شاب دون العشرين من العمر دخل عليّ منقبض الصدر مقطِّب الجبين مكفهر الوجه، وقال :
ماذا نصنع في هذا العالم المضطرب؟ أين نغدو من هذه الأحداث المظلمة؟ كل ما نراه يوحي بأن الكارثة التي ستدمر الجميع قد أزفت، الدنيا تحترق، الأخبار العالمية تغرق في الدماء نراها رأي العين، الكذب يسيطر على الناس، الإلحاد ينتشر كالنار في هشيمٍ لا ترى نهايته العين، الظلم أصبح هو الأسلوب الأمثل لتعامل الأقوياء مع الضعفاء، ؟أمريكا تعلن الحرب على الجميع، وهي دولة تعيش في أوجِ قوتها، فكل التقارير تؤكد أنها تملك قوة تفوق قوى دول العالم مجتمعة، اليهود يقتربون من تحقيق حلمهم في تكوين (( إسرائيل العظمى )) نحن – المسلمون – نحاصر في كل مكان، نقتل، نشرد، تغتصب حقوقنا، تنتهك أعراضنا ونتهم بالعنف والإرهاب حتى ولو كان أحدنا لا يحسن استخدام مسدس من مسدسات ألعاب الأطفال.
فتاوى متضاربة، فرق و أحزاب ومذاهب، أعدائنا يتحركون داخل عالمنا الإسلامي، ونحن نتجادل في أمور معلومة من الدين بالضرورة.
ماذا نصنع؟ نعم ماذا نصنع؟
ظلمات بعضها فوق بعض، شعرتُ أن ذلك الشاب قد غرق فيها غرقاً كاملاً، حتى ساورني الشك – وهو يتكلم – في بقاء الأرض خارج المكان الذي كنا نجلس فيه على حالتها الطبيعية، ربما مادت الأرض، وربما نخرج من مكاننا ذاك، فلا نرى أرضاً ولا بشراً، ولا شيئاً في الكون يرد العين.
قلت لذلك الشاب : على رسلك يا فتى، الدنيا بخير، هذا التشاؤم طريق الهزيمة والهلاك، تفاءلوا بالخير تجدوه.
صرخ في وجهي مغضباً قائلاً : هذا الكلام الذي تقول سمعته عشرات المرات، من أمي، أبي، إخوتي، أعمامي، أساتذتي، والمشايخ الذين سألتهم، كلكم تقرؤون من كتاب واحد، وتحفظون نصوصاً واحدة، بينما الفضائيات، والبرامج تقول غير ذلك؛ تقول لي : لقد انتهى كل شيء، فلا تفكر في النجاة.
قلت لع : على رسلك أيها الفتى، فالدنيا – فعلاً – بخير، وأنت شاب مسلم تملك في قلبك كنوز الدنيا كلَّها حينما تكون قويّ الإيمان بربك، إن هذا اليأس الذي يملك مشاعرك هو السلاح الفتّاك الذي يفعل بالناس ما لا تفعله أسلحة الدمار الشامل التي يتحدثون عنها، ألم تأت إلى هذا المكان بسيارتك؟ ألم تشاهد الشوارع مليئة بالناس، ألم ترى المحلات التجارية تستقبل زبائنها بالمئات، ألم تسمع هذا اليوم صوت المآذن يتعالى مردداً " الله أكبر ".؟
إن الحياة تسير وفق ما كتب الله لها، وإن أصحاب القوى من الشر لا يستطيعون أن يفعلوا كلَّ ما يريدون، نحن الذين نضخمهم، ونبالغ في تصوير مقدرتهم مبالغةً تناقض معنى إيماننا بأن الله محيط بكل شيء.
نستطيع أيها الفتى أن نصنع أشياء كثيرة لننقذ أنفسنا وبلادنا والمستضعفين في هذا العالم الفسيح، ولكننا لن نستطيع أن نفعل شيئاً واحداً إذا استسلمنا لليأس الذي تستسلم له أنت الآن.
لا تقل : ماذا نصنع؟ ولكن قل : سوف نصنع شيئاً لإنقاذ العالم.
حينما وقف الرسول – صلى الله عليه وسلم – أمام كفار قريش بعتوهم وجبروتهم وضلالهم وانحرافهم في أول خطبة ألقاها أمامهم، كان على يقينٍ أنه سيصنع شيئاً لإزالة ذلك الليل الجاهلي البهيم، كان وحده في عُرف البشر، ولكنه كان في جيش قوي من يقينه بربه، وعزيمته، وصبره، وتفاؤله، وإشراق أمله؛ وأنت أيها الشاب وريث لذلك كله إذا كنت وثيق الصلة بربك ودينك وقرآنك وسنة نبيك – صلى الله عليه وسلم –.
بشِّر نفسك بالفرج، ولا تنفِّرها من الأمل في نصر الله.
لقد كنت أسائل نفسي مثل هذه الأسئلة التي سألها الفتى ..
ولكني بعد قراءة رد الدكتور عبد الرحمن العشماوي عليها .. بدأت أحس بالأمن أكثر .. بدأت أحاول أن اقوي إيماني بالله عز وجل ..
حبيت المقال لذلك أحببت نقله إليكم ..
من كتاب الدكتور العشماوي ..
العنوان .. بشروا ولا تنفروا..
[SHADOW][GLOW]أخوكم العزيز .......... جيرايا[/GLOW][/SHADOW]
المفضلات