اليوم حديثنا حول المنامات ..دعوني أنتقل بكم إلى هذا الجانب الغامض وهو أحد أسرار الكائن البشري ألا وهو الإنسان..
~{المنامات أو الرؤيا}~
هل من الممكن لأحد منا أن يــدير ظهره للمنامات ويعيش يومه وكأن شيئاً لم يكن ..؟
ومن منا لا يتذكر مناماً واحداً على الأقل في حياته ،لايكف عن ملاحقته في يقظته ..ويأخذ مساحة واسعة من تفكيره؟؟
وهل يعتبر من العبث الإستهانة بالمنامات وإعتبارها مجرد أضغاث أحــلام..؟؟
ومن لايحلم برؤية طيف عزيز راحل في غفوة ليل ؟؟
بل وكيف يكون شعوره حين يفتح عينيه أثر مداعبات ضوء الصباح المعطر بذلك الطيف..؟؟
كلنا يعرف ما المفهوم أو المعنى الدقيق لكلمة رؤيا ..بمعنى أخر الأحلام..
تقول المستشرقة الألمانية الراحلة آنا ماري شيمل بعد قرائتها المتعمقة للمنامات في تراثنا العربي والإسلامي:
أن الأحــلام في منتهى الواقعية ، ولها دور في تغيير قناعات البعض أو توليد منشآت عمرانية أو تحــرير مؤلفات ماكانت تخطر في أذهان مؤلفيها لولا حث المنام..أو نصيحة ميت تراءى لهم في النوم..
وتكمل بقولها:
أن جزءاً من الحياة ما كان له أن يوجد لولا منام عابر في ليلة راءٍ..وللمنام دور في تنشيط الإنسان على إنجاز أمور كثيرة..وله أثره في قلب مسارات أشخاص وأناس..
قد نتسأل : كل هذا يفعله المنام حقاً أو تقوم به الرؤيا والأحلام..؟لكن كيف ذلك ..؟؟وما هي الإثباتات ..؟؟
أنه لمن الطريف أن ترى هذه المنامات تدس أنفها في شؤون حياتك اليومية فعلى سبيل المثال..
كم من خصام بين أخوين ، إنتهى بإعادة وصل الأرحام ..نتيجة رؤية والد راحل ..أخذ يمارس عاطفته الأبوية لتغيير مسار الخصام..
والتراث العربي والإسلامي مليء بالأمثلة منها:
~{ الأشعري }~
فالأشعري كان أكبر مدافع عن الفكر الإعتزالي ..ولم يغير هذا المسار الفكري إلا بناءاً لأوامر منامية ..
حيث إنتقل بقدرة هذا المنام من ذاك المدافع الكبير عن الفكر الإعتزالي إلى ألد أعداء هذا الفكر..
~{ الخليفة العباسي : المأمون.. }~
المأمون الذي رأى آرسطو في منامه ..وماكان لهذه الرؤيا من أثر والتي دفعته لتشييد ( دار الحكمة ) أهم مكتبة حضارية للترجمة في ذلك الوقت..والتي أدت لإنتقال الفكر الإغريقي إلى الثقافة الإسلامية..
كــذلك بعض الأعمال العمرانية كانت نتيجة رؤية رأها أحد المسؤلين في عز نومه..منها هذه الحكاية:
حكاية مسجد إبن طولون ..الذي رأى في المنام الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مستغرب عدم بناء مسجد في الناحية التي يقوم عليها الآن هذا المسجد..
فماكان منه بعد الإستيقاظ من النوم إلا أن أمر ببناء المسجد..
وللمنامات أثر واقعي ونفسي ، يؤدي بالشخص الذي رأى تلك الرؤية لتحويل المنام لواقع مرئي..
~{ الحكام و الرؤساء }~
للحكام والرؤساء علاقة بالأحلام، فالبعض منهم يُسخر سلطان المنام وإيمان الناس بها لتحقيق مآربه السياسية..
ولايمكن لأحد أن يميز بين المنامات الحقيقية من تلك المفتعلة لدى السياسيين والتي تمهد لإتخاذ مواقف سياسية معينة أو لإزاحة منافس محتمل ..
على سبيل المثال:
صدام حسين
الذي كلف العالم العربي والدولة العراقية أحزاناً دامية حين قال أنه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام يحثه على الجهاد ضد الإيرانيين..
تيمور لنك
الذي إحتال بحيلة منامية الغرض منها رغبة سياسية و لخوض حرب ..
فهو ما قام بفتوحاته لولا رؤيا منامية حثته على إجتياح العالم..
~{ الأشياء المرئية في الأحلام وتفسيراتها }~
كل لغة من اللغات سواء العربية والتركية والفارسية لها ارتباطات بالمنام ..وتفسيرات خاصة بالاشياء المرئية في الاحلام ..
فعلى سبيل المثال :الذهب في المنام:
له دلالة سلبية ..فهو يشير إلــى الرحيل..
الحبل:
له مدلول في المنام وتفسيره : الإنجاب..
ويختلف هذا التفسير من لغة إلى أخرى..
~{ دلالة المنام تتغير حسب الفصول والأوقات والبيئة الجغرافية والدينية .. }~
على سبيل المثال رؤية الكنيسة في منام مسلم قد تجلب له الحيرة..ولكن رؤيتها في منام مسيحي تجلب له المسرة..
كذلك الطقس في المنام له أثره فرؤية الفرو في المنام لا يتضح مدلوله ومعناه إلا إذا كنا نعرف الطقس الفعلي لحظة المنام..
هذه القصة توضح مدلول ما سبق:
أحد الأشخاص رأى في منامه أنه أخذ سبعين ورقة من أوراق الشجر..فذهب إلى أبي بكر الصديق ..فقال له أبو بكر: تُضرب سبعين جلدة..
وبعد عام رأى تلك الرؤية نفسها ..فذهب إلى أبي بكر ..رغم ما لاقاه من جراء الأولى وأخبره بأنه رأى تلك الرؤيا على هيأتها..فقال : يحصل لك سبعون ألف درهم ..
وبّين له أن رؤياه الأولى حدثت والأشجار تنثر أوراقها مما يدل على العصا.. أما الرؤيا الأخرى فحدثت عند نمو الأشجار وإكتسائها بالأوراق..
وهل تعلم بأن المؤلفين المبدعين لهم علاقة بالمنامات ..فقد يتعرضون للخوف ولايريدون تحمل مسؤلية ما يقوموا بكتابته ..فيلجأون للغموض والأعتماد على الكتابة المنامية ..
فيكون المنام في كتاباتهم بطل السرد القصصي أو الذي يحكي الحكاية ..أو أن يملاء الكاتب جو روايته وقصته بعالم من الأحلام..
على سبيل المثال :
رواية ( البومة العمياء ) للكاتب الإيراني صادق هدايت..
ورواية نجيب محفوظ ( رأيت فيما يرى النائم )
في النهاية ..المنامات منها الحميد الذي يفرح القلب ومنها الموحش الذي يعكر صفو يقظة الرائي ويطارده كالأشباح..
وفي التراث العربي يعتمد العرب لإزالة مفعول المنام الموحش على أمور وعلاجات شعبية قائمة على الخرافة..
ففي المغرب العربي يلجأ البعض لإلغاء مفعول المنام الموحش عن طريق سرده بمعنى أن يقوله لحجر أو بوعاء به ماء جاري ..
تمنياتي أن ينال هذا الموضوع إعجابكم..
المفضلات