مشاهدة النتائج 1 الى 15 من 15
  1. #1

    الحجاج بن يوسف الثقفي


    بسم الله الرحمن الرحيم










    الحجاج بن يوسف الثقفي











    مقدمة بسيطة :





    (( الحجاج بين مادحيه ومذميه ))



    أثناء بحثي .. كان هذا هو العنوان الأكثر شيوعا لكل من تحدث عن (الحجاج) ، الجميع حذر وشدد على أن ما ينسب إلى الحجاج إما مبالغ فيه من محبيه أو كارهيه ، وأن هذا ما جعله علما في الحق والباطل ، وإن كان البعض يرى أن الحق والباطل لا يجتمعان .. فقد أخطأ :
    فالباطل يجتمع مع الحق .. فقط حين يصبح الباطل قناعة يرأى فيها الشخص وسيلة للحق .

    على هذا فسألتزم مصادر بعينها مما لا جدال عليها ، وما اتفقت مع أهل السنة والجماعة وكتب حديثه لم يحدث اختلاف عليها :




    - البداية والنهاية .. لإبن كثير .
    - علي حسني الخربوطلي: تاريخ العراق في ظل الحكم الأموي – دار المعارف- القاهرة- 1959م.
    - محاضرات للشيخ ( مسعد أنور) والشيخ (أبو عمر المازوري) .. وإن تم حذف بعض الرويات من المحاضرة الأخيرة .. لضعفها مما اثبته بعض الشيوخ في مواقع متفرقة .
    - كتاب بعنوان (الحجاج بن يوسف الثقفي المفترى عليه) للدكتور (محمود زيادة) .
    - سير أعلام النبلاء – الإمام الذهبي - .
    - أما ما غير ذلك فسيأتي ذكره مع الحدث .








    شخصية جمعت بين نقيضين :



    لعل أكثر الشخصيات مدعاة للجدل وإثارة للفضول وعرضة للاقاويل والإفتراءات .. هي تلك الشخصيات الرمادية ، ذلك النوع الذي يصنع من الخير ما تعجز الكلمات عن تعظيمه ، ومن الشر ما لا تعجز الألسن عن ذمه ، و(الحجاج) إن لم يكن متفردا بين مشاهير الأمة بتلك الشخصية ، فهو لاشك أعظمهم تأثيرا ، وليس التذبذب أو التنقل بين الخير والشر هو الوصف الدقيق لتلك الشخصية ، فنحن نتحدث عن شخصية فعلت من الخير ما امتد نفعه حتى يومنا هذا ، ومن الشر ما استحق به اللعن ليوم غير معلوم .










    تقديم مما قاله الحجاج وقيل عنه :




    كان الحجاج (( ظلوما .. غشوما ... جبارا .. خبيثا .. سفاكا للدماء ، وكان ذا شجاعة .. واقدام .. ومكر .. ودهاء ... وفصاحة ... وبلاغة ... وتعظيم للقرآن )) .



    إن الحجاج هو أول من بنى ... مدينة إسلامية بعد الصحابة ، وهي مدينة واسط .. (بالعراق) .



    (( إني أنذر ثم لا أنظر، وأحُذر ثم لا أعذر ، أتوعد ثم لا أعفو )) .



    من أجلِّ الأعمال التي تنسب إلى الحجاج اهتمامه بنقط حروف المصحف .



    (( لو تخابثت الأمم ... فجاءت كل أمة بخبيثها ، وجئناهم بالحجاج ... لغلبناهم )) .




    كان الحجاج يحب الصدق ... ويكره الكذب والخيانة .






    قال عنه الحسن البصري : (( إن الحجاج عذاب الله ، فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم ، و لكن عليكم بالاستكانة والتضرع )) ، فإنه تعالى يقول { ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون }[المؤمنون /76] .



    على قدر شهرة الحجاج كانت شهرة ما نُسب إليه من مظالم؛ حتى عده كثير من المؤرخين صورة مجسمة للظلم، ومثالا بالغا للطغيان، وأصبح ذكر اسمه يستدعي في الحال معاني الظلم والاستبداد، وضاعت أعمال الحجاج الجليلة بين ركام الروايات التي تروي مفاسده وتعطشه للدماء .





    (( يا أهل العراق إني لأرى رؤوساً قد أينعت ... وحان قطافها، .... وإني لصاحبها ، والله ... لكأني أنظر إلى الدماء .... بين العمائم واللحى )) .




    كان يأمر بحفر الآبار في المناطق المقطوعة لتوفير مياه الشرب للمسافرين



    (( أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ------ متى أضع العمامة تعرفوني )) .




    وأضافت بعض الأدبيات التاريخية إلى حياته ما لم يحدث حتى صار شخصية أسطورية بعيدة كل البعد عن الحقيقة والواقع .




    ((يا أهل العراق! ... إنما أنتم أهل قرية كانت آمنة مطمئنة ، يأتيها رزقها رغداً من كل مكان ، فكفرتم بأنعم الله ، فأتاها وعيد القرى من ربها )) .





    لفت الحجاج أنظار الخليفة عبد الملك بن مروان ، ورأى فيه شدة وحزما وقدرة وكفاءة .




    ((أما والله فإني لأحمل الشر بثقله ، وأحذوه بنعله ، وأجزيه بمثله )) .




    لكم قطع رؤوس .. وسفك دماء .. ومزق لحوم .




    يا حجاج .. قد مضى من بؤسنا أيام ..
    ومن نعيمك أيام ...
    وموعدنا يوم القيامة ...
    والسجن الحقيقي جهنم ...
    والحاكم لا يحتاج إلى بينه ...
    ستعلم يا لئوم إذا التقينا ...
    غدا عند الإله من الظلوم ...
    ألا والله إن الظلم لئم ...
    ومازال الظلوم هو الملوم ...
    سينقطع التلذذ عن أناس آداموه ...
    وينقطع النعيم .. إلى ديان يوم الدين نمضي ...
    وعند الله تجتمع الخصوم ...





    ما حسدت الحجاج كحسدي له على شيئين :
    الأول : حبة للقرآن الكريم .
    الثاني : قوله حين حضرته الوفاة (( اللهم اغفر لي ... فإن الناس يزعمون أنك لا تغفر )) .



    (( إن طائفة من أهل الشقاق والنفاق .. قالوا مات الحجاج ، فهل يرجوا الحجاج الخير إلا بعد الموت )) .











    نبذة عن أصله :





    هو : أبو محمد الحجاج بن يوسف بن الحكم ابن أبي عقيل الثقفي .

    اسمه : كليب .

