بسم الله الرحمن الرحيم


061218412992889lm1

نحو ميلوني مسلم يقصدون الأراضي الحجازية لتأدية فريضة الحج التي أصبحت اليوم أكثر يسراً وسهولة عن ذي قبل، حيث كان الحاج يتعرض للكثير من الكبد والمشقة، وكانت رحلاتهم الى بيت الله الحرام تكتنفها المشاق والأخطار، ولم تكن من اليسر والسهولة في طرق مواصلاتها كما هو الحال الآن، فقد كانوا يواجهون الكثير من الشدائد ما كان يفتك بهم في الطرق التي كانوا يسلكونها، سواء من حر الصيف أو برد الشتاء أو جفاف الماء في الصحاري التي يسلكونها، الى جانب ما قد يداهمهم فيها من السيول أو اللصوص وقطّاع الطرق.

كل ذلك كان يحدث لحجاج بيت الله الحرام قديماً، ومع ذلك فالناس لا يمنعهم عن الحج مانع، ولم نسمع انهم انقطعوا عنه من انفسهم سنة من السنين، وكيف يمتنعون والله تعالى يأمرهم بذلك فيقول تعالى (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق | ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير | ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق | ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه..) »الحج: 27 - 30«، ويقول تعالى: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين | فيه آيات بينات مقام ابراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) »آل عمران: 96 - 97«.

ولهذا النداء الرباني حف المسلم هذا الركن من أركان الإسلام بكل مظاهر الإجلال والعناية والاهتمام في حياته، ولذلك كانت قوافل الحج تخرج من بلاد الاسلام تلبي نداء ربها بالذهاب الى البيت العتيق من كل فج عميق، وهناك تصور جميل يصور مكة والمدينة كأنهما قرص الشمس في حين قوافل الحج القادمة من البلاد الإسلامية تمثل مسار الأشعة التي تخرج منها وتعود، وسأعرض لبعض الطرق التي كان يسلكها الحجاج، منها ما يلي:



أحييكم بتحية الإسلام و أقول لكم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



كيف حالكم جميعا إخوتي الكرام؟
أتمنى أن تكونوخير




والآن أبدأ معكم موضوعي عن الطرق التي كان يسلكها الحجاج على أمل أن ينال الموضوع رضاكم


قوافل الحج

اجتازت البلاد الإسلامية كثير من الطرق البرية والبحرية التي تصل الى البلاد الحجازية عبر العصور، وهذه الطرق ازدادت شهرتها في العصور الوسطى، كما ظهرت طرق جديدة أكثر تطوراً، وقد لعبت طرق الحج من بلاد الإسلام المختلفة الى الأماكن المقدسة في مكة والمدينة دوراً حيوياً عبر التاريخ الإسلامي في تحقيق التواصل الثقافي والسياسي وتقوية أواصر العلاقات التجارية والاقتصادية والعلمية، فيما بين البلدان الاسلامية بعضها مع بعض، وآثار هذه الطرق ما زالت باقية للعيان حتى وقتنا الحاضر، وتتمثل هذه المشاهد في آثار الآبار والبرك ومنازل الحجاج التي كانت تعمر هذه الطرق وتخدم حجاج بيت الله الحرام، وهناك أربعة طرق رئيسية كانت تعبرها قوافل الحج حتى تصل الى البلاد الحجازية، وهذه الطرق حسب أهميتها هي:



الطريق المستخدم لحجاج بلاد الغرب الاسلامي


تبدأ قوافل حجاج بلاد الغرب الاسلامي بالانطلاق من مدن المغرب، كمراكش وفاس وسلا، وأحياناً كانت تضم حجاج السنغال، وبعد تجمع الحجاج تنطلق قافلتهم سالكة إما الطريق البري المحاذي للبحر المتوسط أو الطريق البحري عبر البحر المتوسط.
واعتادت هذه القافلة ان تكون على موعد مع غيرها من قوافل الحج للحجاج الجزائريين والتونسيين والليبيين، وذلك لمرور طريق الحج بمدن المهدية وصفاقس وسوسة وطرابلس وبرقة وطبرق، ثم تعبر هذه القوافل مجتمعة الأراضي المصرية بمحاذاة الساحل حتى تصل الى ميناء الاسكندرية ثم رشيد، وبعدها تركب قوافل الحجاج المركب النيلية عبر فرع رشيد، الى ان تصل جميعها الى القاهرة، وتلتقي مع قافلة الحج المصرية حتى تأنس بها ذهاباً وإياباً عند مكان شمال القاهرة كان يعرف آنذاك ببركة الحاج، وموقعه حالياً القرية المعروفة باسم البركة إحدى قرى مركز شبين القناطر محافظة القليوبية.

ثم تواصل جميع القوافل مسيرتها برا حتى تصل الى ميناء القلزم (السويس حاليا)، ومنها إما مواصلة الطريق البري عبر سيناء، ثم محاذاة البحر الأحمر براً الى مدينة جدة او تبحر القوافل في السفن عبر البحر الأحمر الى ميناء جدة، ومنها براً الى المدينة ثم مكة، إلا ان هذا الطريق تعرض للتوقف ونقل الحجاج فترة استيلاء الصليبيين على بلاد الشام وميناء العقبة، واستطاع صلاح الدين الأيوبي ان يمهد طريقاً آخر لتأمين سلامة الحجاج، حيث اتجهت قوافل الحجاج عبر النيل الى مدينة قوص، ومنها يعبرون الصحراء الى ميناء عيذاب على البحر الأحمر، ثم يركبون البحر الى جدة، ثم يستكملون طريقهم براً من جدة الى المدينة ثم مكة، ولنتصور مدى الصعوبة والمشقة التي كان يقطعها الحجاج المغاربة والمصريون عبر هذا الطريق، ويذكر لنا المؤرخ المصري تقي الدين المقريزي في كتابه الخطط ان هذا الطريق ظل مسلكاً للحجاج من سنة 450 هـ الى سنة 660 هـ ومع انتهاء الوجود الصليبي عاد الحجاج الى استخدام طريق سيناء والبحر الأحمر مرة ثانية لنشاطه.

