تصل أحيانا مرحلة من الحياة.....تحس فجأة أن الحياة كلها عبارة عن دوامة كبيرة
تسحب الكل داخلها...بلا أي إنذار تجد كل الذين من حولك ذهبو...إنتهو للأبد...
ليس ضروريا أن يكون موتا...قد يكون مغادرة.....لكن بلا عودة
موجودون حولك لكن ليسو هم نفسهم...أقنعة قديمة إنزاحت....... نفس الملامح...نفس العطر..نفس المكان...لكن هناك شيء أنكسر!!
شيء تغير..شِيء ذهب للأبد ولن يعود أبدا.........
يذبحك هذا الإحساس...تبكي....تجد دموعك غريبة عليك....تنظر إلى وجهك في المرآة.....
هذا ليس وجهي!!
أنا نفسي قد تغيرت!
ماذا حدث؟؟
لماذا تغيرنا؟؟
الزمن تغير؟؟
لا...نحن الذين تغيرنا..كل شيء برد...كل شيء إختفى...صارت هناك وجوه جديدة للحياة..وهاته الوجوه صعب علينا أن نبتلعها.......
صعب علينا أن نعيشها....صعب.....أن نعاشرها.......
حسنا والحل؟؟
أذرعنا تعبت من مقاومة الأمواج....إلى متى؟؟
في النهاية...نلقي هذه الأذرع المتعبة إلى جانبنا....نغمض أعيننا...ونستسلم للدوامة....
ننتظر النهاية بفارغ الصبر...نقول يا رب...عجلها..لا أريد أن أتعذب بهذا الغرق...لا أريد أن أحس بأنفاسي تتقطع حتى تتلاشى...
وإنت في هذا السبات....فجأة تجد حولك أذرعة أخرى تتخبط,,, وجوه جديدة تنسحب مع الدوامة...
يا إلهي.....هل سيذوقوا هذا الذي أنا فيه؟؟؟
لا....وألف لأ.......
سأدفع عمري .. الذي ما بقي منه سوى لحظات.. لأبعد الكل عن ما أحس به
سأعطي طاقتي الأخيرة لهم....لم تعد تهمني هذه الحياة التي سأقضيها في إنتظار هذه اللحظات....
بإنتظار أن أتذوق آخر دوائر هذه الدوامة....
بإنتظار أن أتحسس آخر ضيق تمر به أنفاسي...
لا.....لن أتركهم ينتهو بنهايتي...سأقاوم آخر الدوائر...سأرفع يدي بعيدا عن قرارة هذه الدوامة....لأبعدهم بها عنها...
وأنتهي..أقرب مما تصورت...لكن على الأقل أنتهي بسرعة....بدون عذاب....بل سأشغل نفسي عن عذابي...بهم...بإبعادهم عن هذه الدوامة
أغمض عيني وأبدأ حربي
أفتح عيني وأنظر إلى المرآة......لقد مرت عشر دقائق ربما..ربما سنة...ربما سنوات!!
لكن لم تمر الدقائق بالقدر الكافي لتظهر هذه التجاعيد المتألمة على وجهي!!
أين هي الدوامة؟؟؟
لقد إختفت..هاهي تظهر من بعيد لتأخذ من أحبهم...وتسحبني إليها ببطء شديد....فأشعر بها تخنق أنفاسي...
إنها تتعنى أن تبطئ في تعذيبي.....
لكي أرى الكل من حولي..كل الذين أحبهم يرحلون فيها
ليست موتا...إنها رحيل....بأي وجه من وجوه هذا المعنى تحمله في طيات الكلمة
إنه رحيل لا نهائي.....غوص إلى قرار غير موجود.....سقوط أبدي
إلى بئر لم يخلق لها قرار.....لربما نعبر بها وجه الأرض الثاني...
ربما نخترق بها أكوان لم تخلق..ولم توجد
ربما نبكي....ونذوق هذه الدموع لنجد أنها لم تكن من أعيننا
كلا
إنها من الأعين ذاتها....العطر نفسه..المكان نفسه...لكن شيء ما تكسر!!
شيء ما يزول ويختفي!!
ما هو؟؟
ليتني أدري!!!
سأستلقى على هذه التربة..وأتذوق طعم ذرات الغبار تتمرغ على شفتي لتقول لي أنها ستحتويني حين أرحل...
سأنظر إلى أصابعي نظرة أخيرة..أتأمل فيها...إن إحساسي يتلاشى.. سأرحل قريبا...كم هو شعور مرعب...
لكنه يبعث في ضحكات لا تنتهي....
تنقلب ضحكاتي آهات...آلام الإحتضار....
سأغمض عيناي على مرآى هذه الأصابع...وسأعد أنفاسي الأخيرة...ليمر الوقت دون أن أشعر به....وأموت بهدوء...بعيدا عن كل الناس...وحيدة..كما كنت دوما في بداية حياتي
أنفاسي تجاوزت الألوف..ولم أرحل!!
سأفتح عيناي الآن...إنها طيور الموت تحوم حولي
لماذا لم أمت؟؟
إن هاته الطيور ترحل بعيدا....
تعالي..خذيني معك..أريد أن أهاجر إلى أرض لم تخلق!!
أيتها الطيور لا ترحلي...
إن الموت ذاته يغادر بعيدا..يتلذذ بتعذيبي
سأغمض عيناي مرة أخرى..ولأحصي أنفاسي حتى تتجاوز الآلاف...
لن أفتح هاته العينان مرة أخرى...
حتى أصل إلى آخر دائرة في هذه الدوامة...وتبتلعني..لأبدأ معها رحلة إلى أغوار لم توجد...ولم تخلق
عذرا...........أعتذر لكلماتي...
إلى اللقاء
أنين السكون
المفضلات