    اللقب : الحجاج ... معناه ( محطم العظام ) .


    الكنية : أبو محمد .



    موطنه : ثقيف من الطائف .



    والده : يوسف بن الحكم ـــــ كان يعلم الصبيان القرآن الكريم ، وله أملاك بمكة .. وكان سيد من سادات ثقيف ومن أشرافهم .



    جده من أمه : عروة بن مسعود الثقفي : الذي نزل فيه قوله تعالى (( لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم)) .


    أمه : الفارعة بنت همام ابن عروة بن مسعود الثقفي (سيدة ثقيف)

    زوجها الأول المغيرة بن شعبة الثقفي :



    ويروى أنه دخل عليها ذات مرة في السحر ، فوجدها تتخلل ... فبعث إليها بطلاقها ، فسألته عن سبب الطلاق .. فأخبرها أنه دخل عليها في السحر فوجدها تتخلل ، ثم قال :
    - ( إن كنت قد بادرت بالطعام .. فأنت شرهة ، وإن كنت بت والطعام بين اسنانك .. فأنت قذرة ) .. فطلقها لهذا .
    فردت على المغيرة :
    - ( كل ذلك لم يكن ، ولكني تخللت من شظايا السواك)

    ثم أنشدت :

    ووالله ما فرحنا إذ كنا ـــــــ وما حزنا إذ بنا



    فندم المغيرة على ما بدر منه .. وخرج آسفا فلقيه يوسف والد الحجاج ، فقال المغيرة :
    -(هل لك إلى خير أدعوك إليه) .
    قال :
    -(ما هو) .
    قال :
    -(تزوج الفارعة بنت همام .. فقد طلقتها ، فهي سيدة نساء ثقيف .. ولعلها تنجب لك) .

    فتزوجها وولدت له (( الحجاج )) .


  2. ...

  3. #2

    الحجاج وبداية طموحه السياسي :




    قرر الحجاج الإنطلاق إلى الشام ... حاضرة الخلافة الأموية المتعثرة ، التي تركها (مروان بن الحكم) نهباً بين المتحاربين ، وقد تختلف الأسباب التي دفعت الحجاج إلى اختيار الشام مكاناً ليبدأ طموحه السياسي منه ... رغم بعد المسافة بينها و بين الطائف ، و قرب مكة إليه، لكن يُعتقد أن السبب الأكبر كراهته لولاية (عبد الله بن الزبير) .
    و في الشام ، التحق بـ شرطة الإمارة التي كانت تعاني من مشاكل جمة، منها سوء التنظيم ، و استخفاف أفراد الشرطة بالنظام ، و قلة المجندين ... فأبدى حماسة و انضباطاً ، و سارع إلى تنبيه أولياء الأمر لكل خطأ أو خلل ، وأخذ نفسه بالشدة ، فقربه (روح بن زنباع) قائد الشرطة إليه ، ورفع مكانته ، و رقاه فوق أصحابه ، فأخذهم بالشدة ، وعاقبهم لأدنى خلل ... فضبطهم ، و سير أمورهم بالطاعة المطلقة لأولياء الأمر.
    لمس فيه (روح بن زنباع) العزيمة والقوة الماضية ، فقدمه إلى الخليفة (عبد الملك بن مروان) ، وكان داهية مقداماً، جمع الدولة الأموية و حماها من السقوط ... فأسسها من جديد.











    الحجاج وقتله لـ (عبد الله بن الزبير) وولايته على الحجاز :





    كان الخليفة (عبد الملك بن مروان) في حاجة إلى (الحجاج) ... حتى ينهي الصراع الدائر بينه ، وبين (عبد الله بن الزبير) .... الذي كان قد أعلن نفسه خليفة سنة (64هـ = 683م) بعد وفاة (يزيد بن معاوية بن أبي سفيان) ، ودان له بالولاء معظم أنحاء العالم الإسلامي ، ولم يبق سوى الأردن التي ظلت على ولائها للأمويين ، وبايعت (مروان بن الحكم بالخلافة) ، فنجح في استعادة (مصر) .. من قبضة (ابن الزبير) ، ثم توفي تاركا لابنه (عبد الملك) استكمال المهمة ، فانتزع العراق ، ولم يبق في يد (عبد الله بن الزبير) سوى الحجاز ... فجهز (عبد الملك) حملة بقيادة الحجاج ، للقضاء على دولته تماما.

    حاصر الحجاج مكة المشرفة ، وضيّق الخناق على (ابن الزبير) المحتمي بالبيت ، وكان أصحابه قد تفرقوا عنه وخذلوه ، ولم يبق سوى قلة صابرة .. لم تغنِ عنه شيئا، ولم تستطع الدفاع عن المدينة المقدسة التي يضربها الحجاج بالمنجنيق دون مراعاة لحرمتها وقداستها ، حتى تهدمت بعض أجزاء من الكعبة ، وانتهى القتال باستشهاد (ابن الزبير) والقضاء على دولته ، وعودة الوحدة للأمة الإسلامية التي أصبحت في ذلك العام (73 هـ = 693م) ... تدين بالطاعة لخليفة واحد، هو (عبد الملك بن مروان) .

    وكان من أثر هذا الظفر .. أن أسند الخليفة إلى (الحجاج) ولاية الحجاز مكافأة له على نجاحه ، وكانت تضم مكة والمدينة والطائف ، ثم أضاف إليه اليمن واليمامة فكان عند حسن ظن الخليفة وأظهر حزما وعزما في إدارته ، حتى تحسنت أحوال الحجاز ، فأعاد بناء الكعبة ، وبنى مسجد (ابن سلمة) بالمدينة المنورة ، وحفر الآبار، وشيد السدود .





















    ولايته على العراق :





    و في ( 75 هـ) حج (عبد الملك بن مروان) ، و خطب على منبر النبي ، فعزل الحجاج عن الحجاز لكثرة الشكايات فيه ، و أقره على العراق .



    كانت الأمور في العراق بالغة الفوضى والاضطراب وكانت منطقة فتن وقلاقل ، تحتاج إلى من يعيد الأمن والاستقرار، ويسوس الناس على الجادة بعد أن تقاعسوا عن الخروج للجهاد وركنوا إلى الدعة والسكون، واشتدت معارضتهم للدولة ، وازداد خطر الخوارج ، وقويت شكوتهم بعد أن عجز الولاة عن كبح جماحهم .




    ولبى الحجاج أمر الخليفة وأسرع في سنة (75هـ = 694م) إلى الكوفة .



