تشرنوبل - الجزء الرابع والأخير
(( مدينة للأشباح - وعبر للإنسانية))
لم تتمكن وسائل الإعلام وفرق التصوير الصحفي من تصوير هذه المآسي إلا بعد بناء التابوت الحجري حول المفاعل ,, وحيث أن الوحيدالذيكان قادرا على التقاط الصور أو الوصول إلى داخل المفاعل الروبوتات أو الأقمار الصناعية فقط ,, وقد شاهدت برنامجا وثائقيا مع تصوير فيديو لما داخل المفاعل ,, كان الإشعاع مرتفعا في بعض الغرف بحيث لا يمكن المكوث فيها لأكثر من 3 دقائق ,,
لهذا فقد استغرق تصوير المدينة والمفاعل إلى أيام طويلة ,, وملابس حماية حديثة ,, ومعدات والكثير من الدعم ,, لأن هناك مقدار معين يتعرض له الإنسان في اليوم عليهم ألا يتجاوزوه ويتقفوا ,, وينتظروا حتى اليوم التالي ليصوروا دقائق ويعودوا فورا ,,
كما ذكرنا فقد ترك السكان أغراضهم وبيوتهم على أمل أن يعودوا لها يوما ,, لقد انخفض الاشعاع كثيرا في أطراف المدينة ولكن الجو مازال غير صحي ,, وعند تصوير المدارس مثلا تجد الكراسات والكتب في أدراج الطلبة ,, وتجد لعب أطفال هنا وهناك ,, كذلك الأمر في البيوت تجد الدواليب مليئة بالثياب المرتبة والصور التذكارية في كل مكان ,, وكأن هذا المنزل أو تلك المدرسة أو هذه المستشفى تنبض بالحياة منذ ساعات قليلة ,, فعلا أنها مدينة للأشباح ,,
مازال هناك عشرات المرضى في المستشفيات الأوكرانية حتى الآن الذين يعانون من أعراض الإشعاع ,, وغالبيتهم من المواليد المشوهة الذين كانت أمهاتهم الحوامل يتعرضن للإشعاع في تلك الفترة ,, وقد توقف الدعم لهذه المستشفيات ,, وأصبح مصير هؤلاء للمجهول ,,
بالنسبة لمصير المسؤولين بعد الحادثة ,, استقال معظمهم ,, وادخل المسؤولون المباشرون عن المفاعل السجن ,, وبعضهم خرج بكفالة بحجة إصابتهم بوعكات صحية أو أمراض تنفسية ,, في حين العمال وعددهم ثلاثة الذين كانوا في قمرة القيادة والذين لم يلحقوا الضغط على زر الإلغء في الوقت المناسب ,, قد دخلوا السجن ,, ولكن بالتأكيد يلازمون السرير وجلدهم يتساقط وأعضاؤهم تتحلل وكان مصيرهم الموت المؤلم مثل البقية ,, وبالنسبة للخبير فقد قضى سنوات لجمع المعلومات والوثائق ,, فهذه الصدمة لا يمكن نسيانها أبدا ,, ومن ثم عرضها على المسؤولين حتى يسلموها للجنة الدولية حتى يعرف العالم بالحقيقة والتفاصيل المخفية ,, إلا أن المسؤولين أخبروه بأنهم سيعطونه مركزا سياسيا مرموقا ,, وشكروه على مجهوده ,, وطلبوا منه بأن يبقى تقرير تحت تصرفهم وجعله أحد الأسرار ,, خاصة وأن الناس على وشك نسيان ما حدث ولا داعي لفتح الموضوع ,, وإظهار الإخفاق السوفييتي (( سابقا )) ,, وتم منعه من تسليمه إلى الوكالة الدولية ,,
وفي النهاية وجد في بيته منتحرا ,, تاركا رسالة يوضح فيها بأنه لم يعد يحتمل الحياة ,, وتاركا أيضا أوراقه وتقاريره ,, والني أزالت الكثير جدا من علامات الاستفهام لحقيقة كان مصيرها أن تنتهي إلى الأبد ,,
<< عبر للإنسانية >>
إن عدم ارتكاب الأخطاء هي ميزة حقا ,, تفوق إنجاز اختراع أو إنجاز شئ جديد ,, فعدم التطور قد يكون عيبا وتخلفا ,,لكن ارتكاب الاخطاء قد يكون ثمنه غاليا جدا ,,
كلما زادت القوة ,, فلا بد أن تزيد معها وبنفس القدر المسؤولية ,, وإلا فإن القوة قد تخرج عن السيطرة وتكون نتائجها وخيمة ,,
لقد اكتشف خطأ في تصميم مفاعل تشرنوبل ,, وتم تصحيحه ,, وبالرغم من هذه المأساة فقد استفاد العالم من هذه الأخطاء وأصبح هناك اتجاه آخر نحو زيادة معاملات الأمان والاهتمام وإعطاء الأولوية للأمان على انتاج الطاقة ,, على عكس ما سبق فقد كان هدف الانسان في بداية الثورة النووية هو الحصول على أعلى قدر من الطاقة متجاهلا أساليب الأمان والاكتفاء بإجراءات المطافئ المتواضعة والحلول السطحية ,,
إن الإهمال المهني الذي ساهم في حدوث الكارثة ,, أصبح موضع دراسة ,, وأصبح العمال والخبراء يتعرضون بشكل مستمر إلى دورات واختبارات ,, لضمان الكفاءة والجودة ,, وزرع الحذر واليقظة ,,
إن حدوث مثل هذه الكارثة لم يستغرق سوى ثواني قليلة ,, وبالرغم من هذا فقد أودى بحياة المئات ,, وسبب الأمراض للآلاف خصوصا الأطفال أو شباب هذا العصر ,, وأخلى منطقة شاسعة من الأرض للآلاف السنين ,, وهذا دليل على أن الإنسان مازال قاصرا في العلم مهما وصل إليه ,, وأن هذه إحدى النعم (( اليورانيوم والمواد المشعة )) التي خرجت عن سيطرة الإنسان ,,
الفرق بين تشرنوبل وهيروشيما ,, هو ان هيروشيما كانت ساحة لحرب عادية بين انسان وآخر ,,
أما تشرنوبل فقد كانت ساحة حرب بين الإنسان وأعماق نفسه امام قوة فاقت كل تصوراته ,,,
ولا يسعني إلا أن أترك لكم التأمل في هذه التجربة الانسانية الخالدة ,, والتي هي أكثر من مجرد انفجار مفاعل نووي
مع أطيب تمنياتي وخالص تحياتي
وأرجو أن ثمرة مجهودي المتواضع تنال رضاكم وقبولكم
,, الـــنــهــايــة ,,
المفضلات