل الدهر عليه وشرب ونام واستراح .
    الا انه ... نظيف .
    وكان الحرس قد رفع طربوشه القاني الاحمرار على راسه
    وفتل شاربيه ووقف امام الصحابي الشاب قائلا :
    تفضل ... صور
    وصور الصحافي الحارس المتباهي " بثوبه الجديد" وبطربوشه الاحمر وبشاربه المفتول
    وعنئد بعد ان اطمئن الحارس الى التقاظ الصورة كما اراد دعا الصحافي الى الدحول : تفضل بالدخول الى غرفتي المتواضعة يا سيدي
    ودخل سامي محبور الى غرفة الحارس فاذا به في غرفة صغيرة تحتوي على سرير حديدي صغير وعلى مقعدين خشبين قديمين ومنضدة ومصباح كهربائي معلق في السقف وطاولة صغيرة عليها ابريق ماء من الفخار وبعض الاطباق الخزفية القديمة
    وفي صدر الغرفة قرب الحائط انتصبت خزانة قديمة العهد تضم بين دفتيها ثياب الحارس وبعض حاجاته الخاصة الخاصة
    ودعا الحارس الصحافي الى الجلوس : تفضل بالجلوس يا سيدي ..تفضل سأهيئ لك فنجان قهوة ..
    وحاول سمي مجبور الاعتذار عن تناول القهوة
    الا ان حارس رفض الاعتذاره
    واصر على تكريم ضيفه بتقديم القهوة له
    وفيما سامي مجبور يجلس على احد المقعدين الخشبين كان الحارس يدخل من باب صغير الى غرفة مظلمة انها المطبخ فيشعل النور في ذلك المطبخ ويتصرف الى تهيئة القهوة وعلى البابور كاز" كان هديره يترامى الى مسامع سامي مجبور كهديل المراجل
    وفجأة انقطع الهدير
    فايقن الصحافي ان القهوة اصبحت جاهزة
    واذ بالحارس يطل عليه من الباب الصغير حاملا صينية نحاسية صفراء عليها فنجانا قهوة
    وقدم للصحافي فنجانا ثم تناول هو فنجانه
    وجلس عل المقعد الخشبي قرب الصحافي ليتناول من جيبه علبه تبغ من الصنف الرخيص ويقدم لفافة لضيفه الكريم
    واعتذر سامي مجبور عن تناول اللفافة من يد الحارس متمتما : شكرا لك يا سيدي فانا معتاد على نوع خاص من التبغ
    قال الصحافي الشاب ذلك وامتدت يده الى جيبه ليخرجها قابضة على علبة تبغ من النوع الفاخر
    وقدم لفافة للحارس العجوز
    ولم يرفض الحارس تناول اللفافة من يد الشاب
    قهي لفافة فاخرة النوع لا يستطيع الوقوع على مثلها كل ان وحين
    وهمس الحارس وهو يلقي بالفافة الفاخرة بين شفتيه : شكرا لك سيدي
    واشعل الصحافي اللفافتين لفافته ولفافة الحارس
    ونفث دخان في الفضاء
    وهمس متسائلا : هل تستطيع يا سيجي ان تطلعني على تاريخ هذه المقبرة ؟ متى شيدت ؟ ومن شيدها ....؟
    فنفث الحارس دخان لفافنه في الفضاء ليجيب : لست ادري متى شيدت هذه المقبرة ولا من ذاك الذي شيدها وبنى اضرحتها وقبورها فأنا هنا منذ ثلاثين سنه ويوم وطأت قدماي هذه الغرفة كانت هذه المقبرة كما هي الان
    وبدأ الصحافي بتدوين اقوال الحارس العجوز

  5. #4
    ومضى في طرح الاسئلة : لماذا اخترت مهنة الحراسة هذه المقبرة ؟ وكيف ؟ ومتى ؟
    فرشف الحارس القهوة ونفث الدخان في الفضاء
    ومع دخان اللفافة نفث زفرة عميقة ليتمتم منذ ثلاثين عاما كنت اعمل في " ورشة عمار" في هذه المنطقة قرب المقبرة ... انظر هل تشاهد هذه البنايه الشاهفة الصفراء المطله على البحر لقد كنت بين العمال الذين شيدوها
    وكانت زوجتي ام مروان قد توفيت منذ امد قريب حزنا على سفر ابننا الى المهجر سعيا وراء لقمة الخبز واصبحت وحيدا في هذه الحياه ... يومذاك توفي حارس هذه المقبرة ... وكان ذلك الحارس صديقي يستعين بي من حين لاخر على فتح القبور ودفن الموتى فحللت محله في الحراسة ... وكنت مرتاحا لهذه الوظيفة ذلك لان الحراسة افضل من تعب في نقل الحجارة والعمل في الورشة فالمرتب مضمون اخر الشهر والاكراميات وفيرة بعد الدفن وهكذا انتقل عملك ابو مروان من مهنة عمل في البناءالى مهنة حراسة المقبرة
    وتساءل سامي مجبور : الا تشعر بالخوف يا ابا مروان وانت تقضي اللبل والنهار بين هذه القبور الموحشة الكئيبة
    فلمعت ابتسامة هازئة على شفتي الحارس العجوز
    واجاب : ابدا ... ليس ثمة ما يخيف "فجيرة الاموات افضل بكثير من جيرة الاحياء فهم رحمهم الله لا يضايقونني ولا يسئون معاملتي ولا يرهقونني بمطالبهم وانا مرتاح كل الارتيارح في جوارهم الهادئ الامن المريح
    فاستانف االصحافي الشاب طرح الاسئلة : هل لديك ما تتخفني به من حوادث غريبة عجيبة جرت في هذه المقبرة يا ابا مروان ؟
    -: حوادث كثيرة مرت بي ... منها ما يدهش ومنها ما يحزن ومنها ما يضحك

    -: هل لك ان تذكر لي بعضها ؟
    فرشف ابو مروان القهوة
    ونفث دخخاان لفافته ...
    وتمتم بعد صمت قصير : ذات ليلة من اليالي الربيع الفواح العبير افقا من نومي على وقع خطوات حثيثة خافتة تمزق سكون الليل وهدوؤه فنهضت من سريري على خشية وارتياب ورمقت الساعة بنظرة سريعة فاذا بها تشير الى الثانية بعد منتصف وارهفت اذني قبل ان اخرج من الغرفة وقد خيل الي انني واهم في ما سمعت وكدت اتاكد من انني واهم وقد انقطع وقع الخطى عن الارتفاع وهممت بلعودة الى السرير الا ان ذلك الوقع اسـتأنف الطرفات ... ففتحت باب الغرفة وخرجت لأفاجأ بشبح اسود يسير بين القبور بخفة ورشاقة وهويناء . وكان القمر يسبح في الفضاء ساكبا نوره الفضي على شجرات السرو المنتصبة حول المقابر ليعكس ظلها الاسود على المقابر البيضاء قيزيد من رهبة المكان وخشوع الليل البعيد . وكانت ظلال الاشجار تتمايل تحت رفات النسيم العليلي فيخيل للناظر انها شبح سوداء تتراقص بين تلك القبور البيضاء وارهفت اذني فاذا بوقع الخطى يتعالى في هدوء واناءة وامعنت النظر لاشاهد شبحا اسود يتجه نحو قبر متواضع ينزوي في اخر المقبرة بذل وانكسار وكان ذلك الشبح الاسود بلون الليل البهيم , يتشح بالسواد من قمة رأسه لاخمص قدميه .....

    ونفث ابو مروان دخان اللفافة في الفضاء
    واستأنف الكلام بعد صمت قصير .
    قال : اكون كاذباا اذا قلت لك انني لم اخف ... للمرة الاولى عرف قلبي الخوف يا استاذ . حاولت السير نحو الشبخ . الا ان رجلاي لم تسعافني في السير فتسمرت في مكاني اراقب الشبح الاسود السائر نحو القبر
    الوضي عوشاهدت الشبح الاسود ينطرح فوق بلاط الضريح وانقطع وقع الخطى ليرفع العويل والبكاء وقعت في اذني همسات خافتة مؤلمة :"يا حبيبي" ... وكان الصوت ناعما هادئا شجيا . انه صوت امرأة تبكي وتندب وتناجي حبيبها الراقد في ذلك القبر الابيض الوضيع وعندئذ , عندئذ فقك استعدت بعض شجاعتي وقد ادركت ان ذلك الشبح الاسود لم يكن سوى فتاة جاءت تزور حبيبها الراحل الى عالم الخلود
    وصمت ابو مروان برهة ليمسح دمعة انحدرت على وجنتيه وهو يتذكر تلك المراة التي كانت تبكي حبيبها الهاجع بين الاموات في تلك المقبرة الموحشة الهادئة
    واستأنف الحارس العجوز الكلام بعد صمت قصير
    قال: وتذكرت ان ذلك القبر الذي تنطرح فوقه تلك المرأة هو قبر شاب كنا قد واريناه الثرى صباح ذلك اليوم... وسرت ...سرت نحو تلك المرأة فاذا بي امام فتاة رائعة الجمال في مطلع الشباب وعلى ضوء القمر الساطع شاهدت وجه تلك الفتاة كان وجهها ناصع البياض يزيد ضوء القمر الساطع بياضا نصوعا ... وكانت الدموع الغزيرة المنسكبة على الخدين الاسيلين ترسم خطوطا وارفة من الحزن والاسى والولوع .
    وصمت ابو مروان برهة على شدة ووجوم وكأنه يتذكر لوعة تلك الفتاة الحزينة .
    كأنه يشاهدها الان امامه من خلال الذكريات الافلة البعيدة
    واستأنف الكلام بعد صمت قصير
    قال: ازدت اقترابا منها فلم يلفتها اقترابي انها في عالم غير هذا العالم .... ووضعت يدي على كتفها هامسا: " كفى يا ابنتي نحيبا ودموعا فالدموع مهما غزرت والتهبت وهمت لا تستطيع ان تعيد الينا الاحباب الراحلين ..."ولم تفاجأ الفتاة الحزين بيدي تلامس كتفيها ولا ابهت لكلامي فامسكت بيدها اشدها محاولا رفعها عن الضريح والابتعاد بها عن اقبر حبيبها ومن دون ان تلتفت الي همست : " من انت " ... قلت انا حارس المقبرة ... تعالي معي ... فوقفت واهية ملتاعة وسارت وهي تمسح دموعها الغزيرة المنسابة على وجنتيها النضرين بمنديلها الحريري الناصع البيااض وسرت بها من دون ان اهمس بحرف ... وخرجت من مقبرة لتستقل سيارتها الخاصة التي كانت متوقفة امام باب المقبرة وتطلق لها العنان
    فتسائل الصحافي الشاب وهو يدون دفتره حديث الحارس العجوز :الم تعد تلك الفتاة لزيارة حبيبها الراحل مرة ثانية ....
    فاجاب ابو مروان : لقد عادت في اليوم التالي حاملة معها غرسة ورد ودفعت بها الي قائلة : ارجوك سيدي ان تغرس هذه الوردة على قبر حبيبي وان توليها عنايتك التامة انها نبتة ورد احمر كان يحب الورد الاحمر اريد ان يحنو الورد عليه حتى بعد الموت .
    قالت الحبيبة الملتاعة هذا ووضعت في يدي ورقة نقدية كبيرة ... ونفذت امرها وغرست النبتة واعتينت بها ومضت الفتاة في زيارة حبيبها مرة او مرتين اسبوعيا وكانت كل مرة تنفنجني بمبلغ من المال واستمرت زياراتها زهاء سنه وفجأة بعد السنه انقطعت عن الزيارة وعبثا انتظرت عودتها الا انها لم تعد فادركت ان الزمن العاصف القدير تكفل بمسح دموعها وباطفاء لهيب اشتياقها الى الغائب الحبيب
    فاستأنف سامي مجبور طرح الاسئلة على ابي مروان
    قال : وهل تشرفت يا ابا مروان بزيارة اخرى قام بها احد احباء او اقارب او اصدقاء الراقدين على غفوة هانئة في هذه المقبرة
    فاستوى ابو مروان في جلسته
    واجاب كثيرون جاؤوا لزيارة الهاعين في غفوة الموت هنا ولكنهم كانوا يقومون بتللك الزيارات في وضح النهار وكنت استقبهم بالترحيب وكانوا يجودون علي بالاكراميات من مال وثياب وطعام وهدايا عيدة طالبين الي ان اعتني بمدافن اموات ...
    _: وفي الليل ؟... الم يقتحم اسوار مدينتك العامرة احد غير تلك العاشقة الولهى ؟
    -: بلى ذات ليلة من الليالي شهر كانون الحيديدي الكبير على خشية وحذر ويتوغلان بين المدافن بائتاد وخفة فرحت اراقبهما مراقبة شديدة واذ بهما يتنقلان من ضريح الى ضريح تحت وابل من المطر وسرت اليهما ولم ينتبها لي الا وقد اصبحت قربهما هاتفا بهما ماذا تفعلان هنا ؟...
    وذعرا وتراجعا الى الوراء متمتان ببعض الايات المقدسة
    فقد خيل اليهما انني جثة ميت خرجت من القبر لتصرعهما
    وقبضت عليهما واقتدتهما الى هنا الى غرفتي ... وكانا في حال هلع شديد فرحت اهدئ من روعهما وبعد ان علما انني لست جثة ميت اطمأنا بعض الاطمئنان كانا شابين في مقتبل العمر ... انهما طالبا طب في الحامعة الاميركية جاءا المقبرة باحثين عن جمجمة يجريان عليها اختبارا طيبا وكشفان من خلال اسرار تركيب عظام جمجمة الانسان
    فصرفتهما طالبا اليهما ان لا يعودا الى البحث عن الجماجم في المقابر وامامهما الكتب الدراسية يقعان فيها على كل ما يرجوان ويرومان ويطلبان .
    ودون الصحافي الشاب كل ما قاله ابو مروان
    واستأنف طرح الاسئلة على الحارس العجوز
    فهو يريد ان يكون تحقيقه شاملا الكثير من الطرائف والاخبار والاسرار ...
    قال متسائلا :الم تقع على اثر قديم او حلية على أي شيء له قيمة مادة في مقبرة الجاثمة بكأبة ووجوم تحت ظلال هذه الاشجار الباسقة الخضراء .
    فتمتم ابو مروان : مرة واحدة عثرت على صندوق صغير في قبر فرنسية حسناء
    _: وماذا وجدت في ذلك الصندوق ؟...
    لقد خيل الي ان ذلك الصندوق يحتوي على نقود او على بعض الحلي الثمينة واملت ان اصل الى ثروة كبيرة تقتني الفقر والعوز والا ان املي خاب والحلم الجميل توارى عندما فتحت ذلك الصندوق الصغير لاجد دفتر قديما يحتوي على سطور قرائتهها ولا تمكنت من فك روموزها
    -: وماذا فعلت بذلك الدفتر يا ابا مروان ؟
    ولم يجب ابا مروان
    بل نهض وسار بئتاد خطى الى الخزانه القديمة الننتصبة بذل ووهن وانكسار عند احائط
    وفتح الخزاننه واخرج منها صندوقا من النحاس
    وعاد الى جلسته قرب سامي مجبور ليدفع تلك العلبة النحاسية اليه متمتا : هذا هو الصندوق الصغيير الذي وجدته في ضريح الفتاة الاجنبية الحسناء والدفتر مازال داخل هذا الصندوق
    وتناول الصحافي الناشئ تلك العلبة النحاسية .
    ونفض ما علق بها من الغبار
    وفتحها...
    وتناول ما في داخلها ...
    كان في داخل ذلك الصندوق الصغير دفتر خولته الايام لون اوراقه البيضاء الى اصفرار
    الا ان تلك الايام لم تستطع ان تمحو احرف الكلمات المدونة في الصفحات الصفراء بخط واضح وانيق جميل .
    وراح سامي مجبور يقلب الصفحات ذلك الدتر ليقرأ بعض الاسطر على سرعة وعجل ...
    كان ذلك الدفتر يحتوي عل قصة فتاة مدونه باللغة الفرنسية وباسلوب واضح ورشيق .
    ولم يكن لدى الصحافيي الشاب متسع من الوقت لقرأة كل ما في الدفتر .
    فاعاده للعلبة
    والتفت الى الحارس االعجوز قائلا: هل تسمح لي با ابا مروان بان احتفظ بهذا الصندوق الضغير ولك مني ما تشاء تمنا له ؟
    وطفت ابتسامة خبيثة على شفتي الحارس العجوز .
    وتمتم متسائلا : تريد ان تحصل على ما في الصندوق الصغير يا استاذ اليس كذلك ؟
    وابتسم سامي مجبور .
    واجاب اجل ما يهمني هو الدفتر لا الصندوق لك ان تحتفظ لاصندوق يا ابا مروان وتجود علي بالدفتر ... واعاد ابو مروان الدفتر الى الصندوق الصغير ...
    ومن دون ان يهمس ابو مروان باي كلمة حمل الصندوق وعاد الى الخزانه يفتحها ويدس الصندوق فيها بكل رصانه وهدوء
    وعاد الى الصحافي الناشئ ليجلس قربه قائلا : كان بودي ان استجيب الى طلبك يا استاذ الا انني ارى نيفسي عاجزا عن تحقيق امنيتك .
    - لماذا يا ابا مروان . وماذا سيفيدك هذا الدفتر وانت تجهل قراءة ما فيه . وهوباللغة الفرنسية ؟
    واستوى ابو مروان في جلسته على المقعد الخشبي العجوز .
    وهمس : كل ما في هذه الغرفة ليس لي انه لابني مروان غدا يوم يعود المحروس مروان بالسلامة من الاغتراب ساسلمه كل ما في هذه الغرفة وسيذكرني بعد ان ارحل هعن هذا العالم الفاني كلما وقعت عيناه على ما اورثته اياه ....
    واغرورقت عينا الحارس العجوز بالدموع وهو يذكر ابنه المحروس الممعن في النوى والبعاد
    ومسح الدموع المترقرقة في عينيه بطفه .

  6. #5
    وهمس : كل ما ارجوه من الله عز وجل هو ان يمن علي برؤيه مروان قبل ان اموت
    واحترم سامي مجبور شعور ذلك الوالد البائس الحنون
    فلم يلح عليه بطلب الحصول على الدفتر الرابض في الصندوق النحاسي القديم
    ودون الصحافي الشاب كل ما سمع وصور كل ما شاهد وراى
    ختى غرفة الحارس العجوز واثاثها المهترئ النتحضر لم يسلم من عدسة التصوير
    وقام مودعا ابا مروان عائدا الى مكتبه في دار المجلة وفي جعبته من الصور والاخبار ما يفرح القلب ويسر الفؤاد....
    ويوم صدرت المجلة الغراء حاملة بين صفحاتها تحقيق سامي مجبور حول مقابر لبنان كان لذلك التحقيق الغريب العجيب المثير الطريف صدى اعجاب وتقدير وليس لدى القراء المجلة فحسب بل لدى صاحب المجلة ورئيس تحريرها واعضاء مجلس ادارتها ايضا
    واطمأن سامي مجبور كل الاطمئنان وقد لقي تحقيقه التقدير والاعجاب
    وايقن ان الترقية وزيادة الراتب اصبحا في الجيب
    ولم يخطئ سامي في تقديره
    فقد نفحه صاحب المجلة بترقية وزيادة في مرتبه وبوعد اكيد صريح في اسناد رئاسة القسم التحقيقات اليه ان هو استمر في ذلك النشاط الرحيب العميق
    *******************************
    بعد اسبوع من صدور المجلة التي حملت بين صفحاتها تحقيق والمقابر في لبنان وهو التحقيق في مدافن مقبرة اللاتين في محلة الزيتون كان الصحافي سامي مجبور في مكتبه قي دار المجلة برسم معالم التحقيق الثاني في سلسة تحقيقات المدافن في لبنان
    وقد عزم على ان يكون تحقيقة في مقبرة الشهداء في ضواحي بيروت
    في تلك المقبرة حيث يرقد ابطال لبنان الميامين الذين ضحوا بيحاتهم من اجل حياةلبنان وحريته وكرامته واستقلاله
    وفيما الصحافي الشاب منصرف الى رسم خطوط تحقيقه الجديد دخل عليه الحاجب ليقول في قاعة الاستقبال رجل عجوز ييرغب في مقابلتك يا استاذ سامي ...
    وقال الصحافي : اصرفه يا سعيد فليس لي من الوقت الان ما يسمح باستقبال الزائرين
    وتمتم الحاجب سعيد انه يلح في طلب مقابلتك الان ويقول انه صديق حميم لك
    وتوقف الصحافي الشاب عن الكتابة
    ورفع نظره الة الحاجب متسائلا : ما اسمه ؟.
    قال سعيد اسمه ابو مروان ...
    -: ابو مروان ؟...
    وتذكر سامي مجبور مقبرة لاتين العجوز
    فالتفت الى سعيد قائلا : دعه يدخل يا سعيد
    وخرج الحاجب
    ودخل ابو مروان
    وكان الحارس العجوز يحمل في يده اليمنى الصندوق النحاسي الصغير
    وباليسرى عدد المجلة الذي يحتوي على التحقيق في مقبرة اللاتين
    وكانت البسمة الهانئة البيضاء تطفو على شفتي ابا مروان وهو يتقدم من صديقه الصحافي الشاب متمتما : جئت لاشكرك على نشر صورتي في مجلتك سيدي انها صورة جميلة ابدو فيها شابا وسيما في ثوبي الجديد وطربوشي الاحمر .. عندما اخبرني صاحب الدكان الذي ابتاع منه حاجتي في محلة الزيتون ان صورتي منشورة في المجلة لم اصدق غي ان صديقي صاحب الدكان نفحني بالملة فكدت اطير من الفرحة انني لا شكرك كل الشكر على ما ابديت نحوي من معروف لم اكن لاحلم به في حياتي
    فدعاه الصحافي الشاب بالجلوس
    -: اجلس تفضل يا ابا مروان
    وجلس ابا مروان
    وقدم الصندوق النحاسي الصغير للصحافي
    وتمتم : كنت قد طلبت مني هذا الصندوق فرفضت طلبك وانا اسف لما بدر مني تفضل خذه ياسيدي فهو لك بما فيه الدفتر ما زال في الداخل وامل ان يكون لك منه فائدة
    وشكر سامي مجبور لابي مروان عاطفته الصادقة
    وتناول ذلك الصندوق ليضعه في جرح مكتبه
    فاستانف ابو مروان الكلام
    -: لي عندك طلب يا سيدي
    - ما هو يا ابا مروان ؟...
    -: اريد منك ان تجوج علي بنسخة من عدد المجلة الذي يختوي على هذا التحقيق لدي الان نسخة هذه هي اريد ان احتقظ بها لاعرضها امام الاهل والاصدقاء واريد نسخة ثانية لارسلها الى المخروس مروان يوم اقف على عنوانه ليدرك أي مقام رفيع يتبوأ والده في لبنان
    فابتسم الصحافي الشاب
    وتمتم كرمت عيناك يا ابا مروان ...
    قال سامي محبور هذا وقرع الجرس فاقبل الحاجب سعيد قائلا امر استاذ ...؟
    قال الاستاذ : احضر لي عشر مجلات من العدد الصادر الاسبوع الماضي
    وخرج سعيد الحاجب ليعود بعد قليل حاملا المجلات المطلوبة ودفع سامي مجبور بالمجلات العشر الي ابي مروان متمتا : انها لك يا ابا مروان تستطيع ان توزعها على الاهل والاصحاب
    وحاول الحارس ان ينقد الصحافي ثمن المجلات العشر الا ان الصحافي الشاب رفض ان يتقاضى الثمن
    قال اذا تقاضيت منك ثمن هذه المجلات يتحتم علي ان انقدك ثمن الصندوق النحاسي وثمن ما فيه من اوراق
    وشكر ابو مروان صديقه الصحافي
    ونهض مودعا متمتا كلمات الشكر والتقدير
    ولم يعر سامي مجبور الصندوق النحاسي أي اهتمام واغفل عن فتحه
    فهو منصرف الى الاهتمام باعماله الصحافيه العديد ة
    لا سيما وهناك سلسلة التحقيق حول المقابر في لبنان
    بعد زهاء شهر فيما يفتح درج مكتبه وقع بصره على ذلك الصندوق الغير
    ففتحه
    وشاهد الدفتر الاصفر الصفحات فتذكر ...
    تذكر ابا مروان
    ومقبر ة اللاتين
    وما قاله الحارس المقبرة العجوز مرة واحدة عثرت على صنوق صغير في قبر فناه حسناء لقد خيل الي ان ذلك الصندوق يحتوي على نقود او على بعض الحلي ..................."
    وتناول الصحافي الشاب الدفتر من العلبه
    وراح يقلب صفحاته بسرعة
    كان ذلك الدفتر ما زال على حاله كما شاهده في غرفة الحارس يختوس على قصة فتاه دونتها يد اللغة الفرنسية وبخط واضح جميل واضح جميل انيق وشيق
    وعزم على قراءة كل ما في ذلك الدفتر
    وعندما انهى عمله في المجلة حمل الصندوق معه الى منزله هنالك في المنزل سيكون لقراءة ما ذلك الدقتر من خفايا واسرار
    وفي منزله جلس مجبور يقرأ ما في ذلك الدفتر على نور المصباح كهربائي صغير
    وكانت الصفحة الاولى من الدفتر تحتوي على كلمة واحدة كتبت بحرف كبير

  7. #6
    رامونا

    الفصل الاول
    اشعل الصحافي الناشئ سامي مجبور لفافة تبغ
    وبدأ بقراءة ما في ذلك الدفتر من كلمات تنطوي على الكثير من الالم والشوق والحب والحنين والعذاب وقرء:
    " لقد بدأت حياتي بالالام والعذاب والدموع .
    وبالالام والدموع والعذاب انتهت هذه الحياه
    وهنيئا لانسان يغمر قلبه الالم وتعصف به رياح الالام وترويه بمناهل الدموع
    ذلك الانسان قريب من الله العلي العظيم
    في ليلة عاصفة حالكة السواد من ليالي عام 1910 ولدتني امي في مدينه نيس الفرنسية القريبة من الجبال الالب العاتية الشماء
    وكانت الولادة صعبة عسيرة
    وليس ثمة طبيب يشرف على الولادة
    ما هناك سوى قابلة لا تحمل براءة الطب ولا تنعم بالمهارة في جراحة التوليد
    وما ان رات عيني نور الحياة حتى كانت عينا امي تطبقان على ظلام الموت
    لقد ماتت امي اثر ولادتي
    وتركتني يتيمة الاب في هذه الحياه الملاى باليتامي يتامى الامهات والاباء يتامى الرحمة والشعور والحنان يتامى التضحية والمحبة والتسامح والغفران
    وتعهدت جدتي والدة امي تربيتي
    فكانت تعطف علي عطف الام الحنون وتحنو حنوها
    وقد رات بي صورة واضحة المعالم عن ابنتها الراحلة بسلام الى عالم الخلود
    وكان والدي " سيزار شانتال " يعمل كل ما في وسعه لارضائي وتوفير الراحة والسعادة لي
    لقد كنت كل يملك ذلك الوالد الحنون في هذه الحياه
    وكنت سعيدة بين جدتي ووالدي
    كل ما تصبو اليه الطفلة في مثل عمري الندي متوفر لدي وكانت السعادة وارفة الظلال تلوح لي كما تلوح لكل طفلة صغيرة في دمية جميلة او في قطعة حلوى شهيى او في ثوب زاهر زاه الوان
    الا ان الاقدار هذه القوة الهائلة العظيمة ارادت ان تحرمني تلك السعادة
    ارادت تلك الاقدار ان تحرمني عطف الاب كما حرمتني من عطف الام ...
    فنشبت الحرب ...
    لقد اندلعت الحرب الضروس الحرب الكونية الاولى 1914 ...
    فهب والدي كما هب الجميع رجال فرنسا لذود عن الاوطان
    الاوطان ؟
    متى يعلم البشر ان لا وطن لهم على هذه الارض الفانية ؟.
    متى يعلم بنو الانسان ان وطنهم ليس هنا علىكوكب الارضي الدائر في رحاب هذا الكون الفسيح الارجاء ...؟
    متى يكف البشر عن التطاحن والتناحر والقتال في سبيل الارض التي هي ملك للجميع ..؟
    وتركني والدي وانا يومذاك في الرابعة من العمر بعد ان اوصى جدتي بالسهر على راحتي والاعتناء بي ...
    وجدتي لم تكن بحاجة الة من يوصيها بتوفير الراحة والسعادة لحفيدتها الصغيرة
    وحبها لهذه الطفلى الجميلى الصغيرى لا يقل عن حب والدها لها
    وودعني والدي وهو يهم بالمسير الى المصير المجهول ...ز
    وها انا الان ما زلت اذكر ساعة الوداع الاليم عندما حملني والدي بين ذراعيه
    وضمني الى صدره بعطف وحنان والدموع تغمر عينيه ...
    ثم تركني وهرول مسرعا الى حيث يجود بروحه في سبيل ارض فرنسا
    واجهشت بالبكاء وقد توارى والدي عن ناظري
    فطيبت جدتي خاطري وكفكفت دموعي
    واخذت تواسيني
    الا انني لم اكف عن البكاء
    واخذت اتمتم " بابا ... بابا.... اريد ان يعود بابا الي "
    فهمست جدتي وهي تمسح معة بدأت تتدحرج على وجنتيها المجعدتين : سيعود والدك الينا قريبا يا رامونا فليس ثمة ما يدعو الى العويل والنحيب
    وهمست : تعالي لنجثو ونصلي يا ابتني ليحفظ الله عز وجل والدك الحنون وبعيدة الينا قريبا سالما
    وركعت مع جدتي اردد الكلمات الروحيى المقدسة التي تنطق بها والغصات تخنقني والدموع تحرق عيني والخوف الشديد يعصف بفلبي وروحي
    لقد شعرت يومذاك في اعماقي وانا طفلى الصغيرى بانني فقدت هذا الوالد الحنون الى الابد
    وخيل الي جدتي ان الايام القليلة المقبلة ستتكفل بتضميد جراحي وروحي وتنسيني الغائب البعيد
    الا انها كانت على خطا
    فلم تكن تلك الايام الا لتزيد في شوقي الىوالدي الحبيب وفي حنيني اليه
    وكل يوم كنت اندفع الى جدتي متسائلة متى يعود والدي يا جدتي الحبيبة ...؟
    فتضمني الى صدرها المتعب الواهي هامسة سيعود والدك قريبا ان شاء الله ...سيعود يا رامونا ....
    ولكن والدي لم يعد
    ودخلت الضروس في عامها الثاني
    ونفدت الدراهم القليلة التي تركها لنا والدي قبل رحيله
    فاصبحنا انا وجدتي مهدتتين بالموت جوعا
    غير ان جدتي لم تياس ولم تهن ولم تتوان عن توفير لقمة الخبز لنا
    فعمدت الى العمل بالرغم من شيخوختها ومن عيائها
    وكانت تقودني بيدي الى العمل في دور بعض الاغنياء والوجهاء حيث تغسل الملابس وتقوم ببعض الاعمال المنزلية لقاء اجرة زهيدة تكاد لا تكفي لسد الرمق
    غير ان الجدى العجوز لم تستطع ان تستمر طويلا في العمل
    فالسنون السبعون كانت تشدها الى العياء
    والشيخوخة القاسية تدفع بها الى الوهن
    واصبخت بعد العمل الشاق ليس بطويل عااجزة عن مواصلة العمل
    فكانت تقضي معظم اوقاتها في الفراش
    وراتني مرغمة على مساعدتها وانا في الثامنة من عمري
    فرحت اساعدها في النهوض من السرير واعمل بارشادها ونصحها على اعداد الطعام
    وكدنا نشرف على الهلاك جوعا ...
    فالمورد الضيئل انقطع
    والجدة البائسة المريضة لاتستطيع العمل
    وادركت جدتي ان الجوع لن يرحمنا وان الفاقة ستصل بنا الى الهلاك
    وكان عليها ان تتدبر الامر وان تجد لنا من المال ما يدفع عنا شبح العوز والجوع
    وكانت تلك الجدة الحنون تملك حقلا صغيرا في سفوح جبال الالب
    وكانت تفضل جدتي الموت جوعا على اضاعة ذلك الحقل
    لانه ارث انتقل اليها من والدها
    وقد حرصت عليه مدى حياتها حرصها على الروح
    بيد ان شبح الجوع الرهيب المخيف والمرض الذي يعصف بجسدها النحيل اهابا بها الى التفكير ببيع ذلك الميراث
    وحيال حاجتي للقوت وحاجتها للاطباء وللادوية رات ان لابد من بيع الحقل
    فباعته
    باعته بقيمة زهيدة
    وكانت الدموع تبلل مقلتيها وهي توقع سند البيع
    وتتقاضى الثمن لقد ضاع ميراث الجدود الثمين من ايدي الاحفاد
    وخيل الى جدتي احنون ان صفقة البيع الحقل العزيز انقذتنا من الفقر والعوز الجوع
    الا انها كانت مخطئة
    ثمن الحقل لم يكفنا مدة طويلة
    فالقيمة ليست بالراجحة واسعار المواد الغذائية في الغلاء فاحش
    وشعرنا ثانية بالخطر يحدق بنا ويهددنا بكارثة دهياء
    فالمرض يعصف بجدتي وهي بحاجة الى الطبيب والدواء
    وانا بحاجة الى القوت والثياب
    ولاح لنا شبح الفقر المدقع الرهيب يقترب منا بسرعة واندفاع
    ولم يكن لنا ما ندفع به عنا شبح المخيف
    واستسلمنا للاقداروقد بتنا على يقين من ان ذلك الحكم سيكون قاسيا ظالما مريرا
    انه الحكم بالموت
    الحكم علي بالموت جوعا
    والحكم علىجدتي بالموت مرضا بعد ان عز عليها الدواء والعلاج
    الموت وحده ينقذنا من الحياه
    والموت والحياة طريقان يلتقيان في رحاب العذاب وبيداء الالم
    فمن يخف الموت يطلب الحياه
    ومن تعذبه الحياه سيتنجد بالموت
    ولكن الموت والحياة يرفضان مطالب الانسان ويعصيان اوامره
    فلا الموت برضخ له
    ولا الحياة تستجيب اليه
    قد يشتاق الانسان الى الحياة فيموت ...
    ويحيا في حين يطلب الموت

  8. #7
    نأتي الى هذه الحياة بدون ارادتنا ونرحل بدون ارادتنا
    هذه ارادة الله الخفية التي لم ولا ولن يتوصل الانسان الى ادراك كنهها وهو عل هذه الارض
    وبينما كنت انا وجدتي ننتظر الموت جوعا ومرضا اذا بالخبر المفرح السار يعم العالم :
    لقد انتهت الحرب الضروس...
    انتهت تلك الحرب الرهيبة المخيفة بعد اربع سنوات قضاها العالم باسره في يم من الخوف والالم والعذاب
    وشعرنا انا وجدتي ببعض الارتياح بانتهاء الحرب وبزوغ السلام
    ولاح لنا الامل بالانفراج وميضا ساطعا زاهيا جميلا
    فالحرب انتهت ...
    ووالدي سيعود الينا ... والفقر المدقع المخيف سيتوارى ويبتعد عنا
    وجدتي ستشفى بعد ان يتأمن لها الدواء والعلاج
    وغرقنا في نشوة الامال الباسمة الخضراء
    واقمنا نرقب تحقيقها في العاجل الوشيك
    الا ان كل تلك الامال العذاب لم تتحقق
    فوالدي لم يعد ...
    لقد حملوا الينا نبأ سقوطه شهيدا في ساحة الوغى
    والجوع ظل بيسط علينا وشاحه القاتم السواد
    وجدتي لم تشف
    بل هي سارت الى القبر بخطواط عاجلة سريعة
    لقد قضت جدتي نحبها متأثرة بنبأ وفاة والدي
    النبأ المؤلم القاصم ساعد المرض عليها
    فلفظت انفاسها بين يدي في ليلة باردة قاسية مدلهمة الظلام
    وذعرت وانا طفلة صغيرة عندما شاهدت جدتي الحنون ساكنه هامدة باردة وعيناها شاخصتان الى البعيد البعيد ...
    واجشهت بالبكاء
    واستغرقت في النحيب والصراخ والعويل
    فاسرع بعض الجيران " وهم مثلنا فقراء معدمون .... واخذوا يعملون على تهدئة خاطري وتشجيعي على احتمال المصاب الاليم
    وتولى اولئك الجيران البؤساء امر تشيع جدتي الى المقر الاخير
    يا لسخرية الاقدار...
    ويا لسخافة عقل الانسان
    فهو يخطط ويرسم ويعمل على تنفيذ ما يعد من مشاريع للمستقبل الاتي المجهول
    وفجاءة تهب الرياح رياح ذلك المستقبل لتذري وتهدم وتقوض كل ما رسم وخطط وبنى من رسوم وخطط ومشاريع
    لقد ماتت جدتي في حين خيل الينا انها باتت في مأمن من الموت
    ولم يدن الموت منها يوم كنا نظن انه قريب قريب منها
    لقد نجت جدتي في زمن الموت زمن الحرب وماتت في زمن السلم زمن الحياة
    واصبحت وحيدة في هذه الحياة
    لا اب, ولا ام, ولا اخ ,ولا اخت ,.. ولا جدة
    ورأتني في حاجة الى الرغيف
    وبحثت عن لقمة الخبز فلم اجدها الا في التسول والا ستنجداء والا ستعطاء
    فاندفعت الى الشوارع والطرقات امد يدي الصغيرة النحيلة طالبة الاحسان وصولا الى لقمة الخبز
    ووفقت في المهنة الجديدة
    فكنت القى من المحسنين العطف والاشفاق
    ولعل عمري الندي الصغير كان السبب في اثارة عطف المحسنين واشفاقهم فهم يعطفون على تلك الطفلة البائسة الهزيلة الدارجة في زهاء الثامنة من العمر المتحشة بذلك الثوب الرث البالي النتعلة ذلك الحذاء المهترئ المثقوب
    وكان ما اجمع من نقود يوميا يكفي وقد يزيد احيانا عن ابتياع الخبز والجبن واللبن والاثمار
    واعود في المساء الى المنزل الصغير فانتاول الطعام
    وانام في ساعة مبكرة لانهض في ساعة مبكرة من الصباح للعمل
    وشعرت ببعض الارتياح وقد امنت شر الفاقة ومرارة الجوع
    الا ان صاحب المنزل الصغير بدا يضايقني وبقطع علي هنأة الحياة
    فهو يطالبني ببدل الايجار وهو بدل باهظ تراكم سنوات الحرب الاربع ويهددني بالطرد من المنزل الوضيع ولا انه لم ينقذ تهديده
    ولعل لم يخل من الرحمة
    فكان يطلب الي ان اجلو عن منزله وانتقل الى منزل احد اقاربي
    وابكي ... واعلن له انني وحيدة لا اهل لي ولا اقارب ولا اصحاب
    فيلامس قلبه القاسي وميض ضئيل واه من الرحمة
    وينصرف ليعود بعد ايام قليلة ملوحا بالتهديد والوعيد
    وايقنت ان ذلك الرجل سيصل يوما الى تنفيذ تهديده ووعيده
    فانا لن اتمكن من تسديد الكبير الذي يطالب به
    وهو سيلقي بي يوما في الشارع فلا اجد مأوى الجأ اليه ولا فراشا ارقد فيه
    وكلما فكرت بذلك اليوم الذي ساخرج فيه من ذلك المنزل الصغير بدون ان اتمكن من العودة اليه ارتجف خوفا وارتعد هلعا
    الا ان الله سبحانه لم يتخل عني
    فقد انقذني من ذلك الرل المهدد المتوعد من منزله الوضبع بحدث لم اكن اتوقعه ولم يخطر لي في بال
    كان ذلك صباح يوم مشرق وضاح من ايام الربيع
    وكنت جالسة على الرصيف شارع استقراطي رحيب امد يدي لسؤال
    واذا بسيدة في العقد السابع من العمر انيقة المظهر يلوح على محياها النبل ويسطع في عينيها وميض الرحمة والحنان تقترب مني لتضع في يدي قطعة نقود
    وابتسمت لي
    وهمست ما هو اسمك يا صغيرتي
    فهمست ويدي تقبض على قطعة النقد : رامونا ... اسمي رامونا ؟
    -: واين هم اهلك ؟ اين والدك ؟ واين هي امك ؟
    وادمعت عيني
    وهمست : ليس لي ام ولا اب لقد رحلا عن هذا العالم فانا لا اعرف امي لقد ماتت يوم ولادتي اما والدي فقد استشهد دفاعا عن الوطن .
    -: اخوك ؟... اختك .؟
    -: ليس لي اخ اولا اخت
    -: عمك ؟ وعمتك ؟.خالك وخالتك؟
    وهمست : انا وحيدة في هذه الحياه يا سيدتي كنت اقيم مع جدتي العجوز في منزل صغير الا ان جدتي ماتت لقد رحلت عن هذا العالم الفاني منذ شهور قليلة
    وشاهدت الدموع تتموج في عيني السيدة الوقور وهي تمتم : ياالطفلة البائسة
    وامسكت تلك السيدة بيدي
    وهمست اين تقيمين يا رامونا
    -: في منزل صغير على بعد من هذا الشارع
    -: تعالي معي... ارشديني الى منزلك
    وسرت معها الى منزلي
    وهالها الفقر المدقع الشديد الذي يخيم ذلك المنزل الوضيع
    وتساءلت تلك السيدة الفاضلة من هم اصحاب هذا المنزل ؟
    قلت انا لا اعرفهم يا سيدتي ... ما هناك سوى رجل قاسي القلب متعجرف يحضر من حين لاخر ويهددني بالطرد اذ لم انقده اجره المنزل
    وكان الجيران قد اقبلوا مستطلعين وهم يشاهدون سيده انيقة وقور تتحدث الى جارتهم الصغيرة اليتيمة البائسة الفقيرة فسألت السيدة الفاضلة احدى الجارات هل تعرفين من هو صاحب هذا المنزل الوضيع ؟
    اجابت : اجل انه ميشال برتان
    -: اين يقيم ؟
    -: منزله اخر هذا الشارع
    ففتحت السيدة الوقور محفظتها لتخرج منها ورقة نقدية دفعت بها الى الجارة قائلة ارجوك ان ترسلي احد ابناءك الى ميشال ليدعوه للحضور الان الى هنا
    فهمست تلك المراة ويدها تقبض على الوقة النقدية انا سأشخص الى ميشال واعود به الى هنا
    وهرولت الجارة مسرعة
    اخر تعديل كان بواسطة » لحن الرومنسية في يوم » 20-03-2007 عند الساعة » 17:10