bismd06xa0

طريق قوافل حجاج بلاد الشام

على الرغم من ان بلاد الشام جميعها - وهي سوريا ولبنان وفلسطين والأردن - ذات طبيعة ثقافية متقاربة ان لم تكن متشابهة إلا انها كانت لها أربع قوافل مختلفة تنطلق من مدنها، فمنها قافلة الحج الشامي، وقافلة الحج الحلبي من مدينة حلب، وقافلة الحج القدسي، من مدينة القدس وكانت تتجمع هذه القوافل وتسلك الطريق البري الذي يبدأ من مدينة دمشق ويتجه جنوباً الى المدينة المنورة أولاً ثم الى مكة المكرمة، وبين دمشق والمدينة كانت القوافل تمر على حوالي 34 كيلومترا، يسلكها الحجاج براً مما كان يعرضهم للمشاق والمهالك.bismd06xa0

طريق قافلة الحجاج العراقيين


كان الحجاج العراقيون يسلكون الطريق البري بين الكوفة ومكة، وكذلك الطريق البصري الذي يبدأ من مدينة البصرة، ومن أهم طرقهم درب زبيدة الذي مهدته زوجة الخليفة هارون الرشيد، والذي انشأته لكي يسلكه الحجاج والمعتمرون بأمان من الضياع وقطاع الطرق، وتميز هذا الطريق بأنه كان دقيقاً في مساراته وكان يستخدمه ايضاً الحجاج القادمون من بلاد شرق العالم الإسلامي.
bismd06xa0

طريق قافلة الحجاج اليمنيين

كان حجاج اليمن في رحلتهم يسلكون الطريق البري، حيث كانوا يجتمعون من المدن اليمنية عند منطقة تسمى دار لاملك، ومنها يواصلون مسيرة رحلتهم البرية الى بلاد الحجاز حتى يصلوا الى منطقة يلملم، وهذه المنطقة هي ميقات أهل اليمن، حيث يحرمون منها، ثم يتجهون الى بئر علي، ثم الى مكة المكرمة.

bismd06xa0

نماذج من المشاق


أفاضت كتب الرحالة والمؤرخين في الحديث عن المتاعب التي تواجهها قوافل الحجاج الى بيت الله الحرام، فيذكر المؤرخ المصري ابن اياس في حوادث سنة 356 أيام الدولة الإخشيدية تعرض قوافل الحج المصري لاعتداءات من أعراب بني سالم، فقطعوا الطريق على الحجاج، وأخذوا منهم عشرين ألف بعير، محملة قماشاً وبضائع ومالاً، وأسروا الرجال والنساء، ويذكر الرحالة جوزيف بتس او الحاج يوسف بعد إسلامه، وهو أول انجليزي وثاني أوروبي يزور مكة في التاريخ الحديث - وكان يحج سنة 1680م مع قافلة الحج الجزائرية، والتي كان من الضروري ان تمر بالأراضي المصرية - أن رحلات الحج كانت تتعرض أثناء سيرها في النيل للنهب من قبل اللصوص.

ويذكر ابن الجوزي صاحب كتاب »مرآة الزمان« في حوادث سنة 692 هـ تعرض قافلة الحجاج الشامية الى رياح عظيمة وبرد ومطر، وهلك الناس، وحملت الريح أمتعتهم وثيابهم، واشتغل كل امرىء بنفسه، وحصلت لهم مشقة عظيمة، وكثيراً ما كانت السيول تداهم قوافل الحج، ففي سنة 1196هـ اجتاحت قافلة الحج المصرية أثناء سيرها في الطريق بين مكة والمدينة سيل أتى على نصف الحجاج المصريين، وكان الحجاج اليمنيون ايضاً يفضلون الحج عن طريق البحر، على الرغم من مخاطره، حتى لا يتعرضوا لمهاجمة العربان وقطاع الطرق البرية.

هذه بعض الإطلالات على طرق الحج قديماً في العصر الإسلامي ليتبين لنا النعمة التي أنعم الله بها علينا في زماننا، من سهولة النقل والسفر الى بيت الله الحرام، فالآن وفي سرعة خاطفة وعلى مقعد في طائرة أو باخرة أو سيارة أصبح الحاج يعبر حدود وطنه الى الأراضي المقدسة دونما عناء أو مشقة تذكر، ولكن رغم مشقة رحلات الحج قديماً، وبالرغم من جهدها الجهيد كان لها مذاقها الخاص، والذي يستشعر فيه الانسان المقبل على أداء فريضة الحج لذة التطهر منذ اللحظة الأولى التي يطأ فيها بقدميه تراب الطريق الذي يشق فيه صعوباته مع الرفاق الناشدين للغفران وتضمهم رحلة في شهور عدة، سواء أكان ذلك من فوق ظهر جمل، إن كان الحاج ميسور الحال، أو بالسير على الأقدام إن كان ذا عسرة وخاوي الوفاض.. ادعو الله ان ينفعنا بما أنعم علينا من نعم.



وإلى لقاء جديد أترككم في رعاية الله وحفظه
والسلام عليكم