12- معركة جزيرة كريت (( Crete )) :-
جزيرة كريت هي جزيرة يونانية ، لم يطل هدوء الألمان . لقد انطلقت القاذفات الألمانية تغير على جزيرة كريت و على قناة السويس بقصد إعداد أول غزو جوي يتم في الحرب عن طريق المظليين . و الواقع أن الإنجليز قد بادروا إلى تحصين هذه الجزيرة خلال نصف عام تقريباً . و لكن جهودهم لم تكن كافية و لا ذات فاعلية .
الجزيرة محرومة من المطارات إلا القليل و كذلك من الطائرات و المدافع المضادة لها أيضاً . و قد لوحظ أن الألمان لم يتركوا للإنجليز فرصة للتنفس . لقد راحت طائراتهم القاذفة تدك مواقع الإنجليز الدفاعية في الجزيرة ، مركزة جهودها فوق المطارات الثلاثة الموجودة فيها و في الأماكن المعدة لإنزال المظليين . و قبل أن تنتهي المهلة التي حددتها القيادة الألمانية لقذف الجزيرة و التأكد من سكوت الأسلحة المضادة ، انزلت فرقة الهجوم الأولى لتستقبل فيما بعد موجات القوات الرئيسية المعدة لاحتلال الجزيرة . و تم الاستيلاء على مطار مالام الذي ينتظر أن يستعمله النازيون لإنزال النجدات المطلوبة .
و قد وصف طبيب يوناني هو الدكتور ستيفانيداس بداية معركة الجزيرة و قد كان في عداد القوات الإنجليزية المعسكرة هناك قال : (( في 20/5/1941م ، كان الفجر باسماً في روعة فائقة . و عند الساعة السابعة و النصف من الصباح ، كنت واقفاً إلى جانب عدد من الضباط قريباً من الخيمة التي كنا نستعملها نادياً و مطعماً لنا . و كنا نتبادل الحديث بانتظار أن يصبح طعام الافطار جاهزاً ، حينما فوجئنا على غير انتظار منا بطلقات رهيبة مضادة للطائرات . و قفزنا جميعاً إلى الملاجيء ، و نحن نظن أن الأمر لا يعدو أن يكون غارة من تلك الغارات اليومية التي بدأنا نعتادها . لكن الأمر لم يكن كما نظن . و قبل أن ندرك تماماً ما كان يجري حولنا امتلأت السماء بالطائرات تأتيها من كل مكان . و من المحتمل أن يكون عددها قد بلغ المئات ؛ كانت تنقض ، ثم ترتفع إلى السماء مرة أخرى ، ملتوية ، متمعجة ، تطلق رصاص رشاشاتها أو تقذف قنابلها فوق كل شيء .
ثم ظهر بعد ذلك سرب من الطائرات الضخمة ذات اللون الفضي على ارتفاع شديد الانخفاض فوق رؤوسنا ، آتية من الجنوب الغربي و متوجهة نحو منطقة كاناه . لقد مرت هذه الطائرات كما تمر الأشباح لا يصدر عنها أي ضجيج اللهم غير صوت ضئيل أبعد ما يكون عن الصخب العادي للطائرات . جوانحها كانت طويلة جداً ثم تضيق عند النهاية . و هنا أدركت أنها طائرات شراعية و أن الجزيرة على وشك أن تستقبل موجة من المظليين تحميهم الرشاشات و القنابل .
أما قنابل مدافعنا المضادة فقد كانت تنفجر حول الطائرات الصاخبة و الطائرات الشراعية ، و كانت هذه الأخيرة من الكثرة بحيث أن مدافعنا التافهة المتباعدة لم تحدث فيها غير أضرار ضئيلة . و شاهدت طائرات شراعية تتمزق ثم تنقض في خط عمودي وراء الأشجار . و لكن أكثر الطائرات الشراعية الباقية و عدتها كما قدرت ثلاثون استمرت تزحف بهدوء و تنزل فوق منطقة كاناه .
كنت آنذاك مشغولاً بالنظر إلى قاذفة بدا لي أنها مصابة بإحدى القنابل ، لأنها كانت تتأرجح من جانب إلى آخر تاركة وراءها موجة ممتدة من الدخان الأسود ، حين صرخ النقيب ( فن ) : ( أنظروا ! مظليون ! ) .
و التفت لأرى صفاً من النقط السوداء الصغيرة يسقط من الطائرات التي تحلق على ارتفاع أكثر انخفاضاً . و كان يبدو لي أن المظليين قد أنزلوا من ارتفاع منخفض ثم تحولوا إلى مظلات صغيرة بيضاء اختفت وراء الأشجار .
بعض هذه المظلات بدا لي بلون أخضر أو بني و لكنها كانت بعيدة جداً فلم أتأكد من صدق الرؤية . و هناك مظلات أخرى أكبر كثيراً ذات أشكال طويلة . ثم أدركت بعد ذلك أنها مظلات ثلاثية تحمل مدافع خفيفة و ذخائر أو معدات ثقيلة )) .
و رغم أن القوات الإنجليزية كانت محرومة من الحماية الجوية أمام القاذفات الألمانية فإنها قد أحدثت بين المهاجمين الهابطين بالمظلات و الطائرات الشراعية بعض الخسائر .
ثم بدأ التفوق الألماني يلعب دوره . و اضطر الإنجليز للتراجع نحو شواطيء في الجهة الجنوبية الغربية استعداداً لمواجهة دنكرك ثالثة . و بين 28/5/1941م و الأول من يونيو نجح الأسطول الإنجليزي في ترحيل 16500 جندي ، تاركاً وراءه 13000 ألف ما بين قتيل و جريح و أسير . كما فقد الأسطول ألفي رجل و ثلاث سفن جوالة و طرادين و هو في طريقه إلى قناة السويس على بعد 600 كلم بسبب حرمانه من التغطية الجوية . كما استطاع الطيران الألماني أن ينزل الأضرار بدارعة واحدة و سفينتين جوالتين و ثلاثة طرادات .
الخريطة تبين جزيرة كريت اليونانية و مناطق الإنزال الجوي الألماني .
المفضلات