الواقعية هي " عكس صورة المجتمع في شكل عمل فني معين ".
مشكلة الواقعية أثناء تطبيقها أنها لا تخرج للناس إلا السلبيات أو الأشخاص المريضين ، وسأضرب لكي ثلاثة أمثلة الأول خليجي والثاني عربي والأخير هليوودي.
لنبدأ بالخليجي ولنأخذ مثلا ً مسلسل " حكم البشر " في هذا العمل يريكي كيف أن الشخص الأجنبي المتجنس بجنسية البلد الذي يقيم بها أو الذي أمه ليست من نفس جنسية بلد أبنها ( سعاد عبدالله في دور المصرية زوجة الرجل القطري ) سلط الضوء على هذا الموضوع بشكل جيد وتطرق لمواضيع اخرى ، وهذا شيء موجود في المجتمع.
العمل العربي هو مسلسل " ذكريات الزمن القادم " تريكي الغيرة وما تفعله بالأخوة الأشقاء ، فكيف بأصدقاء العمر ، كيف تتحول الغيرة الى حقد مزمن مرير يتحكم في صاحبه ، وهذا شيء أيضا ً موجود في المجتمع.
الهلوودي هو فيلم " سائق الأجرة - Taxi Driver " من بطولة روبرت دنيرو و هارفي كاتيل و جودي فوستر ومن أخراج مارتين سكورسيزي ، مارتين في هذا الفيلم يسلط الضوء على سائق اجرة يعمل في مدينة نيويورك بعد أن عاد من حرب فيتنام ، ليجد أن البلد التي قاتل للدفاع عنها لم تعد تهتم إلا بتجارة الدعارة والمخدرات والقمار وتكويت عصابات في الاحياء الصغيرة والترويج للأفلام الجنسية ووجود محلات فيديو وسينما لعرضها ، فتحول إلى جرثومة أنتجها المجتمع تسير في الشوارع.
ومع ذلك فهو رجل متناقظ ، فهو على كرهه لهذه الأشياء فهو يذهب يوميا ً للسينما الأباحية ليشاهد الافلام الجنسية ، ويتعاطى المخدرات ، ويتاجر بالأسلحة ، ومع ذلك يظن أنه هو الوحيد الذي يستطيع تطهير نيويورك وامريكا من هذا الفساد ، تماما ً كالأرهابيين الذين فجروا في الرياض ومكة والمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية ، وهذا موجود في المجتمع.
باختصار:أن كل الذين طبقو الواقعية طبقوها على هذا النحو ، ولم يحاولو تجربة الجانب الاخر من الواقعية ، لا نريد أن نظهر حياة الأنسان الروتينية ، ولكن إذا أظهرت شيئا ً سلبيا ً أظهر شيئاً إيجابيا ً بالمقابل ، لكي يعلم المجتمع الذي تتحدث عنه أنه مجتمع لا يزال بخير ، وبعدها يستطيع أن يصحح نفسه بنفسه.
من الأعمال القليلة التي حاولة أن تظهر واقعية ايجابية أن صح التعبير فيلم مفضل عندي وهو فيلم " ملك وكتابة " بطولة محمود حميدة وهند صبري ، هدف الفيلم كان باختصار أن حياة الشخص الروتينية المتكررة دائما ً أمامه بحذافيرها لا تخلو من الجمال ليس أحيانا ً بل غالبا ً، فيلم رائع أنصح بمشاهدته، وهو متوفر في السوق السعودية.
تذوق الجمال المفقود، وزحزحة الضباب الذي حال دون الصور التي ضلت حبيسة العقل يجب أن يكون موجودا ً، قد يقول قائل: " هذا صعب " ولكن الشرود مع النفس وتأمل حياتك والبكاء عليها لما مر منها من ايام جميلة لم تستشعرها يجعلك تغير نظرتك تجاه حياتك، فلنبكي مع انفسنا منذ الأن قبل أن نبكي قبل فوات الأوان.
بالنسبة للمسلسلات الخليجية تحديدا ً ، فأنا أعتقد أن الوحيدة التي تستحق المتابعة هي المسلسلات القطرية ، لما تتميز به من واقعية معقولة ، وعدم تكرار الأفكار المطروحة في كل مرة ، على عكس المسلسلات الكويتية ، فكم مرة رأينا فكرة النزاع الطبقي ، كم مرة رأينا فكرة الابن " الحشاش " في العائلة المرموقة ، كم مرة رأينا فكرة وجود المشعوذين والمشعوذات في المجتمع ، كم مرة رأينا فكرة الابناء الذي يتوفى عنهم والدهم ويجمعون اموالهم في شركة يديرونها كلهم ، رأينا كل هذه الافكار واكثر حتى - ليس التشبع - بل التخمة ، لا أنكر أن هناك كانت مسلسلات رائعة كجرح الزمن ودارة الأيام ، ولكن ما اتى بعدها هو تكرار لها - مع الاسف - على عكس القطرية التي حتى لو خرج مسلسل سيء المستوى فعلى الاقل فكانك شاهت مسلسلا جديدا خالي من الافكار القديمة والمكررة.
السؤال : هل يشترط لنجاح أن عمل واقعي - سواء تلفزيوني أو سينيمائي أو مسرحي - أن تكون واقعيته سوداوية ، أو أن تعالج بطريقة سوداوية ؟
لن أذهب بعيدا ً في فيلم كالجمال الأمريكي لكيفين سبيسي أو السفارة في العمارة لعادل أمام أو حتى حلقات طاش ما طاش الأخيرة مثل سور الحريم وسوق الليل وحريم مع وقف التنفيذ ، عالجت هذه الأعمال الواقعية بأسلوب الكوميديا السوداء وكانت ناجحة أيضا ً على عكس صاحبتها الأخرى التي قد تقابل بالرفض في أول صدورها.
عندما نقول أن " الواقعية هي تعرية المجتمع وعكس صورته " هذا يعني أننا إذا سحبنا عينة عشوائية من المجتمع وبدأنا في تعريتها سنجد الكثير من أنواع الأشخاص الصالح والطالح والمتناقض والعادي و.....الخ ، فإذا اصدرنا عملا ً عن هذا الشخص الصالح دون الطالح أصبحت واقعية ناقصة الحقيقة ، أو عن الطالح دون الصالح كذلك ستصبح واقعية ناقصة الحقيقة ، كذلك ينطبق هذا الكلام على الأفلام التي تطرح وجهة نظر ، أحيانا ً يكون من المجدي طرع أكثر من وجهة نظر إذا لم يكن كلها ، هذا يدل أن المجتمع الذي تتكلم عنه يختلف حول هذا الموضوع الذي تطرحه ، أما اقتصارك على وجهة نظر واحدة فهذه أيضا ً واقعية ناقصة الحقيقة.
في فيلم الجمال الأمريكي طرع عده اشخاص مختلفين في المجتمع الأمريكي ولم يقتصر على نوع واحد ، في فيلم السفارة في العمارة طرح كل وجهات نظر المجتمع المصري حول التواجد الإسرائيلي في مصر ، عامة الشعب والأخوان المسلمين والشيوعيين و .... الخ ، وهذا الكلام ينطبق أيضا ً على الفيلم الفلسطيني الجنة الآن.
أن ما يجعل بعض الأشخاص - في نظري - يحنقون على مسلسل طاش ما طاش أو يتحفظون عليه حتى - غير النواحي الفنية أحيانا ً - أنه يصر أحيانا ً على طرح وجهة نظر واحده حول موضوع معين من المفترض أن يطرح وجهات النظر الأخرى حوله ولو في حلقات أخرى ، كذلك أنه يتكلم عن شريحة معينة من الأشخاص دون أن يأتي بنقيضها من المجتمع ولو في حلقات أخرى ، اليست هذه واقعية ناقصة الحقيقة ؟ مثلا ً عندما تكلموا عن موضوع السعوديين أو الشاب السعودي الذي يسافر خارج المملكة ، دائما يسافر "للسربته " الى ان اصبع البعض يضن أن الشباب كلهم كذلك ، لماذا لم يتكلموا عن الشباب السعوديين الذين كانوا يدرسون في الخارج ثم عانو الويلات بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر مثلا ً ، ألم تكر فكرة في متناول أيديهم ، ولكن " أأسمعت إن ناديت حيا ً ... ولكن لا حياة لمن تنادي ".
لنعود للوراء قليلا ً ، سائق الأجرة و البرتقالية الآلية يتحدثان عن شابين حولهما المجتمع إلى قتلة بسبب حادثة غيرت مجرى حياتهم ، لم لا نأتي بالنقيض شخص حدثت له حادثة غيرت مجرى حياته ..... ولكن هذه المرة للأفضل كما هو الحال في فيلم " ملك وكتابة ".
لا أريد أن أطيل أكثر من هذا ، ولكن أليس من المجدي أعادة تأهيل استخدام الواقعية في الأعمال الفنية لشمل كل شيء ولا تكون محصورة في نطاق معين وضيق ؟
والشكر موصول للجميع .......، والسلام ليس الختام
أخوكم جوروماكي
المفضلات