  9. #8
    دقائق قليلة ... وعادت برفقة صاحب المنزل
    وتسائل صاحب المنزل وهو يصافح السيدة الفاضلة بماذا تامر سيدتي ؟
    قالت : ما هو المبلغ المترتب على هذه الطفلة بدلا للايجار هذا المنزل
    فاخرج ميشال دفترا صغيرا من جيبه وراح يقلب صفحاته ليقول : انه مبلغ ضخم يا سيدتي يبلغ زهاء ثلاثة الالف فرانك
    ودون أي تردد فتحت السيدة محفظتها واخرجت منها ثلاثة اوراق نقدية دفعت بها الى ميشال هامسة..: تفضل يا سيدي هذه هي الالاف الثلاثة ارجو ان تحرر لي وصلا بالمبلغ
    ودهش ميشال برتان ويده تقبض على المال انها نعمة هبطت عليه من السماء فلم يكن يحلم في تقاضي اجرة منزله من تلك الطفلة
    وكان على استعداد لان يتنازل عن ذلك المبلغ لقاء جلاء الطلفلةمن المنزل
    وامسكت تلك السيدة بيدي هامسة تعالي معي يا رامونا
    فترددت في الذهاب معها
    وقلت : هناك ثيابي وفراشي وبعض الاواني المنزليه يجب ان احملها معي سيدتي
    فابتسمت المراة الفاضلة
    وتمتمت : لا.... دعيها ... لن تكوني بحاجة اليها يا رامونا تعالي يا ابنتي تعالي
    وسرت معها
    واقتادتني الى دارها
    كانت تلك الدار دار فخمة انيقة رحبة فسيحة الارجاء تحيط بها حديقة غناء
    تقع في شارع كبير فيه الكثير من الانية الفخمة والمحال التجارية والملاهي والنوادي والحانات والمطاعم
    وعقدت الدهشة لساني وانا ادخل الى تلك الدار الفخمة المزدانه بالرياش والتحف والاثاث الجميل
    وهمست السيدة الوقور وقد لمست الدهشة واضحة في عيني : انت هنا في دارك يا رامونا ستقيمين معي في هذه الدار ولن تكوني بعد اليوم بحاجة الى التسكع في الشوراع ومد يدك الصغيرة النحيلة للتسول ولاستعطاء
    وازددت ددهشة ووجوما وتلك السيدة تعلن لي انني ساقيم معها في تلك الدار الفخمة
    واجهشت بالبكاء ...
    لماذا كنت ابكي ..؟
    لست ادري....
    "لعل تلك الدموع التي كانت تنسكب على وجتني الصغيرتين كانت دموع الفرح والسعادة والامتنان والعرفان بالجميل "
    "2"

    لم تكتفي تلك السيدة الفاضلة المحترمة بما قدمته لي من المساعدات
    لم تكتف بتسديد ديوني ودفع ما يترتب علي من بدل ايجار سنوات عديدة في منزلي الصغير الحقير
    ولا هي اكتفت بالانتقال بي من بؤرة الفقر والعوز والعذاب
    بل مضت في تقديم المساعدات والخدمات لي
    فاحاطتني بالعطف والحب والحنان
    واغدقت علي النعيم والخير من دون حساب
    فاشترت لي الثياب الثمينه
    وخصصت لي من دارها غرفة خاصة بي
    فتعرفت لاول مرة في حياتي الى الرقاد في فراش وثير على سرير انيق
    وللمرة الاول في حياتي تعرفت الى الاستحمام في حمام رحيب فيه كل الوسائل الراحة والترف
    وتذوقت في تلك الدار الكثير من الطعام الشهي اللذيذ الذي لم اذقه في حياتي
    كانت تلك السيدة الحنون تعاملني معاملة الام لابنتها
    فركنت اليها
    ونعمت بعطفها وبحنانها وبحبها الكبير
    وتعرفت اليها في مدة وجيزة
    لقد عرفت عنها كل شيء
    ووقفت على تفاصيل حياتها ومأسيها
    كانت تلك السيدة الفاضلة ارملة ضابط كبير في الجيش الفرنسي
    اخر تعديل كان بواسطة » لحن الرومنسية في يوم » 20-03-2007 عند الساعة » 17:15

  10. #9
    كان زوجها غنيا ثريا شجاعا باسلا استشهد في ساحة الوغى دفاعا عن فرنسا تاركا لها ثروة ضخمة وابنة في مثل عمري اسمها سوزان
    وقد وقفت عليها كل حنانها وحبها وحنينها
    كانت سوزان كل امل امها كلوديت جوليان في الحياة
    الا ان القدر الغاشم حرمها ذلك الامل الوارف الريان
    فقضت الطفلة سوزان نحبها في حادث اصطدام مروع
    وروت لي السيدة كلوديت جوليان قصة مصرع طفلتها الصغيرة والدموع تنسكب من عينيها على وجنتيها المجعدتين
    قالت" في صباح ذلك اليوم الاسود الشئيم اقفت كعادتي في ساعة مبكرة من الصباح وايقظت طفلتي الحبيبة "سوسو" وكعادتي البستها ثوب المدرسة وقدمت لها طعام الصباح وبعد ان تناولت طعامها حملت حقيبتها المدرسية الصغيرة وخرجت وما هي دقائق قليلة حتى اقبل " اوتوكار " المدرسة فصعدت "سوسو"الى السيارة الكبيرة وهي تلوح لي بيدها الصغيرة وكنت على الشرفة ارقب صعودها الى السيارة..."
    واستانفت حديثها
    قالت : دخلت الى الدار بعد ان اطمأن خاطري على سوزان ... وانصرفت الى العمل المنزلي ... وبعد زهاء ساعتين رن جرس الهاتف في منزلي .... وعندما رفعت السماعة سمعت صوتا خشنا يخدش اذني متسائلا : " السيدة كلوديت جوليان ؟" قلت نعم ... ماذا تريد ؟قال : هنا المستشفى القلب الاقدس . الرجاء ان تحضري الان فورا الى المستشفى "
    فذعرت وهمست " ماذا جرى ؟.... ابنتي.؟.... ارجوك اخبرني هل اصيبت ابنتي بمكروه ؟..." ولم يجب صاحب الصوت على سؤالي وانقطع ..."
    وخنقتها العبرات واستانفت مسح دموعها لتكمل " هرولت مسرعة الى المستشفى القلب الاقدس ... وكان في المستشفى ثمة جمهور من الناس معظمهم من النساء وهن يبكين ويذرفن الدموع فتساءلت " ماذا جرى ؟... "وعلمت ان سيارة المدرسة اصطدمت بشاحنه كبيرة فتحطمت واصيبت الطالبات بجراح وكسور خطرة عديدة ... ولولت بذعر : ابننتي ؟.... ابنتي سوزان جوليان ؟... ماذا حل بها ...."
    وتقدم مني احد الاطباء ليمسك بيدي مشجعا هامسا " تشجعي سيدتي فالله سيساعدك على الصبر والعزاء واغمي علي .... عندما افقت علمت ان عشر طالبات اصبن بجراح وكسور ليست خطيرة وان ثلاث طالبات قضين نحبهن بينهن سوسو الصغيرة "
    وصمتت السيدة كلودت برهة لتستعيد قواها وتمسح دموعها
    ثم تدخل الى غرفتها الصغيرة لتحضر صورة لطفلتها الصريع فتعرضها على هامسة انظري يا رامونا هذه صورة حبيبتي الصغيرة سوسو يالها من طفلة رائعة فانته جميلة . انها تبتسم وكانها تبتسم للموت .. لوظلت سوسو على قيد الحياة لكانت الان في عمرك يا رامونا ....
    وبالرغم من صغر سني ادركت سبب اهتمام السيدة كلوديت جوليان بي وعطفها الشديد العميق الرحيب علي
    فهي تلمس في وجهي صورة طفلتها الراحلة سوزان
    وترى في عيني وميض عيني طفلتها الحبيبة
    وقد اوضحت لي السيدة كلوديت ذلك بعد مدة قصيرة
    فقالت لي وهي تداعب شعري وتحنو علي : انت الان عندي في مقام سوسو يا رامونا انتي ابنتي الان وانا امك لقد اعدت الى قلبي الجريح بعد البرء و الى روحي الحزين بعض العزاء يا ابنتي
    ولم تكتف السيدة كلوديت جوليان باغداق فيض الحب والحنان علي بل هي انصرفت الى تعليمي اصول اللغة الفرنسية وتدريبي على الكتابة بخط واضح رشيق
    وكانت كلوديت ادبية تكتب الادب وتنظم الشعر وتنشر انتاجها الادبي في بعض الصحف والمجلات الفرنسية
    وكانت ذات خط جميل يحسدها عليه الخطاطين المعروفين
    وكنت لديها التلميذة المجتهدة الشاطرة
    فاتقنت الكتابة
    وحفظت اصول اللغة الفرنسية في مدة وجيزة
    وشعرت في دار تلك السيدة الفاضلة الحنون بالكثير الكثير من الراحة والسعادة والاطمئنان .
    فهي لدي في مقام الام
    وكنت اناديها " يا امي ..."
    فكانت تطرب وترتاح وتنتشي بكلمة " امي " ... تنطلق من بين شفتي النديتين
    وكانت هي ايضا تناديني " يا ابنتي ..."
    فكنت ارتاح كل الارتياح لتلك الكلمة
    واشعر بانني حقا امام ام عطوف حنون
    وكانت تحدثني من حين الى اخر عن مستقبلي
    فتقول لي : غدا يوم تكبرين يا رامونا وتصبحين في سن الزواج سابحث عن عريس فاضل شهم نبيل وازفك اليه و ستقيمين مع عريسك الكريم معي هنا في هذه الدار انا سأضمن مستقبلك ولن اتركك وحيدة في مهب رياح الاقدار العاتية العاصفة الهوجاء ......
    وكنت على صغير سني ارتاح لحديث " امي "عن المستقبل الزاهر الزاهي الجميل
    واحلم الحلم الوارف الظليل بالعريس الشهم النبيل
    الا ان ذلك الحلم لم يتحقق......
    وامي الحنون لم تستطع تحيقيق ما رسمت لي من طريق فسيح رحيب الى المستقبل البهيج
    وكنت سعيدة كل السعادة في دار "امي" كلوديت
    وكان يلوح لي منها انها هي ايضا تنعم بالسعادة الورفة الظلال قربي
    ولم يكن يزرونا احد من الاقارب والاصدقاء ... اللهم الا بعض الاقارب زوجها الراحل الشهيد
    وهم ثلاثة : ابن شقيق زوجها الشاب سيمون جوليان وشقيقة سيمون كريستيان وابنشقيقتها اميل
    ولم تكن السيدة كلوديت على علاقة متينه بهم
    بل هي كانت تستقبلهم بفتور وامتعاض
    وكان الثلاثة ينظرون الي نظرة حقد وبغض وكره وضغينه
    وكان ثم بستاني جوزف بيرجيه
    وهو رجل في العقد السابع من العمر يقيم في غرفة صغيرة في اخر الحديقة ويهتم باشجار الحديدة وبازهارها
    ويقوم ببعض الخدمات لنا
    فيشتري ما نحتاج اليه من السوق
    ويشرف من حين لاخر على تنظيف ما يحيط بالدار
    وكان ذلك البستاني مخلصا كل الاخلاص في عمله
    وكان يحترم سيدته ويتفانى في خدمتها
    وكان يعطف علي ويحبني ويرعاني لا سيما وهويعلم علم اليقين ما تكن لي السيدة كلوديت من الحب والعطف والحنان
    ويدرك أي سعادة حملت الى سيدته بوجودي في دارها
    وكنت انا ايضا احب جوزف بيرجيه واناديه " العم .. جوزف"
    وكان العم جوزف وحيدا في هذه الحياه فليس ثمه لديه زوجة ولا ولد ولا قريب
    كان جنديا في الجيش الفرنسي
    وكان منذ امد بعيد يقيم على خدمة زوج السيدة كلوديت
    وكان الضابط الشهيد زوج السيدة يحبه ويعطف عليه
    وعندما استشهد الضابط جوليان بكاه الجندي جوزف بيرجيه بدموع قانية الاحمرار
    وابى ان يتخلى عن خدمة السيدة كلوديت حتى بعد ان تقاعد من الخدمة في الجيش الفرنسي
    "في تلك الدار الفسيحة الارجاء كنت اعيش حياة هانئة هادئة سعيدة "
    ************

  11. #10
    " اقمت في دار امي" السيدة كلوديت جوليان ثلاث سنوات هي من اجمل ايام عمري واشدها هناء وبهجة وسعادة
    ودرجت في الثانية عشرة من العمر وانا مرتاحة كل الارتياح
    مرتاحة الى حاضري .....
    مرتاحة الى مستقبلي
    فالحاضر لدي بهجة وارتياح وهناء
    والمستقبل الذي رسمته لي امي كلوديت جوليان ضياء ونور وسناء
    اما الماضي المكفهر المدلهم السواد فقد بدأ يتوارى عن مخيلتي
    ونسيت او بالاحرى تناسيت ذلك الماضي الحزين الكئيب المدلهم السواد
    بدأت اانسى ايام الفقر والعوز زالجوع والبرد والتسول والاستعطاء
    وخيل الي ان ضباب ذلك الماضي وغمامة والامه اندثرت واضمحلت وتوارت الى غير رجعة
    طنت اعيش في دار امي كلوديت جوليان في حلم هانئ سعيد جميل اخضر الحنايا وضاح السناء وارف الظلال ..
    وفجأة .........
    وعلى غفلة...
    ومن دون اذن افقت من ذلك الحلم البهيج السعيد لاجد نفسي اتخبط في دياجير السواد
    وكانت الافاقة من ذلك الحلم الجميل ذات ليلة من الليالي شتاء 1922
    كانت تلك الليلة التعسة الحد الفاصل بين سعادتي وشقاءي
    يا لها من ليلة مروعة قاسية مخيفى على قلبي الندي الصغير
    وانا ما زلت اذكر هول تلك الليلة
    ومهما طال بي العمر ومضت السنون فانا لن استطيع ان انسى تلك الليلة المخيفة المفزعة
    كان الليل مدلهم السواد
    والبرد قارس اللسعات
    والمطر يزرع الارض رذاذا
    والعواصف العاتية الهوجاء تمزق سكون الليل وهدوءه بعويلها وانينها وهديرها الصاخب المجنون
    وكنت جالسة قرب امي" كلوديت امام المدفأة المتقدة السعير ننعم بالدفئ
    كانت "امي" تجلس وراء منضدة صغيرة تكتب وتدخن
    وكنت انا جالسة قربها اراقب السنه اللهب المتصاعدة المدفأة على وهج حرارة وضياء
    وفجأة توفقت "امي" عن الكتابة .
    والقت باللفافة من يدها ..
    ورفعت يدها الى صدرها تتحسس قلبها
    ولم ابه للامر
    لقد خيل الي انها متعبة وانها بحاجة الى الراحة
    فسألتها : ما بك يا امي ؟...
    قالت بعياء : احس بألم شديد في صدري ان انفاسي تضيق علي افتحي النافذة يا رامونا
    وبالرغم من جنون العاصفة وانهمار المطر الغزير فقد اسرعت الى النافذه افتحها واشرع دفيتها
    وعدت الىامي فاذا بها تلهث بعناء والعرق البارد يتصبب من جبينها
    فذعرت ...
    واخذت اردد بخوف ووجل : امي !...امي.! امي!ما بك يا امي ؟
    ولمست السيدة كلوديت الخوف الشديد في ابنتها
    فهمست : لاتخافي يا رامونا ... لا تخافي يا ابنتي ... ساكون بخير بعد قليل
    الا ان حالها لم تتحسن ولم تكن بخير
    فازدادت حالها سوءا
    وازدادت انا خوفا
    وجلست قربها والخوف الشديد يعصف بي
    وسألتها : بماذا استطيع ان ساعدك يا امي الحبيبة ؟
    فهمست : اتصلي بالعم جوزف واطلبي اليه ان يحضر حالا الى هنا
    واسرعت الى الهااتف
    واتصلت بالعم جوزف
    كان لا يزال مستيقظا في غرفته في اخر الحديقة
    فتسأءل ما بك يا رامونا ؟
    قلت : ارجو ان تحضر الينا حالا يا عم جوزف
    فاستأنف التساؤل بوجل : ماذا جرى ؟...
    قلت : السيدة كلوديت مصابة بوعكة شديدة الوطء ....... ووهنها والمها فوجم
    وظهر الخوف الشديد واضحا في عينيه
    وامسك بيدها هامسا في اذنها هل ادعو الطبيب يا سيدتي ؟...
    فلم تستطع السيدة كلوديت ان تجيب على السؤال
    فالالم الشديد يعذبها والوهن يعصف بها العياء يقطع عليها الكلام
    الا انها اومأت برأسها مشيره بالايجاب
    ووثب العم جوزف الى الهاتف لتصل بالدكتور موران
    وهو طبيب السيدة كلوديت الخاص وصديق وفي حميم يقيم في دار قريبة من دار السيدة كلوديت
    دقائق قليلة ووصل الدكتور موران حاملا معه بعض الادوية والعقاقير والمصول والمعدات
    الا ان كل الادوية الدكتور موران ومصوله وعقاقيره لم تستطع انقاذ السيدة كلودت
    فلفظت انفاسها قبل ان يامر الطبيب بنقلها الى المستشفى

  12. #11
    فقد كانت امي في حال احتضار قبل وصول الطبيب
    وسمعت الطبيب موران يقول للعم جوزف بعد ان همدت كل حركة في جسد السيدة كلوديت : مسكينه الذبحة القلبية ... التي دهتما كانت صاعقة شديدة الوطئ رحمها الله
    ماتت ... امي ماتت؟
    والقيت بجسدي الصغير النحيل على امي
    على امي ؟
    لا بل انا القيت نفسي على جثة امي .
    واجهشت بالكباء
    واخذت اولول وانا اقبل يديها وجبينها : امي ... امي...امي الحبيبة ! لمن تركتني بعدك يا امي ؟...
    واشفق الدكتور موران علي فرفعني عن جثة امي هامسا : تشجعي يا صغيرتي ... تشجعي يا ابنتي
    لا انني لم استجب الى نصيحته
    بل افلت من يده ووثبت مجددا لالقي بنفسي على جثة تلك السيده الفاضلة الحنون وانا اولول مجهشة بالبكاء : امي . امي....... لا تتركيني امي لا تبعدي عني يا اماما يا حبيبتي
    واستعان الدكتور موران بالعم جوزف
    وابعدني عن جثة امي
    ومدني الطبيب الصديق بالدواء الشافي
    والدواء الشافي كان حقنه من مخدر غرزها في ذراعي...
    وغبت عن الوعي
    وعندما افقت في اليوم التالي كان لعض الاصدقاء السيدة كلوديت واقاربها الثلاث يهمون بتشيع الجثمان السيدة كلوديت الى المقر الاخير
    واستانفت العويل والنحيب والبكاء
    وحاولت مرافقة جثمان امي الى المقر الاخير مع المشيعين الا ان اقاربها الثلاثة السيدة كلوديت حالوا دون رغبتي
    كما حالو دون رعبة العم جوزف في مرافقة المشيعين الى المقبرة
    واقمت مع العم جوزف في الدار نبكي تلك السيدة الحنوون بدموع غزيرة حمراء "


    "3"
    "انقضت ثلاثة ايام على وفاة السيدة كلوديت جوليان
    وبدأت وطأة الحزن تتضاءل في قلبي وفي قلب العم جوزف
    والنتقل العم جوزف من غرفته الصغيرة في اخر الحديقة ليقيم معي في الدار وينصرف الى الاهتمام بي وتوفير الراحة والطمنأنينة والهناء لابنه السيدة كلوديت
    وشعرت ببعض الارتياح وانا المس في ذلك الرجل العجوز العطف والحنان
    وكان العم جوزف يعللني بمستقبل زاهر زاه و نضير
    كان يقول : انت وريثة المرحومة كلوديت جوليان الوحيجة يا رامونا فالسيدة كلوديت وقفت عليك كل ميراثها وقد اخبرتني قبل وفاتها بايام قليلة انها عازمة على الاعتراف بانك ابنتها وقالت لي انها ستتبناك رسميا وانها اوصت لك بكل ما تملك من اموال في المصرف الفرنسي ومن اسهم في بعض الشركات كما انها عازمة على تسجيل هذه الدار باسمك ..."
    وقال لي العم جوزف ايضا :" ان السيدة كلوديت اخبرتنه بانها خصته بمبلغ كبير من المال لقاء خدماته لها ولزوجها الضابط الشهيد وانها لن تسمح بان يخرج من دارها العامرة مدى حياته
    وفي اليوم الرابع لرحيل السيدة كلوديت وفيماا اجلس مع العم جوزف في قاعة الطعام نتناول طعام الافطار قال لي:"بعد انقضاء اسبوع على وفاة اسبوع على وفاة سيدتي المرحومة في مطلع الاسبوع القادم ساشخص الى الدوائر الرسمية والى المصرف الفرنسي لاقوم بمعاملات انتقال الميراث اليك يا ابنتي "
    الا ان تلك الاماني والاحلام تبخرت ...
    وانقشعت كما ينقشع الضباب ...
    وتوارت كما يتوارى السراب في الصحراء
    فبعد يوم واحد على حديث العم جوزف في اليوم الخامس لرحيل السيدة كلوديت وقبل انقضاء الاسبوع حضر الى دارنا اقارب "امي" المروحمة الثلاث ابنه شقيق وزوجها كريستيان شقيقها سيمون وابن شقيقتها اميل
    وكان برفقتهم رجلان علمت فيما بعد ان احدهما محام والثاني كاتب العدل
    وجلس الخمسة في القاعة الاستقبال يتحدثون ويتهامسون
    وعندما جاءهم العم جوزف باقهوة قال له كاتب العدل متسائلا انت جوزف بيرجيه اليس كذلك ..؟
    فاجاب العم جوزف : اجل...
    ثم التفت الي متسائلا : وانت رامونا شانتال ؟...
    فأجبت : اجل...
    وخيل للعم جوزف كما خيل الي ان ذلك الرجل جاء مع اقارب السيدة كلوديت ليبلغني انتقال ميراث "امي" المرحومة الي
    الا انني دهشت كما دهش العم جوزف عندما قال لي وللعم جوزف : يؤسفني ان ابلغكما انكما لن تستطيعا الاقامة في هذه الدار بعد اليوم
    ووثب العم جوزف الى ذلك الرجل متسائلا بدهشة واستغراب : لماذا ياسيدي ؟...
    قال كاتب العدل : لان هذه الدار انتقلت مع كل ميراث السيده كلوديت الة ورثتها وهم اهل زوجها واهل شقيقتها
    ولم يكتف كاتب العدل بما قال
    بل هو فتح ملفا كان يحمله معه وراح يقرأ الوثائق التي تثبت انتقال الميراث الى ابنه شقيق زوج السيدة كلوديت والى ابن شقيقتها
    ووجمت وقد بدأت افهم ما تنطوي عليه تلك الوثائق
    وذعر العم جوزف
    ولم يلبث ذعره ان تحول الى غضب شديد فانتصب امام كاتب العدل هادرا : هذا تزوير وكذب وخداع الوريثة الوحيدة للسيدة كلوديت هي هذه الفتاه الصغيرة ابنه ثانية عشرة من العمر لقد تبنتها السيدة كلوديت ووقفت عليها كل ميراثها
    فتدخل المحامي محاولا تهدئة غضب ا لعم جوزف قال متسائلا هل لديكم من الوثائق ما يثبت صحة ما تقول يا سيدي ؟...
    فاجاب العم جوزف بغضب وانفعال : اجل لدينا من الوثائق ما يثبت ما يثبت ادعائي
    -: واين هي هذه الوثائق ؟
    -: انها في الدرج مكتبة السيدة كلوديت في غرفتها
    -: تفضل معي الى غرفة السيدة كلوديت
    ودخل الجميع الى الغرفة
    ولحقت بهم ...
    وكان العم جوزف يعلم كما كنت انا أيضا ان هناك درجا كبيرا في مكتبة السيدة كلوديت فيه كل الوثائق والاورقة والجواهر والسجلات الخاصة
    وكانت تحرص على اقفال ذلك الدرج بمتاح خاص وتضع ذلك المفتاح في خزانتها
    ثم تقفل الخزانه وتضع مفتاحها تحت وسادتها
    واتجه العم جوزف الى سرير السيدة كلوديت وراح يبحث عن مفتاح الخزانه تحت الوسادة فلم يعثر له اثر
    فانصرف الى البحث في محفظتها الا انه لم يجده ايضا واخذت اساعده في البحث في محفظتها الا ان محاولتنا باءت بالفشل
    فعمد العم جوزف الى تحطيم قفل الخزانه
    وخيل اليه كما خيل الي ايضا ان المعضلة حلت
    واننا سنجد مفتاح الدرج
    ولكننا كنا على خطأ ...
    فالمفتاح لم يكن في الخزانه ...
    واعلن العم جوزف للمحامي ولكاتب العدل خشيته من ان تكون ثمة يد امتدت الى الحزانه واستولت على المفتاح
    فتساءل المحامي : لقد اعلنت لنا ان الوثائق ولاوراق وموجودة في الدرج اليس كذلك ؟...
    فاجاب العم جوزف : ولكن مفتاح الدرج في الخزانه
    قال المحامي فلنحطم قفل الدرج ونفتحه
    وواقف كاتب العدل على راي المحامي ...
    وتم فتح الدرج
    واستولى الذعر على العم جوزف وقد اتضح له ان الدرج خال خاو وان ليس فيه أي اثر للاوراق والوثائق والجواهر وساد الصمت برهة كان خلالها العم جوزف يرتجف حنقا وعضبا
    وكنت انا في دهشة وحيرة ووجوم

  13. #12
    وقطع المحامي الصمت بعد قليل ليقول يبدو انك كنت مخطئا ايها السيد جوزف فليس ثمة في هذا الدرج من الوثائق ما يثبت صحة ادعائك ان ورثة السيدة كلوديت جوليان هي ثلاثة السيد سيمون جوليان والسيدة كريستان جوليان زوجها الفرد بوسون والسيد اميل جوفيل وليس رامونا شانتال أي حصة في الميراث
    وهدر العم جوزف والغضب يهزه هزا : مجرمون لصوص اوغاد لقد سطو على كل ما في الدرج من وثائق واوراق وجواهر انا سأقاضيهم وازج بهم في اعماق السجون
    وانتابته نوبه من الغضب العاصف الشديد
    فاخذ يعربد ويشتم ويلعن ويهدد ويتوعد
    الا ان تهديده ووعيده وشتائمه ذهبت ادراج الرياح
    فلم يأبه به احد ...
    وعندما هدأت ثورة غضب العم جوزف تقدم منه المحامي ليقول برصانه: اسمع ما اقول لك ايها السيد جوزف ان القانون واضح صريح ولا مجال لنقضه وانا اسدي اليك نصيحة ثمينه انها نصحية محام الى صديق كريم وانت لن تستطيع ان تدعي على الذين يخيل اليك انهم استولوا على الوثائق الوهمية فنحن اشرفنا على فتح الدرج المقفل ولم تعثر على اللوثائق وما دمت لا تحمل ما يثبت ان السيدة كلوديت اوصت بميراثها لهذه الفتاة الصغيرة فانت لا تستطيع الوقوف في ساحة القضاء مطالبا للفتاه بالميراث ولن تجد في فرنسا بأ سرها محكمة تنظر الى دعواك وتسمتع الى شكواك
    نصيحيتي اليك ان تأخذ بيد هذه الفتاه الصغيرة وتخرج واياها من هذه الدار ممهدا للورثة استلام الميراث
    وادرك العم جوزف ان المحامي مصيب في ما ينصح ويقول دفالقى بجسده الواهي النحيل على مقعد الوثير د واجهش بالبكاء
    وجلست قربه اشاطره سكب الدموع وقد ادركت انني سأغادر تلك الدار على غير رجعة
    ويبدو ان دموعي ودموع العم جوزف اثارت شفقة ابنه شقيق زوج امي" الراحلة السيدة كريستيان
    فاقتربت منا لتقول لنا : نحن لن نطلب منكما مغادرة هذه الدار الان فورا اتصبحا مشرين في الشوراع سنترك لكما فرصة البحث عن منزل تأوين اليه امامكما شهر شهر واحد تسطيعان خلاه ان تبحثا عن مأوى لكما
    وساد الصمت الارجاء ...
    واخذت اتبادل النظرات الحائرة القلقة مع العم جوزف من دون ان ننبس بحرف
    واستأنفت السيدة كريستان الكلام بعد صمت قصير
    قالت : انا سأقيم مع اسرتي في هذا الدار غدا مع مطلع الصباح سننتقل الى هنا ولكما ان تتأهبا للرحيل ويخيل الي ان مدة شهر كافية لتدبير اموركما
    ونفذت السيدة كريستان قرارها ...
    فما ان بزغ صباح اليوم التالي حتى كانت تحتل تلك الدار مع زوجها واولادها الثلاثة
    وكما كان ابن شقيقة المرحومة كلوديت يزورها باستمرار ايضا
    وتحولت الدار الى خلية من اقارب المرحومة "امي" ومن اصدقائهم
    وادرك العم جوزف اننا اصبحنا غرباء عن تلك الدار
    وانه بات علينا ان نجلو عنها قبل انقضاء الشهر المحدد لرحيلنا
    وكان العم جوزف شديد الحزن دائم التفكير
    ينوء تحت عبئ الهموم والعذاب
    فالكارثة التي نزلت بي وبه هدت قواه وقضت على كل عافية في جسده الواهي النحيل
    وكنت احزن لحزنه وأتألم لألمه
    ولمس العم جوزف حزني والمي فامسك بيدي ذات صباح ليقول : لاتحزني يا ابنتي ولا تتألمي ولا تنظري الى المستقبل الاتي يا رامونا ولن ادعك تتشردين في الشوارع تتشردين في الشوارع بين الثعالب البشريه والافاعي والذئاب سأعمل أي عمل لاوفر لك العيش الكريم يا ابنتي سابحث عن مأوى نأوى اليه ونعيش فيه عيش الكرام الشرفاء
    فلم استطع ان انبس بحرف وكلام ذلك الرجل الشفيق الحنون يقع في الاذنين
    واجهشت بالبكاء
    فضمني العم جوزف الى صدره
    واخذ بخاطري ويكفكف دموعي ويسكب في اذني كلمات العطف والمحبة والحنان
    وبدا العم جوزف البحث عن ماوى لنا
    ولم يطل به البحث
    فقد وقع على غرفة صغيرة تحت السالم بناية متواضعة في شارع شعبي في ضواحي المدينه
    وذات صباح وقبل انقضاء شهر على وفاة السيدة كلوديت غادرت مع العم جوزف تلك الدار التي قضيت فيها اجمل حياتي
    وحملنا معنا حقيبتين :
    حقيبة تحتوي على ثيابي وبعض حاجياتي
    وحقيبة فيها ثياب العم جوزف وبعض حاجيانه
    وكانت الدموع تترقرق في العيون الاربع
    في عيني وفي عيني العم جوزف ونحن نبتعد عن الدار
    وحللنا في الغرفة الضيقة تحت السلالم
    وكان العم جوزف يحمل مبلغا ضئيلا من المال ابتاع منه فراشين لنا وبعض الاطباق ومقعدين وطاوله صغيرة وبعض الاواني المطبخية والمنزليه الضروريه
    وقال لي: ما زلت احتفظ بمبلغ ضئيل من المال يا ابنتي يكفينا لاكثر من شهر وسأجد عملا قبل انقضاء الشهر تقلقي يا رامونا
    وكنت احتفظ بسوار من الذهب وبخاتم من الذهب أيضا وبعقد ثمين
    وكانت "امي" الراحلة قد اهدتني تلك الحلي في مناسبة سعيدة
    فدفعت بها الى العم جوزفقائلة :خذ هذه الحلي ايها العم جوزف بعها واستعن بها على حالنا السيئة
    الا ان العم جوزف ابى ان يستجيب الى طلبي
    قال : لا يا ابنتي لا يا رامونا لن ابيع حليك انها هديه من المرحومة "امك" يجب ان تحتفظي بها لتكون ذكرى منها مدى حياتك
    ومضى العم جوزف في البحث عن عمل
    كان مستعدا لان يقوم بأي عمل مهما كان معتبا وشاقا ووضعيا ليؤمن لي العيش الكريم
    الا انه لم يوفق
    فهو رجل عجوز وارباب العمل لا يرغبون في استخدام الطاعنين في السن
    فهم يفضلون الشبان الاقوياء عليهم
    وكان العم جوزف يخرج صباح كل يوم من الغرفة ليجول شوارع وارجاء المدينه باحثا في المصانع والمتاجر والمؤسسات والمحال عن العمل
    ويعود بعد الظهر منهك القوى متعب الاوصال
    وذا يوم بعد الظهر عاد العم جوزف من جولته اليومية والتعب باد على محياه
    والقى بجسده المتعب على السرير وهو يلهث بعناء
    فأسرعت اليه متسائلة : مابك ايها العم جوزف ؟ ... بماذا استطيع ان اساعدك؟
    فهمس : اانني متعب يا رامونا ..ز يبدو انني مصاب بوعكة عابرة سأكون بخير بعد قليل يا ابنتي
    لقد خييل اليه ان الوعكة عابرة
    الا انه كان على خطأ
    فالوعكة تلك لم تكن عابرة بسيطة
    كانت ضربة قاضية
    وبدا لي انه يتألم وان المه في الصدر ط
    فكان يرفع يده المرتجفة من الى اخر ليتحسس صدره ويئن متوجعا
    وبدا العرق البارد يتصبب من جبينه وهو يلهث بهاثا متواصلا سريعا
    فذعرت ...........




    الى هنا ...ونراكم اذا شجعتموني ولقيتم استحسان القصة ....

  14. #13
    واسرعت الجارة مستعينة بها على اسعاف العم جوزف
    ولم اكن على صداقة متينه بتلك الجارى
    فانا لم انتقل الى جوارها الا منذ ايام قليلة
    ولم تسنح لي الفرص لتوطيد علاقة الجوار الثابته القوية بها
    هذا فضلا عن فارق السن البعيد بيني وبينها فانا في الثانية عشرة من العمر
    وهي في الخمسين
    وكانت جارتي تلك امرأة فقيرة تقيم في غرفة صغيرة مجاورة لغرفتنا تعمل خادمة في حانه قريبة من غرفتها
    فهي ارملة مات زوجها منذ امد قريب تاركا لها الفقير والعوز
    ووجمت تلك الجارة وهي تشاهدني داخلة الى غرفتها والقلق والخوف يطلان من عيني
    وازدادت وجوما وهي تسمع كلمات الاستنجاد تنطلق من شفتي
    فهمست متسائلة : ما بك يا ابنتي ؟.....
    قلت : العم جوزف يعاني الاما مبرحة ويخيل الي انه في خطر
    فهمست : تعالي معي اليه يا ابنتي
    واسرعت تلك الجارة البائسة معي الى غرفتنا
    وكان الالم قد اشتد بالعم جوزف
    وقد بات عاجزا عن الكلام بوضوح
    فتمتمت الجارة : انه في خطر شديد .. يجب ان نستنجد برجال الاسعاف..
    قالت الجارة هذا واسرعت بالخروج من الغرفة وهي تمتم : انتظريني هنا لا تخرجي من الغرفة انا ساشخص الى مركز الاسعاف وهو ليس ببعيد واعود بالمسعفين سريعا
    ولم يطل غياب الجارة
    فقد عادت بعد دقائق قليلة مع ثلاثة رجال
    انهم رجال الاسعاف
    وحاول الاسعافيون ساعاف العم جوزف
    وسمعت احدهم يهمس في اذن رفيقه : انه يحتضر يجب نقله الى المستشفى قد يستطيع الطبيب انقاذ حياته
    وانحنوا على العم جوزف يحملونه على نقالة الى سيارتهم البيضاء
    ولاح من العم جوزف انه غير راغب في الابتعاد عن تلك الغرفة
    فهو يريد البقاء قربي
    وفيما رجال الاسعاف يخرجون به رمقني بنظرة حائرة تائهة قلقة فيها كل المعاني العطف والخوف والحنان
    فكأنه اراد بتلك النظرة الحنون وداعي الوداع الاخير
    وطلبت من رجال الاسعاف ان يسمحوا لي بمرافقة العم جوزف الى المستشفى
    فدفعوا بي الى سيارتهم الكبيرة البيضاء هاتفين : اسرعي بالصعود الى السيارة .. اسرعي
    واسرعت ...
    وصعدت الى السيارة ...
    وطارت بنا سيارة و الاسعاف الى المستشفى
    وفي المستشفى حاول الاطباء انقاذ حياة ذلك الرجل الشهم النبيل الحنون فأخفقوا
    كانت النوبة القلبية صاعقة عاصفة قاتلة
    وذعرت والاطباء يعلنون لي ان العم جوزف قضى نحبه
    واجهشت بالبكاء وقد ادركت انني فقدت عطف وحنان ذلك الرجل الكريم وانني اصبحت وحيدة في هذه الحياة
    واثار بكاءي وعويلي ونحيبي اشفاق الاطباء
    وازدادوا اشفاقا وعطفا علي عندما علموا انني فتاة يتيمة وان ذلك الرجل كان معيلي الوحيد
    واتخذوا قرارا بان تتولي ادارة المستشفى دفن العم جوزف وبان يعيدوني الى غرفتي من دون ان يطالبوني بدفع نفقات الدفن ورسوم المعالجة
    وعدت الى الغرفة الصغيرة الباردة الحقيرة لارتمي في فراشي وافرغ كل ما في عيني من عبرات ودموع
    وعدت مجددا الى الوحدة الصماء
    والى الفراغ المفزع الرهيب
    ورأيتني وحيدة حائرة ضائعة في مجاهل الحياة
    وانغمست في لجج الذكريات المؤلمة المرهقة الرهيبة
    فتذكرت الماضي المخيف وما حفل به ذلك الماضي من العوز والعذاب والالام
    وتذكرت وقفتي في شوارع المدينه ممدودة اليد طالبة حسنة من المحسنين وانا طفلة صغيرة جائعة
    فذعرت
    وخشيت ان اضطر للعودة الى تلك الوقفة المذلة المخجلة
    يومذاك يوم كنت امد يدي لكل عابر سبيل لم اكن ادرك هول تلك الوقفة المذله ..
    كنت يومذاك طفلة صغير لا افقه معاني الحياة المرة
    اما الان وانا ادرج في الثانية عشرة من العمر فلن استطيع ان اعود الى التسول ومد اليد
    واستغرقت في التفكير ..
    ومضيت في اثارة الذكريات
    فتذكرت احبائي الراحلين
    وتذكرت ابي وجدتي و"امي" السيدة كلوديت تلك المرأة الفاضلة الحنون التي غمرتني بالفضل والحب والعطف والحنان
    لو ان " امي" كلوديت على قيد الحياة الان لما حل بي ما حل بي ولما نزل بي ما نزل
    اوبالاحرى لو ان اقاربها المجيرمين لم يسطوا على الميراث لكنت الان بالف خيير مع العم جوزف
    لقد كان سبب وفاة العم جوزف سطو اولئك الاقارب على حقه وحقي في الميراث
    وكانت تلك الذكريات المؤلمة المرهقة تعذب قلبي الصغير
    وتثير في نفسي الخوف والقلق من المستقبل الاتي المجهول
    وكان علي ان اقنع بنصيبي من الحياه
    كان علي ان ارضى بذلك الحظ السئ المشؤووم الذي رافقني منذ الدقيقة الاولى من حياتي
    كان علي ان ارضى بذلك الحظ السيئ المدلهم السواد لما توفيت والدتي بعد ولادتي
    ولما استشهد والدي وانا طفلة صغيرة
    ولما توفيت جدتي وانا في الثامنة من عمري
    ولما رحلت السيدة كلوديت وانا اشد الحاجة اليها
    واخيرا لما استطاع اقارب امي الفاضلة من اخفاء الوثائق التي تثبت حقي في الميراث
    ولما تمكنوا من السطو على الميراث وطردي من تلك الدار التي قضيت بها اجمل ايام حياتي واروعها وابهاها ...
    من الناس من يأتي الى هذه الحياة ورفيقه النحس
    ويرحل عن هذه الحياة والنحس لا يفارقه
    فهو النحس البغيض رفيقا درب طيلة العمر
    وقليلون هم البشر الذين يستطيعون التخلص من تلك الرفقة في منتصف الدرب
    وانا كان النحس اللعين رفيقي وخليفي وصديقي " الوفي" منذ رأيت النور
    اتراه يستمر في رفقتي حتى تطبق عيني انامل الموت ؟...
    وبدأت في مجابهة الحياه وصعابها ومشقاتها وعذابها وحدي
    من دون سلاح ..
    وكان على ان اسعى الى الحصول الى لقمة الخبز
    ولكن كيف ؟...
    لست ادري
    وبدأت انفق ما ترك لي العم جوزف من المال
    وهو مبلغ ضئيل لم يكفني اكثر من شهر
    شهر واحد فقط واصبحت فقيرة معدمة لا املك فرنكا واحدا
    وكنت بحاجة الى الطعام
    بحاجة الى الرغيف ولم يكن ثمة بد من اللجوء الى الحلي التي اهدتني اياها السيدة كلوديت ...
    الى الخاتم والسوار والعقد
    وكان العم جوزف قد طلب الي الاحتفاظ بتلك الحلي الثمينة ذكرى عزيزة من تلك المراة الفاضلة الحنون
    وكنت قد عزمت على العمل بنصيحة العم حوزف
    الا انني رأيت نفسي وانا اتضور جوعا مرغمة على بيع الخاتم الذهبي
    ولم اكن اعلم اين وكيف سابيع الخاتم الثمين
    فلجأت الى جارتي الارملة الفاضلة " مدام كاترين " التي ساعدتني في نقل العم جوزف الى المستشفى وكانت بعد رحيل العم جوزف تعطف علي وتمدني ببعض الطعام القليل
    فهي فقيرة مثلي ..

  15. #14
    وعرضت عليها الخاتم الثمين
    فدهشت وهي تشاهد الذهب البراق
    وهمست بقلق وحيرة متسائلة : من اين لك هذا الخاتم الثمين يا رامونا ؟...
    فادركت ما ترمي اليه
    فقد خيل اليها انني لصة سارقة
    وان يدي امتدت الى محفظة سيدة او الى درج مجوهرات في محل صائغ
    الا انني طمأنتها هامسة: لا يا مدام كاترين فانا لست لصة مجرمة هذا الخاتم وصل الي مع عقد وسوار ثمين ذهبي من سيدة فاضلة كانت لدي في مقام امي
    ورويت لها قصتي مع امي الراحلة
    وابديت لها رغبتي في بيع ذلك الخاتم لانني بحاجة قصوى الى الرغيف

    وحاولت صرفي عن رغبتي في التخلي عن تلك الحلية الثمينه
    الا اني اصررت على رايي
    فلا بد من بيع الخاتم لشراء الطعام
    وتساءلت اين وكيف استطيع بيع هذا الخاتم يا جارتي العزيزة ؟
    وانصرفت مدام كاترين الى التفكير
    وساد الصمت برهة بيننا كانت خلالها جارتي الارملة تفكر باهتمام
    وبعد تفكير قليل التفت مدام كاترين ألي لتقول :
    اسمعي يا رامونا انت تعلمين انني اعمل في الحانه القريبة وصاحبة الحانة امراة مغرمة بالحلي والمجوهرات يخيل الي انها ستشتري منك هذا الخاتم .. تعالي معي ...
    وقادتني الى صاحبة الحانه ...
    كانت صاحبة الحانه في زهاء الاربعين من العمر
    يلوح الجمال القاسي المتمرد على جبينها
    ذات نظرات قاسية صلبة
    ليس فيها شيء من العطف والحنان
    قوية البنية
    فكأنها في بنيتها وقوتها ملاكمة حلبة مصارعة
    ومنذ النظرة الاولي شعرت بخشية وخوف وقلق وانا اقف امامها
    ولاح لي ان مدام " كاترين تخافها ايضا
    وانها ذات سطوة وقدرة وسلطان
    وتقدمت " مدام كاترين من صاحبة الحانه التي كانت تجلس على المقعد وثير وراء طاولة صغيرة تدخن لفافة فاخرة
    وتمتمت جارتي الارملة وهي تقترب من صاحبة الحانه صباح الخير يا مدام صوفي
    ونفثت صاحبة الصالة دخان لفافتها في الفضاء
    ونظرت الى مدام كاترين
    ثم حولت نظرها الي لترمقني بنظرة فيها كل معنى الاحتقار
    وتمتمت : ما بك يا كاترين ؟ ومن هي هذه الفتاه الصغيرة ؟...
    فاجابت مدام كاترين : هذه الفتاة الصغييرة يتيمة بائسة تقيم في غرفة قرب منزلي انها جارتي
    فخيل لصاحبة الحانه ان كاترين تريد ان تطلب منها حسنه لي وانها تريد اثارة شفقتها علي
    فقطبت حاجبيها
    وزمت شفتيها
    وتمتمت : نحن هنا لسنا في مؤسسة خيرية فلتذهب جارتك الصغيرة الى دار الايتام او ملاجئ الفقراء البؤساء
    الا ان مدام كاترين بددت هواجس صوفي وطمأنتها ...
    قالت : لم اقد هذه هذه اليتمية الصغيرة اليك يا سيدتي طلبا للحسنه اواستجداء او لتسول بل ....
    وقطعت صوفي الكلام على كاترين قائلة :
    وماذا تريد اذن ؟...
    فتمتمت الجارة الفاضلة : جارتي الصغيرة هذه تملك خاتما ثمينا وهي تريد بيعه لانها بحاجه الى شراء الخبز
    فالقت صاحبة الحانة بالفافة المحتضرة من يدها
    وتسائلت : اين هو هذا الخاتم ؟...
    وتناولت مدام كاترين الخاتم من يدي
    ودفعت به الى صاحبة الحانه هامسة : هذا هو الخاتم يا سيدتي
    وامسكت صاحبة الحاننه بالخاتم
    وراحت تتفحصه بدقة واهتمام
    ولاح منها اعجبت الخاتم الذهبي الثمين
    وحولت نظرها من الخاتم الي
    ورمقتني بتظرة حاسمة قاسية
    وتمتمت : اقتربي ... اقتربي الى هنا
    واقتربت منها
    فهدرت متسائلة بقسوة وحنق : من اين سرقت هذا الخاتم ايها الشقية .؟؟
    فاخافتني نظرتها الجافة القاسية
    ولم استطع النطق
    واخذت ارتجف من الخوف و والهلع
    وتولت مدام كاترين الجواب
    قالت هذه الفتاة ليست لصة كما تتوهمين يا سيدتي فهي لم تسرق هذا الخاتم
    فتسائلت صاحبة الحانة مجددا : ومن اين وصل اليها هذا الخاتم ؟.
    فمضت كاترين في الاجابة على الاسئلة صاحبة الحانه
    قالت : لقد اهدتها امها بعض الحلي قبل ان ترحل هذه الدنيا وبين تلك الحلي هذا الخاتم وقد رات انها مضطرة لبيع هذا الخاتم لشراء ما تحتاج اليه من القوت
    واستأنفت " مدام صوفي" طرح الاسئلة
    قالت: ماهي تلك الحلي التي اهدتها اياها امها قبل ان تموت
    فردت كاترين : انها هذا الخاتم وسوار وعقد وهي حلي من ذهب ولؤلؤ وماس
    وساد صمت في الارجاء الحانة برهة عادت بعدها السيدة صوفي الى الكلام لتقول انا على استعداد لشراء الحلي الثلاث الخاتم السوار والعقد
    فالتفتت كاترين الي متسائلة بهمس : ماذا يا رامونا ؟ هل ترغبين في بيع العقد والسوار ايضا ؟
    قلت باصرار " لا ... اريد بيع الخاتم فقط لانني بحاجة الى شراء الطعام اما السوار والعقد فانا راغبة في الاحتفاظ بهما ذكرى غالية من امي " الحبيبة
    وسمعت صاحبة الحانه ما قلت فدفعت بالخاتم الى جارتي الفاضلة متمتمة : انا لن اشتري هذا الخاتم وحده اما اشتري الحلي الثلاث او لا اشتري شيئا
    واعادت كاترين الخاتم الي قائلة : فلنعد ادراجنا يا رامونا
    وعدنا
    وعزمت على الاحتفاظ بالحلي
    فانا لن ابيع هدايا امي الحبيبة لاشتري لقمة الخبز
    الا انني لم استطع ان انفذ ما عزمت عليه
    لقد كنت بحاجة قصوى الى الما ل
    ولم يكن ثمة بد من بيع الحلي الثلاث للوصول الى المال
    فقد انقضى اسبوع ذقت خلاله مرارة الجوع ونمت للي كثيرة من دون عشاء
    هذا فضلا انني بحاجة الى حذاء وقد اصبح حذائي باليا والى ثوب وقد اصبح ثوبي ممزقا
    وعدت الى جارتي طالبة اليها العودة معي الى مدام صوفي
    وعدنا ومعنا الحلي الثلاث
    واشترت مدام صوفي بالحلي مني بسعر ضئيل زهيد
    الا انه كان كافيا لتأمين طعامي لايام طويلة امتدت الى زهاء شهرين ولشراء الحذاء والثوب
    ومجددا بدأت اشعر بالخوف والقلق وقد بدأت الفرنكات القليلة تنذر بالنضوب
    وشبح الجوع يلوح لي مجددا بين غياهب المستقبل الغامض المجهول
    وادركت انني ساكون مهددة بالموت جوعا وقد اصبحت خالية الوفاض ...
    لا حلي لدي لبيعها
    ولا مورد رزق يدفع عني الفاقة والجوع
    وانصرفت الى التفكير المرير استغرق فيه علىحيرة وقلق واضطراب
    ماذاعلي ان افعل لادفع عني شبح الفاقة والعوز ..و.. والجوع ؟...
    لا .. لا مستحيل . لن اعود الى التسول والاستجداء

  16. #15
    فانا على صغير سني احتفظ باكثير من الانفه والكرامة وعزة النفس
    وقد علمتني امي الراحلة السيدة كلوديت الكثير الكثير من الفضائل الغراء
    وفي طليعتها الكرامة والشرف والاعتداء
    وانا مازلت اذكر وصيتها لي: اذا طلب اليك احد يوما ان تضحي بحياتك او بكرامتك فلا تترددي في التضحية بحياتك لتصوني كرامتك اما الشرف فهو كل ما تملك الفتاه في هذه الحياة فاذا خسرت الفتاة شرفها خسرت كل شيئ
    وعزمت على العمل بنصائح امي الراحلة :
    لن اتسول ولن استجدي ولن امد يدأ للسؤال
    سأعمل
    سأعمل أي عمل لاصل الى لقمة الخبز
    وبدأت فورا في تنفيذ ما عزمت عليه
    وشخصت الى جارتي الفاضلة اطلب اليها مساعدتي في البحث عن العمل أي عمل
    وتمتمت مدام كاترين بعد تفكير قصير : ارى انه من الصعب الوقوع على عمل لك يا رامونا فانت ما يزيد قليلا عن الثانية عشرة من العمر لم تبلغي بعد الثالثة عشرة ما زلت صغيرة على العمل
    قلت بتوسل واستعطاف : ارجوك يا مدام كاترين ان تساعديني على ايجاد عمل أي عمل يقني العوز والفاقة ويبعد عني شبح الجوع
    قالت : ساحاول ان اجد لك العمل ...
    قالت كاترين هذا وانصرفت الى التفكير
    وساد صمت برهة بيننا
    ولاح لي منها انها تفكر في امر ايجاد عمل لي
    وبعد تفكير قصير استأنفت انا الكلام متسائلة ماذا يا مدام كاترين ايلوح لك ان بالامكان ايجاد عمل لجارتك الصغيرة رامونا....
    فاجابت : اسمعي يا رامونا .. ساطلب من " فيكتور " مساعدتنا قد يستطيع فيكتور مد يد المساعدة لنا
    وفيكتور رجل زهاء الخمسين من العمر أي في عمر مدام كاترين وكانت كاترين تدعي انه نسيبها وكان يتردد عليها من حين لاخر
    ولم اكن اعلم ان فيكتور اقرب من نسيب واكثر من صديق لمدام كاترين ...
    فهمست : ايخيل اليك ان السيد فيكتور يستطيع ايجاد عمل لي
    قالت : ارجو ذلك يا رامونا ...
    الا ان امل مدام كاترين خاب في صديقها
    فقد ابلغتني بعد اسبوع ان نسيبها فيكتور لم يستطع ان يقع على عمل لي لدى اصدقاءه ومعارفه الكثيرين
    ودعتني مدام كاترين الى التذرع بالصبر فلا بد من ان يفرجها الله علينا يوما من حيث لا نعلم ولا ندري
    وبالرغم من يأسي وخوفي وقلقي فقد عملت بنصيحة مدام كاترين
    وتذرعت بالصبر الجميل املة ان يؤول بي الصبر الى الفرج
    ولم يخب املي هذه المره
    فقد وقعت لي جارتي الخمسينية علىالعمل المنشوج ...
    وجاءت الي مدام كاترين ذات صباح والفرح يطل من عينيها ولفافة تبغ تتراقص بين شفتيها
    وتمتمت وهي تتدخل الى غرفتي الصغيرة المتواضعة :
    البشرى لك يا رامونا .. فانت ستعملين وستحصلين على المال والمأوى معا
    فلمعت الفرحة في عيني وكلمات جارتي تقع في الاذنين
    وتساءلت بفرح وابتهاج : اين ساعمل .. ومتى ؟ز..
    فجلست ... والقت بالفافة المحتضرة من يدها لتقول انا سأتزوج يا رامونا ...
    فتساءلت في سري : ما هي علاقة زواج مدام كاترين وموضوع حصولي على العمل ؟...
    الا ان مدام كاترين بددت حيرتي
    قالت : انا ساتزوج يا رامونا وسأترك العمل في الحانه وستحلين انت محلي وتتولين العمل في الحانه مدام صوفي مكاني
    فازداد الفرح وميضا في عيني
    ووثبت الى مدام كاترين اعانقها هامسة : ومن تراه يكون صاحب الحظ السعيد ؟... من هو العريس يا مدام كاترين ؟...
    قالت انه فيكتور
    واخذت جارتي الخمسينية تبسك قصتها مع فيكتور ومن خلالها قصة عملي في حانه مدام صوفي
    قالت هناك علاقة عاطفية تربط بيني وبين فيكتور منذ امد بعيد .. انت الان ما زلت صغيرة لا تعرفين مدى قوة هذه العلاقة التي تربط بين الرجل والمرأة .. وغدا يوم تكبرين .. بعد سنوات قليلة ستكشفين تلك القوة الروحية الهائلة التي تشد روحي المراة والرجل الى بعضهما ... هذه القوة المجهوله ربطت بيني وبين فيكتور منذ سنوات وقد اتنفقنا على الزواج
    الا ان الظروف المادية والاجتماعية حالت دون تنفيذ الاتفاق اما الان وقد تقاضى فيكتور مبلغا كبير من الشركة التي يعمل فيها وتقاعد عن العمل فقد قرر الزواج بي نحن ستنتزوج بعد اسبوع ونسافر الى راس مسقط فيكتور الى قريه صغيرة تبعد عن نيس زهاء خمسين كيلو مترا وسنعمل على انشاء مزرعة صغيرة في الارض التي يملكها زوجي في تلك القرية ونعيش الازواج السعداء
    واشعلت جارتي الخمسينية اعاشقة لفافة نفثت دخانها في الفضاء لتستأنف حديثها قائلة : وقد ابلغت مدام صوفي نبأ عزمي على ترك العمل في حانتها فرفضت اولا الا انها وافقت اخيرا على طلبي مشترطه ان تعملي في حانتها ليلا ونهارا وان تنامي في الحانه ... وكان من الطبيعي ان اوافق على طلبها وفي ذلك افادة ومصلحة لك لانك ستتخلصين من دفع الايجار هذه الغرفة .. لا سيما وقد اصبح لصاحب الغرف مبلغ كبير في ذمتك وقد تعجزين عن دفع ذلك المبلغ
    ونفثت مدام كاترين دخان لفافتها في الفضاء لتقول ما هو رايك الان يا رامونا في هذه النعمة التي هبطت عليك من السماء ...
    وبالرغم من العرض مغر فقد ترددت في الموافقة عليه ...
    لماذا؟...
    لست ادري
    فكان ثمة قوة هائلة مجهولة تعصف بي وتدفعني الى رفض ذلك العرض
    وتذكرت تلك الساعة ما قالته لي امي الراحلة السيدة كلوديت ذات مرة ...
    قالت امي": هناك روحان ترافقان الانسان على هذه الارض منذ ولادته حتى موته هما الملا ك الحارس و..ابليس .. الملاك الحارس يحرس الانسان ويحاول الدفع به الى الخير وابليس يضلل ذلك الانسان ويدفع به الى الشر ويجد الانسان نفسه حائرا بين الخير والشر ولا يستطيع الانسان الى توجيه ملاكه الحارس وان ينجو من تضليل ابليس الا بواسطه الصلاه وعليك يا ابنتي يارامونا ان تواظبي على الصلاة كي تستطيعي ان تسلكي طريق الخير مع الملاك الحارس وان تبتعدي عن المسير في طريق الشر مع الشيطان ..."
    وبالرغم من ان كلام السيدة كلوديت تردد في خاطري تلك الساعة
    بالرغم من انني شعرت بان ثمة خطرا يهددني في الموافقة على العمل في حانه مدام صوفي فقد رايت نفسي مضطرة للمواقفة
    فأنا بحاجة قصوى الى العمل للحصول على لقمة الخبز
    وابديت موافقتي للجارة الحسنة
    قلت: ساعمل في حانه مدام صوفي يا مدام كاترين متي سأبدا العمل ؟....
    قالت " غدا .. غدا ستشخصين معي الى مدام صوفي وستتعلمين معي اسبوعا واحدا ادربك خلاله العمل في الخانه ستعملين في تنظيف الحانه وفي غسل الاطباق وفي خدمة الزبائن وبعد انقضاء الاسبوع اترك العمل في الحانه وتتسلمين " الوظيفة " الجديدة وحدك ...
    وتم تنفيذ الخطة التي رسمتها مدام كاترين لانقاذي من لفافة والعوز والجوع

  17. #16
    تسلم أخوي على الموضوع
    صراحة ما قريت القصة كلها
    طوييييييييييله مرررررررررة
    بس المهم اني رديت ^_^

    تحياتي
    3aefba89fe

  18. #17
    شكرا على القصه
    حلووووووووة وممتعه
    الله يعطيك العافيه
    لا تقف كثيـرا عند أخطـاء ماضـيك ،، لأنها ستحيـل حاضـرك جحيـماً ،،

    ومستقبـلك حُطامـاً ،، يكفيك منها وقفـهـ اعتبـــار،، تعطيك دفعـهـ جديــدهـ

    في طريـق الحـق والصـــواب ..surprised classic

  19. #18

  20. #19
    تسلم أخوي على الموضوع
    صراحة ما قريت القصة كلها
    طوييييييييييله مرررررررررة
    بس المهم اني رديت ^_^

    تحياتي
    اهلين صدى الابداع ...
    ليش ما قرأتيها والله انها حلوة ... بس انتي ابدي وراح تلاقي انك تابعيها .. لانك راح تعيشي من خلالها حياة شخص اخر ... داق طعم الحيا المرة ...
    بس تسلمي على ردك ...
    بس ابتعرفي لسى القصة بأولها يعني لسى ما بدت ... وانتي بتقولي انها طويلة ....
    شكرا على القصه
    حلووووووووة وممتعه
    الله يعطيك العافيه
    اهلين ليبا
    تسلمي على مرورك الحلو بتمنى انك تكوني قرأتيها .....
    جهد تستحقين له التسفيق يا لحـــن ^.^

    شكرا لكي ..و يعطيكي العافية ^.^
    اهلين The crash
    فيك العافية ... وتسلم لانك شجعتني ... بس ياترى هالمجهود راح يلاقي نتيجة ......
    ابقى دايما ..طلطل هون بلكي تكون انت المشجع الوحيد

  21. #20
    الفصل الثاني

    كان الليل قد اشرف على الانتصاف عندما بلغ الصحافي الشاب سامي مجبور عند هذا الحد من قصة رامونا الفرنيسة الحسناء
    وابى سامي مجبور ان يتوقف عن القراءة
    فاقصة مشوقة مؤثرة ومؤلمة
    واشعل الصحافي الناشئ لفافة راح ينفث دخانها في الفضاء ليتابع القراءة
    وقرأ ....
    " امسكت جارتي المحسنه كاترين يدي في اليوم الاول وسارت بي الى الحانه المنزوية في اخر الشارع الطويل في مدينه "نيس"
    وبكلمات مقتضبة قليلة قدمتني الى صاحبة الحانه
    ولم تكن مدام صوفي بحاجة الى من يعرفها بي
    فهي تعرفني
    وقد ابتاعت مني الحلي منذ ايام بواسطة كاترين نفسها
    ومقتني مدام صوفي بنظرة ثاقبة طويلة
    وتمتمت لقد وافقت على ان تعملي في حانتي اكراما الى كاترين فانت لا تصلحين للعمل في حانتي ويخيل الي انك ما زلت صغيرة والعمل عندي مرهق متعب وشاق قد تعجزين عن القيام به
    وتدخلت كاترين مدافعة عن قدرتي على العمل
    قالت : اؤكد يا سيدتي ان رامونا ستكون قادرة على القيام بالمسؤليات الجسام فهي بالرغم من صغر سنها قوية مجتهدة نشيطة وانا سـأتولى تدريبها على العمل قبل انصرافي عن الخدمة في هذه الحانه بعد اسبوع
    فنفثت مدام صوفي دخان لفافتها في الفضاء لتقول سانظر في شأننها بعد اسبوع فاذا برهنت عن مقدرة ونشاط كان لها مكان للعمل في هذه الحانه والا فعليها ان تبحث عن لقمة الخبز في غير هذه الحانه
    وحاولت ان اشكر صاحبة الحانه على ما ابدت نحوي من عطف ورحابة صدر
    الا ان مدام صوفي حالت بيني وبين الكلام مستأنفة كلامها
    قالت " اذا قدر لك ان تعملي في حانتي ايتها الصغيرة فعليك ان تقيمي في هذه الحانه ليلا نهارا ..ستعملين في تنظيف الحانه وفي غسيل الاطباق والكؤوس والاهتمام باعمال المطبخ كافة وقد نحتاج اليك لخدمة الزبائن وستنامين ههنا في هذه الحانه فلاا تخرجين منها الا باذن مني اتوافقين على هذه الشروط؟...
    وتولت كاترين الجواب
    قالت: لقد اطلعتها ياسيدتي على كل هذه الشروط ... وواقفت وانا اؤكد لك انها ستكون مثال الخادمة المخلصة الوفيه ...
    وبدأت العمل في تلك الحانه
    وابديت من النشاط والهمة والمقدرة والطاعة العمياء ما اثار اعجاب مدام صوفي وارتياحها
    وبعد اسبوع ووافقت صاحبة الحانه على توظيفي في حانتها الكريمة
    وتسلمت العمل من كاترين في تلك الحانه ...
    وودعتني مدام كاترين ناثرة في مسمعي النصائح الغالية " كوني امينه مطيعة نشيطة يا رامونا ... وليوفقك الله يا ابنتي ..."
    وذهبت مدام كاترين
    ومنذ ذلك اليوم لم ار لها وجها
    وانتقلت من غرفتي الصغيرة تحت السلالم الى غرفى صغيرة ايضا في الحانه الرحبة الواسعة الارجاء
    وكان ثمة جدار في الحانه قرب قاعة نوم مدام صوفي
    وكان جدار خشبي يفصل بين غرفتي وغرفة مدام صوفي
    وفي تلك الحانه الكبيرة غرفة وقاعات عدة...
    فهناك قاعة الطعام والشراب الرحبه ابوابها مشرعة امام الزبائن الكرام منذ الصباح حتى منتصف الليل
    وهناك قاعة الميسر والمقامرة ....
    وهي قاعة واسعة رحبه تفتح ابوابها نهارا وليلا حتى ما بعد منتصف الليل
    وقاعة نوم السيدة صوفي وهي قاعة مزينه بالريش ولاثاث وفيها كل ما تحتاج اليه المراة الانيقة الثرية من وسائل الراحة والتدفئة والتبريد والانارة والنوم
    وثمة قاعة للضيوف الاقارب ولاصدقاء
    وهم كثيرون
    وفي اخر الحانه قاعة رحبه كبيرة فيها بعض المقاعد والطاولات والخزائن والصناديق الحديدة
    وتلك القاعة لاتفتح ابوابها الا بعد انتصاف الليل
    ويجتمع فيها عدد من الرجال الاقوياء وبعض النساء وتلوح وجوههم علامات ا لقسوة والحزم والعزم
    وكان الدخول الى تلك القاعة محرما على الزبائن الكرام
    فلها زبائنها المميزون الذين يؤمون الحانه بعد انتصاف الليل
    وكان عملي في تلك الحانه الكبيرة متعبا مرهقا شاقا
    كان علي ان انهض من النوم في ساعة مبكرة من الصباح لتنظيف غرف الحانه وتكنيسها ونفض الغبار عن الموائد والمقاعد وغسل الاواني والاطباق والكؤوس
    واستمر في العمل وفي خدمة الزبائن حتى ما بعد منتصف الليل عندما ينقتح باب القاعة السريه ويبدأ الزبائن تلك القاعة بالوفود الى قاعة ... عندئذ تهتف صاحبة الحانه بي "اذهبي ايتها الشقيه الى غرفتك ونامي..."
    ولم يكن لي الا الامتثال لاوامرها السامية
    فصاحبة الحانه مدام صوفي امراة قاسية القلب حازمة صارممة
    ليس ثمة في تلك الحانه من يعصي لها امرا
    حتى الزبائن كانوا يخافونها ويتقون شرها
    وكا ن الخروج من تلك الحانه محرما علي
    فالاوامر التي اصدرتها مدام صوفي صريحا لا تحتاج الى تفسير ": لا تخرجي من الحانه يا رامونا ... تنطقي بكلمة مما تسمعين ولا تخرجي احدا بما تشاهدين ولا تبوهي بسر قد تقفين عليه .. كوني عمياء صماء بكماء ..."
    وكنت كما ارادتني مدام صوفي
    لا ارى ولا اسمع ولا اتكلم
    هكذا تريديني سيدتي فليكن ماتريد
    كل ما اصبو اليه هو الحصول على القوت والمرقد
    فلا احتاج الى البحث عن ثمن الطعام
    ولا اضطر الى دفع اجرة الغرفة في اخر كل شهر
    اما المرتب فلم اكن لابه له
    ولم تكن مدام صوفي تنقدني مرتبا
    بل كانت تمسح لي بان احتفظ بما يجود علي الزبائن الكرام من فرنكات قليلة
    وكان زبائن الحانه يعطفون علي وهم يروونني فتاة صغيرة انصرف الى خدمتهم وتلبيه طلباتهم
    وبالرغم من ان معظم اولئك الرواد من الرجال الاقوياء القساة القلوب الشرسين فقد كان ثمة بينهم من يجود علي ببعض الدراهم
    وكان من بين اولئك الشاب ادغار فوريه
    وكان ادغار صديق صاحبة الحانه الحميم
    وله وحده الحق في دخول القاعة الاجتماعات السرية عندما يريد
    وكثييرا ما كان ادغار يقضي ما تبقى الليل في غرفة مدام صوفي
    وكنت اشاهد ادغار من حين الى اخر يحمل حقائب او صناديق ويدخل بها الى قاعة الاجتماعات السريه
    او هو يحمل الحقائب والصناديق ويخرج بها من تلك القاعة
    الا انني كنت اسمع احيانا مناقشات حادة بين المجتمعين
    ولكني لم ابه مرة لتلك المناقشات ولم اعرها أي اهتمام
    ***********************
    " ومضت الايام .....
    انقضت سنتان على عملي في الحانه مدام صوفي اخرج خلالهما من تلك الحانه
    وكانت مدام صوفي تحظر علي الخروج من حانتها العامرة
    ولم اكن لاخالف امر سيدتي امرا
    وبدات اشعر بقوة الشباب وبحرارته تجري في عروقي وقد اشرفت على تخطي الرابعة عشر من العمر واقتربت من مطلع الخامسة عشر ....
    وبدأت انظار الشبان الذين يرتادون الحانه تحوم حولي
    وكان بعض اولئك الشبان ينثرون في مسمعي كلمات الغزل والاعجاب ويرمقونني بنظرات ملتهبة حارة
    غيير انني لم اكن اعير نظراتهم وهمساتهم أي اهتمام
    وذات ليلة باردة عاصفة سوداء احتشد في الحانه جمع من الرجال المقامرين المدمنين على الخمر انصرفت كعادتي بخدمة اولئك الرجال
    وكان السكر الشديد على بعض الشبان فراحوا يتمادون في اسماعي كلمات الاعجاب
    ومنهم من راح يتغزل بجمالي الفاتن وشباب العاطر الريان
    وبالرغم من انني لم ادرك ادراكا تاما ما تنطوي عليه تلك الكلمات ولا افقه ما معنى تلك النظرات الملتهبة الحمراء فقد كنت مرتاحة الى ما اسمع وارى
    انها غريزة المرأة التي ترتاح الى استماع المديح ولاطراء والمبالغة في وصف شبابها وجمالها ...
    وطالت الجلسة الصاخبة الى ما بعد منتصف الليل
    وبدأ الرواد الحانه يخرجون وقد اشرفت الساعة على الواحدة بعد منتصف الليل
    وبدأت اتأهب للدخول الى غرفتي لاستسلم للرقاد
    واذا بي افاجأ بشاب تبدو على محلامحه السكر وتفوح منه رائحة الخمر ينتصب امامي ليمسك بيدي ويشدني الى صدره محاولا تقبيلي ....
    وذعرت ...
    وحاولت جاهدة الافلات من بين يديه القوتين فعجزت
    واذا بصديق مدام صوفي ادغار يثب الى ذلك الشاب وينهال عليه باللطم والصفع
    ويلقي به بعيدا عني
    اخر تعديل كان بواسطة » لحن الرومنسية في يوم » 27-03-2007 عند الساعة » 16:42

الصفحة رقم 1 من 11 123 ... الأخيرةالأخيرة

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter