بسم الله الرحمن الرحيم
الحجاج بن يوسف الثقفي
مقدمة بسيطة :
(( الحجاج بين مادحيه ومذميه ))
أثناء بحثي .. كان هذا هو العنوان الأكثر شيوعا لكل من تحدث عن (الحجاج) ، الجميع حذر وشدد على أن ما ينسب إلى الحجاج إما مبالغ فيه من محبيه أو كارهيه ، وأن هذا ما جعله علما في الحق والباطل ، وإن كان البعض يرى أن الحق والباطل لا يجتمعان .. فقد أخطأ :
فالباطل يجتمع مع الحق .. فقط حين يصبح الباطل قناعة يرأى فيها الشخص وسيلة للحق .
على هذا فسألتزم مصادر بعينها مما لا جدال عليها ، وما اتفقت مع أهل السنة والجماعة وكتب حديثه لم يحدث اختلاف عليها :
- البداية والنهاية .. لإبن كثير .
- علي حسني الخربوطلي: تاريخ العراق في ظل الحكم الأموي – دار المعارف- القاهرة- 1959م.
- محاضرات للشيخ ( مسعد أنور) والشيخ (أبو عمر المازوري) .. وإن تم حذف بعض الرويات من المحاضرة الأخيرة .. لضعفها مما اثبته بعض الشيوخ في مواقع متفرقة .
- كتاب بعنوان (الحجاج بن يوسف الثقفي المفترى عليه) للدكتور (محمود زيادة) .
- سير أعلام النبلاء – الإمام الذهبي - .
- أما ما غير ذلك فسيأتي ذكره مع الحدث .
شخصية جمعت بين نقيضين :
لعل أكثر الشخصيات مدعاة للجدل وإثارة للفضول وعرضة للاقاويل والإفتراءات .. هي تلك الشخصيات الرمادية ، ذلك النوع الذي يصنع من الخير ما تعجز الكلمات عن تعظيمه ، ومن الشر ما لا تعجز الألسن عن ذمه ، و(الحجاج) إن لم يكن متفردا بين مشاهير الأمة بتلك الشخصية ، فهو لاشك أعظمهم تأثيرا ، وليس التذبذب أو التنقل بين الخير والشر هو الوصف الدقيق لتلك الشخصية ، فنحن نتحدث عن شخصية فعلت من الخير ما امتد نفعه حتى يومنا هذا ، ومن الشر ما استحق به اللعن ليوم غير معلوم .
تقديم مما قاله الحجاج وقيل عنه :
كان الحجاج (( ظلوما .. غشوما ... جبارا .. خبيثا .. سفاكا للدماء ، وكان ذا شجاعة .. واقدام .. ومكر .. ودهاء ... وفصاحة ... وبلاغة ... وتعظيم للقرآن )) .
إن الحجاج هو أول من بنى ... مدينة إسلامية بعد الصحابة ، وهي مدينة واسط .. (بالعراق) .
(( إني أنذر ثم لا أنظر، وأحُذر ثم لا أعذر ، أتوعد ثم لا أعفو )) .
من أجلِّ الأعمال التي تنسب إلى الحجاج اهتمامه بنقط حروف المصحف .
(( لو تخابثت الأمم ... فجاءت كل أمة بخبيثها ، وجئناهم بالحجاج ... لغلبناهم )) .
كان الحجاج يحب الصدق ... ويكره الكذب والخيانة .
قال عنه الحسن البصري : (( إن الحجاج عذاب الله ، فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم ، و لكن عليكم بالاستكانة والتضرع )) ، فإنه تعالى يقول { ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون }[المؤمنون /76] .
على قدر شهرة الحجاج كانت شهرة ما نُسب إليه من مظالم؛ حتى عده كثير من المؤرخين صورة مجسمة للظلم، ومثالا بالغا للطغيان، وأصبح ذكر اسمه يستدعي في الحال معاني الظلم والاستبداد، وضاعت أعمال الحجاج الجليلة بين ركام الروايات التي تروي مفاسده وتعطشه للدماء .
(( يا أهل العراق إني لأرى رؤوساً قد أينعت ... وحان قطافها، .... وإني لصاحبها ، والله ... لكأني أنظر إلى الدماء .... بين العمائم واللحى )) .
كان يأمر بحفر الآبار في المناطق المقطوعة لتوفير مياه الشرب للمسافرين
(( أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ------ متى أضع العمامة تعرفوني )) .
وأضافت بعض الأدبيات التاريخية إلى حياته ما لم يحدث حتى صار شخصية أسطورية بعيدة كل البعد عن الحقيقة والواقع .
((يا أهل العراق! ... إنما أنتم أهل قرية كانت آمنة مطمئنة ، يأتيها رزقها رغداً من كل مكان ، فكفرتم بأنعم الله ، فأتاها وعيد القرى من ربها )) .
لفت الحجاج أنظار الخليفة عبد الملك بن مروان ، ورأى فيه شدة وحزما وقدرة وكفاءة .
((أما والله فإني لأحمل الشر بثقله ، وأحذوه بنعله ، وأجزيه بمثله )) .
لكم قطع رؤوس .. وسفك دماء .. ومزق لحوم .
يا حجاج .. قد مضى من بؤسنا أيام ..
ومن نعيمك أيام ...
وموعدنا يوم القيامة ...
والسجن الحقيقي جهنم ...
والحاكم لا يحتاج إلى بينه ...
ستعلم يا لئوم إذا التقينا ...
غدا عند الإله من الظلوم ...
ألا والله إن الظلم لئم ...
ومازال الظلوم هو الملوم ...
سينقطع التلذذ عن أناس آداموه ...
وينقطع النعيم .. إلى ديان يوم الدين نمضي ...
وعند الله تجتمع الخصوم ...
ما حسدت الحجاج كحسدي له على شيئين :
الأول : حبة للقرآن الكريم .
الثاني : قوله حين حضرته الوفاة (( اللهم اغفر لي ... فإن الناس يزعمون أنك لا تغفر )) .
(( إن طائفة من أهل الشقاق والنفاق .. قالوا مات الحجاج ، فهل يرجوا الحجاج الخير إلا بعد الموت )) .
نبذة عن أصله :
هو : أبو محمد الحجاج بن يوسف بن الحكم ابن أبي عقيل الثقفي .
اسمه : كليب .
اللقب : الحجاج ... معناه ( محطم العظام ) .
الكنية : أبو محمد .
موطنه : ثقيف من الطائف .
والده : يوسف بن الحكم ـــــ كان يعلم الصبيان القرآن الكريم ، وله أملاك بمكة .. وكان سيد من سادات ثقيف ومن أشرافهم .
جده من أمه : عروة بن مسعود الثقفي : الذي نزل فيه قوله تعالى (( لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم)) .
أمه : الفارعة بنت همام ابن عروة بن مسعود الثقفي (سيدة ثقيف)
زوجها الأول المغيرة بن شعبة الثقفي :
ويروى أنه دخل عليها ذات مرة في السحر ، فوجدها تتخلل ... فبعث إليها بطلاقها ، فسألته عن سبب الطلاق .. فأخبرها أنه دخل عليها في السحر فوجدها تتخلل ، ثم قال :
- ( إن كنت قد بادرت بالطعام .. فأنت شرهة ، وإن كنت بت والطعام بين اسنانك .. فأنت قذرة ) .. فطلقها لهذا .
فردت على المغيرة :
- ( كل ذلك لم يكن ، ولكني تخللت من شظايا السواك)
ثم أنشدت :
ووالله ما فرحنا إذ كنا ـــــــ وما حزنا إذ بنا
فندم المغيرة على ما بدر منه .. وخرج آسفا فلقيه يوسف والد الحجاج ، فقال المغيرة :
-(هل لك إلى خير أدعوك إليه) .
قال :
-(ما هو) .
قال :
-(تزوج الفارعة بنت همام .. فقد طلقتها ، فهي سيدة نساء ثقيف .. ولعلها تنجب لك) .
فتزوجها وولدت له (( الحجاج )) .
المفضلات