بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
<<<قصة الفيتامينات>>>
لقد ظل علم التغذية مدة طويلة من الزمن وهو يؤمن بنظريات خاطئة عن الدور الحقيقي الذي يلعبه الغذاء في حياة الإنسان ... كما كانت هناك حقائق أساسية ظلت خافية, حتى مطلع هذا القرن, عن العلماء والأطباء, فكان ذلك سببا في شعور الحيرة الذي كان الطبيب (القديم) يواجه به أحد الأمراض, حين يروح – عبثا – البحث عن أسبابه دون أن يخطر له السر الحقيقي على بال.
لم يكن يخطر للأطباء – آنذاك – أن بعض مظاهر الضعف والمرض التي يرونها في مرضاهم لا تعود إلى مرض معين من الأمراض المعروفة, وإنما إلى نقص عنصر – أو عناصر – هي التي تزود الجسم بحاجته من أسباب الحياة.
هذه العناصر التي نسميها اليوم بــ((الفيتامينات)) لم تكن, إذ ذاك, معروفة للأطباء, وما كان يدور في بخيالهم أن نقصها, أو اختلال توازنها, هو السبب فيما يرون من مظاهر المرض الغامضة عليهم.
نحن نعلم بأن الجسم بحاجة إلى ثلاثة عناصر أساسية للتغذية هي:
الزلاليات أو الآحينيات, والأدهان أو الشحوم, وماءات الفحم (النشويات) والسكاكر بالإضافة إلى الملح والماء .. هذه المواد تؤمن توليد الحرارة, وإمداد العضلات والنسيج بما تحتاجه في تركيبها وأداء رسالتها.
وفي ومطلع القرن العشرين تبين للعلماء أن توفير هذه المواد الأساسية لكائن حي ما .. لا تكفي لإدامة حياته إن لم تمازجها كميات ضئيلة المقادير من الفيتامينات.
والفيتامينات مواد كيماوية ذات نشاط حيوي وفاعلية كبيرة .. وأهمية عظمى, إذ تساعد بل توجه كافة التفاعلات الكيماوية الحيوية التي تتم في داخل الجسم, دون أن تكون طرفا فيها أو مصدرا لتوليد الطاقة بها. والشمس هي المصدر الرئيسي الذي يمد الإنسان بالطاقة, ولبكننا لا نستطيع استخدام هذه الطاقة مباشرة...بل نتناولها مهيأة مقننة عن طريق النبات.
إن خلايا النبات هي التي تستطيع استغلال حرارة الشمس وضوئها في بناء عناصر تأخذها من التربة والهواء لتكوين الثلاثة المواد الرئيسية الحاوية للطاقة والمغذية للحيوان والإنسان ... الآحينيات , والشحوم وماءات الفحم. ولو انطلقت هذه الطاقة الهائلة دفعة واحدة, أي لو تفجرت ذرات هذه المواد دون رادع أو كابح لاحترق الجسم وتفحم, لذلك يتم تحرير الطاقة تدريجيا بسلسلة طويلة من التفاعلات المتتالية, وفي كل منها ينطلق جزء يسير, ويختزن الزائد من أعضاء الجسم للانطلاق عند الحاجة كالبطاريات الملجومة.
فالفيتامين بلعب دورا هاما في عمليات التمثيل الغذائي للحيوان والإنسان, من الجرثوم إلى الفيل إلى الإنسان.
إن تناول مركبات السلفا لقتل بعض الميكروبات, هي عملية خداع للميكروبات ... لأن تركيب السلفا شبيه إلى حد ما بتركيب أحد الفيتامينات فتلتهمها الجراثيم على انها فيتامين , وبذلك يتعطل نموها مما يتيح الفرصة للجسم كي يجهز عليها.
إن وظيفة الفيتامينات ناظمة للتبدلات والتطورات الغذائية , تساعد على استخلاص ما في الغذاء من قدرة وحيوية تختزن داخل الجسم لحين العوز, وقد لا تظهر عوارض العوز إلا بعد مضي أسابيع أو أشهر.
والمصدر الأساسي والنبع الحقيقي للفيتامينات هو النبات. وبتدارك الإنسان حاجته من الفيتامينات إما عن طريق الأغذية النباتية أو عن طريق الحيوان الذي يتغذى على النباتات. إذ لا يستطيع الإنسان فبركة الفيتامينات تلقائيا في جسمه إلا مقادير قليلة من الفيتامين (د-D) التي ينتجها الجلد بتأثير الأشعة الشمسية. وقليل من الفيتامين تنتجه الجراثيم العاطلة الساكنة في أمعائه.
كان الناس في القديم يجنحون إلى تناول النشويات (ماءات الفحم) والزلاليات (الآحينيات) .. والشحوم كمصادر للطاقة والتغذية, وكانوا يعدون الفاكهة ترفا ولذلك سميت فاكهة للتفكه والتسلية, ولكنهم كانوا يتعرضون للإصابة بمرض (الحفر) ويسمى عند المصريين بــ(الإسقربوط) فتظهر أعراضه على عدد كبير من الناس في أواخر الشتاء , لانقطاع صلتهم عن الفاكهة والخضار واقتصار طعامهم على اللحوم أو في أيام الحروب والحصار, وتتلخص الأعراض في تخلخل الأسنان, وتورم اللثة, ونزف الدم منها, وانفجار الأوعية الدموية تحت الجلد, وظهور واحات زرقاء تحت الجلد مما يدل على هشاشة الأوعية, والخمول العام وانعدام الشهية.
وكان القرن السادس عشر هو العصر الذهبي للأسفار والرحلات والاكتشافات الجديدة التي قام بها الفلاحون المعروفون , ولعل الكثيرين قرأوا بشغف جانبا من مغامراتهم, ولكن قلة من الناس من يعرف أن (فاسكو دي جاما) فقد مئة رجل من مجموع بحارته الذين بلغ عددهم مئة وستين في رحلته حول رأس الرجاء صالح, وأن (ماجلان) فقد تسعة أعشار رجاله أثناء رحلته بسبب (إصابة اللثة بتورم والتهاب شديدين حال بينهم وبين الطعام , فماتوا جوعا).
لقد كان هؤلاء الرحالة يختارون من بين أقوى الرجال, وأكثرهم شجاعة وإقداما, وكانوا يتزودون من لحوم العجول المحفوظة أو المملحة, والخبز أو البسكويت, وكان يندر أن يأخذوا معهم فاكهة أو خضار , وإن تزودوا بها, تزودوا بكميات قليلة جدا, ولم يكن ينقضي شهران أو ثلاثة أشهر حتى يقع الفلاحون فريسة للمرض, ولا يلبثوا أن يموتوا عدا قلة ضئيلة منهم.
المفضلات