    نزل الحجاج بالكوفة ، و كان قد أرسل من أمر الناس بالاجتماع في المسجد ، ثم دخل المسجد ملثماًً بعمامة حمراء .. متقلدا سيفه .. متنكبا قوسه ، واعتلى المنبر وسكت .. والناس ينتظرون .. فأطال عليهم السكوت ، فبدأ صبرهم بالنفاد .. حتى قال أحدهم :
    -(لعن الله هذا ، ولعن *عبد الملك* الذي أرسله .. أرسل إلينا غلاما لا يستطيع أن ينطق عيا ) .
    ورماه البعض بالحصى ....



    عندها قام إليهم وحصر اللثام ونهض قائلا :

    ((

    أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ــــــــــــــ متى أضع العمامة تعرفوني


    أما والله فإني لأحمل الشر بثقله ، وأحذوه بنعله ، وأجزيه بمثله ، ... أما و الله إني لأرى رؤوساً قد أينعت ، وحان قطافها ، ... وإني لصاحبها ، وكأنني أرى الدماء بين العمائم واللحى .

    يا أهل العرق .. إن أمير المؤمنين استخلفني عليكم ، وزودني بسيفين ... سيف الرحمة ، وذاك السيف سقط مني في الطريق ، وسيف النقمة .. وهو سيفي هذا .

    والله يا أهل العراق ، إن أمير المؤمنين (عبد الملك) نثل كنانة بين يديه ، فعجم عيدانها عوداً عوداً، فوجدني أمرّها عوداً ، وأشدها مكساً ، فوجهني إليكم ، ورماكم بي ... يا أهل العراق ، يا أهل النفاق والشقاق ومساوئ الأخلاق ، إنكم طالما أوضعتم في الفتنة، واضطجعتم في مناخ الضلال ، وسننتم سنن العي، وأيم الله لألحونكم لحو العود، ولأقرعنكم قرع المروة ، ولأعصبنكم عصب السلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل ، إني والله لا أحلق إلا فريت، ولا أعد إلا وفيت .


    يا أهل العراق! ... إنما أنتم أهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان ، فكفرتم بأنعم الله ، فأتاها وعيد القرى من ربها ، فاستوسقوا واعتدلوا ، ولا تميلوا، واسمعوا ، وأطيعوا، وشايعوا ، وبايعوا .


    ثم قال : إني وجدت الصدق من البر ، ووجدت البر في الجنة ، ووجدت الكذب من الفجور، ووجدت الفجور في النار، وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم ، وإشخاصكم لمجاهدة عدوكم وعدو أمير المؤمنين، وقد أمرت لكم بذلك ، وأجلتكم ثلاثة أيام ، وأعطيت الله عهداً يؤاخذني به ، ويستوفيه مني، لئن تخلف منكم بعد قبض عطائه أحد ... لأضربن عنقه .




    وأتبع الحجاج القول بالفعل ونفذ وعيده بقتل واحد ممن تقاعسوا عن الخروج للقتال، فلما رأى الناس ذلك تسارعوا نحو قائدهم المهلب لمحاربة الخوارج الأزارقة ، ولما اطمأن الحجاج إلى استقرار الأوضاع في الكوفة، ذهب إلى البصرة تسبقه شهرته في الحزم، وأخذ الناس بالشدة والصرامة وخطب فيهم خطبة منذرة زلزلت قلوبهم ، وحذرهم من التخلف عن الخروج مع المهلب قائلا لهم:



    "إني أنذر ثم لا أنظر، وأحذر ثم لا أعذر، وأتوعد ثم لا أعفو…".



    لم يكتف الحجاج بحشد الجيوش مع المهلب ، بل خرج في أهل البصرة والكوفة إلى(رشتقباذ) ... ليشد من أزر قائده المهلب ، ويساعده إن احتاج الأمر إلى مساعدة، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان ... إذ حدثت حركة تمرد في صفوف الجيش ، وتزعم الثورة رجل يدعى (ابن الجارود) .. بعد أن أعلن الحجاج عزمه على إنقاص المحاربين من أهل العراق 100 درهم ، ولكن الحجاج تمكن من إخماد الفتنة ، والقضاء على ابن الجارود وأصحابه.

    وما كاد الحجاج يقضي على فتنة الخوارج ... حتى شبت ثورة عارمة دامت ثلاث سنوات (81-83 هـ = 700-702م) ، زعزعت استقرار الدولة ، وكادت تعصف بها، وكان يقودها (عبد الرحمن بن الأشعث) ... أحد رجالات الحجاج الذي أرسله على رأس حملة جرارة لإخضاع الأجزاء الشرقية من الدولة ، وبخاصة سجستان لمحاربة ملكها (زنبيل) .

    وبعد أن حقق ابن الأشعث عددا من الانتصارات غرّه ذلك ، ... وأعلن العصيان ، وخلع طاعة الخليفة ، وكان في نفسه عجب وخيلاء واعتداد كريه ، وبدلا من أن يكمل المهمة المنوط بها عاد ثائرا على الدولة الأموية مدفوعا بطموحه الشخصي ، وتطلعه إلى الرئاسة والسلطان.

    ووجد في أهل العراق ميلا إلى الثورة والتمرد على الحجاج ، فتلاقت الرغبتان في شخصه ، وآزره عدد من كبار التابعين انغروا بدعوته ، مستحلّين قتال الحجاج ... بسبب ما نُسب إليه من أعمال وأفعال .
    وأرسل (بن الأشعث ) رسالة للحجاج جاء فيها :




    (( سلام على أهل طاعة الله ... اللذين يحكمون بما أنزل الله ، ولا يسفكون دما حرام ، ولا يعطلون لله أحكاما ، وبعد :
    فإنك مارق عراك ...
    معك عصابة فساق ..
    فإني أحمد الله ... الذي بعثني لمنازلتك ...
    وقواني على محاربتك ... )) .




    وحالف النصر (ابن الأشعث) في جولاته الأولى مع الحجاج ، واضطرب أمر العراق وسقطت البصرة في أيدي الثوار، غير أن الحجاج نجح في أن يسترد أنفاسه ، وجاء المدد من دمشق وواصل قتاله ضد ابن الأشعث ، ودارت معارك طاحنة حسمها الحجاج لصالحه ، وتمكن من سحق عدوه في معركة (دير الجماجم) سنة (83 هـ = 702م) ، والقضاء على فتنته.

    وقد سميت بـ(دير الجماجم) : لكثرة ما امتلئت به من جماجم القتلة ، بعد هذه المعركة الفاصلة .. حيث أن الحجاج بعد نهاية المعركة ، قتل الأسرى جميعهم .

  4. #3

    الحجاج والفتوحات الإسلامية :






    تطلع الحجاج بعد أن قطع دابر الفتنة ، وأحل الأمن والسلام إلى استئناف حركة الفتوحات الإسلامية ... التي توقفت بسبب الفتن والثورات التي غلت يد الدولة ، وكان يأمل في أن يقوم الجيش الذي بعثه تحت قيادة (ابن الأشعث) بهذه المهمة ، وكان جيشا عظيما أنفق في إعداده وتجهيزه أموالا طائلة حتى أُطلق عليه جيش الطواويس ، لكنه نكص على عقبيه وأعلن الثورة ، واحتاج الحجاج إلى سنوات ثلاثة حتى أخمد هذه الفتنة .

    ثم عاود الحجاج سياسة الفتح ، وأرسل الجيوش المتتابعة ، واختار لها القادة الأكفاء ، مثل (قتيبة بن مسلم الباهلي) ، الذي ولاه الحجاج (خراسان) سنة (85هـ = 704م) ، وعهد إليه بمواصلة الفتح وحركة الجهاد .... فأبلى بلاء حسنا ، ونجح في فتح العديد من النواحي والممالك والمدن الحصينة ، مثل ( بلخ ، وبيكند ، وبخارى ، وشومان ، وكش ، والطالقان ، وخوارزم ، وكاشان ، وفرغانه ، والشاس ، وكاشغر ...الواقعة على حدود الصين المتاخمة لإقليم ما وراء النهر) ، وانتشر الإسلام في هذه المناطق ، وأصبح كثير من مدنها مراكز هامة للحضارة الإسلامية مثل (بخارى وسمرقند) .




    وبعث الحجاج بابن عمه (محمد بن القاسم الثقفي) لفتح بلاد السند ، وكان شابا صغير السن لا يتجاوز العشرين من عمره ، ولكنه كان قائدا عظيما موفور القدرة ، نجح خلال فترة قصيرة لا تزيد عن خمس سنوات (89-95هـ = 707-713م) ... في أن يفتح مدن وادي السند ، وكتب إلى الحجاج يستأذنه في فتح (قنوج) أعظم إمارات الهند ... التي كانت تمتد بين السند والبنغال ، فأجابه إلى طلبه وشجعه على المضي ، وكتب إليه أن (( سر فأنت أمير ما افتتحته)) ، وكتب إلى قتيبة بن مسلم عامله على خراسان يقول له (( أيكما سبق إلى الصين فهو عامل عليها )) .

    وكان الحجاج يتابع سير حملات قادته يوفر لها ما تحتاجه من مؤن وإمدادات ، ولم يبخل على قادتها بالنصح والإرشاد ، حتى حققت هذه النتائج العظيمة ووصلت رايات الإسلام إلى حدود الصين والهند .



















    إصلاحات الحجاج :







    وفي الفترة التي قضاها الحجاج في ولايته على العراق ، قام بجهود إصلاحية عظيمة ، ولم تشغله الفترة الأولى من ولايته عن القيام بها ، وشملت هذه الإصلاحات النواحي الاجتماعية والصحية والإدارية وغيرها ، فأمر بعدم النوح على الموتى في البيوت ، وبقتل الكلاب الضالة ، ومنع التبول أو التغوط في الأماكن العامة ، ومنع بيع الخمور، وأمر بإهراق ما يوجد منها ، وعندما قدم إلى العراق لم يكن لأنهاره جسور فأمر ببنائها ، وأنشأ عدة صهاريج بالقرب من البصرة لتخزين مياه الأمطار وتجميعها لتوفير مياه الشرب لأهل المواسم والقوافل ، وكان يأمر بحفر الآبار في المناطق المقطوعة لتوفير مياه الشرب للمسافرين .

    ومن أعماله الكبيرة بناء مدينة (واسط) بين الكوفة والبصرة ، واختار لها مكانا مناسبا، وشرع في بنائها سنة (83هـ = 702م)، واستغرق بناؤها ثلاث سنوات، واتخذها مقرا لحكمه.

    وكان الحجاج يدقق في اختيار ولاته وعماله ، ويختارهم من ذوي القدرة والكفاءة ، ويراقب أعمالهم ، ويمنع تجاوزاتهم على الناس ، وقد أسفرت سياسته الحازمة عن إقرار الأمن الداخلي والضرب على أيدي اللصوص وقطاع الطرق .

    ويذكر التاريخ للحجاج أنه ساعد في تعريب الدواوين ، وفي الإصلاح النقدي للعملة ، وضبط معيارها ، وإصلاح حال الزراعة في العراق بحفر الأنهار والقنوات ، وإحياء الأرض الزراعية ، واهتم بالفلاحين ... وأقرضهم ، ووفر لهم الحيوانات التي تقوم بمهمة الحرث ، وذلك ليعينهم على الاستمرار في الزراعة.



    ومن أجلِّ الأعمال التي تنسب إلى الحجاج اهتمامه بنقط حروف المصحف ، وإعجامه بوضع علامات الإعراب على كلماته ، وذلك بعد أن انتشر التصحيف ، فقام (نصر بن عاصم) بهذه المهمة العظيمة ، ونُسب إليه تجزئة القرآن ، ووضع إشارات تدل على نصف القرآن وثلثه وربعه وخمسه ، ورغّب في أن يعتمد الناس على قراءة واحدة ، وأخذ الناس بقراءة عثمان بن عفان ، وترك غيرها من القراءات ، وكتب مصاحف عديدة موحدة وبعث بها إلى الأمصار .





































    الحجاج وسيرته









    (( كان الحجاج داهية من دواهي العرب .. ومن أذكى العرب ، يتوقد ذكاءا ونباهة وفراسة ))





    ..............................................

    يروى أنه أثناء قتاله مع (ابن الجارود) .. كاد (ابن الجارود) أن يهزم جيش (الحجاج) ، فأرسل إلى الحجاج بـ رسول يقول له :
    (( ياحجاج .. سلم نفسك ، ولك الأمان)) .
    فلما خرج رسول (ابن الجارود) صاح (الحجاج) في جيشه وقال :
    -( ماذا يريدون مني ..
    يريدون مني أن أؤمن *ابن الجارود* ...
    يا هذا .. قل له إن هذا لن يكون ... )
    .
    فدبت الحماسة بين رجال الحجاج وقالوا (( أوشكنا على النصر ))
    فتحولت المعركة من الهزيمة إلى النصر
    .
    .................................................. .......


    ويروى أيضا : أن الحجاج صعد المنبر مرة ليخطب الجمعة وقبل أن يشرع في الخطبة .. انتقض وضوءه ، وخشي الحجاج أن يعير بها ، إن أخبرهم بانتقاض وضوءه ، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه :
    (( بلغني أنكم لا تحسنون الوضوء ، وقد نويت أن أعلمكن وضوء النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ، يا غلام .. ائتين بالطست والماء لأعلمهم كيف كان الرسول (عليه الصلاة والسلام) يتوضئ )) .

    .................................................. ...............



  5. #4

    (( كان الحجاج كريما ))



    ومن أقوله " البخل على الطعام ... أقبح من البرص على الجسد "





    .................................................. .................


    ولما ولي العراق .. كان يطعم في كل يوم على ألف مائدة ، يجنمع على كل مائدة عشرة أنفس ، ويرسل الرسل إلى الناس : " إلي أيها الناس هلموا إلى الغداء " .
    وإذا غربت الشمس : " أيها الناس هلموا إلى العشاء " .
    وخطب مرة في الناس وقال :
    (( رسلي إليكم الشمس .. إذا طلعت فتعالوا للغداء ، وإذا غربت فتعالوا للعشاء )) .


    .................................................. ..





















    (( كان الحجاج .. يعفو عند المقدرة ، ...... أحيانا !! ))






    .............................................


    أمر مرة بقتل رجل ، فقال الرجل : " يا أمير .. أسئلك بالذي أنت غدا بين يديه ، أذل موقفا مني بين يديك ، إلا عفوت عني " .
    فقال الحجاج : (( عفوت عنك )) .

    .............................................


    خرج الحجاج مرة للصيد ، وكان قد انفرد وحده بأعرابي ، فسأله الحجاج :
    (( أيها الرجل .. أخبرني عن حال أهل المدينة )) .
    فقال الرجل :
    (( بشر حال )) .
    قال الحجاج :
    (( لما .. )) .
    فقال الرجل :
    (( نزل بالمدينة الظلوم الغشوم )) .
    سأله الحجاج :
    (( من ؟؟؟ ، ... تقصد الحجاج )) .
    أجاب الرجل :
    (( نعم ..)) .
    فقال الحجاج :
    (( أخبرني عن سيرة هذا الأمير)) .
    فقال الرجل :
    ((ظلوم .. غشوم .. لا حياه الله )) .
    فقال الحجاج :
    (( لو شكوتموه إلى أمير المؤمنين .. )) .
    فقاطعه الرجل قائلا :
    (( هيهات ... إن *عبد الملك* أظلم منه ، لعنه الله )) .
    فقال الحجاج :
    (( هكذا ..)) .
    فقال الرجل :
    (( أي نعم .. أغريب أنت لا تعرف .. )) .
    وحين أمر الحجاج بالقبض على الرجل ، قال الرجل :
    " يا حجاج .. السر الذي بيني وبينك ، أحب ان يكون مكتوما "
    فضحك الحجاج .. وعفى عنه .

    .................................................. .....






























    (( كان الحجاج يحب أهل العلم واللغة والفصاحة ))







    ....................................


    ذات يوم .. كان يجالس (الغضبان بن القبعثري) وسأله الحجاج :

    " يا غضبان ... من أكرم الناس " ؟

    فقال (الغضبان) :

    " أفقههم في الدين ، وأصدقهم في اليمين ، وأكرمهم للمهانين ، وأطعمهم للمساكين "

    فقال (الحجاج) :

    " ومن ألئم الناس " ؟

    رد (الغضبان) "

    " الرجل اخوان .. كاره الإخوان ، المتلون بعدة ألوان" .

    فقال (الحجاج) :

    " فمن أشجع الناس " ؟

    أجاب ( الغضبان ) :

    " أضربهم بالسيف .. وأكرمهم للضيف ، وأبعدهم عن الظلم " .

    فقال (الحجاج) :

    " فمن أجبن الناس " ؟

    قال (الغضبان) :

    " المتأخر عن الصفوف .. المرتعش عند الوقوف ... الكاره لضرب السيوف " .

    فقال (الحجاج) :

    " ومن خير الناس " ؟

    رد (الغضبان) :

    " أكثرهم احسانا .. وأعدلهم ميزانا .. وأوسطهم ميدانا .. وأدومهم غفرانا " .


    وكان الحجاج قد أحسن تشييد قصره وصنع فيه قبة عظيمة ، فقال الحجاج :

    " انظر إلى هذه القبة .. فصفها لي " ؟ .

    فرد (الغضبان) :

    " لا تدوم لك ولا لولدك .. بنيتها في غير بلدك ، والملك كله لله "

    فغضب (الحجاج) وأمر بإدخاله السجن ..
    ولما حمله الجنود .. أخذوا يسحبونه إلى السجن فقال معلقا :

    " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين " .

    فقال (الحجاج) :

    " أنزلوه " .

    فقال الغضبان :

    " ربي أنزلني منزل مباركا وأنت خير المنزلين " .

    فقال الحجاج :

    " ألقوه على الأرض " .

    فلما ألقوه قال :

    " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى " .

    فقال الحجاج :

    " جروه من قدميه إلى السجن "

    فقال الغضبان :

    " بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم " .


    فقال الحجاج :

    (( أطلقوا صراحة قد عفوت عنه ، فقد غلبني بصبره وذكاءه )) .


    .................................................. ............



    حكي أنّ الحجاج أمر صاحب حراسته .. أن يطوف بالليل ، فمن وجده بعد العشاء ضرب عنقه ، فطاف ليلة فوجد صبيان يتمايلان ، وعليهما أثر الشراب ، فأحاط بهما وقال لهما من أنتما حتى خالفتم الأمير، فقال الأول :




    أنا إبن من دانت الرقــــاب له ــــــــــــ ما بين مخزومهــا وهاشمهـــا

    فيأخذ من مالهــــا ومن دمها ــــــــــــ تأتيــــه بالرغم وهي صاغرة





    فأمسك عن قتله وقال : لعله من أقارب أمير المؤمنين ، وقال الثاني :



    أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قـدره ـــــــــــــ وإن نزلت يوما فسوف تعـــود

    ركاباه لا تنفك رجـــلاه منهما ــــــــــــــ اذا الخــيل في يوم الكريهة ولت



    فأمسك عن قتله وقال : لعله من شجعان العرب ، فلما أصبح رفع أمرهما إلى الحجاج فأحضرهما وكشف حالهما ، فإذا الأول إبن حجام ، والثاني إبن فوال ، فتعجب من فصاحتهما ، وقال لجلسائه : " علّموا أولادكم الأدب فوالله لولا فصاحتُهم لضربت عنقيهما " ، ثم أطلقهم وأنشد :



    كن إبن من شئت وإكتسب أدبـــا ـــــــــ يغنيك محموده عن النســـــــب

    إن الفتى من يقـــول هــــــا أنذا ــــــــــــ ليس الفتى من يقول كان أبــــي


    .................................................. ..






    اخر تعديل كان بواسطة » باري في يوم » 26-10-2006 عند الساعة » 20:46

  6. #5

    (( كان الحجاج يحب الصدق ... ويكره الكذب والخيانة )) .



    ......................................


    جيئ إلى (الحجاج) بأسيرين ... من أصحاب ( ابن الأشعث ) ، فقال (الحجاج) :

    " اقتلوهما ... " .

    فقال الأول :

    " يا حجاج .. أتقتلني ولي عليك يد " .

    فقال الحجاج :

    " أنا لا أعرفك .. " .

    فقال :

    " ذكر ابن الأشعث يوما أمك بسوء .. فرددت عليه " .

    قال الحجاج :

    " ومن يشهد لك .. " .

    قال الأول :

    " صاحبي هذا .. " .

    فقال الثاني :

    " أقسم بالله على هذا .. " .

    فقال له الحجاج :

    " ولماذا لم ترد عليه ... عندما وقع في أمي .. كما رد صاحبك " .


    فقال الثاني :

    " لأني أكرهك .. " .

    فقال الحجاج :

    (( أطلقوا صراح الأول ... لفعله ، والثاني .. لصدقه )) .

    .................................................. ..

























    (( كان الحجاج غيورا ))



    وقال عن نفسه : " إني انا الغيور ابن الغيور " .


    .................................................. .


    عندما انتصر في معركة الزاوية ودخل إلى العراق ، حذر الجيش وقال :

    " لا يدخل رجل منكم بيت امرأة .. إني انا الغيور ابن الغيور " .

    ........................................

    ويروى أن : ابن أخيه .. كان حاكما بواسط ، وكان قد أغرم بامرأة .. فمنعته نفسها ، ولما ألح .. قتله اخوتها ، فلما تبين الحجاج ذلك أهدر دمه وقال :

    " هو هدر .. لا يقتل فيه أحد " .

    ........................................

















    (( كان الحجاج لا يشرب الخمر))


    ..................................

    ذكر ابن كثير : أن الخليفة عزم على الحجاج بكأس نبيذ ، فأبى وقال :
    " إني أنهى أهل عملي عن الخمر ، ولا أريد أن أخالف ما أنهى عنه " .

    .............................




















    (( كان الحجاج واعظا ... )) .




    وقال عنه سيد الواعظين في زمانه الحسن البصري :

    " لقد وقظتني كلمة .. سمعتها من الحجاج "



    .......................................


    ومن وعظه قوله :



    " ما رأيت الله خلف أحدا .. إلا ابليس عليه لعنة الله ، فقال له .. إنك من المنظرين ، وكل حي منكم ميت ، وكل رطب يابس .. ثم ينقل في أكفانه فيدفن ، فتأكل الأرض لحمه .. وتمص صديده ، ثم يأتي أخبث أولاده .. ليقسم الخبيث من ماله ، إن اللذين يعقلون ... يفهمون ما أقول " .

    ...............................................

  7. #6

    وفاة الحجاج







    (( اللهم لا تسلطه على أحد .. يقتله بعدي ))








    (الحجاج) بلغه كلام عن (سعيد ين جبير) .. استنكره ، فأرسل إليه .. وعندما دخل (سعيد بن جبير) على (الحجاج) ، قال له (الحجاج) مقللا من شأنه :

    " ما اسمك يا هذا " ؟

    فرد (سعيد) :

    " أنا سعيد بن جبير " .

    فقال (الحجاج) ساخرا :

    " بل أنت الشقي بن كسير "

    فرد (سعيد) :

    " أمي أعلم بإسمي منك .. فهي التي اختارته لي " .

    فقال (الحجاج) متوعدا :

    " لأبدلنك بالدنيا .. نارا تلظى " .

    فرد (سعيد) :

    " لو أني أعلم أن ذلك بيدك .. لاتخذتك إله ، لكن الأمر كله بيد الله " .

    فقال الحجاج :

    " فما تقول في الخلفاء "

    فقال (سعيد) :

    " لست عليهم بوكيل كل امرء بما كسب رهينة"

    فقال (الحجاج) :

    " فأيهم أعجب إليك " .

    قال (سعيد) :

    " أعجبهم عندي ارضاهم لخالقه " .

    فقال الحجاج :

    " فأيهم ارضى لخالقه " .

    فقال (سعيد) :

    " علم ذلك عند ربي يعلم سرهم ونجواهم " .

    فساله (الحجاج) :

    " فاي رجل أنا يوم القيامه " ؟ .

    قال (سعيد) :

    " ومن أنا حتى أعلم الغيب .. إنني أهون على الله من أن يطلعني على غيبه " .

    فقال (الحجاج) :

    " يا سعيد .. إنك تكذبني ولا تصدقني ، الويل لك يا سعيد " .

    فقال (سعيد) :

    " الويل لمن زحزح عن الجنة ، وأدخل النار " .

    فقال (الحجاج) :

    " اختر يا سعيد .. اختر أي قتلة تريد أن اقتلك بها " ؟ .

    فقال (سعيد) :

    " بل اختر أنت لنفسك .. اختر أنت لنفسك يا حجاج القتلة التي تريدها ، فوالله ما تقتلي قتلة في الدنيا .. إلا قتلك الله بها في الآخرة " .

    فقال الحجاج :

    " أخرجوه .. " .


    فلما أخرجوه من الباب .. ضحك سعيد ، وبدت على وجهه علامات الإستفهام ، فأخبروا الحجاج فاستدعاه ، وقال :

    " ما يضحكك يا سعيد " ؟

    فقال (سعيد) :

    " أعجب من جرأتك على الله ، ومن حلم الله عليك " !! .

    فأمر (الحجاج) بقتله

    وطلب سعيد أن يصلي ركعتين ودعى في صلاته :

    " اللهم لا تسلطه على أحد .. يقتله بعدي "






    ولم يعش (الحجاج) بعد مقتل سعيد .. إلا أربعين يوما .







    مرض الحجاج : مرض مرضا شديدا أصيب بعده بما يعرف الآن ( سرطان المعدة ) .







    وشاع بين الناس أنه مات ، فقام وخطب في الناس .. وكان مما قاله :



    " إن طائفة من أهل الشقاق والنفاق .. قالوا مات الحجاج ، فهل يرجوا الحجاج الخير إلا بعد الموت " .










    وبينما (الحجاج) في سكرات الموت ، دخل عليه (أبو المنذر يعلى) وقال له :

    " كيف ترى ما بك يا حجاج من سكرات الموت " ؟ .

    فأجاب الحجاج :

    " غما شديدا .. جهدا جهيدا .. وألما مضضا .. وسفرا طويلا ... وزادا قليلا ... ، فويلي .. وويل أمي إن لم يرحمني الجبار " .

    فقال (يعلى) :

    " يا حجاج .. إنما يرحم الله من عباده الرحماء ، الكرماء .. أولي الرحمة والرأفة والتعطف على خلقه ، أشهد أنك قرين فرعون وهامان لسوء سيرتك ، قتلت صالحي الناس .. فأفنيتهم ، وأدبرت عطرة التابعين فبترتهم ، وأطعت المخلوق .. في معصية الخالق ، وهرقت الدماء .. فلا الدين ابقيت ، ولا الدنيا أدركت .. أعززت بني مروان وأذللت نفسك ، وعمرت دورهم .. وخربت دارك ، فاليوم لا ينجونك .. ولا يغيثونك ، ولقد كنت لهذه الأمه .. اهتماما واغتماما وعناءا وبلاءا ، فالحمد لله .. الذي أراحها بموتك ، وأعطاها مناها بخزيك " .





    فسكت (الحجاج) وتنفس الصعداء ، وخنقته العبرة .. ثم رفع رأسه وأنشئ يقول :




    ربي إن العباد قد أيئسوني ...
    ورجائي لك الغداة عظيم ...
    يا ربي قد حلف العباد واجتهدوا ..
    أني رجل من ساكني النار ...
    أيحلفون على عمياء ويحهم ..
    ما علمهم بعظيم العفو غفار ...



    اللهم اغفر لي ــــــــــــــ فإن الناس يزعمون أنك لا تغفر
    اللهم اغفر لي ــــــــــــــ فإن الناس يزعمون أنك لا تغفر
    اللهم اغفر لي ــــــــــــــ فإن الناس يزعمون أنك لا تغفر




    وأخذ يكررها حتى مات .




    وكان موته : ليلة السابع و العشرين من رمضان عام ( 95هـ ) .




    ولما مات خرجت جارية تصرخ وتقول :



    ألا إن مطعم الطعام ...
    وميتم الأيتام ...
    ومرمل النساء ...
    ومفلق الهام ...
    وسيد أهل الشام .. قد مات ...



    فاليوم يرحمنا .. من كان يبغضنا
    واليوم يأمننا ... من كان يخشانا



    و دُفن في قبر غير معروف في واسط ، فتفجع عليه (الوليد) ، و جاء إليه الناس من كل الأمصار يعزونه في موته ، وكان (الوليد) يقول :
    " كان أبي يقول أن الحجاج جلدة ما بين عينيه ، أما أنا فأقول أنه جلدة وجهي كله " .
    وما لبث بعده في الدنيا سوى ثمانية اشهر ومات ...





    أما (عمر بن عبد العزيز ) فلما علم : (( سجد شكرا لله )) ، وكذلك (الحسن البصري) .





    ولم يترك الحجاج بعد موته سوى : ثلاثمائة درهم ومصحفا وسيراجا ورحلا ومئة درع موقوفة لله عز وجل .




    وحين تولى (سليمان بن عبد الملك ) : وأطلق من سجون الحجاج واحد وثمانين ألف مسلم منهم ثلاثين الف امرأة .








    قال عنه الإمام الذهبي : كان الحجاج (( ظلوما .. غشوما ... جبارا .. خبيثا .. سفاكا للدماء ، وكان ذا شجاعة .. واقدام .. ومكر .. ودهاء ... وفصاحة ... وبلاغة ... وتعظيم للقرآن )) .

    ثم قال : " ونحن نسبه .. ولا نحبه ، بل نبغضه في الله .. فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان ، وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه ، وأمره إلى الله .. وله توحيد في الجمله ، ونظراء من ظلمة الجبابرة والأمراء " .





    وذكر الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء :

    " كان عند رأس المئة الأولى من هذه الملة .. فتنة الحجاج " .

    اخر تعديل كان بواسطة » باري في يوم » 26-10-2006 عند الساعة » 20:55

  8. #7
    شكرا لك وبارك الله فيك أخي شكرا لك على المعلومات الرائعة والمفيدة
    ههه والظاهر أنه لا أحد يقرأا لتاريخ بالمنتدى لأني وضعت قبل كذا مواضيع تاريخية وما كانت تلقى إلا الردين او الثلاثة بالكثير شكرا لك
    attachment]
    تسلم اخي هشام رجب على التوقيع

  9. #8
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    ما أجمل موضوعك هذا .. شكرا جزيلا لك اخي العزيز باري على موضوعك الرائع ..

    حول هذا الجبار السفاح الذي أراق من الدماء ما نعلم وما لا نعلم !!!

    --------------------------------------------------------

    الحجاج بن يوسف الثقفي ..

    هذا الامير الغامض الذي أحسنت بوصفه بالـ ( رمادي )

    فلا نكاد نحبه لما قام به من أفعال خير حتى نبغضه لما قام به من افعال شر ..

    لقد سفك كثيرا من الدماء .. وقتل كثيرا من العلماء .. وله في التعذيب والقتل طرق لم تـُعرف في ذلك الوقت ..

    كما انه استباح حرمة بيت الل الحرام .. ورمى الكعبة بالمنجنيق .. وقتل عبد الله بن الزبير .. وقطع رأسه .. ثم

    صلبه .. فيالهذا الفعل الشنيع dead

    وفي نفس الوقت قام بعدد من الفتوحات الاسلامية .. ومن أعمال البناء والاصلاح في العراق .. وأطعم الطعام .. وعاش الناس في عهده في أمان واطمئنان .. فكانت المرأة تنام في بيتها وبابها مفتوح .. فلا يجرؤ أحد على الدخول إليها ..

    وكان إذا سقط منك شيء في الطريق فارجع أدراجك للبحث عنه فلا أحد سيستطيع ان يحمله ..

    ----------------------------------------------------------

    لكن هذا الامان في عهده لم يكن بسبب عدله وحب الناس له .. بل بسبب قسوته وأخذه بالظنة .. rolleyes

    وكأن الغاية بالنسبة له تبرر الوسيلة ..

    فالله أعلم .. كيف سيكون مصيره .. لأن حسابه عند الله ..

    --------------------------------------------------------------

    وأذكر أنه قال في أواخر أيامه ..

    إن ذنبي ثقل السوامات والأرض وظني بخالقي أن يحابي

    إن مر بالعفو فذاك ظني .. ولإن مر بالكتبا عذابي

    لم يك ذاك منه ظلماً .. وهل يظلم رب ؟ يرجى لحسن مآب


    -------------------------------------------------------------------

    فإن عذبه الله فهو يستحق ذلك .. وإن عفا عنه فذلك من رحمته التي وسعت كل شيء .. smile

  10. #9
    بار الله فيك اخي باري
    وجزاك الله خيرا على الموضوع الكشخة
    وبالتوفيق اخي في باقي مواضيعك المتميزة
    attachment

  11. #10

    السلام عليكم


    وأهلا بالجميع ^_^





    المستعصم بالله




    والظاهر أنه لا أحد يقرأا لتاريخ بالمنتدى لأني وضعت قبل كذا مواضيع تاريخية وما كانت تلقى إلا الردين او الثلاثة بالكثير شكرا لك



    خلاص نبقى نحاول نغير من طريقة العرض .. يمكن نجذب الأعضاء أكتر ،
    والأهم انه عجبك
    وشكرا على مرورك ^_^ .







    أنـس


    أهلا بالأخ الغالي ^_^




    فلا نكاد نحبه لما قام به من أفعال خير حتى نبغضه لما قام به من افعال شر ..



    هذا الشعور يلازمني معه دائما ، أعجب به .. وأكرهه ،وأحيانا أحبه
    لكن حين أقارنه بأي طاغية غيره ... أجده الأفضل .




    وكأن الغاية بالنسبة له تبرر الوسيلة ..



    أعتقد أنه فعلا المبدأ الذي انتهجه
    فهو كان يرى من وجهته أن (عبد الله بن الزبير) خارج على أولي الأمر ، ودون أن يفكر أكثر من هذا انطلق وفعل ما فعل ، وتأتي مشكلته .. أنه ينظر للأمور من الزاوية التي تناسبه هو ، فعفى وقت كان عليه ألا يعفو ، وظلم حين كان عليه أن يعفو ، وقصة الشابين السكارى .. دليل على ذلك .






    وأذكر أنه قال في أواخر أيامه ..


    إن ذنبي ثقل السوامات والأرض وظني بخالقي أن يحابي

    إن مر بالعفو فذاك ظني .. ولإن مر بالكتبا عذابي

    لم يك ذاك منه ظلماً .. وهل يظلم رب ؟ يرجى لحسن مآب





    وإن عفى الله عنه .. فهل يعفوا اللذين ظلمهم ؟؟ !!








    risa harada



    بار الله فيك اخي باري
    وجزاك الله خيرا على الموضوع الكشخة
    وبالتوفيق اخي في باقي مواضيعك المتميزة



    شكرا أختي .. ويسعدني انه عجبك ^_^

  12. #11
    السلام عليكم

    [GLOW]اخي باري[/GLOW]

    أنـس

    أهلا بالأخ الغالي ^_^
    اهلا وسهلا بك اخي العزيز asian

    فلا نكاد نحبه لما قام به من أفعال خير حتى نبغضه لما قام به من افعال شر ..
    هذا الشعور يلازمني معه دائما ، أعجب به .. وأكرهه ،وأحيانا أحبه
    لكن حين أقارنه بأي طاغية غيره ... أجده الأفضل .
    ههههههههههههه فعلا biggrin هو بصراحة شخص حقير وضعيف .. لكن لونه الرمادي يضحكني biggrin

    وحسابه عند ربه .. sleeping

    وكأن الغاية بالنسبة له تبرر الوسيلة ..
    أعتقد أنه فعلا المبدأ الذي انتهجه
    فهو كان يرى من وجهته أن (عبد الله بن الزبير) خارج على أولي الأمر ، ودون أن يفكر أكثر من هذا انطلق وفعل ما فعل ، وتأتي مشكلته .. أنه ينظر للأمور من الزاوية التي تناسبه هو ، فعفى وقت كان عليه ألا يعفو ، وظلم حين كان عليه أن يعفو ، وقصة الشابين السكارى .. دليل على ذلك .
    هذا دليل على ضعفه .. وهنا نطرح تساؤلا .. لماذا اشتد الحجاج في توطيد اركان بني امية ؟ وبذل كل تلك المجهدات في سبيل الفتوحات الاسلامية وتوسيع رقعة الدولة ؟

    هل كان يريد نصر الدين حقا ؟ أم لأسبابه الشخصية ؟ confused

    وأذكر أنه قال في أواخر أيامه ..

    إن ذنبي ثقل السوامات والأرض وظني بخالقي أن يحابي

    إن مر بالعفو فذاك ظني .. ولإن مر بالكتبا عذابي

    لم يك ذاك منه ظلماً .. وهل يظلم رب ؟ يرجى لحسن مآب
    وإن عفى الله عنه .. فهل يعفوا اللذين ظلمهم ؟؟ !!
    تساؤل مهم .. جـــــــــــداً rolleyes gooood

    حتى لو عفا الله عن ذنوبه الذي ارتكبها في حقه ..

    إلا ان الذنوب المرتكبة في حقوق الناس تبقى منوطة بهم rolleyes

    لهذا فإن الظلم ظلمات يوم القيامة dead

  13. #12
    ايها الكاتب المسلم هل قرات القران

    قالله الله تعالى (.. ومن قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ..))

    القاتل يبقى قاتلا ومجرما ويجب ان يقام عليه الحد واذا كنا مسلمين لماذا لا نرجع الى القران

    ونقرا قوله تعالى
    .... وبشر القاتل بالقتل .......

    وقوله تعالى ... ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب .....


    واحب ان اشير الى مسالة .... قال الامام علي .. رضي الله عنه .. اطلبوا الرجال في الحق ولا تطلبوا الحق في الرجال ...
    اخر تعديل كان بواسطة » ياقوت في يوم » 01-11-2006 عند الساعة » 11:56

  14. #13
    بارك الله فيك على مجهودك
    وشكرا على الموضوع القيمgooood

  15. #14
    شكرا ، وأنتظر مواضيع أخرى ذي دي


    تحياتي

    الأفعى
    attachment

  16. #15
    ماشاء الله الموضوع مـــــــــــــــــــــــــره حلوى

    تسلمي gooood
    420a0627b171ca5f3697fa89d07ec58a
    شكرا على التصميم الخورافي (بِشْر )peach

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter